إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل - ج ٣١

آية الله السيّد شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي

__________________

زال يقاتل حتى قتل.

أبو بكر ، عن غندر ، عن شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن سلمة ، قال : رأيت عمارا يوم صفين شيخا آدم طوالا آخذا الحربة بيده ، ويده ترعد ، وهو يقول : والذي نفسي بيده ، لقد قاتلت بهذه الحربة مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثلاث مرات وهذه الرابعة ، والذي نفسي بيده لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعرفت أنّا على حق وأنهم على باطل.

ثم جعل يقول : صبرا عباد الله ، الجنة تحت ظلال السيوف.

أبو بكر بن أبي شيبة ، عن وكيع ، عن سفيان ، عن حبيب ، عن أبي البختري ، قال : لما كان يوم صفين واشتدت الحرب دعا عمار بشربة لبن وشربها وقال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لي : إن آخر شربة تشربها من الدنيا شربة لبن.

أبو ذر ، عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن جدته أم سلمة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : لما بنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مسجده بالمدينة أمر باللبن يضرب وما يحتاج إليه ، ثم قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فوضع رداءه ، فلما رأى ذلك المهاجرون والأنصار وضعوا أرديتهم وأكسيتهم يرتجزون ويقولون ويعملون :

لئن قعدنا والنبي يعمل

ذاك إذا لعمل مضلل

قالت : وكان عثمان بن عفان رجلا نظيفا متنظفا ، فكان يحمل اللبنة ويجافي بها عن ثوبه ، فإذا وضعها نفض كفيه ونظر إلى ثوبه ، فإذا أصابه شيء من التراب نفضه. فنظر إليه علي رضي‌الله‌عنه فأنشده :

لا يستوي من يعمر المساجدا

يدأب فيها راكعا وساجدا

وقائما طورا وطورا قاعدا

ومن يرى عن التراب حائدا

فسمعها عمار بن ياسر فجعل يرتجزها وهو لا يدري من يعني. فسمعه عثمان ، فقال : يا بن سمية ، ما أعرفني بمن تعرض ، ومعه جريدة ، فقال : لتكفن أو لأعترضنّ بها وجهك. فسمعه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو جالس في ظل حائط ، فقال : عمار

٣٤١

كنز ٣٢٩٧٠.

ومنهم الفاضل المعاصر حسن كامل الملطاوي في كتابه «رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في القرآن» (ص ٢٠٦ ط دار المعارف ـ القاهرة) قال :

قال ابن إسحاق : فدخل عمار بن ياسر وقد أثقلوه في اللبن فقال : يا رسول الله قتلوني ، يحملون عليّ ما لا يحملون ، قالت أم سلمة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ينفض وفرته (شعر رأسه) بيده وكان رجلا جعدا ، وهو يقول : ويح ابن سمية ليسوا بالذين يقتلونك إنما تقتلك الفئة الباغية.

أقول : وقد قتله فئة معاوية في صفين ، فقال إمامنا علي كرم الله وجهه : الحمد لله الذي أراني أني على الحق ، فانظر كيف تحققت المعجزة بعد أربعين سنة ، وصلوات الله على صاحب المعجزات. قال ابن إسحاق : وارتجز علي بن أبي طالب يومئذ :

لا يستوي من يعمر المساجدا

يدأب فيها قائما وقاعدا

ومن يرى عن الغبار حائدا

__________________

جلدة ما بين عيني وأنفي ، فمن بلغ ذلك منه فقد بلغ مني ، وأشار بيده فوضعها بين عينيه. فكف الناس عن ذلك ، وقالوا لعمار : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد غضب فيك ونخاف أن ينزل فينا قرآن. فقال : أنا أرضيه كما غضب. فأقبل عليه فقال : يا رسول الله ، ما لي ولأصحابك؟ قال : وما لك ولهم؟ قال : يريدون قتلي ، يحملون لبنة ويحملون علي لبنتين. فأخذ به وطاف به في المسجد ، وجعل يمسح وجهه من التراب ويقول : يا ابن سمية ، لا يقتلك أصحابي ، ولكن تقتلك الفئة الباغية.

فلما قتل بصفين وروى هذا الحديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال معاوية : هم قتلوه لأنهم أخرجوه إلى القتل. فلما بلغ ذلك عليا قال : ونحن قتلنا أيضا حمزة لأنا أخرجناه.

٣٤٢

ومنهم الفاضل المعاصر الشيخ عدنان شلاق في «فهرس الأحاديث والآثار» لكتاب «الكنى والأسماء» للدولابي (ص ١٢٠ ط عالم الكتب في بيروت) قال :

إن أوّل من يبدل سنتي رجل من بني أمية.

٣٤٣

كل مؤلف تعرض لحرب صفين

قال : إن معاوية كان باغيا وإن الإمام عليا عليه‌السلام

كان مع الحق والحق يدور معه حيث دار

قاله جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم الحافظ الشيخ محمد بن حبان بن أبي حاتم التميمي البستي المتوفى سنة ٣٥٤ في كتابه «الثقات» (ط دائرة المعارف العثمانية في حيدرآباد).

ومنهم أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ابن الجوزي المتوفى سنة ٥٩٧ في «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» (ط دار الكتب العلمية بيروت).

ومنهم العلامة محمد بن عبد الله الإسكافي في «المعيار الموازنة» (ط بيروت).

ومنهم الفاضل نعمان قساطلي ابن عبده بن يوسف الدمشقي في «الروضة الغناء في دمشق الفيحاء» (دار الرائد العربي ـ بيروت عام ١٤٠٣).

ومنهم العلامة الحافظ أبو حاتم محمد بن أحمد التميمي البستي المتوفى سنة ٣٥٤

٣٤٤

في «السيرة النبوية وأخبار الخلفاء» (ط مؤسسة الكتب الثقافية ودار الفكر في بيروت).

ومنهم العلامة الشيخ حافظ بن أحمد حكمي في «معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول» في التوحيد (ج ٢ ص ٤٧٥ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت).

ومنهم الفاضل محمد حميد الله في «مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة» (ط دار النفائس ـ بيروت).

ومنهم الفاضل المعاصر عبد الرحمن الشرقاوي في «علي إمام المتقين» (ج ٢ ط مكتبة غريب الفجالة).

ومنهم الشريف أبو الحسن علي الحسني الندوي في «المرتضى سيرة سيدنا أبي الحسن علي بن أبي طالب» (ط دار القلم ـ دمشق).

ومنهم الفاضل المعاصر الأستاذ عباس محمود العقاد في «المجموعة الكاملة ـ العبقريات الإسلامية» (ط دار الكتاب اللبناني ـ بيروت).

ومنهم الفاضل المعاصر المحامي صبحي محمصاني في «تراث الخلفاء الراشدين في الفقه والقضاء» (ط دار العلم للملايين ـ بيروت).

ومنهم الفاضل المعاصر عبد الخالق سيد أبو رابية المصري في كتابه «عمرو بن العاص بين يدي التاريخ» (ط الزهراء للإعلام العربي بالقاهرة).

ومنهم الحافظ جلال الدين السيوطي في «فاكهة الصيف وأنيس الضيف» (ط مكتبة ابن سينا بالقاهرة).

ومنهم الأمير أحمد حسين بهادر خان الحنفي البريانوي الهندي في «تاريخ الأحمدي» (ط بيروت).

٣٤٥

ومنهم الفاضل المعاصر محمود شلبي في كتابه «حياة الإمام علي عليه‌السلام» (ط دار الجيل في بيروت).

ومنهم الدكتور أحمد شلبي في «موسوعة التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية» (ط مكتبة النهضة المصرية).

ومنهم الفاضل المعاصر الشيخ علي بن جابر الحربي في «منهج الدعوة النبوية» (ط الزهراء للإعلام العربي في مدينة نصر ـ القاهرة سنة ١٤٠٦).

ومنهم العلامة المعاصر الشيخ محمد العربي التباني الجزائري المكي في «تحذير العبقري من محاضرات الخضري» (ط دار الكتب العلمية في بيروت)

ومنهم علامة الأدب واللغة أبو هلال الحسن بن عبد الله العسكري كان حيا سنة ٣٩٥ في كتابه «جمهرة الأمثال» (ط بيروت سنة ١٤٠٨).

ومنهم الفاضل المستشار عبد الحليم الجندي في «الإمام جعفر الصادق» عليه‌السلام (ص ٤٤ ط المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ـ القاهرة).

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور محمد رواس قلعه جي في «موسوعة فقه إبراهيم النخعي عصره وحياته» (ط دار النفائس ـ بيروت).

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور حسين عطوان في «الفرق الإسلامية في بلاد الشام في العصر الأموي» (ط دار الجيل).

ومنهم الفاضل المعاصر أحمد حسن الباقوري المصري في «علي إمام الأئمة» (ط دار مصر للطباعة).

ومنهم الشريف علي فكري القاهري الحسيني في «السمير المهذب» (ط دار الكتب

٣٤٦

العلمية ـ بيروت).

ومنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب «جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب» (والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان).

ومنهم العلامة مفتي الحجاز الشيخ شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمي المكي المتوفى سنة ٩٧٣ في «الخيرات الحسان» (ص ٨٦ ط دار الكتب العلمية في بيروت سنة ١٤٠٣) قال :

ما قاتل أحد عليا إلا وعلي أعلى بالحق منه ، ولو لا ما شاع من علي فيهم ما علم أحد كيف السيرة في قتال بغاة المسلمين ، ونظير هذا قول الشافعي رحمه‌الله أخذت أحكام البغاة وقتالهم من قتال علي لمعاوية رضي‌الله‌عنهما.

ومنهم الفاضل المعاصر الشيخ محمد الخضري ابن الشيخ عفيفي الباجوري المفتش بوزارة الأوقاف في «إتمام الوفاء في سيرة الخلفاء» (ط المكتبة التجارية الكبرى بمصر).

ومنهم الفاضلة المعاصرة ليلى مبروك في كتابها «علامات الساعة الصغرى والكبرى» (ط المختار الإسلامي ـ القاهرة).

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور عبد الرحمن عميرة في كتابه «رجال أنزل الله فيهم قرآنا» (ط دار الجيل ـ بيروت سنة ١٤٠٧).

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور السيد عبد العزيز سالم أستاذ التاريخ الإسلامي في «تاريخ الدولة العربية منذ ظهور الإسلام حتى سقوط الدولة الأموية» (ط مؤسسة شباب الجامعة).

ومنهم الفاضل المعاصر خالد محمد خالد في كتابه «في رحاب علي عليه‌السلام»

٣٤٧

(ط دار المعارف بمصر ودار المعارف بلبنان».

ومنهم الدكتورة فتحية النبراوي والدكتور محمد نصر مهنا في «تطور الفكر السياسي في الإسلام» (ط دار المعارف ـ كورنيش النيل ، القاهرة).

ومنهم الفاضل المعاصر عبد الوهاب النجار في «الخلفاء الراشدون» (ص ٣٨٨ ط ١ دار القلم ـ بيروت).

ومنهم العلامة محمد بن حسن الآلاني الكردي المتوفى سنة ١١٨٩ في «رفع الخفا شرح ذات الشفا» (ط عالم الكتب ومكتبة النهضة العربية).

ومنهم الفاضل المعاصر انعام الجندي في «الرائد في الأدب العربي» (ط ٢ دار القلم ـ بيروت).

ومنهم الفاضل المعاصر محمد رضا في «الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه رابع الخلفاء الراشدين» (ط دار الكتب العلمية ـ بيروت).

ومنهم الشريف علي فكري الحسيني القاهري في «أحسن القصص» (ط دار الكتب العلمية في بيروت).

ومنهم الحافظ أبو عثمان سعيد بن منصور بن شعبة الخراساني المكي في «السنن» (ط دار الكتب العلمية ـ بيروت).

ومنهم الفاضلان المعاصران الشريف عباس أحمد صقر وأحمد عبد الجواد المدنيان في «جامع الأحاديث» (القسم الثاني ط دمشق).

ومنهم العلامة أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن سعيد بن عبد الله بن سعيد بن علي ابن أحمد السلماني القرطبي المولود سنة ٧١٣ المعروف بلسان الدين ابن الخطيب في

٣٤٨

«رقم الحلل في نظم الدول» (ط وزارة الثقافة ـ دمشق).

ومنهم الفاضل المعاصر علي إبراهيم حسن أستاذ التاريخ الإسلامي في «التاريخ الإسلامي العام» (ط مكتبة النهضة المصرية القاهرة).

ومنهم الدكتور عبد السلام الترمانيني في «أحداث التاريخ الإسلامي بترتيب السنين» (ط الكويت).

ومنهم الفاضلان عبد مهنا وسمير جابر في «أخبار النساء في العقد الفريد» (ط دار الكتب العلمية ـ بيروت).

ومنهم الفاضل بطرس البستاني الماروني اللبناني في «أدباء العرب في الجاهلية وصدر الإسلام» (ط دار مارون عبود ـ بيروت).

ومنهم جماعة من الفضلاء في «علي بن أبي طالب ـ نظرة عصرية جديدة» (ط المؤسسة العربية للدراسات والنشر ـ بيروت).

ومنهم الدكتور أبو زيد شلبي أستاذ الحضارة بكلية اللغة العربية ـ جامعة الأزهر في «الخلفاء الراشدون» (ط مكتبة وهبة ـ القاهرة).

ومنهم الدكتور حسن حنفي في «من العقيدة إلى الثورة ـ الإيمان والعمل ـ الإمامة» (ط مكتبة مدبولي).

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور أحمد حجازي السقافي «الخوارج الحروريون» (ط مكتبة الكليات الأزهرية ـ القاهرة).

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور محمد أسعد طلس في «تاريخ العرب».

ومنهم الفاضل المعاصر الشيخ محمد الخضري بك المفتش بوزارة المعارف بمصر في

٣٤٩

«محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية» (ط المكتبة التجارية الكبرى بمصر).

ومنهم قاضي القضاة صدر جهان في «طبقات ناصري» (ط پوهني كابل).

ومنهم الفاضل المعاصر أحمد زكي صفوت وكيل كلية دار العلوم جامعة القاهرة سابقا في «جمهرة رسائل العرب في عصور العربية الزاهرة» (ط المكتبة العلمية ـ بيروت).

ومنهم الفاضل المعاصر أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول في «موسوعة أطراف الحديث النبوي الشريف» (ج ٥ ص ٢٦٢ ط عالم التراث للطباعة والنشر ـ بيروت) قال :

سيكون بعدي قوم يقاتلون عليا حق على الله ...

مجمع ٩ / ١٣٤.

٣٥٠

مستدرك

تأسف عبد الله بن عمر

على عدم مقاتلته الفئة الباغية

تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج ٨ ص ٤٤٢ ومواضع أخرى ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق :

فمنهم العلامة كمال الدين عمر بن أحمد بن هبة الله الشهير بابن العديم المتوفى سنة ٦٦٠ في كتابه «بغية الطلب في تاريخ حلب» (ص ٢٩٥ ط معهد تاريخ العلوم العربية في فرانكفورت سنة ١٤٠٦) قال :

أنبأنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد القاضي ، عن كتاب زاهر بن طاهر الشحامي أن أبوي عثمان الصابوني والبحيري وأبوي بكر البيهقي والحيري كتبوا إليه ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ ، قال : حدثني محمد بن صالح ، قال : حدثنا عمر بن الحسن القاضي ببغداد ، قال : حدثنا الحسن بن أحمد بن الحسن السبيعي ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا قيس بن الربيع ، عن الصلت بن بهرام ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن ابن عمر قال : ما آسي على شيء كما آسي

٣٥١

على أني لم أقاتل الفئة الباغية مع علي.

ومنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب «جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب» (ص ٤٣ والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان) قال :

وعن ابن عمر أنه قال : ما آسي على شيء إلا أني لم أقاتل مع علي الفئة الباغية وعلى صوم الهواجر. وهذا أعظم دليل على صحة خلافته.

ومنهم العلامة المعاصر الشيخ محمد العربي التباني الجزائري المكي في «تحذير العبقري من محاظرات الخضري» (ج ٢ ص ١٠ ط بيروت) قال :

وروى الدار قطني في المؤتلف والمختلف بأسناده إلى ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال : ما آسي على شيء إلا على أن لا أكون قاتلت الفئة الباغية. ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب في ترجمة علي.

مستدرك

إن الأمير عليه‌السلام كان مصيبا في قتاله

والذين قاتلوه كانوا بغاة ظالمين

تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج ٨ ص ٤١٧ ومواضع أخرى ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق :

فمنهم العلامة السيد صديق حسن خان القنوجي في «اكليل الكرامة في تبيين مقاصد الإمامة» (ص ٢٣) قال :

٣٥٢

وقال الشوكاني في «وبل الغمام على شفاء الأوام» : لا شك ولا شبهة أن الحق بيده في جميع مواطنه ، أما طلحة والزبير ومن معهما فلأنهم قد كانوا بايعوه فنكثوا بيعته بغيا عليه وخرجوا في جيوش من المسلمين فوجب عليه قتالهم ، وأما قتاله للخوارج فلا ريب في ذلك ، والأحاديث المتواترة قد دلّت على أنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، وأما أهل صفين فبغيهم ظاهر ، ولو لم يكن في ذلك إلا قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعمار : تقتلك الفئة الباغية لكان ذلك مفيدا للمطلوب ، ثم ليس معاوية ممن يصلح لمعارضة علي ولكنه أراد طلب الرياسة والدنيا بين أقوام أغنام لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا فخادعهم بأنه طالب بدم عثمان فنفق ذلك عليهم وبذلوا بين يديه دماءهم وأموالهم ونصحوا له ، حتى كان يقول علي لأهل العراق أنه يودّ أن يصرف العشرة منهم بواحد من أهل الشام صرف الدراهم بالدينار ، وليس العجب من مثل عوام الشام إنما العجب ممن له بصيرة ودين كبعض الصحابة المائلين إليه وبعض فضلاء التابعين ، فليت شعري أي أمر اشتبه عليهم في ذلك الأمر حتى نصروا المبطلين وخذلوا المحقين ، وقد سمعوا قول الله تعالى : (فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ) وسمعوا الأحاديث المتواترة في تحريم عصيان الأئمة ما لم يروا كفرا بواحا ، وسمعوا قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعمار أنها تقتله الفئة الباغية ، ولو لا عظيم قدر الصحبة ورفيع فضل خير القرون لقلت : حب المال والشرف قد فتن سلف هذه الأمة كما فتن خلفها ، اللهم غفرا. انتهى كلامه رحمه‌الله.

ومنهم العلامة الشيخ حافظ بن أحمد حكمي في «معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول» في التوحيد (ج ٢ ص ٤٧٥ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) قال :

وأما علي رضي‌الله‌عنه فكان مجتهدا مصيبا وفالجا محقا يريد جمع كلمة الأمة حتى إذا كانوا جماعة وخمدت الفتن وطفئت نارها أخذ بالحق من قتلة عثمان ،

٣٥٣

وكان رضي‌الله‌عنه أعلم بكتاب الله من المطالبين بدم عثمان ، وكان السبئية يخافونه أعظم من خصمائه ، وذلك الذي حملهم على ما فعلوه يوم الجمل فكان أهل الشام بغاة اجتهدوا فأخطئوا وعلي رضي‌الله‌عنه يقاتلهم ليرجعوا إلى الحق ويفيئوا إلى أمر الله ، ولهذا كان أهل بدر الموجودون على وجه الأرض كلهم في جيشه وعمار قتل معه رضي‌الله‌عنه كما في الصحيحين من حديث أبي سعيد في بناء المسجد ، فقال كنا نحمل لبنة لبنة وعمار لبنتين ، فرآه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فينفض التراب عنه ويقول : ويح عمارا تقتله الفئة الباغية ، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار ، قال يقول عمار : أعوذ بالله من الفتن ، فقتله أهل الشام مصداق ما أخبرهم به الصادق المصدوق صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يدعوهم إلى الجماعة والائتلاف وإلى طاعة الإمام التي هي من أسباب دخول الجنة ويدعونه إلى الفتنة والفرقة التي هي من أسباب دخول النار ، وكان علي رضي‌الله‌عنه أسعد منهم وأولاهم بالحق لقتله الخوارج بالنهروان ، وقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : تقتلهم أولى الطائفتين بالحق كما قدمنا.

ومنهم العلامة الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي المتوفى سنة ٤٥٨ في «الإعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد» (ص ٢٤٩ ط عالم الكتب في بيروت سنة ١٤٠٥) قال :

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، ثنا علي بن حمشاد ، ثنا الحرث بن أبي أسامة أن كثير بن هشام حدثهم ، ثنا جعفر بن برقان ، ثنا ميمون بن مهران ، عن أبي أمامة قال : شهدت صفين فكانوا لا يجهزون على جريح ولا يقتلون موليا ولا يسلبون قتيلا ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخبر بفرقة تكون بين طائفتين من أمته فيخرج من بينهما مارقة يقتلها أولى الطائفتين بالحق ، فكانت هذه الفرقة بين علي ومن نازعه وقد جعلهما جميعا من أمته ثم خرجت هذه المارقة وهي أهل النهروان قتلهم

٣٥٤

علي وأصحابه وهم أولى الطائفتين بالحق وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصف المارقة الخارجة وأخبر بالمخدج الذي يكون فيهم فوجدوا بالصفة التي وصف ووجد المخدج بالنعت الذي نعتوذلك بيّن في حديث أبي سعيد الخدري وغيره ، وكان إخبار النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بذلك ووجود تصديقه بعد وفاته من دلائل النبوة ، ومما يؤثر في فضائل أمير المؤمنين علي رضي‌الله‌عنه في كونه محقا في قتالهم مصيبا في قتل من قتل منهم ، وحين وجد المخدج سجد علي رضي‌الله‌عنه شكرا لله تعالى على ما وفق له من قتالهم.

ومنهم العلامة المعاصر الشيخ محمد العربي التباني الجزائري المكي في «تحذير العبقري من محاظرات الخضري» (ج ١ ص ٢٣٤ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) قال :

قال الإمام عبد القاهر الجرجاني في كتاب الإمامة : أجمع فقهاء الحجاز والعراق من فريقي أهل الحديث والرأي منهم مالك والشافعي وأبو حنيفة والأوزاعي والجمهور الأعظم من المسلمين والمتكلمين : على أن عليا مصيب في قتاله لأهل صفين كما هو مصيب في أهل الجمل ، وأن الذين قاتلوه بغاة ظالمون له لكن لا يكفرون ببغيهم.

وقال الإمام أبو منصور الماتريدي : أجمعوا على أن عليا كان مصيبا في قتال أهل الجمل طلحة والزبير وعائشة بالبصرة ، وأهل صفين معاوية وعسكره. وفي روض السهيلي أن عاملا لعمر (رض) قال لعمر : رأيت الليلة كأن الشمس والقمر يقتتلان ومع كل نجوم ، فقال له عمر : مع أيهما كنت؟ قال : مع القمر ، قال : كنت مع الآية الممحوة اذهب لا تعمل لي عملا أبدا ، وعزله فقتل بصفين مع معاوية ، واسم ذلك العامل حابس بن سعد. و

قال عليه الصلاة والسلام لعمار : تقتلك الفئة الباغية ، رواه الشيخان.

قال العلماء : وحديث عمار متواتر ، قال القرطبي : ولما لم يقدر معاوية على

٣٥٥

إنكاره قال : إنما قتله من أخرجه. فأجابه علي : بأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا قتل عمه حمزة حين أخرجه. قال ابن دحية : وهذا من الإلزام المفحم الذي لا جواب عنه ، وحجة لا اعتراض عليها.

ومنهم الفاضل المعاصر الأستاذ عباس محمود العقاد في «المجموعة الكاملة ـ العبقريات الإسلامية» (ج ٢ ص ٢٠ ط دار الكتاب اللبناني ـ بيروت) قال :

أما مروءته في هذا الباب فكانت أندر بين ذوي المروءة من شجاعته بين الشجعان ، فأبى على جنده وهم ناقمون أن يقتلوا مدبرا أو يجهزوا على جريح أو يكشفوا سترا أو يأخذوا مالا ، وصلى في وقعة الجمل على القتلى من أصحابه ومن أعدائه على السواء ، وظفر بعبد الله بن الزبير ومروان بن الحكم وسعيد بن العاص وهم ألد أعدائه المؤلبين عليه فعفا عنهم ولم يتعقبهم بسوء ، وظفر بعمرو بن العاص وهو أخطر عليه من جيش ذي عدة فأعرض عنه وتركه ينجو بحياته حين كشف عن سوأته اتقاء لضربته ، وحال جند معاوية بينه وبين الماء في معركة صفين وهم يقولون له : ولا قطرة حتى تموت عطشا ، فلما حمل عليهم وأجلاهم عنه سوّغ لهم أن يشربوا منه كما يشرب جنده ، وزار السيدة عائشة بعد وقعة الجمل فصاحت به صفية أم طلحة الطلحات : أيتم الله منك أولادك كما أيتمت أولادي. فلم يرد عليها شيئا ، ثم خرج فأعادت عليه ما استقبلته به فسكت ولم يرد عليها. قال رجل أغضبه مقالها : يا أمير المؤمنين ، أتسكت عن هذه المرأة وهي تقول ما تسمع؟ فانتهره وهو يقول : ويحك! إنا أمرنا أن نكف عن النساء وهن مشركات أفلا نكف عنهن وهن مسلمات؟ وإنه لفي طريقه إذ أخبره بعض أتباعه عن رجلين ينالان من عائشة فأمر بجلدهما مائة جلدة. ثم ودع السيدة عائشة أكرم وداع وسار في ركابها أميالا وأرسل معها من يخدمها ويحف بها ، قيل أنه أرسل معها عشرين امرأة من نساء عبد القيس عممهن بالعمائم وقلدهن السيوف ، فلما كانت ببعض الطريق ذكرته بما لا يجوز أن

٣٥٦

يذكر به وتأففت وقالت : هتك ستري برجاله وجنده الذين وكلهم بي ، فلما وصلت إلى المدينة ألقى النساء عمائمهن وقلن لها : إنما نحن نسوة.

وكانت هذه المروءة سنته مع خصومه ، من استحق منهم الكرامة ومن لم يستحقها ، ومن كان في حرمة عائشة رضي‌الله‌عنها ومن لم تكن له قط حرمة ، وهي أندر مروءة عرفت من مقاتل في وغر القتال.

وتعدلها في النبل والندرة سلامة صدره من الضغن على أعدى الناس له وأضرهم به وأشهرهم بالضغن عليه ، فنهى أهله وصحبه أن يمثلوا بقاتله وأن يقتلوا أحدا غيره ، ورثى طلحة الذي خلع بيعته وجمع الجموع لحربه رثاء محزون يفيض كلامه بالألم والمودة ، وأوصى أتباعه ألا يقاتلوا الخوارج الذين شقوا صفوفه وأفسدوا عليه أمره وكانوا شرا عليه من معاوية وجنده ، لأنه رآهم مخلصين وإن كانوا مخطئين وعلى خطئهم مصرّين.

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور السيد الجميلي في «صحابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار» (ص ٦٤ ط دار الكتاب العربي ـ بيروت) قال :

وفروسية علي رضي‌الله‌عنه ، وبطولته لا ينازع فيها أحد ولا يمتري فيها ذو امتراء ، فبعد أن انتصر في وقعة الجمل وقبل موقعة صفين بوقت قليل ، نما إلى علمه أن اثنين من كبار شيعته يحملون على معاوية ويشتمونه ، ولعن أهل الشام المتمردين على بيعة علي رضي‌الله‌عنه ، فلما سمع بهما بعث إليهما برسالة يأمرهما أن يكفا عن شتم معاوية وقذعه بالمقبوحات ، فلما أن قدما عليه وسألاه : ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ أجابهم : بلى ورب الكعبة ، قالا : فلم تمنعنا من شتمهم وسبهم ولعنهم؟ قال علي رضي‌الله‌عنه : كرهت لكم أن تكونوا شتامين لعانين ولكن قولوا : اللهم احقن دماءنا ودماءهم ، وأصلح ذات بيننا وبينهم ، واهدهم من

٣٥٧

ضلالتهم حتى يعرف الحق من جهله ، ويرعوي عن الغي من لجّ به.

وفي فضائل الإمام علي وردت أحاديث كثيرة :

عن مساور الحميري ، عن أمه قالت : سمعت أم سلمة تقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول ـ فذكر الأحاديث الواردة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في فضائله عليه‌السلام.

ومنهم العلامة السيد محمد صديق حسن الحسيني القنوجي البخاري في «الإذاعة» (ص ٧٤ ط دار الكتب العلمية في بيروت) قال :

قال الحافظ ابن دحية : والإجماع منعقد على أن طائفة الإمام طائفة عدل ، والأخرى طائفة بغي ، ومعلوم أن عليا كان الإمام ، انتهى.

وقال أبو عمر بن عبد البر في كتاب [الاستيعاب] : وتواترت الأخبار عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال : يقتل عمارا الفئة الباغية ، وهو من أصح الأحاديث. انتهى.

وأجمع فقهاء الحجاز والعراق من فريق الحديث والرأي ، منهم مالك والشافعي وأبو حنيفة والأوزاعي والجمهور الأعظم من المتكلمين على أن عليا مصيب في قتاله لأهل صفين ، كما قالوا بإصابته في قتل أصحاب الجمل.

وقالوا أيضا بأن الذين قاتلوه بغاة ظالمون له.

ومنهم الفاضل المعاصر عبد الرحمن الشرقاوي في كتابه «أئمة الفقه التسعة» (ج ١ ص ١٩٩ ط الهيئة المصرية العامة للكتاب) قال :

وقد استطاع الشافعي وهو في مصر أن يتحرر في آرائه ، فألف كتابا عن قتال أهل البغي لعله لم يكن يستطيع أن يضعه في غير مصر.

وقتال أهل البغي قائم على تفسير قوله تعالى : (فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ

٣٥٨

إِلى أَمْرِ اللهِ).

وقد ورد هذا النص باقتتال المسلمين ، إذا فئة منهم بغت على الأخرى.

وأهل البغي عند الشافعي هم معاوية بن أبي سفيان وجنوده الذين حاربوا أمير المؤمنين عليا بن أبي طالب ، والشافعي يرى قتالهم واجبا شرعيا.

ولقد نقد بعض أصحاب أحمد بن حنبل شيخه الشافعي على كتابه قتال أهل البغي وقالوا : إنه متشيع ، فقال أحمد : سبحان الله ، وهل ابتلي أحد بقتال أهل البغي قبل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب؟

وقال أيضا في ج ٢ ص ٢٥ :

وقد بنى أحمد آراءه في قتال أهل البغي على سيرة الإمام علي كرم الله وجهه ، متبعا في ذلك رأي الإمام الشافعي ، فلما عاتبه أحد أصحابه قال : ويحك يا عجبا لك! فما عسى أن يقال في هذا إلا هذا؟ وهل ابتلي أحد بقتال أهل البغي قبل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه؟

وقال أيضا في ص ١٤٢ :

ولكن ابن حزم لم يدن معاوية بالبغي على الإمام علي كما قضى بذلك الأئمة الذين تعرضوا لهذا الأمر من قبل ، فأخذوا أحكام البغاة من سلوك علي مع معاوية وجنده ، واعتبروا عليا بن أبي طالب أول من ابتلي بأهل البغي ، فما صنعه معهم أحكام يجب إتباعها شرعا ، بهذا أفتى الإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل ومن تابعهم.

ومنهم الفاضل المعاصر عبد الرحمن الشرقاوي في «علي إمام المتقين» (ج ٢ ص ٥٩ ط مكتبة غريب الفجالة) قال :

٣٥٩

وكان أبو الكلاع من أقوى أصحاب معاوية ، وأشدهم تحرجا ، وأكثرهم سطوة وتأثيرا على أهل الشام.

كان يحب عليا ، ولكنه خرج يقاتله ، لأن معاوية أقنعه بأن عليا مسئول عن قتل عثمان ، فقد حشد معاوية عددا ممن ينتسبون إلى العلم ، فجعلهم أئمة على المساجد.

وأجزل لهم العطاء وأغدق عليهم وأقطع لهم الإقطاعات ، وملأ خزائنهم بالذهب والفضة ، وربط مصيرهم بمصيره ، وأقنعهم بأنه هو ولي دم عثمان ، وقد قتل عثمان مظلوما ، فلمعاوية سلطان ، وله الحق في أن يطالب بدمه.

وإذ هذا النفر يقنعون الآخرين برأي معاوية ، ويتأولون تفسير الآية الكريمة :

(وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً).

هذا النفر من علماء الشام ، كانوا كما قال الإمام علي عنهم أنهم علماء مرتشون باعوا علمهم ودينهم بزخرف الدنيا ، فهم يعلمون أن ولي الأمر ـ وهو الإمام ـ هو وحده المسئول عن القصاص ، ومع ذلك فقد قالوا وعملوا بغير ما تعلموا وبغير ما علموا ، وكان أبو الكلاع في شك من أمرهم جميعا.

لقد سمع أن عمار بن ياسر من أمراء جيش علي ، وهو يعلم كما يعلم كل المسلمين أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعمار بن ياسر : تقتلك الفئة الباغية ، فهذا الحديث الشريف لا يجهله أحد ، ولا ينكره أحد في كل بلاد المسلمين ، وفي كل بلاد المسلمين تتواتر أحاديث شريفة فيها ثناء على عمار بن ياسر ، وفيها أن عمار بن ياسر ما خيّر بين شيئين إلا اختار أرشدهما.

ومضى أبو الكلاع يسأل عمرو بن العاص عن عمار ، وسكت عمرو ، فصاح أبو الكلاع : ويحك ، ما هذا يا عمرو؟ ألم يقل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يلتقي أهل الشام وأهل العراق ، وفي إحدى الكتيبتين الحق وإمام الهدى ، ومعه عمار بن ياسر؟ قال عمرو في ضيق : عمار بن ياسر سيرجع إلينا.

٣٦٠