اللباب في علل البناء والإعراب

محبّ الدين عبدالله بن الحسين البغدادي [ أبي البقاء العكبري ]

اللباب في علل البناء والإعراب

المؤلف:

محبّ الدين عبدالله بن الحسين البغدادي [ أبي البقاء العكبري ]


المحقق: محمّد عثمان
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦١

فصل : والكاف المتّصلة ب (رويدك) المبنيّة حرف للخطاب لا اسم والدليل على ذلك أنّها لو كانت اسما لكانت إمّا مرفوعة أو منصوبة أو مجرورة فالرفع ممتنع لوجهين :

أحدهما : أنّ الكاف ليست من الضمائر المرفوعة.

والثاني : أنّه لا رافع للكاف هنا ؛ لأن المرفوع هنا ضمير لا يظهر.

والنصب باطل ؛ لأن هذا الاسم يتعدى إلى مفعول واحد وهو زيد والكاف للمخاطب فليس زيدا بل غيره.

والجر باطل أيضا ؛ لأن الجرّ يكون بالحرف وليست رويد حرفا أو بالإضافة وهذه الأسماء لا تضاف ولأنّها تثبت مع الألف واللام في النجاءك.

فأمّا الكاف في عندك وغيرها من الظروف وعليك وغيرها من الحروف فذكر الجماعة كالسيرافيّ وعبد القاهر وغيرهما أنّها اسم في موضع جرّ ؛ لأن هذه أسماء لا تستعمل إلّا مضافة وكذلك حرف الجرّ لا يدخل إلّا على اسم فلذلك قضي بكون الكاف اسما.

وقال ابن بابشاذ في شرح الجمل : هي حرف للخطاب كالكاف في رويدك.

فصل : وأسماء فعل الأمر لا يتقدّم معمولها عليها عند البصريّين لقصورها عن الفعل ، وأنّها غير مشتقّة منه وأجازه الكوفيّون واحتجّوا بقوله تعالى : (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ) [النساء : ٢٤] وبقول : [الرجز]

يا أيّها الماتح دلوي دونكا

إني رأيت الناس يحمدونكا

والجواب عن الآية من وجهين :

أحدهما : أنّ كتابا منصوب على المصدر وحرمت يدلّ على تقدير كتبت ذلك عليكم كتابا وعليكم المذكورة في الآية تتعلّق بالفعل المقدّر.

والثاني : أنّه منصوب بفعل محذوف تقديره : الزموا كتاب الله ، وعليكم متعلّق ب (كتاب) أو حال منه.

وأمّا البيت ف (دلوي) مرفوع بالابتداء وما بعده الخبر نبّهه بذلك على الاهتمام به ويجوز أن يكون منصوبا على تقدير خذ وفسّره دونك.

٣٠١

باب ما ينتصب على التحذير (١)

وذلك قولك : الأسد الأسد ، تريد : احذر الأسد ، ودلّ التكرير على الفعل المحذوف ، والأشبه أن يكون اللفظ الأوّل هو الدالّ على الفعل ؛ لأن موضع الفعل هو الأوّل (٢).

فصل : وأمّا إيّاك والشرّ فمنصوب بفعل محذوف أيضا ولا بدّ فيه من مفعول آخر معطوف ب (الواو) ومعدّى إليه بحرف جرّ كقولك : إيّاك من الشرّ وإنّما اختاروا إيّاك ؛ لأنها ضمير المنصوب المنفصل ، وإذا حذف الفعل لزم أن يكون الضمير منفصلا وجاؤوا بالواو وحرف الجرّ ليدلّوا على ذلك الفعل المحذوف كأنّه قال : اتّق الشرّ ، أو ابعد من الشرّ ، والمختار عندي : أن يقدّر له فعل يتعدّى إلى مفعولين نحو : جنّب نفسك الشرّ ، ف (نفسك) في موضع إيّاك ، وقد جاء بغير واو على هذا الأصل قول الشاعر : [الطويل]

فإيّاك إيّاك المراء فإنّه

إلى الشرّ دعّاء وللشرّ جالب

__________________

(١) التّحذير نصب الاسم بفعل محذوف يفيد التّنبيه والتّحذير. ويقدّر بما يناسب المقام كاحذر ، وباعد ، وتجنّب ، و «ق» وتوقّ ، ونحوها. وفائدته تنبيه المخاطب على أمر مكروه ليجتنبه. ويكون التحذير تارة بلفظ «إيّاك» وفروعه ، من كلّ ضمير منصوب متصل للخطاب ، نحو «إياك والكذب ، إياك إياك والشرّ ، إياكما من النفاق إياكم الضّلال ، إياكنّ والرّذيلة.

ويكون تارة بدونه ، نحو «نفسك والشرّ ، الاسد الاسد». وقد يكون ب «إيّاه ، وفروعهما ، إذا عطف على المحذّر

(٢) التّحذير نصب الاسم بفعل محذوف يفيد التّنبيه والتّحذير. ويقدّر بما يناسب المقام كاحذر ، وباعد ، وتجنّب ، و «ق» وتوقّ ، ونحوها.

وفائدته تنبيه المخاطب على أمر مكروه ليجتنبه.

ويكون التحذير تارة بلفظ «إيّاك» وفروعه ، من كلّ ضمير منصوب متصل للخطاب ، نحو «إياك والكذب ، إياك إياك والشرّ ، إياكما من النفاق إياكم الضّلال ، إياكنّ والرّذيلة.

ويكون تارة بدونه ، نحو «نفسك والشرّ ، الاسد الاسد». وقد يكون ب «إيّاه ، وفروعهما ، إذا عطف على المحذّر

٣٠٢

باب ما ينتصب بفعل محذوف

فمن ذلك مرحبا وأهلا وسهلا وفي نصبها وجهان (١) :

أحدهما : هي مفاعيل لفعل محذوف تقديره لقيت رحبا وأهلا وسهلا فاستأنس.

والثاني : أن يكون مرحبا مصدرا ، أي : رحبت بلادك مرحبا وسهلت سهلا وتأهّلت أهلا ، أي : تأهّلا فإن دخلت لا على هذه الكلمات بقي النصب على الوجهين ، ومن العرب من يرفعهما على تقدير خبر محذوف أي لك عندي مرحب.

فصل : وأمّا ويله وويحه وويسه فينتصب مع الإضافة على تقدير : ألزمه الله ويله ، أو على المصدر بفعل من معناها لا من ألفاظها ؛ لأنها لم يستعمل منها فعل فكأنّه قال : أحزنه الله حزنه ، فإن لم تضفها كان الرفع أجود كقوله تعالى : (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) [المطففين : ١] وجاز الابتداء بالنكرة لما فيها من معنى الفعل والنصب جائز كالمضاف.

فصل : وأمّا (لبّيك وسعديك وحنانيك) فمصادر ، والتقدير : أقمت على طاعتك إقامة بعد إقامة ، وسعدت بها سعدا بعد سعد ، وتحنّن علينا تحنّنا بعد تحنّن ، واشتقاق لبّيك من ألبّ بالمكان ولبّ به إذا أقام ، وهذه التثنية في معنى الجمع عند سيبويه وأصحابه.

وقال سيبويه : هو مفرد قلبت ألفه ياء مع المضمر مثل كلا وهذا غير صحيح ؛ لأنه قد جاء بالياء مضافا إلى الظاهر قال الشاعر : [المتقارب]

دعوت لما نابني مسورا

فلبّي فلبّي يدي مسور

فصل : ومّما ينتصب بفعل محذوف قولك لمن رأيته يرمي بسهم : القرطاس ، أي : أصاب القرطاس ، ولمن يطلب إنسانا هرب منه : زيدا ، أي : اطلب زيدا ، وإنّما جاز حذفه ؛ لأن مشاهدة الحال أغنت عنه.

__________________

(١) الفعل يجب حذفه في الأمثال ونحوها مما اشتهر بحذف الفعل ، نحو «الكلاب على البقر» ، أي أرسل الكلاب ، ونحو أمر مبكياتك ، لا أمر مضحكاتك» ، أي الزم واقبل ، ونحو «كلّ شيء ولا شتيمة حرّ» ، أي ائت كلّ شيء ، ولا تتي شتيمة حرّ ، ونحو «أهلا وسهلا» ، أي جئت أهلا ونزلت سهلا.

٣٠٣

باب ما يشغل عنه الفعل بضميره

إذا كان في الكلام فعل فالأولى أن تقدّمه على ما يصحّ أن يكون فاعلا أو مفعولا كقولك : زيد قام وزيدا ضربت.

أمّا الأوّل : فلأنّ الفعل أوقى من الابتداء وتقديم الخبر أولى من تأخيره عند السامع ؛ لأن المعنى يثبت في نفسه من الابتداء.

وأمّا الثاني : فلأنّ رتبة المفعول بعد الفاعل والتأخير جائز ثم ينظر في الفعل فإن عمل في ضمير المفعول مثل زيد ضربته فالجيّد رفع زيد ؛ لأن الفعل المذكور لا يصحّ أن ينصبه لنصبه ضميره فيصير الكلام مبتدأ وخبرا إلّا أن يعرض له ما يكون أولى بالفعل على ما نبيّنه إن شاء الله.

ونصبه جائز بفعل محذوف يفسّره المذكور وهذا على ثلاثة أوجه :

أحدها : أن تقدّر مثل المذكور في اللفظ كقولك : ضربت زيدا ضربته.

والثاني : أن تقدّر فعلا من معناه كقولك : زيدا مررت به ، وتقديره : لقيت زيدا ولا تقدّر مررت ؛ لأنه لا يتعدّى إلّا بحرف الجرّ ومن ذلك زيدا ضربت أخاه ، والتقدير : أهنت زيدا ضربت أخاه لأنّك لم تضرب زيدا لكن أهنته بضرب من هو من سببه.

والثالث : أن تقدّر فعلا من معنى الكلام كقولك : زيدا لست مثله ، أي : خالفت وخالفت هو معنى لست مثله والرفع في هذا كلّه أجود.

فصل : فإن تقدّم الاسم استفهام كقولك : أزيدا ضربته فالنصب أجود ؛ لأن الهمزة استفهام عن فعل فتقدّره إذا كان معك ما يفسّره ، فإن قلت : أزيد مضروب ، رفعت إذ ليس معك ما يفسّر المقدّر الناصب (١).

__________________

(١) أجاز الكوفيون تقديم الفاعل على المسند إليه. فأجازوا أن يكون «زهير» في قولك «زهير قام» فاعلا لجاء مقدما عليه. ومنع البصريون ذلك. وجعلوا المقدم المبتدأ خبره الجملة بعده. كما تقدم. وتظهر ثمرة الخلاف بين الفريقين في أنه يجوز أن يقال ، على رأي الكوفيين «الرجال جاء» على أن الرجال فاعل لجاء مقدم عليه. وأما البصريون فلم يجيزوا هذا التعبير. بل أوجبوا أن يقال «الرجال جاءوا». على أن الرجال مبتدأ ، خبره جملة جاءوا ، من الفعل وفاعله الضمير البارز. والحق أن ما ذهب إليه البصريون هو الحق.

٣٠٤

فصل : وكذلك الأمر والنهي كقولك : زيدا أضربه وعمرا لا تشتمه ؛ لأنّهما غير خبر والمبتدأ يخبر عنه بما يحتمل الصدق والكذب إلّا أن يعرض الاستفهام ، وإذا نصبت كان التقدير : اضرب زيدا ، وعليه المعنى (١).

فصل : وأمّا النفي فإن كان بما قدّمته كقولك : ما ضربت زيدا أو ما زيدا ضربت أو ضربته ، ولا تقول : زيدا ما ضربته ، وإن كانت لا أو لم لم يلزم التقديم تقول زيدا لا اضربه ولم أضربه والفرق بينهما من وجهين :

أحدهما : أنّ ما أمّ باب النفي فأقرّت في موضعها.

والثاني : أنّ ما غير عاملة في الفعل ولم عاملة ولا قد تعمل فيه في النهي فكان جعلها إلى جنب ما تعمل فيه أولى تقول لا زيدا ضربته فتقدّمها وتضمر الفعل لاقتضائه إيّاه.

فصل : وإن الشرطية كذلك تقول إن زيدا تكرمه أكرمه ؛ لأن الشرط لا معنى له إلّا في الفعل.

فصل : وكذلك العرض كقولك : ألا زيدا تكرمه لتقاضيه الفعل.

فصل : فأمّا العطف فإذا كان المعطوف عليه اسما قد عمل فيه الفعل فالجيّد نصب المعطوف بفعل محذوف لتتشاكل الجملتان كقولك : قام زيد وعمرا كلّمته ولقيت بشرا وخالدا مررت به والرفع فيه جائز.

فصل : وكلّ جملة جعلتها مفسّرة للمحذوف فلا موضع لها من الإعراب ؛ لأن المفسّر المحذوف لا موضع له ، وإن استأنفت كان لها موضع.

__________________

(١) الاسم الذي تقدم وبعده فعل أو وصف وكل منهما ناصب لضميره أو لسببيه ينقسم خمسة أقسام أحدها ما يترجّح نصبه وذلك في ثلاث مسائل :

إحداها : أن يكون الفعل المشغول طلبا نحو زيدا اضربه وعمرا لا تهنه.

الثانية : أن يتقدم عليه أداة يغلب دخولها على الفعل نحو (أبشرا منّا واحدا نتّبعه).

الثالثة : أن يقترن الاسم بعاطف مسبوق بجملة فعلية لم تبن على مبتدأ كقوله تعالى (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ)

٣٠٥

باب المعرفة والنكرة (١)

المعرفة في الأصل مصدر ك (العرفان) ؛ ولذلك تقول رجل ذو معرفة ثمّ نقل فجعل وصفا للاسم الدالّ على الشيء المخصوص ؛ لأنه يعرف به وهو يدلّ عليه.

وأمّا النكرة فمصدر نكرت الشيء نكرة ونكرا إذا جهلته ثمّ وصف به الاسم الذي لا يخصّ شيئا بعينه ؛ ولذلك تقول هذا الاسم النكرة وهذا اسم نكرة كما تقول هذا الاسم المعرفة واسم معرفة.

فصل : والنكرة سابقة على المعرفة لوجهين :

أحدهما : أنّ النكرة اسم للمعنى العامّ والعامّ قبل الخاصّ والخاصّ ليس فيه العامّ ألا ترى أنّ حيوانا فيه الإنسان وغيره والإنسان ليس فيه الحيوان العامّ فعلم أنّ الخاصّ واحد من العامّ والكلّ أصل لأجزائه.

والثاني : أنّ النكرة تقع على الأشياء المجهولة وعلى المعدوم والموجود والقديم والمحدث والجسم والعرض كقولك : شيء ومعلوم ومذكور وموجود فإذا أردت إفهام معنى معيّن زدت على ذلك الاسم الألف واللام أو الصفة وما لا زيادة فيه سابق على ما فيه زيادة.

فصل : وبعض النكرات (٢) أنكر من بعض فكلّ اسم تناول مسمّيات تناولا واحدا كان أنكر من اسم تناول دون تلك المسمّيات فعلى هذا أنكر الأشياء معدوم ومنكور ، وأمّا شيء فكذلك عند قوم ؛ لأن المعدوم عندهم يسمّى شيئا ، وإذا اقتصر على التسمية فقط فالخطب فيه يسير فأمّا من جعل المعدوم ذاتا وموصوفا وعرضا فقوله يؤدّي إلى قدم العالم وهو مع ذلك متناقض وليس هذا موضع بيانه ، وأمّا موجود فأخصّ من معدوم لخروج المعدوم منه

__________________

(١) قال ابن هشام في شرح الشذور : ينقسم الاسم بحسب التنكير والتعريف إلى قسمين نكرة وهو الأصل ولهذا قدمته ومعرفة وهو الفرع ولهذا أخرته.

(٢) يوجد كثير من النكرات لا معرفة له ، والمستقل أولى بالأصالة ، وأيضا فالشيء أول وجوده تلزمه الاسماء العامة ، ثم يعرض له بعد ذلك الأسماء الخاصة كالآدمي إذا ولد فإنه يسمى إنسانا أو مولودا أو موجودا ، ثم بعد ذلك يوضع له الاسم العلم واللقب والكنية. وأنكر النكرات مذكور ، ثم محدث ، ثم جوهر ، ثم جسم ، ثم نام ، ثم حيوان ، ثم إنسان ، ثم رجل ، ثم عالم ؛ فكل واحد من هذه أعم مما تحته وأخص مما فوقه : فتقول كل عالم رجل ولا عكس ، وهكذا كل رجل إنسان إلى آخره.

٣٠٦

والمحدث أخصّ من الموجود لخروج القديم سبحانه منه وعلى هذا المراتب إلى أن يصل إلى المشار إليه والعلم المختصّ فإنّه أعرف المعارف فإنّه لا يتناول إلا واحدا.

فصل : والمعرفة (١) ما خصّ الواحد بعينه إمّا شخصا من جنس كزيد وعمرو.

وإمّا جنسا كأسامة للأسد وابن قترة لضرب من الحيّات وابن أوى ؛ فإنّ هذه الأشياء أعلام ينتصب عنها الحال.

فصل : والأداة التي تعرف بها النكرة من المعرفة ربّ والألف واللام فما حسن دخولها عليه فهو نكرة أمّا ربّ فسبب دلالتها على ما ذكرناه فيها في حروف الجرّ فأمّا قولهم : ربّه رجلا فالضمير هنا في حكم النكرة إذا لم يتقدّمه ظاهر يعود عليه وإنّما يفسّر بما بعده ولو لا السماع لما قبل ؛ ولذلك لا يثنّى هذا الضمير ولا يجمع ولا يؤنّث ، وأمّا اللام فسيأتي ذكرها (٢).

__________________

(١) المعرفة : اسم دلّ على معّين. كعمر ودمشق وأنت. والمعارف سبعة أنواع الضمير والعلم وإسم الإشارة والإسم الموصول والإسم المقترن ب (أل) والمضاف إلى معرفة والمنادى المقصود بالنداء.

(٢) وعلامة النكرة أن تقبل دخول ربّ عليها نحو رجل وغلام تقول ربّ رجل وربّ غلام وبهذا استدلّ على أن من وما قد يقعان نكرتين كقوله :

(ربّ من أنضجت غيظا قلبه

قد تمنّى لي موتا لم يطع)

وقوله :

(لا تضيقنّ بالأمور فقد

تكشف غمّاؤها بغير احتيال)

(ربّما تكره النّفوس من الأمر

له فرجة كحلّ العقال)

فدخلت ربّ عليهما ولا تدخل الا على النكرات فعلم أن المعنى ربّ شخص أنضجت قلبه غيظا وربّ شيء من الأمور تكرهه النفوس.

فإن قلت فإنك تقول ربّه رجلا وقال الشاعر :

(ربّه فتية دعوت الى ما

يورث المجد دائبا فأجابوا)

والضمير معرفة وقد دخلت عليه ربّ فبطل القول بأنها لا تدخل الا على النكرات.

قلت : لا نسلم أن الضمير فيما أوردته معرفة بل هو نكرة وذلك لأن الضمير في المثال والبيت راجع الى ما بعده من قولك رجلا وقول الشاعر فتية وهما نكرتان وقد اختلف النحويون في الضمير الراجع إلى النكرة هل هو نكرة أو معرفة على مذاهب ثلاثة أحدها أنه نكرة مطلقا والثاني أنه معرفة مطلقا والثالث أن النكرة التي يرجع اليها ذلك الضمير اما أن تكون واجبة التنكير أو جائزته كما في قولك جاءني رجل فأكرمته فالضمير معرفة وانما كانت النكرة في المثال والبيت واجبة التنكير لأنها تمييز والتميز لا يكون الا نكرة وانما كانت في قولك جاءني رجل فأكرمته جائزة التنكير لأنها فاعل والفاعل لا يجب أن يكون نكرة بل يجوز أن يكون نكرة وأن يكون معرفة تقول جاءني رجل وجاءني زيد.

٣٠٧

فصل : والمعارف خمس الضمائر والأعلام وأسماء الإشارة وما فيه اللام والمضاف إلى واحد من هذه إضافة محضة.

وأمّا الضمير (١) فبمعنى المضمر كقتيل بمعنى مقتول وأصل الإضمار الستر ومنه قول الأعشى : [المتقارب]

أيا أبتي لا ترم عندنا

فإنّا بخير إذا لم ترم

ترانا إذا أضمرتك البلاد

نجفى وتقطع منّا الرّحم

فصل : وحدّ المضمر هو الاسم الذي يعود إلى ظاهر قبله لفظا أو تقديرا والاشتقاق موجود فيه وهو الاستتار ؛ لأن الضمير لا يدلّ على المسمّى بنفسه وهو في نفسه محتمل فالراجع إليه الضمير لا يبين من نفس الضمير بل هو مستور فيه.

فصل : وإنّما جيء بالضمائر للاختصار وإزالة اللبس ، وذلك أنّك لو أعدت لفظ الظاهر لم يعلم أنّ الثاني هو الأوّل ، وفيه أيضا إطالة كقولك : جاءني زيد فقلت له ، ولو قلت : فقلت لزيد. لم يعلم أنّ زيدا الثاني هو الأوّل.

فصل : وإنّما كان في الضمائر المرفوعة والمنصوبة متّصل ومنفصل ؛ لأن المرفوع والمنصوب الظاهرين يتقدّمان على العامل فيهما ويتأخّران فضميراهما كذلك فإذا تقدّما انفصلا لحاجتهما إلى القيام بأنفسهما ، وإذا تأخّرا انفصلا لاعتمادهما على العامل ، وأمّا المجرور فلا يكون إلّا متّصلا لامتناع تقدّمه على الجارّ.

__________________

(١) قال ابن هشام في شرح شذور الذهب : المضمر ويسمى الضّمير أيضا ويسمّيه الكوفيون الكناية والمكنى وانما بدأت به لأنه أعرف الأنواع الستة على الصحيح ، وهو عبارة عما دل على متكلم نحو أنا ونحن أو مخاطب نحو أنت وأنتما أو غائب نحو هو وهما.

ثم أتبعت قولي غائب بأن قلت معلوم نحو (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) أو متقدّم مطلقا نحو (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ) أو لفظا لا رتبة نحو (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ) أو نية نحو (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى) أو مؤخّر مطلقا في نحو (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)(وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) ونعم رجلا زيد وربّه رجلا وقاما وقعد أخواك وضربته زيدا ونحو قوله : (جزي ربّه عنّي عديّ بن حاتم ...).

والأصحّ أن هذا ضرورة ، وأقول لا بد للضمير من مفسّر يبيّن ما يراد به فإن كان لمتكلم أو مخاطب فمفسره حضور من هو له وان كان لغائب فمفسره نوعان لفظ وغيره.

٣٠٨

فصل : وضمير المتكلّم المنفصل المرفوع أنا والألف بعد النون زائدة في الوقف لبيان الحركة في النون ؛ ولذلك تحذف في الوصل ، وقد جاءت في الشعر مع الوصل على إجراء الوصل مجرى الوقف وقرأ به نافع في بعض المواضع ، ومنهم من يبدل من الألف هاء في الوقف.

فصل : وأمّا نحن فللمخبر عن نفسه وعن غيره ذكرا أو أنثى ويكون في التثنية والجمع ، فإن قيل لم لم تفرّق في ضمير المتكلّم بين الذكر والأنثى ، قيل : لأن سماع النطق منه يميزه لمشاهدته وأما جعل نحن في الجمع والتثنية بلفظ واحد فلأنّ التثنية جمع في المعنى والمتكلّم قد سوّى فيه بين التذكير والتأنيث وهما صفتان للذات فجاز أن يسوّى فيما يدلّ على صفتين في الكمّيّة فإنّ التثنية والجمع صفتان في الكمّيّة إحداهما أكثر من الأخرى.

فصل : وإنّما حرّكت النون لئلّا يلتقي ساكنان وضمّت النون لثلاثة أوجه :

أحدها : أنّ الصيغة للجمع والواو تدلّ على الجمع نحو قاموا والزيدون والضمّة من جنسها.

والثاني : أنّ الجمع أقوى من الواحد فحرّك بأقوى الحركات وهي الضمّة وهذا الضمير مرفوع الموضع فحرّك بحركة المرفوع.

فصل : والاسم في أنت (١) الهمزة والنون وهو أن الذي للمتكلّم وزيدت عليه التاء للخطاب وهي حرف معنى وكان حقّه السكون ولكنّ حركته من أجل الساكن قبلها وفتحت ؛ لأن الفتحة أخفّ كما فتحت واو العطف ولام الابتداء ونحوهما فإن خاطبت المؤنّث كسرتها للفرق وكانت الكسرة أولى لوجهين :

أحدهما : أنّها أخفّ من الضمّة.

والثاني : هي أشبه ب (الياء) التي هي علامة التأنيث في تفعلين.

__________________

(١) الضمير في (أنت وأنت وأنتما وأنتنّ) إنما هو (أن). والتاء اللاحقة لها هي حرف خطاب. والضمير في (هم وهما وهنّ) إنما هو (الهاء) المخففة من (هو). والميم والألف في (أنتما وهما) حرفان للدلالة على التثنية. أو الميم حرف عماد. والألف علامة التثنية. (كما سبق). والميم في (أنتم وهم) حرف هو علامة جمع الذكور العقلاء. والنون المشددة في (أنتنّ وهنّ) حرف هو علامة جمع الإناث. ومن النحاة من يجعل الضمير وما يلحق به من العلامات كلمة واحدة بإعراب واحد.

٣٠٩

فصل : فإذا جاوزت الواحد جئت ب (الميم) بعد التاء لتدلّ على مجاوزة الواحد وكانت الميم أولى بالزيادة لشبهها ب (الواو) التي هي حرف مدّ فإن أردت الاثنين زدت عليها ألفا ؛ لأنها تشبه الألف في قاما وإن أردت جمع المذكر زدت عليها واوا هذا هو الأصل لثلاثة أوجه :

أحدها : أنّها علامة الجمع في الفعل.

والثاني : أنّ المؤنّث يزاد عليه في الجمع حرفان نحو أنتن والمذكّر أولى والنون تشبه الواو والميم لما فيها من الغنّة.

والثالث : أنّك تظهر الواو بعد الميم مع الضمير نحو : أعطيتكموه والضمائر تردّ الأصول ، وأمّا من حذف من العرب فللتّخفيف وأمن اللبس.

فصل : واستوى المذكّر والمؤنّث في أنتما كما يستويان في المظهر نحو : الزيدان والهندان ؛ لأن العدّة متّحدة والكلمة لا تحتمل علامتين لمعنيين.

فصل : هو بكماله اسم ؛ لأنه ضمير منفصل فلم يكن على حرف واحد ولا يقال الواو زائدة ؛ لأن الضمير موضع تخفيف فلا تليق به زيادة الواو مع ثقلها وحرّكت تقوية للكلمة ولم تضمّ إتباعا لئلا تجتمع الضمّتان والواو وفتحت إذ كانت أخفّ وربّما جاء في الشعر سكونها وحذفها اضطرارا.

فصل : وتقول في التثنية هما وفي الجمع همو وهم على ما تقدّم والصحيح أنّهما صيغتان مرتجلتان للمعنيين ، وقيل : الأصل هو حذفت الواو لما زيدت عليه الميم تخفيفا.

فصل : والياء في هي أصل ك «الواو» في هو والتثنية هما والجمع هنّ على ما تقدّم وربّما جاء في الشعر هي بسكون الياء فإن دخلت الفاء والواو واللام على هي جاز أن تبقى الهاء على حركتها وأن تسكن ؛ لأنها أشبهت عضدا وفخدا فخذا.

فصل : والضمير المنصوب إيّاي (١) وإنّما يقع في ثلاثة مواضع وهي إذا تأخّر عنها الفعل أو إذا عطفت أو إذا وقعت بعد إلا.

__________________

(١) الضمائر : اثنا عشر منها منصوبة ، وهي «إياي وإيانا وإياك وإياك وإياكما وإياكم وإياكنّ وإياه وإياها وإياهما وإياهم وإياهنّ».

٣١٠

فصل : واختلفوا فيها على أربعة مذاهب ؛ فمذهب سيبويه أنّ إيّا اسم مضمر والياء والكاف وغيرهما حروف معان والدليل على ذلك أنّ حدّ الاسم المضمر موجود في إيّا ؛ ولذلك لا يتنكّر بحال والياء والكاف لو كانا اسمين لكانا في موضع رفع أو نصب ولا عامل لهما هنا أو في موضع جرّ بالإضافة والاسم المضمر لا يضاف فصارت الكاف هنا كالكاف في ذاك وأولئك.

وقال الخليل : كلاهما مضمر إلا أنّ الأوّل أشبه المظهر لكثرة حروفه.

وحكي عن بعض العرب أنّه قال : إذا بلغ الرجل الستين ، فإيّاه وإيّا الشوابّ وهذا ضعيف لما تقدّم والحكاية شاذّة لا تقوّي الاحتجاج بها.

وقال الفرّاء : الكاف هو الضمير وإيّا أتي بها ليعتمد الضمير عليها إذ الحرف الواحد لا يقوم بنفسه وهذا ضعيف أيضا ؛ لأن إيّا على أربعة أحرف وتلك عدّة الأسماء المتوسّطة بين الخماسيّة والثلاثيّة فهي أقوى من الأصل الثلاثيّ فيبعد أن يؤتى بها لتقوية ما هو حرف واحد ولا نظير له.

وقال آخرون : الجميع اسم واحد وهو بعيد أيضا إذ ليس في الأسماء ما يتغيّر الحرف منه لتغيّر المعاني أمّا الحروف الزائدة على الاسم والفعل فتختلف لاختلاف المعاني.

فصل : والاسم في رأيته الهاء والواو عند سيبويه ولكنّ حذفت في الوقف ، وإذا وصلت ب (الميم) نحو : رأيتهم تخفيفا ودليله أنّ هذا الضمير هو الضمير المنفصل في قولك : هو وقال الزجاج : الاسم هو الهاء وحدها ، واتّفقوا على أنّ الهاء والألف في رأيتهما الاسم.

فصل : والتاء في قمت ضمير الفاعل وحرّكت لأمرين :

أحدهما : أنّ ضمير الفاعل من حيث هو فاعل يلزم ذكره فحرّك تنبيها على قوّته ؛ ولذلك سكّن له آخر الفعل.

والثاني : أنّه لو سكّن لالتبس بتاء التأنيث وإنّما حرّك بالضمّ للمتكلّم ؛ لأن المتكلّم أقوى من المخاطب وفتح في المخاطب للفرق بينهما وجعلت الكسرة للمؤنّث إذ كانت من جنس الياء.

٣١١

فصل : وأمّا الكاف فلا تكون مع الفعل ضمير ، فاعل فلذلك لم تضمّ وفتحت في المخاطب وكسرت في المخاطبة.

فصل : والميم بعد الكاف مثلها بعد التاء في أنتما وأنتم وهي مضمومة مع الميم بكلّ حال كالتاء سواء وعلّة ذلك من وجهين :

أحدهما : أنّ الميم تشبه الواو فتحرّك بما هو مجانس للواو ويقوّي ذلك أنّ قبلها ضمّة التاء التي هي ضمير غير أنّ هذا لا يصلح للدلالة ابتداء ، ألا ترى أنّ الكاف قد ضمّت بعد الساكن نحو : أراكم وأعطيكم وضربتكم ، ولكن يصلح للترجيح.

والوجه الثاني : أنّها لو فتحت لالتبس في التثنية كقولك : رأيتكما وكذلك أنتما لو فتحت التاء لاشتبهت بانتماء ولأنّ التاء هنا في مجاورة الواحد فضمّت كنون نحن ومن العرب من يكسر الكاف قبل ميم الجمع إذا كانت قبلها كسرة كقولك : عجبت من حلمكم شبها بالهاء.

فصل : وياء المتكلّم بعد الفعل والحرف هي الاسم والنون قبلها حرف أتي به ليقي ما قبلها من الكسر نحو : كلّمني ومنّي ، وذلك أنّ الياء معتدّة بكسرتين فيجعل ما قبلها تبعا لها للتجانس فالاسم يصحّ كسر آخره ولا يصحّ ذلك في الفعل ؛ لأنه لمّا نبا عن قبول الكسرة الإعرابيّة الواجبة بعامل فأن ينبو عن التابعة أولى (١).

وأمّا الحرف فلا حظّ له من الحركة وتسمّى نون الوقاية والكوفيّون يسمّونها عمادا.

فصل : وإنّما لا يؤتى بالضمير المنفصل مع القدرة على المتّصل ؛ لأن علّة الإتيان بالضمير الاختصار والمتّصل أخصر وجاء في الشعر للضرورة.

فصل : والاسم العلم هو الموضوع على المسمّى تمييزا له لا لدلالته عليه اشتقاقا ؛ ولذلك يجوز أن يسمّى الأبيض حقيقة أسود ويسمّى الإنسان زيدا لا لزيادته ، وعبّاسا لا لعبوسه بل

__________________

(١) نون الوقاية : إذا لحقت ياء المتكلم الفعل أو اسم الفعل ، وجب الفصل بينهما بنون تسمى (نون الوقاية) ، لأنها تقي ما تتّصل به من الكسر (أي تحفظه منه). تقول «أكرمني ، ويكرمني ، وأكرمني ، وتكرمونني ، وأكرمتني ، وأكرمتني فاطمة» ، ونحو «رويدني ، وعليكني».

وإن لحقت الأحرف المشبّهة بالفعل ، فالكثير إثباتها مع «ليت» وحذفها مع «لعلّ» ، وبه ورد القرآن الكريم ، قال تعالى (يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً) وقال جلّ شأنه (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ) وندر حذفها مع «ليت» وإثباتها مع «لعلّ».

٣١٢

للتمييز كما ذكرنا ، وإنّما يثبت أنّه علم يعرف به بعد المسمّي غيره بالتسمية وحكم الكنى والألقاب حكم الأعلام في المقصود بها.

فصل : والفرق بين العلم والكنية واللقب أنّ العلم هو الذي يعرّف المسمّى وضعا مبتدأ حتّى يصير كعلم الثوب.

والكنية من كنيت عن الشيء إذا عبّرت عن اسمه باسم آخر فالعلم سابق على الكنية ، وقد توضع الكنية موضع العلم.

وأمّا اللقب فأن يحدث للمسمّى قصّة فيلقّب بما تضمّنته القصّة ك أنف الناقة وعائد الكلب فأنف الناقة رجل تصدّق بأنف ناقة فعيّب به وعائد الكلب لقب لقّب به شاعر (١) قال : [الكامل]

ما لي مرضت فلم يعدني عائد

منكم ويمرض كلبكم فأعود

فصل : واسم الإشارة للمذكّر ذا وقال الكوفيّون الاسم الذال وحدها والألف زائدة للتكثير.

وحجّة الأوّلين من وجهين :

أحدهما : أنّ اسم الإشارة منفصل في حكم الظاهر وليس في الأسماء الظاهرة القائمة بنفسها ما هو. على حرف واحد ولا القياس يقتضيه ؛ لأن القياس يقتضي أن يبدأ بحرف ويوقف على آخر ومن الناس من جعل ذا اسما ظاهرا ؛ لأنه يوصف ويوصف به.

والثاني : أنّهم قالوا في تصغيره ذيّا فأعادوه إلى أصله إذ هذا شأن التصغير وسيتّضح لك في بابه.

فإن قيل : فقد يزاد في المصغّر ما ليس منه كما لو سمّيت ب (هل) ، وقد ثمّ صغرته فإنّك تزيد عليه حرفا آخر؟

قيل : دعت الحاجة بعد التسمية إلى تكميله في التصغير ولم يقم الدليل هنا على زيادة الألف قبل التصغير ليقال الزيادة مختصّة بالتصغير.

واحتجّ الآخرون بأنّ تثنية ذا ذان والألف والنون للتثنية فلم يبق سوى الذال.

__________________

(١) البيت لابن نباتة المصري.

٣١٣

والجواب عنه من ثلاثة أوجه :

أحدها : أنّ ذان ليس بتثنية ذا بل صيغة موضوعة للتثنية بدليل أنّه لا يتنكّر كما يتنكّر زيد إذا ثنّي فعلم أنّه بمنزلة أنتما في أنّه غير مثنّى.

والثاني : يقدّر أنّه مثنى ولكنّ الألف سقطت لالتقاء الساكنين ولم تقلب لإيغالها في البناء.

والثالث : أنّه قد عوّض من الذاهب بتشديد النون فكأنّه لم يذهب.

فصل : الأصل في ذا ذيّ العين واللام ياءان إلّا أن الثانية قد حذفت ليصير الاسم مبهما وأبدلت الأولى ألفا لئلّا تشبه كي.

وقال بعض البصريّين : أصل الألف واو متحرّكة ؛ لأن باب طويت وشويت أكثر من باب حييت ثمّ حذفت اللام وانقلبت الواو ألفا.

فصل : وحكم تا في المؤنّث حكم ذا في المذكّر إلأّ أنّ المؤنّث يقال فيه تا وتي وذي وذه فتبدل الهاء من الياء فأمّا أولاء فجمع المذكّر والمؤنّث من غير لفظه وفيه المدّ والقصر والكاف حرف للخطاب بلا خلاف.

فصل : وأمّا اللام في ذلك ففي زيادتها وجهان :

أحدهما : هي لبعد المشار إليه.

والثاني : هي عوض من ها التي للتنبيه ؛ ولذلك تقول هذاك ولا تقول هذلك لئلّا تجمع بين العوض والمعوّض وحرّكت لئلّا يلتقي ساكنان وكسرت لأمرين :

أحدهما : أنّه الأصل في التقاء الساكنين.

والثاني : للفرق بينها وبين لام الملك.

فصل : فأمّا اللام في تلك فبقيت على سكونها ؛ لأن الياء قبلها حذفت لئلّا تقع الياء بين كسرتين إذا الجمع يدعو إلى كسر اللام وكسرة التاء تدلّ على الياء المحذوفة.

فصل : إنّما بني اسم الإشارة ؛ لأن الإشارة معنى والموضوع لإفادة المعاني الحروف ولم يضعوا للإشارة حرفا فينبغي أن يعتقد أنّهم ضمّنوه إيّاه طردا لأصولهم ودلّ على ذلك بناؤهم إيّاه ولا بدّ للبناء من سبب.

فصل : هو وهي الاسم بكمالها وقال الكوفيّون الهاء هي الاسم وما بعدها مزيد للتكثير.

٣١٤

وحجّة الأوّلين أنّه ضمير منفصل قائم بنفسه فلم يكن على حرف واحدك أنا ونحن ، وذلك أنّ قيامه بنفسه يدلّ على قوّته والحرف الواحد ضعيف.

واحتجّ الآخرون من وجهين :

أحدهما : أنّ الواو والياء تحذفان في التثنية والجمع نحوهما وهنّ وهم وفي الواحد المتّصل نحو رأيته ولو كانا منه لما حذفا.

والثاني : أنّهما قد حذفا في الشعر كقول الشاعر (١) : [الطويل]

فبيناه يشري رحله قال قائل

لمن جمل رخو الملاط نجيب

وقال آخر : [الرجز]

دار لسعدى إذه من هواكا

وضرورة الشعر تردّ إلى الأصل.

والجواب : أمّا التثنية والجمع فصيغ مرتجلة لما ذكرناه في هذين.

والثاني : أنّهم حذفوا الواو والياء فرارا من الثقل وذاك أنّ الهاء مضمومة والميم تشبه الواو فلو أثبتوا الواو متحرّكة ثقل اللفظ أو ظنّ أنّها كلمتان ولو سكّنوها لجمعوا بين ساكنين فكان الوجه حذفها ، وأمّا حذفها في المتّصل ففرارا من الثقل ، وأمّا حذفها في الشعر فلا حجّة فيه للاضطرار إليه ، وقد حذفوا ما لا يشكّ أنّه أصل كقوله [من الكامل] : (درس المنا) ، أي : المنازل ، [ومن الرجز] : (ورق الحمي) ، أي : الحمام.

فصل : اللام وحدها للتعريف وقال الخليل الألف واللام للتعريف بمنزلة هل وبل.

وحجّة الأوّلين من وجهين :

أحدهما : أنّ التعريف الحاصل في الاسم يجعله غير النكرة ؛ ولذلك إذا جاء آخر بيت نكرة وآخر بعده معرفة لم يكن إيطاءك رجل والرجل كما لو كان الثاني : على غير لفظ الأوّل بالكلّيّة

__________________

(١) البيت للعجير السلولي : (٩٠ ه‍ / ٧٠٨ م) وهو العجير بن عبد الله بن عبيدة بن كعب ، من بني سلول.

من شعراء الدولة الأموية ، كان من أيام عبد الملك بن مروان ، كنيته أبو الفرزدق ، وأبو الفيل. وقيل : هو مولى لبني هلال ، واسمه عمير ، وعجير لقبه. كان جوادا كريما ، عدّه ابن سلام في شعراء الطبقة الخامسة من الإسلاميين ، وأورد له أبو تمام مختارات في الحماسة ، وقال ابن حزم : هو من بني سلول بنت ذهل بن شيبان.

٣١٥

ولا يتحقّق ذلك إلّا بامتزاج الأداة بالاسم كبعض حروفه وهذا في الحرف الواحد يتحقّق والدليل على أنّهم قصدوا ذلك أنّهم سكنوا اللام إذ كان امتزاج الساكنين أشدّ.

والثاني : أنّ الألف قبل اللام همزة وصل تسقط بغيرها ، وإذا تحرّكت اللام سقطت في لغة جيدة كقولهم : تجمرن لحمر ولو كانت من الأصل لم تسقط كهل ، وقد.

والثالث : أنّ التعريف ضدّ التنكير ودليل التنكير حرف واحد هو التنوين فينبغي أن يكون دليل مقابله واحدا.

واحتجّ الآخرون من وجهين :

أحدهما : أنّ الهمزة قبل اللام مفتوحة ولو كان همزة وصل لضمّت أو كسرت ، وإذا لم تكن وصلا كانت أصلا.

والثاني : أنّ الشاعر إذا اضطر إلى جعل اللام آخر بيت جاء في أوّل الآخر بالألف واللام كقول الراجز : [الرجز]

دع ذا وعجّل ذا وألحقنا بذل

بالشحم إنّا قد مللناه بجل

وقال آخر (١) : [الرمل]

مثل سحق البرد عفّى بعدك ال

قطر مغناه وتأويب الشمال

فجعله بالألف واللام نصف البيت أو آخره دليل على أنّهما جميعا كلمة.

والجواب : أمّا فتح الهمزة فلكثرة وقوعها في الكلام ، وقد فتحت همزة ايمن وهي وصل ولم يخرجها ذلك عن زيادتها ، وأمّا قطعها في الشعر فلا يدلّ على ما ذكر لأنّا تقول : إنّ الهمزة سقطت والباقي اللام وحدها وإنّما أعاد الألف مع اللام ليصحّ سكون اللام.

فصل : واللام على وجوه :

__________________

(١) البيت للشاعر عبيد بن الأبرص :(ـ ٢٥ ق. ه / ـ ٥٩٨ م) وهو عبيد بن الأبرص بن عوف بن جشم الأسدي ، أبو زياد ، من مضر.

شاعر من دهاة الجاهلية وحكمائها ، وهو أحد أصحاب المجمهرات المعدودة طبقة ثانية عن المعلقات. عاصر امرؤ القيس وله معه مناظرات ومناقضات ، وعمّر طويلا حتى قتله النعمان بن المنذر وقد وفد عليه في يوم بؤسه.

٣١٦

أحدها : استغراق الجنس كقولك : الرجل أفضل من المرأة أي جميع هذا الجنس خير من جميع الجنس الآخر وليس آحاده خيرا من آحاده.

والثاني : أن تكون لتعريف الواحد من الجنس من حيث هو جنس كقولك : الدينار خير من الدرهم أي أيّ دينار كان فهو خير من أيّ درهم كان.

والثالث : أن تكون للمعهود بين المتكلّم والمخاطب كقولك : لمن تخاطبه جاء الرجل الذي عهدناه.

والرابع : أن تكون لتعريف الحاضر كقولك : هذا الرجل فأمّا قوله تعالى : (فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ) [المزمل : ١٦] فمن المعهود السابق لتقدّم ذكر الرسول نكرة فعاد إليه.

والخامس : أن تكون بمعنى الذي نحو الضارب والقائم.

والسادس : أن تكون زائدة كالداخلة على الذي وسنبيّن ذلك في الموصولات وحكي عن بعض العرب قبضت الخمسة العشر الدرهم ولا يقاس عليه.

وقال الكوفيّون الألف واللام تكون بدلا من هاء الضمير كقولك : مررت بالرجل الحسن الوجه إذا رفعت وليس بشيء إذ لو كان كذلك لجاز أن تقول مررت بزيد فكلّمني الغلام أي غلامه وليس بجائز ولأنّ الهاء اسم مضمر يعرّف بما قبله بالإضافة والألف واللام حرف يعرّف بوجه آخر فهما مختلفان من هذين الوجهين :

مسألة : أعرف المعارف المضمر عند سيبويه ومن تابعه.

وقال ابن السّراج : أسماء الإشارة أعرف منه ومن العلم.

وقال الكوفيّون : العلم أعرف منهما.

وحجّة الأوّلين : أنّ المضمر لا اشتراك فيه لتعينه بما يعود إليه ؛ ولذلك لا يوصف ويوصف به بخلاف العلم ؛ فإنه فيه اشتراك ويميز بالوصف والمبهم يوصف ويوصف به ويقع اسم الإشارة على كل حاضر ويقع فيه اشتراك حتى لو كان بحضرتك جماعة فقلت هذا من غير إقبال واحد لم يعلم المراد إلا بانضمام الإقبال إليه.

واحتج ابن السراج بأن اسم الإشارة يعرف بالعين والقلب فهو أقوى وهذا ضعيف ؛ لأن ذلك راجع إلى تعرفه عند المتكلم فأما السامع فلا يعلم ما في قلب الناطق ب (هذا) وإنما يعرف

٣١٧

المشار إليه بالإقبال عليه وهو شيء غير الاسم ويدل عليه أن اسم الإشارة يصفر ويثنى ويجمع ولا يفتقر إلى تقدم ذكر فهو في ذلك كالمظهر المحض.

واحتج الآخرون بأن العلم لا اشتراك فيه وضعا وإنّما تقع الشركة فيه اتّفاقا والضمير يصلح لكلّ مذكور ، وقد يكون المذكور قبله نكرة فيصير هو نكرة أيضا ؛ ولذلك دخلت عليه ربّ في قولهم : ربّه رجلا.

والجواب : أمّا العلم فيعرف بالوضع ويفتقر تعريفه إلى إعلام المسمّى به غيره بأني سميت هذا الشيء كذا ثمّ تقع فيه الشركة ، وقد زيدت فيه الألف واللام نحو قول الشاعر : [الرجز]

باعد أمّ العمرو من أسيرها

حرّاس أبواب على قصورها

يروي بالعين والغين وكلّ ذلك لا يوجد في المضمر ثمّ إنّ العلم يتنكّر كقولك : مررت بزيد وزيد آخر وفي التثنية والجمع والإضافة والضمير لا يتنكّر فأمّا عوده إلى نكرة فلا ينكّره ؛ لأنه يقطع على من عني بالضمير فهو متعيّن.

فأمّا ربّه رجلا فشاذّ ، وقد جعلت النكرة بعده مفسّره له بمنزلة تقدّمها عليه.

فصل في الفصل :

ويسمّيه الكوفيّون العماد وهو أنا ونحن وهو للغائب وهي ولا يفصل إلّا بضمائر المرفوع المنفصل على حسب ما قبله من المتكلّم والمخاطب والغائب وإنّما سمّي فصلا ؛ لأنه يجمع أنواعا من التبيين فيؤكد الخبر للمخبر عنه ويفصل الخبر من الصفة فيعيّن ما بعده للإخبار لا للوصف ويعلم أن الخبر معرفة أو قريب من المعرفة.

فصل : ولا موضع له من الإعراب وقال الكوفيّون له موضع فعند بعضهم هو تابع لما قبله وعند بعضهم حكمه حكم ما بعده.

والدليل على أنّه لا موضع له دخول اللام عليه في خبر كان كقولك : إن كنا لنحن الذاهبين ، وقد يقع لفظ الفصل في موضع لا يحتمل غيره كقوله تعالى : (تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً) [المزمل : ٢٠] وجاز ذلك هنا ؛ لأن أفعل منك قد يخصّص فقرب من المعرفة وفي موضع يصلح أن يكون توكيدا فيكون له موضع ويحتمل أن يكون مبتدأ وما بعده الخبر.

٣١٨

فصل : وتقول : كنت أظنّ أنّ العقرب أشدّ لسعة من الزنبور فإذا هو هي. وقال الكوفيّون : فإذا هو إيّاها.

وحجّة الأوّلين : أنّ هو مبتدأ والخبر لا يخلو إمّا أن يكون إذا التي للمفاجأة ؛ لأنها مكان فيلزم أن يكون الضمير الثاني حالا ، وإمّا أن يكون الخبر الضمير الثاني وإيّا من ضمائر المنصوب لا المرفوع فإذا بطل القسمان تعيّن أن تكون هي خبر المبتدأ.

واحتجّ الآخرون من وجهين :

أحدهما : أنّ جماعة من العرب شهدوا عند يحيى بن خالد حين اجتمع سيبويه والكسائي وأصحابه بقول الكوفيّيون.

والثاني : أنّ التي للمفاجأة يجوز أن يرتفع ما بعدها بأنّه مبتدأ وخبر وأن ينتصب على إضمار أجد وعلى ذلك جاءت الحكاية.

وقال ثعلب : هو عماد أي وجدته إيّاها.

والجواب عن الحكاية من وجهين :

أحدهما : أنّ الذين اجتمعوا بباب يحيى بن خالد من العرب بذل لهم أصحاب الكسائيّ والفرّاء مالا على أن يقولوا بما يوافق قولهم ، ولم يشعر بذلك الكسائيّ والفرّاء.

والثاني : أنّ ذلك من شذوذ اللغة كما شذّ فتح لام الجرّ والجرّ ب (لعلّ) ، والجزم ب (لن) وغير ذلك ، وأمّا النّصب بعد إذا فلا يكون إلّا على الحال وإيّا لا يكون حالا ولا يصحّ النصب ب (يجد) ؛ لأنها تفتقر إلى مفعولين وليسا في الكلام على أن تقدير ذلك لا دليل عليه ولا يصحّ جعل هو فصلا ؛ لأن الفصل يكون بين اسمين وليسا هنا.

٣١٩

باب ما لا ينصرف (١)

قد سبق في صدر الكتاب معنى الصرف ، وينبغي أن يعلم أنّ الأصل في الأسماء المعربة الصرف ؛ لأن العلّة في الإتيان بالصرف موجودة في جميعها إلّا أنّ ضربا منها شابه الفعل من وجهين فمنع ذلك الضرب من الجرّ والتنوين اللذين لا يدخلان الفعل.

فإن قيل : هلّا منع الشبه من وجه واحد؟ قيل : لا يمنع لوجهين :

أحدهما : أنّ استحقاق الاسم الصرف أصل متأكّد فالشبه الواحد دون تأكّده بالأصالة.

والثاني : أنّ الانتقال عن الأصل إلى حكم الفرع يفتقر إلى دليل يرجّح عليه إذ لو تساويا لم يكن الانتقال أولى من البقاء والشبه الواحد لا يرجّح الأصالة وصار كالحق في الذمّة لا يثبت إلّا بشاهدين ؛ لأن البراءة أصل.

فصل : ومعنى شبه الاسم للفعل أن يصير فرعا وبيانه أنّ الفعل فرع على الاسم من جهات :

إحداها : أنّه مشقّ من المصدر وهو اسم والمشتقّ ثان للمشتقّ منه.

والثانية : أنّ الفعل يخبر به لا عنه والاسم يخبر به وعنه والأدنى فرع على الأعلى.

والثالثة : أنّ الأفعال تحدث من مسمّيات الأسماء والحادث متأخّر عن المحدث ، وإذا ثبت هذا في الفعل فالاسم يصير فرعا بحدوث أمر ثان لغيره ومسبوق به.

وتلك الأمور تسعة وزن الفعل والتعريف والزيادة والوصف والعدل والعجمة والجمع والتركيب وكلّ منها مسبوق بضدّه أو خلافه.

فصل : فوزن الفعل مسبوق بوزن الاسم كسبق الاسم للفعل.

__________________

(١) قال ابن هشام في شرح الشذور : باب ما لا ينصرف وحكمه أنه يوافق ما ينصرف في أمرين وهما أنه يرفع بالضمة وينصب بالفتحة ويخالفه في أمرين وهما أنه لا ينوّن وأنه يجر بالفتحة نحو جاءني أفضل منه ومررت بأفضل منه ورأيت أفضل منه وقال الله تعالى : (فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها)(يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ)(وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ)

ويستثنى من قولنا ما لا ينصرف مسألتان يجر فيهما بالكسرة على الأصل إحداهما أن يضاف والثانية أن تصحبه الألف واللام تقول مررت بأفضل القوم وبالأفضل وقال الله تعالى (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)

٣٢٠