إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل - ج ٣٣

آية الله السيّد شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي

بالاعوجاج ، ضالا عن السبيل ، قائلا غير الجميل ؛ يا ابن الأزرق أصف إلهي بما وصف به نفسه فأقول : لا يدرك بالحواس ، ولا يقاس بالناس ، قريب غير ملتصق ، وبعيد غير مستقص ، يوحّد ولا يبعّض ، معروف بالآيات ، موصوف بالعلامات ، لا إله إلّا هو الكبير المتعال. فبكى الأزرق وقال : ما أحسن كلامك!

ومن كلامه رضي‌الله‌عنه: حوائج الناس من نعم الله عليكم ، فلا تملوا النعم فتعود نقما.

وقال : صاحب الحاجة لم يكرم وجهه عن سؤالك ، فأكرم وجهك.

وقال : الحلم زينة والوفاء مروءة والصلة نعمة والإكثار صلف والعجلة سفه ، والسفه ضعف ، والغلو ورطة ومجالسة أهل الدناءة شر ، ومجالسة أهل الفسوق ريبة.

كلامه عليه‌السلام في حق السائل

رواه جماعة :

فمنهم العلامة حميد بن زنجويه المتوفى سنة ٢٥١ ه‍ في كتابه : «الأموال» (ج ٣ ص ١١٢٥ ط مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية) قال :

أخبرنا حميد ثنا محمد بن يوسف أنا سفيان عن يعلى مولى لفاطمة ابنة الحسين عن فاطمة ابنة الحسين عن أبيها حسين قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : للسائل حق ، وإن جاء على فرس.

أخبرنا حميد ثنا علي بن الحسن عن ابن المبارك عن مصعب بن محمد عن يعلى ابن أبي يحيى مولى لفاطمة ابنة الحسين عن الحسين بن علي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مثله.

أخبرنا حميد أنا علي بن الحسن عن ابن المبارك عن ابن جريج عن مصعب بن محمد عن يعلى بن أبي يحيى عن سكينة بنت حسين عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مثله.

٦٠١

ومنهم العلامة أبو عبد الله الشيخ محمد بن السيد درويش الحوت الحنفي البيروتي المولود بها سنة ١٢٠٩ والمتوفى بها أيضا سنة ١٢٧٦ في كتابه : «الأحاديث المشكلة في الرتبة» (ص ٢٠٧ ط عالم الكتب في بيروت ١٤٠٣) قال :

فذكر الحديث مثل ما تقدم ـ ثم قال : روي عن الحسين بن علي عليهما‌السلام موقوفا.

كلامه عليه‌السلام لعبد الله بن عمرو بن العاص وعتابه عليه

رواه جماعة :

منهم العلامة أبو الحسن أسلم بن سهل بن أسلم بن زياد بن حبيب الرزاز الواسطي في «تاريخ واسط» (ص ٢٣٦ ط عالم الكتب بيروت) قال :

حدثنا أسلم ، قال : ثنا محمد بن عبد الملك ، قال : ثنا معلى بن عبد الرحمن ، قال : ثنا شريك عن داود بن أبي عوف عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه ، قال : سمعت الحسين بن علي يعاتب عبد الله بن عمرو وهو يقول : لحقت بعدوّنا وفعلت وفعلت. فقال له عبد الله : أما والله ما ضربت معهم بسيف ولا طعنت معهم برمح ولا رميت بسهم. ولكن أبي شكاني إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيدي فوضعها في يده وقال : يا عبد الله ، أطع أباك.

كلامه عليه‌السلام في الموت

رواه جماعة :

فمنهم الفاضل المعاصر راجي الأسمر في «كنوز الحكمة ـ أو : حكمة الدين والدنيا» (ص ٥٤٢ ط دار الجيل بيروت) قال :

الموت باب الآخرة.(الحسين بن علي).

٦٠٢

ومنهم الفاضل المعاصر امل شلق في «معجم حكمة العرب» (ص ٣٩١ ط دار الكتب العلمية بيروت) قال :

فذكر مثله بعينه.

ومن كلام له عليه‌السلام لأعدائه أعداء الله

رواه جماعة :

منهم الفاضل المعاصر الدكتور محمد جميل غازي في «استشهاد الحسين عليه‌السلام» (ص ٨٣ خرجه من كتاب الحافظ ابن كثير ط مطبعة المدني المؤسسة السعودية بمصر) قال :

ثم ركب الحسين على فرسه وأخذ مصحفا فوضعه بين يديه ، ثم استقبل القوم رافعا يديه يدعو بما تقدم ذكره : اللهم أنت ثقتي في كل كرب ، ورجائي في كل شدة إلى آخره ، وركب ابنه علي بن الحسين ـ وكان ضعيفا مريضا ـ فرسا يقال له الأحمق ، ونادى الحسين : أيها الناس : اسمعوا مني نصيحة أقولها لكم ، فأنصت الناس كلهم ، فقال بعد حمد الله والثناء عليه : أيها الناس : إن قبلتم مني وأنصفتموني كنتم بذلك أسعد ، ولم يكن لكم عليّ سبيل ، وإن لم تقبلوا مني : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ) [يونس : ٧١].

فلما سمع ذلك أخواته وبناته ارتفعت أصواتهن بالبكاء فقال عند ذلك لا يبعد الله ابن العباس ـ يعني حين أشار عليه أن لا يخرج بالنساء معه ويدعهن بمكة إلى أن ينتظم الأمر ـ ثم بعث أخاه العباس فسكتهن ، ثم شرع يذكر الناس فضله وعظمة نسبه وعلو قدره وشرفه ، ويقول : راجعوا أنفسكم وحاسبوها. هل يصلح لكم قتال مثلي ، وأنا ابن بنت نبيكم ، وليس على وجه الأرض ابن بنت نبي غيري؟ وعلي أبي ، وجعفر ذو الجناحين عمي. وحمزة سيد الشهداء عم أبي؟ وقال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولأخي : هذان سيدا شباب أهل الجنة : فإن صدقتموني بما أقول فهو الحق ، فو الله ما تعمدت كذبة منذ علمت أن الله يمقت على الكذب ، وإلّا فاسألوا

٦٠٣

أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ذلك ، جابر بن عبد الله ، وأبا سعيد ، وسهل بن سعد ، وزيد بن أرقم ، وأنس بن مالك ، يخبرونكم بذلك ، ويحكم! أما تتقون الله؟ أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟.

فقال عند ذلك شمر بن ذي الجوشن : هو يعبد الله على حرف : إن كنت أدري ما يقول؟ فقال له حبيب بن مطهر : والله يا شمر إنك لتعبد الله على سبعين حرفا ، وأما نحن فو الله إنا لندري ما يقول ، وإنه قد طبع على قلبك.

ثم قال : أيها الناس ، ذروني أرجع إلى مأمني من الأرض ، فقالوا : وما يمنعك أن تنزل على حكم بني عمك؟ فقال : معاذ الله (إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ) ، ثم أناخ راحلته وأمر عقبة بن سمعان فعقلها ، ثم قال : أخبروني أتطلبوني بقتيل لكم قتلته؟ أو مال لكم أكلته أو بقصاصة من جراحة؟ قال : فأخذوا يكلمونه.

قال : فنادى يا شبيب بن ربعي ، يا حجاج بن أبجر ، يا قيس بن الأشعث ، يا زيد بن الحارث ، ألم تكتبوا إلي أنه قد أينعت الثمار واخضر الجنات ، فأقدم علينا ، فإنك إنما تقدم على جند مجندة! فقالوا له : لم نفعل. فقال : سبحان الله! والله لقد فعلتم ، ثم قال : يا أيها الناس ، إذ قد كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم ، فقال له قيس بن الأشعث : ألا تنزل على حكم بني عمك فإنهم لن يؤذوك ، ولا ترى منهم إلّا ما تحب؟ فقال له الحسين : أنت أخو أخيك ، أتريد أن تطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل؟ لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ، ولا أقر لهم إقرار العبيد.

قال : وأقبلوا يزحفون نحوه وقد تحيز إلى جيش الحسين من أولئك طائفة قريب من ثلاثين فارسا فيما قيل ، منهم الحر بن يزيد أمير مقدمة جيش ابن زياد ، فاعتذر إلى الحسين مما كان منهم.

٦٠٤

ومن كلامه عليه‌السلام الفقهي

رواه جماعة :

فمنهم العلامة حميد بن زنجويه المتوفى سنة ٢٥١ ه‍ في كتابه : «الأموال» (ج ١ ص ٣٣٢ ط مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية) قال :

حدثنا حميد قال : قال أبو عبيد : أنا ابن أبي عدي عن سفيان عن عبد الله بن شريك عن بشر بن غالب قال : سئل الحسين بن علي : على من فداء الأسير؟ قال : على الأرض التي يقاتل عنها. قيل : فمتى يجب سهم المولود؟ قال : إذا استهل.

حدثنا حميد أنا يحيى بن عبد الحميد ثنا شريك عن عبد الله بن شريك عن بشر ابن غالب قال : سأل ابن الزبير الحسين بن علي عن فكاك الأسير فقال : على القرية التي يقاتل من دونها.

وقال أيضا في ج ٢ ص ٥٢٧ : حدثنا حميد قال أبو عبيد : أنا عبد الرحمن عن سفيان عن عبد الله بن شريك عن بشر بن غالب قال : سئل الحسين بن علي : متى يجب سهم المولود؟ قال : إذا استهل. قيل : فعلى من فداء الأسير؟ قال : على الأرض التي يقاتل عنها.

كلامه عليه‌السلام في «التهنئة»

رواه جماعة :

فمنهم العلامة أبو زكريا يحيى بن شرف النووي في «المجموع ـ شرح المهذب» (ج ٨ ص ٤٤١ ط دار الفكر) قال :

جاء عن الحسين رضي‌الله‌عنه (أنه علم إنسانا التهنئة فقال قل بارك الله لك في الموهوب لك وشكرت الواهب وبلغ أشده ورزقت بره.

٦٠٥

ومن كلامه عليه : «خير المال ما وقى العرض»

رواه جماعة :

ومنهم الحافظ الجمال أبو الحجاج يوسف المزي في «تهذيب الكمال» (ج ٦ ص ٤٠٦ ط مؤسسة الرسالة في بيروت) قال :

وقال محمد بن يونس الكديمي ، عن الأصمعي ، عن ابن عون : كتب الحسن إلى الحسين يعتب عليه إعطاء الشعراء ، فكتب إليه : إن خير المال ما وقي العرض. رواها يحيى بن معين عن الأصمعي ، قال : بلغنا عن ابن عون.

ومن كلامه عليه‌السلام : «لا تتكلف ما لا تطيق ولا تنفق إلّا بقدر ما تستفيد»

رواه جماعة :

فمنهم الفاضل المعاصر الشريف علي بن الدكتور محمد عبد الله فكري الحسيني القاهري المولود بها ١٢٩٦ ه‍ والمتوفى بها أيضا ١٣٧٢ ه‍ في «أحسن القصص» (ج ٤ ص ٢٢٩ ط دار الكتب العلمية في بيروت) قال :

نهيه عن الإسراف والتبذير ، كان الحسين رضي‌الله‌عنه مع جوده الذي امتاز به ، وكرمه الذي يندر نظيره ، لا يتجاوز حد السخاء إلى الإسراف ، وينهى عن التبذير ، فقد روي عن ياقوت المستعصمي في أسرار الحكماء قوله : لا تتكلف ما لا تطيق ولا تنفق إلّا بقدر ما تستفيد.

ومن كلامه عليه‌السلام للوليد في يزيد اللعين

رواه جماعة (١):

__________________

(١) الفاضل المعاصر محمد رضا أمين مكتبة جامعة فؤاد الأول سابقا في كتابه : «الحسن والحسين سبطا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم» ص ١٤٣ ط دار الكتب العلمية بيروت قال :

٦٠٦

__________________

وقال الامام ابن حنبل بكفر يزيد.

ونقل صالح بن أحمد بن حنبل رضي‌الله‌عنهما ، قال : قلت لأبي : يا أبت أتلعن يزيد؟ فقال : يا بني كيف لا نلعن من لعنه الله تعالى في ثلاث آيات من كتابه العزيز في الرعد والقتال والأحزاب. قال تعالى : والذين (يَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) وأي قطيعة أفظع من قطيعته صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ابن بنته الزهراء. وقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً) وأي أذية له صلى‌الله‌عليه‌وسلم فوق قتل ابن بنته الزهراء؟ وقال تعالى : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ. أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ) وهل بعد قتل الحسين رضي‌الله‌عنه إفساد في الأرض أو قطيعة للأرحام؟ اه.

وقال التفتازاني في شرح العقائد النسفية :

اتفقوا على جواز لعن من قتل الحسين أو أمر به أو أجازه أو رضي به قال : والحق ان رضا يزيد بقتل الحسين واستبشاره بذلك وإهانته أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإن كان تفصيله آحادا. فنحن لا نتوقف في شأنه بل في كفره ، لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه.

لكن ليس في الروايات التي ذكرناها ما يثبت أن يزيد أمر بقتل الحسين وقال يزيد حين بلغه قتل الحسين قد كنت أقنع بطاعتكم بدون قتل الحسين.

قال الذهبي في يزيد : كان ناصبيا (يتدين ببغض علي) ، فظا ، غليظا ، يتناول المسكر ويفعل المنكر. افتتح دولته بقتل الحسين. وختمها بوقعة الحرة. فمقته الناس ولم يبارك في عمره وخرج عليه غير واحد بعد الحسين ، وذكر من خرج عليه. وقال في الميزان : إنه مقدوح في عدالته ، ليس بأهل أن يروى عنه. وقال رجل في حضرة عمر بن عبد العزيز أمير المؤمنين يزيد فضربه عمر عشرين سوطا. واستفتي الكيا الهراسي فيه فذكر فصلا واسعا في مخازيه ثم قال : ولو مددت ببياض لمددت العنان في مخازي هذا الرجل.

جاء في مروج الذهب للمسعودي في أخبار يزيد أنه كان صاحب طرب وجوارح وكلاب وقرود وفهود ومنادمة على الشراب. وجلس ذات يوم على شرابه وعن يمينه ابن زياد وذلك بعد قتل الحسين ، فأقبل على ساقيه فقال :

اسقني شربة تروي مشاشي

ثم صل فاسق مثلها ابن زياد

صاحب السر والأمانة عندي

ولتسديد مغنمي وجهادي

ثم أمر المغنين فغنوا ، وغلب على أصحاب يزيد وعماله ما كان يفعله من الفسوق ، وفي أيامه ظهر الغناء بمكة والمدينة واستعملت الملاهي وأظهر الناس شرب الشراب ، وكان له قرد يكنى بأبي

٦٠٧

__________________

قيس يحضر مجلس منادمته ويطرح له متكأ ، وكان قردا خبيثا ، وكان يحمله على أتان وحشية قد ريضت وذللت لذلك بسرج ولجام ، ويسابق بها الخيل يوم الحلبة. فجاء في بعض الأيام سابقا فتناول القصبة ودخل الحجرة قبل الخيل وعلى أبي قيس قباء من الحرير الأحمر والأصفر مشهر ، وعلى رأسه قلنسوة من الحرير ذات ألوان بشقائق ، وعلى الأتان سرج من الحرير منقوش ملمع بأنواع من الألوان ، فقال في ذلك بعض شعراء الشام في ذلك اليوم :

تمسك أبا قيس بفضل عنانها

فليس عليها ان سقطت ضمان

ألا من رأى القرد الذي سبقت به

جياد أمير المؤمنين أتان

وفي يزيد وتملكه وتجبره وانقياد الناس إلى ملكه يقول الأحوص :

ملك تدين له الملوك مبارك

كادت لهيبته الجبال تزول

تجبى له بلخ ودجلة كلها

وله الفرات وما سقى والنيل

ولما شمل الناس جور يزيد وعماله ، وعمهم ظلمه وما ظهر من فسقه من قتله ابن بنت رسول الله وأنصاره وما ظهر من شرب الخمور ، أخرج أهل المدينة عامله عليهم وهو عثمان بن محمد بن أبي سفيان ومروان بن الحكم وسائر بني أمية وذلك لما أظهر ابن الزبير الدعوة لنفسه في سنة ٦٣ ه‍ فلما علم بذلك يزيد سيّر إليهم بالجيوش من أهل الشام ، عليهم مسلم بن عقبة المري الذي أخاف المدينة ونهبها وقتل أهلها وبايعه أهلها على أنهم عبيد ليزيد وسماها نتنة ، وقد سماها رسول الله طيبة. ولما انتهى الجيش من المدينة إلى الموضع المعروف بالحرة وعليهم مسرف خرج إلى حربه أهلها فكانت وقعة عظيمة قتل فيها خلق كثير من الناس من بني هاشم وسائر قريش والأنصار وغيرهم ، ثم خرج مسرف إلى مكة ، فلما انتهى إلى الموضع المعروف بقديد مات مسرف واستخلف على الجيش الحصين بن نمير فسار إلى مكة وأحاط بها ونصب فيمن معه من أهل الشام المجانيق والعرّادات على مكة والمسجد فانهدمت الكعبة واشتد الأمر على أهل مكة وابن الزبير واتصل الأذى بالأحجار والنار والسيف. ففي ذلك يقول أبو حرّة المديني :

ابن نمير بئس ما تولى

قد أحق المقام والمصلّى

أوردنا هنا سيرة يزيد ونوادره وهي سيرة لا ترضي أحدا ، فقد ثبت من عدة مصادر أنه كان يحتسي الخمر ويتباهى بشربها ، وأنه كان مولعا بالنساء والملاهي والألعاب وأعمال الطائشين ، وقد كان الحسين رضي‌الله‌عنه معذورا في القيام في وجهه وتضحيته نفسه لأن هذه أخلاق منكرة يجب محاربتها ، ولم يطق أهل المدينة ومكة هذا الظلم والجور وارتكاب الموبقات وانتشار الخمور في بلادهم المقدسة التي هي موضع احترام المسلمين كافة فقاموا بثورة كبيرة لا تأييدا لابن الزبير فقط ، بل سخطا على هذه الفوضى وتمكنوا من طرد بني أمية غير أن يزيد استعان عليهم بجيش

٦٠٨

__________________

الشام.

ومات يزيد بحوارين من أرض دمشق لسبع عشرة ليلة خلت من صفر سنة ٦٤ ه‍ وهو ابن ٣٣ سنة ، وفي ذلك يقول رجل من عنزة :

يا أيها القبر بحوارينا

ضممت شر الناس أجمعينا

وقال العلامة الشريف أحمد بن محمد بن أحمد الحسيني الخوافي [الحافي] الشافعي في «البر المذاب» ص ١٠٢ المخطوط قال :

والعجب من قوم يدّعون الإسلام ويظهرون شعاره وهم مع ذلك يصوّبون فعل يزيد في الحسين ابن علي عليه‌السلام مع علمهم بأنّه كان يشرب الخمر ويلبس الحرير ويتلعّب بالقردة ويحيى الليل بالمعازف وأصوات القينات ويقرّب الفسّاق ويصرف لهم من بيت المال ما يصرفوه في اللهو والخمور ويحرم أفاضل الصحابة والتابعين ولم يكن له عند أهل العلم ذكر ولا دنوّة في تصانيفهم ولا رووا عنه حديثا واحدا ولم يكن يحفظ من كتاب الله تعالى إلّا القليل ولا أحرز من سنّة الله ورسوله شيئا وكان شعره التشبيب والغناء بالخمر والنساء والصبيان حكم ثلاث سنين أول سنة أمر بقتل الحسين عليه‌السلام لعبيد الله بن زياد وأمره بتجهيز رأسه وحريمه اليه سبابا إلى دمشق وشرب على رأسه الخمر ونكث ثناياه بالقضيب ولم يرع له حرمة وثاني سنة سبى المدينة الشريفة النبوية وأباحها ثلاثة أيام وروى الامام أحمد في المسند عن أنس بن عباس عن يزيد بن حصينة عن عبد الله بن عبد الرحمن أبي صعصعة عن عطاء بن يسار عن السائب بن خلاد أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال من أخاف المدينة ظالما أخافه الله وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا. وروى الامام البخاري عن حسين بن حريث عن الفضل عن جعد عن عائشة قالت سمعت سعدا يقول لا يكيد أهل المدينة أحد إلّا انماع الايمان من قلبه كما ينماع الملح في الماء وأخرجه مسلم أيضا بمعناه وفيه أيضا لا يريد أهل المدينة أحد بسوء إلّا أذابه الله في النار كما يذوب الرصاص. وعن أبي سعيد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال إن ابراهيم حرّم مكة فجعلها حرما وإني حرّمت المدينة حراما ما بين مأزميها لا يراق فيها دم ولا يحمل فيها سلاح لقتال ولا يحبط فيها شجرة إلّا لعلف أخرجه مسلم في صحيحه وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أيضا المدينة حرام ما بين عير إلى ثور ويقال عاير فمن أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ولا خلاف انّ يزيد أخاف المدينة وسبى أهلها ونهبها وأباحها في وقعة الحرة.

وسببه ما رواه الواقدي وابن إسحاق وهشام بن محمد انّ جماعة من أجلّاء أهل المدينة وفدوا على يزيد سنة اثنتين وستين بعد مقتل الحسين عليه‌السلام فرأوه يشرب الخمر ويلعب بالطنابير

٦٠٩

__________________

فلما عادوا إلى المدينة أظهروا سبّه ولعنه وخلعوه وطردوا عامله عثمان بن محمد بن أبي سفيان وقالوا قدمنا من عند رجل لا دين له يسكر ويدع الصلاة وبايعوا عبد الله بن حنظلة ابن الغيل وكان ابن حنظلة يقول يا قوم ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمي بالحجارة من السماء رجل ينكح الأمهات والبنات والأخوات ويشرب الخمور ويقتل أولاد الأنبياء والله لو لم يكن عندي أحد من الناس لأبليت الله فيه بلاء حسنا فبلغ ذلك يزيد فبعث بمسلم بن عقبة المرّي في جيش كثيف من أهل الشام فقتل حنظلة والأشراف وأقام بالمدينة ثلاثة أيام ينهب المال ويهتك الحريم وذكر المدائني في كتاب وقعة الحرة عن الزهري قال كان القتلى يوم الحرة سبع مائة من وجوه قريش والأنصار والمهاجرين ووجوه الموالي وامّا من لم يعرف من حر أو عبد أو امرأة فعشرة آلاف وخاض الناس في الدماء حتى بلغ قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وامتلأت الروضة الشريفة والمسجد منه قال مجاهد التجأ الناس إلى حجرة الرسول ومنبره والسيف يعمل فيهم وكانت وقعة الحرة ثلاثا وستين في ذي الحجة وذكر المدائني عن أبي قرّة قال قال هشام بن حسّان ولدت ألف امرأة بعد الحرة من غير زوج وقال غيره عشرة آلاف قال الشعبي وكل ذلك برضى يزيد لارساله الجيش وهو دليل الرضى بالفعل. وقد قال علي بن أبي طالب عليه‌السلام : الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم وعلى كل داخل إثمان إثم الرضا وإثم العمل وفي السنة الثالثة جهّز جيشا إلى مكة شرّفها الله ، حاصرها وهتك حرمتها وقد حرّمها الله إلى يوم القيامة فمن حرمتها ان الله حرّم صيدها وقطع شجرها واخلاء خلائها وحرّم القتل والقتال فيها ولم تحل لأحد الّا النبيّ طلى الله عليه وآله كما أخبر به تعالى (وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ) قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يحلّ لأحد قبلي ولا بعدي وإنما احلّت لي ساعة من نهار حتى انّ الاحتكار في مكة الحاد وضرب الخادم الحاد والصغيرة بها كبيرة فكيف لمن قصد هدم الكعبة وأباح حرمتها. وقد قال عزوجل : (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) وكان أمير جيشه مسلم بن عقبة فمات في أثناء الطريق فاستخلف على الجيش الحصين بن النمير السكوني فضرب الكعبة بالمناجيق وهدمها وحرقها وإلى الآن أثر الحريق على حجارتها وكان بينها وبين موت يزيد ثلاثة أيام ، أمهله الله بل أخذه أخذ القرى وهي ظالمة فظهرت فيه الآثار النبوية والإشارات المحمدية والمقادير الالهية. وقال في ص ١٠٤ :

قال أبو الفرج ابن الجوزي في كتاب الرد على المتعصب العنيد في تصويب فعل يزيد ليس العجب من قتال ابن زياد الحسين عليه‌السلام وتسليطه عمر بن سعد على قتله والشمر على حمل الرءوس اليه وإنما العجب صبّ الخمر على رأس الحسين عليه‌السلام وضربه بالقضيب على ثناياه وأمر ابن زياد بحمل آل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سبايا على أقتاب الجمال وعزمه على

٦١٠

__________________

دفع فاطمة بنت الحسين عليه‌السلام للرجل الذي طلبها منه وإنشاده شعر ليت أشياخي ببدر شهدوا إلخ.

أفيجوز أن يفعل هذا بالخوارج أليس بإجماع المسلمين إنّ قتلى المسلمين يكفنون ويصلى عليهم ويدفنون وقول يزيد لفاطمة بنت الحسين عليه‌السلام لي أن أسبيكم لما طلبها الرجل وهذا قول لا يقنع لقائله وفاعله باللعنة ولو لم يكن في قلبه أحقاد الجاهلية وأضغان بدرية لاحترم الرأس لما وصل اليه ولم يضربه بالقضيب ولا صبّ عليه جرعة الخمر ولكفّنه ودفنه وأحسن إلى آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم. والدليل على صحّة ذلك أنه استدعى ابن زياد وشكره على فعله وأعطاه أموالا جزيلة وتحفا كثيرة من بيت مال المسلمين وقرب مجلسه ورفع منزلته وأدخله على نسائه وجعله نديمه وسكر ليله فقال للمغنّي غنّ ثم أنشد بديها :

سقني شربة تروي فؤادي

ثم ملّي فسق ابن زياد

صاحب السر والأمانة عندي

ولتسديد مغنمي وجهادي

قاتل الخارجي أعني حسينا

ومبيد الأعداء والأضداد

قال ابن عقدة مما يدل على كفره وزندقته فضلا عن سبّه ولعنه أشعاره التي أفصح فيها بالإلحاد وأبان عن خبث الضمير والاعتقاد فمنها قوله في قصيدته التي أولها :

علية هاتي علّليني واعلني

بذلك اني لا أحب التناجيا

حديث أبي سفيان قدما بتمامها

إلى أحد حتى أقام البواكيا

ألا هات سقيني على ذاك قهوة

تخيّرها العلنيّ كرما شاميا

إذا ما نظرنا في امور قديمة

وجدنا حلالا شربها متواليا

وإن مت يا ام الاحيمر فانكحي

ولا تأملي بعد الفراق تلاقيا

فان الذي حدثت من يوم بعثنا

أحاديث طسم تجعل القلب ساهيا

وله أيضا :

معشر الندمان قوموا

واسمعوا صوت الأغاني

واشربوا كأس مدام

واتركوا ذكر المغاني

شغلتني نغمة العيدان

عن صوت الأذان

وتعوّضت عن الحور

خمورا في الدنان

وقال أيضا في ص ١٠٦ :

قال أبو الفرج ابن الجوزي وغير ذلك من أشعاره مما نقلته من ديوانه ولهذا تطرّق إلى هذه الامة العار بولايته عليها حتى قال أبو العلاء المعري في قصيدته التي أولها :

٦١١

__________________

أرى الأيام تفعل كل نكر

فما أنا بالعجائب مستزيد

أليس قريشكم قتلت حسينا

وكان على خلافتكم يزيد

قال سبط ابن الجوزي لما لعن جدي يزيد بحضرة الامام الناصر للحق أحمد وكان في الحضرة أكابر العلماء بعد أن خطب وأبلغ على أعواد المنبر فسمع ذلك جماعة من الجفاة فقاموا من المجلس فقال لما أن خرجوا ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود وحكى بعض أشياخنا عن ذلك اليوم انّ جماعة سألوا جدي عن يزيد فقال ما تقولون في رجل وله ثلاث سنين : الاولى قتل فيها الحسين عليه‌السلام ابن بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. والثانية أخاف المدينة وأباحها. والثالثة رمى الكعبة بالمناجيق وهدمها وحرقها فقالوا من فعل هذا يلعن فقال العنوه. وذكر جدي أبو الفرج في كتاب الرد على المتعصب العنيد المانع من لعن يزيد قال سألني سائل فقال ما تقول في يزيد قلت يكفيه ما به فقال أيجوز لعنته قلت قد أجازه العلماء الورعون : منهم الامام أحمد بن حنبل فانه ذكر في حقه ما يزيد اللعنة فانه سئل عن يزيد فقال هو الذي فعل ما فعل قيل وما فعل قال قتل الحسين عليه‌السلام ونهب المدينة وخرب الكعبة قيل فنذكر عنه الحديث قال ولا كرامة لا ينبغي لأحد أن يكتب عنه الحديث وحكى أبو الفرج بن الجوزي عن القاضي أبي يعلى بن الفرّاء في كتابه المعتمد في الأصول بإسناده إلى صالح بن أحمد بن حنبل قال قلت لأبي أنّ قوما ينسبوننا إلى توالي يزيد فقال يا بني وهل يتوالى يزيد أحد يوهن بالله فقلت لم لا تلعنه فقال يا بني لم لا يلعن من لعنه الله في كتابه قال فقلت وأين لعن قال في قوله تعالى : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ) فهل يكون فساد أعظم من نهب المدينة وإباحتها وهدم الكعبة وإحراقها وقطع الرحم بقتل الحسين عليه‌السلام. قال القاضي في الكتاب المذكور الممتنع من جواز لعن يزيد امّا أن يكون غير عالم بجوازه أو منافقا يريد أن يوهم بذلك وربما استقر الجهال بشبهة قوله عليه‌السلام المؤمن لا يكون لعّانا وهذا محمل على من لا يستحق اللعن وقد لعن الله الظالمين في عدّة مواضع من القرآن وأي ظلم أعظم من قتل الحسين عليه‌السلام سيد شباب أهل الجنة وريحانة نبي هذه الامة ونهب المدينة وهدم الكعبة وشرب الخمر والزنا واللعب بالقردة والطنابير وقد لعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم شارب الخمر وبايعها وحاملها والمحمولة اليه وحاضرها وعاصرها فان استدل المتعصب العنيد ليزيد بحديث القسطنطنية قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أول جيش يغزو القسطنطنية مغفور له ويزيد أول من غزاها فنقول الحديث يتناول أبا أيوب الأنصاري رضي‌الله‌عنه فانه كان معهم وهو من أجلاء الصحابة وهو أحق بالتبعية وان كان تابعا في الظاهر وتولية يزيد وتغلّبه عليها مع كراهة المسلمين له لا اعتداد بها فالحديث يتناول من سبقت لله سبحانه فيه العناية لا لمن سبقت له الشقاوة ونقول أيضا

٦١٢

__________________

الحديث معارض لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أخاف المدينة فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين وغزو القسطنطنية أول سنة من ولايته وغزو المدينة ثاني سنة منها والآخر ينسخ الأول فعلمنا ان الحديث الأول غير متناول له لعدم الخلاف في انّ يزيد هو الذي أخاف المدينة وقتل رجالها ونهب مالها فلا يتناوله حديث القسطنطنية وإلّا لزم التناقض وتضادّ الحديثين لعدم جواز أن يكون مغفورا له على مقتضى الحديث الأول مع صحة الحديثين وعدم إمكان الجمع بينهما.

وذكر علماء السير عن الحسن البصري انه قال قد كان في معاوية هنات لو لسقى أهل الأرض الله ببعضها لكفاهم : وثوبه على هذا الأمر واقتطاعه من أهله وادّعاه زيادا وقتله حجر بن عدي صاحب رسول الله وصحبه وسمّه الحسن عليه‌السلام بن فاطمة ومحاربته عليا ثمانية عشر شهرا وتوليته يزيد على الناس مع علمه أنه شريب خمير يلبس الحرير ويلعب بالطنابير وقد كان معاوية يقول لو لا هواي في يزيد لأبصرت رشدي فدل على انه أقام يزيد لغلبته هواه ومحبته له لا للاستحقاق فيه وذكر عين القضاة أبو القاسم علي بن محمد السمناني في تاريخه قال لما وضع رأس الحسين بن علي عليه‌السلام بين يدي يزيد بن معاوية وكان بيده قضيب فكشف عن شفتيه وثناياه ونكتهما بالقضيب وتمثل بالأبيات المشهورة ، ليست أشياخي ببدر شهدوا فرأى تغيّر وجوه أهل الشام مما شاهدوا منه وثقل عليهم ما جرى على أهل البيت عليهم‌السلام خاف مما شاهد من الناس عند ذلك فقال أتدرون من أين دهى أبو عبد الله الحسين عليه‌السلام فقالوا لا قال إنما دهى من حيث الفقه كاني به وقد قال أنا خير من يزيد وأبي خير من أبيه وأمي خير من امه وجدي خير من جدّه وعمي خير من عمّه وخالي خير من خاله وأما أنا فقد رآني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ووضعني في حجره وحملني على ظهره وجعلني ريحانته وشهد لي بأني سيد شباب أهل الجنة ودعا لي ولنسلي بالبركة فأنا أحق بهذا الأمر من يزيد. ولكن ما لحظ قوله تعالى : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ) فسرى عن وجوه أهل الشام ما كانوا فيه لما سمعوه منه وظنوا ان الأمر كما قال وليس تأويل الآية ما ذكر ولا أراد الله تعالى ما ذهب الجاهل وإنما أراد الباري سبحانه بالملك الذي أضافه اليه انما الملك بالحق والاستحقاق والعدل وتعزّ من تشاء بالطاعة التي يطاع بها في الدنيا والآخرة بالجنة والثواب وتذلّ من تشاء بالمعصية وقيام الحد عليه في الدنيا ، وفي الآخرة عذاب النار. وأما التغلب على الملك وأخذه بغير استحقاق فلا يقال انه داخل في الآية الشريفة وقد انتقم الله عزوجل في الدنيا من كل من أعان على الحسين عليه‌السلام.

وخرج عليه على يد المختار بن أبي عبيد الثقفي أخذ كل من شهد بقتل الحسين بأقبح المثلات وأشنعها فلم يبق من الستة آلاف الذين قاتلوه بغير عمر بن سعد بن أبي وقاص أحد ولما أحضر

٦١٣

__________________

عمر بن سعد بين يدي المختار قال والله هذا رجل يرضى بقتله أهل السموات وأهل الأرض ثم أمر بقطع يديه ورجليه واحدة واحدة وسمل عينيه ثم أحرقه حيا وكان ولده حفص حاضرا وهو ابن اخت المختار فقال قتلتم أبا حفص لا خير في الحياة بعده فقال المختار صدقت والله لا خير لك فيها بعده اضربوا عنقه فضربت بين يديه ولم يأخذه لقرابة اليه عليه رأفة ثم قال عمر بالحسين عليه‌السلام وحفص بعلي بن الحسين ولا سواء والله لو قتلت بالحسين ثلاثة أرباع قريش ما وفوا ولا بانملة منه. ثم قتل الشمر بن ذي الجوشن الضبابي أقبح قتلة أوطأ الخيل صدره وظهره حيا حتى هلك لعنه الله وامّا ابن زياد فانه لما خرج من الكوفة قاصدا الشام استعمل على الكوفة من يثق به فخرج المختار عليه فقتله واستولى على الكوفة وقتل كل من خرج منها لقتال الحسين فبلغ ذلك ابن زياد فتجهز في ثلاثين ألفا من الشام فبلغ ذلك المختار فجهز اليه إبراهيم بن مالك الأشتر في سبعة آلاف وذلك في سنة سبع وستين فالتقيا على الزاب فقتله إبراهيم وكان من غرق أكثر ممن قتل والذي قتل ابن زياد شريك بن حريز التغلبي ثم إن إبراهيم أرسل برأس ابن زياد وألفي رأس إلى المختار فجلس في قصر الامارة وألقيت الرءوس بين يديه فأمر بفرش الانطاع عليها ثم جلس على الانطاع وأمر بموائد الطعام فنصبت ثم قال الآن طاب الغذاء ثم أمر باحراقها فقتل الله قتلة الحسين عليه‌السلام وقطع الله عزوجل نسلهم ولم يبق منهم أحد على وجه الأرض وآل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كثرهم الله في المشرق والمغرب حتى لم يكن بقعة في بلاد الإسلام إلّا وفيها منهم والسر في ذلك :

إن الله تبارك وتعالى بارك عليهم فقال سبحانه (رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ) والدعاء لهم على لسان كل مصلّ إلى يوم القيامة وهو قوله اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد وسلم على محمد وعلى آل محمد كما صلّيت وباركت وسلّمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد.

قال أبو القاسم السمناني وأعجب ما شوهد ان نسل الحسين عليه‌السلام ألوف في الدنيا رجال ونساء لا يمكن حصرهم ولم يخلف ذكرا سوى زين العابدين عليه‌السلام ولا يعرف ليزيد نسل في الدنيا بل قرض الله نسله وأخلاهم من الدنيا ومات عن عشرين ذكرا وهذا سرّ من أسرار الله تعالى مجازاة لبني أمية على ما ارتكبوه من آل بيت الرسول لما أرادوا إبادتهم وإطفاء نورهم. قال تعالى : (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) قال ابراهيم النخعي والله لو كنت فيمن قاتل الحسين وأتتني المغفرة من ربي وأدخلني الجنة لأستحييت أن أمرّ إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فينظر وجهي.

وقال العلامة المورخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى ٧١١ ه‍ في «مختصر تاريخ

٦١٤

فمنهم الأستاذ أحمد أبو كف في «آل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في مصر» (ص ٢٣ ط دار المعارف بالقاهرة) قال :

قال عليه‌السلام للوليد : «يا أمير إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة بنا فتح وبنا ختم ، ويزيد فاسق فاجر شارب الخمر قاتل النفس المحرمة معلن بالفسوق والفجور ومثلي لا يبايع مثله ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أينا أحق بالبيعة والخلافة.

كلامه عليه‌السلام على بنيه وبني أخيه

رواه جماعة :

فمنهم الحافظ المؤرخ الشيخ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي في «تقييد العلم» (ص ٩١ ط دار إحياء السنة النبوية) قال :

أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي ،

__________________

دمشق لابن عساكر» ج ٢٨ ص ٢٤ ط دار الفكر قال :

عن عمر بن شبّة قال : لما حج الناس في خلافة معاوية جلس يزيد بالمدينة على شراب ، فاستأذن عليه ابن عباس والحسين بن علي ، فأمر بشرابه فرفع. وقيل له : إن ابن عباس إن وجد ريح شرابك عرفه ، فحجبه ، وأذن للحسين ، فلما دخل وجد رائحة الشراب مع الطيب ، فقال : لله در طيبك هذا ما أطيبه ، وما كنت أخشى أحدا يتقدمنا في صنعة الطيب ، فما هذا يا ابن معاوية؟ فقال : يا أبا عبد الله ، هذا طيب يصنع بالشام. ثم دعا بقدح فشربه ، ثم دعا بآخر ، فقال : اسق أبا عبد الله يا غلام ، فقال الحسين : عليك شرابك أيها المرء ، فلا عين عليك مني ، فشرب يزيد ، وقال : [من الهزج] :

ألا يا صاح للعجب

دعوتك ثم لم تجب

إلى القينات والش

هوات والصهباء والطرب

وباطية مكلّلة

عليها سادة العرب

وفيهن التي تبلت

فؤادك ثم لم تثب

فنهض الحسين وقال : بل فؤادك يا ابن معاوية تبلت!

٦١٥

أخبرنا أبو العباس محمد بن إسحاق السراج ، حدثنا عمر بن محمد بن الحسن الأسدي ، حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن أبان عن يونس بن عبد الله بن أبي فروة عن شرحبيل بن سعد قال : جمع الحسين بن علي بنيه وبني أخيه فقال يا بني! إنكم اليوم صغار قوم ، أوشك أن تكونوا كبار قوم ، فعليكم بالعلم ، فمن لم يحفظ منكم ، فليكتبه ـ كذا قال : جمع الحسين بن علي ، والصواب الحسن كما ذكرناه أولا ، والله أعلم.

كلامه عليه‌السلام لابن الزبير

رواه جماعة :

فمنهم الفاضل المعاصر الدكتور محمد جميل غازي في «استشهاد الحسين عليه‌السلام» (ص ٥٨) خرجه من كتاب الحافظ ابن كثير (ط مطبعة المدني المؤسسة السعودية بمصر) قال :

وقال أبو مخنف : قال أبو جناب يحيى بن خيثمة عن عدي بن حرملة الأسدي عن عبد الله بن سليم والمنذر بن المشعل الأسديين قالا : خرجنا حاجين من الكوفة فقدمنا مكة فدخلنا يوم التروية ، فإذا نحن بالحسين وابن الزبير قائمين عند ارتفاع الضحى فيما بين الحجر والباب ، فسمعنا ابن الزبير وهو يقول للحسين : إن شئت تقيم أقمت فوليت ، هذا الأمر فوازرناك وساعدناك ، ونصحنا لك وبايعناك؟ فقال الحسين : إن أبي حدثني أن لها كبشا يستحل حرمتها يقتل ، فما أحب أن أكون أنا ذلك الكبش. فقال له ابن الزبير : فأقم إن شئت وولني أنا الأمر فتطاع ولا تعصى ، فقال : وما أريد هذا أيضا ، ثم إنهما أخفيا كلامهما دوننا ، فما زالا يتناجيان حتى سمعنا دعاة الناس متوجهين إلى منى عند الظهيرة ، قالا : فطاف الحسين بالبيت وبين الصفا والمروة ، وقصّر من شعره وحلّ من عمرته ، ثم توجه نحو الكوفة ، وتوجهنا نحن مع الناس الى منى.

٦١٦

كلامه عليه‌السلام في معنى «الصمد»

رواه جماعة :

فمنهم الشيخ محمد كامل حسن المحامي في كتابه «مع الله في القرآن الكريم» (ص ٢٢ ط بيروت) قال :

وقال الامام الحسين بن علي رضي‌الله‌عنه : إن الصمد هو الذي اكتمل سؤدده وانتهى.

ومن كلامه عليه‌السلام : «من أتى مسجد الله فهو ضيف الله»

رواه جماعة :

فمنهم العلامة الحافظ أبو الحسن علي بن عمر الدار قطني البغدادي المتوفى ٣٨٥ ه‍ في «المؤتلف والمختلف» (ج ٣ ص ١٣١٣ ط ١ دار الغرب الإسلامي بيروت ١٤٠٦ ه‍ ـ ١٩٨٦ م) قال :

زياد بن سابور ، سمع الحسين بن علي عليه‌السلام ، يقول : من أتى مسجدا لا يأتيه إلّا لله ، فذاك ضيف الله ، حتى يخرج منه.

ذكر ذلك أسلم بن سهل ، قال : [حدثنا] محمد بن عبد الله بن سعيد ، قال : حدثنا أبي ، حدثنا الحسن بن عمارة ، عن زياد الحارثي. قال أسلم : [هذا] زياد بن سابور ، عم بقية بن عبيد ، والد وهب بن بقية.

ومن كلامه عليه‌السلام في القرآن

رواه جماعة :

فمنهم الأستاذ محمد المنتصر الكتاني الأستاذ بجامعة ام القرى بمكة المكرمة في

٦١٧

«معجم فقه السلف عترة وصحابة وتابعين» (ج ٤ ص ٧٤ ط مطابع الصفا بمكة المكرمة) قال :

وعن الحسين بن علي قال : إذا قرنت بين الحج والعمرة فطف طوافين واسع سعيين.

كلامه عليه‌السلام في ان أبي خير مني ومن أمي

رواه جماعة :

منهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى ٧١١ ه‍ في «مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر» (ج ١٨ ص ٢٩ ط دار الفكر) قال :

وعن مولى لحذيفة قال : كان حسين بن علي آخذا بذراعي في أيام الموسم ، قال : ورجل خلفنا يقول : اللهم ، اغفر له ولامه ، فأطال ذلك ، فترك ذراعي وأقبل عليه فقال : قد آذيتنا منذ اليوم ، تستغفر لي ولامي ، وتترك أبي ، وأبي خير مني ومن أمي؟!

ومن كلامه عليه‌السلام المنظوم قاله في يوم تاسوعا

رواه جماعة :

فمنهم الفاضل المعاصر الدكتور محمد جميل غازي في «استشهاد الحسين عليه‌السلام» (ص ٨٠) خرجه من كتاب الحافظ ابن كثير (ط مطبعة المدني المؤسسة السعودية بمصر) قال :

وقال أبو مخنف : حدثني الحارث بن كعب وأبو الضحاك عن علي بن الحسين زين العابدين ، قال : إني لجالس تلك العشية التي قتل أبي في صبيحتها وعمتي زينب تمرضني إذ اعتزل أبي في خبائه ومعه أصحابه ، وعنده حوى مولى أبي ذر الغفاري ، وهو يعالج سيفه ويصلحه وأبي يقول :

يا دهر أف لك من خليل

كم لك بالاشراق والأصيل

من صاحب أو طالب قتيل

والدهر لا يقنع بالبديل

٦١٨

وإنما الأمر إلى الجليل

وكل حيّ سالك السبيل

فأعادها مرتين أو ثلاثا حتى حفظتها وفهمت ما أراد ، فخنقتني العبرة فرددتها ، ولزمت السكوت ، وعلمت أن البلاء قد نزل.

ومنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب «جواهر المطالب في مناقب الامام أبي الحسنين علي بن أبي طالب» (ق ١٣٦ والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان) قال :

فذكر بيت الأول والمصراع الأول من البيت الثاني.

أقول : في رواية غير الدكتور غازي «من خليل» و «والأصيل».

وذكره ابن الجوزي في المنتظم ج ٥ ص ٣٣٨.

ومن كلامه المنظوم

ما رواه جماعة :

فمنهم الشيخ محمد الخضر شيخ جامعة الأزهر في كتابه «تراجم الرجال» (ص ٢٧ المطبعة التعاونية) قال :

ونسب إليه الجاحظ ما يأتي :

الموت خير من ركوب العار

والعار خير من دخول النار

والله من هذا وهذا جاري

ومن كلامه المنظوم ما قاله في زوجته رباب

رواه جماعة :

فمنهم أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ابن الجوزي المتوفى سنة ٥٩٧ ه‍ في «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» (ج ٦ ص ٩ ط دار الكتب العلمية بيروت) قال :

٦١٩

الرباب بنت امرئ القيس : تزوجها الحسين بن علي رضي‌الله‌عنهما ، فولدت له سكينة ، وكان يحبها حبا شديدا ، ويقول :

لعمرك إنني لأحب دارا

تحل بها سكينة والرباب

أحبهما وأبذل جل مالي

وليس لعاتب عندي عتاب

وكانت الرباب معه يوم الطف ، فرجعت إلى المدينة مصابة مع من رجع ، فخطبها الأشراف من قريش ، فقالت : والله لا يكون حمو آخر بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فعاشت بعد الحسين رضي‌الله‌عنه سنة لم يظلها سقف ، فبليت وماتت كمدا.

ومنهم الفضيلة الشيخ محمد الخضر شيخ جامع الأزهر في كتابه «تراجم الرجال» (ص ٢٧ ط المطبعة التعاونية) قال :

شعره : يروى أن أخاه الحسن رضي‌الله‌عنه عاتبه في إمرأته فقال : فذكر البيتين. إلّا أن فيه : «كل مالي» و «ليس للائمي».

ومن كلامه المنظوم في الدنيا والرزق

رواه جماعة :

فمنهم الفاضل المعاصر الدكتور محمد جميل غازي في «استشهاد الحسين عليه‌السلام» (ص ١٤٧) خرجه من كتاب الحافظ ابن كثير (ط مطبعة المدني المؤسسة السعودية بمصر) قال : وأنشد بعضهم للحسين رضي‌الله‌عنه أيضا :

لئن كانت الدنيا تعدّ نفيسة

فدار ثواب الله أعلى وأنبل

وإن كانت الأبدان للموت انشئت

فقتل امرئ بالسيف في الله أفضل

وإن كانت الأرزاق شيئا مقدّرا

فقلة سعي المرء في الرزق أجمل

وإن كانت الأموال للترك جمعها

فما بال متروك به المرء يبخل

٦٢٠