المدارس النحويّة

الدكتور شوقي ضيف

المدارس النحويّة

المؤلف:

الدكتور شوقي ضيف


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار المعارف
الطبعة: ٧
الصفحات: ٣٧٥

يريد أن حذف الفعل مع المصادر أو المفاعيل المطلقة كحذفه مع المفعول به. وكان يذهب إلى أن مثل حنانيك ولبّيك وسعديك مفعولات مطلقة لفعل محذوف ، وقد صيغت على التثنية قصدا للتكثير ، فمعنى حنانيك مثلا تحنّنا بعد تحنن (١). وعلى نحو ما يحذف الفعل تحذف أن المصدرية بعد اللام الداخلة على المضارع المنصوب هى وأخواتها : حتى وأو والواو والفاء. وكان يطرد ذلك فى إذن خلافا لجمهور النحاة بعده وفى مقدمتهم تلميذه سيبويه ، إذ قالوا إنها تنصب المضارع أحيانا بنفسها مثل أن ولن ، وليست بمنزلة اللام وحتى (٢). وتحذف حروف الجر أحيانا وهى تحذف قياسا مع أنّ وأن وصلتهما فى مثل قوله تعالى : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) وقولك. «أرغب أن أراك» فالتقدير شهد الله بأنه ، وأرغب فى أن أراك أو عن أن أراك. وكان الخليل يذهب إلى أنهما وصلتهما منصوبان على تقدير نزع الخافض (٣). وسأله سيبويه عن قوله جلّ ذكره : (وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) فقال : إنما هو على حذف اللام كأنه قال : ولأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون ، وأن وصلتها منصوبان على نزع الخافض (٤).

وعلى نحو ما تحذف العوامل تحذف المعمولات ، فالخبر قد يحذف ، ويكثر حذف المفعول به إذا قامت قرينة كآيات سورة الضحى : (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى). ومما يطّرد فيه الحذف ضمير الشان إذا كان اسما لإن وكأن ولكن وأنّ ، قال سيبويه : «روى الخليل أن ناسا يقولون إنّ بك زيد مأخوذ ، وقال ، هذا على قوله إنه بك زيد مأخوذ ، وشبّهه بما يجوز فى الشعر نحو قول ابن صريم اليشكرى :

ويوما توافينا بوجه مقسّم (٥)

كأن ظبية تعطو إلى وارق السّلم

وقول الآخر :

ووجه مشرق النّحر

كأن ثدياه حقّان

__________________

(١) الكتاب ١ / ١٧٤.

(٢) الكتاب ١ / ٤١٢.

(٣) المغنى ص ٥٨٠.

(٤) الكتاب ١ / ٤٦٤.

(٥) مقسم : جميل القسمات. تعطو إلى : تتناول. السلم : شجر.

٤١

لأنه لا يحسن ههنا إلا الإضمار ، قال الخليل : وهذا يشبه قول من قال ، وهو الفرزدق :

فلو كنت ضبّيّا عرفت قرابتى

ولكنّ زنجىّ عظيم المشافر

وجوّز الخليل فى البيت أن يقال ولكن زنجيّا عظيم المشافر بالنّصب ، على أن يكون خبر لكن محذوفا وتقديره لا يعرف قرابتى ، وشبّه ذلك بحذف الخبر فى قوله عزوجل : (طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) أى طاعة وقول معروف أمثل .. وأما قول الأعشى :

فى فتية كسيوف الهند قد علموا

أن هالك كلّ من يحفى وينتعل

فإن هذا على إضمار الهاء (١)». وكان يذهب إلى أن الحذف فى بيت الأخطل :

ولقد أبيت من الفتاة بمنزل

فأبيت لا حرج ولا محروم

ليس على إضمار أنا مع المرفوعين فى الشطر الثانى أى أنا لا حرج ولا محروم وإنما هو على سبيل الحكاية أى : فأبيت بمنزلة الذى يقال له لا حرج ولا محروم (٢). ومما خرّجه على الحكاية أيضا قولهم : «اضرب أيهم أفضل» بضم أى كأنهم قالوا : اضرب الذى يقال له أيهم أفضل (٣) ، وبذلك يكون المفعول به محذوفا. وكان يذهب إلى أن المضاف قد يحذف ويقوم المضاف إليه مقامه ، وجعل من ذلك قولهم : «له صوت صوت الحمار» فقد قال إن كلمة صوت الحمار صفة لصوت بتقدير «مثل» أى أنها حذفت وأقيم المضاف إليه مقامها ، وأصل التعبير «له صوت مثل صوت الحمار (٤)».

ومما يتصل بالعوامل والمعمولات كثرة تحليله للعبارات وكثرة تخريجه لها إذا اصطدمت بالقواعد وكثرة إدلائه بوجوه مختلفة من الإعراب فى لفظة واحدة ،

__________________

(١) الكتاب ١ / ٢٨١ وما بعدها.

(٢) الكتاب ١ / ٢٥٩ وواضح أنه جعل الجار والمجرور محذوفين هما وما يتبعهما.

(٣) الكتاب ١ / ٣٩٩.

(٤) الكتاب ١ / ١٨١.

٤٢

فمن تحليله للعبارات تحليله لصيغة التعجب فى مثل «ما أحسن عبد الله» فقد ذكر أنه بمنزلة قولك شىء أحسن عبد الله ودخل ما معنى التعجب ، ويقول إنه تمثيل ولم يتكلم العرب به (١) ، ومن ثمّ قال النحاة إن ما نكرة تامة بمعنى شىء وأعربوها مبتدأ ، والجملة بعدها خبر. ومن ذلك قولهم : «هذا القول لا قولك» بنصب «قولك» فقد جعلها مفعولا مطلقا على الرغم من أنها مضافة وقابل بينها وبين قولهم فى الاستفهام «أجدّك لا تفعل كذا وكذا» يقول : كأنه قال «أحقّا لا تفعل كذا وكذا» وأصله من الجد ، كأنه قال : «أجدّا» ويقول إن عبارة جدك لا تتصرّف ولا تفارق الإضافة ، إذ هى فى حكم الأمثال ، ومثلها «لا قولك» فإنهم لو قالوا : «هذا القول لا قولا» لم يكن فى هذا بيان لأنه ليس كل قول باطلا ، ومن أجل ذلك كان لا بد أن يحققوا القول عن طريق الإضافة إلى المخاطب (٢). ومن ذلك تحليله للفظة «اللهم» فى النداء ، فقد كان يقول إن الميم فى آخرها بدل من يا (٣) ولذلك لا يجمع بينهما. وكان لا يبارى فى تحليله للأدوات المبهمة وبيان اختلاف معانيها باختلاف مواقعها من الكلام ، من ذلك ما قاله سيبويه من أنه سأله عن قول العرب : «أما إنه ذاهب وأما أنه منطلق» بكسر إن وفتحها فى العبارتين ، فقال : إذا قال القائل «أما أنه منطلق» بالفتح فقد جعله كقولهم «حقّا أنه منطلق» ومعروف أن حقّا مفعول مطلق وأنه منطلق فاعل مؤول. وقال الخليل أما إذا قال القائل : «أما إنه منطلق» بالكسر فإنه بمنزلة قولهم «ألا إنه منطلق» (٤). وكان يسعفه فى مثل هذا التحليل معرفته الواسعة بلغات العرب وحسّه الدقيق فى معرفة مواقع الكلام ، من ذلك أن سيبويه سأله عن قوله عزوجل : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) فى قراءة من قرأ إنها بالكسر ، فقال : ما منعها أن تكون كقولك «ما يدريك أنه لا يفعل» فقال الخليل : لا يحسن ذلك فى هذا الموضع ، إنما قال عزوجل : (وَما يُشْعِرُكُمْ) ثم ابتدأ ، فأوجب ، فقال (أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) ولو قال : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها) بالفتح كان ذلك عذرا لهم. ولكن بعض القرّاء قرأها بالفتح ، وذكر له

__________________

(١) الكتاب ١ / ٣٧.

(٢) الكتاب ١ / ١٨٩.

(٣) الكتاب ١ / ٣١٠.

(٤) الكتاب ١ / ٤٦٢.

٤٣

ذلك تلميذه ، فقال إنها حينئذ تكون بمعنى لعلها ، إذ يستعمل بعض العرب ، أن المفتوحة بمعنى لعل ، فيقولون : «ائت السوق أنك تشترى لنا شيئا» أى لعلك (١).

وكان كلما اصطدم مثال أو تعبير بقاعدة نحوية استظهرها حاول أن يجد له تأويلا ، ولعل خير ما يصور ذلك «لحال» فقد وضع له قاعدة التنكير المعروفة ، فلا بد أن يكون نكرة ، ولا يصح أن يكون معرّفا بالألف واللام ولا مضافا ، فلا يقال كلمته المستبشر تريد كلمته مستبشرا ، ولا يقال كلمتهم مستبشريهم تريد كلمتهم مستبشرين. ولكن جاءت عبارات على لسان العرب معرفة ومضافة وموضعها حال ، من ذلك «أرسلها العراك» أى معتركة ، و «مررت بهم الجمّاء الغفير» أى جمّا غفيرا. وخرّج ذلك الخليل على أن العرب تكلمت بهذين الحرفين وما يماثلهما على نية طرح الألف واللام ، وكأنهم قالوا فى المثل الأخير : «مررت بهم قاطبة ومررت بهم طرّا» أى جميعا. ومن ذلك : «مررت به وحده ومررت بهم وحدهم» وما جاء فى لغة أهل الحجاز من قولهم : «مررت بهم ثلاثتهم وأربعتهم وكذلك إلى العشرة» و «مررت بهم قضّهم بقضيضهم». وخرّج الخليل المثلين الأولين على معنى التفرد ، فكأن القائل قال : «مررت به أو بهم منفردا ومنفردين» أما المثال الثالث فكأنه قال : «مررت بهم انقضاضا». وشبّه مجىء الحال على هذا النحو بمجىء المصدر أو المفعول المطلق مضافا فى مثل سبحان الله ولبّيك (٢). وكان يستظهر القاعدة المعروفة فى النّعت وهو أنه يتبع المنعوت فى التعريف والتنكير حتما ، ولكن جاء عن العرب «ما يحسن بالرجل خير منك أن يفعل ذلك» و «ما يحسن برجل مثلك أن يفعل ذلك» و «مررت برجل غيرك خير منك» وخرّج الخليل المثال الأول على أن كلمة الرجل وإن كانت معرفة فى الظاهر فإنها نكرة فى الحقيقة ، إذ أريد بالرجل إلى الجنس ، وكأن الألف واللام فيه ملغاتان ، ولذلك نعت بالنكرة ، أما المثالان الثانى والثالث فقد خرّجهما على أن لفظتى مثلك وغيرك ، وإن كانتا مضافتين ، نكرتان فى واقع الأمر ، إذ لا تفيدهما الإضافة تعريفا (٣).

__________________

(١) الكتاب ١ / ٤٦٢.

(٢) الكتاب ١ / ١٨٧ وما بعدها.

(٣) الكتاب ١ / ٢٢٤.

٤٤

ولعله أول من فتح فى الإعراب ما يمكن أن نسميه بالاحتمالات ، إذ نراه يعرض فى كثير من الأمثلة وجوها مختلفة لإعرابها ، وتتضح آثار ذلك فى مواضع من الكتاب ، على نحو ما يلقانا فى باب النعت ، إذا كان فى تعظيم أو مدح أو ذم ، فقد كان يجيز فيه الإتباع لسابقه ، والقطع على أنه خبر لمبتدأ محذوف أو مفعولا به لفعل محذوف (١) ، ونقل عنه سيبويه فى قولهم : «هذا رجل صدق معروف صلاحه» أنه يجوز فى كلمة «معروف» أن تكون نعتا لرجل ، وأن تكون حالا منصوبة كأن كلمة رجل نالها شىء من التعريف بإضافتها إلى صدق ، وجوّز أن تكون خبرا مقدما لكلمة «صلاحه» (٢). ومن يقرأ توابع المنادى فى سيبويه يلاحظ توّا أنه هو الذى ردّد الرفع والنصب فى بعض أمثلة هذه التوابع كالنعت مثلا فقد جوّز فيه أن يقال «يا زيد الطويل والطويل» بالضم والنصب ، أى حملا على ظاهر المنادى أو على محله. وكذلك الشأن فى التوكيد مثل «يا تميم أجمعون أو أجمعين» ومثله البدل ، ونكتفى بهذه القطعة من كلام سيبويه : قال الخليل «إذا قلت يا هذا وأنت تريد أن تقف عليه ثم تؤكده باسم يكون عطفا عليه فأنت فيه بالخيار إن شئت نصبت وإن شئت رفعت وذلك قولك يا هذا زيد ، وإن شئت قلت زيدا ، يصير كقولك ، يا تميم أجمعون وأجمعين ، وكذلك يا هذان : زيد وعمرو ، وإن شئت قلت : زيدا وعمرا ، فتجرى ما يكون عطفا (أى تابعا) على الاسم مجرى ما يكون وصفا ، نحو قولك : يا زيد الطويل ويا زيد الطويل» (٣).

وعلى هذا النحو كان الخليل يكثر من الاحتمالات فى وجوه الإعراب للصيغ والألفاظ والعبارات كما كان يكثر من التأويل والتخريج حين يصطدم ببعض القواعد التى يستظهرها ، وهو فى تضاعيف ذلك يحلل الألفاظ والكلام تحليلا يعينه على ما يريد من توجيه الإعراب ومن التأويل والتفسير ، ومن طريف تفسيراته ما ذكره سيبويه من أنه سأله عن قوله جلّ وعزّ : (قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ) فإن ظاهر العبارة أن غير الله منصوبة بتأمرونىّ ، وفى ذلك فساد

__________________

(١) انظر الكتاب ١ / ٢٤٨ وما بعدها.

(٢) الكتاب ١ / ٢٦٣.

(٣) الكتاب ١ / ٣٠٧.

٤٥

واضح فى المعنى ، فأجابه بأن «غير» منصوبة بأعبد ، وتأمرونّى غير عامل فيها ، كقولك هو يقول ذاك بلغنى ، فبلغنى لغو ، وكذلك تأمرونى ، وكأنه قال فيما تأمرونى (١). وسأله سيبويه عن قول الأعشى :

إن تركبوا فركوب الخيل عادتنا

أو تنزلون فإنا معشر نزل

لماذا رفع «أو تنزلون» وهى معطوفة على فعل مجزوم ، فقال كأنه توهم أنه قال فى أول البيت أتركبون فرفع ، بالضبط كما جاء عند زهير من قوله :

بدا لى أنى لست مدرك ما مضى

ولا سابق شيئا إذا كان جائيا

فقد عطف سابق بالجر على مدرك المنصوبة ، كأنه توهم أن مدرك مجرورة ، لأنه يكثر أن يأتى خبر ليس مجرورا بباء زائدة (٢). وحمل على هذا الباب وقوع الفعل المجزوم فى الآية الكريمة : (لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) فإن معنى لو لا أخرتنى فأصّدق ، وإن أخرتنى فأصدّق ، واحد (٣) ، ولذلك عطف الفعل بالجزم وكأنما سبقته أداة جازمة

٤

السماع والتعليل والقياس

اعتمد الخليل فى تأصيله لقواعد النحو وإقامة بنيانه على السماع والتعليل والقياس ، والسماع عنده إنما يعنى نبعين كبيرين نبع النقل عن القرّاء للذكر الحكيم وكان هو نفسه من قرائه وحملته ، ونبع الأخذ عن أفواه العرب الخلّص الذين يوثق بفصاحتهم ، ومن أجل ذلك رحل إلى مواطنهم فى الجزيرة يحدثهم ويشافههم ويأخذ عنهم الشعر واللغة ، ويروى أن الكسائى سأله وقد بهره كثرة ما يحفظ من أين أخذت علمك هذا؟ فأجابه : من بوادى الحجاز ونجد وتهامة (٤).

__________________

(١) الكتاب ١ / ٤٥٢.

(٢) الكتاب ١ / ٤٢٩.

(٣) الكتاب ١ / ٤٥٢.

(٤) إنباه الرواة ٢ / ٢٥٨.

٤٦

وهذان النبعان وحدهما هما اللذان يدوران على لسانه فيما نقله عنه تلميذه سيبويه ، ويظهر أنه هو الذى ثبّت فكرة عدم الاستشهاد بالحديث النبوى لأن كثيرين من حملته كانوا من الأعاجم ، وهم لا يوثق بهم فى الفصاحة ، واللحن يدخل على ألسنتهم. ونستطيع أن نعرف مدى المادة اللغوية والشعرية التى كان يحملها فى صدره برجوعنا إلى كتاب سيبويه ، فإن أكثر النقول فيه تردّ إليه ، ولا نجد سيبويه يسجّل له قاعدة نحوية أو حكما نحويّا إلا يروى معهما سيلا من عبارات العرب وأشعارهم ينقله عن لسانه ، وكأننا بإزاء منجم ضخم لا يزال يسيل بكلام العرب وأمثالهم وأبياتهم الشعرية. وكل بيت ومثل وكلمة إنما يراد به أن يكون دليلا على ما يستنبطه من أصول النحو وقواعده ، فكل حكم نحوى وكل أصل لا يلقى إلقاء ، وإنما يلقى ومعه برهانه من كلام العرب الموثوق به وأشعارهم. فالشواهد عند الخليل هى مدار القاعدة النحوية ، وهى إنما تستنبط من الأمثلة الكثيرة ، إذ لا بد لها من الاطراد على ألسنة العرب ، فإن جاء ما يخالف القاعدة المستنبطة المحكمة كان شاذّا ، ولا بأس بأن يبحث له الخليل عن تأويل على نحو ما مرّ بنا آنفا.

وليست المسألة عنده مسألة سماع وشواهد فحسب ، فقد جعله استقراؤه للغة العرب تستقر فى نفسه سليقتهم استقرارا مكّنه من ضبط القواعد النحوية والصرفية ضبطا يبهر كل من يقرأ مراجعات سيبويه له ، ويكفى أن نضرب لذلك مثلين ، أما الأول فملاحظته أن إن الشرطية إذا وليها مضارع مجزوم لم يحسن دخول لام اليمين فى الجواب ، فلا يقال إن تأتنى لأكرمنّك ، لأن اللام تعوق إن عن العمل وقد ظهر عملها فى فعل الشرط. أما إذا كان فعل الشرط التالى لها ماضيا فإن عملها لا يكون حينئذ ظاهرا فيه ، ولذلك يجوز دخول لام اليمين على جوابها ، فيقال إن أتيتنى لأكرمنك. ويعلق الخليل على ذلك بشواهد من القرآن الكريم والشعر ، من مثل الآية : (وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) بخلاف قوله جل وعز : (وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ) لأن إن عملت فى فعل الشرط فوجب عملها فى الجواب ، ويستدل أيضا بقول زهير :

٤٧

وإن أتاه خليل يوم مسألة

يقول لا غائب مالى ولا حرم

فقد توقف عملها فى الجواب ، لأن فعل الشرط ماض (١). والمثل الثانى منع العلم من الصرف إذا كان على وزن فعلان مثلثة الفاء والنون فيه زائدة مثل عثمان وغطفان ، يقول سيبويه : «وسألته عن رجل يسمى دهقان فقال إن سميته من التدهقن فهو مصروف .. وإن جعلته من الدّهق لم تصرفه .. وسألته عن رجل يسمى مرّانا فقال أصرفه لأن المران إنما سمّى للينه فهو فعّال كما يسمى الحمّاض لحموضته وإنما المرانة اللين. وسألته عن رجل يسمى فينانا فقال مصروف لأنه فيعال ، وإنما يريد أن يقول لشعره فنون كأفنان الشجر. وسألته عن ديوان فقال بمنزلة قيراط لأنه من دوّنت. وسألته عن رمّان فقال لا أصرفه وأحمله على الأكثر إذ لم يكن له معنى يعرف. وسألته عن سعدان والمرجان فقال لا أشك فى أن هذه النون زائدة لأنه ليس فى الكلام مثل فعلان إلا مضعفا (٢)». وواضح أنه يعتمد فى أحكامه على محفوظاته فى اللغة ، وهى محفوظات كانت تعينه على معرفته الدقيقة بأصول الألفاظ واشتقاقاتها واستقرائه لمثيلاتها ، وكأن اللغة أسلمت له قيادها كى يحكم آراءه ويضبط ما يشاء من قواعد الصرف والنحو جميعا.

وكان يسند دائما ما يستنبطه من القواعد والأحكام بالعلل التى تصور دقته فى فقه الأسرار اللغوية والتركيبية التى استقرت فى دخائل العرب من قديم ، وفى ذلك يقول الزبيدى إنه «استنبط من علل النحو ما لم يستنبطه أحد وما لم يسبقه إلى مثله سابق» ولفت كثرة ما يورده فى النحو من علل بعض معاصريه فسأله أعن العرب أخذت هذه العلل أم اخترعتها من نفسك؟ فقال : «إن العرب نطقت على سجيّتها وطباعها وعرفت مواقع كلامها وقام فى عقولها علله وإن لم ينقل ذلك عنها ، واعتللت أنا بما عندى أنه علة لما عللته منه فإن أكن أصبت العلة فهو الذى التمست ، وإن تكن هناك علة له (أخرى) فمثلى فى ذلك مثل رجل

__________________

(١) الكتاب ١ / ٤٣٦.

(٢) الكتاب ٢ / ١١.

٤٨

حكيم دخل دارا محكمة البناء عجيبة النظام والأقسام وقد صحت عنده حكمة بانيها بالخبر الصادق أو بالبراهين الواضحة والحجج اللائحة ، فكلما وقف هذا الرجل فى الدار على شىء منها قال : إنما فعل هذا هكذا لعلة كذا وكذا .. وجائز أن يكون الحكيم البانى للدار فعل ذلك للعلة التى ذكرها هذا الذى دخل الدار ، وجائز أن يكون فعله لغير تلك العلة إلا أن ذلك مما ذكره هذا الرجل محتمل أن يكون علة لذلك ، فإن سنح لغيرى علة لما عللته من النحو هى أليق مما ذكرته للمعلول فليأت بها» (١).

ونحن نسوق طائفة من تعليلاته التى تأخذ شكل سيول متلاحقة فى كتاب سيبويه والكتب النحوية المختلفة ، من ذلك أنه كان يذهب إلى أن الإعراب أصل فى الأسماء وأن البناء أصل فى الأفعال والحروف وأن الطرفين لا يخرجان عن هذا الأصل إلا لعلة ، أما الأسماء فإنها تبنى حين تعترضها علة شبهها بالحرف ، ويعرب الفعل حين يشبه الاسم على نحو ما أعرب المضارع لشبهه باسم الفاعل من حيث الحركات والسكون مثل أخرج ومخرج وأكتب وكاتب ، وقد ظلت الحروف مبنية لأن شيئا منها لا يشبه الاسم (٢). ويعلل لعدم دخول الألف واللام على المنادى ، إذ لا يصح أن يقال : «يا الحارث» مثلا ، بل لا بد أن يقال : «يا أيها الحارث» بتوسط أى ، يقول : إن الألف واللام إنما منعهما أن يدخلا فى النداء من قبل أن كل اسم فى النداء مرفوع معرفة وذلك أن المتكلم إذا قال : «يا رجل» فمعناه كمعنى : «يا أيها الرجل» وصار معرفة لأنك أشرت إليه وقصدت قصده واكتفيت بهذا عن الألف واللام وصار كالأسماء التى هى للإشارة نحو هذا وما أشبه ذلك وصار معرفة بغير ألف ولام ، لأنك إنما قصدت قصد شىء بعينه ، وصار هذا بدلا فى النداء من الألف واللام واستغنى به عنهما كما استغنيت بقولك : «اضرب» عن «لتضرب» وكما صار المجرور (بالكسرة) بدلا من التنوين (أى فى حالة الإضافة) وكما صارت الكاف فى رأيتك بدلا من رأيت إياك. وإنما يدخلون الألف واللام ليعرفوك شيئا بعينه

__________________

(١) الإيضاح فى علل النحو للزجاجى ص ٦٥.

(٢) الزجاجى ص ٧٧.

٤٩

قد رأيته أو سمعت به ، فإذا قصدوا قصد الشىء بعينه دون غيره وعنوه لم يجعلوه واحدا من أمة فقد استغنوا عن الألف واللام فمن ثم لم يدخلوهما فى هذا (أى فى اسم الإشارة) ولا فى النداء ، ومما يدلك على أن يا رجل معرفة قولك يا لكاع تريد يا لكعاء فصار هذا اسما .. كما صارت حذام ورقاش اسما للمرأه» (١). ويتوقف سيبويه فى حديثه عن الندبة فى مثل وازيداه ويا زيداه لينقل عن الخليل أنه لا يصح فيها أن يندب المنكّر مثل رجل والمبهم مثل من وهذا مع تعليله لذلك يقول : «وقال الخليل إنما قبح وا رجلاه ويا رجلاه لأنك أبهمت ألا ترى أنك لو قلت واهذاه كان قبيحا لأنك إذا ندبت فإنما ينبغى لك أن تتفجع بأعرف الأسماء وأن تخصّ فلا تبهم لأن الندبة على البيان (أى بيان الشخص أو الشىء المندوب تفجعا عليه وحزنا) .. وإنما كرهوا ذلك أنه تفاحش عندهم .. أن يتفجعوا على غير معروف (يريد فى مثل : وارجلاه) فكذلك تفاحش عندهم فى المبهم (يريد فى مثل واهذا) لإبهامه لأنك إذا ندبت تخبر أنك قد وقعت فى عظيم وأصابك جسيم من الأمر فلا ينبغى لك أن تبهم ، وكذلك «وا من فى الداراه» فى القبح (لأن من مبهمة) وزعم أنه لا يستقبح : «وامن حفر زمزماه» لأن هذا معروف بعينه ، كأن التبيين فى الندبة عذر للتفجع ، فعلى هذا جرت الندبة فى كلام العرب» (٢). وكان الخليل لا يجيز العطف على الضمير المرفوع مستترا أو ظاهرا متصلا ، فلا يقال : «أفعل وعبد الله» ولا «فعلت وعبد الله» بل لا بد فى ذلك من توكيد الضمير أو الإتيان بفاصل مثل «كنتم أنتم وأصحابكم» و «يكتبونه ومن معهم» و «ما كتبنا ولا زملاؤنا» يقول سيبويه : «وزعم الخليل أن هذا إنما قبح من قبل أن هذا الإضمار يبنى عليه الفعل ، فاستقبحوا أن يشرك المظهر مضمرا يغيّر الفعل عن حاله إذا بعد منه ، وإنما حسنت شركته المنصوب (فى مثل كلمته ومحمدا» لأنه لا يغيّر فيه الفعل عن حاله التى كان عليها قبل أن يضمر (أى أن الضمير المنصوب ليس كالجزء من الفعل بخلاف ضمير الرفع) فأشبه المظهر وصار منفصلا عندهم بمنزلة المظهر إذ كان الفعل لا يتغيّر عن حاله قبل أن تضمر فيه ، وأما فعلت فإنهم قد غيّروه عن حاله فى الإظهار ، أسكنت فيه اللام ، فكرهوا أن يشرك

__________________

(١) الكتاب ١ / ٣١٠.

(٢) الكتاب ١ / ٣٢٤.

٥٠

المظهر مضمرا يبنى له الفعل غير بنائه فى الإظهار حتى صار (أى ضمير الرفع) كأنه شىء فى كلمة لا يفارقها كألف أعطيت ، فإن نعتّه (يريد أكّدته) حسن أن يشركه المظهر ، وذلك قولك «ذهبت أنت وزيد» وقال الله عزوجل (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ) (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) وذلك أنك لما وصفته (يريد أكّدته) حسن الكلام حيث طوّلته ووكّدته. فأنت وأخواتها تقوّى المضمر وتصير عوضا من السكون والتغيير ومن ترك العلامة فى مثل ضرب ، وقال الله عزوجل : (لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا) حسن لمكان لا (يريد لوجود فاصل). ويمضى سيبويه فيقول إنه لا يجوز العطف على المضّمر المجرور إلا بإعادة الخافض ، فلا يجوز مررت به ومحمد ، بل لا بد من أن يقال مررت به وبمحمد ، وعلل لذلك بأن الضمير شبيه بالتنوين ، لذلك لا يجوز العطف عليه حتى لو أكّ ، فلا يجوز مررت به هو ومحمد ، وكأن اتصال الضمير المجرور بجارّه أشد من اتصال الفاعل المضمر بفعله. وعقب سيبويه على ذلك بأن هذا قول الخليل (١). وقد جعلته هذه الدقة فى التعليل يتنبه تنبها واسعا إلى مواقع الكلم فى العبارات واستعمالاتها الدقيقة ، ونضرب مثلا لذلك تفرقته الدقيقة بين قولك : «هو زيد معروفا» و «هذا عبد الله منطلقا» فمعروفا ومنطلقا كلاهما حال ، ولكن الحال الأولى مؤكدة ، ولا يأتى وراء هو فى الصيغة الأولى إلا مثل هذه الحال المؤكدة مثل «هو الحق بيّنا ومعلوما» ومن أجل ذلك لا يصح أن تقول : «هو زيد منطلقا» لأن الانطلاق لا يؤكد هوية الشخص وماهيته ، فلا يصلح لأن يكون مؤكّدا ، كما تصلح الصفة العامة التى تفيد مدحا أو تهديدا وما إلى ذلك (٢).

وعلى نحو ما تسيل علل الخليل وتعليلاته فى كتاب سيبويه تسيل أقيسته ، ولا نغلو إذا قلنا إنها كانت أهم مادة شاد بها بناء النحو الوطيد ، ومما يصور قوتها عنده ودقتها حواره مع تلميذه ، فى رفع المنادى إذا كان مفردا ونصبه إذا كان مضافا أو نكرة غير مقصودة وجواز نصب نعت المنادى المفرد ورفعه وتحتم النصب لنعت المنادى المضاف ، وهو يجرى على هذا النمط (٣) :

__________________

(١) الكتاب ١ / ٣٨٩.

(٢) الكتاب ١ / ٢٥٦ وما بعدها.

(٣) الكتاب ١ / ٣٠٣.

٥١

«زعم الخليل أنهم نصبوا المضاف نحو يا عبد الله ويا أخانا والنكرة حين قالوا يا رجلا صالحا حين طال الكلام كما نصبوا هو قبلك وهو بعدك. ورفعوا المفرد كما رفعوا قبل وبعد وموضعهما واحد ، وذلك قولك : يا زيد ويا عمرو. وتركوا التنوين فى المفرد كما تركوه فى قبل. قلت : أرأيت قولهم : يا زيد الطويل علام نصبوا الطويل؟ قال : نصب لأنه صفة لمنصوب ، وقال : وإن شئت كان نصبا على أعنى. فقلت : أرأيت الرفع على أى شىء هو إذا قال : يا زيد الطويل؟ قال : هو صفة لمرفوع. قلت : ألست قد زعمت أن هذا المرفوع فى موضع نصب؟ فلم لا يكون كقوله : لقيته أمس الأحدث؟ قال : من قبل أن كل اسم مفرد فى النداء مرفوع أبدا وليس كل اسم فى موضع أمس يكون مجرورا ، فلما اطّرد الرفع فى كل مفرد فى النداء صار عندهم بمنزلة ما يرتفع بالابتداء أو بالفعل ، فجعلوا وصفه إذا كان مفردا بمنزلته : قلت : أفرأيت قول العرب كلهم :

أزيد أخا ورقاء إن كنت ثائرا

فقد عرضت أحناء حقّ فخاصم

لأى شىء لم يجز فيه الرفع كما جاز فى الطويل (يريد عبارة يا زيد الطويل السابقة) قال : لأن المنادى إذا وصف بالمضاف فهو بمنزلته إذا كان فى موضعه ، ولو جاز هذا لقلت : يا أخونا ، تريد أن تجعله فى موضع المفرد ، وهذا لحن ، فالمضاف إذا وصف به المنادى فهو بمنزلته إذا ناديته ، لأنه وصف لمنادى فى موضع نصب ، كما انتصب حيث كان منادى لأنه فى موضع نصب ولم يكن فيه ما كان فى (كلمة) الطويل لطوله. وقال الخليل : كأنهم لما أصافوا ردوه إلى الأصل كقولك : إن أمسك قد مضى».

والقطعة زاخرة بالأقيسة القائمة على علة المشابهة ، فالمنادى يشبه «قبل وبعد» ويأخذ لذلك حكمهما ، فهو إذا كان مفردا رفع وحرم التنوين مثل قبل وبعد اللتين تبنيان على الضم فى حال إفرادهما ، وإذا طال إما بالإضافة أو لأنه نكرة غير مقصودة موصوفة نصب كما تنصب قبل وبعد حين تضافان فيقال قبلك وبعدك. وإذا نعت المنادى المفرد بمفرد جاز فى النعت النصب لأن محل هذا

٥٢

المنادى المضموم لفظا النصب ، ولك أن تقول إنه نعت مقطوع بتقدير أعنى. ويجوز فى هذا النعت الرفع باعتبار لفظ المنادى ، وساغ ذلك لاطراد الرفع فى المنادى المفرد اطراده فى المبتدأ والفاعل. أما إذا وصف المنادى المفرد بنعت مضاف فإنه يتحتم فيه النصب ولا يجوز الرفع ، لأنه بمنزلته لو كان منادى ، والمنادى المضاف حقه النصب ، فلا يجوز فيه إلا اعتبار المحل المنصوب. ويلاحظ الخليل ملاحظة دقيقة فى كلمة أمس فإن أصلها النصب ، وهى تبنى على الكسر إذا كانت مفردة ، فإذا أضيفت ردّت إلى أصلها من النصب الذى يجرى فى الظروف.

وكان يبنى القياس على الكثرة المطّردة من كلام العرب ، مع نصّه دائما على ما يخالفه ، ومحاولته فى أكثر الأحيان أن يجد له تأويلا ، من ذلك أنه كان يرى أن القياس فى عطف المعرف بالألف واللام على المنادى المرفوع أن يكون مرفوعا ، لأنه لو كان هو المنادى لتقدّمته أى مثل يا أيها الحارث ورفع معها صفة لها ، لأنها مبهمة يلزمها التفسير ، فصارت هى والحارث بمنزلة اسم واحد كأنك قلت يا حارث (١) ، وبذلك يكون القياس فى مثل يا زيد والحارث الضم ، يقول سيبويه : «قال الخليل : من قال : يا زيد والنّضر فنصب فإنما نصب لأن هذا كان من المواضع التى يردّ فيها الشىء إلى أصله (أى إذا كان المعطوف مضافا) فأما العرب فأكثر ما رأيناهم يقولون : يا زيد والنّضر ، وقرأ الأعرج : (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ) فرفع ، ويقولون يا عمرو والحارث ، وقال الخليل هو القياس كأنه قال : ويا حارث» (٢). ومعروف أن الفعل لا يدخله التصغير ، ولكن جاء عن العرب فى فعل التعجب : «ما أميلحه» يقول سيبويه : «وسألته عن قول العرب ما أميلحه ، فقال : لم يكن ينبغى أن يكون فى القياس لأن الفعل لا يحقّر وإنما تحقّر الأسماء ، لأنها توصف بما يعظم ويهون ، والأفعال لا توصف ، فكرهوا أن تكون الأفعال كالأسماء لمخالفتها إياها فى أشياء كثيرة ، ولكنهم حقّروا هذا اللفظ وإنما يعنون الذى تصفه بالملح ، كأنك قلت مليّح شبهوه بالشىء الذى تلفظ به وأنت تعنى شيئا آخر نحو قولك : يطؤهم الطريق

__________________

(١) الكتاب ١ / ٣٠٦.

(٢) الكتاب ١ / ٣٠٥.

٥٣

وصيد عليه يومان ، ونحو هذا كثير فى الكلام. وليس شىء من الفعل ولا شىء مما سمّى به الفعل يحقّر إلا هذا وحده» (١). ووجه المغايرة فى قولهم : «يطؤهم الطريق» أن أصلها يطؤهم أهل الطريق أى أن بيوتهم على الطريق فمن جاز فيه رآهم ، وأصل «صيد عليه يومان» صيد الصيد فى يومين ، فحذف الصيد وأقيم يومين مقامه.

وعلى هذا النحو كان يسجّل القياس والشاذ عليه ، محاولا دائما أن يجد مخرجا لما شذّ على الأقيسة ، بل كثيرا ما كان يستمد من ذهنه الخصب قياسا له ، من ذلك جمع وجوه مع ذكر شخصين ، يقول سيبويه : «سألت الخليل عن (قولهم) ما أحسن وجوههما ، فقال : لأن الاثنين جميع ، وهذا بمنزلة قول الاثنين : نحن فعلنا» (٢). وواضح أنه قاس جمع الوجوه مع أنهما لاثنين على الضمير الذى يأتى للاثنين والجماعة. ومن ذلك ما رواه ابن جنى من أنه سئل عمن يقولون من العرب : «مررت بأخواك وضربت أخواك» معاملين الأسماء المثناة معاملة الأسماء المقصورة ، فقال : «هؤلاء قولهم على قياس الذين قالوا فى ييأس : ياءس ، أبدلوا الياء لانفتاح ما قبلها ، وقال : ومثله قول العرب من أهل الحجاز : «يا تزن وهم يا تعدون ، فرّوا من يوتزن ويوتعدون» (٣). ومعنى ذلك أنه قاس النطق بالألف فى المثنى فى موضعى الجر والنصب بالياء على لغة من يبدلون الياء ألفا فى بعض المواضع وكذلك من يبدلون الواو ألفا ، لغرض الخفة والسهولة ، وقد أخرج القياس مخرج التعليل.

ومرّ بنا أنه فى المنهج الذى رسم به العروض والمنهج الذى وضعه لمعجم العين لاحظ فى الأول النص على الأوزان المهملة كما لاحظ فى الثانى النص على الكلمات غير المستعملة التى لم تجر على لسان العرب ، وهذا نفسه يلاحظ فى بنائه للنحو وأقيسته فقد كان ينصّ على الشاذ كما أسلفنا آنفا ، وكان ينص على المهمل من أساليب العرب ، مما لا يدخل فى أقيسة لغتهم ، ومرّ بنا أنه كان ينكر مثل : «هو زيد منطلقا» ويحمل كتاب سيبويه عنه مادة واسعة من مثل هذا الأسلوب الذى لم يسمع عمن يوثق بعربيتهم ، وهى مادة غزيرة ولكن يكفى أن نمثّل لها ، فمن ذلك

__________________

(١) الكتاب ٢ / ١٣٥.

(٢) الكتاب ١ / ٢٤١.

(٣) الخصائص ٢ / ١٤ والمنصف ١ / ٢٠٣.

٥٤

أن نراه يعرض للمندوب الموصوف فى مثل «وازيد الشاعر» فيقول إنه لا يصح أن يقال الشاعراه لأن الشاعر ليس بمنادى ، ولو جاز ذلك لجاز أن تقول : «وازيدا أنت الفارس البطلاه» لأن هذا غير نداء كما أن ذاك غير نداء ، يقول : «وليس هذا مثل وا أمير المؤمنيناه» ولا مثل : «واعبد قيساه» لأن المضاف والمضاف إليه بمنزلة اسم واحد منفرد ، والمضاف إليه هو تمام الاسم ، ولذلك تلحقه ألف الندبة وهاؤها (١). ومن ذلك نصّه على أن كلمة أخر وحدها هى التى تمنع من الصرف للوصفية والعدل دون أخواتها مثل الطّول والوسط والكبر والصّغر ، لأنهن لا يكنّ صفة إلا وفيهن الألف واللام ، بخلاف أخر فإنها تجىء صفة بدونهما ، ونراه ينص على أنه لا يقال نسوة صغر ولا هؤلاء نسوة وسط ولا تقول هؤلاء قوم أصاغر ، فكل ذلك لم يأت فى اللغة ، أما أخر فقد خالفت هذا الأصل وجاءت صفة للمنكر غير مقترنة بالألف واللام ، ومن ثمّ تركوا صرفها (٢) ، ومن أجل ذلك قال النحاة بعده إنها منعت من الصرف لأنها معدولة عن الأخر ذات الألف واللام.

وفى رأينا أن الخليل وتلميذه سيبويه هما اللذان فتحا باب التمارين غير العملية على مصاريعه ، حيث نرى سيبويه يتوقف فى كتابه مرارا ليسأله أستاذه عن تطبيق قاعدة فى مثال لم يأت عن العرب. وعمّم النحاة ذلك فيما بعد واتسعوا فيه إظهارا لمهارتهم وقد يكون بعض ذلك لمحاولة تدريب ناشئة النحاة على الدقة فى التطبيق ، فمن ذلك ما ذكره سيبويه من أنه سأل الخليل عن رجل سمّى «أولو» من قوله عزوجل : (نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ) أو سمّى «ذوو» من قولهم ذوو عزة ، وكيف يجرى إعرابهما حسب مواقع الكلام ، فقال : أقول : «هذا ذوون ، وهذا أولون» لأنى لم أضف (أى لم أتبعهما المضاف إليه) وإنما ذهبت النون فى الإضافة (٣). ومعروف أن كلمة قاض تنوّن مصروفة هى وما على مثالها ، ويقول سيبويه : «وسألته عن رجل يسمّى خ خ يرمى أو أرمى فقال : أنوّنه لأنه إذا صار اسما فهو بمنزلة قاض إذا كان اسم امرأة» (٤) وكأن مجيئه

__________________

(١) الكتاب ١ / ٣٢٣.

(٢) الكتاب ٢ / ١٤.

(٣) الكتاب ٢ / ٤٢.

(٤) الكتاب ٢ / ٥٨.

٥٥

دالّا على أنثى أو علما عليها لا يمنع تنوينه ولا صرفه. ويكثر سيبويه كثرة مفرطة من نقل مثل هذه التمارين عن أستاذه فى علم الصرف ، ويكفى أن نضرب مثلا لذلك ، يقول : «وسألته كيف ينبغى له أن يقول : أفعلت فى القياس من اليوم على من قال : أطولت وأجودت ، فقال : أيّمت فتقلب الواو ههنا (ياء) كما قلبتها فى أيام ، وكذلك تقلبها فى كل موضع تصح فيه ياء أيقنت ، فإذا قلت أفعل ويفعل ومفعل قلت : أووم ، ويووم ، ومووم ، لأن الياء لا يلزمها أن تكون بعدها ياء كفعّلت من بعت ، وقد تقع وحدها ، فكما أجريت فيعلت وفوعلت مجرى بيطرت وصومعت كذلك جرى هذا مجرى أيقنت. وإذا قلت أفعل من اليوم قلت أيّم كما قلت أيام ، فإذا كسّرت على الجمع همزت فقلت أيائم لأنها اعتلت ههنا كما اعتلت فى سيد ، والياء قد تستثقل مع الواو» (١).

وواضح من كل ما قدمنا أن الخليل يعدّ بحق واضع النحو العربى فى صورته المركبة ، سواء من حيث عوامله ومعمولاته الظاهرة والمقدرة أو من حيث ما يجرى فيه من شواهد ومن علل وأقيسة ، ونصّ على العبارات المهملة والأخرى الشاذة وإحداث ما سرى فيه من تمارين غير عملية يقصد بها إلى التمرين والتدريب ، ومدّ ذلك فى علم الصرف والفقه بأبنية الكلم واشتقاقاتها وتصريفاتها وصورها الممدودة والمقصورة والممالة والمصغرة والمنسوبة وما بداخلها من قلب وإعلال.

__________________

(١) الكتاب ٢ / ٣٧٦.

٥٦

الفصل الثالث

سيبويه

١

نشاطه العلمى.

اشتهر بلقبه سيبويه (١) ، وهو لقب أعجمى يدل على أصله الفارسى ، واسمه عمرو بن عثمان بن قنبر ، من موالى بنى الحارث بن كعب ، ولد بقرية من قرى شيراز تسمى البيضاء ، وفيها أو فى شيراز تلقّن دروسه الأولى ، وطمحت نفسه للاستزادة من الثقافة الدينية ، فقدم البصرة وهو لا يزال غلاما ناشئا ، والتحق بحلقات الفقهاء والمحدّثين ، ولزم حلقة حماد بن سلمة ابن دينار المحدث المشهور حينئذ ، وحدث أن لفته إلى أنه يلحن فى نطقه ببعض الأحاديث النبوية ، فصمّم على التزود أكبر زاد بشئون اللغة والنحو ، ولزم حلقات النحويين واللغويين وفى مقدمتهم عيسى بن عمر والأخفش الكبير ويونس ابن حبيب ، واختصّ بالخليل بن أحمد ، وأخذ منه كل ما عنده فى الدراسات النحوية والصرفية ، مستمليا ومدوّنا ، واتبع فى ذلك طريقتين : طريقة الاستملاء العادية ، وطريقة السؤال والاستفسار ، مع كتابة كل إجابة وكل رأى يدلى به وكل شاهد يرويه عن العرب ، وبذلك احتفظ بكل نظراته النحوية والصرفية.

__________________

(١) انظر ترجمة سيبويه فى مراتب النحويين ص ٦٥ والسيرافى ص ٤٨ والزبيدى ص ٦٦ ومجالس العلماء للزجاجى ص ٨ ، ١٥٤ ومقدمة تهذيب اللغة للأزهرى ، والفهرست لابن النديم ص ٨٢ ونزهة الألباء ص ٦٠ وتاريخ بغداد ١٢ / ١٩٥ ومعجم الأدباء ١٦ / ١١٤ وابن خلكان فى عمرو ، وإنباه الرواة ٢ / ٣٤٦ وروضات الجنات ص ٥٠٢ وتاج العروس ١ / ٣٠٥ وبغية الوعاة ص ٣٦٦ وطبقات القراء لابن الجزرى ١ / ٦٠٢ ومرآة الجنان ١ / ٣٤٨ وشذرات الذهب ١ / ٢٥٢ وخزانة الأدب للبغدادى ١ / ٨ ، ١ / ١٧٩ والنجوم الزاهرة ٢ / ٩٩ وكتاب سيبويه إمام النحاة لعلى النجدى ناصف (طبع مطبعة لجنة البيان العربى بالقاهرة).

٥٧

ولم تذكر كتب التراجم أنه رحل إلى البادية فى طلب اللغة والسماع عن العرب ومشافهتهم ، غير أن ما يتردّد فى كتابه من مثل قوله : «سمعنا بعض العرب يقول» و «سمعنا العرب تنشد هذا الشعر» و «سمعنا من العرب» وهو «كثير فى جميع لغات العرب» و «عربى كثير» و «عربى جيد» و «قد سمعناهم» و «قال قوم من العرب ترضى عربيتهم» و «سمعنا من العرب من يوثق بعربيته» يدل دلالة قاطعة على أنه رحل إلى بوادى نجد والحجاز مثل أستاذه الخليل. والكتاب يفيض بسيول من أقوال العرب وأشعارهم ، لا يرويها عن شيوخه ، وهى بدورها تؤكد ، بل تحتم ، أنه رحل إلى ينابيع اللغة والنحو يستمد منها مادة وعتادا فصيحا صحيحا بشاراته فى النطق وهيآته.

ولما توفّى الخليل خلفه ـ على ما يظهر ـ فى حلقته ، إذ نجد كتب طبقات النحاة تنصّ على طائفة من تلاميذه مثل الأخفش الأوسط وقطرب ، وأكبّ حينئذ على تصنيف الكتاب ، وسرعان ما أخذ نجمه يتألق لا فى البصرة دار النحو فحسب ، بل أيضا فى بغداد ، ورحل إليها طامحا إلى الشهرة فى حاضرة الدولة ، وحدث أن التقى بالكسائى مقرئ الكوفة ومؤدب الأمين بن الرشيد ، وكان ذلك فى دار يحيى البرمكى ، وقيل بل فى دار الرشيد ، ويقال إنه لقيه قبل الكسائى بعض أصحابه : الأحمر وهشام والفراء ليوهنوا منه. ولم يلبث صاحبهم أن تعرّض له بالسؤال فى المسألة الزّنبورية ، إذ قال له كيف تقول : «قد كنت أظن أن العقرب أشدّ لسعة من الزّنبور فإذا هو هى أو فإذا هو إياها؟» فقال سيبويه : فإذا هو هى ، ولا يجوز النصب. قال الكسائى لحنت ، العرب ترفع ذلك كله وتنصبه. فدفع سيبويه قوله ، وطال بينهما الجدال ، وكان بالباب نفر من عرب الحطمة النازلين ببغداد ، ممن ليسوا فى درجة عالية من الفصاحة ، فطلب الكسائى سؤالهم ، ولما سئلوا تابعوه فى رأيه. فانكسر سيبويه كما يقول الرواة ، وإن كنا نتّهم قولهم ، لأن الحق كان فى جانبه ، لما يقتضيه القياس فى هذا الموضع ، ولأنه يطّرد الرفع فيه فى آى الذكر الحكيم من مثل : (وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ) (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ) (فَإِذا هُمْ خامِدُونَ) وكأنها هى وما بعدها مبتدأ وخبر. أما النصب فيكون على الحالية

٥٨

وتوجيهه ضعيف. وكان سيبويه ونحاة البصرة يهدرون ما يجرى على لسان عرب الحطمة لما دخل على سلائقهم من ضعف بسبب إقامتهم فى الحاضرة ، بل لقد كانوا يهدرون ما جاء على ألسنة بعض البدو من لغات شاذة لا تجرى مع القياس المستنبط من كثرة ما يدور على ألسنة الفصحاء كالجرّ بلعل والجزم بلن. ولا بد أن سيبويه شرح ذلك فى حواره ومناظرته مع الكسائى ، وإن كان الرواة للحادثة لم يدوّنوه. ويقال إن يحيى البرمكى أجازه بعشرة آلاف درهم. ويظهر أنه لم تطب له الإقامة ببغداد فولى وجهه نحو موطنه ، غير أن الموت عاجله فى شيراز ، وقيل فى همذان أو ساوة ، واختلف الرواة فى تاريخ وفاته ، والأرجح أنه توفى سنة ١٨٠ للهجرة.

٢

الكتاب

من المؤكد أن سيبويه بدأ تأليف الكتاب بعد وفاة الخليل ، إذ نراه فى بعض المواضع يعقّب على ذكره لاسمه بكلمة «رحمه‌الله». وقد حمله عنه تلميذه الأخفش الأوسط سعيد بن مسعدة ، وأذاعه فى الناس باسم «الكتاب» علما اختصّ به هذا المصنّف وحده دون بقية المصنفات فى عصره ، بحيث كان يقال فى البصرة «قرأ فلان الكتاب» فيعلم أنه كتاب سيبويه دون شك. وظل هذا الاسم خاصّا به ، دلالة على روعة تأليفه وإحكامه. ونرى كثيرين من النحاة وغيرهم ينوهون به تنويها عظيما ، من ذلك قول أبى عثمان المازنى تلميذ الأخفش : «من أراد أن يعمل كتابا كبيرا فى النحو بعد كتاب سيبويه فليستحى» ويقول الجاحظ : «أردت الخروج إلى محمد بن عبد الملك (الزيات وزير المعتصم) ففكرت فى شىء أهديه إليه ، فلم أجد شيئا أشرف من كتاب سيبويه ، وقلت له : أردت أن أهدى إليك شيئا ، ففكرت ، فإذا كل شىء عندك ، فلم أر أشرف من هذا الكتاب ، وقد اشتريته من ميراث الفرّاء ، فقال ابن عبد الملك : والله ما أهديت إلىّ شيئا أحبّ إلىّ منه». ويقول أبو الطيب

٥٩

اللغوى فيه وفى كتابه : «هو أعلم الناس بالنحو بعد الخليل ، وألّف كتابه الذى سماه الناس قرآن النحو». ويقول السيرافى : «وعمل كتابه الذى لم يسبقه إلى مثله أحد قبله ، ولم يلحق به من بعده». ويقول المبرد : «لم يعمل كتاب فى علم من العلوم مثل كتاب سيبويه». ويقول صاعد بن أحمد الأندلسى : «لا أعرف كتابا ألّف فى علم من العلوم قديمها وحديثها ، اشتمل على جميع ذلك العلم وأحاط بأجزاء ذلك الفن غير ثلاثة كتب ، أحدها المجسطى لبطليموس فى علم هيئة الأفلاك ، والثانى كتاب أرسططاليس فى علم المنطق ، والثالث كتاب سيبويه البصرى النحوى ، فإن كل واحد من هذه لم يشذّ عنه من أصول فنه شىء إلا ما لا خطر له».

ولعل أول ما يلاحظ على الكتاب أن سيبويه لم يضع له اسما يفرده به ، وربما أعجلته وفاته عن تسميته كما أعجلته عن وضع مقدمة بين يديه وخاتمة ينتهى بها ، فنحن نفاجأ فى أول سطر فيه بهذا العنوان : «هذا باب علم ما الكلم من العربية» وفيه تحدث عن أقسام الكلمة وأنها اسم وفعل وحرف. ونمضى معه إلى نهاية الكتاب ، فنجد الحديث ينقطع عند بيان حذف بعض العرب لحروف فى بعض الأبنية تخفيفا على اللسان ، ومثّل لذلك فيما مثّل بقول بعضهم «علماء بنو فلان» بحذف اللام فى على أى على الماء بنو فلان. ونحسّ كأنه كانت لا تزال فى نفسه بقية يريد أن يضيفها إلى الكتاب. ولعلنا لا نبعد إذا قلنا إنه لم يأخذ الفرصة الكافية كى ينقح الكتاب ويخرجه إخراجا نهائيّا. وربما كان هذا هو السبب الحقيقى فى أننا نجد عنده أحيانا شيئا من الاستطراد كأن يتحدث فى بعض أبواب النحو عن مسائل صرفية ، وكأن يتعرض لبعض صيغ ليست من الباب كتعرضه لبعض صيغ الحال فى حديثه عن النعت ، وقد يتحدث عن باب فى موضعين على نحو ما صنع بجموع التكسير فى الجزء الثانى من الكتاب.

وينبغى أن لا نظن من ذلك أن الكتاب لم يكفل له منهج سديد فى التصنيف فقد نسّق سيبويه أبوابه وأحكمها إحكاما دقيقا ، وخاصة إذا عرفنا أنه أول كتاب جامع فى قواعد النحو والصرف. وقد جعله فى قسمين كبيرين ، أما

٦٠