إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل - ج ٣٢

آية الله السيّد شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي

ولعل ما ذكره ابن الأثير في تاريخه «الكامل» يعبر عن هذا المعنى في وضوح وصراحة حيث قال : إن مروان بن الحكم وقف على طلحة والزبير بعد خروجهما فقال : على أيكما أسلم بالإمرة وأؤذن بالصلاة؟ فقال عبد الله بن الزبير : على أبي ، وقال محمد بن طلحة : على أبي.

وقد ظهر هذا الخلاف بين طلحة والزبير والتنافس على الدنيا لأصحابهما حتى قال بعضهم : والله لو ظفرنا وانتصرنا على علي لاقتتلنا ، لأن الزبير ما كان يترك الخلافة لطلحة ولا كان طلحة يتركها للزبير.

ولقد قال سعد بن العاص لطلحة والزبير : أخبراني وأصدقاني إن ظفرتما لمن تجعلان الأمر؟ قالا نجعله لأحدنا أينا اختاره الناس ، قال : بل تجعلونه لولد عثمان ، فإنكم خرجتم تطلبون بدمه ، فقالا : ندع شيوخ المهاجرين ونجعلها لأيتام؟

وقد عمل طلحة والزبير على استمالة عبد الله بن عمر فأتياه فقالا : يا أبا عبد الرحمن إن أمنا عائشة خفت لهذا الأمر رجاء الإصلاح بين الناس فاشخص معنا فإن لك بها أسوة ، فإن بايعنا الناس فأنت أحق بها ، فقال : أيها الشيخان : أتريدان أن تخرجاني من بيعتي ثم تلقياني بين مخالب ابن أبي طالب؟ أن الناس إنما يخدعون بالدينار والدرهم ، وإني قد تركت هذا الأمر عيانا في عافية أنالها ، واعلما أن بيت عائشة خير لها من هودجها ، وأنتما المدينة خير لكما من البصرة ، والذل خير لكما من السيف ، ولن يقاتل عليا إلا من كان خيرا منه ، فاكفياني أنفسكما.

ولكن هذه النصيحة الغالية من عبد الله بن عمر لم تأت بالثمرة المرجوة ، فصمم طلحة والزبير على المضي في طريقهما مع عائشة وقد استطاعوا تجهيز جيش يبلغ عدده ثلاثة آلاف رجل واتفقوا على الخروج إلى البصرة ليقطعوا على الخليفة أمله في العراق فتخرج من طاعته ، وكتبوا إلى معاوية في الشام بما فعلوه حتى يمضي هو الآخر في طريقه من إخراج الشام على الخليفة.

ثم خرجوا إلى البصرة وكان أميرها من قبل علي هو عثمان بن حنيف ، فلما وصلته

٥٠١

الأنباء بقرب وصولهم أرسل إليهم عمران بن حصين وأبا الأسود الدؤلي ليستطلعا خبرهم ، وقد اتصلا بعائشة وقالا لها : إن أميرنا بعثنا إليك لنسألك عن مسيرك فهل أنت مخبرتنا؟ فقالت : والله ما مثلي يغطي لبنيه الخير ، إن الغوغاء من أهل الأمصار ونزاع القبائل غزوا حرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأحدثوا فيه وآووا المحدثين ، فاستوجبوا لعنة الله ولعنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع ما نالوا من قتل إمام المسلمين بلا ترة ولا عذر ، فاستحلوا الدم الحرام وسفكوه ، وانتهبوا المال الحرام ، وأحلوا البلد الحرام والشهر الحرام ، فخرجت في المسلمين أعلمهم ما أتى هؤلاء الناس فيه وراءنا ، وما ينبغي أن يكون لإصلاح هذا الأمر ، تنهض في الإصلاح بما أمر الله ورسوله ، الصغير والكبير والذكر والأنثى إلى معروف نأمركم به ومنكر ننهاكم عنه ، ثم قرأت (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً).

فخرج عمران وأبو الأسود من عندها فأتيا طلحة فقالا له : ما الذي أقدمك؟ قال :

الطلب بدم عثمان ، فقالا : ألم تبايع عليا؟ فقال : بلى ، بايعته والسيف على عنقي. ثم أتيا الزبير فقالا له مثل قولهما لطلحة ، وقال لهما مثل قول طلحة ، فرجع الرجلان إلى عثمان بن حنيف فأخبراه بما ظهر لهما وبما يتوقعان من شر وفتنة ، فقال عثمان وقد أخذه العجب واستبد به الألم : إنا لله وإنا إليه راجعون ، دارت رحى الإسلام ورب الكعبة فانظروا كيف تجري الأمور. ثم نادى عثمان في الناس وأمرهم بأن يلبسوا السلاح ويتجهزوا للقتال.

وقد وقف الفريقان وجها لوجه والتقى المسلمون بسيوفهم ، ولسنا نحب أن نخوض بكم في أحشاء تلك المعركة ولكنها كانت معركة حامية وانجلت عن قتل من غزوا المدينة وهم هؤلاء الذين كانوا حرضوا على قتل عثمان أو اشتركوا في تلك الفتنة من أهل البصرة سوى حرقوص بن زهير السعدي فإن عشيرته من بني سعد منعوه لما التجأ إليهم بعد هزيمة أصحابه. وقد قبض على عثمان بن حنيف وضرب بالسياط

٥٠٢

وأرادوا قتله لو لا أن السيدة عائشة أمرت باخلاء سبيله بعد أن حلق القوم لحيته وحاجبيه وأشفار عينيه فمسخوه مسخا لا يقره الإسلام في غير مسلم.

وقد أرسلت عائشة إلى أهل الشام بهذا النصر لتشجعهم على أن يمدوها بالجنود والمال حتى إذا التقت بعد ذلك مع علي كان انتصارها عليه مرجوا غير بعيد المنال.

وأما علي فإنه لم يكن ميالا لقتال عائشة ، وكان يتمنى أن ينتهى الأمر بصلح يحقن الدماء ويصون الحرمات ، وكان علي يقدر الخسارة الفادحة التي تلحق الغالب والمغلوب إذا نشبت الحرب من جديد.

ويدلنا على ذلك أنه أرسل القعقاع بن عمرو لينصح عائشة وأنصارها ويحذرهم عاقبة الاستمرار في الخلاف والشقاق ، وكادت النصيحة تأتى بالثمرة المرجوة.

إلى أن قال :

فوقعت الواقعة بين علي وعائشة ، والتقى الجمعان ، فئة كبيرة مسلمة يقرب عددها من ثلاثين ألفا وعلى رأسهم عائشة وطلحة والزبير. وفئة كبيرة مسلمة كذلك تقرب منها في العدد والعدة وعلى رأسهم علي بن أبي طالب. وخرج الزبير على فرس له وقد تقلد سلاحه ومعه طلحة بن عبيد الله ، وقد ناقشهما علي في أمر خروجهما عليه وكاد الزبير يرجع حينما

ذكره علي بقول الرسول له : لتقاتلنه أي عليا وأنت ظالم له ، لولا أن ابنه عبد الله بن الزبير اتهمه بالجبن والخوف من سيوف علي ، فرجع إلى القتال.

ومهما يكن من شيء فقد نشبت المعركة وكانت عائشة في هودجها ، وكان يوما عصيبا لم يره المسلمون في حياتهم. فلقد وقف شجعان أهل البصرة يلوذون بجمل عائشة حتى لا تصاب بشر ، فقتل حوله عدد كبير منهم وكانوا يرتجزون برجز يدل على مدى عقيدتهم في أنهم على حق حتى أنهم يستقبلون الموت وهم فرحون مستبشرون ، فيقول قائلهم :

نحن بنو ضبة أصحاب الجمل

نبارز القرن إذا القرن نزل

٥٠٣

ننعى ابن عفان بأطراف الأسل

الموت أحلى عندنا من العسل

فلما رأى علي كثرة القتلى حول الجمل وعرف أن الناس لا تسلمه أبدا وفيهم عين تطرف نادى في أصحابه : اعقروا الجمل ، فجاء رجل من خلفه وعقره فسقط وسقط الهودج فتفرق الناس وانتهت المعركة. ثم أمر علي بحمل الهودج إلى ناحية بعيدة عن ميدان القتال حتى لا تصاب أم المؤمنين بأذى ، وبقيت عائشة في هودجها إلى الليل. ثم جاءها أخوها محمد بن أبي بكر فأدخلها دارا من دور البصرة ، فأقامت بها أياما ثم أرادت الارتحال فجهزها علي بكل ما ينبغي لها من مال وزاد ومتاع واختار لها أربعين امرأة من نساء البصرة ليسرن معها وسير معها أخاها محمد بن أبي بكر ، ولقد قالت عائشة حينئذ للناس : إنه والله ما كان بيني وبين علي في القديم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها أقارب زوجها ، وأنه على معتبتي من الأخيار ، فقال علي : صدقت وبرت وإنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة.

ولما حانت ساعة الرحيل ودعها علي بنفسه. وسار بجانب الهودج حتى خارج المدينة. وسير أولاده معها مسيرة يوم ، وكان ذلك في غرة رجب سنة ٣٦ ه‍ ـ. فسارت إلى مكة وأقامت بها إلى موسم الحج ، ثم توجهت إلى المدينة لتقضي البقية الباقية من أيامها. بعيدة عن النواحي السياسية متجهة إلى طاعة الله وعبادته حتى وافاها الأجل سنة ٥٨ ه‍ ـ.

وهكذا انتهت موقعة الجمل بما حملته من أوزار كبار ، وقد ذهب ضحيتها عشرة آلاف من المسلمين ، لم يخسر المسلمون مثلهم في أكبر المعارك التي خاضوها في سبيل الله.

إلى أن قال :

والمتأمل في هذه الموقعة يرى أن التبعة فيها تقع أول ما تقع على السيدة عائشة ، فلقد خرجت على ولي الأمر الشرعي ولم تسمع لنصح الناصحين حتى جرفها التيار

٥٠٤

وأفلت منها الزمام فتعرضت للذل والمهانة ، ولقد قال لها رجل يقال له جارية بن قدامة السعدي قبل أن تبدأ المعركة : يا أم المؤمنين ، والله لقتل عثمان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون عرضة للسلاح ، وإنه قد كان لك من الله ستر وحرمة فهتكت سترك وأبحت حرمتك ، وإنه من رأى قتالك يرى قتلك.

وتقع التبعة كذلك على طلحة والزبير فلقد بايعا عليا ثم نقضا بيعتهما وخرجا عليه ، وقد خرجا يتهمان عليا بأنه مقصر في القصاص من قتلة عثمان مع أنهما قد ناقشاه قبل ذلك في هذه المسألة واقتنعا بوجهه نظره ووضح لهما أن عليا معذور في ارجائه عقاب هؤلاء الثوار والقتلة ، وقد اتفقت على ذلك جميع المراجع التي تحت أيدينا.

حيث جاء فيها أن طلحة والزبير دخلا على علي في عدد من الصحابة فقالوا : يا علي ، إنا قد اشترطنا إقامة الحدود وإن هؤلاء القوم قد اشتركوا في قتل هذا الرجل أي عثمان. فقال : يا إخوتاه إني لست أجهل ما تعلمون ، ولكن كيف أصنع بقوم يملكوننا ولا نملكهم ، ها هم هؤلاء قد ثارت معهم عبدانكم وثابت إليه أعرابكم ، وهو خلاطكم يسومونكم ما شاءوا ، فهل ترون موضعا لقدرة على شيء مما تريدون؟ فقالوا : لا ، قال : فلا والله لا أرى إلا رأيا ترونه أبدا إلا أن يشاء الله فاهدأوا عني وانظروا ما ذا يأتيكم ثم عودوا ، فكيف يقتنع طلحة والزبير بعذر علي ثم يخرجان عليه.

ومنهم الفاضل المعاصر محمود شلبي في كتابه «حياة الإمام علي عليه‌السلام» (ص ٤٠٧ ط دار الجيل في بيروت)

فذكر سبب خروجهم واجتماعهم بمكة ومراجعة عائشة إلى مكة بعد خروجها منها وبعد سماعها بيعة المسلمين لعلي عليه‌السلام ، واجتماع بني أمية حولها وإعانة عبد الله بن عامر الحضرمي لها وقدوم طلحة والزبير إلى مكة من المدينة وارتحالهم من مكة إلى البصرة ، وقول جارية بن قدامة لعائشة : يا أم المؤمنين ، والله لقتل عثمان

٥٠٥

أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون عرضة للسلاح إنه قد كان لك من الله ستر وحرمة فهتكت سترك وأبحت حرمتك ، إنه من يرى قتالك يرى قتلك ، لئن كنت أتيتنا طائعة فارجعي إلى منزلك ، وإن كنت أتيتنا مكرهة فاستعيني بالناس ـ إلى آخر القصة.

ومنهم العلامة أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن سعيد بن عبد الله بن سعيد بن علي ابن أحمد السلماني القرطبي المعروف بلسان الدين ابن الخطيب في «رقم الحلل في نظم الدول» (ص ٧٤ ط وزارة الثقافة ـ دمشق) قال :

ونقم على علي إسلامه عثمان ، ولم يكن أسلمه ، بل بعث إليه بنيه وأمرهم أن ينصروه ، وتخلف عن بيعته سعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وأسامة بن زيد. وخالف أمره طلحة والزبير ، وخرجا إلى مكة مع عائشة رضي‌الله‌عنها وحملوها على الطلب بدم عثمان ، فحرض الناس.

قالوا : لما خرجت عائشة ، توجه علي إلى البصرة سنة ست وثلاثين. ووقعت بينه وبين أصحاب عائشة وقيعة يوم الجمل يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الأولى من السنة وبرزت عائشة على الجمل قد غشيته الدروع ، حتى استحرّ في حزبها القتل ، وعقر الجمل ، وقتل من أصحاب الجمل ثلاثة عشر ألفا ، ومن أصحاب علي خمسة آلاف.

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور محمد رواس قلعه جي في «موسوعة فقه إبراهيم النخعي عصره وحياته» (ج ١ ص ١٨ ط ٢ دار النفائس ـ بيروت) قال :

قدوم علي بن أبي طالب العراق ووقعة الجمل : خرج علي بن أبي طالب من المدينة المنورة في تسعمائة راكب من وجوه المهاجرين والأنصار من أهل السوابق مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومعهم خلق كثير من أخلاط الناس ، يريد القتال

٥٠٦

معاوية الذي رفض مبايعته بالخلافة ، والانضواء تحت لوائه ، وفيما هو في بعض الطريق أتاه كتاب أخيه عقيل بن أبي طالب ، يخبره فيه بخروج عائشة ومعها طلحة والزبير ومعهم أشياعهم إلى البصرة مطالبين بدم عثمان ، فتوجه علي بن أبي طالب ب (٩٠٠) راكبا إلى الكوفة فنزل قريبا منها ، وأرسل إلى أهل الكوفة كتابا يبين لهم فيه أن طلحة والزبير كانا أول من بايعه ، ثم نقضا العهد ، وأن خروج أم المؤمنين لم يكن إلا في ساعة غضب ، فأجابه أهل الكوفة وبايعوه.

ومنهم الفاضلان عبد مهنا وسمير جابر في «أخبار النساء في العقد الفريد» (ص ١٥٣ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) قالا :

ومن حديث الجمل : الخشني ، عن أبي حاتم السجستاني قال : أنشدني الأصمعي عن رجل شهد الجمل يقول :

شهدت الحروب وشيبنني

فلم تر عيني كيوم الجمل

أضر على مؤمن فتنة

وأفتك منه لخرق بطل

فليت الظعينة في بيتها

وليتك عسكر لم ترتحل

وكان جملها يدعى عسكرا حملها عليه يعلى بن منبه ، وهبه لعائشة وجعل له هودجا من حديد ، وجهز من ماله خمسمائة فارس بأسلحتهم وأزودتهم وكان أكثر أهل البصرة مالا ، وكان ابن أبي طالب يقول : بليت بأنض الناس ، وأنطق الناس وأطوع الناس في الناس ، يريد بأنض الناس : يعلى بن منبه ، وكان أكثر الناس ناضا ، ويريد بأنطق الناس : طلحة بن عبيد الله ، وأطوع الناس في الناس : عائشة أم المؤمنين.

أبو بكر بن أبي شيبة عن مخلد بن عبيد عن التميمي قال : كانت راية علي يوم الجمل سوداء وراية أهل البصرة كالجمل.

الأعمش ، عن رجل سماه قال : كنت أرى عليا يوم الجمل يحمل فيضرب بسيفه حتى ينثني ، ثم يرجع فيقول : لا تلوموني ولوموا هذا ، ثم يعود ويقوّمه.

٥٠٧

ومن حديث أبي بكر بن أبي شيبة قال : عبد الله بن الزبير قال : التقيت مع الأشتر يوم الجمل ، فما ضربته حتى ضربني خمسة أو ستة ، ثم جرّ برجلي فألقاني في الخندق ، وقال : والله لو لا قربك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما اجتمع فيك عضو إلى آخر.

أبو بكر بن أبي شيبة قال : أعطت عائشة الذي بشرها بحياة ابن الزبير إذ التقى مع الأشتر يوم الجمل ، أربعة آلاف.

سعيد عن قتادة قال : قتل يوم الجمل مع عائشة عشرون ألفا ، منهم ثمانمائة من بني ضبة.

وقالت عائشة : ما أنكرت رأس جملي حتى فقدت أصوات بني عدي.

وقتل من أصحاب علي خمسمائة رجل ، لم يعرف منهم إلا علباء بن الهيثم وهند الجملي ، قتلهما اليثربي ، وأنشأ يقول :

إني لمن يجهلني ابن اليثربي

قتلت علباء وهند الجمل

عبد الله بن عون عن أبي رجاء قال : لقد رأيت الجمل حينئذ وهو كظهر القنفذ من النبل ، ورجل من بني ضبة آخذ بخطامه وهو يقول :

نحن بنو ضبة أصحاب الجمل

الموت أحلى عندنا من العسل

ننعى ابن عفّان بأطراف الأسل

غندر قال : حدثنا شعبة بن عمرو بن مرة قال : سمعت عبد الله بن سلمة وكان مع علي بن أبي طالب يوم الجمل والحارث بن سويد وكان مع طلحة والزبير وتذاكرا وقعة الجمل ، فقال الحارث بن سويد : والله ما رأيت مثل يوم الجمل لقد أشرعوا رماحهم في صدورنا ، وأشرعنا رماحنا في صدورهم ولو شاءت الرجال أن تمشي عليها لمشت ، يقول هؤلاء : لا إله إلا الله والله أكبر ويقول هؤلاء : لا إله إلا الله والله أكبر ، فو الله لوددت أني لم أشهد ذلك اليوم وأني أعمى مقطوع اليدين والرجلين.

وقال عبد الله بن سلمة : والله ما يسرني أني غبت عن ذلك اليوم ، ولا عن مشهد

٥٠٨

شهده علي بن أبي طالب ، بحمر النعم.

علي بن عاصم عن حصين قال : حدثني أبو جميلة البكاء قال : إني لفي الصف مع علي بن أبي طالب ، إذ عقر بأم المؤمنين جملها ، فرأيت محمد بن أبي بكر وعمار بن ياسر يشتدان بين الصفين أيهما يسبق إليها ، فقطعا عارضة الرحل واحتملاها في هودجها.

ومن حديث الشعبي قال : من زعم أنه شهد الجمل من أهل بدر إلا أربعة فكذبه : ان علي وعمار في ناحية ، وطلحة والزبير في ناحية.

أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثني خالد بن مخلد عن يعقوب عن جعفر بن أبي المغيرة عن ابن أبزى قال : انتهى عبد الله بن بديل إلى عائشة وهي في الهودج ، فقال : يا أم المؤمنين ، أنشدك بالله ، أتعلمين أني أتيتك يوم قتل عثمان ، فقلت لك : إن عثمان قد قتل فما تأمرينني؟ فقلت لي ألزم عليا فو الله ما غير ولا بدل ، فسكتت ثم أعاد عليها فسكتت ، ثلاث مرات فقال : اعقروا الجمل فعقروه ، فنزلت أنا وأخوها محمد ابن أبي بكر فاحتملنا الهودج حتى وضعنا بين يدي علي فسر به ، فأدخل في منزل عبد الله بن بديل.

وقالوا : لما كان يوم الجمل ما كان وظفر علي بن أبي طالب حتى دنا من هودج عائشة ، كلمها بكلام ، فأجابته : ملكت فأسجح ، فجهزها علي بأحسن الجهاز ، وبعث معها أربعين امرأة ، وقال بعضهم : سبعين امرأة ، حتى قدمت المدينة.

عكرمة عن ابن عباس قال : لما انقضى أمر الجمل ، دعا علي بن أبي طالب بآجرّتين فعلاهما ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

يا أنصار المرأة ، وأصحاب البهيمة ، رغا فجئتم ، وعقر فهربتم ، ونزلتم شرّ بلاد ، [أقربها من الماء] وأبعدها من السماء ، بها مغيض كل ماء ، ولها شر أسماء ، هي البصرة ، والبصيرة ، والمؤتفكة ، وتدمر. أين أبن عباس؟ قال : فدعيت له من كل ناحية ، فأقبلت إليه ، فقال : ايت هذه المرأة فلترجع إلى بيتها التي أمرها الله أن تقرّ

٥٠٩

فيه. قال : فجئت فاستأذنت عليها ، فلم تأذن لي ، فدخلت بلا إذن ، ومددت يدي إلى وسادة في البيت فجلست عليها ، فقالت : تالله يا ابن عباس ما رأيت مثلك ، تدخل بيتنا بلا إذننا وتجلس على وسادتنا بغير أمرنا ، فقلت : والله ما هو بيتك ، وما بيتك إلا الذي أمرك الله أن تقري فيه فلم تفعلي ، إن أمير المؤمنين يأمرك أن ترجعي إلى بلدك الذي خرجت منه. قالت : رحم الله أمير المؤمنين ذاك : عمر بن الخطاب قلت : نعم ، وهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قالت : أبيت أبيت قلت : ما كان إباؤك إلا فواق ناقة بكيئة ، ثم صرت ما تحلين ولا تمرين ، ولا تأمرين ولو تنهين. قال : فبكت حتى علا نشيجها ، ثم قالت : نعم أرجع ، فإن أبغض البلدان إلى بلد أنتم فيه. فقلت : أما والله ما كان ذلك جزاؤنا منك إذ جعلناك للمؤمنين أما ، وجعلناك أباك لهم صديقا. قالت : أتمنّ علي برسول الله يا ابن عباس؟ قلت : نعم نمن عليك بمن لو كان منك بمنزلته منا لمننت به علينا.

قال ابن عباس : فأتيت عليا فأخبرته ، فقبّل بين عيني وقال : بأبي ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم.

وذكر جماعة وقعة الجمل ونكث طلحة والزبير البيعة وخروج عائشة من بيتها إلى البصرة وقتل جماعة من المسلمين في تلك الوقعة إلى أن عقر الجمل واصرت عائشة وأمر أمير المؤمنين عليه‌السلام محمد بن أبي بكر أن يصحب أخته عائشة إلى دار أعدت لاستقبالها.

ثم سرّح علي عليه‌السلام عائشة وأرسل معها جماعة من النساء وأمر لها باثني عشر ألف من المال فارتحلت إلى المدينة. وسألت يومئذ أن يؤمن ابن أختها عبد الله بن الزبير فأمنه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام وأمن مروان والوليد بن عقبة وولد عثمان وغيرهم من بني أمية وأمن الناس جميعا. وقتل في هذه المعركة طلحة والزبير اللذان أوقعا هذه الوقعة وخسرا من الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين.

٥١٠

وممن ذكر هذه الوقعة :

الشيخ محمد الخضري ابن الشيخ العفيفي الباجوري المفتش بوزارة الأوقاف في كتابه «إتمام الوفاء في سيرة الخلفاء» (ص ١٧١ ط المكتبة التجارية الكبرى بمصر)

والشيخ خالد محمد خالد في كتابه «في رحاب علي عليه‌السلام» (ص ١١٨ ط دار المعارف بمصر ولبنان)

والشيخ محمد رضا في كتابه «الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه رابع الخلفاء الراشدين» (ص ١٢٧ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت)

والشيخ محمد الخضري الباجوري مذكور في كتابه «محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية» (ج ٢ ص ٤٩ ط المكتبة التجارية الكبرى بمصر)

والفاضل المعاصر عمر رضا كحالة في كتابه «المرأة في القديم والحديث» (ج ٦ ص ١٨٧ ط مؤسسة الرسالة ـ بيروت)

والفاضل المعاصر أحمد عبد الغفور عطار في كتابه «عائشة» (ص ١٦١ ط مكة المكرمة)

والفاضل المعاصر عبد الخالق سيد أبو رابية المصري في كتابه «عمرو بن العاص بين يدي التاريخ» (ص ٣٠٩ ط الزهراء للإعلام العربي بالقاهرة)

والفاضل المعاصر علي إبراهيم حسن ـ أستاذ التاريخ الإسلامي في كتابه : «التاريخ الإسلامي العام» (ص ٢٦١ ط مكتبة النهضة المصرية)

وجماعة من الفضلاء في كتاب «علي بن أبي طالب ـ نظرة عصرية جديدة» (ص ٥٥ ط المؤسسة العربية للدراسات والنشر ـ بيروت)

٥١١

والحافظ أبو حاتم محمد بن أحمد التميمي البستي في «السيرة النبوية وأخبار الخلفاء» (ص ٥٣٢ ط مؤسسة الكتب الثقافية ـ دار الفكر بيروت)

والشريف علي فكرى مصري في كتابه «السمير المهذب» (ج ٢ ص ٢٢٢ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت)

والفاضل حسن كامل الملطاوي في كتابه «رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في القرآن» (ص ٣٤٠ ط دار المعارف بالقاهرة)

والشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتابه «مختصر سيرة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم» (ص ٢١٥ ط دار القلم ـ بيروت)

والفاضل المعاصر الدكتور السيد عبد العزيز سالم ـ في كتابه «تاريخ الدولة العربية منذ ظهور الإسلام حتى سقوط الدولة الأموية» (ص ٣٠٤ ط مؤسسة شباب الجامعة)

والشيخ أبو الجود البتروني الحنفي في كتابه «الكوكب المضيء في فضل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي» (ق ٦٢ مخطوط)

٥١٢

مستدرك

ما صدر من شجاعته عليه‌السلام يوم صفين

تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج ٨ ص ٣٩٧ وج ١٨ ص ١١١ ومواضع أخرى ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق :

فمنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة ٧١١ في «مختصر تاريخ دمشق» لابن عساكر (ج ١٨ ص ٤٩ ط دار الفكر) قال :

وعن ابن عباس قال : عقم النساء أن يأتين بمثل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، والله ما رأيت ، ولا سمعت رئيسا يوزن به. لرأيته يوم صفين ، وعلى رأسه عمامة بيضاء ، قد أرخى طرفيها ، كأن عينيه سراجا سليط ، وهو يقف على شرذمة شرذمة يحضّهم ويحمشهم حتى انتهى إلي ، وأنا في كثف من الناس فقال : معاشر المسلمين ، استشعروا الخشية ، وغضوا الأصوات ، وتجلببوا السكينة ـ زاد في رواية : وأكملوا اللؤم ، وأخفوا الجنن ـ وأعملوا الأسنة ، وأقلقوا السيوف في الأغماد ، قبل السلّة ، واطعنوا الوخز ، ونافحوا بالظبا ، وصلوا السيوف بالخطا ، والنبال بالرماح ، فإنكم بعين الله ، ومع ابن عم نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعاودوا الكرّ واستحيوا من الفر ، فإنه عار

٥١٣

باق في الأعقاب والأعناق ونار يوم الحساب ، وطيبوا عن أنفسكم أنفسا ، وامشوا إلى الموت سجحا ، وعليكم بهذا السواد الأعظم ، والرّواق المطنّب فاضربوا ثبجه ، فإن الشيطان راكب صعبه ، ومفرش ذراعيه ، قد قدّم للوثبة يدا ، وأخّر للنكوص رجلا ، فصمدا صمدا حتى ينجلي لكم عمود الدين (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ).

قوله : سراجا سليط السليط : الزيت ، وهو عند قوم دهن السمسم. وقوله : يحمشهم أي يغضبهم ، وأحمشت النار إذا ألهبتها. والكثف الجماعة ، ومنه التكاثف والحشد نحوه. وقوله : وغضوا الأصوات ـ وفي رواية ، وعنوا الأصوات ـ إن كان بفتح العين وتشديد النون فإنه أراد احبسوها واخفوها ، نهاهم عن اللّغط ، والتعنية ، الحبس ، ومنه قيل للأسير : عان ، واللؤم جمع لأمة على غير قياس ، واللامة : الدرع ، والجنن الترسة ، يقول : اجعلوها خفافا. وأقلقوا السيوف في الغمد يريد : سهلوا سلها قبل أن تحتاجوا إلى ذلك لئلا يعسر عليكم عند الحاجة إليها. والظبا جمع ظبة السيف : أي حدّة ، وقوله : وصلوا السيوف بالخطا يقول : إذا قصرت عن الضرائب تقدمتم وأسرعتم حتى تلحقوا. وقوله والرماح بالنبل يريد : إذا قصرت الرماح ببعد من تريد أن تطعنه منك رميته بالنبل. وقوله : امشوا إلى الموت مشية سجحا أو سجحا أي سهلة ، لا تنكلوا ، ومنه قول عائشة لعلي يوم الجمل: ملكت فأسجح ، أي سهل. ويقال : خدّ أسجح أي سهل. وقوله : عليكم الرواق المطنب يعني : رواق البيت المشدود بالأطناب ، وهي حبال تشد به ، وهذا مثل قول عائشة : ضرب الشيطان روقه ومد طنبه ، وقوله : قد قدّم للوثبة يدا وأخر للنكوص رجلا ، وهو مثل قوله تعالى : (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) إلى قوله (نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ) أي رجع على عقبيه ، وأراد على أنه قد قدم يدا ليثب إن رأى فرصة ، وإن رأى الأمر على ما هو معه نكص رجلا ، وقوله في رواية : والحظوا الشزر ، هو النظر بمؤخر العين نظر العدو والمبغض. يقول : الحظوهم شزرا ، ولا تنظروا إليهم نظرا يبين لهم ، فإن ذلك أهيب

٥١٤

لكم في صدورهم.

وقال أيضا في ج ١٩ ص ١٩٨ في ترجمة عمرو بن حصين السكسكي :

ويقال السكوني ، من شجعان أصحاب معاوية من فرسان أهل الشام الذين شهدوا واقعة صفين.

عن تميم بن حذلم ، قال : خرج حريث مولى معاوية يومئذ ، وكان شديدا ذا بأس ، فقال : أهاهنا علي؟ هل لك يا علي في المبارزة؟ أقدم إذا شئت أبا حسن. فأقبل علي نحوه وهو يقول : [من الرجز]

أنا علي وابن عبد المطلب

نحن لعمر الله أولى بالكتب

أهل اللواء والمقام والحجب

منا النبي المصطفى غير كذب

نحن نصرناه على جل العرب

يا أيها العبد العزيز المنتدب

أثبت لنا يا أيها الكلب الكلب

ثم التقيا فبدأه علي فقتله.

فلما قتل حريثا نهد إليه عمرو بن الحصين السكسكي ، فقال : يا أبا الحسن ، هلم إلى المبارزة. فشد على علي ، فأثنى عليه علي وهو يقول : [من الرجز]

ما علتي وأنا جلد صارم

وعن يميني مذحج القماقم

وعن يساري وائل الخضارم

والقلب مني مضر الجماجم

أقسمت بالله العلي العالم

لا أنثني إلا بردّ الراغم

فحمل عليه عمرو ليضربه بالسيف ، وبذره سعيد بن قيس فطعنه بالرمح فدق صلبه.

فقام علي بين الصفين فنادى : ويلك يا معاوية ، أبرز إلي ، علام نضرب بعض الناس ببعض؟ فالتفت معاوية إلى عمرو بن العاص فقال له : ما ترى يا أبا عبد الله؟ فقال له عمرو : قد أنصفك الرجل ، واعلم أنك إن نكلت عنه لم تزل سبة عليك وعلى عقبك [ما بقي عربي]. فقال له معاوية : يا ابن العاص ، أمثلي يخدع عن نفسه؟ والله ما بارز ابن أبي طالب رجلا إلا سقى الأرض من دمه.

٥١٥

ومنهم الفاضل المعاصر يوسف المرعشلي في كتابه «فهرس تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير» (ص ٩٠ ط دار المعرفة ـ بيروت) قال :

إن عليا قتل ليلة هرير ألفا وخمسمائة.

ومنهم العلامة أبو الجود البتروني الحنفي في «الكوكب المضيء» (ق ٥٩ نسخة مكتبة جستربيتي)

فذكر قصة صفين وشجاعة أمير المؤمنين وسماحته وعفوه وما وقع فيها.

ومنهم المحدث الحافظ أبو عثمان سعيد بن منصور بن شعبة الخراساني المكي في «السنن» (ج ٣ ق ٢ ص ٣٣٩ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) قال :

حدثنا سعيد قال : نا سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن أبي فاختة قال : أخبرني جار لي قال : أتيت عليا يوم صفين بأسير فقال له : لا تقتلني فقال : لا أقتلك صبرا إني أخاف الله رب العالمين ، أفيك خير تبايع؟ فقال : نعم ، فقال : للذي جاء به : لك سلاحه.

ومنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب «جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب» (ق ٣٨ والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان) قال :

وعن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما ـ وقد سأله رجل : أكان علي مباشر القتال يوم صفين؟ ـ فقال : والله ما رأيت رجلا أطرح لنفسه في متلف من علي ، ولقد كنت أراه يخرج حاسر الرأس بيده السيف إلى الرجل الدارع فيقتله.

وعن صعصعة بن صوحان قال : خرج يوما رجل من أصحاب معاوية يقال له كرز ابن الصباح الحميري فوقف بين الصفين وقال : من يبارز؟ فخرج إليه رجل من

٥١٦

أصحاب علي فقتله ثم قال : من يبارز؟ فخرج إليه آخر فقتله وألقاه على الأول ثم قال : من يبارز؟ فخرج إليه الثالث فقتله وألقاه على الآخرين وقال : من يبارز؟ فأحجم الناس عنه فخرج إليه علي رضي‌الله‌عنه على بغلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم البيضاء فشقّ الصفوف فلما اتصل منها نزل عن البغلة وسعى إليه فقتله وقال : من يبارز؟ فخرج إليه رجل فقتله فخرج ثان فقتله ووضعه على الأول ثم قال : من يبارز؟ فخرج إليه آخر فقتله وألقاه على الآخرين وقال : من يبارز؟ فخرج إليه آخر فقتله ووضعه على الثلاثة وقال : أيها الناس إن الله يقول : (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ) وإن لم تبدوا بهذا لما بدأنا ثم رجع إلى مكانه.

وقال أيضا في ق ٧٨ :

وقال أبو الحسن : كان علي بن أبي طالب يخرج كل غداة بصفين في سرعان الخيل فيقف بين الصفين ويقول : يا معاوية علام تقتل الناس؟ ابرز إلىّ وأبرز إليك فيكون الأمر لمن غلب ، فقال عمرو بن العاص لمعاوية : أنصفك الرجل ، فقال معاوية : أردتها والله يا عمرو ، والله لا رضيت عنك حتى تبارز عليا ، فبرز إليه متنكرا فلما أغشاه علي بالسيف رمى بنفسه وأبدى له عورته فصرف علي وجهه عنه وانصرف عمرو. قال : فجلس يوما مع معاوية فلما نظر إليه ضحك فقال له عمرو : ممن تضحك أضحك الله سنّك قال : من حضور ذهنك يوم بارزت عليا إذ اتقيته بعورتك أما والله لقد صادفته كريما منّانا ولو لا ذلك لحرم رفعتك بالرمح ، فقال له عمرو : والله إني عن يمينك إذ دعاك إلى البراز فاحولت عيناك وريا سحرك وبدا منك ما أكره ذلك لك وأنت أعلم به.

إلى أن قال في ق ٨٥ :

قال الإمام محمد بن إدريس الشافعي رحمه‌الله تعالى : قال رسول الله صلّى الله

٥١٧

عليه وسلم : لا تقوم حتى تقتتل فئتان عظيمتان يكون بينهما فتنة عظيمة دعواهما واحدة والصحيح أن عليا قاتلهم وهو على الحق وهم على الباطل.

إلى أن قال :

وكان علي رضي‌الله‌عنه يباشر الحرب بنفسه ويده فإذا وقف علي يوم وقفة يعترضهم بها وسيفه معلو بيده اليسرى وهو يقول :

دبّوا دبيب النمل لا تفوتوا

وأصبحوا بحربكم تبوتوا

حتى تنالوا الفوز أو تموتوا

ليس لكم ما شئتم وشئت

بل ما يريد المحيي المميت

ثم يضرب بسيفه حتى يثنى ويقول تحت العجاج إذا حمى الضرب : من أي يوم من الموت أفر أيوم لم يقدر ويوم قد قدر ، وقد سمع صوته تحت العجاج وهو يقرأ : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ).

إلى أن قال :

وقال أبو محمد بن عبد الله بن مسلم في حديث ابن عباس : ما رأيت والله رجلا من الناس يزن علي بن أبي طالب وعقم النساء أن يأتين بمثله ، والله ما رأيت ولا سمعت بمن يوازنه لقد رأيته في يوم صفين وعلى رأسه عمامة بيضاء وكأن عيناه سراجا سليط وهو بين أصحابه يقف على شرذمه يحرضهم حتى انتهى إلي وأنا في كثف من الناس فقال : يا معشر المسلمين استشعروا الخشية وغضّوا الأصوات وتجلببوا السكينة وأطعنوا الوحد ونافحوا بالصبي وصلوا السّيوف بالخطى والرماح بالنبل فإنكم بعين الله ومع ابن عم نبيه ، عادوا الكرّ واعملوا الأسنة واقلقوا السيوف في الأغماد قبل السلة والخطو السرر واستحيوا من الفرار فإنه عار باق في الأعقاب ونار في الحساب وطيبوا عن أنفسكم نفسا وامشوا إلى الموت سجحا وعليكم بالسواد الأعظم والرواق المطنّب فاضربوا ثبجه فإن الشيطان راكب صعبه مفترش

٥١٨

ذراعيه قد قدم الوثبة وأخر النكوص (خ. ل : للنكوص) فصبرا حتى يتجلى لكم صبح اليقين وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين.

ومنهم العلامة الشيخ جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبيد الله القرشي التيمي البكري البغدادي الحنبلي المشتهر بابن الجوزي المولود ببغداد سنة ٥١٠ والمتوفى بها سنة ٥٩٧ في «غريب الحديث» (ج ٢ ص ٤٧٦ ط دار الكتب العلمية في بيروت سنة ١٤٠٥) قال :

أوعب الأنصار مع علي إلى صفين. أي : لم يتخلف عنه أحد منهم.

٥١٩

مستدرك

قتل مع علي عليه‌السلام بصفين من البدريين

خمسة وعشرون بدريا

تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج ٨ ص ٤٠٣ ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق :

فمنهم الحافظ المؤرخ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي المتوفى سنة ٧٤٨ في «تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام» (ج ٣ ص ٥٤٣ ط بيروت سنة ١٤٠٧) قال :

وقال ثوير بن أبي فاختة ، عن أبيه قال : قتل مع علي بصفين خمسة وعشرون بدريا.

وقال في ص ٥٤٥ :

وقال خليفة : شهد مع علي من البدريين عمار بن ياسر ، وسهل بن حنيف ، وخوات بن جبير ، وأبو سعد الساعدي ، وأبو اليسر ، ورفاعة بن رافع الأنصاري ،

٥٢٠