إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل - ج ٣٢

آية الله السيّد شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي

مذمم. قال : يا أخية هل أصابك شيء؟ قالت : ما أنت وذاك ، ثم أمر الإمام بعقر الجمل وأمر بحمل الهودج من بين القتلى ، وطلب من محمد بن أبي بكر أن يضرب على أخته قبة ، ثم أدخلها البصرة فأنزلها دار عبد الله بن خلف الخزاعي ، وكان الإمام يتمثل في ذلك اليوم قائلا :

إليك أشكو عجري وبجري

ومعشرا أعشوا علي بصري

قتلت منهم مضري بمضري

شفيت نفسي وقتلت معشري

 ـ القصة.

ومنهم الفاضل المعاصر أحمد عبد الغفور عطار في كتابه «عائشة» (ص ١٥٧ ط مكة المكرمة) قال :

وانتهت أخبار مقتل أمير المؤمنين ذي النورين إلى مكة ، وعلمت أم المؤمنين عائشة بما كان ، وكانت بمكة تنتظر أداء العمرة بعد الحج في المحرم ، وأخذت طريق العودة إلى المدينة ، حتى إذا كانت في سرف التي تبعد عن مكة بضعة أميال ، لقيها عبيد بن أبي سلمة المعروف بأمه أم كلاب ، من بني ليث أخوالها الألى كانت تصلهم ببرها ، وسألته فأجابها قائلا : قتلوا عثمان ، وانتظروا ثمانيا ، وسألته : ثم ما ذا صنعوا؟ فقال لها : أخذها أهل المدينة بالاجتماع فجازت بهم الأمور إلى خير مجاز ، لقد اجتمعوا على علي بن أبي طالب.

فاستاءت أم المؤمنين وقالت : والله ، ليت هذه انطبقت على هذه ، إن تم الأمر لصاحبك تريد انطباق السماء على الأرض. ثم قالت : ردوني ، ردوني إلى مكة ، قتل والله عثمان مظلوما ، والله لأطلبن بدمه.

وأقبلت عائشة ثم قالت : أقتل أمير المؤمنين؟ قالوا : نعم. فقالت : رحمه‌الله وغفر له ، أما والله لقد كنتم إلى تشييد الحق وتأييده ، وإعزاز الإسلام وتأكيده أحوج منكم إلى ما نهضتم إليه من طاعة من خالف عليه ، ولكن كلما زادكم الله نعمة في دينكم ازددتم تثاقلا في نصرته طمعا في دنياكم.

٤٤١

أما والله لهدم النعمة أيسر من بنائها ، وما الزيادة إليكم بالشكر بأسرع من زوال النعمة عنكم بالكفر.

وايم الله ، لئن كان فني أكله ، واخترم أجله ، لقد كان عند رسول الله كزارع البكرة الأزهر ، ولئن كانت الإبل أكلت أوبارها فانه لصهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ولقد عهدت الناس يرهبون في تشديد ، ثم قدح حب الدنيا في القلوب ، ونبذ العدل وراء الظهور ، ولئن كان برك الدهر عليه بزوره ، وأناخ بكلكله ، إنها لنوائب تترى تلعب بأهلها وهي جادة ، وتجدّ بهم وهي لاعبة ، ولعمري ، لو أن أيديكم تقرع صفاته لوجدتموه عند تلظى الحرب متجردا ، ولسيوف النصر متقلدا ، ولكنها فتنة قدحت فيها أيدي الظالمين.

أما والله لقد كان حاط الإسلام وأكده وعضد الدين وأيده ولقد هدم الله به صياصي الكفر ، وقطع به دابر المشركين ، ووقم به أركان الضلالة ، فلله المصيبة به ما أفجعها ، والفجيعة به ما أوجعها ، صدع الله بمقتله صفاة الدين ، وثلمت مصيبته ذروة الإسلام بعده ، وجعل لخير الأمة عهده. فقال لها ابن أم كلاب : ولم؟ فو الله ، إن أول من أمال حرفه لأنت ، ولقد كنت تقولين : اقتلوا نعثلا فقد كفر!.

قالت عائشة : إنهم استتابوه ، ثم قتلوه ، وقد قلت وقالوا ، وقولي الأخير خير من قولي الأول.

وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : إن عائشة رضي‌الله‌عنها كانت من أشد الناس على عثمان ، حتى أنها أخرجت ثوبا من ثياب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنصبته في منزلها ، وكانت تقول للداخلين إليها : هذا ثوب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يبل وعثمان أبلى سنته.

وقالوا : إن أول من سمى عثمان نعثلا عائشة ، والنعثل : الكثير شعر اللحية والجسد. وكانت تقول : اقتلوا نعثلا ، قتل الله نعثلا.

ومنهم الفاضل المعاصر الأستاذ عباس محمود العقاد في «المجموعة الكاملة ـ

٤٤٢

العبقريات الإسلامية» (ج ٣ ص ٢٣٠ ط دار الكتاب اللبناني ـ بيروت) قال :

وألفت نفسها في مكة بين العثمانية والأموية يوم نزلت بها قبيل مقتل عثمان ، فعن لها أن ترجع إلى المدينة لتدرك الأمر قبل فواته ، ولكنها سمعت في الطريق ببيعة علي فقالت فيما رواه عبيد بن أبي سلمة وهو من خئولتها : ليت هذه انطبقت على هذه إن تم الأمر لصاحبك. مشيرة إلى السماء والأرض. ثم صاحت بركبها : ردوني ، ردوني ، وجعلت تتوعد في الطريق : أن تطالب بدم عثمان ، فقال لها عبيد بن أبي سلمة : ولم؟ والله إن أول من أمال حرفه لأنت ، قالت : إنهم استتابوه ثم قتلوه. وقد قلت وقالوا. وقولي الأخير خير من قولي الأول.

وما لبثت في مكة قليلا حتى تجمع فيها كل ناقم على علي بن أبي طالب من أعدائه ومنافسيه ، فقضت أيامها بمكة بين العثمانية والأموية والولاة الذين أحسوا بزوال الدولة والثروة والذين أوجسوا من حساب الخليفة الجديد ، ولحق بهم طلحة والزبير وكلاهما طامح إلى الخلافة يائس من الأنصار في المدينة. فاتفقوا جميعا على كلمة واحدة لا اتفاق بينهم فيما عداها ، وهي المطالبة بدم عثمان ، لأن المطالبة به تغنيهم عن القدح في الخليفة الجديد ، وليس الاتفاق على القدح فيه بمستطاع. كذلك لذلك ارتفعت الصيحة بدم عثمان.

وفي هذه البيئة غلبت على السيدة عائشة نية الخروج إلى البصرة بتلك الدعوة التي اتفقوا عليها ، وأكبر الظن أنها كانت وشيكة أن تحجم عن الخروج إليها لولا غلبة البيئة واجتماع الأصوات من حولها على نداء واحد ، فإنها ما عتمت في الطريق أن صدمت أول صدمة حتى همت بالرجوع ثم أصرت عليه لولا احتيالهم في إقناعها بمختلف الحيل.

ومنهم نبيه أمين فارس ومنير البعلبكي في «تاريخ الشعوب الإسلامية» والأصل لكارل بروكلمان الألماني (ص ١١٥ ط دار العلم للملايين ـ بيروت) قالا :

٤٤٣

وكان علي ـ وهو صهر الرسول والرجل الذي أمسى الآن الشخصية الأولى في الإسلام بلا خلاف ـ قد أمّ الناس في الصلاة حتى في أثناء الحصار وعين أميرا على الحجاج إلى مكة أيضا. وفي نفس اليوم الذي صرع فيه عثمان بايع الناس عليّا بالخلافة في مسجد [المدينة] ولكن طلحة والزبير اللذين كانا حتى تلك اللحظة يعملان في ما يظهر لمصلحة علي تخلفا عن مبايعته وحملاه تبعة مقتل عثمان ثم انهما لحقا عائشة إلى مكة. وكانت أم المؤمنين لا تزال تضمر لعلي عداءها القديم فما كادت تعلم أنه قبل البيعة حتى دعت المؤمنين إلى الاثئار للرجل القتيل. فاستجاب لدعوتها الامويون وأناس آخرون شركوها في كره علي ليس غير. ونزولا عند رأي ابن عامر ، عزموا على التقدم إلى البصرة حيث كانت له منذ زمن طويل ، وما تزال صلات واسعة جدا. حتى إذا انقضت أربعة أشهر على مقتل عثمان خرج المتآمرون بعد أن تجمعوا في معسكر على الطريق العامة المؤدية إلى العراق.

ولم يكادوا يبلغون البصرة حتى فتكوا غدرا بأميرها الذي آثر أن ينتظر الأمر من علي على أن ينضم إليهم. حتى إذا وفقوا إلى الاستيلاء على المدينة [البصرة] نشب الخلاف بين طلحة والزبير على إمامة الناس في الصلاة ، ولكن عائشة حسمت هذا الخلاف موقتا بأن سمت لهذه المهمة ابن أختها عبد الله بن الزبير.

ومنهم الفاضل الأمير أحمد حسين بهادر خان الحنفي البريانوي الهندي في كتابه «تاريخ الأحمدي» (ص ١٧٠ ط بيروت سنة ١٤٠٨) قال :

در روضة الأحباب است كه عائشة رضى الله عنها بمكة بخانه ام المؤمنين (ام) سلمة رضي‌الله‌عنها رفت چه وى نيز از مدينه بعزم حج گزاردن بمكة رفته بود وبعد از تقديم مراسم تسليم وتحيت با وى گفت : اى دختر ابو اميه بدرستيكه تو اول ضعيفه هستى كه در راه خدا ورسول مهاجرت كردى بواسطه شرف فراش حضرت رسالت عظيم الشأن ورفيع القدري واز ميان أمهات مؤمنين بخواص ومزايا ممتازى وبر تو

٤٤٤

پوشيده نباشد كه جماعتى از غوغائيان بدر امير مؤمنان عثمان بن عفان خود را انداخته او را بقتل آورده اند واكنون جمعى از هواداران آن خليفه مقتول ومظلوم كه در آن در آمده اند كه از قاتلان او انتقام كشند وايشان را بقصاص رسانند ومرا اخبار كردند كه عبد الله بن عامر در بصره صد هزار شمشير مهيا دارد كه همه ايشان براى واقعه عثمان غضبناك وجمله طالب خون او گشته اند ومن مى ترسم كه ميان مسلمانان بر سر اين قضيه محاربه ومقاتله واقع گردد چه شود اگر در مسير بجانب بصره با ما موافقت فرمائى شايد كه خداوند تعالى بسبب ما اصلاح اين امر نمايد وعقده تعويق از قصاص خون عثمان بن عفان از اين جهت گشايد.

راوى گويد : پس ام سلمه بسخن در آمد وگفت : اى دختر أبو بكر تو بخون عثمان بازخواست ميكنى وبخدا سوگند كه از اشد مردمان تو بودى از وى قهر وغضب او را بهيچ نام نمى خواندى مگر به نعثل ومى گفتى لعن الله نعثلا وقتل الله نعثلا وهر روز او را سب وشتم مى كردى وبه كفر منسوب مى ساختى وامروز امير المؤمنين وخليفه مقتول ومظلوم مى گوئى وخود را در قضيه او بصورت اهل تعزيت ومصيبت مى نمائى.

موافقت مى كنى با جماعتى كه به على بن أبي طالب خروج ميكند چه تناسب با تو دارد در طلب خون عثمان حال آنكه وى مرديست از بنى عبد مناف وتو ضعيفه از بنى تيم ، ويحك اى عائشة متفق با طائفة مى شوى كه خروج مى كنند بر على بن أبي طالب كه ميان او وحضرت رسالت صلعم سلسله اخوت ومصاهرت محكم است وپسر عم رسول وزوج بتول است ومرتبه خلافت ورياست ووراثت در ميان اهل روزگار وى را مسلم جمهور وانصار از حضار اصحاب مدينه با او بيعت نموده بخلافت وحكومت عامه اهل اسلام او را قبول نموده اند. وفصلى مقنع از فضائل وكمالات وخصائل وحالات على بن أبي طالب بر عائشة خواند ، عبد الله بن زبير بر در سراى ام سلمه ايستاده بود وجمله سخنان او را كه با عائشة مى گفت به تفصيل

٤٤٥

مى شنود از بيرون سراى بانگ بر ام سلمه زد كه اى دختر ابو اميه ما ترا شناخته بوديم وعداوت ترا به آل زبير. (الى أن قال :) ام سلمه از اندرون سراى بجواب عبد الله مشغول گشته گفت تو وپدر تو مرا او را مى بريد. (إلى أن قال :) گمان مى برى مهاجر وانصار را كه راضى وخوشنود شوند به پدر تو زبير ومصاحب او طلحه وعلى در سلك أحياء باشد وحال آنكه وى بقول پيغمبر عليه افضل الصلاة وأكمل التحيات ولى هر مؤمن ومؤمنة بود؟!

عبد الله بن زبير گفت : ما اين حديث را از لبان آن سرور در هيچ ساعتي از ساعات نشنيده ايم. ام سلمه گفت : اگر تو نشنيده اى خاله تو كه عائشة است كه شنيده واينك خاله تو حاضر است بپرس كه شنيده يا نى وبتحقيق كه ما شنيده ايم از پيغمبر (صلعم) كه فرمود : علي خليفتي عليكم في حياتي وبعد مماتي فمن عصاه فقد عصاني. اى عائشة گواهى ميدهى كه از آن سرور چنين شنيده اى؟ عائشة گفت : آرى. آنگاه ام سلمه از روى نصيحت ونيك خواهى گفت : اى عائشة بترس از خداى در نفس خود در امرى كه ترا رسول صلعم از آن ترسانيده ومباش صاحبه سگان حوأب. وگفت : اى عائشة سوگند ميدهم تو را بخدا كه از پيغمبر صلعم نشنيدى كه فرمود : پس نگذرد از شبها وروزها كه سگان آب حوأب بر يكى از ازواج من صياح ونباح كنند وآن زن كه اين واقعه او را پيش آيد در ميان اهل بغى وفساد وفتنه وعناد باشد. ودر آن زمان كه حضرت اين مى فرمود من انائى كه دست داشتم از غايت اضطراب وقلق از دست من بيفتاد وآن سرور رو بجانب من كرد والتفاتى فرمود وموجب اضطراب افتادن آن اناء آب از من پرسيد ، گفتم : يا رسول الله اضطراب وقلق من از خوف آنست كه مبادا آن زن من باشم ، آن سرور تبسمى فرمود وبجانب تو نگاهى كرده گفت : من گمان مى برم كه آن زن تو باشى ، اى حميرا. عائشة ام سلمه را در روايت اين حديث تصديق نمود.

آنگاه ام سلمه با عائشة گفت : بايد كه فريب نيابى از طلحه وزبير وگمان نبرى كه

٤٤٦

اگر وبال ونكال بر ارتكاب اين كار از خداى عزوجل به تو متوجه گردد ايشان در دفع آن نفعى به توانند رسانيد ، پس عائشة بسيار ملول وپشيمان از مجلس ام سلمه برخاست واز نفس خود در فسخ آن عزم عذري مى جست وبهانه ميخواست. عبد الله بن زبير چون اين فتور وقصور از ام المؤمنين عائشة مشاهده نمود ، فرياد برآورد كه : يا أماه اگر تو باين لشكر بجانب بصره توجه نفرمائى من خود را مقتول واز صف احياء معزول وبزمره اموات موصول ميسازم يا آنكه سر در بيابان وصحرا مى نهم وسراسيمه وسرگردان ديوانه وار خود را در ميان سباع وبهائم اندازم ، مردم در ميان آمدند وبه شفاعت والتماس بسيار عائشة را تسكين دادند. ام المؤمنين از فرط محبت كه با عبد الله داشت باز بر سر حرف اول رفت واز تصدى آن مهم متقاعد نشد.

ومنهم الدكتور السيد عبد العزيز سالم في «تاريخ الدولة العربية منذ ظهور الإسلام حتى سقوط الدولة الأموية» (ص ٣٠٢ ط مؤسسة شباب الجامعة) قال :

وكانت عائشة أول من طالبت بدم عثمان على الرغم من أنها كانت من أكثر خصومه عداء له. وقد استجاب لها عبد الله بن عامر الحضرمي عامل عثمان على مكة ، وتبعه عدد كبير من بني أمية على ذلك ، وكانوا قد تسللوا من المدينة هاربين ولاذوا بمكة ، وتبعهم المغيرة بن شعبة وسعيد بن العاص ، كما قدم إليهم عبد الله بن عامر من البصرة بمال كثير ، ويعلى بن منية من اليمن ومعه ستمائة بعير وستمائة ألف درهم ، فأناخ بالأبطح. ثم قدم إليها طلحة والزبير بحجة قضاء العمرة ، وأعلنا فيها نكثهما لبيعتهما لعلي ، واستقر رأى الجميع على السير إلى البصرة لكثرة من بها من صنائع ابن عامر ، وساروا في ألف من أهل مكة والمدينة ، ولحقهم الناس ، حتى أصبح عدة من معهم ثلاثة آلاف رجل. وما إن وصلت عائشة ومن معها إلى نواحي البصرة حتى أقامت بالحفير ، وكتبت إلى رجال أهل البصرة وإلى الأحنف بن قيس

٤٤٧

وغيره تدعوهم إلى الانضمام إليها في المطالبة بدم عثمان ، ولما بلغ ذلك أهل البصرة دعا عثمان بن حنيف وإلى المدينة الناس إلى التأهب للقتال ، ثم أقبلت عائشة فيمن معها حتى انتهوا إلى المربد ، وتم الاشتباك بين أتباع على وعلى رأسهم عثمان بن حنيف وحكيم بن جبلة العبدي وبين أتباع عائشة وطلحة والزبير في ٢٥ ربيع الآخر سنة ٣٦ ه‍ ـ ، وانتهت الاشتباكات بهزيمة أتباع علي ومقتل حكيم بن جبلة. أما عثمان بن حنيف فقد وقع أسيرا ، فأمر مروان بن الحكم بعثمان فنتفت لحيته وشعر رأسه وحاجباه ، وضرب أربعين سوطا ، ثم أطلق سراحه ، فقابل عليّا في ذي قار.

ومنهم الفاضل المعاصر أحمد زكي صفوت وكيل كلية دار العلوم بجامعة القاهرة سابقا في «جمهرة رسائل العرب في العصور العربية الزاهرة» (ج ١ ص ٣١٢ ط المكتبة العلمية ـ بيروت) قال :

وكانت السيدة عائشة خرجت إلى مكة للحج عام مقتل عثمان ، فلما قضت حجّها بلغها وهي عائدة مقتل عثمان ، فارتدّت إلى مكة ، وأزمعت أن تطلب بدمه ، وجاءت إلى السيدة أم سلمة زوج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وكانت أم سلمة بمكة في هذا العام ـ تغريها بالخروج معها للطلب بدم عثمان ، فأبت أن تجيبها ، وأظهرت موالاة علي عليه‌السلام ونصرته.

وكتبت إلى السيدة عائشة إذ عزمت على الخروج إلى البصرة : من أم سلمة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى عائشة أم المؤمنين : سلام عليك فإنى أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ، أما بعد ، فإنك سدّة بين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبين أمّته ، وحجابك مضروب على حرمته ، قد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه ، وسكّن عقيراك فلا تصحريها ، الله من وراء هذه الأمة ، لو علم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن النساء يحتملن الجهاد عهد إليك ، علت علت! بل قد نهاك عن الفرطة في البلاد ، إن عمود الدين لا يثاب بالنساء إن مال ، ولا يرأب بهنّ صدع ، حماديات النساء غضّ

٤٤٨

الأطراف وخفض الأصوات ، وخفر الأعراض وضمّ الذيول وقصر الوهازة ، ما كنت قائلة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لو عارضك ببعض الفلوات ، ناصّة قعودا من منهل إلى منهل ، قد وجّهت

سدافته ، وتركت عهّيداه ، إن بعين الله مهواك ، وعلى رسوله تردين وأقسم لو سرت مسيرك هذا ثم قيل لي : يا أمّ سلمة ادخلى الفردوس ، لاستحييت أن ألقى محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم هاتكة حجابا قد ضربه علىّ.

اجعلي بيتك حصنك ووقاعة السّتر قبرك حتى تلقيه وأنت على تلك أطوع ما تكونين لله إذا لزمته ، وأنصر ما تكونين للدين ما حللت فيه ، ولو ذكّرتك قولا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تعرفينه ، لهشت به نهش الرّقشاء المطرقة ، والسّلام.

(شرح ابن أبي الحديد ٢ / ٧٩ ، والعقد الفريد ٢ / ٢٢٧ ، والإمامة والسياسة ١ / ٤٥).

وقال ايضا في ص ٣١٩ :

وكتبت السيدة عائشة إلى زيد بن صوحان العبدىّ إذ قدمت البصرة : من عائشة ابنة أبي بكر أم المؤمنين حبيبة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى ابنها الخالص زيد بن صوحان : سلام عليك ، أما بعد ، فإن أباك كان رأسا في الجاهلية وسيدا في الإسلام وإنك من أبيك بمنزلة المصلّى من السابق ، يقال : كاد أو لحق وقد بلغك الذي كان في الإسلام من مصاب عثمان بن عفان ونحن قادمون عليك والعيان أشفى لك من الخبر.

فإذا أتاك كتابي هذا ، فاقدم فانصرنا على أمرنا هذا ، فإن لم تفعل فثبّط الناس عن علي بن أبي طالب ، وكن مكانك حتى يأتيك أمري ، والسّلام.

وفي رواية ابن أبي الحديد : أما بعد ، فأقم في بيتك وخذّل الناس عن علي وليبلغني عنك ما أحب ، فإنك أوثق أهلي عندي والسّلام.

(العقد الفريد ٢ / ٢٢٧ ، تاريخ الطبري ٥ / ١٨٣ ، وشرح ابن أبي الحديد ٢ / ٨١).

وقال أيضا :

٤٤٩

فكتب إليها زيد : من زيد من صوحان إلى عائشة أم المؤمنين : سلام عليك ، أما بعد ، فإن الله أمرك بأمر وأمرنا بأمر ، أمرك أن تقرّي في بيتك وأمرنا أن نقاتل الناس حتى لا تكون فتنة ، فتركت ما أمرت به وكتبت تنهيننا عما أمرنا به ، فأمرك عندي غير مطاع ، وكتابك غير مجاب ، والسّلام.

وفي رواية الطبري : فكتب إليها : من زيد بن صوحان إلى عائشة ابنة أبي بكر الصديق رضي‌الله‌عنه ، حبيبة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أما بعد ، فأنا ابنك الخالص إن اعتزلت هذا الأمر ، ورجعت إلى بيتك ، وإلّا فأنا أول من نابذك.

(العقد الفريد ٢ / ٢٢٧ ، تاريخ الطبري ٥ / ١٨٤ ، وشرح ابن أبي الحديد ٢ / ٨١).

وذكر العلامة الباعوني مكاتبتهما في ص ٧١ كما تقدم باختلاف قليل في اللفظ.

وقال أيضا في ص ٣١٦ :

كتاب الأشتر إلى السيدة عائشة

وكتب الأشتر من المدينة إلى السيدة عائشة ، وهي بمكة : أما بعد ، فإنك ظعينة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وآله ، وقد أمرك أن تقرّي في بيتك فإن فعلت فهو خير لك وإن أبيت إلا أن تأخذي منسأتك وتلقى جلبابك وتبد للناس شعيراتك ، قاتلتك حتى أردّك إلى بيتك والموضع الذي يرضاه لك ربك.

(شرح ابن أبي الحديد ٢ / ٨٠)

رد السيدة عائشة على الأشتر

فكتبت إليه في الجواب : أما بعد ، فإنك أول العرب شبّ الفتنة ، ودعا إلى الفرقة ، وخالف الأئمة ، وسعى في قتل الخليفة ، وقد علمت أنك لن تعجز الله حتى يصيبك منه بنقمة ينتصر بها منك للخليفة المظلوم ، وقد جاءني كتابك وفهمت ما فيه وسيكفينيك الله ، وكل من أصبح مماثلا لك في ضلالك وغيّك إن شاء الله.

(شرح ابن أبي الحديد ٢ / ٨٠)

٤٥٠

وقال في ص ٢٩٥ :

كتاب معاوية إلى الزبير بن العوام

وكان أول الأحداث في خلافة الإمام علي أن السيدة عائشة وطلحة والزبير ومن تبعهم خرجوا إلى البصرة يطلبون بدم عثمان رضي‌الله‌عنه.

وروى ابن أبي الحديد أن عليّا عليه‌السلام لما بويع بالخلافة كتب إلى معاوية يأمره أن يبايع له ، فلما قدم رسوله على معاوية وقرأ كتابه ، بعث رجلا من بني عميس ، وكتب معه كتابا إلى الزبير بن العوام ، وفيه : بسم الله الرحمن الرحيم. لعبد الله الزبير أمير المؤمنين من معاوية بن أبي سفيان ، سلام عليك ، أما بعد فإني قد بايعت لك أهل الشام ، فأجابوا واستوسقوا كما يستوسق الحلب ، فدونك الكوفة والبصرة لا يسبقك إليهما ابن أبي طالب ، فإنه لا شيء بعد هذين المصرين ، وقد بايعت لطلحة بن عبيد الله من بعدك ، فأظهرا الطلب بدم عثمان ، وادعوا الناس إلى ذلك ، وليكن منكما الجدّ والتشمير ، أظفر كما الله ، وخذل مناوئكما.

فسرّ الزبير بهذا الكتاب ، وأعلم به طلحة ، ولم يشكّا في النّصح لهما من قبل معاوية ، وأجمعا عند ذلك على خلاف علي عليه‌السلام.

(شرح ابن أبي الحديد ١ / ٧٧)

وقال في ص ٣١٧ :

كتاب طلحة والزبير إلى كعب بن سور

ولما أجمعت عائشة وطلحة والزبير وأشياعهم على المسير إلى البصرة ، قال الزبير لعبد الله بن عامر ـ وكان عامل عثمان على البصرة ، وهرب عنها حين مصير عثمان بن حنيف عامل عليّ إليها ـ : من رجال البصرة؟ قال : ثلاثة كلهم سيد مطاع : كعب بن سور في اليمن ، والمنذر بن ربيعة في ربيعة ، والأحنف بن قيس في البصرة.

فكتب طلحة والزبير إلى كعب بن سور : أما بعد ، فإنك قاضي عمر بن الخطاب ، وشيخ أهل البصرة ، وسيد أهل اليمن ، وقد كنت غضبت لعثمان من الأذى ، فاغضب

٤٥١

له من القتل ، والسّلام.

(الإمامة والسياسة ١ / ٤٧)

رد كعب بن سور على طلحة والزبير

فكتب كعب بن سور إلى طلحة والزبير : أما بعد ، فإنا غضبنا لعثمان من الأذى والغير باللسان ، فجاء أمر الغير فيه بالسيف ، فإن يكن عثمان قتل ظالما فما لكما وله؟ وإن كان قتل مظلوما فغير كما أولى به ، وإن كان أمره أشكل على من يشهده ، فهو على من غاب عنه أشكل.

(الإمامة والسياسة ١ / ٤٨)

كتابهما إلى الأحنف بن قيس

وكتبا إلى الأحنف بن قيس : أما بعد ، فإنك وافد عمر ، وسيد مضر ، وحليم أهل العراق ، وقد بلغك مصاب عثمان ، ونحن قادمون عليك ، والعيان أشفى لك من الخبر ، والسّلام.

(الإمامة والسياسة ١ / ٤٨)

رد الأحنف عليهما

وكتب الأحنف إليهما : أما بعد ، فإنه لم يأتنا من قبلكم أمر لا نشكّ فيه إلا قتل عثمان ، وأنتم قادمون علينا ، فإن يكن في العيان فضل نظرنا فيه ونظرتم ، وإلا يكن فيه فضل فليس في أيدينا ولا أيديكم ثقة ، والسّلام.

(الإمامة والسياسة ١ / ٤٨)

وقال في ص ٣١٨ :

كتابهما إلى المنذر بن ربيعة

وكتبا إلى المنذر : أما بعد ، فإن أباك كان رئيسا في الجاهلية ، وسيدا في الإسلام ، وإنك من أبيك بمنزلة المصلّي من السابق ، يقال كاد أو لحق ، وقد قتل عثمان من أنت خير منه ، وغضب له من هو خير منك ، والسّلام.

٤٥٢

(الإمامة والسياسة ١ / ٤٨)

رد المنذر عليهما

وكتب المنذر إليهما : أما بعد ، فإنه لم يلحقني بأهل الخير إلا أن أكون خيرا من أهل الشر ، وإنما أوجب حق عثمان اليوم حقّه أمس ، وقد كان بين أظهركم فخذلتموه ، فمتى استنبطتم هذا العلم ، وبدا لكم هذا الرأى؟

فلما قرءا كتب القوم ساءهما ذلك وغضبا.

(الإمامة والسياسة ١ / ٤٨)

وقال أيضا في ص ٣٢٣ :

كتاب طلحة والزبير إلى أهل الأمصار

وأصبح طلحة والزبير وبيت المال في أيديهما ، والناس معهما ، وبعثت عائشة : لا تحبسا عثمان بن حنيف ودعاه ، ففعلا فخرج عثمان فمضى لطيّته ، وثار حكيم بن جبلة فيمن تبعه لنصرة ابن حنيف ، وهو يقول : لست بأخيه إن لم أنصره ، وجعل يشتم عائشة ، وقالت عائشة : لا تقاتلوا إلا من قاتلكم ، ونادوا من لم يكن من قتلة عثمان فليكفف عنا ، فإنا لا نريد إلا قتله عثمان ، ولا نبدأ أحدا ، فأنشب حكيم القتال ، واقتتل الفريقان قتالا شديدا ، وكان النصر لأصحاب عائشة.

ثم كتبوا إلى أهل الشأم بما صنعوا وصاروا إليه : إنا خرجنا لوضع الحرب ، وإقامة كتاب الله عزوجل بإقامة حدوده في الشريف والوضيع ، والكثير والقليل ، حتى يكون الله عزوجل هو الذي يردّنا عن ذلك ، فبايعنا خيار أهل البصرة ونجباؤهم. وخالفنا شرارهم ونزّاعهم ، فردّونا بالسلاح ، وقالوا فيما قالوا : نأخذ أم المؤمنين رهينة أن أمرتهم بالحق وحثّتهم عليه ، فأعطاهم الله عزوجل سنّة المسلمين مرة بعد مرة ، حتى إذا لم يبق حجة ولا عذر استبسل قتلة أمير المؤمنين ، فخرجوا إلى مضاجعهم ، فلم يفلت منهم مخبر إلا حرقوص بن زهير ، والله سبحانه مقيده إن شاء الله ، وكانوا كما وصف الله عزوجل ، وإنا نناشدكم الله في أنفسكم إلا نهضتم بمثل ما

٤٥٣

نهضنا به فنلقي الله عزوجل وتلقونه وقد أعذرنا ، وقضينا الذي علينا.

وكتبوا إلى أهل الكوفة بمثله ، وكذا إلى أهل اليمامة وأهل المدينة.

(تاريخ الطبري ٥ / ١٨١)

كتاب معاوية إلى طلحة بن عبيد الله

فكان كتاب طلحة : أما بعد ، فإنك أقلّ قريش في قريش وترا ، مع صباحة وجهك ، وسماحة كفّك ، وفصاحة لسانك ، فأنت بإزاء من تقدّمك في السابقة ، وخامس المبشّرين بالجنة ، ولك يوم أحد وشرفه وفضله ، فسارع ـ رحمك الله ـ إلى ما تقّلدك الرعية من أمرها ، مما لا يسعك التخلف عنه ، ولا يرضى الله منك إلا بالقيام به ، فقد أحكمت لك الأمر قبلي ، والزبير فغير متقدّم عليك بفضل ، وأيّكما قدّم صاحبه فالمقدّم الإمام ، والأمر من بعد للمقدّم له ، سلك الله بك قصد المهتدين ، ووهب لك رشد الموّفقين ، والسّلام.

كتاب معاوية إلى الزبير بن العوام

وكتب إلى الزبير : أما بعد ، فإنك الزبير بن العوام ، ابن أبي خديجة ، وابن عمّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وحواريّه وسلفه ، وصهر أبى بكر ، وفارس المسلمين ، وأنت الباذل في الله مهجته بمكة عند صيحة الشيطان ، بعثك المنبعث ، فخرجت كالثعبان المنسلخ بالسيف المنصلت ، تخبط خبط الجمل الرّديع ، كل ذلك قوة إيمان وصدق يقين ، وسبقت لك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم البشارة بالجنة ، وجعلك عمر أحد المستخلفين على الأمة.

واعلم يا أبا عبد الله أن الرعية أصبحت كالغنم المتفرقة لغيبة الراعي ، فسارع ـ رحمك الله ـ إلى حقن الدماء ، ولمّ الشّعث ، وجمع الكلمة ، وصلاح ذات البين ، قبل تفاقم الأمر ، وانتشار الأمة ، فقد أصبح الناس على شفا جرف هار ، عمّا قليل ينهار إن لم يرأب ، فشمّر لتأليف الأمة وابتغ إلى ربك سبيلا ، فقد أحكمت الأمر من قبلي لك ولصاحبك على أن الأمر للمقدّم ، ثم لصاحبه من بعده ، جعلك الله من أئمّة الهدى

٤٥٤

وبغاة الخير والتقوى ، والسّلام.

ومنهم الفاضل المعاصر محمد رضا في «الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه رابع الخلفاء الراشدين» (ص ٧٩ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) قال :

وفي أثناء تجهز أمير المؤمنين لمحاربة معاوية بلغه الخبر عن مكة بخروج طلحة والزبير وعائشة رضي‌الله‌عنهم على أمير المؤمنين وكان طلحة والزبير استأذناه في العمرة فأذن لهما ، وروي أنه قال لهما : والله ما تريدان العمرة ، وإنما تريدان الغدرة ، وخوّفهما بالله من التسرع إلى الفتنة.

واعترض بعضهم على أنه ترك طلحة والزبير حتى خرجا إلى مكة وأذن لهما في العمرة ؛ فانضما إلى عائشة وأثارا الفتنة وكان الرأى أن يحبسهما. وأجيب بأنه ما كان يجوز له في أن يحبسهما ولا في السياسة ، أما في الشرع فلأنه محظور أن يعاقب الإنسان بما لا يفعل وعلى ما يظن منه ويجوز أن لا يقع ، وأما في السياسة فلأنه لو أظهر التهمة لهما وهما من أفاضل السابقين وجلة المهاجرين لكان في ذلك من التنفير عنه ما لا يخفى ومن الطعن عليه ما هو معلوم ، بأن يقال ليس من إمامته على ثقة فلذلك يتهم الرؤساء.

فلما بلغ عليّا خبر خروج عائشة وطلحة والزبير خطب الناس وقال : إن الله عزوجل جعل لظالم هذه الأمة العفو والمغفرة ، وجعل لمن لزم الأمر واستقام الفوز والنجاة ، فمن لم يسعه الحق أخذ بالباطل. ألا وإن طلحة ، والزبير ، وعائشة قد تمالئوا على سخط إمارتي ودعوا الناس إلى الإصلاح ، وسأصبر ما لم أخف على جماعتكم وأكف إن كفوا وأقتصر على ما بلغني عنهم.

وقد كانت عائشة رضي‌الله‌عنها خرجت إلى مكة معتمرة قبل أن يقتل عثمان رضي‌الله‌عنه بعشرين يوما ، ولما خرج ابن عباس على الحج كما أمره عثمان ليتلو على أهل مكة كتابه رضي‌الله‌عنه ، مر بعائشة في الصّلصل (بنواحي المدينة على سبعة

٤٥٥

أميال منها) فقالت : يا ابن عباس أنشدك الله فإنك قد أعطيت لسانا إزعيلا (نشيطا) أن تخذل عن هذا الرجل (تعني عثمان) وأن تشكك فيه الناس ، فقد بانت لهم بصائرهم وأنهجت ورفعت لهم المنار ، وتحلبوا من البلدان لأمر قد جم ، وقد رأيت طلحة بن عبيد الله قد اتخذ على بيوت الأموال والخزائن مفاتيح ، فإن يل (الخلافة بعد عثمان) يسر بسيرة ابن عمه أبى بكر رضي‌الله‌عنه. فقال لها ابن عباس رضي‌الله‌عنه : يا أمّه ، لو حدث ما فزع الناس إلا إلى صاحبنا (يعنى لو قتل عثمان لبايع الناس عليّا) فقالت : إيها عنك! إني لست أريد مكابرتك ولا مجادلتك.

فقد كانت عائشة رضي‌الله‌عنها تريد أن يخذل ابن عباس عن عثمان. وتود أن يلي الخلافة طلحة الذي كان شديدا على عثمان فتعود الخلافة تيمية كما كانت ، وتكره أن يلي الخلافة علي. لكنها لما علمت أن الناس سيبايعونه إذا قتل عثمان خرجت إلى مكة ، ولما خرجت من مكة تريد المدينة لقيها بسرف رجل من أخوالها من بني ليث يقال له عبيد بن أبي سلمة فقالت له : مهيم؟ قال : قتل عثمان وبقوا ثمانية. قالت : ثم صنعوا ما ذا؟ قال : اجتمعوا على بيعة على. فقالت : ليت هذه انطبقت على هذه إن تم الأمر لصاحبك (أى ليت السماء انطبقت على الأرض) ردوني ، ردوني ، فانصرفت إلى مكة وهي تقول : قتل والله عثمان مظلوما ، والله لأطلبن بدمه. فقال لها : ولم؟ والله إن أول من أمال حرفه لأنت ، ولقد كنت تقولين اقتلوا نعثلا (عثمان) فقد كفر ، وفي رواية (فقد فجر). قالت : إنهم استتابوه ثم قتلوه ، وقد قلت وقالوا ، وقولي الأخير خير من قولي الأول. فقال لها ابن أم كلاب (وهو عبيد بن أبي سلمة) :

فمنك البداء ومنك الغير

ومنك الرياح ومنك المطر

وأنت أمرت بقتل الإمام

وقلت لنا إنه قد كفر

فهبنا أطعناك في قتله

وقاتله عندنا من أمر

ولم يسقط السقف من فوقنا

ولم ينكسف شمسنا والقمر

وقد بايع الناس ذا تدرإ

يزيل الشّبا ويقيم الصّعر

٤٥٦

ويلبس للحرب أثوابها

وما من وفى مثل من قد غدر

ثم انصرفت إلى مكة فقصدت الحجر فستّرت فيه فاجتمع الناس حولها.

خطبة عائشة في أهل مكة :

خطبت عائشة رضي‌الله‌عنها فقالت : أيها الناس إن الغوغاء من أهل الأمصار ، وأهل المياه ، وعبيد أهل المدينة اجتمعوا على هذا الرجل المقتول ظلما بالأمس ، ونقموا عليه استعمال من حدثت سنّه ، وقد استعمل أمثالهم قبله ، ومواضع من الحمى حماها لهم فتابعهم ونزع لهم عنها ، فلما لم يجدوا حجة ولا عذرا بادوا بالعدوان فسفكوا الدم الحرام ، واستحلوا البلد الحرام ، والشهر الحرام ، وأخذوا المال الحرام ، والله لإصبع عثمان خير من طباق الأرض أمثالهم ، وو الله لو أن الذي اعتدوا به عليه كان ذنبا ، لخلص منه كما يخلص الذهب من خبثه ، والثوب من درنه إذ ماصوه كما يماص الثوب بالماء

استعداد عائشة لمحاربة أمير المؤمنين :

بعد أن خطبت عائشة رضي‌الله‌عنها بمكة ، قال عبد الله بن عامر الحضرمي وكان عامل عثمان على مكة : ها أنا أول طالب ، فكان أول مجيب ، وتبعه بنو أمية على ذلك ، وكانوا هربوا من المدينة بعد قتل عثمان إلى مكة ورفعوا رؤسهم. وكان أول ما تكلموا بالحجاز ، وتبعهم سعيد بن العاص والوليد بن عقبة وسائر بني أمية ، وقدم عليهم عبد الله بن عامر من البصرة بمال كثير ، وقدم عليهم يعلى بن أمية ، وهو ابن منبه من اليمن ، وكان عاملا لعثمان ومعه ستمائة بعير ، وستمائة ألف درهم ، فأناخ بالأبطح ، وقدم طلحة والزبير من المدينة فلقيا عائشة ، فقالت : ما وراءكما؟ فقالا : إنا تحملنا هرّابا من المدينة من غوغاء وأعراب ، وفارقنا قوما حيارى لا يعرفون حقا ولا ينكرون باطلا ، ولا يمنعون أنفسهم ، انهضوا إلى هذه الغوغاء. وقال طلحة والزبير لعائشة : إن أطعتنا طلبنا بدم عثمان. قالت : وممن تطلبون دمه؟ قالا : إنهم قوم معروفون وإنهم بطانة علي ، ورؤساء أصحابه. فقالوا : نأتي الشام. فقال ابن عامر : قد

٤٥٧

كفاكم الشام معاوية ، فأتوا البصرة فإن لي فيها صنائع ، ولهم في طلحة هوى. قالوا : قبحك الله ، فو الله ما كنت بالمسالم ولا بالمحارب ، فهلا أقمت كما أقام معاوية فنكفي بك ، ثم تأتي الكوفة فنسد على هؤلاء القوم المذاهب؟ فلم يجدوا عنده جوابا مقبولا. فاستقام الرأى على البصرة وقالوا لها : نترك المدينة ، فإنا خرجنا فكان معنا من لا يطيق من بها من الغوغاء ، ونأتي بلدا مضيعا وسيحتجون علينا ببيعة علي فتنهضنهم كما أنهضت أهل مكة ، فإن أصلح الله الأمر كان الذي أردناه ، وإلا دفعنا بجهدنا حتى يقضي الله ما أراد ، فأجابتهم إلى ذلك.

طلحة والزبير يكاتبان عظماء البصرة :

قبل أن تسير عائشة رضي‌الله‌عنها إلى البصرة ، قال الزبير لعبد الله بن عامر : من رجال البصرة؟ قال : ثلاثة كلهم سيد مطاع ، كعب بن سور في اليمن والمنذر بن ربيعة في ربيعة والأحنف بن قيس في البصرة.

فكتب طلحة والزبير إلى كعب بن سور : أما بعد ، فإنك قاضي عمر بن الخطاب وشيخ أهل البصرة ، وسيد أهل اليمن ، وقد كنت غضبت لعثمان من الأذى ، فاغضب له من القتل ، والسّلام.

وكتبا إلى الأحنف بن قيس : أما بعد ، فإنك وافد عمر وسيد مضر وحليم أهل العراق ، وقد بلغك مصاب عثمان ، ونحن قادمون عليك ، والعيان أشفى لك من الخبر ، والسّلام.

وكتبا إلى المنذر بن ربيع : أما بعد ، فإن أباك كان رئيسا في الجاهلية ، وسيدا في الإسلام ، وإنك من أبيك بمنزلة المصلى من السابق ، يقال كاد أو لحق ، وقد قتل عثمان من أنت خير منه ، وغضب له من هو خير منك ، والسّلام.

ثلاثة كتب مختصرة تدعوهم إلى الانضمام إلى طلحة والزبير. فلما وصلت كتبهما ، قام زياد بن مضر ، والنعمان بن شوال وعزوان ، فقالوا : ما لنا ولهذا الحي من قريش؟ أيريدون أن يخرجونا من الإسلام بعد أن دخلنا فيه ، ويدخلونا في الشرك

٤٥٨

بعد أن خرجنا منه؟ قتلوا عثمان وبايعوا عليّا ، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم.

الرد على الكتب :

كتب كعب بن سور إلى طلحة والزبير : أما بعد ، فإنا غضبنا لعثمان من الأذى والغير باللسان ، فجاء أمر الغير فيه بالسيف. فإن يك عثمان قتل ظالما فما لكما وله. وإن كان قتل مظلوما فغير كما أولى به. وإن كان أمره أشكل على من شهده ، فهو على من غاب عنه أشكل.

وكتب الأحنف إليهما : أما بعد ، فإنه لم يأتنا من قبلكم أمر لا نشك فيه إلا قتل عثمان ، وأنتم قادمون علينا. فإن يكن في العيان فضل نظرنا فيه ونظرتم ، وإلا يكن فيه فضل فليس في أيدينا ولا في أيديكم ثقة ، والسّلام.

وكتب المنذر : أما بعد فإنه لم يلحقني بأهل الخير إلا أن أكون خيرا من أهل الشر وإنما أوجب حق عثمان اليوم حقه أمس ، وقد كان بين أظهركم فخذلتموه ، فمتى استنبطتم هذا العلم ، وبدا لكم هذا الرأي؟

فلما قرءا كتب القوم ساءهما ذلك وغضبا.

دعوة ابن عمر إلى الانضمام إلى عائشة :

ثم كلم طلحة ابن عمر فقال : يا أبا عبد الرحمن إنه والله لرب حق ضيعناه وتركناه فلما حضر العذر قضينا بالحق وأخذنا بالحظ ، إن عليّا يرى إنفاذ بيعته ، وإن معاوية لا يرى أن يبايع له ، وإنا نرى أن نردها شورى ، فإن سرت معنا ومع أم المؤمنين صلحت الأمور ، وإلا فهي الهلكة.

فقال ابن عمر : إن يكن قولكما حقّا ففضلا ضيعت ، وإن يكن باطلا فشرّ منه نجوت ، واعلما أن بيت عائشة خير لها من هودجها ، وأنتما بالمدينة خير لكما من البصرة ، والذل خير لكما من السيف ، ولن يقاتل عليّا إلا من كان خيرا منه ، وأما الشورى فقد والله كانت فقدم وأخرتما ، ولن يردها ألّا أولئك الذين حكموا فيها ، فاكفياني أنفسكما. فانصرف طلحة والزبير ، وكان الذي أشار عليهما بالكتابة إلى

٤٥٩

عظماء البصرة ودعوة ابن عمر هو مروان ، فلما رفض ابن عمر قال مروان لهما : استعينا عليه بحفصة. فأتيا حفصة فقالت : لو أطاعني أطاع عائشة. دعاه فاتركاه.

لما عوّلت عائشة رضي‌الله‌عنها على المسير إلى البصرة للمطالبة بدم عثمان بناء على ما استقر عليه رأيهم ، دعوا عبد الله بن عمر ليسير معهم فأبى وقال : أنا في أهل المدينة أفعل ما يفعلون ، فتركوه.

وكان أزواج رسول الله معها على قصد المدينة ، فلما تغير رأيها إلى البصرة تركن ذلك ، وأجابتهم حفصة إلى المسير معهم ، فمنعها أخوها عبد الله بن عمر وجهزهم يعلى بن منية بستمائة بعير وستمائة ألف درهم ، وجهزهم ابن عامر بمال كثير ، ونادى منادي عائشة : أن أم المؤمنين ، وطلحة ، والزبير شاخصون إلى البصرة ، فمن أراد إعزاز الإسلام وقتال المحلين ، والطلب بثأر عثمان وليس له مركب وجهاز ، فليأت. فحملوا ستمائة على ستمائة بعير ، وساروا في ١٠٠٠ ، وقيل : في ٩٠٠ من أهل المدينة ومكة ولحقهم الناس فكانوا في ٣٠٠٠ رجل. ولندع عائشة رضي‌الله‌عنها ومسيرها إلى البصرة للمطالبة بثأر عثمان ، ومعها من انضم إليها وطلحة والزبير لنرى الحالة بالمدينة.

الحالة بالمدينة وخروج على منها :

بينما علي رضي‌الله‌عنه يستعد لقتال معاوية ، ويدعو أهل المدينة لقتال أهل الفرقة ، بلغه خبر خروج عائشة وطلحة والزبير إلى البصرة للمطالبة بدم عثمان. فقال : إن فعلوا هذا فقد انقطع نظام المسلمين ، وما كان عليهم في المقام فينا مئونة ولا إكراه ، فاشتد الأمر على أهل المدينة فتثاقلوا. فبعث إلى عبد الله بن عمر كميلا النخعي (وقيل : بعث عمارا) فجاء به ، فقال : انهض معى. فقال : أنا مع أهل المدينة ، إنما أنا رجل منهم ، وقد دخلوا في هذا الأمر فدخلت معهم لا أفارقهم ، فإن يخرجوا أخرج ، وإن يقعدوا أقعد. قال : فاعطني زعيما بألّا تخرج. قال : ولا أعطيك زعيما (كفيلا). قال : لو لا ما أعرف من سوء خلقك صغيرا وكبيرا لأنكرتني ، دعوه فأنا به

٤٦٠