اللباب في علل البناء والإعراب

محبّ الدين عبدالله بن الحسين البغدادي [ أبي البقاء العكبري ]

اللباب في علل البناء والإعراب

المؤلف:

محبّ الدين عبدالله بن الحسين البغدادي [ أبي البقاء العكبري ]


المحقق: محمّد عثمان
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦١

فصل : و (إلى) (١) لانتهاء الغاية وهي مقابلة ل (من).

وقال قوم : تكون (إلى) بمعنى (مع) كقوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) [النساء : ٢] و (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) [الصف : ١٤] (وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ) [هود : ٥٢] (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) [المائدة : ٦] وهذا كلّه لا حجّة فيه بل هي للانتهاء والمعنى لا تضيفوا أموالهم إلى أموالكم وكنّى عنه بالأكل كما قال : (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) [النساء : ٢٩] أي : لا تأخذوا. و (مَنْ أَنْصارِي) أي : من ينصرني إلى أن أتّم أمر الله أو موضعها حال ، أي : من أنصاري مضافا إلى الله ومثله : (إِلى قُوَّتِكُمْ.)

__________________

(١) إلى لها ثلاثة معان :

١ ـ الانتهاء ، أي انتهاء الغاية الزمانيّة أو المكانيّة. فالأول كقوله تعالى (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) والثاني كقوله (مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى.)

وترد أيضا لانتهاء الغاية في الأشخاص والأحداث. فالأول نحو «جئت إليك» ، والثاني نحو «صل بالتّقوى إلى رضا الله».

ومعنى كونها للانتهاء أنها تكون منتهى لابتداء الغاية.

أمّا ما بعدها فجائز أن يكون داخلا جزء منه أو كلّه فيما قبلها ، وجائز أن يكون غير داخل. ؛ فإذا قلت «سرت من بيروت إلى دمشق» ، فجائز أن تكون قد دخلتها ، وجائز أنك لم تدخلها ، لأنّ النهاية تشمل أول الحدّ وآخره. ، وإنما تمتنع مجاوزته. ومن دخول ما بعدها فيما قبلها قوله تعالى (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ.) فالمرافق داخلة في مفهوم الغسل. ومن عدم دخوله قوله عزوجل (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ.) فالجزء من الليل غير داخل في مفهوم الصيام. وقالت الشيعة الجعفرية إنه داخل. والآية ـ بظاهرها ـ محتملة للأمرين.

فإن كان هناك قرينة تدلّ على دخول ما بعدها فيما قبلها ، دخل ، أو على عدم دخوله لم يدخل. فإن لم تكن قرينة تدلّ على دخوله أو خورجه ، فإن كان من جنس ما قبلها جاز أن يدخل وأن لا يدخل ، نحو «سرت في النهار إلى العصر» وإلا فالكثير الغالب أنه لا يدخل. نحو «سرت في النهار إلى الليل». وقال قوم يدخل مطلقا ، سواء أكان من الجنس أم لا. وقال قوم لا يدخل مطلقا. والحقّ ما ذكرناه.

٢ ـ المصاحبة ، أي معنى «مع» كقوله تعالى (قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) أي معه ، وقوله (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ ،) ومنه قولهم «الذّود إلى الذّود إبل» ، وتقول «فلان حليم إلى أدب وعلم».

٣ ـ معنى «عند» ، وتسمّى المبيّنة ، لأنها تبين أن مصحوبها فاعل لما قبلها. وهي التي تقع بعد ما يفيد حبا أو بغضا من فعل تعجّب أو اسم تفضيل ، كقوله تعالى (قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) ، أي أحبّ عندي. فالمتكلم هو المحبّ. وقول الشاعر :

أم لا سبيل إلى الشّباب ، وذكره

أشهى إليّ من الرّحيق السّلسل

٢٤١

وأمّا قوله : (إِلَى الْمَرافِقِ) ففيه وجهان :

أحدهما : أنّها على بابها وذاك أنّ المرفق هو الموضع الذي يتّكئ الإنسان عليه من رأس العضد ، وذلك هو المفصل وفويقه فيدخل فيه مفصل الذراع ولا يجب في الغسل أكثر منه.

والثاني : أنّ (إلى) تدلّ على وجوب الغسل إلى المرفق ولا تنفي وجوب غسل المرفق ؛ لأن الحدّ لا يدخل في المحدود ولا ينفيه التحديد كقولك : سرت إلى الكوفة فهذا لا يوجب دخول الكوفة ولا ينفيه ، وكذلك المرفق إلا أنّ وجوب غسله ثبت بالسّنة.

فصل : ومعنى (عن) المجاوزة والتعدّي ، وقولك : أخذت العلم عن فلان مجاز ؛ لأن علمه لم ينتقل عنه ووجه المجاز أنك لمّا تلقّيته منه صار كالمنتقل إليك عن محلّه.

فصل : وقد يكون : (عن) اسما يدخل عليه حرف الجرّ فيكون بمعنى جانب وناحية قال الشاعر (١) : [الكامل]

ولقد أراني للرّماح دريئة

من عن يميني مرّة وأمامي

وهي إذا كانت اسما مبنيّة لشبهها بالحرف في نقصانها لأنّك لا تقول : جلست عن ، كما تقول : جلست ناحية وجانبا.

فصل : وأما : (في) فحقيقتها الظرفيّة كقولك : المال في الكيس ، وقد يتجوّز بها في غيرها كقولك : فلان ينظر في العلم ؛ لأن العلم ليس بظرف على الحقيقه ولكن لمّا قيّد نظره به وقصره عليه صار العلم كالوعاء الجامع لما فيه.

__________________

(١) البيت من شعر قطري بن الفجاءة : (٧٨ ه‍ / ٦٩٧ م) وهو جعونة بن مازن بن يزيد الكناني المازني التميمي أبو نعامة.

شاعر الخوارج وفارسها وخطيبها والخليفة المسمّى أمير المؤمنين في أصحابه ، وكان من رؤساء الأزارقة وأبطالهم. من أهل قطر بقرب البحرين كان قد استفحل أمره في زمن مصعب بن الزبير ، لما ولي العراق نيابة عن أخيه عبد الله بن الزبير.

وبقي قطري ثلاث عشرة سنة ، يقاتل ويسلّم عليه بالخلافة وإمارة المؤمنين والحجاج يسير إليه جيشا إثر جيش ، وهو يردهم ويظهر عليهم. وكانت كنيته في الحرب نعامة و (نعامة فرسه) وفي السلم أبو محمد.

قال صاحب سنا المهتدي في وصفه : كان طامة كبرى وصاعقة من صواعق الدنيا في الشجاعة والقوة وله مع المهالبة وقائع مدهشة ، وكان عربيا مقيما مغرما وسيدا عزيزا وشعره في الحماسة كثير. له شعر في كتاب شعر الخوارج.

٢٤٢

وقد تكون بمعنى السبب كقوله وآله وسلّم : «في النّفس المؤمنة مائة من الإبل» (١) أي : تجب بقتلها الإبل ، ووجه المجاز أنّ السبب يتضمّن الحكم ، والحكم يلازمه فصار للحكم كالظرف الحافظ لما فيه.

فصل : وأمّا (على) (٢) وتكون حرف جرّ وحقيقتها للدلالة على الاستعلاء كقولك : زيد على الفرس فتكون مجازا فيما ما يغلب الإنسان كقولك : (عليه كآبة) أي : تغلبه وتظهر عليه وعليه دين ، أي : لزمه الانقياد بسببه كانقياد المركوب لراكبه وهو معنى قول الفقهاء : (على) للإيجاب.

__________________

(١) أخرجه النسائي (٤٨٥٥) ، وأخرجه الدارمي في سننه (٢٣٦٥) ، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى ج ٨ / ١٨ ، وأخرجه الشافعي في مسنده (١٥٨٣).

(٢) على لها ثمانية معان :

١ ـ الاستعلاء ، حقيقة كان ، كقوله تعالى (وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) أو مجازا ، كقوله (فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) ونحو «لفلان عليّ دين». والاستعلاء أصل معناها.

٢ ـ معنى «في» ، كقوله تعالى (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها) أي في حين غفلة.

إذا رضيت عليّ بنو قشير

لعمر الله أعجبني رضاها

أي إذا رضيت عني.

٤ ـ معنى اللام ، التي للتعليل ، كقوله تعالى (وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ) أي «لهدايته إيّاكم» ، وقول الشاعر

علام تقول الرّمح يثقل عاتقي

إذا أنا لم أطعن ، إذا الخيل كرّت

أي لم تقول؟

٥ ـ معنى «مع» ، كقوله تعالى (وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ) أي مع حبه ، وقوله (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ) مع ظلمهم.

٦ ـ معنى «من» ، كقوله سبحانه (إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ) أي اكتالوا منهم.

٧ ـ معنى الباء ، كقوله تعالى (حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ) أي حقيق بي ، ونحو «رميت على القوس» ، أي رميت مستعينا بها ، ونحو «اركب على اسم الله» ، أي مستعينا به.

٨ ـ الاستدراك ، كقولك «فلان لا يدخل الجنة لسوء صنيعه ، على أنه لا ييأس من رحمة الله» ، أي لكنّه لا ييأس. ومنه قول الشاعر

بكلّ تداوينا. فلم يشف ما بنا

على أنّ قرب الدّار خير من البعد

على أنّ قرب الدّار ليس بنافع

إذا كان من تهواه ليس بذي ودّ

٢٤٣

فصل : وقد تكون اسما بمعنى فوق مبنيّا وتقلب ألفها ياء مع الضمير كقول الشاعر (١) : [الطويل]

غدت من عليه بعدما تمّ ظمؤها

تصلّ وعن قيض بزيزاء مجهل

يعني : قطاة فارقت بيضها بعدما تمّ عطشها ، وإنّما بينت لنقصانها كما ذكرنا في (عن) وقلبت ألفها ياء حملا على حالها وهي حرف وألفها من واو ؛ لأنها من علا يعلو.

فصل : وأمّا (لام الجرّ) فمعناه الاختصاص وهذا يدخل فيه الملك وغيره ؛ لأن كلّ ملك اختصاص وما كلّ اختصاص ملكا ، وقولك : السرج للدّابة للاختصاص ولام التعليل كقولك : جئت لإكرامك للاختصاص أيضا لا للملك.

فصل : وتكسر هذه اللام مع المظهر غير المنادى وتفتح مع المضمر غير الياء ، وإنّما حرّكت وأصلها السكون ؛ لأنها مبتدأ بها ، وفي كسرها وجهان :

أحدهما : الفرق بيننها وبين لام الابتداء فإنّها في بعض المواضع تلتبس بها فجعل في نفسها ما يمنع من وقوع اللبس وأمن اللبس في المضمر فردّت إلى الأصل وكسرت مع الياء اتباعا ، وإنّما أمن اللبس مع المضمر ؛ لأن الضمير الواقع بعد لام الابتداء منفصل وبعد لام الجرّ متصّل واللفظان مختلفان.

والوجه الثاني : أنّ اللام تعمل الجرّ فجعلت حركتها من نفس عملها ومع المضمر لا عمل لها في اللفظ فخرجت على الأصل ، ولأنّ الضمائر تردّ الأشياء إلى أصولها.

فصل : وأمّأ (الباء) (٢) فللإلصاق في الأصل وتستعمل في غيره على التشبيه بالإلصاق كقولك : مررت بزيد ، أي : حاذيته والتصقت به. وتقول : أخذ بذنبه ، أي : ذنبه سبب لذلك

__________________

(١) البيت من شعر مزاحم العقيلي : (١٢٠ ه‍ / ٧٣٨ م) وهو مزاحم بن الحارث ، أو مزاحم بن عمرو بن مرة بن الحارث ، من بني عقيل بن كعب ، من عامر بن صعصعة. شاعر غزل بدوي ، من الشجعان. كان في زمن جرير والفرزدق ، وسئل كل منهما أتعرف أحدا أشعر منك؟ فقال : الفرزدق لا ، إلا أن غلاما من بني عقيل يركب أعجاز الإبل وينعت الفلوات فيجيد. وأجاب جرير بما يشبه ذلك.

وقيل لذي الرمة : أنت أشعر الناس ، فقال : لا ، ولكن غلام من بني عقيل يقال له مزاحم ، يسكن الروضات ، يقول وحشيا من الشعر لا يقدر أحد أن يقول مثله. وأورد البغدادي والجمحي بعض محاسن شعره.

٢٤٤

__________________

(١) الباء لها ثلاثة عشر معنىً :

١ ـ الالصاق وهو المعنى الأصليّ لها. وهذا المعنى لا يفارقها في جميع معانيها. ولهذا اقتصر عليه سيبويه.

والالصاق إما حقيقي ، نحو «أمسكت بيدك ، ومسحت رأسي بيدي» ، وإمّا مجازيّ ، نحو «مررت بدارك ، أو بك» أي بمكان يقرب منها أو منك

٢ ـ الاستعانة ، وهي الداخلة على المستعان به ـ أي الواسطة التي بها حصل الفعل ـ نحو «كتبت بالقلم وبريت القلم بالسكين» ونحو «بدأت عملي باسم الله فنجحت بتوفيقه».

٣ ـ السببيّة والتعليل ، وهي الداخلة على سبب الفعل وعلته التي من أجلها حصل ، نحو «مات بالجوع» ونحو «عرفنا بفلان» ومنه قوله تعالى (فكلا أخذنا بذنبه) وقوله (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم).

٤ ـ التعدية : وتسمّى باء النقل فهي كالهمزة في تصييرها الفعل اللازم متعديّاً ، فيصير بذلك الفاعل مفعولاً كقوله تعالى (ذهب الله بنورهم) أي أذهبه وقوله تعالى (وآتيناه من الكنوز ما إنّ مفاتحه لتنوء بالعصبة اُولي بالعصبة اولى القوة) أي لتنيء العصبة وتثقلها. وهذا كما تقول «ناء به الحمل ، بمعنى أثقله» ومن باء التعدية قوله تعالى (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى) أي سيّره ليلاً.

٥ ـ القسم : وهي أصل أحرفه ويجوز ذكر فعل القسم معها نحو «أُقسم بالله» ويجوز حذفه نحو «بالله لأجتهدنّ» وتدخل على الظاهر كما رأيت وعلى المضمر نحو «بك لأفعلنّ».

٦ ـ العوض : وتسمى باء المقابلة أيضاً وهي التي تذلّ على التعويض شيء من شيء في مقابلة شيء آخر ، نحو «بعتك هذا بهذا وخذ الدار بالفرس».

٧ ـ البدل : وهي التي تدلّ على اختيار أحد الشيئين على الآخر ، بلا عوضٍ ولا مقابلة ، كحديث «ما يسرّني بها حمر النعم» ، وقول بعضهم «ما يسرّني أنّي شهدت بذراً بالعقبة» أي بدلها وقول الشاعر :

فليت لي بهم قوماً إذا ركبوا

شنّوا الاغارة فرساناً وركباناً

٨ ـ الظرفية : أي معنى في كقوله تعالى (لقد نصركم الله ببدرٍ وما كنت بجانب الغربيّ نجّيناهم بسحرٍ وإنّكم لتمرّون عليهم وبمصبحين وبالليل).

٩ ـ المصاحبة : أي معنى مع نحو «بعتك الفرس بسرجه والدار بأثاثها» ومنه قوله تعالى «إهبط بسلام».

١٠ ـ معنى من التبعيضية، كقوله تعالى (عيناً يشرب بها عباد الله) ، أي منها.

١١ ـ معنى عن كقوله (فاسأل به خبيراً) أي عنه ، وقوله تعالى (سأل سائل بعذاب واقع) وقوله (يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم).

١٢ ـ الاستعلاء : أي معنى على كقوله تعالى (ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك) ، أي على قنطار ، وقول الشاعر :

أربّ يبول الثعبان برأسه

لقد ذلّ من بالت عليه الثعالب

١٣ ـ التأكيد ، وهي زائدة لفظاً ، أي في الاعراب ، نحو «بحسبك ما فعلت» ، أي حسبك ما فعلت. ومنه قوله تعالى : (وكفى بالله شهيداً) ، وقوله (ألم يعلم بأن الله يرى) ، وقوله (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) ، وقوله (أليس الله بأحكم الحاكمين).

٢٤٥

والسبب يلازمه حكمه غالبا ، والملازمة تقرب من الإلصاق وتكون للبدل كقولك : بعته بكذا فهي للمقابلة كما أنّ السببية للمقابلة وتكون زائدة وسنذكر أقسامها في الحروف.

فصل : و (الكاف) للتشبيه تكون في موضع حرفا لا غير يجوز أن تقع صلة كقولك : الذي كزيد عمرو ، ولو كانت هنا اسما لما تمّت الصلة بها وتكون في موضع اسما لا غير مثل أن تكون فاعلة كقول الشاعر (١) : [البسيط]

أتنتهون ولا ينهى ذوي شطط

كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل

والفاعل لا يكون إلا اسما مفردا ، وإذا دخل عليها حرف الجرّ كانت اسما كقوله : [الرجز]

يضحكن عن كالبرد المنهمّ

وتكون في موضع محتملة لهما كقولك : زيد كعمرو ، ومررت برجل كالأسد ، وجاء زيد كالأسد ، وتكون زائدة ويذكر في موضعه.

فصل : فإن قيل : لم فتحت (الكاف) وكسرت (اللام والباء)؟

قيل : الأصل في الحروف الأحاديّة الفتح ؛ لأنها يبتدأ بها والابتداء بالساكن الذي هو الأصل الأوّل محال فحرّكت والضرورة تندفع بأخفّ الحركات إلا أنّ (الباء واللام) كسر تا لما ذكرنا قبل ، فأمّا : (الكاف) فتكون حرفا وتكون اسما فبعدت من اللام والباء فردّت إلى ألاصل ، وقيل : إنّ الكاف من أعلى الحلق ففيها نوع من استعلاء فكسرها مستثقل ، وقيل : هي قريبة من مخرج الياء فيثقل كسرها كما يثقل كسر الياء.

__________________

(١) البيت للأعشى :(ـ ٧ ه‍ / ـ ٦٢٨ م) وهو ميمون بن قيس بن جندل من بني قيس بن ثعلبة الوائلي ، أبو بصير ، المعروف بأعشى قيس ، ويقال له أعشى بكر بن وائل والأعشى الكبير. من شعراء الطبقة الأولى في الجاهلية وأحد أصحاب المعلقات.

كان كثير الوفود على الملوك من العرب ، والفرس ، غزير الشعر ، يسلك فيه كلّ مسلك ، وليس أحد ممن عرف قبله أكثر شعرا منه.

وكان يغنّي بشعره فسمّي (صناجة العرب).

قال البغدادي : كان يفد على الملوك ولا سيما ملوك فارس فكثرت الألفاظ الفارسية في شعره.

عاش عمرا طويلا وأدرك الإسلام ولم يسلم ، ولقب بالأعشى لضعف بصره ، وعمي في أواخر عمره.

مولده ووفاته في قرية (منفوحة) باليمامة قرب مدينة الرياض وفيها داره وبها قبره.

٢٤٦

فصل : وأمّا (واو القسم وتاؤه) ففرعان على الباء فردّا إلى الفتح الذي هو الأصل.

فصل : وإنّما لم تدخل (الكاف) في الاختيار على مضمر لتردّدها بين الاسم والحرف ، وذلك اشتراك فيها والاشتراك فرع والضمائر تردّ الأشياء إلا أصولها ولا أصل لها ، ولهذه العلّة لم تدخل حتّى على المضمر ، وقيل : لمّا لم تكسر (الكاف) لم تدخل على المضمر ؛ لأن من المضمرات ما يوجب كسر ما قبله وهو ياء المتكلّم فألحق باقيها به بخلاف اللام والباء فأمّا الواو والتاء فيذكران في القسم.

فصل : وأمّا : (ربّ) فحرف عند البصريّين واسم عند الكوفيّين.

وحجّة الأوّلين من أوجه :

أحدها : أنّ معناها في غيرها فكانت حرفا كسائر أخواتها.

والثاني : أنّ ما بعدها مجرور أبدا ولا معنى للإضافة فيها فتعيّن أن تكون حرف جر.

والثالث : أنّها تتعلّق أبدا بفعل وهذا حكم حرف الجرّ.

وحجّة الآخرين من أوجه :

أحدها : أنّه أخبر عنها فقالوا : [الكامل]

... (١)وربّ قتل عار

فرفع : (عار) يدلّ أنّه خبر عنها.

والثاني : أنّها لو كانت حرف جرّ لظهر الفعل الذي تعدّيه ولا يظهر أبدا.

__________________

(١) من ثلاثة أبيات لحبيب الهلالي :

يا با حسين لو شراة عصابة

صبحوك كان لوردهم إصدار

إن يقتلوك فإنّ قتلك لم يكن

عارا عليك وربّ قتل عار

يا با حسين والجديد إلى بلى

أولاد درزة أسلموك وطاروا

والشاعر حبيب بن خدرة الهلالي ، شاعر من شعراء الخوارج وهو من موالي بني هلال.

وقال الجاحظ عنه : أنه من خطباء الخوارج وشعرائهم وعلمائهم.

وقال : عداده في بني شيبان وهو مولى لبني هلال بن عامر ، وقد انتمى للخوارج في سن كبيرة ، ولهذا تتفاوت أشعاره تفاوتا ملحوظا. له شعر في كتاب شعر الخوارج.

٢٤٧

والثالث : أنّها نقيضّة : (كم) وكم اسم فما يقابله اسم يدلّ عليه أنّها جاءت للتكثير ك (كم).

والجواب : أمّا الإخبار عن (ربّ) فغير مستقيم ؛ لأن (ربّ) ليس لها معنى في نفسها حتّى يصحّ نسبة الخبر إليها ؛ ولذلك تكون الصفة تابعة للمجرور ب (ربّ) في التذكير والتأنيث والإفراد والجمع و (ربّ) متّحدة المعنى فعلم أنّ الخبر ليس عن : (ربّ) (١) فأمّا قوله : ربّ قتل عار فشاذّ ، والوجه فيه : أنّه خبر مبتدأ محذوف ، أي : (هو عار) والجملة صفة لقتل ، وأمّا الفعل الذي تتعلّق به (ربّ) فيجوز إضهاره غير أنّهم اكتفوا بالصفة عنه في كثير من المواضع لظهور معناه ، وأمّا حملها على (كم) فلا يصحّ لوجهين :

أحدهما : أن الاسميّة لا تثبت في معنى بالإلحاق في المعنى ألا ترى أنّ معنى (من) التبغيض ولا يقال هي اسم ؛ لأنها التبعيض ، وكذلك معنى (ما) النفي وهي حرف وهو اسم فعلم أنّ الاسمّية تعرف من أمر آخر.

__________________

(١) ربّ تكون للتّقليل وللتّكثير ، والقرينة هي التي تعيّن المراد. فمن التقليل قول الشاعر :

ألا ربّ مولود ، وليس له أب

وذي ولد لم يلده أبوان

يريد بالأول عيسى ، وبالثاني آدم ، عليهما‌السلام. ومن التكثير حديث «يا رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة» ، وقول بعض العرب عند انقضاء رمضان «يا ربّ صائمه لن يصومه ويا ربّ قائمه لن يقومه».

واعلم أنه يقال «ربّ وربّة وربّما وربّتما». والتاء زائدة لتأنيث الكلمة ، و «ما» زائدة للتوكيد. وهي كافة لها عن العمل.

وقد تخفّف الباء. ومنه قوله تعالى (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ.)

ولا تجرّ «ربّ» إلا النكرات ، فلا تباشر المعارف. وأمّا قوله «يا ربّ صائمه ، ويا ربّ قائمه» المتقدّم ، فإضافة صائم وقائم إلى الضمير لم تفدهما التعريف ، لأنّ إضافة الوصف إلى معموله غير محضة ، فهي لا تفيد تعريف المضاف ولا تخصيصه ، لأنها على نيّة الانفصال ، ألا ترى أنك تقول «يا ربّ صائم فيه ، ويا ربّ قائم فيه».

والأكثر أن تكون هذه النكرة موصوفة بمفرد أو جملة. فالأول نحو «ربّ رجل كريم لقيته». والثاني نحو «ربّ رجل يفعل الخير أكرمته». وقد تكون غير موصوفة ، نحو «ربّ كريم جبان».

وقد تجرّ ضميرا منكّرا مميّزا بنكرة. ولا يكون هذا الضمير إلا مفردا مذكّرا. أما مميّزه فيكون على حسب مراد المتكلم مفردا أو مثنّى أو جمعا أو مذكرا أو مؤنثا ، تقول «ربّه رجلا. ربّه رجلين. ربّه رجالا. ربّه امرأة. ربّه امرأتين. ربّه نساء». قال الشاعر

ربّه فتية دعوت إلى ما

يورث الحمد دائبا ، فأجابوا.

٢٤٨

والثاني : أنّ (كم) اسم لعدد ؛ ولذلك يخبر عنها وتدخل عليها حروف الجرّ ، ولو جعل مكانها عهدد كثير أغنى عنها كقولك مائة رجل أو ألف رجل وربّ للتقليل والتقليل كالنفي ؛ ولذلك استعملوا (أقلّ) بمعنى النفي كقولهم : أقلّ رجل يقول ذاك إلا زيد ، أي : ما رجل.

فصل : وتضمر (ربّ) بعد الواو والجرّ بها ، وقال المبرّد والكوفيّون : الجرّ بالواو.

وحجّة الأوّلين : أنّ الواو في الأصل للعطف ، والعطف يكون للأسماء والأفعال والحروف فهي غير مختصة وما لا يختصّ لا يعمل إلا أن ينوب عن مختّص لا يظهر معه البتة ك (واو القسم) فإنّها تدخل على (الباء) وهما للقسم ، ومن هنا لم تعمل حروف العطف ؛ لأن العامل يظهر معها فكذلك : (واو ربّ) هي للعطف وتدخل على (ربّ) كما تدخل عليها :

(الفاء) و (بل) ، وقد أضمرت بعد : (الفاء) و (بل) ولم يقل أحدّ إنّهما تجرّان فكذلك الواو فمن (الفاء) قول الشاعر : [الوافر]

فإمّا تعرضنّ أميم عنّي

وتنزعك الوشاة أولو النّياط

فحور قد لهوت بهنّ عين

نواعم في البرود ، وفي الرّياط

ومن بل قول الراجز : [الرجز]

بل بلد ملء الفجاج قتمه

لا يشترى كتانه وجهرمه

فإن قيل : الواو قد تأتي في أوّل الكلام ، وليس هناك معطوف عليه؟

قيل : إن لم يكن المعطوف عليه في اللفظ فهو مقدّر وهذه وهذه طريقة للعرب في أشعارهم وفيما ذكرناه جواب عمّا يتعلقون به.

فصل : وإنّما وجب ل (ربّ) صدر الكلام ؛ لأنها تشبه حروف النفي إذ كانت للتقليل والقليل في حكم المنفيّ ، وإنّما اختصّت بالنكرة ؛ لأن القليل يتصوّر فيها دون المعرفة ، وإنّما لم تدخل على مضمر ؛ لأن الضمائر معارف ، وأمّا قولهم : (ربّه رجلا) فشاذّ مع أنّ هذا الضمير نكره ؛ لأنه لم يتقدم قبله ظاهر يرجع إليه بل وجب تفسيره بالنكرة بعده ولم يستعمل إلا مذكرا مفردا.

فصل : وتكفّ (ربّ) ب (ما) فتدخل على الفعل الماضي خاصّة ؛ لأنه تحقّق فأمّا قوله تعالى : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الحجر : ٢] ففيه وجهان :

٢٤٩

أحدهما : أنّ (ما) نكرة موصوفة ، أي ربّ شيء يودّه.

والثاني : هي كافّة ووقع المستقبل هنا ؛ لأنه مقطوع بوقوعه إذا خبرا من الله تعالى فجرى مجرى الماضي في تحقّقه ، وقيل : هو على حكاية الحال.

فصل : وقد حكي تخفيف الباء من (رب) وتحريكها بالفتح وحكي فتح رائها وحكي زيادة تاء التأنيث عليها فقيل : (ربت) فمنهم من يقف عليها (تاء) ليفرّق بين الحرف والاسم ومنهم من يقلبها (هاء) لتحرّكها كالتاء في الاسم.

ودخول التاء لا يدلّ على أنّها اسم ؛ لأنها قد دخلت على (ثمّ) وهي حرف بلا خلاف وكذا حذف إحدى اللامين لا يدل على انها اسم من حيث أنّ الحذف تصرّف والحروف تبعد عن التّصرّف ؛ لأن الحذف قد جاء في الحروف كقولهم : (سو أفعل) في سوف ، وفي ربّ أحسن من أجل التضعيف.

فصل : فأمّا : (حاشا) و (خلا) فيذكران في الاستثناء ، وأمّا (حتّى) فلها باب وكذلك : (مذ) و (منذ).

٢٥٠

باب (مذ ، ومنذ)

وهما حرفان في موضع واسمان في موضع ؛ فإذا كان معناهما (في) فهما حرفان ، وإذا كان معناهما تقدير المدّة وابتداءها فهما اسمان إلا أنّ الأكثر في (مذ) أن تستعمل اسما ، والأكثر في (منذ) أن تستعمل حرفا وعلّة ، وذلك أنّ أصل (مذ) : (منذ) فحذفت نونها والحذف تصرّف ، وذلك بعيد في الحروف ويدلّ على الحذف أنّك لو سمّيت ب (مذ) ثمّ صغّرته أو كسّرته أعدتها فقلت : (منيذ) و (أمناذ).

فصل : و (منذ) (١) مفرد عند البصريّين ومركّب عند الكوفيّين واختلفوا في تركيبه فقال الفرّاء : (من ذو) التي بمعنى (الذي) في اللغة الطائّية ، وقال غيره أصله : (من إذ) ثّم حذف وركّب وضمّ أوّله دلالة على التركيب وبنوا على هذا الإعراب.

فقالوا تقدير قولك : ما رأيته منذ يومان ، أي : من الذي هو يومان ف (يومان) خبر مبتدأ محذوف ، وقال الآخرون : هو فاعل فعل محذوف ، أي : من إذ مضى يومان.

وعلى قول البصريّين : (منذ) مبتدأ و (يومان) خبره ، والتقدير : أمد ذلك يومان أو أوّل ذلك يوم الجمعة.

وحجّة البصريّين : أنّ الأصل عدم المركّب والانتقال عن الأصل يفتقر إلى دليل ظاهر ولا دليل عليه ، وأكثر ما ذكروا أنّ المعنى يصح على تقدير التركيب وهذا القدر لا يكفي في الانتقال عن الأصل ، وإنّما يكون حجّة إذا انضمّ إليه تعذّر الحمل على غيره وهنا يصحّ المعنى

__________________

(١) مذ ومنذ تكونان حرفي جرّ بمعنى «من» ، لابتداء الغاية ، إن كان الزمان ماضيا ، نحو «ما رأيتك مذ أو منذ يوم الجمعة» ، وبمعنى «في» ، التي للظرفيّة ، إن كان الزمان حاضرا ، نحو «ما رأيته منذ يومنا أو شهرنا» أي فيهما. وحينئذ تفيدان استغراق المدّة ، وبمعنى «من وإلى» معا ، إذا كان مجرورهما نكرة معدودة لفظا أو معنى. فالأول نحو «ما رأيتك مذ ثلاثة أيام» ، أي من بدئها إلى نهايتها. والثاني نحو «ما رأيتك مذ أمد ، أو منذ دهر». فالأمد والدهر كلاهما متعدّد معنى ، لأنه يقال لكل جزء منها أمد ودهر. لهذا لا يقال «ما رأيته منذ يوم أو شهر» ، بمعنى ما رأيته من بدئهما إلى نهايتهما ، لأنهما نكرتان غير معدودتين ، لأنه لا يقال الجزء اليوم يوم ، ولا لجزء الشهر شهر.

واعلم أنه يشترط في مجرورهما أن يكون ماضيا أو حاضرا ، كما رأيت. ويشترط في الفعل قبلهما أن يكون ماضيا منفيّا ، فلا يقال «رأيته منذ يوم الخميس» ، أو ماضيا فيه معنى التّطاول والامتداد ، نحو «سرت مذ طلوع الشمس».

٢٥١

على تقدير كونها مفردة فنفي دعوى التركيب تحكّم لا يعلم إلا بالخبر الصادق ثمّ دعوى التركيب تفسد من جهة أخرى ، وتلك الجهة هي ما يلزم من كثرة التغيير والحذف والشذوذ فالتغيير ضمّ الميم والحذف إسقاط النون والواو من (ذو) والألف من إذ ، وإسقاط أحد جزئي الصلة أو حذف الفعل الرافع على جهة اللزوم ، وذلك كلّه يخالف الأصول.

فصل : وتدخل (منذ) على الزمن الحاضر فتجرّه كقولك : أنت عندنا منذ اليوم وتقدّر ب (في) وتكون حرف جرّ فتتعلّق بالفعل الذي قبلها المظهر أو المقدّر ويكون الكلام جملة واحدة.

فأمّا دخولها على الماضي لابتداء الغاية أو تقدير المدّة فقليل في الاستعمال ولكن هو جائز في القياس.

وأمّا : (مذ) فتدخل على الماضي لابتداء مدّة الزمان أو بيان جملة المدّة فيرتفع ما بعدها وتدخل على الحاضر فتجرّه ؛ لأنها اسم فكان حكمها أوسع من حكم الحرف وجرّها الجميع جائز مثل : (منذ) ؛ لأنها تكون حرفا أيضا.

فصل : وإذا كانت للابتداء كان معرفة كقولك : ما رأيته مذ يوم الجمعة ؛ لأنه جواب متى ، وإذا كانت لتقدير المدّة كان ما بعدها عددا نكرة كقولك : ما رأيته منذ يومان.

فإن قيل : فما الفرق بينهما في المعنى؟

قيل له : التي للابتداء لا يمتنع معها أن تقع الرؤية في بعض اليوم المذكور ؛ لأن اللزوم أن تكون الرؤية قد انقطعت فيه واستمرّ الانقطاع إلى حين الإخبار به ، والتي تقدّر بعدها المدّة لا يجوز أن تكون الرؤية وجدت في بعضها ؛ لأن العدد جواب (كم) فكأنّك قلت : (كم زمن انقطاع الرؤية) فقال : يومان.

فإن قيل : ما الفرق بين رفع ما بعده وجرّه؟ قيل : من وجهين :

أحدهما : أنّك إذا رفعت كان الكلام جملتين عند الأكثرين ، وإذا جررت كانت واحدة كما في حروف الجرّ.

والثاني : أنّك إذا رفعت جاز أن تقع الرؤية في بعض ذلك الزمان ، وإذا جررت لم يجز.

فصل : واختلفوا في طريق الرفع ، فقال الكوفّيون فيه قولين :

٢٥٢

أحدهما : هو خبر مبتدأ محذوف.

والثاني : هو فاعل فعل محذوف ، وقد ذكرناهما في أوّل الباب.

وللبصريّين مذهبان :

أحدهما : أنّ (مذ) مبتدأ وما بعده الخبر ، والتقدير : أوّل ذلك يوم الجمعة وأمد ذلك يومان وهو قول الأكثرين.

والثاني : أنّ (مذ) خبر مقدّم ، والتقدير : بيني وبين انقطاع الرؤية يومان ، وهو قول أبي القاسم الزجّاجي وهو بعيد ؛ لأن (أنّ) تقع بعد (مذ) كقولك : ما رأيته مذ أنّ الله خلقني ، و (أنّ) لا تكون مبتدأ.

فصل : وليس ل (مذ) وما بعدها موضع عند الجمهور بل هو جواب كلام مقدّر ؛ لأنه إذا قال : ما رأيته ، فكأنّك قلت : ما أمد ذلك ، أو ما أوّل ذلك ، فقلت : مذ كذا ، وقال أبو سعيد السيرافيّ : موضعه حال ، أي : ما رأيته متقدّما أو مقدّرا.

فصل : وإنّما بنيت (مذ) وهما اسمان لوجهين :

أحدهما : تضمّنهما معنى الحرف ، أي : ما رأيته من هذا الأمد إلى هذا الأمد.

والثاني : أنّهما ناقصتان فأشبهتا (كم) في الخبر.

٢٥٣

باب القسم

القسم ليس بمصدر (أقسمت) ، بل هو عبارة عن جملة اليمين فهو بمعنى المقسم به فهو كالقبض والنقض بمعنى المقبوض والمنقوض.

فصل : والغرض منه توكيد الكلام الذي بعده من إثبات أو نفي.

فصل : المقسم به كلّ معظّم إلّا أنّه نهى عن الحلف بغير الله تعالى.

فصل : والأصل فيه : (أقسم) و (أحلف) ؛ لأن ذلك يدلّ بصريحه عليه إلا أنّ الفعل حذف لدلالة حرف الجر والجواب عليه.

فصل : وأصل حروف القسم (١) (الباء) ؛ لأن فعل القسم يتعدّى بها دون غيرها ؛ ولذلك جاز الجمع بين الفعل والباء ولم يجز إظهار الفعل مع الولو والتاء.

فصل : وتدخل (الباء) على المضمر والمظهر ؛ لأنها أصل فتجري في كلّ مقسم به.

فصل : و (واو) القسم بدل من الباء لأنّهم أرادوا التوسعة في أدوات القسم لكثرته في كلامهم و (الواو) تشبه الياء من وجهين :

أحدهما : أنّ الباء للإلصاق والواو للجمع والمعنيان متقاربان.

والثاني : أنّهما جميعا من الشفتين فأمّا الفاء وإن كانت من الشفتين ففيها معنى غير الجمع وهو الترتيب في العطف والجواب ولكون الواو بدلا لا تدخل على المضمر ؛ لأنه بدل من المظهر فلم يجتمع بدلان.

فصل : و (التاء) بدل من : (الواو) هنا كما أبدلت في : (تراث وتجاه وتهمة وتخمة) ولمّا كانت بدلا عن بدل اختصّت لضعفها باسم الله تعالى خاصّة ؛ لأنه أكثر في باب القسم ولا يجوز (تربّي) ، وقد حكي شاذّا.

فصل : وقد استعملوا (اللام) في القسم إذا أرادوا التعجّب كقولهم : لله أبوك لقد فعلت ، وإنما جاؤوا بها دون الحروف الأول ليعلم أنّ القسم قد انضمّ إليه أمر آخر ، وكانت اللام أولى بذلك لما فيها من الاختصاص والمقسم به مع التعجب مختصّ.

__________________

(١) والواو والتاء والباء تكونان للقسم ، كقوله تعالى (وَالْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ ،) وقوله (تَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ.) والتاء لا تدخل إلا على لفظ الجلالة. والواو تدخل على كل مقسم به.

٢٥٤

فصل : وقد قال بعضهم : إنّ (من) الجارّة تستعمل في القسم مع : (ربي) ومع : (الله) وقال آخرون : هي محذوفة من (أيمن) وسيأتي القول فيها.

فصل : وقد عوّض من حرف القسم ثلاثة أشياء : همزة الاستفهام كقولك : الله. والهاء كقولك : إيها الله ولاها الله ف (إي) بمعنى : (نعم) وقطع الهمزة كقولك : أفألله وهذا كلّه يختص باسم الله والجرّ باق.

وقد اختص اسم الله بأشياء منها هذا ومنها : (تاء) القسم ومنها زيادة الميم في النداء ومنها قطع همزته فيه أيضا ومنها تفخيم لامه.

فصل : فإنّ حذفت حروف القسم وعوّضته نصبت بالفعل المقدّر وهو كقولهم : (أمرتك الخير) والجرّ جائز في اسم الله تعالى خاصّة لكثرة استعماله في القسم. وقال الكوفيّون : يجوز ذلك في كلّ مقسم به ، واحتجّوا لذلك بأشياء كلّها شاذّ قليل في الاستعمال لا يقاس عليه ؛ لأن حرف الجرّ كجزء من المجرور وكجزء من الفعل من وجه آخر فحذفه كحذف جزء منهما إذا بقي عمله فأمّا إذا لم يبق فالعمل للفعل ؛ ولهذا لم يكن الضمير المجرور إلا متصلا ولأنّ عمل حرف الجرّ قليل ضعيف على حسب ضعفه وإبقاء العمل مع حذف العامل أثر قوّته وتصرّفه.

فصل : وقد حذف القسم وأقيمت الجملة من المبتدأ والخبر والفعل والفاعل مقامه فالأولى كقولك : لعمرك لأقومنّ ف (عمرك) مبتدأ والخبر محذوف ، أي : لعمرك قسمي ، وحذف لطول الكلام وأنّه معلوم ، وعين (عمرك) مفتوحة في القسم لا غير ، ويجوز ضمّها في غيره واختاروا الفتحة لكثرته ولطول الكلام فإن حذفت اللام نصبت (عمرك) على فعل محذوف ونصبت اسم الله ، وفيه وجهان :

أحدهما : أنّ التقدير : أسألك بتعميرك الله ، أي : باعتقادك بقاء الله ، ف (تعميرك) مفعول ثان و (الله) منصوب بالمصدر.

والثاني : أن يكونا مفعولين أي : أسأل الله تعميرك.

وأمّا الجملة الفعلية فكقولك : يمين الله ، فإن نصبت كان التقدير : ألزمك والتزم يمين الله ، وإن رفعت كان التقدير : يمين الله لازمة لي أو لك.

٢٥٥

فصل : وجواب القسم إن كان إيجابا لزمته اللام والنون في المستقبل كقولك : والله لأذهبنّ ، وإنّما لزمها لدلالتها على التوكيد وحاجة القسم إليه وربّما جاء في الشعر حذف اللام.

وقد يكون الجواب مبتدأ وخبرا كقولك : والله لزيد منطلق وو الله إنّ زيدا لمنطلق ، وإن كان الجواب ماضيا قلت : والله لقد قام زيد ، فتؤكد باللام وإن كان الجواب نفيا قلت : والله ما قام وو الله لا يقوم ، ويجوز حذف (لا) في المستقبل لأمن اللبس بالإثبات ؛ لأنه في الإثبات تلزمه والنون.

فإن قيل : لم أكّد الإثبات دون النفي؟

قيل : لأن في الإثبات التزام إحداث الفعل أو ما يقوم مقامه ، وفي ذلك كلفة فاحتيج فيه إلى زيادة توكيد تحمل على الانتقال عن الأصل وتحمل المشقّة بخلاف النفي فإنّه بقاء على العدم.

فصل : وإذا قلت : لزيد منطلق من غير يمين في اللفظ فليست لام القسم بل لام الابتداء.

وقال الكوفيّون : هي لام القسم ، قالوا : والدليل عليه أنّها تدخل على الفضلات كقولك : لطعامك زيد آكل ، وليس الطعام بمبتدأ.

وحجة البصريّين : أنّ اللام إذا دخلت على مفعول (ظننت) ارتفع بالابتداء ولم يمكن تقدير القسم فيه ؛ لأن (ظننت) لا تلغى بالقسم فعلم أنّ تعليق (ظننت) لتحقّق الابتداء كما تعلّق بالاستفهام كقولهم : علمت أيّهم أخوك ، وأمّا قولهم : طعامك زيد آكل فإنّما جاز ؛ لأنها في حيّز الخبر إذ كانت معمولة له مقدّمة عليه فكأنّها داخلة على المبتدأ.

فصل : وممّا يستعمل في القسم : (أيمن الله) وهي مفردة عند البصريّين واشتقاقها من اليمن ، أي : البركة أو القوّة (١).

وقال الكوفيّون : هي جمع يمين ، واحتجّ الأوّلون بشيئين :

أحدهما : كسر همزتها فإنّها لغة مسموعة وهمزة الجمع لا تكسر.

__________________

(١) من العلماء من يجعل لفظ «أيمن» كلمة وضعت للقسم ويجعل همزته همزة وصل ومنهم من يقول هو جمع يمين كأيمان ويجعل همزته همزة قطع تقول «يا خالد أيمن الله لأفعلنّ كذا» بقطع الهمزة ويقال في «أيمن الله» «أيم الله» أيضا بحذف النون.

٢٥٦

والثاني : أنّها همزة وصل بدليل قول الشاعر : [الطويل]

فقال فريق القوم لمّا نشدتهم

نعم وفريق لا يمن الله ما ندري

وهمزة الجمع ليست همزة وصل.

واحتجّ الآخرون من وجهين :

أحدهما : أنّه جمع يمين كقول الشاعر (١) : [الرجز]

تبري له من أيمن وأشمل

فقابلها بالأشمل ، وفي جمعها في القسم زيادة توكيد.

والثاني : أنّ همزتها مفتوحة وهمزة الوصل لا تفتح مع غير لام التعريف.

والجواب : أمّا الأوّل فلا حجّة فيه لأنّنا لا ننكر أنّ اليمين يجمع على (أيمن) في غير القسم ، وأمّا ما ذكروه فلا تعرّض له بالقسم ، وأمّا فتح همزتها فلغة فيها وللعرب فيها لغات فتح الهمزة وكسرها مع النون وفتحها وكسرها مع حذف النون كقولك : (ايم الله) والخامسة : (آم الله) بكسرها وفتحها مع حذف الياء والنون و (من الله) بضمّ الميم وكسرها و (م الله) بالضم والكسر.

وقال سبيويه : إنّ (من) هنا حرف جرّ وليست الباقية من (ايمن) ولو جعلت هذه الحروف والتصرّفات في هذه الكلمة دليلا على أنّها ليست جمعا كان متمسّكا صحيحا.

__________________

(١) من قول العجاج بن رؤبة.

٢٥٧

باب (حتّى)

وهي حرف بلا خلاف ، وتدخل على المفرد (١) والجملة الاسمّية والفعل فدخولها على الفعل يذكر حكمه في نواصب الأفعال ، وأمّا دخولها على الجملة فلا يؤثّر فيها لفظا ولا تقديرا ، وذلك كقول الشاعر (٢) : [الطويل]

فيا عجبي حتّى كليب تسبّني

كأنّ أباها نهشل أو مجاشع

وأمّا دخولها على المفرد فعلى ضربين ؛ أحدهما : أنّ تجر ك (إلى). والثاني : أن تكون عاطفة ك (الواو).

__________________

(١) حتى للانتهاء كإلى ، كقوله تعالى (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ.) وقد يدخل ما بعدها فيما قبلها ، نحو «بذلت ما لي في سبيل أمّتي ، حتى آخر درهم عندي». وقد يكون غير داخل ، كقوله تعالى (كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) فالصائم لا يباح له الأكل متى بدا الفجر.

ويزعم بعض النحاة أنّ ما بعد «حتى» داخل فيما قبلها على كل حال. ويزعم بعضهم أنه ليس بداخل على كل حال. والحقّ أنه يدخل ، إن كان جزءا مما قبلها ، نحو «سرت هذا النهار حتى العصر» ، ومنه قولهم «أكلت السمكة حتى رأسها». وإن لم يكن جزءا ممّا قبلها لم يدخل ، نحو «قرأت الليلة حتى الصّباح» ومنه قوله تعالى (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ.)

واعلم أن هذا الخلاف إنما هو في «حتى» الخافضة. وأما «حتى» العاطفة ، فلا خلاف في أن ما بعدها يجب أن يدخل في حكم ما قبلها ، كما ستعلم ذلك في مبحث أحرف العطف.

والفرق بين غلى وحتى أنّ «إلى» تجرّ ما كان أخرا لما قبله ، أو متّصلا بآخره ، وما لم يكن آخرا ولا متصلا به.

فالأول نحو «سرت ليلة أمس إلى آخرها» والثاني نحو «سهرت اليلة إلى الفجر» ، والثالث نحو «سرت النهار إلى العصر».

ولا تجرّ «حتى» إلا ما كان آخرا لما قبلها ، أو متّصلا بآخره ، فالأول نحو «سرت ليلة امس حتى آخرها» ، والثاني كقوله تعالى (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) ولا تجرّ ، ما لم يكن آخرا ولا متصلا به ، فلا يقال «سرت الليلة حتى نصفها».

وقد تكون حتى للتّعليل بمعنى اللام ، نحو «اتّق الله حتى تفوز برضاه» ، أي لتفوز.

(٢) البيت للفرزدق : (٣٨ ـ ١١٠ ه‍ / ٦٥٨ ـ ٧٢٨ م) وهو همام بن غالب بن صعصعة التميمي الدارمي ، أبو فراس. شاعر من النبلاء ، من أهل البصرة ، عظيم الأثر في اللغة. يشبه بزهير بن أبي سلمى وكلاهما من شعراء الطبقة الأولى ، زهير في الجاهليين ، والفرزدق في الإسلاميين.

وهو صاحب الأخبار مع جرير والأخطل ، ومهاجاته لهما أشهر من أن تذكر. كان شريفا في قومه ، عزيز الجانب ، يحمي من يستجير بقبر أبيه. لقب بالفرزدق لجهامة وجهه وغلظه. وتوفي في بادية البصرة ، وقد قارب المئة.

٢٥٨

فصل : ومعنى : (حتّى) اللازم لها الغاية في التعظيم والتحقير.

فأما عملها فليس بأصل بل محمول على غيرها ؛ لأنها لمّا دخلت على الجملة تارة وبمعنى : (إلى) أخرى وبمعنى : (الواو) ثالثة وبمعنى : (كي) رابعة لم يكن لها اختصاص تعمل بسببه ؛ لأن هذه المعاني تكون في الأسماء والأفعال.

فصل : وإنّما عملت عمل (إلى) ؛ لأن إلى لانتهاء الغاية و (حتّى) تشاركها في ذلك فعملت عملها في الموضع الذي يصحّ دخول (إلى) فيه.

فصل : وتفارق (حتّى) (إلى) في أشياء :

أحدها : أنّ ما بعد (حتّى) يدخل في حكم ما قبلها كقولك : قام القوم حتّى زيد. ف (زيد) هنا دخل في القيام ولا يلزم ذلك في قولك : قام القوم إلى زيد.

والثاني : أنّ ما قبل (حتّى) يجب أن يكون جمعا كقولك : قام القوم حتّى زيد ، ولو قلت : قام عمرو حتّى زيد لم يجز ، وعلّة ذلك : أنّ (حتّى) تدلّ على بلوغ العمل غايته ولفظ الواحد لا يتناول أكثر منه بحيث يجوز تخصيصه ببعضه بخلاف لفظ الجمع ؛ فإنّه جاز أن يضاف الفعل إلى القوم ولا يراد دخول (زيد) فيهم لعظمه أو حقارته ؛ فإذا جئت ب (حتّى) أزلّت هذا الجواز ، وتنزّلت (حتّى) منزلة التوكيد المانع من التخصيص.

والثالث : أنّ (إلى) تدخل على المضمر و (حتّى) لا تدخل عليه ، وعلّة ذلك : أنّه لمّا لزم أنّ يكون قبلها جمع وما بعدها واحد منه لم يتقدّم على (حتّى) اللفظ الظاهر ليعود الضمير إليه ، فلما أضمر لم يكن له ظاهر يعود عليه ضمير كقولك : قام القوم حتى زيد. ف (زيد) لم يتقدّم له ذكر يعود عليه ضمير.

فصل : وإنما جاز أن تقع (حتّى) بمعنى (الواو) ؛ لأن (الواو) للجمع و (حتّى) للغاية والشمول والمعنيّان متقاربان.

فصل : وتفترقان في أشياء :

أحدها : أن ما قبلها يجب أن يكون جمعا لما تقدّم.

والثاني : أن يكون ما بعدها من جنس ما قبلها ، فلو قلت : جاء الناس حتّى الحمير لم يجز لمّا ذكرنا من إفادة معنى الغاية والتوكيد.

٢٥٩

والثالث : أنّ الواو تضمر بعدها (ربّ) ولا تضمر بعد (حتّى).

مسألة : تقول مررت بهم حتّى زيد ، إن جعلتها بمعنى (إلى) لم تحتج إلى إعادة الباء ، وإن جعلتها كالواو أعدت الباء كما تعيدها مع الواو.

مسألة : تقول : أكلت السمكة حتّى رأسها أكلته ، فلك فيه الرفع بالابتداء وما بعده خبر والنصب على وجهين :

أحدهما : أن تنصبه بمعنى الواو فيكون (أكلته) توكيدا.

والثاني : أن تنصبه بفعل محذوف دلّ عليه ما بعده ، أي : حتّى أكلت رأسها ف (حتّى) على هذا داخلة على الجملة تقديرا ، والجر بمعنى (إلى) وأكلته توكيد لا غير ومثل ذلك قول الشاعر :

ألقى الصحيفة كي يخفّف

رحله والزاد حتى نعلّة ألقاها

يروى (نعله) بالأوجه الثلاثة.

فإن لم تقل : (أكلته) جاز الجرّ بمعنى : (إلى) والنصب بمعنى : (الواو) والرفع على الإبتداء والخبر محذوف ، ومنع الزجاجيّ الرفع في كتاب «الجمل» وهو إمّا سهو وإمّا إن يريد أنّ الرفع بمعنى الواو لا يجوز ، فأمّا على تقدير الابتداء وحذف الخبر لدلالة الكلام عليه فلا مانع منه.

مسألة : تقولك اجلس حتّى إذا جاء زيد أعطيتك. ف (حتّى) هنا غير عاملة ؛ لأن (إذا) يعمل فيها جوابها النصب على الظرف ، فتغلوا : (حتّى) لدخولها على الجملة تقديرا وتصير كالفاء في ربط ما بعدها بما قبلها في المعنى.

٢٦٠