إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل - ج ٣٢

آية الله السيّد شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي

لأخبرتكم بما سبق من الفضل لمن قتلهم ، قلت : أو سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قال : إي ورب الكعبة ، إي ورب الكعبة ، حتى قالها ثلاثا.

وقال أيضا في ص ٨٧ :

أخبرنا أبو علي إسماعيل ، ثنا أحمد ، ثنا عبد الرزاق ، أنا النوري ، عن أبيه ، عن ابن أبي نعم ، عن أبي سعيد الخدري قال : بعث علي رضي‌الله‌عنه وهو باليمن إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بذهبية في تربتها ، فقسمها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين زيد الطائي ، ثم أحد بني النبهان وبين الأقرع بن حابس الحنظلي ، ثم أحد بني مجاشع

__________________

وسلّم يقول : يخرج قوم من أمتي يقرؤن القرآن وآية ذلك : أن فيهم رجلا له عضد ، ليس له ذراع ، فقال علي : التمسوا فيهم المخدج ، فالتمسوه ، فلم يجدوه ، فقام علي بنفسه ، حتى أتى ناسا ، قد قتل بعضهم على بعض ، قال : أخروهم ، فوجدوه مما يلي الأرض ، فكبر ثم قال : صدق الله ، وبلغ رسوله. قال : فقام إليه عبيدة السلماني ، فقال : يا أمير المؤمنين ، الله الذي لا إله إلا هو .. الحديث.

وفي رواية لأبي داود ، عن أبي الوضيء ، قال : قال علي اطلبوا المخدج ، فذكر الحديث. قال أبو مريم : وكان المخدج يسمى نافعا ، ذا الثدية ، وكان في يده مثل ثدي المرأة ، وعلى رأسه حلمة مثل حلمة الثدي ، عليه شعيرات مثل سبالة السنور. رواه مسلم في الزكاة ، باب التحريض على قتل الخوارج ، حديث رقم : (١٠٦٦) ، وأبو داود في السنة ، باب في قتال الخوارج ، حديث رقم : (٤٧٦٩ ـ ٤٧٧٠).

ورواية عبيدة بن عمرو السلماني عن علي : أنه ذكر الخوارج فقال : فيهم رجل مخدج اليد .. الحديث. رواه مسلم في الزكاة ، باب التحريض على قتل الخوارج ، حديث رقم : (١٠٦٦) ، ورواه النسائي في كتاب خصائص الإمام علي رضي‌الله‌عنه بروايات مختلفة : (١٢٥ ـ ١٣٣).

وروي من أوجه عدة أعرض عن ذكرها خشية الإطالة. وسيأتي في باب الواثلي في ترجمة أبو المؤمن الواثلي (ص : ٢٩٩٢ ـ ٢٩٩٣).

٥٤١

وبين عيينة بن حصن ، وبين علقمة بن علاثة العامري ، ثم أحد بني كلاب ، فبغضت قريش ، وقالوا : يعطي صناديد أهل نجد ويدعنا ، قال : إنما أتألفهم ، فجاء رجل غائر العينين ، ناتئ الجبين ، مشرف الوجنتين ، كث اللحية محلوق الرأس ، فقال : اتق الله عزوجل يا محمد ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فمن يتقى الله إذا عصيته ، أيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني. قال فسأل رجل من القوم قتله ، قال : أراه خالد بن الوليد ، فمنعه. قال : فلما ولى الرجل ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن من ضئضئ هذا قوما يقرؤن القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، يقتلون أهل الإسلام ، ويدعون أهل الأوثان ، لئن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد.

أخبرنا أبو علي إسماعيل ، ثنا أحمد ، ثنا عبد الرزاق ، أنا سفيان بن عيينة ، عن العلاء بن أبي العباس ، عن أبي الطفيل ، عن بكر بن قراوش ، عن سعد قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : شيطان الردهة يحتدره رجل من بجيلة راعي الخيل ، أو راع للخيل ، علامة سوء في قوم ظلمة. قال أبو علي : قال الرمادي : قال : أنا عبد الرزاق في موضع آخر وأعاد هذا الحديث قال : يقال له : الأشهب أو ابن الأشهب.

وقال أيضا في ص ٩٠ :

أخبرنا أبو علي إسماعيل ، ثنا أحمد ، ثنا عبد الرزاق ، أنا عبد الملك بن أبي سليمان ، ثنا سلمة بن كهيل ، أخبرني زيد بن وهب الجهني أنه كان في الجيش الذين كانوا مع علي الذين تباروا إلى الخوارج ، فقال علي : أيها الناس إني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : يخرج من أمتي قوم يقرءون القرآن ، ليست قراءاتكم إلى قراءتهم بشيء ، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء ، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء ، يقرءون القرآن لا تجاوز صلاتهم تراقيهم ، يمرقون من الإسلام كما

٥٤٢

يمرق السهم من الرمية ، ولو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضى لهم على لسان نبيهم ، لنكلوا عن العمل ، وآية ذلك أن فيهم رجلا له عضد ، وليس له ذراع على رأس عضده مثل حلمة ثدي المرأة عليها شعيرات بيض.

أفتذهبون إلى معاوية وأهل الشام ، وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم وأموالكم؟ وإني لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم ، فإنهم سفكوا الدم الحرام وأغاروا في سرح الناس ، فسيروا على اسم الله عزوجل. قال سلمة : فنزلت وزيد بن وهب منزلا ، حتى قال : مررنا على قنطرة ، فلما التقينا ، وعلى الخوارج يومئذ عبد الله بن وهب الراسبي ، فقال لهم : ألقوا الرماح ، وسلوا سيوفكم من جفونها ، فإني أخاف أن يناشدوكم كما ناشدوكم يوم حروراء فرجعتم ، قال : فوحشوا برماحهم ، وسلوا السيوف ، وشجرهم الناس برماحهم. قال : وقتل بعضهم على بعض ، وما أصيب من الناس يومئذ إلا رجلان ، فقال علي : التمسوا فيه المخدج فلم يجدوه ، فقام علي بنفسه فالتمسه فوجده. فقال : صدق الله ، وبلغ رسوله ، فقام إليه عبيدة السلماني فقال : يا أمير المؤمنين ، الله الذي لا إله هو لسمعت هذا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قال : إي والله الذي لا إله إلا هو ، حتى استحلفه ثلاثا وهو يحلف له.

ومنهم الأستاذ محمد المنتصر الكتاني الأستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة في «معجم فقه السلف عترة وصحابة وتابعين» (ج ٢ ص ١٠١ ط مطابع الصفا بمكة المكرمة) قال :

وعن علي بن أبي طالب : أنه لما وجد ذو الثدية في القتلى سجد. قال ابن حزم : إذ عرف أنه في الحزب المبطل ، وأنه هو المحق.

ومنهم العلامة الشريف أبو الطيب صديق بن حسن بن علي الحسيني القنوجي البخاري المتوفى سنة ١٣٠٧ في «الروضة الندية شرح الدرر البهية» (ج ٢ ص ٣٦٠ ط بيروت سنة ١٤٠٦) قال :

٥٤٣

أقول : وأما الكلام فيمن حارب عليا كرم الله وجهه فلا شك ولا شبهة أن الحق بيده في جميع مواطنه ، أما طلحة والزبير ومن معهم فلأنهم قد كانوا بايعوه فنكثوا بيعته بغيا عليه وخرجوا في جيوش من المسلمين فوجب عليه قتالهم ، وأما قتاله للخوارج فلا ريب في ذلك والأحاديث المتواترة قد دلت على أنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية.

ومنهم الفاضل الأمير أحمد حسين بهادر خان الحنفي البريانوي الهندي في كتابه «تاريخ الأحمدي» (ص ١٩٩ ط بيروت سنة ١٤٠٨) قال :

أخرج النسائي في الخصائص ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه ذكر أناسا في أنه يخرجون في فرقة من الناس يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية هم أشد الخلق.

وفي حديث آخر : فذكر من صلاتهم وزكاتهم وصومهم.

وقال : يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية لا يجاوز القرآن من تراقيهم لقاتلهم أقرب الناس إلى الحق. وفي حديث آخر : آيتهم رجل أسود أحد عضديه مثل ثدي المرأة يخرجون على خير فرقة من الناس. قال أبو سعيد : فأشهد أني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه ، فأمر بذلك الرجل فالتمس فوجد فأتي به حتى نظرت إليه على النعت الذي نعته به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ومنهم العلامة المعاصر الشيخ محمد العربي التباني الجزائري المكي في «تحذير العبقري من محاضرات الخضري» (ج ٢ ص ٨) قال :

وأحاديث الخوارج الصحيحة في رواية : هم شرار أمتي تقتلهم خيار أمتي.

وفي حديث : هم شرّ الخلق والخليقة.

٥٤٤

وقال في ص ٨٤ :

أخرج ابن ماجة في سننه ، عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال : شرّ قتلى قتلوا تحت أديم السماء وخير قتلى قتلوا ، كلاب أهل النار قد كان هؤلاء مسلمين فصاروا كفارا. قال أبو غالب : قتلت : يا أبا أمامة هذا شيء تقوله؟ قال : بل سمعته من رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم اه.

وقال الحافظ ابن حجر في فتحه في كتاب «استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم» ج ١٢ ، شارحا أثر ابن عمر الذي ذكره الإمام البخاري وهو : وكان ابن عمر يراهم ـ يعني الخوارج ـ شرار خلق الله ، وقال : إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين. قلت : وسنده صحيح.

وقد ثبت في الحديث الصحيح المرفوع عند مسلم من حديث أبي ذر في وصف الخوارج (هم شرار الخلق والخليقة). وعند أحمد بسند جيد عن أنس مرفوعا مثله ، وعند البزار من طريق الشعبي عن مسروق عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : ذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الخوارج فقال : هم شرار أمتي يقتلهم خيار أمتي ، وسنده حسن.

وعند الطبراني من هذا الوجه مرفوعا : هم شرار الخلق والخليقة يقتلهم خير الخلق والخليقة ، وفي حديث أبي سعيد عند أحمد : هم شر البرية وفي رواية عبيد الله بن أبي رافع عن علي عند مسلم من أبغض خلق الله إليه.

وفي حديث عبد الله بن خباب عن أبيه عند الطبراني : شر قتلى أظلتهم السماء وأقلتهم الأرض ، وفي حديث أبي أمامة نحوه ، وعند أحمد وابن أبي شيبة من حديث أبي بردة مرفوعا في ذكر الخوارج شر الخلق والخليقة يقولها ثلاثا. وعند ابن أبي شيبة من طريق عمير بن إسحاق عن أبي هريرة هم شر الخلق ، وهذا مما يؤيد قول من قال بكفرهم اه ـ.

ثم قال الحافظ في آخر باب يتعلق بهم ما نصه : قال الطبري : وروى هذا الحديث

٥٤٥

في الخوارج عن علي تاما ومختصرا عبيد الله بن أبي رافع وسويد بن غفلة وعبيدة بن عمرو وزيد بن وهب وكليب الجرمي وطارق بن زياد وأبو مريم. قلت : وأبو الوضي وأبو كثير وأبو موسى وأبو وائل في «مسند إسحاق بن راهويه» والطبراني وأبو جحيفة عند البزار وأبو جعفر الفراء مولى علي ، أخرجه الطبراني في «الأوسط» وكثير بن نمير وعاصم بن ضمرة.

قال الطبري : ورواه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع علي بن أبي طالب أو بعضه عبد الله بن مسعود وأبو زيد وابن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص وابن عمر وأبو سعيد الخدري وأنس بن مالك وحذيفة وأبو بكرة وعائشة وجابر وأبو برزة وأبو أمامة وعبد الله بن أبي أوفى وسهل بن حنيف وسلمان الفارسي. قلت : ورافع بن عمرو وسعد بن أبي وقاص وعمار بن ياسر وجندب بن عبد الله البجلي وعبد الرحمن ابن عديس وعقبة بن عامر وطلق بن علي وأبو هريرة. أخرجه الطبراني في «الأوسط» بسند جيد من طريق الفرزدق الشاعر أنه سمع أبا هريرة وأبا سعيد وسألهما فقال : إني رجل من أهل المشرق وإن قوما يخرجون علينا يقتلون من قال لا إله إلا الله ويؤمنون من سواهم ، فقالا لي : سمعنا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : من قتلهم فله أجر شهيد ومن قتلوه فله أجر شهيد. فهؤلاء خمسة وعشرون نفسا من الصحابة والطرق إلى كثرتهم متعددة كعلي وأبي سعيد وعبد الله بن عمر وأبي بكرة وأبي برزة وأبي ذر ، فيفيد مجموعها القطع بصحة ذلك عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اه ـ.

ومنهم الحافظ الشيخ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد السيوطي المتوفى سنة ٩١١ في كتابه «مسند علي بن أبي طالب» (ج ١ ص ٥٠ ط المطبعة العزيزية بحيدرآباد ، الهند) قال :

عن عبيد الله بن عياض بن عمر القاري قال : جاء عبد الله بن شداد فدخل على عائشة ونحن عندها جلوس مرجعه من العراق ليالي قتل علي فقالت له : يا عبد الله بن شداد ،

٥٤٦

هل أنت صادقي عما أسألك عنه؟ حدثني عن هؤلاء القوم الذين قتلهم علي. قال : إن عليا لما كاتب معاوية وحكم الحكمين خرج عليه ثمانية آلاف من قراء الناس فنزلوا أرضا يقال لها حروراء من جانب الكوفة وإنهم عتبوا عليه فقالوا : انسلخت من قميص ألبسكه الله واسم سماك [الله تعالى] به ثم انطلقت فحكمت في دين الله ولا حكم إلا لله ، فلما بلغ عليا ما عتبوا عليه وفارقوه [عليه] فأمر مؤذنا فأذن أن لا يدخل على أمير المؤمنين إلا رجل قد حمل القرآن ، فلما أن امتلأت الدار من قراء الناس دعا بمصحف إمام عظيم فوضعه بين يديه فجعل يصكه بيده ويقول : أيها المصحف حدّث الناس ، فقالوا : يا أمير المؤمنين ، ما تسأل عنه فإنما هو مداد في ورق ونحن نتكلم بما روينا منها فما تريد؟ قال : أصحابكم هؤلاء الذين خرجوا بيني وبينهم كتاب الله يقول الله في كتابه في امرأة ورجل (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما) فأمة محمد أعظم دما وحرمة من امرأة ورجل ، ونقموا علي أن كاتبت معاوية كتب علي بن أبي طالب وقد جاءنا سهيل بن عمرو ونحن مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالحديبية حين صالح قومه قريشا فكتب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : بسم الله الرحمن الرحيم ، قال سهيل : لا تكتب بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فكيف نكتب؟ فقال : اكتب : باسمك اللهم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أكتب محمد رسول الله. فقال سهيل : لو أعلم أنك رسول الله لم أخالفك. فكتب : هذا ما صالح محمد بن عبد الله قريشا ، والله تعالى يقول في كتابه : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (حم ، والعدني ع ، ق كر ، ص).

ومنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة ٧١١ في «مختصر تاريخ دمشق» لابن عساكر (ج ١٨ ص ٥١ ط دار الفكر) قال :

خرج عبد الله بن شداد بن الهاد على عائشة مرجعه من العراق ليالي قتل علي ،

٥٤٧

فقالت : يا عبد الله بن شداد ، هل أنت صادقي عما أسألك عنه؟ قال : وما لي لا أصدقك؟ قالت : فحدثني عن قصتهم قال ـ فذكر الحديث مثل ما تقدم عن السيوطي بتفاوت يسير في اللفظ ، إلى «أسوة حسنة» فزاد :

فبعث إليهم عبد الله بن عباس فخرجت معه ، حتى توسطنا عسكرهم ـ فقال عبد الله ابن شداد ـ : فقام ابن الكواء فخطب الناس فقال : يا حملة القرآن ، إن هذا عبد الله بن عباس ، فمن لم يكن يعرفه فأنا أعرفه من كتاب الله ، هو الذي نزل فيه وفي قومه : (بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) فردوه إلى صاحبه ، ولا تواضعوا كتاب الله ، فقام خطباؤهم فقالوا : بلى والله لنواضعنه كتاب الله فإن جاء بحق نعرفه اتبعناه ، وإن جاء بباطل لنبكتنه بباطله ولنردنه إلى صاحبه.

فواضعوا عبد الله الكتاب ثلاثة أيام ، قالوا : كيف قلت يا ابن عباس؟ قال : قلت : ما الذي تتكلمون على صهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وابن عمه؟ قالوا : ثلاث خصال. قال : فما هن؟ قالوا : أما واحدة فإنما قاتل ولم يسب ، ولم يغنم ، فإن كان القوم كفارا فقد أحلّ الله دماءهم ونساءهم ، وإن كانوا غير ذلك فبم استحل ما صنع بهم؟ وأما الثانية فإنه حكم الرجال في أمر الله ، وفي دين الله ، فما للرجال والحكم في دين الله بعد قوله : (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) وأما الثالثة فانه محا نفسه ، وهو أمير المؤمنين ، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين. قال ابن عباس : هل عندكم غير هذا؟ قالوا : حسبنا خصلة من هذه الخصال ، قال : فإن أنا أتيتكم من كتاب الله ما ينقض قولكم هذا فترجعون؟ قالوا : نعم ، قال : فإن الله قد صير مع حكمه حكم الرجال في كتابه ما لا يقبل غيره (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) وقال في آية أخرى : (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما) أخرجت لكم من هذه؟ قالوا : نعم.

٥٤٨

وأما قولكم : قاتل ولم يسب ولم يغنم فأيكم كان يسبي عائشة ، فإن قلتم : إنما نستحل منها ما نستحل من المشركات بعد قول الله تعالى : (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) فقد خرجتم من الإسلام ، فأنتم بين ضلالتين ، فأخرجوا من إحداهما إن كنتم صادقين ، قال : أخرجت من هذه؟ قالوا : نعم.

وأما قولكم : إنه محا اسمه وهو أمير المؤمنين ، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين ، فأنا آتيكم برجال ممن ترضون ، إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الموادعة كتب : هذا ما اصطلح عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبو سفيان وسهيل بن عمرو فمحو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد الوحي والنبوة أعظم أو محو علي بن أبي طالب نفسه يوم الحكمين؟ قالوا : بل محو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال : أخرجت من هذه؟ قالوا : نعم.

قال عبد الله بن شداد : فرجع منهم أربعة آلاف فيهم ابن الكواء حتى أدخلناهم على علي بالكوفة ، فبعث علي إلى بقيتهم ، فقال : قد كان من أمرنا وأمر الناس ما قد رأيتم ، فاعتزلوا حيث شئتم حتى تجتمع أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتوجهوا منها حيث شئتم ، بيننا وبينكم أن تسفكوا دما حراما ، أو تقطعوا سبيلا ، أو تظلموا الأمة ، فإنكم إن فعلتم فقد نبذنا إليكم الحرب على سواء (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ).

فقالت عائشة : يا بن شداد ، فلم قتلهم؟ قال : فو الله ما بعث إليهم حتى قطعوا السبل ، وسفكوا الدم ، واستحلوا أهل الذمة ، قالت : الله الذي لا إله إلا هو لقد كان؟ قال : نعم ، قالت : فما شيء بلغني عن أهل العراق يتحدثون : ذو الثدية؟ قال : قد رأيته وقمت عليه مع علي في القتلى فدعا الناس فقال : هل تعرفون هذا؟ فما أكثر من قال : رأيته في مسجد بني فلان يصلي ، ورأيته في مسجد بني فلان يصلي ، قالت : فما قال علي حين قام عليه كما يزعم أهل العراق. قال : سمعته يقول : صدق الله ورسوله ، قالت : نعم ، صدق الله ورسوله ، رحم الله عليا لئن كان

٥٤٩

من قوله إذا رأى شيئا يعجبه قال : صدق الله ورسوله ، قال : فذهب أهل العراق يكذبون عليه ويزيدون عليه الحديث.

ومنهم العلامة الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى التميمي الموصلي المتوفى سنة ٣٠٧ في «مسند أبي يعلى» (ج ١ ص ٣٦٧ ط دار المأمون للتراث ـ دمشق) قال :

حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل ، حدثنا يحيي بن سليم ، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن عبيد الله بن عياض بن عمرو القاري ، أنه جاء عبد الله بن شداد فدخل على عائشة ونحن عندها جلوس ، مرجعه من العراق ، ليالي قتل علي بن أبي طالب.

فقالت له : يا ابن شداد بن الهاد ، هل أنت صادقي عما أسألك عنه؟ حدثني عن القوم الذين قتلهم علي. قال : وما لي لا أصدقك؟ قالت : فحدثني عن قصتهم. قال : فإن علي بن أبي طالب لما كاتب معاوية ، وحكم الحكمان خرج عليه ثمانية آلاف من قراء الناس فنزلوا بأرض يقال لها : حروراء من جانب الكوفة وأنهم عتبوا عليه فقالوا : انسلخت من قميص كساكه الله ـ فذكر مثل ما تقدم عن «مختصر تاريخ دمشق».

وقال السيوطي أيضا في المسند ص ١٣٤ :

عن زيد بن وهب الجهني أنه كان في الجيش الذين كانوا مع علي الذين ساروا إلى الخوارج فقال علي رضي‌الله‌عنه : أيها الناس إني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : يخرج قوم من أمتي يقرءون القرآن ليست قراءتكم إلى قراءتهم شيئا ولا صلاتكم إلى صلاتهم ولا صيامكم إلى صيامهم شيئا ، يقرءون القرآن ، يحسبونه أنه لهم وهو عليهم لا تجاوز صلاتهم تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضى لهم على لسان نبيهم صلّى الله

٥٥٠

عليه وسلم نكلوا عن العمل ، وآية ذلك أن فيهم رجلا له عضد وليست له ذراع على عضده مثل حملة الثدي عليه شعرات بيض ، أفتذهبون إلى معاوية وأهل الشام وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم وأموالكم ، والله إني لأرجو أن تكونوا هؤلاء القوم فإنهم قد سفكوا الدم الحرام ، وأغاروا في سرح الناس ، فسيروا على اسم الله.

فلما التقينا وعلى الخوارج عبد الله بن وهب الراسبي فقال لهم : ألقوا الرماح وسلوا السيوف من جفونها فإني أخاف أن يناشدوكم كما ناشدوكم يوم حروراء ، فرجعوا برماحهم واستلوا السيوف وشجرهم الناس برماحهم وقتلوا بعضهم على بعض ، وما أصيب من الناس يومئذ إلا رجلان فقال علي : التمسوا فيهم المخدج ، فلم يجدوه فقام علي بنفسه حتى أتى ناسا قد قتل بعضهم على بعض فقال : أخروهم ، فوجدوه مما يلي الأرض فكبّر وقال : صدق الله وبلغ رسوله ، فقام إليه عبيدة السلماني فقال : يا أمير المؤمنين الله الذي لا إله إلا هو لقد سمعت هذا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ فقام فقال : إي والله الذي لا إله إلا هو ، حتى استحلفه ثلاثا وهو يحلف له.(عب ، م ، د ، وأبو عوانة ، وابن أبي عاصم ، ق).

وقال أيضا في ص ١٥٨ :

عن عبد الله بن أبي رافع : إن الحرورية لما خرجت وهو مع علي بن أبي طالب قالوا : لا حكم إلا لله ، قال علي : كلمة حق أريد بها باطل ، إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصف ناسا إني لأعرف صفتهم في هؤلاء يقولون الحق بألسنتهم لا يجوز هذا منهم ـ وأشار إلى حلقه ـ من أبغض خلق الله إليه منهم أسود إحدى يديه طبي شاة أو حلمة ثدي ، فلما قتلهم علي بن أبي طالب قال : انظروا فنظروا فلم يجدوا شيئا فقال : ارجعوا فو الله ما كذبت ولا كذبت مرتين أو ثلاثا ، ثم وجدوه في خربة فأتوا به حتى وضعوه بين يده.(ابن وهب ، م ، وابن جرير ، وأبو عوانة ،

٥٥١

حب ، وابن أبي عاصم ، ق).

وقال أيضا في ج ١ ص ١٨٨ :

عن زرانة ، سمع عليا رضي‌الله‌عنه : أنا فقأت عين الفتنة ، ولولا أنا ما قوتل أهل النهروان وأهل الجمل ، ولولا أنى أخشى أن تتركوا العمل لأنبأتكم بالذي قضى الله على لسان نبيكم صلى‌الله‌عليه‌وسلم لمن قاتلهم مبصرا ضلالتهم عارفا بالهدى نحن عليه.(د ، ش ، حل ، والدورقي).

عن أبي كثير قال : كنت مع سيدي علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه حين قتل أهل النهروان ، فكأن الناس وجدوا في أنفسهم من قتلهم ، فقال علي : يا أيها الناس إن نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حدثني أن ناسا يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية ، ثم لا يعودون فيه أبدا.

وقال أيضا في ص ١٩٨ :

عن علي رضي‌الله‌عنه قال : لقد علم أولو العلم من أصحاب محمد وعائشة بنت أبي بكر فسلوها أن أصحاب كرثى وذي الثدية ملعونون على لسان النبي الأمي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد خاب من افترى.(عبد الغني ابن سعد في إيضاح الإشكال طس).

وقال في ص ١٩٩ :

عن علي رضي‌الله‌عنه قال : لقد علمت عائشة بنت أبي بكر أن جيش المرأة وأهل النهروان ملعونون على لسان محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال علي بن عياش : جيش المروة قتلة عثمان.(طس. ق في الدلائل ، كر).

عن جندب قال : لما فارقت الخوارج عليا رضي‌الله‌عنه خرج في طلبهم

٥٥٢

وخرجنا معه ، فانتهينا إلى عسكر القوم فإذا لهم دوي كدوي النحل من قراءة القرآن ، وإذا فيهم أصحاب النقيات وأصحاب البرانس ، فلما رأيتهم دخلني من ذلك شدة فتنحيت فركزت رمحي ونزلت عن فرسي ووضعت برنسي فنشرت عليه درعي وأخذت بمقود فرسي ، فقمت أصلي إلى رمحي وأنا أقول في صلاتي : اللهم إن كان قتال هؤلاء القوم لك طاعة فأذن لي فيه وإن كان معصية فأرني برأيك ، فأنا كذلك إذ أقبل علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه على بغلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما جاء إلي قال : نعوذ بالله يا جندب من شر السخط فجئت أسعى إليه ، ونزل فقام يصلى إذ أقبل رجل فقال : يا أمير المؤمنين ، ألك حاجة في القوم؟ قال : قطعوا النهر فذهبوا ، قال علي : ما قطعوه ، قال : سبحان الله ، ثم جاء آخر فقال : قد قطعوا النهر فذهبوا. قال علي : ما قطعوه. قال : سبحان الله! ثم جاء آخر فقال : قد قطعوا النهر فذهبوا ، قال علي : ما قطعوه ولا يقطعوه وليقتلن دونه عهد من الله ورسوله ، ثم ركب فقال لي : يا جندب ، أما أنا فأبعث إليهم رجلا يقرأ المصحف يدعو إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم فلا يقبل علينا بوجهه حتى يرشقوه بالنبل ، يا جندب أما إنه لا يقتل منا عشرة ولا ينجو منهم عشرة. ثم قال : من يأخذ هذا المصحف فيمشي به إلى هؤلاء القوم فيدعوهم إلى كتاب الله وسنة نبيهم وهو مقتول وله الجنة؟ فلم يجبه إلا شاب من بني عامر بن صعصعة ، فقال له علي : خذ هذا المصحف أما إنك مقتول ولست مقبلا علينا بوجهك حتى يرشقوك بالنبل. فخرج الشاب بالمصحف إلى القوم ، فلما دنا منهم حيث يسمعوا قاموا ونشبوا الفتى قبل أن يرجع فرماه الشاب فأقبل علينا بوجهه فقعد ، فقال علي : دونكم القوم. قال جندب : فقتلت بكفى هذه ثمانية قبل أن أصلى الظهر وما قتل منا عشرة ولا نجا منهم عشرة كما قال.(طس).

عن أبي جعفر الفراء مولى علي رضي‌الله‌عنه قال : شهدت مع علي النهر ، فلما فرغ من قتلهم قال : اطلبوا المخدج ، فطلبوه فوجدوه في وهدة رحل أسود منتن

٥٥٣

الريح في موضع يده كهيئة الثدي عليه شعرات ، فلما نظر إليه قال : صدق الله ورسوله ، فسمع أحد ابنيه أما الحسن أو الحسين يقول : الحمد لله الذي أراح أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم من هذه العصابة ، فقال علي : لو لم يبق من أمة محمد إلا ثلاثة لكان أحدهم على رأي هؤلاء ، إنهم لفي أصلاب الرجال وأرحام النساء. (طس).

وقال في ص ٢٠٩ :

عن علي رضي‌الله‌عنه قال : أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين.(عد ، طس وعبد الغنى بن سعيد في إيضاح الأشكال ، والأصبهاني في الحجة وابن مندة في غرائب شعبة ، كر).

عن علي رضي‌الله‌عنه قال : أمرت بقتال ثلاثة : القاسطين والناكثين والمارقين ، فأما القاسطون فأهل الشام ، وأما الناكثون فذكرهم ، وأما المارقون فأهل النهروان يعني الحرورية.(ك في الأربعين ، كر).

وقال في ص ٢٨٢ :

عن سويد بن غفلة قال : سألت عليا عن الخوارج فقال : جاء ذو الثدية المخدجي إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يقسم فقال : كيف تقسم؟ والله ما تعدل. قال : فمن يعدل؟ فهمّ به أصحابه فقال : دعوه سيكفيكموه غيركم ، يقتل في الفئة الباغية ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، قتالهم حق على كل مسلم. (ابن أبي عاصم).

وقال في ص ٢٨٣ :

عن أبي موسى الوائلي قال : شهد علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه حين قتل

٥٥٤

الحرورية فقال : انظروا في القتلى رجلا يده كأنها ثدي المرأة ، فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخبرني أني صاحبه ، فقلبوه بين القتلى فلم يجدوه ، فقال لهم علي : انظروا وبحث عليه سبعة نفر فقلبوه فنظروا فإذا هو فيه فجيء به حتى ألقي بين يديه ، فخر علي ساجدا وقال : ابشروا قتلاكم في الجنة وقتلاهم في النار.(ابن أبي عاصم ، ق ، في الدلائل ، خط).

عن طارق بن زياد قال : خرجنا مع علي رضي‌الله‌عنه إلى الخوارج فقتلهم ، ثم قال : اطلبوا فإن نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إنه سيخرج قوم يتكلمون بكلام الحق لا يجاوز حلوقهم ، يخرجون من الحق كما يخرج السهم من الرمية ، سيماهم أن فيهم رجلا أسود مخدج اليد في يده شعرات سود ، فانظروا إن كان هو فقد قتلتم سوء الناس ، وإن لم يكن فقد قتلتم خير الناس ، فبكينا فقال : اطلبوا فطلبنا فوجدنا المخدج فخررنا سجودا وخرّ علي معنا.(الدورقي وابن جرير).

وقال أيضا في ص ٣٠٤ :

عن أبي وائل قال : لما كان بصفين استحر القتل في أهل الشام فرجع علي إلى الكوفة وقال فيه الخوارج ما قالوا ونزلوا بحروراء وهم بضعة عشر ألفا ، فأرسل إليهم علي يناشدهم الله : ارجعوا إلى خليفتكم فبم نقمتم عليه؟ في قسمة أو قضاء؟ قالوا : نخاف أن ندخل في فتنة ، قال : فلا تعجلوا ضلالة العام مخافة فتنة عام قابل ، فرجعوا فقالوا : نكون على ناحيتنا ، فإن قبل القفية قاتلناه على ما قاتلناه عليه أهل الشام بصفين ، وإن نقضها قاتلنا معه ، فساروا حتى قطعوا نهروان وافترقت منهم فرقة يقاتلون الناس ، فقال أصحابهم : ما على هذا فارقنا عليا ، فلما بلغ عليا صنيعهم قام فقال : أتسيرون إلى عدوكم أو ترجعون إلى هؤلاء الذين خلفوكم في دياركم؟ قالوا : بل نرجع إليهم ، قال : فحدث علي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إن طائفة تخرج من قبل المشرق عند اختلاف الناس لا ترون جهادكم مع جهادهم شيئا

٥٥٥

ولا صلاتكم مع صلاتهم شيئا ولا صيامكم مع صيامهم شيئا ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، علامتهم رجل عضده كثدي المرأة ، يقتلهم أقرب الطائفتين من الحق ، فسار علي إليهم فاقتتلوا قتالا شديدا ، فجعلت خيل علي تقوم لهم فقال : يا أيها الناس إن كنتم إنما تقاتلون في فو الله ما عندي ما أجزيكم به وإن كنتم إنما تقاتلون لله فلا يكونن هذا قتالكم ، فأقبلوا عليهم فقتلوهم كلهم ، فقال : ابتغوه فطلبوه فلم يوجد ، فركب علي دابته وانتهى إلى وهدة من الأرض فإذا قتلى بعضهم على بعض فاستخرج من تحتهم فجر برجله يراه الناس ، فقال علي : لا اغزوا العام ، فرجع إلى الكوفة فقتل.(ابن راهويه ، ش ، ع : وصحح).

عن قيس بن عباد قال : كف علي رضي‌الله‌عنه عن قتال أهل النهر حتى تحدثوا فانطلقوا فأتوا على عهد عبد الله بن خباب وهو في قرية له قد تنحى عن الفتنة فأخذوه فقتلوه ، فبلغ ذلك عليا فأمر أصحابه بالمسير إليهم ، فقال لأصحابه : ابسطوا عليهم فو الله لا يقتل منكم عشرة ولا يفر منهم عشرة. فكان كذلك ، فقال علي : اطلبوا رجلا صفته كذا وكذا ، فطلبوه فلم يجدوه ثم طلبوه فوجدوه ، فقال علي : من يعرف هذا؟ فقال رجل : أنا رأيت هذا بالنجف فقال : إني أريد هذا المصر وليس في فيه ذو نسب ولا معرفة ، فقال علي : صدقت ، هو رجل من الجن.(مسدد ، ورواه خشيش في الاستقامة ، ق عن أبي مجلن ، ورواه ابن النجار عن يزيد بن رويم).

وقال في ص ٣٠٦ :

عن قتادة قال : لما سمع علي رضي‌الله‌عنه المحكمة قال : من هؤلاء؟ قيل له : القراء ، قال : بل هم الخيابون ، قال إنهم يقولون : لا حكم إلا لله ، قال : كلمة حق عنى بها باطل ، فلما قتلهم قال رجل : الحمد لله الذي أبادهم وأراحنا منهم ، فقال علي : كلا والذي نفسي بيده إن منهم لمن في أصلاب الرجال لم تحمله النساء بعد وليكونن

٥٥٦

آخرهم لصاصا جرادين.(عب).

عن جندب الأزدي قال : لما عدلنا إلى الخوارج مع علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه قال : يا جندب ترى تلك الرابية؟ قلت : نعم ، قال : فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخبرني أنهم يقتلون عندها.(كر).

ومنهم العلامة حميد بن زنجويه المتوفى سنة ٢٥١ في كتابه «الأموال» (ج ١ ص ٤٢٧ ط مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية) قال :

أنا حميد ، أنا مالك بن إسماعيل ، أنا جعفر بن زياد الأحمر ، قال : أخبرنا سليمان التيمي ، أخبرنا لاحق بن حميد أبو مجلز ، قال : لما كان يوم النهر قال علي : لا تبسطوا عليهم حتى يبسطوا أو يقتلوا. قال : فقتلوا عبد الله بن خباب بن الأرت ، فبعث إليهم علي أقيدونا من صاحبنا. قالوا : ممن نقيدك وكلنا قتله. قال : قال علي : أو كلكم قتله؟ قالوا : نعم. قال : انبسطوا عليهم فو الذي نفسي بيده لا يفر منهم عشرة ، ولا يقتل منكم عشرة.

ومنهم العلامة كمال الدين عمر بن أحمد بن أبي جرادة المولود سنة ٥٨٨ والمتوفى سنة ٦٦٠ في كتابه «بغية الطلب في تاريخ حلب» (ج ١٠ ص ٤٤٧٤ ط دمشق) قال:

أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندي فيما أذن لنا فيه قال : أخبرنا أبو منصور القزاز ، قال : أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب ، قال :

أخبرنا الحسن بن أبي بكر ، قال : أخبرنا عبد الصمد بن علي الطستيّ ، قال : حدثنا جعفر بن محمد بن شاكر ، قال : حدثنا شهاب بن عباد ، قال : حدثنا جعفر بن سليمان ، عن الجعد بن عثمان ، عن أبي سليمان المرعشي ، قال : لما سار علي إلى أهل النهر ، وسرت معه ، فلما نزلنا بحضرتهم أخذني غم لقتالهم لا يعلمه إلا الله تعالى ،

٥٥٧

قال : حتى سقطت في الماء مما أخذني من الغم ، قال : فخرجت من الماء وقد شرح الله صدري لقتالهم ، قال : فقال علي لأصحابه : لا تبدءوهم ـ إلخ.

وقال في ص ٤٤٧٥ :

فقال علي : إن فيهم رجلا مخدج اليد أو مثدون أو مودن اليد ، قال : فأتي به قال : فقال علي من رأى منكم هذا؟ فأسكت القوم ، ثم قال علي : من رأى منكم؟ فأسكت القوم ، ثم قال علي من رأى منكم هذا؟ فقال رجل : يا أمير المؤمنين رأيته جاء كذا وكذا. قال : كذبت ما رأيته ، ولكن هذا أمير خارجة خرجت من الجن.

قال أبو بكر الخطيب أبو سليمان المرعشي ، سمع علي بن أبي طالب وحضر معه قتال الخوارج بالنهروان ، روى عنه الجعد بن عثمان اليشكري.

أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان قراءة عليه بحلب ، قال : أخبرنا الشريف النقيب أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد العزيز العباسي القاضي ببغداد ، قال : أخبرنا الشيخ الثقة العدل أبو علي الحسن بن عبد الرحمن بن الحسن المكي ، قال : أخبرنا أبو الحسن أحمد بن إبراهيم بن أحمد الفقعسي ، قال : حدثنا أبو جعفر محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن الفضل الديبلي المكي ، قال : حدثنا أحمد بن الحسين الموصلي ، قال : حدثني أبو سلمة ، قال : حدثنا أبو سليمان الأنطاكي ، عن هشام أبي المقداد ، عن محمد بن كعب القرظي بمثله ونحوه.

ومنهم أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ابن الجوزي المتوفى سنة ٥٩٧ في «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» (ج ٥ ص ١٣٥ ط دار الكتب العلمية بيروت) قال :

قال علماء السير : وخرج علي في طلب ذي الثدية ، فوجده في حفرة على شاطئ

٥٥٨

النهر قتيلا ، فلما استخرج نظر إلى عضده فإذا لحم مجتمع على منكبه كثدي المرأة له حلمة عليها شعيرات سود ، فقال علي : الله أكبر ، والله ما كذبت ولا كذبت ، أما والله لولا أن تنكلوا عن العمل لأخبرتكم بما قضى الله على لسان نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لمن قاتلهم مستنصرا في قتالهم.

أخبرنا أبو منصور القزاز ، قال : أخبرنا أبو بكر ، قال : أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن إبراهيم البزاز ، قال : أخبرنا الحسين بن محمد بن عثمان النسوي ، قال : حدثنا يعقوب بن سفيان ، قال : حدثنا أصبغ بن الفرح ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث ، عن بكير بن الأشج ، عن بشر بن سعيد ، عن عبيد الله بن أبي رافع مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

إن الحرورية لما خرجت على علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه وقالوا : لا حكم إلا لله ، قال علي رضي‌الله‌عنه : كلمة حق أريد بها باطل ، إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصف لنا ناسا إني لأعرف صفتهم في هؤلاء ، يقولون الحق بألسنتهم ، لا يجاوز هذا منهم ـ وأشار إلى حلقه ـ من أبغض خلق الله إليه ، فيهم أسود ، إحدى يديه كأنها طبي شاة ، أو حلمة ثدي ، فلما قتلهم قال : انظروا ، فنظروا فلم يجدوا شيئا ، فقال : ارجعوا ، والله ما كذبت ـ مرتين أو ثلاثا ـ فوجدوه في حفرة ، فأتوا به حتى وضعوه بين يديه. قال عبيد الله : وأنا حاضر ذلك من أمرهم وقول علي رضي‌الله‌عنه فيهم.

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز ، قال : أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، قال : أخبرنا أبو القاسم الأزهرى ، قال : أخبرنا علي بن عبد الرحمن البكائي ، قال : أخبرنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي ، قال : أخبرنا يحيي بن عبد الحميد الحمامي ، قال : أخبرنا خالد بن عبيد الله ، عن عطاء بن السائب ، عن ميسرة ، قال : قال أبو جحيفة : قال علي رضي‌الله‌عنه حين فرغنا من الحرورية : إن فيهم رجلا مخدجا ، ليس في عضده عظم ، ثم عظمه أو عضده حلمة كحلمة الثدي ، عليها شعيرات

٥٥٩

طوال عقف ، فالتمسوه فلم يجدوه ، وأنا فيمن يلتمس. قال : فما رأيت عليا جزعا قط أشد من جزعه يومئذ ، فقالوا : ما نجده يا أمير المؤمنين ، قال : ويلكم ما اسم هذا المكان؟ قالوا : النهروان ، قال : كذبتم إنه لفيهم ، فثورنا القتلى فلم نجده ، فعدنا إليه فقلنا : يا أمير المؤمنين ما نجده ، قال : ويلكم ما اسم هذا المكان؟ قالوا : النهروان. قال : صدق الله ورسوله وكذبتم إنه لفيهم فالتمسوه ، فالتمسناه في ساقية ، فوجدناه فجئنا به ، فنظرت إلى عضده ليس فيها عظم ، وعليها حلمة كحلمة ثدي المرأة ، عليها شعرات طوال عقف.

ومنهم العلامة الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى التميمي الموصلي المتوفى سنة ٣٠٧ في «مسند أبي يعلى» (ج ١ ص ٣٦٣ ط دار المأمون للتراث ـ دمشق) قال :

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو هشام الرفاعي ، وهذا لفظ أبي بكر ، حدثنا محمد ابن فضيل ، عن عاصم بن كليب ، عن أبيه ، قال : كنت جالسا عند علي وهو في بعض أمر الناس ، إذ جاءه رجل عليه ثياب السفر فقال : يا أمير المؤمنين ، فشغل عليا ما كان فيه من أمر الناس ، قال : إني .. فقلت : ما شأنك؟ قال : فقال : كنت حاجا أو معتمرا ـ قال : لا أدري أيّ ذلك.

قال : فمررت على عائشة ، فقالت : من هؤلاء القوم الذين خرجوا قبلكم يقال لهم الحرورية؟ قال : قلت : في مكان يقال له حروراء؟ قال : فسموا بذلك الحرورية. قال فقالت : طوبى لمن شهد هلكتهم. قالت : أما والله لو سألتم ابن أبي طالب لأخبركم خبرهم ، فمن ثم جئت أسأله عن ذلك. قال : وفرغ علي فقال : أين المستأذن؟ فقام عليه فقص عليه مثل ما قص علي. قال : فأهلّ علي ثلاثا ثم قال : كنت عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وليس عنده أحد إلا عائشة قال : فقال لي : يا علي كيف أنت وقوم يخرجون بمكان كذا وكذا ـ وأومأ بيده نحو المشرق ـ

٥٦٠