إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل - ج ٣٣

آية الله السيّد شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي

قال : فما المروءة؟ قال : العفاف وإصلاح المرء ماله.

قال : فما الدنيئة؟ قال : النظر في اليسير ومنع الحقير.

قال : فما اللؤم؟ قال : احتراز المرء نفسه وبذله عرسه.

قال : فما السياحة؟ قال : البذل في العسر واليسر.

قال : فما الشح؟ قال : أن ترى ما في يديك سرفا ، وما أنفقته تلفا.

قال : فما الإخاء؟ قال : الوفاء في الشدة والرخاء.

قال : فما الجبن؟ قال : الجرأة على الصديق والنكول عن العدو.

قال : فما الغنيمة؟ قال : الرغبة في التقوى والزهادة في الدنيا.

قال : فما الحلم؟ قال : كظم الغيظ وملك النفس.

قال : فما الغنى؟ قال : رضى النفس بما قسم الله لها وإن قل ، فإنما الغنى غنى النفس.

قال : فما الفقر؟ قال : شره النفس في كل شيء.

قال : فما المتعة؟ قال : شدة البأس ومقارعة أشد الناس.

قال : فما الذل؟ قال : الفزع عند المصيبة.

قال : فما الجرأة؟ قال : موافقة الأقران.

قال : فما الكلفة؟ قال : كلامك فيما لا يعنيك.

قال : فما المجد؟ قال : أن تعطي في الغرم وأن تعفو عن الجرم ..

قال : فما العقل؟ قال : حفظ القلب كل ما استرعيته.

قال : فما الخرق؟ قال : معاداتك إمامك ورفعك عليه كلامك.

قال : فما الثناء؟ قال : إتيان الجميل وترك القبيح.

قال : فما الحزم؟ قال : طول الأناة ، والرفق بالولاة ، والاحتراس من الناس بسوء الظن ، هو الحزم.

قال : فما الشريف؟ قال موافقة الأخوان ، وحفظ الجيران.

٥٠١

قال : فما السفه؟ قال : اتباع الدناة ، ومصاحبة الغواة.

قال : فما الغفلة؟ قال : تركك المسجد ، وطاعتك المفسد.

قال : فما الحرمان؟ قال : تركك حظك وقد عرض عليك.

قال : فمن السفيه؟ قال : الأحمق في المال المتهاون بعرضه.

قال : ثم قال علي رضي‌الله‌عنه : يا بني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : لا فقر أشد من الجهل ، ولا مال أفضل من العقل ، ولا وحدة أوحش من العجب ، ولا مظاهرة أوثق من المشاورة ، ولا عقل كالتدبير ، ولا حسب كحسن الخلق ، ولا ورع كالكف ، ولا عبادة كالتفكر ، ولا إيمان كالحياء ، ورأس الايمان الصبر ، وآفة الحديث الكذب ، وآفة العلم النسيان ، وآفة الحلم السفه ، وآفة العبادة الفترة ، وآفة الطرف الصلف ، وآفة الشجاعة البغي ، وآفة السماحة المن ، وآفة الجمال الخيلاء ، وآفة الحسب الفخر.

وقال أيضا في ص ١٩٢ : أيها الناس إنه من نصح لله وأخذ قولا دليلا ، هدي للتي هي أقوم ، ووفقه الله للرشاد ، وسدده للحسنى ، فإن جار الله آمن محفوظ ، وعدوه خائف مخذول ، فاحترسوا من الله بكثرة الذكر. واخشوا الله بالتقوى ، وتقربوا إلى الله بالطاعة ، فإنه قريب مجيب ، قال الله تبارك وتعالى : (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة : ١٨٦].

فاستجيبوا لله وآمنوا به ، فانه لا ينبغي لمن عرف عظمة الله أن يتعاظم ، فان رفعة الذين يعلمون عظمة الله أن يتواضعوا ، وعز الذين يعرفون جلال الله أن يتذللوا له ، وسلامة الذين يعلمون ما قدره الله أن يستسلموا له ، ولا ينكروا أنفسهم بعد المعرفة ، ولا يضلوا بعد الهدى.

واعلموا علما يقينا أنكم لن تعرفوا التقي حتى تعرفوا صفة الهدى ، ولن تمسكوا بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذي نبذه ، ولن تتلوا الكتاب حق تلاوته حتى تعرفوا

٥٠٢

الذي أنزله ، فإذا عرفتم ذلك عرفتم البدع والتكلف ، ورأيتم الفرية على الله والتحريف ، ورأيتم كيف يهوي من يهوي ، ولا يجهلنكم الذين لا يعلمون ، والتمسوا ذلك عند أهله ، فإنهم خاصة نور يستضاء بهم وأئمة يقتدى بهم.

بهم عيش العلم وموت الجهل ، وهم الذين أخبركم حلمهم عن جهلهم ، وحكم منطقهم عن صمتهم وظاهرهم عن باطنهم ، لا يخالفون الحق ، ولا يختلفون فيه ، وقد خلت لهم من الله سنة ، ومضى فيهم من الله حكم ، وإن في ذلك لذكرى للذاكرين ، واعقلوه إذا سمعتموه عقل رعايته ، ولا تعقلوه عقل روايته ، فإن رواة الكتاب كثير ، ورعاته قليل ، والله المستعان. انتهى.

وأخرج اليعقوبي في تاريخه بسنده قال : قال معاوية للحسن رضي‌الله‌عنه : يا أبا محمد ثلاث خلال ما وجدت من يخبرني عنهن؟ قال : وما هن؟ قال : المروءة ، والكرم ، والنجدة. قال : أما المروءة : فإصلاح الرجل أمر دينه ، وحسن قيامه على ماله ، ولين الكف ، وإفشاء السلام ، والتحبب إلى الناس. والكرم : العطية قبل السؤال ، والتبرع بالمعروف ، والإطعام في المحل ، ثم النجدة الذب عن الجار ، والمحاماة في الكريهة ، والصبر عند الشدائد.

وقال جابر : سمعت الحسن رضي‌الله‌عنه يقول : مكارم الأخلاق عشر : صدق اللسان ، وصدق البأس ، وإعطاء السائل ، وحسن الخلق ، والمكافأة بالصنائع ، وصلة الرحم ، والتذمم على الجار ، ومعرفة الحق للصاحب ، وقرى الضيف ، ورأسهن الحياء. وقيل للحسن رضي‌الله‌عنه : من أحسن الناس عيشا؟ قال : من أشرك الناس في عيشه. فقيل له : من أشر الناس عيشا؟ قال : من لا يعيش في عيشه أحد.

وقال الحسن رضي‌الله‌عنه : فوت الحاجة خير من طلبها إلى غير أهلها وأشد من المصيبة سوء الخلق ، والعبادة انتظار الفرج.

ودعا الحسن بن علي بنيه وبني أخيه فقال : يا بني وبني أخي : إنكم صغار قوم وتوشكون أن تكونوا كبار قوم آخرين. فتعلموا العلم ، فمن لم يستطع منكم أن يرويه

٥٠٣

أو يحفظه فليكتبه ، وليجعله في بيته.

وقال رجل للحسن رضي‌الله‌عنه : إني أخاف الموت؟ قال : ذاك ، إنك أخرت مالك ، ولو قدمته لسرك أن تلحق به.

وقال له معاوية يوما : ما يجب لنا في سلطاننا؟ قال ما قال سليمان بن داود ، قال معاوية : وما قال سليمان بن داود؟ قال : قال لبعض أصحابه : أتدري ما يجب على الملك في ملكه ، وما لا يضره.

إذا أدى الذي عليه منه ، وإذا خاف الله في السر والعلانية ، وعدل في الغضب والرضى ، وقصد في الفقر والغنى ، ولم يأخذ الأموال غصبا ، ولم يأكلها إسرافا وبدارا ، لم يضره ما تمتع به من دنياه إذا كان ذلك من خلقه.

وقال الحسن رضي‌الله‌عنه : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إذا سأله أحد حاجة لم يرده إلّا بها وبميسور من القول.

ومر الحسن رضي‌الله‌عنه يوما وقاص يقص على باب مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال الحسن : ما أنت؟ فقال : أنا قاص يا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال : كذبت ، محمد القاص ، قال الله عزوجل : (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ) [الأعراف : ١٧٦]. قال : فأنا مذكر ، قال : كذبت ، محمد المذكر ، قال له عزوجل : (فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ) [الغاشية : ٢١]. قال : فما أنا؟ قال : المتكلف من الرجال انتهى.

ومن مواعظه رضي‌الله‌عنه : اعلموا إن الله لم يخلقكم عبثا ، وليس بتارككم سدى ، كتب آجالكم ، وقسم بينكم معاشكم ، ليعرف كل ذي لب منزلته ، وأن ما قدر له أصابه وما صرف عنه فلن يصيبه ، قد كفاكم مئونة الدنيا ، وفرغكم لعبادته ، وحثكم على الشكر ، وافترض عليكم الذكر ، وأوصاكم بالتقوى ، وجعل التقوى منتهى رضاه ، والتقوى باب كل توبة ، ورأس كل حكمة ، وشرف كل عمل. بالتقوى فاز من فاز من المتقين ، قال الله تبارك وتعالى : (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً) [النبأ : ٣١]. وقال : (وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ ، لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الزمر : ٦١]. فاتقوا الله عباد

٥٠٤

الله واعلموا أنه من يتق الله يجعل له مخرجا من الفتن ، ويسدده في أمره ويهيء له رشده ، ويفلحه ويبيض وجهه ويعطيه رغبته ، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

ومن مواعظه رضي‌الله‌عنه أنه كان رضي‌الله‌عنه ، يقول : يا ابن آدم عف عن محارم الله تكن عابدا ، وارض بما قسم الله لك تكن غنيا ، وأحسن جوار من جاورك تكن مسلما ، وصاحب الناس بمثل ما تحب أن يصاحبوك بمثله تكن عادلا. انه كان بين أيديكم قوم يجمعون كثيرا ، ويبنون مشيدا ، ويأملون بعيدا ، أصبح جمعهم بورا ، وعملهم غرورا ، ومساكنهم قبورا. يا ابن آدم إنك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمك ، فجد بما في يدك لما بين يديك فان المؤمن يتزود والكافر يتمتع. وكان يتلو هذه الآية بعدها : (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى) [البقرة : ١٩٧].

وقال رضي‌الله‌عنه في كلام له : أمتكم آخر الأمم وأنتم آخر أمتكم ، وقد أسرع بخياركم فما ذا تنتظرون؟ هيهات هيهات ، ذهبت الدنيا بحال بما لها ، وبقيت الأعمال أطواقا في أعناق بني آدم ، فيا لها موعظة لو وافقت من القلوب حياة ، إنه والله لا أمة بعد أمتكم ولا نبي بعد نبيكم ، ولا كتاب بعد كتابكم ، وأنتم تسوقون الناس والساعة تسوقكم ، وإنما ينتظر بأولكم أن يلحق آخركم. من رأى محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقد رآه غاديا رائحا ، لم يضع لبنة على لبنة ، ولا قصبة على قصبة ، رفع له علم فشمر إليه ، فالوحا الوحا ، والنجاء النجاء ، علام تعرجون؟ أسرع بخياركم ، وأنتم كل يوم ترذلون. لقد صحبت أقواما كانت صحبتهم قرة العين ، وجلاء الصدور ، وكانوا من حسناتهم أن ترد عليهم أشفق منكم من سيئاتكم أن تعذبوا عليها ، وكانوا فيما أحل الله لهم من الدنيا أزهد منكم فيما حرم الله عليكم. إني أسمع حسيسا ، ولا أرى أنيسا ، ذهب الناس ، وبقيت النسناس ، ولو تكاشفتم ما تدافنتم ، تهاديتم الأطباق ، ولم تهادوا النصائح ـ يا ابن آدم ، ان دين الله ليس بالتحلي ولا بالتمني ، ولكنه ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال انتهى.

٥٠٥

ومن كلامه رضي‌الله‌عنه : لا أدب لمن لا عقل له ، ولا مودة لمن لا همة له ، ولا حياء لمن لا دين له ، ورأس العقل معاشرة الناس بالجميل وبالعقل تدرك الدين جميعا ، ومن حرم العقل حرمهما جميعا انتهى.

وقال رضي‌الله‌عنه : هلاك الناس في ثلاث : في الكبر ، والحرص ، والحسد. فالكبر : هلاك الدين ، وبه لعن إبليس. والحرص : عدو النفس ، وبه أخرج آدم من الجنة. والحسد : رائد السوء ، ومنه قتل قابيل هابيل انتهى.

وقال رضي‌الله‌عنه : دخلت على علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، وهو يجود بنفسه لما ضربه ابن ملجم فجزعت لذلك. فقال لي أتجزع؟ فقلت وكيف لا أجزع وأنا أراك على هذه الحالة؟ فقال يا بني : احفظ عني خصالا أربعا ، إن أنت حفظتهن نلت بهن النجاة : يا بني لا غنى أكثر من العقل ، ولا فقر مثل الجهل ، ولا وحشة أشد من العجب ، ولا عيش ألذ من حسن الخلق .. واعلم أن مروءة القناعة والرضا أكبر من مروءة الإعطاء ، وتمام الصنيعة خير من ابتدائها انتهى.

وقال رضي‌الله‌عنه : حسن السؤال نصف العلم .. وقال من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه .. وسئل عن الصمت فقال : هو ستر الغي ، وزين العرض وفاعله في راحة وجليسه في أمن ..

أغن عن المخلوق بالخالق

تغن عن الكاذب والصادق

واسترزق الرحمن من فضله

فليس غير الله بالرازق ..

من ظن أن الناس يغنونه

فليس بالرحمن بالواثق ..

من ظن أن الرزق من كسبه

زلت به النعلان من حالق

وأخرج أبو نعيم عن الأعمش ، قال معاوية للحسن رضي‌الله‌عنه : ما المروءة يا أبا محمد؟ .. فقال رضي‌الله‌عنه : فقه الرجل في دينه وصلاحه ، وإصلاح معيشته ، وحسن مخالفته .. وفي رواية : حفظ الرجل دينه وإحراز نفسه من الدنس ، وقيامه بضيفه ، وأداء الحقوق وإفشاء السلام .. قال فما النجدة؟ قال : التبرع بالمعروف ،

٥٠٦

والإعطاء قبل السؤال ، والإطعام في المحل ، انتهى.

وقال معاوية يوما في مجلسه : إذا لم يكن الهاشمي سخيا لم يشبه حسبه. وإذا لم يكن الزبيري شجاعا لم يشبه حسبه. وإذا لم يكن المخزومي تائها لم يشبه حسبه. وإذا لم يكن الأموي حليما لم يشبه حسبه ، فبلغ ذلك الحسن فقال : والله ما أراد الحق ولكنه أراد أن يغري بني هاشم بالسخاء فيفنون أموالهم ويحتاجون اليه. ويغري آل الزبير بالشجاعة فيفنون بالقتل. ويغري بني مخزوم بالتيه فيبغضهم الناس .. ويغري بني أمية بالحلم فيحبهم الناس. اه.

ومن كلامه رضي‌الله‌عنه قال : ما تشاور قوم إلّا هدوا إلى رشدهم.

وقال : اللؤم أن لا تشكر النعمة.

وقال : لبعض ولده : يا بني لا تؤاخ أحدا حتى تعرف موارده ومصادره ، فإذا استنبطت الخبرة ، ورضيت العثرة ، فآخه على إقالة العثرة والمواساة في العسرة.

وقال رضي‌الله‌عنه : لا تجاهد الطلب جهاد الغالب ، ولا تتكل على القدر. اتكال المستسلم ، فإن ابتغاء الفضل رزقا من السنة ، والإجمال في الطلب من العفة ، وليست العفة بدافعة رزقا ، ولا الحرص بجالب فضلا ، فإن الرزق مقسوم ، واستعمال الحرص استعمال المآثم. اه.

ثم قال رضي‌الله‌عنه : القريب من قربته المودة وإن بعد نسبه ، والبعيد من باعدته المودة وإن قرب نسبه ، لا شيء أقرب من يد إلى جسد ، وإن اليد تفل فتقطع وتحسم ..

وقال : الخير الذي لا شر فيه : الشكر مع النعمة والصبر على النازلة.

وقال : الرجل أقل من علة : إن الله قد ذكرك فاذكره وأقالك فاشكره.

وقال : عند صلحه لمعاوية : إنا والله ما ثنانا عن أهل الشام بالسلامة والصبر ، فسلبت السلامة بالعداوة ، والصبر بالجزع وكنتم في مبدئكم إلى صفين ، ودينكم أمام دنياكم ، وقد أصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم. اه.

٥٠٧

وقال : ما أعرف أحدا إلّا وهو أحمق فيما بينه وبين ربه.

وقيل له : فيك عظمة ، فقال رضي‌الله‌عنه : بل فيّ عزة ، قال الله تعالى : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) [المنافقون : ٨].

ومن كلامه رضي‌الله‌عنه : عليكم بحفظ السرائر ، فإن الله مطلع على الضمائر. وحفظ القلب هو عدم الاتجاه إلى غير الله ، وحفظ فكرك عن معصيته تعالى.

وعن الشعبي أن الحسن رضي‌الله‌عنه قال : إن أكيس الكيس التقي ، وإن أحمق الحمق الفجور. ألا وأن هذه الأمور التي اختلفت فيها أنا ومعاوية ، تركت لمعاوية إرادة إصلاح المسلمين وحقن دمائهم ..

وأخرج ابن عساكر في تاريخه قال : جاء الحسن رجل من الشام فسأله قائلا : كم بين الحق والباطل وكم بين السماء والأرض؟ وكم بين المشرق والمغرب؟ وعن هذا المحو الذي في القمر؟ وعن قوس قزح؟ وعن هذه المجرة ، وعن أول شيء انتضح على وجه الأرض؟ وعن أول شيء اهتز عليها؟ وعن العين التي تأوي إليها أرواح المؤمنين والمشركين؟ وعن المؤنث؟ وعن عشرة أشياء بعضها أشد من بعض؟ فقال الحسن رضي‌الله‌عنه : يا أخا أهل الشام ، بين الحق والباطل أربع أصابع ، ما رأيت بعينك فهو الحق ، وقد تسمع بأذنيك باطلا كثيرا. وبين السماء الأرض دعوة المظلوم ومد البصر ، فمن قال غير هذا فكذبه .. وبين المشرق والمغرب يوم مطرد للشمس حين تطلع وتنظر إليها حين تغرب ، من قال غير هذا فكذبه ، وأما هذه المجرة فهي أشراج السماء ، مهبط الماء المنهمر على نوح عليه‌السلام. وأما قوس قزح فلا تقل : فإن قزح شيطان ولكنها قوس الله وأمان من الغرق. وأما المحو الذي في القمر فإن ضوء القمر كان مثل ضوء الشمس فمحاه الله. وقال في كتابه : (فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً) [الاسراء : ١٢]. وأما أول شيء انتضح على وجه الأرض فهو وادي دلس. وأما أول شيء اهتز على وجه الأرض فهي النخلة. وأما العين التي تأوي إليها أرواح المؤمنين ، فهي عين يقال لها سلمى. وأما العين التي تأوي إليها

٥٠٨

أرواح الكافرين فهي عين يقال لها برهوت. وأما المؤنث فإنسان لا يدري : امرأة هو أو رجل فينتظر به الحلم ، فإن كانت امرأة بانت ثدياها ، وإن كان رجلا خرجت لحيته ، وإلّا قيل له يبول على الحائط فإن أصاب الحائط بوله فهو رجل ، وإن نكص كما ينكص بول البعير فهي امرأة. وأما عشرة أشياء بعضها أشد من بعض : فأشد شيء خلق الله الحجر ، وأشد من الحجر الحديد ، وأشد من الحديد النار ، وأشد من النار الماء ، وأشد من الماء السحاب ، وأشد من السحاب الريح ، وأشد من الريح الملك ، وأشد من الملك ، ملك الموت ، وأشد من ملك الموت ، الموت ، وأشد من الموت أمر الله ..

قال الشامي : أشهد أنك ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأن عليا وصي محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ثم كتب هذا الجواب ومضى به إلى معاوية وأنفذه معاوية إلى ابن الأصفر فلما أتاه قال : أشهد أن هذا ليس من عند معاوية ولا هو إلّا من معدن النبوة ..

وأخرج ابن عساكر ، واليعقوبي ، وابن كثير بسنده قال : خطب رضي‌الله‌عنه حينما قال له معاوية بعد الصلح : اذكر فضلنا : فقام وحمد الله وأثنى عليه ، وصلّى على محمد النبي وآله ، ثم قال : من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن رسول الله ، أنا ابن البشير النذير ، أنا ابن المصطفى بالرسالة ؛ أنا ابن من صلت عليه الملائكة ، أنا ابن من شرفت به الامة ، أنا ابن من كان جبريل السفير من الله إليه ، أنا ابن من بعث رحمة للعالمين (صلى‌الله‌عليه‌وسلم أجمعين). فلم يقدر معاوية أن يكتم عداوته وحسده ، فقال : يا حسن ، عليك بالرطب فانعته لنا. قال : نعم يا معاوية. الريح تلحقه ، والشمس تنفخه ، والقمر يلونه ، والحر ينضجه ، والليل يبرده ، ثم أقبل على منطقه فقال : أنا ابن المستجاب الدعوة ، أنا ابن من كان من ربه كقاب قوسين أو أدنى ، أنا ابن مكة ومنى ، أنا ابن من خضعت له قريش رغما ، أنا ابن من سعد تابعه وشقى خاذله ، أنا ابن من جعلت الأرض له طهورا ومسجدا ، أنا ابن من كانت أخبار السماء

٥٠٩

إليه تترى ، أنا ابن من أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. فقال معاوية : أظن نفسك يا حسن تنازعت إلى الخلافة؟ فقال : ويلك يا معاوية إنما الخليفة من سار بسيرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعمل بطاعة الله ، ولعمري إنا لأعلام الهدى ومنار التقى ، ولكنك يا معاوية ممن أبار السنن ، وأحيا البدع واتخذ عباد الله دخلا ، ودين الله لعبا ، فكان قد أخمل ما أنت فيه ، فعشت يسيرا ، وبقيت عليك تبعاته. يا معاوية ، والله لقد خلق الله مدينتين ، إحداهما بالمشرق ، والأخرى أسماها جابلقا أو جابلسا ، ما بعث الله إليهما أحدا غير جدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فقال معاوية : يا أبا محمد أخبرنا عن ليلة القدر؟ قال : نعم عن مثل هذا فاسأل ، إن الله خلق السموات سبعا والأرضين سبعا ، والجن من سبع والانس من سبع ، فتطلب من ليلة ثلاث وعشرين ، إلى ليلة سبع وعشرين ، ثم نهض رضي‌الله‌عنه.

وعن أبي جميلة أن الحسن بن علي رضي‌الله‌عنه حين قتل علي استخلف فبينا هو يصلي بالناس إذ وثب إليه رجل فطعنه بخنجر في وركه فتمرض منها أشهرا ثم قام فخطب على المنبر فقال : يا أهل العراق اتقوا الله فينا ، فإنا أمراؤكم وضيفانكم ، ونحن أهل البيت ، الذين قال الله عزوجل فيهم : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) [الأحزاب : ٣٣] فما زال يومئذ يتكلم حتى ما ترى في المسجد إلّا باكيا. ورواه الطبراني ورجاله ثقات.

وفيما أخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب عن الشعبي قال : لما جرى الصلح بين الحسن بن علي ومعاوية قال له معاوية : قم فاخطب الناس ، واذكر ما كنت فيه .. فقام الحسن فخطب فقال : الحمد لله الذي هدى بنا أولكم وحقن بنا دماء آخركم ، ألا أن أكيس الكيس التقي ، وأعجز العجز الفجور ، وإن هذا الأمر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية إما أن يكون أحق به مني ، وإما أن يكون حقي فتركته لله ، ولاصلاح أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحقن دمائهم. قال : ثم التفت إلى معاوية فقال : (وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) [الأنبياء : ١١١] ثم نزل. فقال عمرو لمعاوية : ما

٥١٠

أردت إلّا هذا ..

وفيما أخرجه ابن شهاب قال : لما دخل معاوية الكوفة حين سلم الأمر اليه الحسن ابن علي ، كلم عمرو بن العاص معاوية أن يأمر الحسن بن علي فيخطب الناس ، فكره ذلك معاوية ، وقال : لا حاجة بنا إلى ذلك : قال عمرو : ولكني أريد ذلك ليبدو عيه ، فإنه لا يدري هذه الأمور ما هي؟ ولم يزل بمعاوية حتى طلب من الحسن أن يخطب ، وقال له : قم يا حسن فكلم الناس فيما جرى بيننا. فقام الحسن فتشهد ، وحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم قال في بديهته : أما بعد : أيها الناس ، فإن الله هداكم بأولنا ، وحقن دماءكم بآخرنا ، وإن لهذا الأمر مدة والدنيا دول ، وإن الله عزوجل يقول : (وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) [الأنبياء : ١٠٩ ـ ١١١]. فلما قالها قال له معاوية : اجلس ، فجلس ثم قام معاوية فخطب الناس ، ثم قال لعمرو : هذا من رأيك ..

وعن عمرو بن الأعصم قال : قلت للحسن رضي‌الله‌عنه : إن الشيعة تزعم أن عليا مبعوث قبل يوم القيامة؟ فقال : كذبوا والله ، ما هؤلاء بالشيعة ، لو علمنا أنه مبعوث ما زوجنا نساءه ولا اقتسمناه ماله.

وعن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه ، قال الحسن : إن الناس يقولون أنك تريد الخلافة؟ فقال : قد كانت جماجم العرب في يدي يحاربون من حاربت ، ويسالمون من سالمت فتركتها ابتغاء وجه الله وحقن دماء أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ..

وعن الحر قال : خطب الحسن بن علي بالكوفة فقال : إن الحلم زينة ، والوقار مروءة ، والعجلة سفه ، والسفه ضعف ، ومجالسة أهل الدناءة شين ، ومخالطة أهل الفساق ريبة.

وكان علي يكرم الحسن إكراما زائدا ، ويعظمه ويجله وقد قال له يوما : يا بني ألا تخطب حتى أسمعك؟ فقال : إني أستحيي أن أخطب وأنا أراك ، فذهب علي فجلس

٥١١

حيث لا يراه الحسن ، ثم قام الحسن في الناس خطيبا ، وعلي يسمع ، فأدى خطبة بليغة فصيحة ، فلما انصرف جعل علي يقول : (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [آل عمران : ٣٤].

ومن كلامه عليه‌السلام

رواه جماعة :

منهم الشريف مسعود بن حسن بن أبي بكر القناوي الحسيني الشافعي في «فتح الرحيم الرحمن شرح نصيحة الاخوان ومرشدة الخلان ـ لان الوردي» (ص ١٢٧ ط شركة مطبعة ومكتبة مصطفى البابي وأولاده بمصر) قال :

وقال الحسن بن علي رضي الله تعالى عنه : البخل جامع المساوي والعيوب وقاطع المودّات من القلوب ، نسأله وتعالى التوفيق لما يحب ويرضى.

ومن كلامه عليه‌السلام

رواه جماعة من أعلام العامة :

فمنهم الأستاذ أحمد متولي في «منهج القرآن في بيان مسالك الشيطان» (ص ٧٦ ط ١ مطابع الاهرام بكورنيش النيل) قال :

وقال الامام الحسن رضي‌الله‌عنه : من علامات المسلم قوة في دين ، وحزم في لين ، وإيمان في يقين ، وعلم في حلم ، وكيس في رفق ، وإعطاء في حق ، وقصد في غنى ، وتجمل في فاقة وإحسان في قدرة ، وتجمل في فاقة ، وصبر في شدة ، لا يغلبه الغضب ، ولا تجمع به الحمية ولا تغلبه شهوة ، ولا تفضحه بطنه ، ولا يستخفه حرصه ، ولا تقصر به نيته ، فينصر المظلوم ويرحم الضعيف ، ولا يتجل ، ولا يبذر ولا يسرف ، ولا يقتر ، يغفر إذا ظلم ، ويعفو عن الجاهل ، نفسه منه في عناء ، والناس منه

٥١٢

في رخاء.

ومن كلامه عليه‌السلام في المروءة والنجدة والكرم في جواب معاوية

رواه جماعة :

فمنهم محمد بن محمد الغزالي في كتابه «ذم البخل وفضل السخاوة» (ص ١٠٦ ط دار الاعتصام) قال :

وسأل معاوية الحسن بن علي رضي‌الله‌عنهم ، عن المروءة ، والنجدة ، والكرم ، فقال : أما المروءة فحفظ الرجل دينه ، [وحرزه] نفسه ، وحسن قيامه بضيفه ، وحسن المسارعة والاقدام في الكراهية ، وأما النجدة فالذب عن الجار ، والصبر في المواطن ، وأما الكرم فالتبرع بالمعروف قبل السؤال ، والإطعام في المحل ، والرأفة بالسائل ، مع بذل النائل.

ومن كلامه عليه‌السلام في التفسير

رواه جماعة :

ومنهم العلامة المفسر الشيخ عماد الدين أبو الحسن علي بن محمد بن علي الطبري المشتهر بالكيا الهراسي المتولد بطبرستان سنة ٤٥٠ والمتوفى ببغداد سنة ٥٠٤ في «أحكام القرآن» (ج ٣ ـ ٤ ص ٢٣٠ ط بيروت سنة ١٤٠٥) قال :

وعن الحسن بن علي رضي‌الله‌عنهما ، أنه قضى في اللقيط أنه حر ، وقرأ : (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ).

ومن كلامه عليه‌السلام في الحسد

رواه جماعة :

٥١٣

فمنهم الشريف أحمد بن محمد الصديق الحسني الغماري الشافعي في «فتح الوهاب بتخريج أحاديث الشهاب» (ج ٢ ص ١٩٢ ط عالم الكتب ومكتبة النهضة العربية بيروت) قال :

ورواه ابن صصري في أماليه الحديثية من حديث الحسن بن علي عليهما‌السلام بلفظ : الغل والحسد يأكلان الحسنات كما تأكل النار الحطب.

ومن كلامه المنظوم

رواه جماعة :

فمنهم العلامة أبو علي الحسن بن رشيق القيرواني المولود ٣٩٠ والمتوفى ٤٥٦ ه‍ في «العمدة في محاسن الشعر وآدابه» (ج ١ ص ٩٩ ط دار المعرفة بيروت) قال :

الحسن بن علي رحمة الله عليه ، هو القائل وقد خرج على أصحابه محتضبا رواه المبرد ، وقد روي لغيره :

نسوّد أعلاها ، وتأبى أصولها

فليت الذي يسودّ منها هو الأصل

ومنهم الفاضل المعاصر طه عبد الله العفيفي في «من وصايا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله» (ج ١ ص ٧٧٩ ط دار التراث العربي بالقاهرة) قال :

عن الحسن رحمه‌الله أنه قال :

أحلام نوم أو كظل زائل

ان اللبيب بمثلها لا يخدع

كما كان الحسن بن علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنهما يتمثل كثيرا بهذا البيت :

يا أهل لذات دنيا لا بقاء لها

ان اغترار بظل زائد حمق

مستدرك

بعض خطبه عليه‌السلام

تقدم بيان بعض خطبه الشريفة في ج ١١ ص ١٩ وج ٢٦ ومواضع أخرى نقلا عن

٥١٤

العامة ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق.

ومنها الخطبة التي ألقاها بعد شهادة أبيه أمير المؤمنين عليه‌السلام

رواها جماعة :

فمنهم الحافظ إمام الحنابلة أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل المتوفى ٢٤١ ه‍ في «مسند أهل البيت» (ص ٢٧) برواية ولده عبد الله (ط مؤسسة الكتب الثقافية بيروت) قال :

حدثنا عبد الله بن أحمد قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا وكيع ، عن شريك ، عن أبي إسحاق ، عن هبيرة (قال): خطبنا الحسن بن علي ، فقال : لقد فارقكم رجل بالأمس ، لم يسبقه الأولون بعلم ، ولا يدركه الآخرون ، كان يبعثه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يبعثه بالراية ، جبرائيل عن يمينه ، وميكائيل عن شماله ، لا ينصرف حتى يفتح الله له.

وقال أيضا في ص ٢٩ : حدثنا عبد الله ، قال حدثني أبي ، قال حدثنا وكيع ، عن (شريك) ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن حبشي قال : خطبنا الحسن بن علي بعد قتل علي عليهما‌السلام فقال : لقد فارقكم رجل بالأمس ، ما سبقه الأولون بعلم ـ فذكر مثل ما تقدم بتفاوت يسير في اللفظ ـ وزاد في آخره : وما ترك من صفراء ولا بيضاء ، إلّا سبعمائة درهم من عطاياه ، كان يرصدها لخادم أهله.

ومنهم الفاضل الدكتور دوايت. رونلدسن في «عقيدة الشيعة» تعريب : ع ، م (ص ٨٤ ط مؤسسة المفيد بيروت) قال :

ودفن علي عليه‌السلام ليلا وصلّى عليه السحن عليه‌السلام وكبر خمسا فلم يعلم أحد أين دفن ـ قالوا ولما توفى علي خرج الحسن إلى المسجد الأعظم فاجتمع الناس اليه فبايعوه. ثم خطب الناس فقال : أفعلتموها؟ قتلتم أمير المؤمنين أما والله لقد قتل في الليلة التي نزل فيها القرآن ورفع فيها الكتاب وجف القلم وفي التي قبض فيها موسى بن

٥١٥

عمران وعرّج فيها بعيسى.

ومنهم العلامة الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى التميمي الموصلي المتوفى ٣٠٧ ه‍ في «مسند أبي يعلى» (ج ١٢ ص ١٢٥ ط دار المأمون للتراث دمشق) قال :

حدثنا السامي ، حدثنا سكين بن عبد العزيز ، حدثنا جعفر ، عن أبيه ، عن جده قال : لما قتل علي ، قام حسن بن علي خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد ، والله لقد قتلتم الليلة رجلا في ليلة نزل فيها القرآن ، وفيها رفع عيسى بن مريم ، وفيها قتل يوشع بن نون فتى موسى عليه‌السلام.

حدثنا إبراهيم بن الحجاج ، حدثنا سكين قال : وحدثني أبي ، عن خالد بن جابر ، عن أبيه عن الحسن بن علي ، مثل هذا ، وزاد فيه ، وفيها تيب على بني إسرائيل. وقال : والله ما سبقه أحد كان قبله ، ولا لحقه أحد كان بعده وإن كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليبعثه في السرية وجبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره. والله ما ترك صفراء ولا بيضاء إلّا ثمان مائة ، أو سبع مائة درهم أرصدها لخادم يشتريها.

ومنهم جماعة من فضلاء لجنة الزهراء للأعلام العربي في «العشرة المبشرون بالجنة في طبقات ابن سعد» (ص ٢٠٧ ط ٣ الزهراء للاعلام العربي القاهرة) قال :

قال : أخبرنا عبد الله بن نمير وعبيد الله بن موسى قالا أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن أبي إسحاق عن هبيرة بن يريم قال : سمعت الحسن بن علي قام يخطب الناس فقال : يا أيها الناس لقد فارقكم أمس رجل ما سبقه الأولون ولا يدركه الآخرون ، لقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يبعثه المبعث فيعطيه الراية فما يرد حتى يفتح الله عليه ، إن جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره ، ما ترك صفراء ولا بيضاء ، إلّا سبعمائة درهم فضلت من عطائه أراد أن يشتري بها خادما.

قال : أخبرنا عبد الله بن نمير عن الأجلح عن أبي إسحاق عن هبيرة بن يريم قال : لما توفى علي بن أبي طالب قام الحسن بن علي فصعد المنبر فقال : أيها الناس ، قد

٥١٦

قبض الليلة رجل لم يسبقه الأولون ولا يدركه الآخرون ، قد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يبعثه المبعث فيكتنفه جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله فلا ينثني حتى يفتح الله له ، وما ترك إلّا سبعمائة درهم أراد أن يشتري خادما ولقد قبض في الليلة التي عرج فيها بروح عيسى بن مريم ليلة سبعة وعشرين من رمضان.

ومنهم الفاضل المعاصر إبراهيم محمد الجمل في «مواعظ الصحابة في الدين والحياة» (ص ٨٤ ط الدار المصرية اللبنانية) قال :

عن هبيرة قال : لما توفى علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه قام الحسن بن علي رضي‌الله‌عنهما فصعد المنبر فقال : أيها الناس! قد قبض الليلة رجل لم يسبقه الأولون ، ولا يدركه الآخرون ، قد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يبعثه المبعث فيكتنفه جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله ، فلا ينثني حتى يفتح الله له ، وما ترك إلّا سبعمائة درهم أراد أن يشتري بها خادما ، ولقد قبض في الليلة التي عرج فيها بروح عيسى بن مريم ليلة سبع وعشرين من رمضان.

وزاد في رواية ما ترك صفراء ولا بيضاء إلّا سبعمائة درهم فضلت من عطائه انتهى.

عن الحسن رضي‌الله‌عنه أنه لما قتل علي رضي‌الله‌عنه قام خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد : والله لقد قتلتم الليلة رجلا في ليلة نزل فيها القرآن ، وفيها رفع عيسى بن مريم عليه‌السلام ، وفيها قتل يوشع بن نون فتى موسى عليه‌السلام ، وفيها تيب على بني إسرائيل انتهى.

ومنهم الفاضل المعاصر محمد عثمان الخشت في «خطب الصحابة ومواعظهم (ص ١٣٩ ط المختار الإسلامي القاهرة) قال :

أخرج ابن سعد عن هبيرة ـ فذكر مثل ما تقدم عن «العشرة المبشرون» الحديث الثاني.

وقال أيضا : وعند أبي يعلى ، وابن جرير ، وابن عساكر ، عن الحسن كما في

٥١٧

المنتخب (ج ٥ ص ١٦١) أنه لما قتل علي رضي‌الله‌عنه قام خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد ، والله لقد قتلتم الليلة رجلا في ليلة نزل فيها القرآن ، وفيها رفع عيسى بن مريم عليه‌السلام ، وفيها قتل يوشع بن نون فتى موسى عليه‌السلام ، وفيها تيب على بني إسرائيل.

وأخرجه الطبراني ، عن أبي الطفيل ، فذكر بمعنى روايتي ابن سعد ورواية أبي يعلى وغيره ، وزاد : ثم قال : من عرفني فقد عرفني ؛ ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم تلا هذه الآية قول يوسف : (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ). ثم أخذ في كتاب الله ، ثم قال : أنا ابن البشير! أنا ابن النذير! وأنا ابن النبي! أنا ابن الداعي إلى الله بإذنه! وأنا ابن السراج المنير! وأنا ابن الذي أرسل رحمة للعالمين! وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا! وأنا من أهل البيت الذي افترض الله عزوجل مودتهم وولايتهم فقال فيما أنزل على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى).

قال الهيثمي : رواه الطبراني في الأوسط والكبير باختصار ، وأبو يعلى باختصار ، والبزار بنحوه ، إلّا أنه قال : ويعطيه الراية فإذا حمّ الوغى فقاتل جبريل عن يمينه وقال : وكانت إحدى وعشرين من رمضان ، ورواه أحمد باختصار كثير وإسناد أحمد وبعض طرق البزار والطبراني في الكبير حسان ـ انتهى.

ومنهم محمد رضا أمين مكتبة جامعة فؤاد الأول سابقا في «الحسن والحسين سبطا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» (ط دار الكتب العلمية بيروت) قال :

لما توفي علي رضي‌الله‌عنه خرج الحسن إلى المسجد الأعظم فاجتمع الناس إليه فبايعوه ثم خطب الناس فقال : أفعلتموها. قتلتم أمير المؤمنين. أما والله لقد قتل في الليلة التي نزل فيها القرآن ورفع فيها الكتاب وجف القلم. وفي الليلة التي قبض فيها موسى بن عمران وعرج فيها بعيسى.

٥١٨

ومنهم العلامة الحافظ أبو حاتم محمد بن أحمد التميمي البستي المتوفى سنة ٣٥٤ ه‍ في «السيرة النبوية وأخبار الخلفاء» (ص ٥٥٣ ط مؤسسة الكتب الثقافية دار الفكر بيروت) قال :

ثم قام الحسن بعد دفن أبيه خطيبا في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ـ فذكر مثل ما تقدم عن «مسند أبي يعلى» ثانيا.

ومنهم عدة من الفضلاء في «فهرس أحاديث وآثار المستدرك على الصحيحين» للحاكم النيسابوري (القسم ٢ ص ٣٤١ ط عالم الكتب بيروت) قالوا :

خطب الحسن بن علي الناس ... معرفة الصحابة / الحسن ٣ / ١٧٢.

لقد قبض في هذه الليلة. معرفة الصحابة / الحسن ٣ / ١٧٢.

ومن خطبة له عليه‌السلام

رواها جماعة :

فمنهم محمد رضا ـ أمين مكتبة جامعة فؤاد الأول سابقا في كتاب «الحسن والحسين سبطا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم» قال :

وكان علي رضي‌الله‌عنه اعتل فأمر ابنه الحسن رضي‌الله‌عنه أن يصلي بالناس يوم الجمعة. فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : إن الله لم يبعث نبيا إلّا اختار له نفسا ورهطا وبيتا. فو الذي بعث محمدا بالحق لا ينتقص من حقنا أهل البيت أحد إلّا نقصه الله من عمله مثله. ولا يكون علينا دولة إلّا وتكون لنا العاقبة. ولتعلمن نبأه بعد حين.

٥١٩

ومن خطبة له عليه‌السلام

رواها جماعة :

فمنهم الفاضل المعاصر محمد عثمان الخشت في «خطب الصحابة ومواعظهم» (ص ١٤٠ ط المختار الإسلامي القاهرة) قال :

وأخرج الطبراني في الكبير ، عن الشعبي ، قال : شهدت الحسن بن علي رضي‌الله‌عنهما ، حين صالحه معاوية ، فقال له معاوية : إذا كان ذا فقم فتكلم وأخبر الناس أنك قد سلمت هذا الأمر لي ـ وربما قال سفيان : أخبر الناس بهذا الأمر الذي تركته ـ فقام فخطب على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ـ قال الشعبي : وأنا أسمع ـ ثم قال : أما بعد ، فإن أكيس الكيس التقي ، وإن أحمق الحمق الفجور ، وإن هذا الأمر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية ، أما كان حقا لي تركته لمعاوية إرادة صلاح هذه الامة وحقن دمائهم ، أو يكون حقا كان لامرئ أحق به مني ففعلت ذلك ، (وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ).

ومنهم إبراهيم محمد الجمل في «مواعظ الصحابة في الدين والحياء» (ص ٨٦ ط الدار المصرية) قال :

عن الشعبي قال : شهدت الحسن بن علي رضي‌الله‌عنهما حين صالحه معاوية ـ فذكر مثل ما تقدم عن محمد عثمان بعينه.

ومنهم المولوي علي بن سلطان محمد القاري في «شرح الشفاء» (ج ٣ ص ١٨٦ ط بيروت) قال :

فذكر مثل ما تقدم عن محمد عثمان إلّا أن فيه : وإن أعجز العجز الفجور ألا ، ... فذكر البقية باختلاف يسير في اللفظ ، وقال في آخره : استغفر ونزل.

وقال إبراهيم محمد الجمل في كتابه المذكور أيضا :

٥٢٠