اللباب في علل البناء والإعراب

محبّ الدين عبدالله بن الحسين البغدادي [ أبي البقاء العكبري ]

اللباب في علل البناء والإعراب

المؤلف:

محبّ الدين عبدالله بن الحسين البغدادي [ أبي البقاء العكبري ]


المحقق: محمّد عثمان
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦١

والثاني : أنّ من وما تختصان ف (من) لمن يعقل و (ما) لما لا يعقل والذي تصلح لهما ، والأصل في الصفة أن تكون مشتقّة من الفعل والفعل لا يختصّ فالمشتقّ منه كذلك ف (من وما) لاختصاصهما أشبها الأعلام فلم يوصف بهما.

فصل : والياء واللّام في الذي أصلان وقال الكوفيون الاسم الذال وحده وما عداه زائد.

وحجّة الأوّلين : أنّ الذي اسم ظاهر فلم يكن على حرف واحد كسائر الأسماء الظاهرة يدلّ عليه أنّ الذال لم تستعمل في هذا الاسم وحدها فلو كانت الياء واللام زائدتين لجاز حذفهما في هذا الجنس.

واحتجّ الآخرون من وجهين :

أحدهما : أنّ الياء تسقط في التثنية فلو كانت أصلا لم تسقط ، وأمّا اللّام فزيدت ليمكى النطق بالذال ساكنة ولتدخل الألف واللام على متحرك.

والثاني : ما جاء في الشعر من حذف الياء وتسكين الذال كقول الشاعر : [الرجز]

كاللّذ تزبّى زبية فاصطيدا

ولا نظير له فيما هو على أكثر من حرف.

والجواب : أمّا حذف الياء في التثنية فقد أجبنا عنه في باب التثنية وحذف الياء في الشعر شاذّ لا يدلّ على أنّها زائدة ؛ لأنه قد حذف في الشعر كثير من الأصول كقوله : (درس المنا) ، و (من ورق الحمي) ، وقد تقدّم ذكر ذلك.

فصل : والألف والّلام في الذي زائدتان لا للتعريف لوجهين :

أحدهما : أنّ تعريف الذي بالصلة بدليل تعرّف من وما بها إذ لا لام فيهما وما يعرّف في موضع بشيء يعرّف في موضع آخر بذلك الشيء.

والثاني : أنّ الألف واللام لو حصّلا التعريف لكان الاسم مستعملا بدونهما نكرة إذ جميع ما تدخل عليه لام التعريف كذلك فإن قيل : لو كانا زائدتين لجاز حذفهما قيل من الزوائد ما يلزم كالفاء في قولك : خرجت فإذا زيد ونحوها.

فصل : وإنّما تعرفت هذه الأسماء بالصّلات ؛ لأن الصّلات تخصّصها ؛ لأن الصلة جملة من فعل وفاعل أو مبتدأ وخبر وكلاهما خاصّ فجريا مجرى الصفة المخصصة نهاية التخصيص.

٣٨١

فإن قيل : كيف تعرّف الجملة وهي نكرة ؛ ولذلك تفسّر بالنكرة ففيه جوابان :

أحدهما : أنّ الجملة التي هي صلة لا تخلو من ضمير هو الموصول في المعنى والضمير معرفة فتخصصت الجملة به وكان الفعل من الجملة يلزمه الفاعل وهو معرفة وكذلك المبتدأ وصارت الجملة مع الذي بمنزلة وصف معرّف بالألف واللّام.

والثاني : أنّ الجملة ليست نكرة باعتبار نفسها بل تقدّر باسم نكرة فإذا انضمّ إليها الذي صار في حكم المركّب فالجملة كالمفرد النكرة والذي نعت لما قبلها فحدث عند التركيب معنى لم يكن للمفرد على ما هو المألوف في المركّبات.

فصل : وإنّما كانت الصلة جملة خبريّة لأربعة أوجه :

أحدها : أنّ الغرض منها إيضاح الموصول وغير الخبريّة من الأمر والاستفهام مبهم فلا يحصل الإيضاح.

والثاني : أنّ الذي اسم ظاهر والأسماء الظاهرة للغيبة فلو وصلت بالأمر والنهي للمواجه لتناقضا ؛ لأن المواجهة خطاب وإن كانا للغائب لزم أن يكون فاعلهما غير الذي والضمير العائد على الذي هو الذي في المعنى فيتدافعان وكذلك الاستفهام.

والثالث : أنّ الذي وصلته مقدّران باسم واحد والاسم الواحد لا يدلّ على الأمر والنهي والاستفهام مع دلالته على مسمّى آخر.

والرابع : أنّ الذي وصلته يخبر عنهما تارة وبهما أخرى والأمر والنهي والاستفهام لا يصحّ فيها ذلك ، فإن قيل : فما تقول في بيت الفرزدق : [الطويل]

وإنّي لرام نظرة قبل الّتي

لعلّي وإن شطّت نواها أزورها

فجعل الصّلة لعلّ قيل هو شادّ وتأويله أنّه حذف القول وتقديره التي أقول لعلّي وما جاء من ذلك فهذا سبيله.

فصل : وفي الذي أربع لغات الجيدة الذي بسكون الياء والثانية حذفها اجتزاء بالكسرة عنها والثالثة تسكين الذّال على إجراء الوصل مجرى الوقف والرابعة تشديد الياء على المبالغة كما زيدت في الصفات كأحمريّ ودوّاريّ.

٣٨٢

فصل : واللغة الجيدة في تثنيتها حذف الياء ؛ لأن الكلمة طالت بالصّلة وزيادة حروف التثنية فخفّت بالحذف ، وقد حذفت نونها في الشعر تخفيفا وأما الجمع فالجّيد الذين في كلّ حال وياء الأصل محذوفة من أجل ياء الجمع ومن العرب من يجعلها في الرفع بالواو وفي الجرّ والنصب بالياء وليس ذلك إعرابا بل تشبيه له بالمعرب.

فصل : والأصل في اللاتي أنّه اسم وضع للجمع ووزنه فاعل مثل الجامل والباقر ويجمع على اللّواتي على فواعل ، وأمّا اللائي فعلى فاعل أيضا ومن العرب من يحذف منه الياء وهي لام الكلمة.

فصل : والألى بمعنى الذين كقولك : هم الألى قالوا كذا أي الذين وذو في لغة طيء تكون بمعنى الذي وتكون في المؤنث والمذكر والواحد وما زاد عليه بلفظ واحد وبالواو في كل حال.

مسألة : اسم الإشارة غير موصول وقال الكوفيون هو موصول.

وحجّة الأوّلين : أنّه اسم تامّ بنفسه يحسن الوقف عليه فلم يكن موصولا كسائر الأسماء الظاهرة ؛ ولذلك يحسن أن يجمع بينه وبين الذي فيقال إنّ هذا الذي عندنا كريم.

واحتجّ الآخرون بقوله تعالى : (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) [البقر : ٨٥] و (ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ) [آل عمران : ١١٩] وبقول الشاعر (١) : [الطويل]

عدس ما لعبّاد عليك إمارة

نجوت وهذا تحملين طليق

والجواب عن الآية : أن (تقتلون) و (تحبّونهم) حال وليس بصلة ، وقد استوفيت القول على ذلك في إعراب القرآن وأمّا البيت ففيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أنّ طليقا خبر هذا وتحملين حال من الضمير في طليق والعائد محذوف أي تحملينه.

والثاني : هو خبر بعد خبر.

__________________

(١) البيت من شعر يزيد بن مفرغ الحميري : (٦٩ ه‍ / ٦٨٩ م) وهو يزيد بن زياد بن ربيعة الحميري. من أصل يمني من قبيلة يحصب ، كانت أسرته في حلف مع قريش. ولد في البصرة ، ونشأ بها ، كان يعرف العربية والفارسية ، بدأ اتصاله بالبلاط نديما لسعيد بن عثمان بن عفان ، وأصبح بعد ذلك من شعراء البلاط.

اشتهر بشعره الساخر من عبّاد وعبيد الله بن زياد بن أبيه. وله شعر في المدح والغزل.

٣٨٣

والثالث : أن يكون حالا والعامل فيه معنى الإشارة.

مسألة : الاسم الظاهر إذا دخلت عليه الألف واللام لم يكن موصولا لما ذكرنا من قبل ، وقال الكوفيون : يكون موصولا واحتجّوا بقول الشاعر (١) : [الطويل]

لعمري لأنت البيت أكرم أهله

وأجلس في أفيائه بالأصائل

أي : أنت الذي أكرم وجوابه من وجهين :

أحدهما : أنّ البيت مبتدأ ثان وأكرم أهله الخبر.

والثاني : أنه أراد البيت الذي أكرم فحذف الذي للضرورة.

مسألة : ماذا تكون على وجهين :

أحدهما : هما اسمان ف (ما) استفهام و (ذا) بمعنى الذي فعلى هذا يكون الجواب مرفوعا كقوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) [البقرة : ٢١٩] في قراءة من رفع.

والوجه الثاني : أن يكون ما وذا اسما واحدا للاستفهام بمعنى أيّ شيء فعلى هذا انتصب العفو في الآية ويكون موضع ماذا نصبا ب (ينفقون).

فإن قيل : كيف جاءت ذا بمعنى الذي هنا؟

قيل : لمّا ركّبا حدث لهما معنى وحكم لم يكن في الإفراد على ما عرف في تركيب الحروف وغيرها وإنّما كانت مع ما بهذا المعنى ؛ لأن ما في الاستفهام في غاية الإبهام فأخرجت ذا من التخصيص إلى الإبهام وجذبتها إلى معناها وأصارتها إلى إبهام الذي فإن قيل : أفيجوز مثل ذلك في من ذا قيل لا ؛ لأن من تخصّ من يعقل فليس فيها إبهام ما.

__________________

(١) البيت من شعر أبي ذؤيب الهذلي : (٢٧ ه‍ / ٦٤٨ م) وهو خويلد بن خالد بن محرّث أبو ذؤيب من بني هذيل بن مدركة المضري.

شاعر فحل ، مخضرم ، أدرك الجاهلية والإسلام ، وسكن المدينة واشترك في الغزو والفتوح ، وعاش إلى أيام عثمان فخرج في جند عبد الله بن سعد بن أبي السرح إلى إفريقية سنة (٢٦ ه‍) غازيا.

فشهد فتح آفريقية وعاد مع عبد الله بن الزبير وجماعة يحملون بشرى الفتح إلى عثمان ، فلما كانوا بمصر مات أبو ذؤيب فيها. وقيل مات بإفريقية.

أشهر شعره عينية رثى بها خمسة أبناء له أصيبوا بالطاعون في عام واحد مطلعها :

«أمن المنون وريبه تتوجع».

قال البغدادي : هو أشعر هذيل من غير مدافعة. وفد على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة وفاته ، فأدركه وهو مسجّى وشهد دفنه. له (ديوان أبي ذؤيب ـ ط).

٣٨٤

مسألة : أيّهم يكون بمعنى الذي فإن وصلت بجملة كانت معربة اتفاقا كقولهم : لأضربنّ أيّهم هو أفضل ، فإن وصلتها بمفرد كانت مبنيّة عند سيبويه وذهب بعض البصريين والكوفيون إلى أنّها معربة.

وحجّة الأوّلين : أنّ الأصل في أيّ أن تكون مبنية في الشرط والجزاء والاستفهام لتضمّنها معنى الحرف ، وإذا كانت بمعنى الذي يجب أن تبنى لنقصانها إلّا أنّ ذلك خولف لما نذكره في الاستفهام ، وإذا حذف من صلتها شيء خالفت بقيّة أخواتها فازداد نقصانها ومخالفتها للأصل فيجب أن ترجع إلى حقّها من البناء واحتجّ بقوله تعالى : (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) [مريم : ٦٩].

واحتجّ الآخرون بما قال الجرميّ : خرجت من البصرة فلم أسمع منذ فارقت الخندق إلى مكّة أحدا يقول لأضربنّ أيّهم أفضل بالضم بل بنصبها ولأنّ أيّهم معربة في غير هذا الموضع فتكون معربة ها هنا قالوا والآية محمولة على غير ما ذكرتم وفي هذه المسألة أقوال قد ذكرناها في إعراب القرآن.

والجواب : أمّا حكاية الجرمي فيجوز أن يكون ما سمعه لغة لبعض العرب فإنّ سيبويه حكى خلافها فيجمع بين الحكايتين ويحمل الأمر فيها على لغتين إلّا أنّ الأقيس البناء ، وأمّا قياسها عليها في الاستفهام والجزاء فلا يصحّ ؛ لأنها هناك تامّة وهي ها هنا ناقصة مخالفة لأخواتها من الموصولات.

مسألة : لا بدّ في الصلة من عائد على الموصول ؛ لأن الذي يصلح وصله لكلّ جملة والجملة في نفسها تامّة فلا تصير الجملة تماما ل (الذي) وكالجزء منه إلّا بالضمير الرابط لأحدهما بالآخر كما في الجملة التي هي خبر المبتدأ.

فصل : ويجوز حذف العائد المنصوب كقوله تعالى : (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ) [الفرقان : ٤١] لأنّ الاسم طال لاجتماعه من أربعة أشياء الذي والفعل والفاعل والمفعول ولا يجوز حذف المرفوع ؛ لأنه فاعل والفاعل لا يحذف ولا المجرور ؛ لأنه كجزء من الجارّ ؛ ولذلك لم يكن إلّا متّصلا ، وقد جاء حذف المجرور أيضا قليلا إذا كان الفعل موجودا وطريقه أنّه

٣٨٥

يعدّي الفعل بنفسه بعد حذف الحرف ثم يحذف الضمير ، وذلك كقوله تعالى : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) [الحجر : ٩٤] أي به ثمّ حذفت الباء فبقي بما تؤمره ثم حذفت الهاء هذا إن جعلت ما بمعنى الذي أو موصوفة وإن جعلتها مصدريّة لم تحتج إلى تقدير ضمير ، ومنهم من يحذف الجارّ والمجرور دفعة واحدة.

فصل : وأمّا أنّ الثقيلة المفتوحة وأن الناصبة للفعل فهما موصولتان وهما حرفان بلا خلاف فأمّا ما المصدريّة فموصولة أيضا وهي حرف ، وقال الأخفش : هي اسم.

وحجّة الأوّلين : أنه لا يعود إليها ضمير ولو كانت اسما لاحتاجت إليه.

واحتجّ الآخرون بأنّها موصولة غير عاملة فكانت اسما كأمثالها من الموصولات.

والجواب : أنّ الاسميّة لا تثبت من حيث كانت موصولة غير عاملة فإنّ ذلك ليس من حدّ الأسماء ولا علاماتها ؛ لأن كونها موصولة يخرجها عن حكم الأسماء إذ من حكم الأسماء التّمام وكونها لا تعم حكم أكثر الحروف فعلم أنّ الاسمية تثبت بدليل غير هذا ، وقد ذكرنا ما يصلح أن يكون دليلا على حرفيتها.

مسألة : الألف واللّام بمعنى الّذي اسم وحكي عن الأخفش أنها حرف.

وحجّة الأولين : احتياجها إلى عود الضمير إليها على ما سبق.

واحتج الآخرون بأنّها تفيد التعريف فكانت حرفا كحالها إذا دخلت على الأسماء المحضة وسبب ذلك أنّ الاسم الموصول تعرّفه صلته والألف واللّام يعرّفان ما يدخلان عليه.

والجواب : أنّ الألف والّلام ليست للتعريف هنا بل هي ك الّذي والفرق بينهما وبين اللّام المعرّفة أنّ حرف الجرّ إذا وقع قبل الموصول لم يتعلّق بالصّلة كقوله تعالى : (وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) [يوسف : ٢٠] وإن جعلت الألف واللام للتعريف جاز أن يتعلّق الجار بما دخلت عليه إذا صلح للعمل.

فصل : ولا يتقدّم شيء من الصّلة على الموصول ؛ لأن الصلة كجزء من الاسم وتقديم بعض أجزاء الاسم على بعض ممتنع ، وذلك قولك : سرّني ما صنعت اليوم إن نصبت اليوم سرّني جاز تقديمه وتأخيره وإن جعلته ظرفا ل (صنعت) لم يجز تقديمه بحال وللعلّة التي

٣٨٦

ذكرنا لم يجز إيقاع الأجنبيّ بين الموصول والصلة ولا إيقاع الصفة والبدل والعطف قبل تمام الصلة كقولك : عجبت من الضاربين إخوتك الظريفين وزيد ونحو ذلك فلو قدمت هذه الاشياء على إخوتك لم يجز ، فإن قلت : من الضاربين أجمعون إخوتك ، فجعلت أجمعين تأكيدا للضمير في الضاربين جاز ؛ لأنه لا فصل فيه إذ كان تابعا لمعمول الموصول.

٣٨٧

باب الاستفهام (١)

الاستفهام : طلب الإفهام والإفهام تحصيل الفهم والاستفهام والاستعلام والاستخبار بمعنى واحد ، وقد يكون الاستفهام لفظا وهو في المعنى توبيخ أو تقرير فالتوبيخ كقوله تعالى : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ) [البقرة : ٢٨] والتقرير كقوله : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى) فقرّره ليقول : (هِيَ عَصايَ) [طه : ١٧ ـ ١٨] فإذا رآها صارت حيّة لم يخف لعلمه أنّ الله تعالى جعل ذلك آية له.

فصل : وحروف الاستفهام ثلاثة الهمزة وأم ، وقد ذكرا في العطف وهل ، إلّا أنّ هل قد تكون بمعنى قد ومنه قوله تعالى : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) [الإنسان : ١] في أحد القولين.

فصل : وقد شبّهت بهذه الحروف أسماء وظروف فالأسماء من ويستفهم بها عمّن يعقل وتستعمل في غيره مجازا وما لما لا يعقل ، وقد جاءت لمن يعقل وأي تصلح لهما وأين في المكان ومتى في الزمان وكم في العدد وكيف في الحال وأنّى تكون بمعنى متى وكيف ومن أين فمن الأوّل قوله تعالى : (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها) [البقرة : ٢٥٩].

ومن الثاني : قوله تعالى : (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) [البقرة : ٢٢٣].

ومن الثالث : قوله : (أَنَّى لَكِ هذا) [آل عمران : ٣٧] ، ومنه قول الراجز :

من أين عشرون لها من أنّى

فصل : والغرض من الاستفهام بهذه الأسماء عموم السؤال المقتضي للجواب بالمسؤول عنه وهذا لا يحصل من الاستفهام بالحرف ؛ لأن المستفهم عنه يختصّ ببعض الجنس كقولك : أزيد في الدار فيمكن المجيب أن يقول لا ولا يلزمه شيء آخر بمقتضى هذا السؤال فيحتاج أن يحدد سؤالا آخر وربّما تسلسل وفإذا قلت : من في الدار؟ ألزمت المسؤول الجواب بالمطلوب بأوّل مرة.

__________________

(١) إسم الإستفهام هو اسم مبهم يستعلم به عن شيء ، نحو «من جاء؟ كيف أنت؟».

وأسماء الإستفهام هي «من ، ومن ذا ، وما ، وماذا ، ومتى ، وأيّان ، وأين ، وكيف ، وأنّى ، وكم ، وأيّ».

٣٨٨

فصل : وأسماء الاستفهام تامّة ؛ لأن الجملة تتمّ بها وبجزء آخر بخلاف الموصولة وكذلك هي في الجزاء تامّه.

فصل : وإعراب الجواب مثل إعراب السّؤال كقولك : من عندك فهذا مبتدأ وخبر فإذا قلت : زيد عندي ، كان زيد مبتدأ كما كانت من ؛ لأنها سؤال عنه وهو جواب لها ، وإذا قلت : من رأيت؟ قلت : زيدا ، أي رأيت زيدا فتقدّر العامل المذكور في السؤال. فإذا قلت : بمن مررت؟ قال : بزيد ، فيلزم إعادة الجارّ ؛ لأنه لا يعمل مضمرا لضعفه لاحتياجه إلى ما يتعلّق به فلو حذفته حذفت شيئين.

فصل : فإن كان الجار اسما بقي الاستفهام في اللفظ على حاله كقولك : لأضربنّ غلام أيّهم في الدار؟ وقال كثير من النحويين هو ضعيف ؛ لأن الجار لا يعلّق عن العمل بخلاف الناصب والرافع.

فصل : ولا يعمل في الاستفهام ما قبله ؛ لأن أداة الاستفهام لها صدر الكلام إذ كانت تفيد في الجملة معنى لم يكن فلو أعملت فيها ما قبلها لصارت وسطا ، وذلك ممتنع كما يمتنع قولك : لأضربنّ أزيدا في الدار.

فإن قيل : فقد جاء في الحديث صنعت ماذا؟ قيل : هو محمول على أنّه قدّر حذف الفعل وتركه ثم ابتدأ وقال : ماذا ولم يذكر بعده فعلا لدلالة المذكور المقدّر الحذف عليه ، وقيل : أراد ماذا صنعت فحذف ماذا ثم جاء بماذا بعدها دليلا على المحذوف.

وقيل : التقدير أصنعت ثم استأنف استفهاما آخر ، وقد حذفت أداة الاستفهام لدلالة الكلام عليها كقول الشاعر : [الكامل]

كذبتك عينك أم رأيت بواسط

غلس الظّلام من الرّباب خيالا

أي : أكذبتك عينك وعلى هذا حملت قراءة من قرأ : (اتّخذناهم سخريّا) بكسر الهمزة.

فصل : وجميع أسماء الاستفهام مبنيّة لتضمّنها معنى الهمزة إلا : (أيّا) فإنها معربة قالوا ؛ لأنها حملت على نظيرها وهو بعض ونقيضها وهو كلّ ؛ لأنها لا تنفكّ عن الإضافة كما لا ينفكّان عنها والإضافة من أحكام الأسماء فإذا لزمت عارضت ما فيه من معنى الحرف فلم يقو على بنائها.

٣٨٩

باب الحكاية (١)

معنى الحكاية : أن يأتي الاسم أو ما قام مقامه على الوصف الذي كان قبل ذلك والحكاية تكون في المعارف والنكرات.

فالمعارف المحكيّة مختصّة بالأعلام والكنى عند أكثر العرب نحو زيد وأبي محمّد وعلّة ذلك من وجهين :

أحدهما : أنّها أكثر دورا في الكلام إذا كانت التعريفات على الاختصار لا تحصل إلّا بها وما كثر استعماله يخصّ بأحكام لا توجد فيما قل ؛ لأنه لا يلتبس.

والثاني : أن الاعلام قد غيّرت كثيرا نحو محبب ومكوزة وموهب وتهلل والحكاية تغيير فهو من جنس ما لحقها من التغيير.

فصل : فإذا قال القائل : جاءني زيد ، قلت : من زيد؟ رفعت في السؤال البتة وفي رفعة وجهان :

أحدهما : هو خبر من.

والثاني : هو فاعل فعل محذوف كأنّك قلت : أجاءك زيد من الذي من صفته كذا ليكون محكيا ؛ لأن الأوّل فاعل فيكون في الحكاية فاعلا كما في النصب ، وإذا قال : رأيت زيدا قلت : من زيدا ف (من) مبتدأ و (زيدا) مفعول سدّ مسدّ الخبر وكذلك في الجرّ.

فصل : وإنّما حكى الإعراب أهل الحجاز ؛ لأن السامع لهذا السؤال قد لا يكون سمع الكلام الأوّل فأراد المتكلّم أن ينبّهه أنّ ينبه على أن هناك كلاما متقدّما هذا جوابه وإعرابه فأمّا بنو تميم فلا يحكمون بل يرفعون بل يرفعون بكلّ حال.

__________________

(١) الحكاية : إيراد اللفظ على ما تسمعه. وهي ، إما حكاية كلمة ، أو حكاية جملة. وكلاهما يحكى على لفظه ، إلّا أن يكون لحنا. فتتعيّن الحكاية بالمعنى ، مع التنبيه على اللحن. فحكاية الكلمة كأن يقال «كتبت يعلم» ، أي كتبت هذه الكلمة ، فيعلم ـ في الأصل ـ فعل مضارع ، مرفوع لتجرّده من الناصب والجازم ، وهو هنا محكيّ ، فيكون مفعولا به لكتبت ، ويكون إعرابه تقديريا منع من ظهوره حركة الحكاية. وإذا قلت «كتب فعل ماض» فكتب هنا محكيّة. وهي مبتدأ مرفوع بضمة مقدّرة منع من ظهورها حركة الحكاية.

٣٩٠

فصل : فإن عطفت أو وصفت لم يحك كقولك : ومن زيد أو من زيد الظريف وعلّته أنّ الواو تعلق ما بعدها بما قبلها فلا يحتاج في ذلك إلى حكاية الإعراب والوصف يخصّص فينبّه على كلام قبله.

فصل : ولا تحكى النكرة ؛ لأن النكرة إذا أعيدت أعيدت بالألف واللام لئلا يتوهم أنّها غير الأوّل ومنه قوله تعالى : (كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً (١٥) فَعَصى فِرْعَوْنُ) [المزمل : ١٥ ـ ١٦].

ومن هنا قال ابن عبّاس لن يغلب عسر يسرين والمعنى أنّ قوله تعالى : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) [الشرح : ٥ ـ ٦] فاليسر نكرة في الموضعين والثاني : غير الأوّل والعسر بالألف واللام فيهما فهما واحد.

ومن العرب من يحكي النكرة ومنه قول بعضهم تكفيني تمرتان فقال له الآخر دعنا من تمرتان وقال آخر ما أنت قرشيا فقال : لست بقرشيا.

فصل : وإذا أردت أن تحكي النكرة حكيتها ب (من) و (أي) ف (من) تزيد عليها في الرفع واوا وفي النصب ألفا وفي الجرّ ياء وتثنّى وتجمع جمع التصحيح مذكرا كان أو مؤنثا وكلّ ذلك في الوقف ، فإذا قال : جاءني رجل قلت : منو ، ورأيت رجلا قلت : منا ، ومررت برجل مني ، وجاءني رجلان فتقول : منان ، وفي الجرّ والنصب : منين ، وجاءني رجال فتقول : منون ، وفي الجرّ والنصب منين ، وتزيد الهاء للمؤنث فتقول : منه ومنتان ومنتين بسكون النونين ومنات.

فصل : و (من) في جميع ذلك مبنيّة وحروف المدّ علامات على الإعراب وليست إعرابا ولا حروف إعراب والدّليل على ذلك من ثلاثة أوجه :

أحدها : أن : (من) تضمّنت معنى الحرف ، وذلك مستمرّ فيها فيستمرّ البناء.

والثاني : أن هذه العلامات لا تثبت إلّا في الوقف والإعراب يزول في الوقف وأما قول الشاعر من الوافر (١) :

أتوا ناري فقلت منون أنتم

__________________

(١) البيت من شعر تأبط شرا : (٨٥ ق. ه / ٥٤٠ م) وهو ثابت بن جابر بن سفيان ، أبو زهير ، الفهمي.

من مضر ، شاعر عدّاء ، من فتاك العرب في الجاهلية ، كان من أهل تهامة ، شعره فحل ، قتل في بلاد هذيل وألقي في غار يقال له رخمان فوجدت جثته فيه بعد مقتله.

٣٩١

فمن إجراء الوصل مجرى الوقف اضطرارا.

والثالث : أنّ هذه الحروف لو كانت إعرابا لكان الكلام تامّا ليس كذلك.

فقد قال بعض العرب : ضرب من منا قيل هذا شاذّ لا يعّول عليه.

فصل : إذا حكيت ب (أيّ) أعربتها فتقول إذا قال جاءني رجل ايّ وكذلك في النصب والجرّ وتثنّى وتجمع فتقول أيّان وأيّين وأيّون وأيّين وأيّه وأيّتان وأيّتين وأيّات.

فصل : فإذا وصلت : (من) و (أيّا) بشيء بعدها بطلت الحكاية وكان الكلام مستأنفا.

فصل : وأمّا الجمل فتحكى بلفظها سمّيت بها أو لم تسمّ فمما سمّي به تأبّط شرا وذرّى حبّا وما لم يسمّ به كقولك : جاءني زيد ونحوه ، وممّا يحكى ما يرى مكتوبا على خاتم ونحوه فإنّه ينطق به بصورته فممّا جاء من ذلك من المتقارب :

وأصفر من ضرب دار الملوك

يلوح على وجهه جعفرا

قيل : كان على الدينار مكتوب : (جعفرا) أي : اقصدوا جعفرا.

وقيل : جعفرا منصوب بفعل محذوف دل عليه يلوح والتقدير يلوح المكتوب فيبيّن جعفرا ، وقيل : هو منصوب بالمصدر أي من أن ضرب صاحب دار الملوك جعفرا وهذا بعيد ؛ لأن يلوح يفصل بين المصدر ومعموله.

٣٩٢

باب الخطاب

حرف الخطاب الكاف في ذاك ، وقد دللنا على أنّها حرف في باب المعرفة فإن قيل : فكيف تثنّى وتجمع وهي حرف ، قيل : فيه جوابان :

أحدهما : أنّ ذلك ليس بتثنية ولا جمع بل صيغة وضعت لهما كما ذكرنا في أنتما وأنتم.

والثاني : أنّ الكاف في الأصل اسم مضمر ثمّ خلعت دلالة الاسمية عنها وبقيت لمجرّد الخطاب فبقي عليها اللفظ الذي كان لها وهي اسم وهذا يرجع إلى معنى الأوّل ؛ لأن الاسم المضمو لا يثنّى ولا يجمع على التحقيق.

فصل : ومقصود هذا الباب أنّك إذا سألت عن شيء جعلت أوّل كلامك للمسؤول عنه اهتماما به وجعلت آخره للمسؤول المخاطب فتفرد وتثنّى وتجمع وتؤنّث على حسب ذلك كقولك : كيف ذلك الرجل يا رجل ف (ذا) للغائب المسؤول عنه ، والكاف للمسؤول المخاطب فتفتحه في المذكر وتكسره في المؤنث وجميع ما يتصوّر من المسائل ستّ وثلاثون مسألة ، وهذا المقدار أدّت إليه القسمة الضروريّة لأنّك إذا سألت عن رجل كان في المخاطب ستّ مسائل وهي أن يكون المخاطب رجلا ورجلين ورجالا وامرأة وامرأتين ونساء فتقول كيف ذاك وذاكما وذاكم وذاك وذاكما وذاكنّ وإن كان المسؤول عنه رجلين فكذلك تقول كيف ذانك الرجلان يا رجل وكيف ذانكما وذانكم وذانك وذانكما وذانكنّ وإن كانوا رجالا قلت : أولئك وأولئكما وأولئكم وأولئك وأولئكما وأولئكن ، وإن كان المسؤول عنه امرأة قلت كيف تلك وتلكما وتلكم وتلك بكسر الكاف وتلكما وتلكنّ وكذلك كيف تانك وتانكما وتانكم وتانك وتانكما وتانكنّ ، وإن كانوا نساء كانت الإشارة بأولاء كالرجال فتقول : أولئك وأولائكما وأولئكم وأولئك وأولئكما وأولئكنّ والرجل وصف لذا أو بيان.

٣٩٣

باب النّسب (١)

ويسمّى إضافة ومعناها أن يضيف شيئا إلى بلد أو قبيلة أو صناعة إضافة معنويّة كقولك : مكيّ وتميميّ وإنّما سمّي نسبا لأنّك عرّفته بذلك كما تعرّف الإنسان بآبائه.

فصل : وإنّما زيد على الاسم في النّسب حرفان لنقله إلى المعنى الحادث كتاء التأنيث وعلامة التثنية والجمع وإنّما زيدت الياء دون غيرها من حروف المدّ لأوجه :

أحدها : أنّ الواو والألف لو زيد أحدهما لم يبقلفظه من أجل الإعراب والياء يبقى لفظها معه.

والثاني : أنّ علامة النّسب تشبه علامة التأنيث لما نبيّنه من بعد والياء أشبه بتاء التأنيث.

والثالث : أنّ الياء أخفّ من الواو والألف لو زيدت لصار كالمقصور.

فصل : وإنّما كانت مشددة لأمرين :

أحدهما : أنّها إذا شدّدت احتملت الإعراب ، وإذا كانت واحدة لم تحتمله إذا تحرّك ما قبلها.

__________________

(١) النسبة هي إلحاق آخر الاسم ياء مشدّدة مكسورا ما قبلها ، للدّلالة على نسبة شيء إلى آخر.

والذي تلحقه ياء النسبة يسمّى منسوبا كبيروتيّ ودمشقيّ وهاشميّ.

(وفي النسبة معنى الصفة ، لأنك إذا قلت «هذا رجل بيروتي» ، فقد وصفته بهذه النسبة. فان كان الاسم صفة ، ففي النسبة اليه معنى المبالغة في الصفة ، وذلك أن العرب إذا أرادت المبالغة في وصف شيء ، ألحقوا بصفته ياء النسب ، فاذا أرادوا وصف شيء بالحمرة ، قالوا «أحمر». فإذا أرادوا المبالغة في وصفه بالحمرة ، قالوا «أحمري»).

وإذا نسبت إلى اسم ألحقت به ياء النسبة ، وكسرت الحرف المتّصل بها. ويحدث بالنسب ثلاثة تغييرات ، الأول لفظي وهو إلحاق آخر الاسم ياء مشددة ، وكسر ما قبل آخره ، ونقل حركة الإعراب إلى الياء. الثاني معنوي وهو جعل المنسوب إليه اسما للمنسوب. الثالث حكمي وهو معاملته معاملة اسم المفعول من حيث رفعه الضمير والظاهر على النائبية عن الفاعل ، لأنه تضمن بعد إلحاق ياء النسب معنى اسم المفعول. فإذا قلت «جاء المصري أبوه» ، فأبوه نائب فاعل للمصري. وإذا قلت «جاء الرجل المصري» ، فالمصري يحمل ضميرا مستترا تقديره «هو» يعود على الرجل. لأن معنى «المصري» المنسوب إلى مصر).

والمنسوب على أنواع منها مالا يتغيّر عند النسب كحسين وحسينيّ. ومنها ما يتغير كفتى وفتويّ ، وصحيفة وصحفيّ.

٣٩٤

والثاني : أنّ النسب إضافة شيء إلى شيء في المعنى فاشبه التثنية والجمع وكما زيد عليهما حرفان كذلك زيد ها هنا.

فصل : وإنّما كسر ما قبل الياء لأمرين :

أحدهما : أنّ الكسرة من جنس الياء فهي معها أخفّ من غيرها.

والثاني : أنه لو ضمّ لوجب تحويلها إلى الكسر ؛ لأن الياء الساكنة لا تثبت بعد الضمّة ولو فتح لالتبس بالمثنى والمضاف فلم يبق سوى الكسر.

فصل : ويشبه النّسب التثنية من ثلاثة أوجه :

أحدها : أنّ في آخر كلّ واحد منهما زائدين.

والثاني : أنّ كلّ واحد منهما منقول فالتثنية نقلت المعرفة إلى النكرة والنسب نقل من الجمود إلى الوصف.

والثالث : أنّ حرف الإعراب في كل واحد منهما هو الزائد دون ما كان قبل ذلك حرف إعراب.

فصل : وتشبه ياء النّسب تاء التأنيث من ثلاثة أوجه :

أحدها : أنّه ينقل الجنس إلى الواحد مثل : زنج وزنجيّ وروم وروميّ كما تقول تمر وتمرة ونخل ونخلة.

والثاني : أنّها تنقل الاسم من الأصل إلى الفرع فالأصل الاسم والفرع الصّفة كما تنقل التاء من التذكير إلى التأنيث.

والثالث : أنها تصير حرف الإعراب كما أنّ التّاء كذلك.

فصل : وإذا نسبت إلى اسم أقررته على حاله إلّا ما أستثنيه والمستثنى من ذلك ضربان مقيس ومسموع لا يقاس عليه.

فمن المقيس الثلاثيّ المكسور العين مثل : نمر وشقرة ، فإنّ عينه تفتح في النّسب فرارا من توالي الكسرتين والياءين.

فصل : فإن كان المكسور العين أربعة أحرف مثل : المغرب وتغلب ، فأكثرهم يقرّ الكسرة في النّسب لوجهين :

٣٩٥

أحدهما : أنّه لما سكّن ما قبل العين صار المتحرك بمنزلة أوّل كلمة والذي قبله كآخر كلمة موقوف عليها فيقرّ الكسرة كالنسب إلى عدة عديّ.

والثاني : أنّ كثرة الحروف والفصل بالسّاكن غلبا على الكسرة وصارت كالمنسيّ معهما ومن العرب من يفتحها قياسا على الثّلاثيّ.

فصل : إذا نسيت إلى مقصور ثلاثيّ قلبت ألفه واوا ؛ لأن ياء النسب لا يسكّن ما قبلها والألف لا تكون إلّا ساكنة وقلبت واوا لا غير سواء كان أصلها الواو أو غيرها ؛ لأنها مع ياء النّسب أخفّ من الياء ولم تحذف الالف لالتقاء الساكنين ؛ لأن الاسم الثلاثيّ أقل الأصول فالحذف منه إجحاف به ومؤدّ إلى اللبس.

فصل : فإن كان المقصور أربعة أحرف ففيه القلب ؛ لأن الاسم لم يبلغ غاية الأصول فخرج على الأصل وجاز الحذف ؛ لأنه يبقى على زنة أقلّ الأصول ويصير بالزيادة زنة أكثرها ، ومنهم من يزيد الواو فيقول دنياويّ وهو شاذّ ضعيف في القياس وهو يشبه مدّ المقصور.

فصل : فإن كان خمسة أحرف حذفت لا غير نحو قولك : في مرتجى مرتجيّ ؛ لأن الاسم بلغ أكثر الأصول وبالزيادة يصير سبعة أحرف.

فصل : فإن نسبت إلى منقوص ثلاثيّ نحو عم وشج أبدلت من الكسرة فتحة كما فعلت في نمر فتقلب الياء ألفا فيصير كالمقصور.

فصل : فإن كان أربعة أحرف نحو : قاض جاز إبدال الكسرة فتحة فتقلب الياء الفا ثم واوا ؛ لأنه أوسط الأصول وجاز حذف الياء وتبقى الكسرة كما ذكرنا في المقصور الرّباعيّ ، فإن كان خمسة أحرف فالحذف للطّول لا غير.

فصل : فإن كان قبل الطّرف ياء مشدّدة نحو أسيّد وحميّر حذفت الثانية المتحركة لئلّا تتوالى الكسرتان والياءان والتي تبقى الساكنة فإن كان بعد المشدّدة ياء ساكنة لم تحذف شيئا كقولك : في تصغير مهوّم مهيّم مهيّميّ ؛ لأن الطّرف لا كسرة تليه.

فصل : فإن كان في آخر الاسم ياء مشدّدة قبلها حرف واحد نحو حيّ فككت الإدغام وقلبت الياء الثانية ألف ثم واوا فتقول حيويّ ، وإنّما فعلت ذلك لئلّا يتوالى أربع ياءات وتقول

٣٩٦

في ليّ وطيّ لوويّ وطوويّ فأظهرت الواو التي هي عين لزوال الموجب لتغييرها وقلبت الياء على ما ذكرنا.

فصل : فإن كان قبل الياء المشدّدة حرفان مثل عديّ وقصيّ فمن العرب من يقرّه على حاله ويجمع بين أربع ياءات وهو مستثقل والأكثر الأقيس أن تحذف الياء الساكنة وهي ياء فعيل وتبدل من الكسرة فتحة فتقلب الياء المتحركة ألفا ثم واوا فتصير إلى عدويّ فرارا من الثقل.

فصل : فإن سكّن ما قبل الياء نحو ظبي أقررت الياء فقلت ظبييّ لا خلاف في هذا فإن نسبت إلى ظبية فكذلك إلا عند يونس ؛ فإنه يقول ظبويّ ووجهه على ضعفه أنّه قدّره فعلة بالكسر فأبدل من الكسرة فتحة فانقلبت الياء ألفا ثم واوا احتيالا على الأخفّ وخصّ ذلك بالمؤنث ؛ لأنه موضع التغيير وقال في عروة عرويّ بفتح الرّاء وهو بعيد ؛ لأنه لا يستفيد بذلك خفّة فإنّه إذا كسر الرّاء ثم فتحها فالواو باقية بحالها فالسكون أخفّ.

فصل : فإن نسبت إلى ممدود لم تحذف منه شيئا ؛ لأن الهمزة حرف صحيح ولذلك تثبت في الجزم وتدخلها الحركات الثلاث مع تحرّك ما قبلها وهمزة الممدود على أربعة أضرب :

أحدها : أصل نحو قرّاء فهذه تقرّ في النّسب ، وقد أبدلت واوا شاذّا شبّهت في ذلك بالزائدة.

والثاني : أن تكون بدلا من أصل نحو كساء ورداء فالوجه إقرارها ؛ لأن بدل الأصل أصل ، ومنهم من يقلبها واوا لضعفها بالإبدال فقد أشبهت الزائدة.

والثالث : أن تكون بدلا من ملحق نحو علباء وحرباء ففيها الإقرار ؛ لأن الملحق كالأصليّ في جريان أحكامه عليه وفيه الإبدال ؛ لأنه بدل من زائد فضعف.

والرابع : أن تكون زائدة للتأنيث نحو حمراء وصحراء فالوجه القلب ؛ لأنها كالمقصورة في دلالتها على التأنيث ، وذلك نحو : حمراويّ وصحراويّ.

فصل : فإن نسبت إلى اسم على حرفين قد حذفت فاؤه نحو عدة لم يردّ المحذوف ؛ لأنه بعيد من موضع الياء ، وإن كان المحذوف لامه نحو شفة رددت المحذوف فقلت : شفهيّ وتقول في شاة شاهيّ وتقول في شية على قول سيبويه وشويّ فتردّ الواو وتقلب الياء ألفا ثمّ

٣٩٧

واوا ؛ لأن ما قبلها لزمته الحركة بعد الحذف وردّ المحذوف عارض فلا تعيده إلى السكون الذي هو الأصل وكذلك مذهبه في يد يدويّ.

وقال أبو الحسن : يردّ المحذوف والسكون فتقول وشييّ ويدييّ ؛ لأن الحركة عرضت بعد الحذف فردّ المحذوف يردّ الأصل.

فصل : إذا نسيت إلى فعيلة كحنيفة أو فعيلة كجهينة حذفت الياء والتاء وأبدلت من الكسرة فتحة فرارا من توالي الكسرات والياءات ولمّا حذفت الياء بقي مثل شقرة فأبدلتها فتحة واختصّ ذلك بالمؤنّث ؛ لأن ياءه يلزم حذفها في النسب والتغيير يؤنس بالتغيير ، أو لأن المؤنّث يخفّف لئلّا يجتمع ثقل اللفظ والمعنى فإن كانت العين واوا نحو : حويزة لم يحذف لئلا تنقلب الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، وإن كان مضاعفا نحو مديدة لم يحذف كيلا يلزم الإدغام ، وقد خرج منه شيء على الأصل فقالوا في السّلفية سليقيّ فأمّا فعولة نحو شنوءة فمذهب سيبويه الحذف والفتح فتقول شنئيّ فرارا من ثقل الضمّ والواو والكسر والياء وقال المبرّج لا يغيّر ؛ لأن الواو لا تثقل في النسب.

فصل : وأمّا ما لا تاء فيه نحو وقريش فالجيّد أن لا يغيّر لما ذكرنا من أن التنقل مع التأنيث أكثر وأن التغيير يؤنس بالتغيير ، وقد جاء شيء منه محذوفا قالوا ثقفيّ وسلّميّ تشبيها له بفعيلة.

فصل : فإن نسبت إلى جمع مثل رجال وفرائض رددته إلى الواحد لوجهين :

أحدهما : أنّ النسب ينقل إلى الوصف والوصف هنا يصير واحدا ؛ لأن الموصوف واحد فينبغي أن يكون اللفظ مفردا ليطابق المعنى.

والثاني : أنّ الجمع والنسب معنيان زائدان فلم يجمع بينهما فرارا من الثّقل ولا لبس ؛ لأن الواحد المنسوب إليه يشتمل على الجمع وليس المراد في النسي الدّلالة على الجمع بل النسب إلى الجنس فيصير في ذلك كالتمييز فإنّ الواحد فيه يغنى عن الجمع فأمّا مدائنيّ وأنباريّ فجاز لمّا سمّي الواحد بالجمع.

٣٩٨

فصل : وما شذّ في النّسب يحفظ ولا يقاس عليه فمن ذلك قولهم : طائيّ وأصله طيئيّ ؛ لأن المنسوب إليه طيّء فحذفت الياء الثانية وأبدلت الساكنة ألفا وكأنّهم هربوا من الأصل لما فيه من الثّقل بكثرة الياءات وأنّ في الهمزة ثقلا.

ومن ذلك قولهم في النسبة إلى الدّهر : دهريّ ، بضمّ الدّال. وفي السهل : سهليّ ، بضمّ السين ، ومنه : إمسيّ بكسر الهمزة ، والأصل فتحها ، ولكن أتبعوا ، ومنه : حرميّ بكسر الحاء وسكون الراء والأصل فتحهما ؛ لأنه منسوب إلى حرم مكّة ، ومنه : مروزيّ فزادوا الزّاي ، والأصل : مرويّ منسوب إلى مرو.

فصل : فإذا نسبت إلى مسمّى بجملة مثل : تأبّط شرّا نسبت إلى صدرها فقلت تأبطيّ فتنقل الفعل إلى الصّفة ، وذلك يكفي في تعريف المنسوب فإن نسبت إلى مضاف ومضاف إليه مثل ابن الزّبير ، وعبد القيس نسبت إلى ما حصل به الشهرة فتقول : زبيريّ وقيسيّ ، وقالوا في عبد الدّار : عبديّ وعبدريّ ، وفي عبد الشمس : عبشميّ ، وقالوا أيضا في عبد القيس : عبقسيّ ، فنحتوه من أصلين ، وذلك يسمع ولا يقاس عليه.

٣٩٩

باب التصغير (١)

التّصغير التحقير ويقع في الكلام على ثلاثة أضرب :

١ ـ تحقير ما يتوهّم عظيما كقولك : رجيل.

٢ ـ وتقليل ما يتوهّم كثيرا ك (دريهمات).

٣ ـ وتقريب ما يتوهّم بعيدا كقولك : قبيل العصر وبعيد الفجر.

وقال الكوفيون : في كلامهم تحقير التعظيم كقول الشاعر : [الطويل]

وكلّ أناس سوف تدخل بينهم

دويهية تصفرّ منها الأنامل

وهو عندنا على التحقير ، أي : أنّ أصغر الدّواهي تفسد الأحوال العظام ، وكذلك قول الآخر : [الطويل]

فويق جبيل سامق الرأس لم تكن

لتبلغه حتّى تكلّ وتعملا

أي : إنّه جبل صغير العرض دقيق طويل في السماء شاقّ المصعد لطوله.

وأمّا قولهم : فلان أخيّ وصديقيّ فهو من لطف المنزلة وصغر الأمر الذي أحكم الوصلة بينهما.

فصل : والتّصغير كالوصف ؛ لأن قولك : رجيل في معنى رجل حقير ؛ ولذلك إذا صغّرت المصدر واسم الفاعل لم يعمل كما لا يعمل مع ظهور الوصف.

فصل : وعلامة التّصغير ياء تقع ثالثة وتضمّ أوّل الاسم وتفتح ثانيه وتكسر ما قبل آخره فيما زاد على الثّلاثة ، وإنّما حرّك بهذه الحركات لوجهين :

__________________

(١) التّصغير أن يضم أول الاسم ، ويفتح ثانيه ، ويزاد بعد الحرف الثاني ياء ساكنة تسمّى (ياء التّصغير).

فنقول في تصغير قلم ودرهم وعصفور (قليم ودريهم وعصيفير».

والاسم الذي تلحقه ياء التّصغير يسمى (مصغّرا).

ويشترط فيما يراد تصغيره أن يكون اسما معربا ، قابلا للتّصغير ، خاليا من صيغه وشبهها.

(فلا يصغر الفعل ولا الحرف. وشذ تصغير فعل التعجب. مثل «ما احيلاه! وما اميلحه!» ، ولا يصغر الاسم المبني. وشذ تصغير بعض الأسماء الموصولة وأسماء الإشارة ، كالذي والتي وذا وتا فقالوا في تصغيرها «اللذيا واللتيا وذيا وتيا». ولا يصغر ما ليس قابلا للتصغير ككبير وعظيم وجسيم ، ولا الأسماء المعظمة ، لما بينها وبين تصغيرها من التنافي. ولا يصغر نحو الكميت ، لأنه على صيغة التصغير ، ولا نحو مبيطر ومهيمن ، لأنه شبيه بصيغة التصغير).

٤٠٠