إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل - ج ٣٣

آية الله السيّد شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي

«جامع كرامات الأولياء» (ج ٢ ص ٣١١ ط مصطفى البابي وشركاه بمصر) قال :

علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق أحد أكابر الأئمة ومصابيح الامة ، من أهل بيت النبوة ومعادن العلم والعرفان والكرم والفتوة. كان عظيم القدر مشهور الذكر. وله كرامات كثيرة : منها أنه أخبر أنه يأكل عنبا ورمانا فيموت فكان كذلك.

ومنها : أنه قال لرجل صحيح سليم : استعد لما لا بد منه ، فمات بعد ثلاثة أيام. رواه الحاكم.

ومنها : ما رواه الحاكم أيضا عن محمد بن عيسى بن أبي حبيب قال : رأيت المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وسلم في النوم في المنزل الذي ينزله الحاج ببلدنا ، فوجدت عنده طبقا من خوص فيه تمر صيحاني ، فناولني ثمان عشرة تمرة ، فبعد عشرين يوما قدم علي الرضا من المدينة ونزل ذلك المنزل ، وهرع الناس للسلام عليه ، ومضيت نحوه ، فإذا هو جالس بالموضع الذي رأيت المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قاعدا فيه وبيه يديه طبق فيه تمر صيحاني فناولني قبضة فإذا عدتها بعدد ما ناولني المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقلت زدني ، فقال : لو زادك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لزدناك. قاله المناوي.

وقال الشيخ عبد الله الشبراويّ في كتابه الإتحاف بحب الأشراف في ترجمة علي الرضا رضي‌الله‌عنه : وكانت مناقبه علية وصفاته سنية ، ونفسه الشريفة هاشمية ، وأرومته الكريمة نبوية ، وكراماته أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر. منها : أنه لما جعله المأمون ولي عهده من بعده ، كان من حاشية المأمون أناس قد كرهوا ذلك وخافوا من خروج الخلافة عن بني العباس وعودها إلى بني فاطمة رضي‌الله‌عنها فحصل عندهم من علي الرضا بن موسى الكاظم نفور وكان عادة الرضا إذا جاء إلى دار المأمون ليدخل عليه بادر من في الدهليز من الحجاب وأهل النوبة من الخدم والحشم بالقيام له والسلام عليه ، ويرفعون له الستور حتى يدخل ، فلما حصل لهم هذه النفرة وتفاوضوا في أمر هذه القضية ودخل في قلوبهم منها شيء. قالوا فيما

٨٤١

بينهم : إذا جاء يدخل على الخليفة بعد اليوم نعرض عنه ولا نرفع له الستر واتفقوا على ذلك ، فبينما هم جلوس إذ جاء الرضا على جري عادته ، فلم يملكوا أنفسهم أن قاموا له وسلموا عليه ورفعوا له الستر على عادتهم ، فلما دخل أقبل بعضهم على بعض يتلاومون في كونهم ما فعلوا ما اتفقوا عليه وقالوا : الكرة الآتية إذا جاء لا نرفعه له ، فلما كان اليوم الثاني وجاء الرضا على عادته قاموا فسلموا عليه ولم يرفعوا الستر ، فجاءت ريح شديدة فدخلت في الستر ورفعته له حين دخل وخرج ، فأقبل بعضهم على بعض وقالوا : إن لهذا الرجل عند الله منزلة وله منه عناية ، انظروا إلى الريح كيف جاءت ورفعت له الستر عند دخوله وعند خروجه من الجهتين ، ارجعوا إلى ما كنتم عليه من خدمته.

وعن صفوان بن يحيى قال : لما مضى موسى الكاظم وقام ولده أبو الحسن من بعده وتكلم خفنا عليه من ذلك وقلنا له : إنك أظهرت أمرا عظيما وإنا نخاف عليك منه ، يعني هارون. قال : ليجهدن جهده فلا سبيل له عليّ.

وعن مسافر قال : كنت مع أبي الحسن علي الرضا بمنى ، فمرّ يحيى بن خالد البرمكي وهو مغط وجهه بمنديل من الغبار فقال : مساكين هؤلاء ما يدرون ما يحل بهم في هذه السنة ، فكان من أمرهم ما كان ، قال : وأعجب من هذا أني أنا وهارون كهاتين ، وضم إصبعيه السبابة والوسطى. قال مسافر : فو الله ما عرفت معنى حديثه في هارون إلّا بعد موت الرضا ودفنه بجانبه.

وعن موسى بن مروان قال : رأيت علي الرضا بن موسى في مسجد المدينة وهارون الرشيد يخطب ، قال : تروني وإياه ندفن في بيت واحد.

وعن حمزة بن جعفر الارجاني قال : خرج هارون الرشيد من المسجد الحرام من باب وخرج علي الرضا عليه‌السلام من باب فقال الرضا عليه‌السلام وهو يعني هارون : يا بعد الدار وقرب الملتقى ان طوس ستجمعني وإياه.

ومن ذلك ما روي عن بكر بن صالح قال : أتيت الرضا عليه‌السلام فقلت : امرأتي

٨٤٢

اخت محمد بن سنان وكان من خواص شيعتكم وبها حمل فادع الله أن يجعله ذكرا قال عليه‌السلام : هما اثنان فإذا ولدت سم واحدا محمدا والأخرى ام عمرو فعدت إلى الكوفة فولدت لي غلاما وجارية فسميت الذكر محمدا والأنثى ام عمرو ، كما أمرني وقلت لامي : ما معنى ام عمرو؟ قالت : كانت جدتي تسمى ام عمرو. وعن الحسن بن موسى قال : كنا حول أبي الحسن علي الرضا بن موسى عليهما‌السلام ونحن شباب من بني هاشم فمرّ علينا جعفر بن عمر العلوي وهو رث الهيئة فنظر بعضنا إلى بعض نظر مستزر لهيئته وحالته فقال الرضا عليه‌السلام : سترونه عن قريب كثير المال كثير الخدم حسن الهيئة فما مضى إلّا شهر واحد حتى ولي أمر المدينة وحسنت حالته وكان يمرّ بنا وحوله الخدم والحشم يسيرون بين يديه فنقوم ونعظمه وندعو له.

وعن الحسين بن يسارة قال : قال لي علي الرضا عليه‌السلام : إن عبد الله يقتل محمدا فقلت : عبد الله بن هارون يقتل محمد بن هارون؟ قال : نعم وقد وقع ذلك.

ومنهم المحدث شيخ الإسلام إبراهيم بن محمد بن المؤيد الجويني الخراساني في «فرائد السمطين» (ج ٢ ص ٢٠٨ ط بيروت) قال :

قال الحاكم : ومن كرامات أولياء الله التي شاهدوا لعلي بن موسى الرضا صلوات عليه أولها ما قدّمنا ذكره من تمزيق الصورتين بطن حميد بن مهران في مجلس المأمون.

ثم قال الحاكم : ولقد حدثني علي بن محمد بن يحيى الواعظ ، قال : حدثنا أبو الفضل ابن أبي نصر الحافظ ، قال : قرأت في كتاب عيسى بن مريم العماني : أن موسى ابن جعفر أوصى إلى ابنه علي بن موسى ويكنّى أبا الحسن ويلقب بالرضا ، وامه تكتم النوبية. وكان سني إمامته بقية ملك الرشيد ، ثم محمد بن زبيدة وهو الأمين ، ثم المأمون. ثم إن المأمون في صدر ملكه أخذ البيعة لعلي بن موسى الرضا بعهد ولايته لأمور المسلمين ـ بعد رضاه بذلك ـ فقيل له ما تقول؟ فقال : والله لا أفعل وإني

٨٤٣

والرشيد كهاتين ـ وحرّك إصبعيه الوسطى والسبابة ـ فما علم معنى قوله : أنا والرشيد كهاتين حتى دفن بجنبه فصار قبراهما واحد بجنب الآخر. فلما كان يوم من الأيام دخل علي الرضا على المأمون وعنده زينب الكذابة التي كانت تزعم أنها ابنة علي ابن أبي طالب وأن عليا دعا لها بالبقاء إلى يوم الساعة. فقال المأمون لعلي : سلّم علي أختك. فقال : والله ما هي اختي ولا ولدها علي بن أبي طالب. فقالت زينب : والله ما هو أخي ولا ولده علي بن أبي طالب. فقال المأمون : ما مصداق قولك هذا؟ قال : إنا أهل البيت لحومنا محرّمة على السباع فاطرحها إلى السباع ، فإن تك صادقة فإن السباع تغبّ لحمها قالت زينب : ابدأ بالشيخ. فقال المأمون : لقد أنصفت. قال الرضا : أجل ففتحت بركة السباع وأضربت فنزل الرضا إليها ، فلما أن رأته بصبصت وأومأت اليه بالسجود فصلّى ما بينها ركعتين وخرج منها ، فأمر المأمون زينب لتنزل وامتنعت فطرحت إلى السباع فأكلتها. فحسد المأمون علي الرضا على ذلك.

وقال أيضا في ص ٢٠٩ : فلما كان بعد مدة دخل الرضا على المأمون فوجد فيه هما ، فقال له : أرى فيك هما؟ فقال المأمون : نعم بالباب بدوي قد دفع إليّ منه سبع شعرات يزعم أنهن من لحية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد طلب الجائزة ، فإن يك صادقا ومنعته الجائزة قد بخست شرفي ، وإن يك كاذبا فأعطيته الجائزة فقد سخر بي وما أدري ما أعمل؟ قال الرضا عليه‌السلام : عليّ بالشعر فلما رآه شمّه قوال : هذه أربعة من لحية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأما الباقي فليس من لحيته صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فقال المأمون : ومن أين هذا؟ فقال : النار والشعر. فألقي الشعر في النار فاحترقت ثلاث شعرات ، وبقيت الأربعة التي أخرجها علي بن موسى الرضا ولم يكن للنار عليها سبيل. فقال المأمون : عليّ بالبدوي. فلما مثل بين يديه أمر بضرب عنقه فقال البدوي : بما ذا؟ فقال : تصدق عن الشعر. قال : أربعة من لحية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وثلاث من لحيتي. فتمكّن حسد المأمون في قلبه للرضا ، فنفاه إلى طوس ثم سقاه سما فمات علي الرضا مسموما وقد كمل عمره ثمان

٨٤٤

وأربعون سنة ، فدفن إلى جانب قبر الرشيد ، فعلم قول علي : أنا والرشيد كهاتين. ولما صار إلى كرامة الله سبحانه وتعالى ، صار ولي الله في أرضه ابنه محمد بن علي بوصية أبيه إليه ، ولقّبه : صاحب الذوابة. ويقال : التقي. وامه ريحانة ام الحسين ومولده بالمدينة سنة سبعين ومائة من الهجرة.

وقال أيضا في ص ٢١٠ : قال الحاكم : وحدثني علي بن محمد بن يحيى المذكّر قال : حدثنا محمد بن علي بن الحسين الفقيه قال : حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن محمد بن عيسي ، عن أبي حبيب البناجي أنه قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام وقد وافى البناج ونزل في المسجد الذي ينزله الحاج في كل سنة ، وكأني مضيت إليه ونزلت عنده وسلّمت عليه ووقفت بين يديه ، فوجدت عنده طبقا من خوص نخل المدينة فيه تمر صيحاني فكأنه قبض قبضة من ذلك التمر ، فناولني فعددته فكان ثمانية عشر تمرة ، فتأولت أنني أعيش بعدد كل تمرة سنة. فلما كان بعد عشرين يوما كنت في أرض تعمر بين يدي للزراعة إذ جاءني من أخبرني بقدوم أبي الحسن الرضا عليه‌السلام من المدينة ونزوله ذلك المسجد ، فرأيت الناس يسعون إليه ، فمضيت نحوه فإذا هو جالس في الموضع الذي كنت رأيت فيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتحته حصير مثل ما كان تحته ، وبين يديه طبق فيه تمر صيحاني فسلّمت عليه وردّ عليّ السلام واستدناني فناولني قبضة من ذلك التمر ، فعددته فإذا عدده مثل ذلك العدد الذي ناولني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقلت له : زدني منه يا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : لو زادك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لزدناك.

كرامة أخرى ، رواها في ٢١١ : وبالسند المتقدم عن الحاكم ، عن محمد بن علي بن الحسين قال : وحدثنا محمد ابن موسى بن المتوكل ، قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمد ابن عيسى ، عن سعد بن سعيد. عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام أنه نظر إلى رجل فقال له : يا عبد الله أوص بما تريد ، واستعدّ لما

٨٤٥

لا بدّ منه وكأن قد قال : فمات بعد ذلك بثلاثة أيام.

كرامة أخرى وهي استسقاؤه عليه‌السلام ـ رواها في ٢١٢ وقال : وبالاسناد المتقدم إلى الحاكم البيع رحمة الله عليه قال : رأيت في كتب أهل البيت عليهم‌السلام أن المأمون لما جعل علي بن موسى الرضا عليه‌السلام ولي عهده احتبس المطر فجعل بعض حاشية المأمون والمتعصبين على الرضا يقولون : انظروا ما جاءنا علي بن موسى الرضا؟! ولي عهدنا فحبس عنا المطر. واتصل ذلك بالمأمون واشتد عليه ، فقال للرضا : قد احتبس عنّا المطر ، فلو دعوت الله تعالى أن يمطر الناس. قال الرضا : نعم. قال : فمتى تفعل ذلك؟ ـ وكان ذلك يوم الجمعة ـ فقال : يوم الاثنين فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أتاني البارحة في منامي ومعه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فقال : يا بني انتظر يوم الاثنين فابرز فيه إلى الصحراء واستسق فإن الله عزوجل يسقيهم ، وأخبرهم بما يريك الله مما لا يعلمون ليزداد علمهم بفضلك ومكانك من ربّك عزوجل. فلما كان يوم الاثنين ، غدا علي بن موسى الرضا إلى الصحراء ، وخرج الخلائق ينظرون ، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : اللهم يا رب أنت عظّمت حقّنا أهل البيت فتوسلوا بنا كما أمرت ، وأمّلوا فضلك ورحمتك ، وتوقّعوا إحسانك ونعمتك ، فاسقهم سقيا نافعا عامّا غير ضار ، وليكن ابتداء مطرهم بعد انصرافهم من مشهدهم هذا إلى منازلهم ومقارّهم. قال : فو الذي بعث محمدا نبيا لقد نسجت الرياح الغيوم وأرعدت وأبرقت وتحرك الناس كأنهم يريدون التنحي عن المطر ، فقال الرضا : على رسلكم أيها الناس فليس هذا الغيم لكم إنما هو لأهل بلد كذا. فمضت السحابة وعبرت ثم جاءت سحابة أخرى تشتمل على رعد وبرق فتحركوا ، فقال الرضا : على رسلكم فما هذه لكم إنما هو لبلد كذا. فما زالت حتى جاءت عشرة سحائب وعبرت ويقول علي بن موسى الرضا عليه‌السلام : على رسلكم ليست هذه لكم إنما هي لبلد كذا. ثم أقبلت سحابة حادية عشر فقال : يا أيها الناس هذه بعثها الله لكم فاشكروا الله على تفضله عليكم وقوموا إلى مقاركم

٨٤٦

ومنازلكم فإنها مسامتة لرءوسكم ممسكة عنكم إلى أن تدخلوا مقاركم ثم يأتيكم من الخير ما يليق بكرم الله عزوجل. ونزل الرضا عن المنبر وانصرف الناس ، فما زالت السحابة ممسكة إلى أن قربوا من منازلهم ثم جاءت بوابل المطر فملأت الأودية والحياض والغدران والفلوات. فجعل الناس يقولون : هنيئا لولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كرامات الله. ثم برز إليهم الرضا عليه‌السلام ، وحضرت الجماعة الكثيرة منهم فقال : يا أيها الناس : اتقوا الله في نعم الله عليكم فلا تنفروها عنكم بمعاصيه ، بل استديموها بطاعته وشكره على نعمه وأياديه ، واعلموا أنكم لا تشكرون الله عزوجل بشيء بعد الايمان بالله وبعد الاعتراف بحقوق أولياء الله من آل محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحب اليه من معاونتكم لإخوانكم المؤمنين على دنياهم التي هي معبر لهم تعبر بهم إلى جنان ربهم فإن من فعل ذلك كان من خاصة الله تعالى ، وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذلك قولا ينبغي للعاقل أن يزيد في فضل الله عليه فيه أن يأمله ويعمل عليه قيل : يا رسول الله هلك فلان يعمل من الذنوب كيت وكيت. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : بل قد نجا ، ولا يختم الله عمله إلّا بالحسنى ، وسيمحو الله عنه السيئات ويبدّلها له حسنات. إنه كان مرّة يمر في طريق وعرض له مؤمن قد انكشفت عورته وهو لا يشعر ، فسترها عليه ولم يخبره بها مخافة أن يخجل. ثم إن ذلك المؤمن عرفه في مهواة فقال له : أجزل الله لك الثواب ، وأكرم لك المآب ، ولا ناقشك الحساب. فهذا العبد لا يختم له إلّا بخير بدعاء ذلك المؤمن. فاتصل قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بهذا الرجل فتاب وأناب وأقبل على طاعة الله ، فلم يأت عليه سبعة أيام حتى أغير على سرح المدينة ، فوجّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أثرهم جماعة ذلك الرجل آخرهم واستشهد فيهم. فعظّم الله تعالى البركة من البلاد بدعاء الرضا رضوان الله عليه. وقد كان للمأمون من يريد أن يكون ولي عهده دون الرضا ، وحسّاد كانوا بحضرة المأمون للرضا عليه‌السلام ، فقال للمأمون بعض أولئك : يا أمير المؤمنين أعيذك بالله أن يكون تاريخ الخلفاء في

٨٤٧

إخراجك هذا الشرف العميم والفخر العظيم من بيت ولد العباس إلى بيت ولد علي عليه‌السلام اعتب على نفسك وأهلك ، جئت بهذا الساحر من ولد السحرة وقد كان خاملا فأظهرته ووضيعا فرفعته ومنسيّا فذكرت به. ومستخفا به فنوهت به ، قد ملأ الدنيا مخرقة وتشرفا بهذا المطر الوارد عند دعائه ، ما أخوفني أن يخرج هذا الأمر عن ولد العباس إلى ولد علي ، بل ما أخوفنى أن يتوصل بسحره إلى إزالة نعمتك والتوثّب على مملكتك ، هل جنا أحد على نفسه وملكه مثل جنايتك؟!! فقال المأمون : قد كان هذا الرجل مستترا عنّا يدعو إلى نفسه فأردنا أن نجعله ولي عهدنا ليكون دعاؤه إلينا ، ولنعرف ما يخالفه والملك لنا ، وليعتقد فيه المعترفون به أنه ليس مما ادّعى في قليل ولا كثير ، وأنّ هذا الأمر لنا من دونه ، وقد خشينا إن تركناه على تلك الحالة أن ينفتق علينا منه ما لا نسدّه ، ويأتي علينا ما لا نطيقه ، والآن وإذ قد فعلنا به ما قد فعلنا ، وأخطأنا في أمره ما أخطأنا وأشرفنا من الهلاك ـ بالتنويه به ـ على ما أشرفنا فليس يجوز التهاون في أمره ، ولكنا نحتاج أن نضع منه قليلا قليلا حتى نصوره عند الرعايا بصورة من لا يستحق هذا الأمر ثم ندبر فيه بما يحسم عنا مواد بلائه. قال الرجل : يا أمير المؤمنين فولّني مجادلته فإني أفحمه وأصحابه وأضع من قدره ، فلولا هيبتك في صدري لأنزلته منزلته وبيّنت للناس قصوره عما رشّحته له. فقال المأمون :

ما شيء أحب إليّ من هذا. قال : فاجمع جماعة وجوه أهل مملكتك من القواد والقضاة وخيار الفقهاء لأبيّن نقصه بحضرتهم فيكون تأخيرك له عن محله الذي أحللته فيه على علم منهم بصواب فعلك. قال : فجمع المأمون الخلق الفاضلين من رعيته في مجلس واسع قعد فيه لهم وأقعد الرضا بين يديه في مرتبته التي جعلها له ، فابتدأ الحاجب المتضمن للوضع عن الرضا ، وقال له : إن الناس قد أكثروا عليك الحكايات وأسرفوا في وصفك ، فما أرى أنك إن وقفت عليه إلّا برئت منه ، رأوك دعوت الله تعالى في المطر المعتاد مجيئه فجعلوه آية لك ومعجزة أوجبوا لك بها أن لا نظير لك في الدنيا!! وهذا أمير المؤمنين أدام الله ملكه لا يوازي بأحد إلّا رجح به ،

٨٤٨

وقد أحلّك المحل الذي قد عرفت ، فليس من حقّه أن تسوغ للكذابين وعليه ما يكذّبونه. فقال الرضا رضوان الله عليه : ما أدفع عباد الله عن التحدث بنعم الله عليّ وإن كنت لا أبغي أشرا ولا بطرا ، وأمّا ذكرك صاحبك الذي أحلني فما أحلّني إلّا المحل الذي أحلّه ملك مصر يوسف الصدّيق عليه‌السلام ، وكانت حالهما ما قد عرفت. فغضب الحاجب عند ذلك فقال : يا ابن موسى لقد عدوت طورك وتجاوزت قدرك أن بعث الله تعالى بمطر مقدور في وقته لا يتقدم ولا يتأخر وجعلته آية تستطيل بها ، وصولة تصول بها كأنك جئت بمثل آية الخليل إبراهيم عليه‌السلام لما أخذ رءوس الطير بيده ودعا أعضاءها التي كان فرّقها على الجبال فأتته سعيا على الرءوس وحففن وطرن بإذن الله تعالى. فإن كنت صادقا فيما توهم فأحي هاتين الصورتين وسلّطهما عليّ فإن ذلك يكون حينئذ آية معجزة ، فأما المطر المعتاد فلست أنت أحق بأن يكون جاء بدعوتك من غيرك الذي دعا كما دعوت!!! وكان الحاجب أشار إلى أسدين مصورين على مسند المأمون الذي كان مستندا اليه وكانا متقابلين على المسند. فغضب علي بن موسى الرضا عليه‌السلام وصاح بالصورتين : دونكما الفاجر فافترساه ولا تبقيا له عينا ولا أثرا. فوثب الصورتان ـ وقد عادتا أسدين ـ فتناولا الحاجب ورضضاه وتهشماه وأكلاه ولحسا دمه والقوم ينظرون متحيرين مما يبصرون. فلما فرغا منه أقبلا على الرضا عليه‌السلام فقالا : يا ولي الله في أرضه ما ذا تأمرنا أن نفعل بهذا؟ ـ ويشيران إلى المأمون ـ فغشي على المأمون مما سمع منهما ، فقال الرضا : قفا. فوقفا. ثم قال الرضا : صبوا عليه ماء ورد وطيبوه. ففعل ذلك به ، وعاد الأسدان يقولان : أتأذن لنا أن نلحقه بصاحبه الذي أفنيناه؟ قال : لا فإن لله تعالى تدبيرا هو ممضيه. فقالا : بما ذا تأمرنا؟ قال : عودا إلى مقركما كما كنتما. فعادا إلى المسند وصار صورتين كما كانتا. فقال المأمون : الحمد لله الذي كفاني شر حميد ابن مهران ـ يعني الرجل المفترس ـ ثم قال للرضا عليه‌السلام : هذا الأمر لجدكم صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم لكم فلو شئت لنزلت لك عنه.

٨٤٩

كرامة أخرى رواها في ص ٢١٧ وقال :

أنبأني الشيخ محي الدين عبد الحميد بن أبي البركات الحربي ، وأمين الدين أبو الفضل إسماعيل بن أبي عبد الله بن حماد العسقلاني ، قالا : أنبأنا أبو أحمد عبد الوهاب بن علي بن علي إجازة ، أنبأنا زاهر بن طاهر بن محمد المستملي إجازة ، قال : أنبأنا أبو بكر الحسين بن علي ، أنبأنا محمد بن عبد الله الحافظ ، قال : سمعت أبا القاسم ابن علي المعمري يقول : سمعت أبي يقول : سمعت أبا النضر المؤذن النيسابوري يقول : أصابتني علة شديدة ثقل فيها لساني فلم أقدر منها على الكلام فخطر ببالي زيارة الرضا عليه‌السلام والدعاء عنده والتوسل به إلى الله تعالى ليعافني فخرجت زائرا وزرت الرضا وقمت عند رأسه وصليت ركعتين ، وكنت في الدعاء والتضرع مستشفعا صاحب القبر إلى الله عزوجل أن يعافيني من علّتي ويحلّ عقدة لساني إذ ذهب بي النوم في سجودي ، فرأيت في منامي كأن القمر قد انفرج فخرج منه رجل آدم كهل شديد الأدمة ، فدنا مني فقال : يا أبا النضر قل : لا إله إلّا الله قال : فأومأت إليه كيف أقول ذلك ولساني منغلق؟ فصاح عليّ صيحة وقال : تنكر لله القدرة؟ قل : لا إله إلّا الله قال : فانطلق لساني فقلت : لا إله إلّا الله ورجعت إلى منزلي راجلا وكنت أقول : لا إله إلّا الله ولم ينغلق لساني بعد ذلك.

كرامة قبره الشريف ـ رواها في ص ٢١٩ :

وبالسند المتقدم عن الحاكم عن علي بن محمد بن يحيى قال أبو الفضل بن أبي نصر الصوفي : سمعت زيد الفارسي يقول : كنت بمرو الرود منقرسا مدة سنتين لا أقدر أن أقوم قائما ولا أن أصلي قائما ، فأريت في المنام : ألا تمر بقبر الرضا وتمسح رجليك به وتدعو الله تعالى عند القبر حتى يذهب ما بك؟ قال : فاكتريت دابة وجئت إلى طوس ومسحت رجلي بالقبر ودعوت الله عزوجل فذهب عني ذلك النقرس والوجع فأنا هاهنا منذ سنتين وما نقرست.

وبه قال الحاكم : سمعت أبا الحسن بن أبي منصور العلوي يقول : سمعت عمي أبا

٨٥٠

محمد يقول : سمعت أبا نصر بن أبي الفضل بن محمد يقول : سمعت حاجب حمويه ابن علي يقول : كنت مع حمويه ببلخ فركب يوما وأنا معه فبينا نحن في سوق بلخ إذ رأى حمويه رجلا فوكل به وقال : احملوه إلى الباب ثم عند انصرافه أمر بإحضار حمار فاره وسفرة وجبنة ومأتي درهم ، فلما احضر قال : هاتوا الرجل. فجيء به فلما وقف بين يديه قال : قد صفعتني صفعة وأنا أقتصها منك اليوم؟! أتذكر اليوم الذي زرنا جميعا قبر الرضا رضي‌الله‌عنه فدعوت أنت وقلت : اللهم ارزقني حمارا ومأتي درهم وسفرة فيها جبنة وخبزة. وقلت أنا : اللهم ارزقني قيادة خراسان. فصفعتني وقلت: لا تسأل ما لا يكون. فالآن قد بلغني الله عزوجل مأمولي وبلغك مأمولك ، والصفعة لي عليك.

ومنها ما رواه في ص ٢٢٠ : وبه قال الحاكم : سمعت أبا الحسين محمد بن علي بن سهل الفقيه يقول : ما عرض لي مهم من أمر الدين والدنيا فقصدت قبر الرضا لتلك الحاجة ، ودعوت عند القبر إلّا قضيت لي تلك الحاجة ، وفرّج الله عني ذلك المهم. ثم قال أبو الحسن رحمه‌الله : وقد صارت إليّ هذه العادة أن أخرج إلى ذلك المشهد في جميع ما يعرض لي فإنه عندي مجرب. قال الحاكم رحمه‌الله : وقد عرّفني الله من كرامات التربة خير كرامة ، منها : أني كنت متقرسا لا أتحرك إلّا بجهد فخرجت وزرت وانصرفت إلى نوقان بخفين من كرابيس فأصبحت من الغد بنوقان وقد ذهب ذلك الوجع وانصرفت سالما إلى نيسابور. وبه قال الحاكم : سمعت أبا الحسين بن أبي بكر الفقيه يقول : قد أجاب الله لي في كل دعوة دعوته بها عند مشهد الرضا ، حتى إني دعوت الله أن يرزقني ولدا فرزقت ولدا بعد الإياس منه.

من كرامات قبره الشريف ـ رواه في ص ١٩٦ وقال :

وبه عن الحاكم قال : حدثني علي بن محمد بن يحيى المذكر قال : حدثني محمد ابن علي بن الحسين الفقيه قال : حدثنا محمد بن أبي القاسم التميمي ، قال : سمعت أبا الحسن علي بن الحسن القهستاني يقول : كنت بمرو الرود ، فلقيت بها رجلا من

٨٥١

أهل مصر مجتازا اسمه حمزة ؛ وقد ذكر أنه خرج من مصر زائرا لمشهد الرضا عليه‌السلام بطوس ، وذكر أنه لما دخل المشهد كان قرب غروب الشمس فزار الامام وصلّى ولم يكن في ذلك اليوم زائر غيره ، فلما صلّى العتمة أراد خادم القبر أن يخرجه أو يغلق عليه الباب ، فسأله أن يغلق عليه الباب ويدعه في المسجد ليصلي فيه ـ فإنه جاء من بلد شاسع ـ ولا يخرجه فإنه لا حاجة له في الخروج. فتركه وغلق عليه الباب ، فإنه كان يصلي وحده إلى أن أعيا ؛ فجلس ووضع رأسه على ركبتيه ليستريح ساعة ، فلما رفع رأسه رأى في الجدار مواجه وجهه رقعة عليها هذا البيتان :

من سرّه أن يرى قبرا برؤيته

يفرّج الله عمن زاره كربه

فليأت ذا القبر إن الله أسكنه

سلاة من رسول الله منتجبه

قال : فقمت وأخذت في الصلاة إلى وقت السحر ، ثم جلست كجلستي الأولى ووضعت رأسي على ركبتي ، فلما رفعت رأسي لم أر على الجدار شيئا. وكان الذي رآه مكتوبا رطبا كأنه كتب في تلك الساعة. قال : فانفلق الصبح وفتح الباب وخرج من هناك.

أورد الامام شهاب الدين أبو سعيد عبد الملك بن سعد بن عمرو بن محمد بن عمر بن إبراهيم رحمه‌الله في مصنفه الموسوم بكتاب نزهة الأخيار ، أنه سمع من الشيخ الزكي أبي الفتوح محمد بن عبد الكريم بن منصور بن غلان ، قال : سمعت الشيخ أبا الحسن محمد بن القاسم الفارسي بنيسابور ، قال : كنت أنكر على من قصد المشهد بطوس للزيارة!!! وأصررت على هذا الإنكار ، فأتفق أني رأيت ليلة فيما يرى النائم كأني كنت بطوس في المشهد ورأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قائما وراء صندوق القبر يصلي فسمعت هاتفا من فوق وهو ينشد ويقول :

من سرّه أن يرى قبرا برؤيته

يفرّج الله عمن زاره كربه

فليأت ذا القبر إن الله أسكنه

سلالة من رسول الله منتجبة

وكان يشير في الخطاب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : فاستيقظت

٨٥٢

من نومي كأني غريق في العرق فناديت غلامي يسرج دابتي في الحال فركبتها وقصدت الزيارة وتعودت في كل سنة مرتين.

قلت : أروي هذه الرؤيا وجميع مرويات السلار أبي الحسن مكي بن منصور بن علان الكرجي ، عن الشيخ محي الدين عبد المحيي بن أبي البركات الحربي إجازة بروايته عن الامام مجد الدين يحيى بن الربيع بن سليمان بن حراز الواسطي إجازة عن أبي زرعة طاهر بن محمد بن طاهر بن علي المقدسي ، عنه إجازة.

ولقد أنشدنا الامام الفاضل الحسن الأخلاق والشمائل فخر الدين هبة الله بن محمد بن محمود الأديب الجندي رحمه‌الله تعالى لنفسه بالمشهد المقدس الرضوي على مشرّفه السلام في زيارتنا الاولى لها جعلها الله مبرورة ، وفي صحائف الأعمال المقبولة مسطورة :

أيا من مناه رضى ربّه

تهيأ وإن منكر الحسن لام

فزر مشهدا للإمام الرضا

علي بن موسى عليه‌السلام

وبه أي بالسند المتقدم في أول الباب : (٤٠) تحت الرقم : (٤٦٧) عن الحاكم الامام أبي عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ ، قال : سمعت أبا بكر محمد بن المؤمل ابن الحسين بن عيسى يقول : خرجنا مع إمام أهل الحديث أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة ـ وعديله في العمارية أبو علي الثقفي وجماعة من مشايخنا وهم إذ ذاك متوافرون ـ إلى المشهد لزيارة قبر علي بن موسى الرضا رضي‌الله‌عنه ، فرأيت من تعظيمه لتلك التربة وتواضعه لها ، وتضرعه عند الوصول إليها ما تحيّرنا فيه ، وذلك بمشهد من عدة من آل السلطان وآل شاذان ابن نعيم وآل الشنقشين ، وبحضرة جماعة من العلوية من أهل نيسابور وهرات وطوس وسرخس ، فدوّنوا شمائل أبي بكر محمد بن إسحاق عند الزيارة ، وفرحوا وتصدقوا شكرا لله على ما ظهر من إمام العلماء عند ذلك الامام والمشهد ، وقالوا بأجمعهم : لو لم يعلم هذا الامام أنه سنّة وفضيلة لما فعل هذا ، قال : ثم انصرفنا من الزيارة في ربيع الآخر سنة تسع وثلاث مائة.

٨٥٣

أخبار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن شهادته وعن ثواب زيارة قبره الشريف ـ رواه في ص ١٨٨ ـ وقال :

أخبرنا الامام العالم محمد بن أبي القاسم إجازة ، قال : أخبرني الشيخ عز الدين محمد بن عبد الرحمن بن معالي الوابيني ، قال : أنبأنا زاهر بن طاهر الشحامي قال : أنبأنا الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ، قال : أنبأنا الحاكم الحافظ البيّع رحمه‌الله ، قال : حدثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن عمرو الأحمسي بالكوفة ، قال : أنبأنا الحسين بن حميد بن الربيع ، قال : سمعت أبي يقول : استشهد علي بن موسى الرضا بخراسان بطوس ، بقرية يقال لها : سناباد في شهر رمضان سنة ثلاث ومأتين.

وبالسند المتقدم قال الحاكم : أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أحمد العبسي ، قال : حدثنا محمد بن زكريا الغلابي ، قال : حدثنا جعفر بن محمد ـ يعني ابن عمار ـ عن أبيه ، عن جعفر بن محمد الصادق رضي‌الله‌عنه ، عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن علي عليهم‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ستدفن بضعة مني بخراسان ، لا يزورها مؤمن إلّا أوجب الله له الجنة وحرّم جسده على النار.

وقال أيضا في ص ١٩٠ : أنبأني الشيخ كمال الدين علي بن محمد بن محمد بن محمد بن وضّاح الشهرباني ، أنبأنا مؤرخ بغداد الامام محب الدين محمد بن محمود بن الحسين بن النجار إجازة ، قال : أنبأنا الامام أبو الفتوح ناصر بن أبي المكارم المطرزي إجازة ، أنبأنا الامام أخطب خوارزم أبو المؤيد الموفق بن أحمد المكي ، ثم الخوارزمي ، قال : أخبرني الشيخ الزاهد الحافظ أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي الخوارزمي ، أنبأنا الامام شيخ القضاة إسماعيل بن أحمد الواعظ رحمه‌الله ، قال : أنبأنا الامام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ، قال : أنبأنا الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله البيّع الحافظ رحمه‌الله ، قال : أخبرني علي بن محمد بن موسى الواعظ ، قال : حدثنا أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين الرازي عن أحمد بن زياد بن جعفر

٨٥٤

الهمداني قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، قال : حدثنا محمد بن عيسى بن عبيد ، قال : حدثنا محمد بن سليمان المصري عن أبيه عن إبراهيم بن أبي حجر الأسلمي ، عن قبيصة عن جابر بن يزيد الجعفي قال : سمعت وارث علم الأنبياء أبا جعفر محمد بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب يقول : حدثني سيد العابدين علي بن الحسين ، عن سيد الشهداء الحسين بن علي ، عن سيد الأوصياء علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ستدفن بضعة مني بأرض خراسان ، ما زارها مكروب إلّا نفّس الله كربته ، ولا مذنب إلّا غفر الله ذنوبه.

حديث آخر في اخباره صلى‌الله‌عليه‌وآله في المنام وكلام نفسه عليه‌السلام في ثواب زيارته عليه‌السلام ـ رواه في ص ١٩١ وقال :

وبه يعني بالسند المتقدم عن الحاكم البيّع ، قال : حدثنا أبو الحسين أحمد بن جعفر بن البزار العلوي بالكوفة قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الحافظ ، قال : حدثنا علي بن الحسين بن علي بن فضال قال : حدثنا أبي ، قال : سمعت علي بن موسى الرضا وجاءه رجل فقال له : يا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رأيت رسول الله في المنام كأنه يقول لي : كيف أنتم إذا دفن في أرضكم بعضي واستحفظتم وديعتي وغيّب في ثراكم نجمي؟ فقال الرضا عليه‌السلام : أنا المدفون في أرضكم وأنا بضعة من نبيكم ، وأنا الوديعة والنجم. ومن زارني وهو يعرف ما أوجب الله من حقي وطاعتي فأنا وآبائي شفعاؤه يوم القيامه ، ومن كنا شفعاؤه نجا ولو كان عليه مثل وزر الثقلين : الجن والانس.

ولقد حدثني أبي عن أبيه ، عن آبائه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : من رآني في منامه فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثّل في صورتي ولا في صورة واحد من أوصيائي ، وإن الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزء من النبوة.

اخبار نفسه عليه‌السلام عن شهادته بأرض غربة ـ رواه في ص ١٩٢ وقال :

وبه عن الحاكم البيّع النيسابوري قال : حدثني أبو سعيد أحمد بن عمرو بن رميح

٨٥٥

الحافظ ، قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الحافظ ، قال : حدثنا علي ابن الحسين بن فضال ، عن أبيه ، قال : سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا يقول : إني مقتول مسموم مدفون بأرض غربة ، أعلم ذلك بعهد عهده إلي أبي عن أبيه عن آبائه ، عن علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ألا فمن زارني في غربتي كنت أنا وآبائي شفعاؤه يوم القيامة ، ومن كنّا شفعاؤه نجا لو كان عليه مثل وزر الثقلين.

اخباره في ثواب زيارته عليه‌السلام في ص ١٩٥ وقال : وبه قال الحاكم : أخبرني أبو القاسم بن أبي سعيد الصيدلاني ، قال : حدثنا محمد ابن علي بن الحسين الرازي قال : حدثنا علي بن أحمد بن عمران الدقاق ، قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، عن أحمد بن محمد بن صالح الرازي عن حمدان الديواني رضي‌الله‌عنه قال : قال الرضا رضي‌الله‌عنه : من زارني على بعد داري أتيته يوم القيامة في ثلاثة مواطن حتى اخلّصه من أهوالها : إذا تطايرت الكتب يمينا وشمالا ، وعند الصراط ، وعند الميزان.

اخبار أبي جعفر الجواد عن ثواب زيارة قبر أبيه عليه‌السلام :

وبه عن الحاكم قال : حدثنا أبو القاسم بن أبي سعيد الصيدلاني ، قال : أخبرني علي بن أحمد البيع ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني سعيد بن عبد الله عن أيوب بن نوح قال : سمعت أبا جعفر محمد بن علي بن موسى يقول : من زار قبر أبي بطوس غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وإذا كان يوم القيامة ينصب له منبرا بحذاء منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى يفرغ الله من حساب عباده.

اخبار الامام علي الهادي عن ثواب زيارة قبر جده الرضا عليهما‌السلام ـ رواه في ص ١٩٣ وقال : وبه عن الحاكم ، قال : أخبرني أبو القاسم بن أبي سعيد الصيدلاني قال : حدثنا محمد بن علي بن الحسين الرازي قال : حدثنا أحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم ، قال : حدثني أبي ، عن جدي ، عن الصقر بن دلف قال : سمعت علي بن

٨٥٦

محمد بن علي الرضا ، يقول : من كانت له إلى الله حاجة فليزر قبر جدي الرضا بطوس وهو على غسل وليصل عند رأسه ركعتين ويسأل الله تعالى حاجته في قنوته فإنه يستجاب له ما لم يسأله في مأثم أو قطيعة رحم. وإن موضع قبره لبقعة من بقاع الجنة ، لا يزورها مؤمن إلّا أعتقه الله من النار وأدخله دار القرار.

اخبار الامام الكاظم عليه‌السلام عن ثواب زيارة تربة ابنه الرضا عليه‌السلام ـ رواه في ص ١٩٤ وقال : وبالسند المتقدم عن الحاكم عن محمد بن علي بن الحسين الرازي قال : وحدثنا جعفر بن محمد بن مسرور ، قال : حدثنا الحسين بن محمد بن عامر ، عن عمّه عبد الله ابن عامر عن سليمان بن حفص المروزي ، قال : سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر يقول : من زار قبر ولدي علي كان له عند الله سبعين حجة ثم قال : وربّ حجة لا تقبل. من زاره أو بات عنده ليلة كان كمن زار أهل السماوات وإذا كان يوم القيامة وجد معنا زوار أئمتنا أهل البيت وأعلاهم درجة وأقربهم حياة زوار ولدي علي.

ومن كلامه عليه‌السلام

ما رواه جماعة :

فمنهم شيخ الإسلام الشيخ إبراهيم بن محمد بن مؤيد بن عبد الله الجويني الخراساني في «فرائد السمطين» (ج ٢ ص ٢٢١ ط بيروت) قال :

أنبأني الشيخ عبد الرحيم بن محمد بن أحمد بن فارس بن الزجاج الثعلبي أنبأنا القاضي جمال الدين عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل ، أنبأنا محمد بن الفضل أبو عبد الله وأبو القاسم زاهر بن طاهر إجازة ، قالا : أخبرنا الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين إجازة ، قال : أخبرنا الحاكم محمد بن عبد الله البيع ، قال : حدثني محمد بن علي الحافظ الواعظ ، قال : حدثنا محمد بن علي بن الحسين الفقيه قال : حدثنا أبي قال : حدثنا أحمد بن إدريس ، قال : حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران

٨٥٧

الأشعري ، قال : حدثنا سهل بن زياد : عن الحارث بن الدلهاث مولى الرضا ، قال : سمعت الرضا عليه‌السلام يقول : لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون فيه ثلاث خصال : سنّة من ربه ، وسنّة من نبيه وسنّة من وليه.

فأما السنّة من ربه فكتمان سره ، قال الله تعالى : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) [الجن : ٧٦]. وأما السنّة من نبيه فمداراة الناس فإن الله عزوجل أمر نبيه بمداراة الناس فقال : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) [الأعراف : ١٩٩]. وأما السنّة من وليه فالصبر على البأساء والضراء ، قال الله تعالى : (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ) [البقرة : ١٧٧].

وبالسند المتقدم قال الحاكم : حدثني محمد بن علي الحافظ ، قال : حدثني محمد ابن علي بن الحسين قال : حدثني أبي عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن السياري ، عن الحارث بن الدلهاث : عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، قال : إن الله عزوجل أمر بثلاثة ، مقرون بها ثلاثة أخرى : أمر بالصلاة والزكاة ، فمن صلّى ولم يزك لم تقبل منه صلاته ، وأمر بالشكر له وللوالدين فمن لم يشكر والديه لم يشكر الله عزوجل. وأمر باتقاء الله عزوجل وصلة الرحم فمن لم يصل رحمه لم يتق الله تعالى.

وبالسند السالف قال الحاكم : حدثني محمد بن علي ، قال : حدثني محمد بن علي بن الحسين الفقيه قال : وحدثنا علي بن أحمد الدقاق ، قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، عن أحمد بن محمد بن صالح الخواري ، عن حمدان الديراني ، قال : قال الرضا عليه‌السلام : صديق كل امرئ عقله ، وعدوه جهله.

وبالسند المتقدم قال الحاكم : حدثني محمد بن علي قال : حدثني محمد بن علي الفقيه ، قال : حدثنا أبي قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم قال : حدثنا ياسر الخادم : عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : السخي يأكل من طعام الناس ليأكلوا من طعامه.

وبالسند السابق قال الحاكم : حدثنا محمد بن علي الحافظ ، قال : حدثنا محمد بن

٨٥٨

علي الفقيه قال : وحدثنا أبي ، قال : حدثني سعد بن عبد الله ، عن محمد بن الحسين ابن أبي الخطاب ، عن محمد بن أبي الفضل [كذا] : عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : الصلاة قربان كل تقي.

وبالسند المتقدم قال الحاكم : حدثنا محمد بن علي ، قال : حدثنا محمد بن علي قال : وحدثنا أبي ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن علي الوشاء ، قال : سمعت الرضا عليه‌السلام يقول : أقرب ما يكون العبد من الله سبحانه تعالى وهو ساجد ، وذلك قوله عز اسمه : (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ).

قال الوشاء : وسمعت الرضا يقول : إذا نام العبد وهو ساجد ، قال الله سبحانه للملائكة : انظروا إلى عبدي قبضت روحه وهو في طاعتي.

وبالسند المتقدم قال الحاكم : وحدثني أبو القاسم بن أبي سعيد ، قال : حدثنا أبي رحمه‌الله ، قال : حدثنا الحسين بن أحمد القاضي ، قال : حدثنا محمد بن يحيى قال : حدثنا أبو ذكوان ، قال : حدثنا إبراهيم بن العباس ، قال : كان الرضا رضي‌الله‌عنه ينشد كثيرا :

إذا كنت في خير فلا تغترر به

ولكن قل : اللهم سلم وتمم

وبالسند المتقدم ، قال : حدثنا الحاكم ، قال : سمعت علي بن محمد المعاذي يقول : سمعت أبا محمد يقول : سمعت يحيى بن يحيى العلوي العالم العابد يقول : سمعت عمي أبا الحسن علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري يقول : سمعت الفضل ابن شاذان ، يقول : سمعت علي بن موسى الرضا رضي‌الله‌عنه ينشد :

أعذر أخاك على ذنوبه

واستر وغض على عيوبه

واصبر على ثلب السفيه

وللزمان على خطوبه

ودع الجواب تفضّلا

وكل الظلوم إلى حسيبه

٨٥٩

كلامه عليه‌السلام في التفسير

رواه جماعة :

فمنهم العلامة شيخ الإسلام الشيخ إبراهيم بن محمد ابن المؤيد الجويني الخراساني في «فرائد السمطين» (ج ٢ ص ٢٢٥ ط بيروت) قال :

وبالسند المتقدم قال الحاكم : حدثني علي بن عمر المذكر ، قال : أنبأنا محمد بن علي الفقيه قال : حدثنا أبي قال : حدثنا سعيد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن أحمد بن سليمان ، قال : سأل رجل أبا الحسن الرضا ـ وهو في الطواف ـ فقال له : أخبرني عن الجواد؟ فقال : إن لكلامك وجهين : فإن كنت تسأل عن المخلوق فإن الجواد الذي يؤدي ما افترض الله عليه. والبخيل من بخل بما افترض الله عليه. وإن كنت تعنى الخالق فهو الجواد إن أعطى ، وهو الجواد إن منع ، لأنه إن أعطى عبدا أعطاه ما ليس له ، وإن منع منه منعه ما ليس منه.

كلامه عليه‌السلام في الدعاء

وبالسند المتقدم عن الحاكم قال : قال بعضهم : حججت سنة مع علي بن موسى الرضا عليه‌السلام ، فسمعته بالموقف يدعو بهذا الدعاء : اللهم كما سترت عليّ ما أعلم فاغفر لي ما تعلم ، وكما وسعني حلمك فليسعني عفوك ، وكما ابتدأتني بالإحسان فأتم نعمتك عليّ بالغفران ، وكما أكرمتني بمعرفتك فاشفعها بمغفرتك ، وكما عرفتني وحدانيتك فالزمني طواعيتك ، وكما عصمتني مما لم أكن أعتصم منه إلّا بعصمتك ، فاغفر لي ما لو شئت عصمتني منه ، يا جواد يا كريم ، يا ذا الجلال والإكرام.

٨٦٠