اللباب في علل البناء والإعراب

محبّ الدين عبدالله بن الحسين البغدادي [ أبي البقاء العكبري ]

اللباب في علل البناء والإعراب

المؤلف:

محبّ الدين عبدالله بن الحسين البغدادي [ أبي البقاء العكبري ]


المحقق: محمّد عثمان
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦١

باب الإعراب والبناء

قد ذكرنا في أوّل الكتاب معنى الإعراب وحدّه ، ونحن نذكر في هذا الباب معنى البناء وحدّه ، وعلله ، والحركات التي تبنى الكلمة عليها ، وامتناع الجمع بين الساكنين ولم كان الأصل في التحريك الكسر.

أما معنى البناء (١) فهو الثبوت واللزوم كبناء الحائط وحدّه في النحو لزوم آخر الكلمة سكونا أو حركة ، وإن شئت قلت : هو أن لا يختلف آخر الكلمة لاختلاف العامل فيها.

فصل : والحروف كلّها مبنيّة وكذلك الأصل في الأفعال ولا يفتقر ذلك إلى علّة ؛ لأن الكلمة موضوعة عليه وإنّما يعلّل الإعراب ؛ لأنه زائد على الكلمة ولمّا كان الأصل في الأسماء أن تعرب لما بيّنا في أول الكتاب احتيج إلى تعليل ما بني منها ولمّا كان الأصل في كلّ مبنيّ! السكون احتيج إلى تعليل ما حرّك منه وإلى تعليل تعيين حركة دون غيرها وسأبيّن ذلك إن شاء الله تعالى.

فصل : وإنّما كان الأصل في البناء السكون لأمرين :

أحدهما : أنّه ضدّ الإعراب والإعراب يكون بالحركة فضدّه بضدّها.

والثاني : أنّ الحركة زائدة والأصل أن لا يزاد شيء إلا للحاجة إليه.

فصل : وإنّما يحرّك المبنيّ لأمرين :

أحدهما : التقاء الساكنين والآخر شبهه بالمعرب وإنّ وإنما احتيج إلى تحريك.

__________________

(١) والمبنيّ ما يلزم آخره حالة واحدة ، فلا يتغير ، وإن تغيرت العوامل التى تتقدّمه «كهذه وأين ومن وكتب واكتب».

والمبنيّات هي جميع الحروف ، والماضي والأمر دائما ، والمتّصلة به إحدى نوني التوكيد أو نون النسوة ، وبعض الأسماء. والأصل فى الحروف والأفعال البناء. والأصل فى الأسماء الإعراب. أنواع البناء

المبنيّ إما أن يلازم آخره السكون ، مثل «اكتب ولم» أو الضمة مثل «حيث وكتبوا» أو الفتحة ، مثل «كتب وأين» أو الكسرة ، مثل «هؤلاء» والباء من «بسم الله». وحينئذ يقال إنّه مبني على السكون ، أو على الضمّ ، أو الفتح ، أو الكسر. فأنواع البناء أربعة السكون والضمّ والفتح والكسر.

وتتوقف معرفة ما تبنى عليه الأصماء والحروف على السّماع والنقل الصحيحين ، فإنّ منها يبنى على الضمّ ، ومنها ما يبنى على الفتح ؛ ومنها ما يبنى على الكسر ، ومنها ما يبنى على السكون. ولكن ليس لمعرفة ذلك ضابط.

٣٦١

الثاني : لالتقاء الساكنين لأنّك إذا نطقت بالسّاكن الأوّل صار كالموقوف عليه فإذا أردت النطق بالثاني كنت كالمبتدئ به والابتداء بالساكن ممتنع.

فصل : والأصل في التحريك لالتقاء الساكنين الكسر لأربعة أوجه :

أحدها : أنّ الكسرة علامة الجر والسكون علامة الجزم والجرّ والجزم نظيران إذ الجرّ مختصّ بالأسماء والجزم بالأفعال فعند الحاجة إلى تحريك المجزوم حرّك بحركة نظيره ثم حمل بقيّة السواكن عليه لاتّفاقهما في السكون.

والثاني : أنّ الكسرة أقلّ من الضمّة والفتحة ؛ لأنّهما يكونان في الأسماء والأفعال إعرابا وبناء ولا كسر في الأفعال ولا فيما لا ينصرف من الأسماء والحمل على الأقلّ عند الحاجة أولى.

والثالث : أنّ الضمة ثقيلة جدا والفتحة قريبة من السكون جدا والكسر وسط بينهما.

والرابع : أنّ الفعل يدخله الضمّ والفتح مع الاختيار فكسر عند الاضطرار لتكمّل له الحركات.

فصل : وتحريك أحد السّاكنين أولى من حذفه ؛ لأن الضرورة تندفع به مع بقاء حروف الكلمة والحذف ينقصها فلا يصار إليه إلا للضرورة.

فصل : والأصل تحريك الساكن الأوّل ؛ لأنه به يتوصّل إلى النطق بالثاني : فهو كهمزة الوصل وقال قوم الأصل تحريك ما هو طرف الكلمة أوّل الساكنين كان أو ثانيهما ؛ لأن الأواخر مواضع التغيير ؛ ولذلك كان الإعراب آخرا.

٣٦٢

باب (حيث) (١)

وهي ظرف مكان وقال الأخفش تكون زمانا أيضا كقول طرفة : [المديد]

للفتى عقل يعيش به

حيث تهدي ساقه قدمه

أي : مدّة حياته وهذا غير لازم إذ يمكن أن يكون المعنى في أيّ مكان كان.

فصل : وهي مبهمة يبيّنها ما بعدها ولا تكاد العرب توقع بعدها المفرد بل تبيّنها بالجملة ، وذلك لشدة إبهامها وإرادة تعيّنها بإضافتها إلى المعيّن ، وذلك لأنّك لو قلت : جلست حيث الجلوس أو حيث زيد لم يكن في ذلك إيضاح تامّ لاحتماله ، فإذا قلت : حيث جلس زيد لم يبق فيه احتمال ، وقد جاء المفرد بعدها في الشعر كقول الراجز :

أما ترى حيث سهيل طالعا

ويروى سهيل بالرفع على الابتداء والخبر محذوف دلّت عليه الحال وهي قوله : (طالعا) ويروى بالجر فمنهم من يقول بإضافتها إلى المفرد وهي مبنيّة كقوله تعالى : (مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) [هود : ١] ، ومنهم من ينصب حيث ويعربها ويجرّ ما بعدها بالإضافة.

فصل : وأمّا حالها في الشّرط فتكفّ عن الإضافة على ما بيّناه.

فصل : وهي مبنية على الضمّ في اللغة الجيدة وفيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أنها ناقصة لا تتمّ إلّا بجملة توضحها فهي كالذي.

والثاني : أنّها خرجت عن نظائرها من أسماء الأمكنة فإنّ مبهمها يتّضح بالإضافة إلى المفرد نحو خلفك وقدامك.

والثالث : أنّها تضمّنت معنى حرف الإضافة إذ من حكم كل مضاف أن يظهر بعده حرف الإضافة نحو غلامك وثوب خز وقدّام لك فلمّا لم يظهر كان متضمنا لها والاسم إذا تضمّن معنى الحرف بني.

__________________

(١) إن سمّيت بكلمة مبنيّة أبقيتها على حالها ، وكان إعرابها مقدّرا في الأحوال الثلاثة. فلو سميت رجلا «ربّ» ، أو «من» ، أو «حيث» ، قلت «جاء ربّ. أكرمت حيث. أحسنت إلى من». فحركات الإعراب مقدّرة على أواخرها ، منع من ظهورها حركة البناء الأصلي.

وكذا إن سمّيت بجملة ـ كتأبط شرا ، وجاد الحقّ ـ لم تغيرها للاعراب الطّازىء ، فتقول «جاء تأبط شرا ، أكرمت جادا الحقّ». ويكون الإعراب الطارئ مقدّرا ، منع ظهور حركته لحركة الإعراب الأصلي.

٣٦٣

فصل : وإنّما حرّك آخرها لئلا يلتقي ساكنان فأمّا من ضمّها فله في ذلك وجهان :

أحدهما : أنّها أشبهت قبل وبعد في وقوعها على كلّ الجهات وأبعاضها فألحقت بهما.

والثاني : أنّ معظم أسماء الأمكنة معرب يتّضح بالمفرد فلمّا خالفت أخواتها قوّيت بأن بنيت على الضمّ تنبيها على أنّ حقّها الإعراب ومن العرب من يبنيها على الفتح طلبا للخفة ، ومنهم من يبنيها على الكسر وهو الأصل في التقاء الساكنين.

٣٦٤

باب (قبل ، وبعد) (١)

وهما ظرفان على حسب ما يضافان إليه إن أضيفا إلى المكان كانا مكانين وإن أضيفا إلى الزمان كانا زمانين ، وقد يحذف الزمان بينهما وبين ما يضافان إليه كقولك : جئت قبل زيد أي قبل مجيء زيد.

فصل : وهما مبهمان إذا كانا ظرفين فلا يبين معناهما إلا بذكر ما هما ظرفان له ومن هنا لزمتهما الإضافة لفظا أو تقديرا.

فصل : ويضافان إلى المفرد ؛ لأن الإبهام يزول به إذا كانا بعضه أو مضافين له من جنسه.

فصل : ويعربان في الإضافة إذا لم توجد فيهما علّة البناء فخرجا على الأصل. ويبنتيان إذا قطعا عن الإضافة كقوله تعالى : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) [الروم : ٤] وفي ذلك ثلاثة أوجه :

أحدها : أنّهما تنزّلا منزلة بعض الكلمة إذ كانا مبهمين لا يتّضحان إلا بالمضاف إليه فإذا قطعا عنه لم يزل الإبهام إلّا بالنّظر في معنى الكلام ، وإذا أضيفا فهم معناهما باللفظ المتّصل بهما وليسا كالحروف التي معناها في غيرها ولا كالذي المفتقرة إلى الجملة.

والوجه الثاني : أنّهما تضمّنا معنى لام الإضافة إذ كانا مختصين مع القطع كاختصاصهما مع ذكر المضاف إليه والإضافة مقدّرة بالّلام وبتقديرها يتضمنان معناها والاسم إذا تضمّن معنى الحرف بني.

__________________

(١) قبل وبعد ظرفان للزمان ، ينصبان على الظّرفيّة أو يجرّان بمن ، نحو «جئت قبل الظهر ، أو بعده ، أو من قبله ، أو بعده».

وقد يكونان للمكان نحو : «داري قبل دارك ، أو بعدها».

وهما معربان بالنّصب أو مجروران بمن. ويبنيان في بعض الأحوال وذلك إذا قطعا عن الإضافة لفظا لا معنى ـ بحيث يبقى المضاف إليه في النية والتّقدير ـ كقوله تعالى (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) ، أي من قبل الغلبة ومن بعدها». فإن قطعا عن الإضافة لفظا ومعنى لقصد التّنكير ـ بحيث لا ينوى المضاف إليه ولا يلاحظ في الذهن ـ كانا معربين ، نحو «فعلت ذلك قبلا ، أو بعدا» ، تعني زمانا سابقا أو لاحقا ، ومنه قول الشاعر.

فساغ لي الشّراب ، وكنت قبلا

أكاد أغصّ بالماء الفرات

٣٦٥

والثالث : أنّه لا يخبر بهما ولا عنهما بعد قطعهما عن الإضافة ولا يتمّ بهما الصلة فجريا مجرى الحرف.

فصل : وحرّكا تنبيها على أنّ بناءهما عارض فلهما تمكّن ولم يحرّكا لاجتماع الساكنين ألا ترى أنّ قولك : يا حكم في النداء محرّك ولا ساكن قبل الطّرف لكن لما ذكرنا.

فصل : وحرّكا بالضمّ لثلاثة أوجه :

أحدها : أنّ الضمّ أقوى من غيره فاختير زيادة في التنبيه على تمكّنهما.

والثاني : أنّهما في حال الإضافة يحركان بالفتح والكسر دون الضمّ فضمّتا في البناء لتتكمّل لهما الحركات.

والثالث : أنّهما لمّا اقتضيا المضاف إليه وحذف عنهما عوّضا منه أقوى الحركات.

فصل : ويسمّى قبل وبعد وفوق وتحت وبقية الجهات الست غايات وفيه وجهان :

أحدهما : أنّها حدود ونهايات لما تحيط به وغاية الشيء آخره فسمّيت بمعناها.

والثاني : أنّ تمام الكلام يحصل بالمضاف إليه بعدها فإذا قطعا عنه صارت هي آخرا وغاية نائبة عن غيرها.

٣٦٦

باب (قط) (١)

أمّا المخففة فبمعنى حسب وبنيت ؛ لأنها وقعت موقع المبنيّ وهو فعل الأمر مثل صه ومه وسكّنت على الأصل ومثلها قد بمعنى حسب ولا تنوّن في المعرفة وتنوّن في النكرة ، فإذا أدخلتهما على ياء المتكلم قلت : قطي وقدي فلم تلحق النون ؛ لأنّهما اسمان ومن العرب من يلحق النون فيقول قطني وقدني لتسلم السكون.

فصل : فأمّا قط المشدّدة فمعناها ما مضى من الزمان دون المستقبل وبنيت لوجهين :

أحدهما : أنّها أشبهت الفعل الماضي إذ كانت لا تكون إلّا له.

والثاني : أنها تضمنت معنى في ؛ لأن حكم الظرف أن تحسن فيه في ولمّا لم تحسن ها هنا كان الظرف متضمنا لها ، وقيل : تضمنت معنى منذ التي تقدر بها المدة أو ابتداء المدة ؛ لأن قولك : ما رأيته قطّ أي منذ خلقت وإلى الآن.

فصل : وحرّكت لئلا يجتمع ساكنان وضمّت ؛ لأنها أشبهت منذ ، وقيل : قوّيت بالضمّ إذ كانت نائبة عن منذ وما بعدها.

فصل : وإذا حذفت المضاف إليه مع فوق وتحت وعل بنيت الباقي على الضمّ للعلّة التي ذكرناها في قبل.

فصل : واين مبنية لتضمّنها معنى حرف الاستفهام والشّرط وحرّك آخرها لئلا يلتقي ساكنان وفتح ولم يكسر على الأصل فرارا من اجتماع الياء والكسرة مع كثرة الاستعمال.

فصل : وكيف مبنية مثل أين وهي اسم والدليل على ذلك السّماع والقياس فالسماع قول بعض العرب على كيف تبيع الأحمرين.

وقال الآخر : انظر إلى كيف تصنع وهذا شاذّ الاستعمال والحكاية الثانية شاذّة القياس أيضا ؛ لأن كيف استفهام والاستفهام لا يعمل فيه ما قبله إلّا حرف الجرّ إذا تعلّق بما بعده وها هنا قد تعلّق بما قبله ، وأمّا القياس فمن ثلاثة أوجه :

__________________

(١) هذا النوع ما يلازم النصب على الظرفيّة ابدا ، فلا يستعمل إلا ظرفا منصوبا ، نحو «قط وعوض وبينا وبينما وإذا وأيّان وأنّى وذا صباح وذات ليلة». ومنه ما ركّب من الظروف كصباح مساء وليل ليل.

النوع الثاني ما يلزم النصب على الظرفيّة أو الجرّ بمن أو إلى أو حتى أو مذ أو منذ ، نحو «قبل وبعد وفوق وتحت ولدى ولدن وعند ومتى وأين وهنا وثمّ وحيث والآن».

٣٦٧

أحدها : أنّ الاسم يبدل منها كقولك : كيف زيد أصحيح أم مريض والاسم لا يبدل إلّا من الاسم.

والثاني : أنّ الاسم يجاب به عنها كقولك : كيف زيد فتقول صحيح ولو كانت حرفا لما أجيب عنها إلا بالحرف.

والثالث : التقسيم وهو أن يقال لو كانت حرفا لما تمّ الكلام بها مع اسم واحد مع أنها ليست حرف نداء ولو كانت فعلا لما وليها الفعل من غير حاجز بينهما ، وقد وليها كقولك : كيف صنعت فتعيّن أن تكون اسما ؛ لأنه الأصل.

فصل : وأمّا أيّان فهي بمعنى متى وبنيت لتضمّنها معنى حرف الاستفهام وفتح آخرها ؛ لأنه أخفّ بعد الياء والألف التي بينهما حاجز غير حصين.

فصل : وأمّا الآن فاسم لدخول الجار عليها كقولك : من الآن وإلى الآن وكذلك الألف واللام.

وقال الفرّاء : هي فعل وهذا بعيد ؛ لأنها لو كانت فعلا لم تدخل عليها اللام ولا عبرة باليجدّع واليتقصّع لشذوذهما ولأنه لو كان فعلا لكان فيه ضمير الفاعل ولا يصح تقدير ذلك فيه وهي اسم للوقت الحاضر وقال قوم الآن حدّ ما بين الزمانين أي طرف الماضي وطرف المستقبل ، وقد يتجوز بها عمّا قرب من الماضي ويقرب من المستقبل وألفها منقلبة عن ياء ؛ لأنها من آن يأين إذا قرب ، وقيل : أصلها أو ان فقلبت الواو ألفا ثم حذفت لالتقاء الساكنين وهذا بعيد ؛ لأن الواو قبل الألف لا تقلب كالجواد والسّواد واتفقوا على بنائها فعلى قول الفرّاء هي فعل ماض فلا ريب في بنائها.

واختلف الباقون في علّة البناء ، فقال المبرّد وابن السرّاج : خالفت نظائرها ؛ لأنها نكرة في الأصل استعملت من أوّل وضعها بالألف واللام وباب اللام أن تدخل على النكرة. وقال الزجاج : بنيت لتضمّنها معنى حرف الإشارة ؛ لأن المعنى في قولك : فلان يصلّي الآن أي في هذا الوقت. وقال أبو عليّ : بنيت لتضمّنها معنى لام التعريف ؛ لأنها استعملت معرفة وليست علما والألف واللام فيها زائدتان.

٣٦٨

فصل : في هلمّ قولان :

أحدهما : هي اسم للفعل فلا يظهر فيه علم التثنية والجمع والتأنيث وبها جاء القرآن قال الله عزوجل : (هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ) [الأنعام : ١٥٠] وفي آية أخرى : (وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا) [الأحزاب : ١٨].

والقول الثاني : هي فعل تظهر فيه علامة التثنية والجمع والتأنيث نحو : هلمّا وهلّموا وهلّمي ، وأمّا جماعة النسوة فالجيد فيها هلممن ، وقد قيل غير ذلك ولا يعرّج عليه.

فإذا جعلت اسما للفعل فمعناها احضروا أو أقبلوا وهي مركّبة إذا كانت فعلا من ها ولمّ فأصلها هاالمم فحذفت ألفها وهمزة الوصل فلزم الإدغام لمّا تحركت اللام وبنيت إذا كانت اسما لوقوعها موقع المبنيّ وفتحت لطول الكلمة وثقل الضمّ للإدغام.

فصل : ومن أسماء الفعل ها بمعنى خذ وفيها لغات :

إحداها : هاء بهمزة مفتوحة للمذكر وفي المؤنث هاء وفي التثنية هاءا وفي الجمع هاؤوا ومنه قوله : (هاؤُمُ اقْرَؤُا) [الحاقة : ١٩].

واللّغة الثّانية : ها بغير همز في كلّ حال.

والثّالثة : هاك فيجعل مكان الهمزة كافا وبنيت لوقوعها موقع الأمر.

فصل : وأما هيت فاسم للفعل ومعناه هيت لك فبني لوقوعه موقع الفعل الماضي ، وقيل : لوقوعه موقع الجملة ، وقيل : هو مقدّر بمبتدأ وخبر أي أنا متهيّئة لك ، وقيل : هو واقع موقع الأمر أي ايتني.

فصل : وأما هات ففعل صريح يقال هاتا يهاتي مهاتاة مثل رامى وحامى.

فصل : وأمّا هنا فاسم للمكان الحاضر ، وقد تستعمل في الزمان مجازا كقوله تعالى : (هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ) [آل عمران : ٣٨] فإذا دخلت عليها الكاف صار للمكان البعيد ؛ لأن الحاضر يعرفه المخاطب ، وإذا لم يعرفه كان بعيدا وصار بمنزلة هذا ، فإن زدت اللام فقلت هنالك كان أبعد كما ذكر في ذلك وإنّما بنيت هنا لتضمّنها معنى حرف الإشارة.

٣٦٩

فصل : وأمّا ثمّ فاسم للمكان البعيد عنك وبني لتضمّنه حرف الإشارة أيضا ولا يجوز ثمّك كما جاز هناك ؛ لأن ثمّ للبعيد فلا حاجة إلى إدخال الكاف عليه ؛ لأن من شأنها أن تنقل القريب إلى البعيد.

فصل : أسماء العدد إذا استعملت في العدّ مبنيّة كقولك : واحد اثنان ثلاثة ؛ لأن الغرض منها العدّ فقط فهي كالأصوات فإن وصلت بعضها ببعض أبقيت الهاء على لفظها ، وإن اجتمع ساكنان حركت الأوّل كقولك : واحد اثنان والجيّد أن تحرك الدال بالكسر على الأصل وريّما يجوز أن تلقي حركة الهمزة على الهاء في ثلاثة أربعة فتفتح الهاء ، فإن أخبرت عن العدد أو وصفته أعربته.

فصل : وحروف التهجي إذا أردت بها الهجاء فقط مبنيّة ؛ لأنها كالعدد فيما ذكرنا من حيث الغرض منها العدّ فهي كالأصوات ، فإن أخبرت بها أو عنها أو وصفتها أعربتها وما كان آخره ألفا نحو با تا ثا تزيد عليه ألفا أخرى ليكمّل اسما ثم تحرّك الثانية فتقلب همزة.

فصل : والأصوات المحكيّة مبنيّة ك غاق في حكاية صوت الغراب وعدس في زجر البغال ؛ لأن الغرض منها نفس الحكاية والإعراب يراد للفرق بين المعاني.

وما التقى فيه ساكنان حرّك الثاني بالكسر على الأصل إلّا أن يعرض فيه ثقل فيحرّك بالفتح نحو هيد في زجر الإبل.

فصل : وأمّا جير فبمعنى نعم في أكثر الاستعمال فهي حرف ك نعم وحرّك بالكسر لالتقاء الساكنين ولم يكثر استعمالها ففتح كما فتحت أين.

فصل : ومن اسماء الفعل إيه بمعنى حدّثنا وتنوّن في التنكير على ما هو أصل الباب فإن أردت أن تكفّه عن الحديث قلت : إيها وفتحت هذه للفرق بين طلب الحديث وطلب السكوت.

فصل : والمضاف إلى ياء المتكلّم مبنيّ عند الجمهور لثلاثة أوجه :

أحدها : أنّ الاسم المعرب صار تابعا للياء إذ لا يكون ما قبلها إلّا مكسورا ، وإذا صار تابعا في الحركة صار تابعا للمضمر في البناء.

٣٧٠

والثاني : أنه خرج عن نظائره من المضافات إذ ليس فيها ما يتبع غيره.

والثالث : أنّ الإعراب اختلاف آخر الكلمة وهذا ممتنع ها هنا لفظا وتقديرا فكان مبنيّا بخلاف المقصور فإنّ المانع من ظهور الحركة الألف فلو خرج المقصور على أصله لأمكنت فيه الحركة وحرف الإعراب في صاحبي وما أشبهه قابل للحركات بنفسه وإنما امتنع لغيره فافترقا.

٣٧١

باب ما يجوز في ضرورة الشعر (١)

اعلم أن ضرورة إقامة الوزن تدعو إلى جواز ما تمهّد في القواعد الكلية خلافه ؛ ولذلك جاز للشاعر زيادة كلمات يقوّم بها الوزن وحذف شيء ليصحّح كما قال لبيد : [الكامل]

درس المنا بمتالع فأبان

يريد المنازل. وقال العجاج : [الرجز]

قواطنا مكّة من ورق الحمي

يريد الحمام ، وسنذكر في هذا الباب ما يجوز للشاعر عند الضرورة مفصّلا إن شاء الله تعالى.

واعلم أنّ معظم ما يجوز في ضرورة الشعر يرجع إلى أصل قد رجح عليه أصل آخر فالشّاعر يحاول ذلك الأصل المتروك عند الضرورة.

فصل : فمن ذلك صرف ما لا ينصرف ، وقد ذكرناه في بابه وكذلك ترك صرف ما ينصرف.

فصل : ويجوز للشاعر قصر الممدود مطلقا ، وقال الفرّاء : لا يجوز إلا إذا كان له بعد القصر نظير في الأبنية.

وحجّة الأوّلين : أنّ القصر جاز للضّرورة وهو حذف الزائد والرجوع إلى الأصل فسوّي فيه بين ما له نظير وما لا نظير له.

واحتجّ الفرّاء بأن الضرورة تردّ إلى أصل وجوابه من وجهين :

__________________

(١) هناك حالات أخرى يتعذر فيها مجئ الضمير متصلا ؛ فيجئ منفصلا وجوبا. وتسمى حالات الانفصال الواجب. وأشهرها :

١ ـ ضرورة الشعر ؛ مثل قول الشاعر يتحدث عن قومه :

وما أصاحب من قوم فأذكرهم

إلا يزيدهم حبّا إلىّ هم

٢ ـ تقديم الضمير على عامله لداع بلاغى ، كالحصر (القصر) والضمير المتصل لا يمكن أن يتقدم بنفسه على عامله ؛ فيحل محلّه المنفصل الذى بمعناه. ففى مثل : نسبحك ، ونخافك يا رب العالمين ـ لا نستطيع عند الحصر أن نقدم الكاف وحدها ، لذلك نأتى بضمير منصوب بمعناها ، وهو : «إياك» فنقول : إياك نسبح ، وإياك نخاف.

٣٧٢

أحدهما : أن هذا لا يطّرد في كلّ موضع ؛ ولذلك جاز تأنيث المذكر وهو رجوع من الأصل إلى الفرع.

والثاني : أن قصر الممدود ردّ إلى الأصل من وجه وهو حذف الزائد ولا يعتبر أن يكون ردّا إلى كلّ الأصول إذ ذلك محال.

فصل : وأما مدّ المقصور فغير جائز عند البصريين ؛ لأنه زيادة في الكلمة ؛ ولذلك لم يسغ للشاعر أن يزيد أيّ حرف شاء بخلاف قصر الممدود ؛ فإنه حذف الزائد والأصل عدم الزيادة.

وقال الكوفيون هو جائز واحتجوا بقول الشاعر : [الوافر]

سيغنيني الذي أغناك عنّي

فلا فقر يدوم ولا غناء

فمدّ الغنا وهو مقصور.

والجواب أنّه يروى بفتح العين على أنه مصدر أغنيت عنه غناء وإغناء ومن رواه بالكسر جعله مصدر غانيت وتغانيت مثل قولك : قاتلته قتالا وترامينا رماء أي تراميا.

فصل : ويجوز له إظهار المدغم ؛ لأنه الأصل كما أنّ الأصل التصحيح ومنه قول الشّاعر : [الرجز]

الحمد لله العليّ الأجلل

وقال الآخر : [البسيط]

مهلا أعاذل قد جرّبت من خلقي

أنّي أجود لأقوام وإن ضننوا

أي : الأجلّ ، وإن منّوا وهذا أحسن من الزيادة والنقصان.

فصل : ويحذف التنوين في الشعر لالتقاء الساكنين ، قال أبو الأسود الدؤلي:[المتقارب]

فألفيته غير مستعتب

ولا ذاكر الله إلّا قليلا

بنصب اسم الله وقرأ بعض القرّاء : (وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ) بالنصب أي سابق النهار.

فصل : ومن ذلك حذف الياء بعد الكسرة والواو بعد الضمّة فمن الأوّل قول الشاعر (١) : [الوافر]

__________________

(١) البيت من شعر مضرس بن ربعي الأسدي : وهو مضرس بن ربعي بن لقيط الأسدي. شاعر حسن التشبيه والرصف ، أورد له البغدادي أبياتا جيدة في وصف ليلة ويوم ، ومقطوعة فيها حكمة. وقال : (هو ـ

٣٧٣

فطرت بمنصلي في يعملات

دوامي الأيد يخبطن السّريحا

أي : الأيدي.

ومن الثاني : قول الشاعر : [الطويل]

فبيناه يشري رحله قال قائل

لمن جمل رخو الملاط نجيب

وقال آخر في حذف الياء : [الرجز]

دار لسعدى إذه من هواكا

وإنّما ساغ ذلك لدلالة الكسرة والضمّة على المحذوف.

فصل : ويجوز حذف حركة الياء هي وهو على إجراء الوصل مجرى الوقف كقول الشاعر : [البسيط]

ثمّ انصرفت وهي منّي على بال

فصل : ومن ذلك تذكير المؤنّث ؛ لأن الأصل هو المذكّر فروج فيه الأصل ولأن المؤنث والمذكّر يشتركان في اسم آخر مذكر كالمنزل والدار فإنّ الدار منزل فمن ذكّرها حمله على معنى المنزل ومما جاء في ذلك من المؤنّث الذي ذكّر وهو لمن يعقل قول الشاعر : [السريع]

قامت تبكّيه على قبره

من لي من بعدك يا عامر

ترتكتني في الدار ذا غربة

قد ذلّ من ليس له ناصر

أرادات ذات غربة وجاز لمّا كانت المرأة إنسانا ، وقال آخر من الهزج :

وممّن ولدوا عامر

ذو الطول وذو العرض

يريد ذات الطول ؛ لأن عامر قبيلة ؛ ولذلك لم يصرف. وقال آخر : [المتقارب]

فلا مزنة ودقت ودقها

ولا أرض أبقل إبقالها

فإن قيل : كان يمكن أن يقول : أبقلت إبقالها فيلقي كسرة الهمزة على التاء؟

قيل : الجواب عنه من أوجه :

__________________

ـ شاعر جاهلي) واختار أبو تمام (في الحماسة) قطعتين من شعره. وروى له المزرباني عدة مقطوعات وقال : (له خبر مع الفرزدق) فإن صح هذا فلا يكون جاهليا.

٣٧٤

أحدها : أنّ إلقاء حركة الهمزة يلزم منه حذف أصل أو كالأصل وحذف التاء حذف زائد.

والثاني : أن الإلقاء أقلّ في الاستعمال من حذف التاء في مثل هذا.

والثالث : أن هذا طريق والإلقاء طريق فلا يتخيّر على اللغوي أحدهما وقال :[المتقارب]

فإمّا تريني ولي لّمة

فإنّ الحوادث أودى بها

أي : أودت فجاز ذلك لمّا كان الحوادث والحدثان بمعنى والجمع هنا للجنس والمفرد جنس فإن قيل : لو قال أودت لاستقام الوزن قيل نعم ولكن يلزم منه حذف الرّدف والقافية مردفة.

فصل : فأمّا تأنيث المذكر فأضعف من عكسه إذ كان ترك الأصل إلى الفرع مع أنّه قد جاء حملا على المعنى فمن ذلك قراءة بعض القرّاء : (تلتقطه بعض السيّارة) فأنّث والفاعل بعض لما كان بعض السيارة سيارة وقالوا ذهبت بعض أصابعه وقال جرير (١) : [الوافر]

إذا بعض السنين تعرّقتنا

كفى الأيتام فقد أبي اليتيم

وقال آخر : [الكامل]

لمّا أتى خبر الزبير تواضعت

سور المدينة والجبال الخشّع

وفي التأنيث هنا وجهان :

أحدهما : أنه ذهب بالسّور مذهب الجدران.

والثاني : أنّه لمّا أضافه إلى المؤنّث جعل له حكمه كما قال تعالى : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) [الأعراف : ١٦٠].

__________________

(١) جرير : (٢٨ ـ ١١٠ ه‍ / ٦٤٨ ـ ٧٢٨ م) هو جرير بن عطية بن حذيفة الخطفي بن بدر الكلبي اليربوعي ، أبو حزرة ، من تميم.

أشعر أهل عصره ، ولد ومات في اليمامة ، وعاش عمره كله يناضل شعراء زمنه ويساجلهم فلم يثبت أمامه غير الفردق والأخطل.

كان عفيفا ، وهو من أغزل الناس شعرا.

٣٧٥

فأنّث العشر والأمثال مذكّرة ولكن أضيفت إلى ضمير الحسنة وروي عن بعض الفصحاء أنّه قال : ألم تر إلى ما كان من فلان؟ فقيل له : ماذا؟ فقال : جاءته كتابي فاحتقرها فأنكر ذلك عليه ، فقال : أليس صحيفة.

فصل : وقد يشدّد المخفف في نحو قول الشاعر : [الرجز]

ببازل وجناء أو عيهلّ

وقول الآخر : [الرجز]

تعرّضت لي بمكان حلّ

تعرّض المهرة في الطّولّ

وكقول الآخر (١) : [الرجز]

ضخما يحبّ الخلق الأضخمّا

والأصل تخفيف هذه الأواخر والوجه في تشديدها أنه أراد الوقف ومذهب كثير من العرب الوقف على المشدّد على أن تجعل التشديد بدل الحركة أو التنوين إلّا أن الشاعر أجرى الوصل مجرى الوقف.

فصل : ويجوز له تخفيف المشدّد ، وذلك في القوافي كقول امرئ القيس : [المتقارب]

تحرّقت الأرض واليوم قر

ومنها :

ويحك ألحقت شرّا بشر

وهذا أسهل من الذي قبله ، ومنه قول الفرزدق من الطويل :

تنظّرت نصرا والسّماكين أيهما

عليّ مع الغيث استهلّت مواطره

يريد أيّهما.

فصل : ومن ذلك حذف الهمزة تخفيفا كقوله : [البسيط]

ويل أمّها في هواء الجوّ طالعة

ولا كهذي الذي في الأرض مطلوب

أي : ويل أمّها.

__________________

(١) الشطر من شعر رؤبة بن العجاج.

والبيت كاملا :

ثمّت جئت حيّة أصمّا

ضخما يحبّ الخلق الأضخمّا

٣٧٦

فصل : ومن ذلك قلب الهمزة ألفا إذا انفتح ما قبلها وياء إذا انكسر وواوا إذا انضمّ إلا أن هذا قريب إلى القياس وقرئ به القرآن.

فصل : ومن ذلك قطع ألف الوصل كقول الشاعر (١) : [الطويل]

فما ترب أثرى لو جمعت ترابها

بأكثر من ابني نزار على العدّ

وكقول الآخر (٢) : [الطويل]

إذا جاوز الإثنين سرّ فإنّه

بنشر وإفشاء الحديث قمين

والوجه فيه أنّه أجرى الوصل مجرى الابتداء كما أجري مجرى الوقف ، وأمّا وصل همزة القطع فيكون بالإلقاء ويذكر في موضعه.

فصل : وأمّا الترخيم في غير النداء ونصب ما بعد الفاء في غير جواب الأشياء السبعة وحذف الفاء في الجواب فقد ذكر في موضعه.

فصل : وأمّا إبدال أحد الحرفين في التّشديد فيذكر في التصريف إن شاء الله.

فصل : ويجوز إبقاء حروف المدّ في الفعل المجزوم كقول الشاعر : [البسيط]

هجوت زبّان ثم جئت معتذر

من هجو زبّان لم تهجو ولم تدع

فلم يحذف الواو ومن الألف قول الآخر (٣) : [الرجز]

__________________

(١) البيت من شعر أبو الأخيل العجلي : هو مولى لبني عجل ، كان شاعرا أعمى ، وله شعر قاله آخر أيام بني أمية ، ووفد على عمر بن هبيرة الفزاري. له شعر في قصائد نادرة من كتاب منتهى الطلب من أشعار العرب.

(٢) البيت من شعر جميل بثينة :(ـ ٨٢ ه‍ / ـ ٧٠١ م) وهو جميل بن عبد الله بن معمر العذري القضاعي ، أبو عمرو.

شاعر من عشاق العرب ، افتتن ببثينة من فتيات قومه ، فتناقل الناس أخبارهما. شعره يذوب رقة ، أقل ما فيه المدح ، وأكثره في النسيب والغزل والفخر.

كانت منازل بني عذرة في وادي القرى من أعمال المدينة ورحلوا إلى أطراف الشام الجنوبية. فقصد جميل مصر وافدا على عبد العزيز بن مروان ، فأكرمه وأمر له بمنزل فأقام قليلا ومات فيه.

(٣) من شعر رؤبة بن العجاج ، وفيها :

واعمد لأخرى ذات دلّ مؤنق

ليّنة المسّ كمسّ الخرنق

إذا مضت فيه السياط المشّق

٣٧٧

إذا العجوز غضبت فطلّق

ولا ترضّاها ولا تملّق

وقال آخر (١) : [الطويل]

وتضحك مني شيخة عبشميّة

كأن لم ترى قبلي أسيرا يمانيا

ومن الياء من الوافر (٢) :

ألم يأتيك والأنباء تنمي

بما لاقت لبون بني زياد

ووجه ذلك أنّه أخرج الأفعال على الأصل وجعل الجزم في الحركات المستحقّة في الأصل وقال قوم لا مات هذه الأفعال محذوفة بالجزم والجروف الموجودة الآن فاشية عن إشباع الحركات فأمّا فاعل يأتيك في البيت الأخير فقيل هو مضمر دلّ عليه ما قبله ، وقيل : فاعله بما لاقت والباء زائدة.

فصل : وقد حذف الإعراب في الشعر ورويت في ذلك أبيات منها : [الرجز]

لما رأى أن لادعه ولا شبع

مال إلى أرطأة حقف فأضطجع

وقول الآخر : [الرجز]

إذا اعوججن قلن صاحب قوّم

__________________

(١) البيت من شعر عبد يغوث الحارثي : (٤٣ ق. ه / ٥٨٠ م) وهو عبد يغوث بن صلاءة ، وقيل عبد يغوث بن الحارث.

شاعر جاهلي يماني وفارس شجاع وسيد لقومه من بني الحرث بن كعب وكان قائدهم في يوم الكلاب الثاني. وهو من أهل بيت عريق في الشعر في الجاهلية والإسلام منهم : اللجلاج الحارثي ، ومسهر بن يزيد بن عبد يغوث ، وجعفر بن علبه.

وهو صاحب القصيدة التي مطلعها : ألا لا تلوماني كفى اللوم ما بيا. ويقال أنه أسر يوم الكلاب الثاني وخير كيف يرغب أن يموت فاختار أن يشرب الخمر صرفا ويقطع عرقه الأكحل ، فمات نزفا.

(٢) البيت من شعر قيس بن زهير : (١٠ ه‍ / ٦٣١ م) وهو قيس بن زهير بن جذيمة بن رواحة العبسي.

كان فارسا شاعرا داهية يضرب به المثل (فيقال : أدهى من قيس) وهو أمير عبس وأحد السادة القادة في عرب العراق كان يلقب بقيس الرأي لجودة رأيه وله شعر جيد فحل زهد في أواخر عمره فرحل إلى عمان وما زال إلى أن مات فيها.

وهو صاحب الحروب بين عبس وذبيان وأصلها أن قيسا تراهن على السباق بفرسه داحس مع حذيفة بن بدر فجعل بنو فزارة كمينا ، فلطموا داحسا وأخذوا رهان الإبل فقالت عبس أعطونا جزورا فإنا نكره القالة في العرب فأبوا ذلك. فما هي إلا أيام حتى أغار قيس عليهم فلقي عوف بن بدر فقتله وأخذ إبله ... ثم اشتعلت الحرب سنين طويلة حتى ضرب بها المثل.

٣٧٨

فأجرى الوصل مجرى الوقف والمبرّد والزجّاج ينكران ذلك ولا يعتدان بالأبيات الواردة فيه لشذوذها وضعف الرواية فيها وقال آخر (١) : [السريع]

فاليوم أسقى غير مستحقب

إثما من الله ولا واغل

فسكن ، وقالوا الرواية : فاشرب.

فصل : ومما جاء في ذلك من الشعر ضرورة حذف الضمير من الفعل لدلالة الضمّة عليه كقول الشّاعر : [الوافر]

فلو أنّ الأطبّا كان حولي

وكان مع الأطبّاء الأساة

أي كانوا ، وقد جاء أشدّ من هذا كقول الآخر : [الرجز]

لو أنّ قومي حين أدعوهم حمل

على الجبال الصمّ لا رفضّ الجبل

أي : حملوا هذا مع الإسكان.

ومما جاء للضرورة حذف بعض الكلمة كقول لبيد : [الكامل]

درس المنا بمتالع فأبان

أي : المنازل. وقال العجاج : [الرجز]

قواطنا مكّة من ورق الحمي

أي : الحمام فحذف الألف والميم وكسر الميم الأخرى ، وقيل : حذف الميم الأخيرة وحدها وكسر الأولى فصارت الألف ياء ، وقال آخر (٢) : [الطويل]

فلست بآتيه ولا أستطيعه

ولاك اسقني إن كان ماؤك ذا فضل

أي : ولكن وضرورة الشّعر أكثر من هذا ، وقد نبّهنا على أصلها.

__________________

(١) من شعر امرئ القيس.

(٢) البيت من شعر النجاشي الحارثي : (٤٩ ه‍ / ٦٦٩ م) وهو قيس بن عمرو بن مالك بن الحارث بن كعب بن كهلان. شاعر هجاء مخضرم اشتهر في الجاهلية والإسلام وأصله من نجران باليمن انتقل إلى الحجاز واستقر في الكوفة وهجا أهلها. وهدده عمر بن الخطاب بقطع لسانه وضربه علي على السكر في رمضان.

من شعره في مدح معاوية :

إني امرؤ قلما أثني على أحد حتى

أرى بعض ما يأتي وما يذر

قال البكري : النجاشي من أشراف العرب إلا أنه كان فاسقا وكانت أمه من الحبشة فنسب إليها.

٣٧٩

باب الموصول والصّلة (١)

الموصول : أسماء وحروف فالأسماء الّذي والّتي وفروعهما ومن وما وأي ، وأمّا الحروف ف (ما وأنّ الثقيلة والخفيفة).

فصل : وإنّما سمّيت هذه موصولات ؛ لأنها نواقص تتمّ بما توصل به ؛ ولذلك بنيت ؛ لأنها كبعض الكلمة أو كالحرف الذي يفتقر إلى جملة.

فصل : والغرض من الإتيان بالذي والتي وصف المعارف بالجمل إذ كانت الجمل تفسّر بالنكرات وينبغي أن يتوصّل إلى وصف المعرفة بالجملة لئلّا يكون للنكرة ما ليس للمعرفة وهذا كجعلهم ذو وصلة إلى الوصف بالأجناس وأي وصلة إلى نداء ما فيه الألف واللام فإن قيل : ف (من وما وأيّ) أسماء موصولة ولا يوصف بما قيل عنه جوابان :

أحدهما : أنّ من وما على حرفين وليس لهما في الصفات نظير بخلاف الذي ؛ ولذلك ثنّي الذي وجمع دون من وما ، وأمّا أيّ فلزمتها الإضافة وحكم الصفة أن تستقلّ وتعرّف بالألف واللام والإضافة تمنع من ذلك.

__________________

(١) الاسم الموصول : ما يدلّ على معين بواسطة جملة تذكر بعده. وتسمّى هذه الجملة (صلة الموصول).

والأسماء الموصولة قسمان خاصة ومشتركة :

الأسماء الموصولة الخاصة : هي التي تفرد وتثنّى وتجمع وتذكّر وتؤنّث ، حسب مقتضي الكلام.

وهي (الذي) للمفرد المذكر ، (واللّذان واللّذين) للمثنى المذكر ، و (الّذين) للجمع المذكر العاقل ، و (التي) للمفردة المؤنثة ، و (اللّتان واللّتين) للمثنّى المؤنّث ، و (اللّاتي واللّواتي واللّائي) ـ بإثبات الياء وحذفها ـ للجمع المؤنث ، و (الألى) للجمع مطلقا ، سواء أكان مذكرا أم مؤنثا ، وعاقلا أم غيره ، تقول «يفح الذي يجتهد ، واللذان يجتهدان والّذين يجتهدون. وتفلح التي تجتهد ، واللّتان تجتهدان ، واللّاتي ، أو اللّواتي ، أو اللّائي ، يجتهدن. ويفلح الألى يجتهدون. وتفلح الألى يجتهدن. واقرأ من الكتب الألى تنفع».

(و «الّلذان والّلتان» تستعملان في حالة الرفع ، مثل جاء الّلذان سافرا ، والّلتان سافرتا». والّذين واللتين تستعملان في حالتي النصب والجر ، مثل «أكرمت اللذين اجتهدا ، واللتين اجتهدتا ، وأحسست الى اللذين تعلما ، واللتين تعلمتا» وهما في حالتي الرفع مبنيان على الألف ، وفي حالتي النصب والجر مبنيان على الياء.

وليستا معربتين بالألف رفعا ، وبالياء نصبا وجرا ، كالمثنى ، لأن الأسماء الموصولة مبنية لا معربة ، ومن العلماء من يعربها إعراب المثنى. وليس ببعيد عن الصواب).

ويجوز تشديد النون في مثنى (الذي والتي) ، سواء أكان بالألف أم بالياء. وقد قريء «واللّذانّ يأتيانها منكم» ، كما قريء (رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ) بتشديد النّون فيهما.

وأكثر ما يستعمل (الألى) لجمع الذكور العقلاء.

٣٨٠