المدارس النحويّة

الدكتور شوقي ضيف

المدارس النحويّة

المؤلف:

الدكتور شوقي ضيف


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار المعارف
الطبعة: ٧
الصفحات: ٣٧٥

ليست فتحة إعراب وإنما هى فتحة بناء لإضافتها إلى مبنى. وقد اندفع فى هذا الحكم تمشيا مع قاعدته التى أشرنا إليها فى الفصل الماضى ، وهى أنه قد يحذف الفاعل مع الفعل ، وكأنه لم يلاحظ فى مثل «ما قام إلا محمد» ما لاحظه البصريون وجمهور الكوفيين من أن الفاعل مذكور بعد إلا وأن الاستثناء مفرّغ. وربما كان أشد فى الغرابة أنه أعرب لفظة محمد فى حالة الرفع بدلا من الفاعل المحذوف (١).

وجوّز النحاة فى التمييز توسطه بين الفعل ومرفوعه مثل «طاب نفسا محمد» أما تقدمه على معموله مثل «نفسا طاب محمد» فمنعه سيبويه وجمهور البصريين وجوّزه الكسائى وتبعه فى ذلك المازنى والمبرد ، لوروده على لسان بعض الشعراء فى قوله :

أتهجر سلمى بالفراق حبيبها

وما كان نفسا بالفراق تطيب

واحتج البصريون بأن ذلك لم يرد فى نثر ، وإنما جاء على لسان الشاعر ضرورة ، ولا يحتجّ بالضرورة لأنها تبيح مالا يباح (٢).

وكان سيبويه يذهب هو وجمهور البصريين إلى أن «حيث» تلزم الإضافة إلى جملة اسمية أو فعلية وأنه لا يجوز إضافتها إلى المفرد ، وذهب الكسائى إلى جواز ذلك ، بل جعله قياسيّا لقول بعض الشعراء :

ونطعنهم تحت الحبا بعد ضربهم

ببيض المواضى حيث لىّ العمائم (٣)

وقول آخر :

أما ترى حيث سهيل طالعا

نجما يضىء كالشهاب لامعا

والبصريون يجعلون ذلك من النادر الذى لا يصح أن يتّخذ منه القياس والأحكام النحوية الكلية العامة (٤).

__________________

(١) الهمع ١ / ٢٢٣.

(٢) الإنصاف : المسألة رقم ٢٠ والهمع ١ / ٢٥٢ وابن يعيش ٢ / ٧٣.

(٣) تحت الحبا : فى أوساطهم.

(٤) المغنى ص ١٤١ والهمع ١ / ٢١٢.

١٨١

وله فى نواصب المضارع أحكام كثيرة لا تسندها الشواهد ولا القياس ، من ذلك أن سيبويه كان لا يجوّز الفصل بين «لن» والفعل المضارع المنصوب بعدها ، وتابعه فى ذلك البصريون وهشام ، وخالفه الكسائى ، فجوّز الفصل بين لن والفعل بالقسم وبمعموله ، فتقول : «لن والله أقرأ الكتاب» و «لن الكتاب أقرأ» وأحسّ الفراء ما فى المثال الأخير من النبوّ ، فلم يوافقه إلا على الفصل بالقسم ، غير أنه عاد فجوّز الفصل بكلمة أظن مسيغا أن يقال : «لن أظن أزورك» بالنصب ، وكذلك بالشرط مثل «لن ـ إن تزرنى ـ أزورك» وهما صيغتان نابيتان وليس هناك ما يؤيدهما من الشواهد (١). ومن هذا الباب أن البصريين وهشاما ومن تابعه من الكوفيين كانوا لا يجيزون الفصل بين كى ومعمولها إلا بما ولا الزائدتين ، مثل «جئت كيما أتعلم» و (كيلا يكون دولة) وجوز الكسائى الفصل بينها وبين الفعل بمعموله مطلقا. وأغرب من ذلك أنه جوّز أن يتقدم عليها المعمول للفعل مثل «جئت الرياضة كى أتعلم» (٢). ومن ذلك أن جمهور البصريين كان يجيز الفصل بين إذن ومعمولها بلا النافية وبالقسم لورود ذلك فى الاختيار وفى الشعر مثل «إذن والله نرميهم بحرب» وتوسع الكسائى ـ وتبعه هشام ـ فجوّز الفصل بمعمول الفعل مطلقا مثل «إذن صاحبك أكرم» ويبقى الكسائى لإذن عملها ، ويلغيه هشام رافعا للمضارع. وكان سيبويه والبصريون يشترطون لنصبها المضارع أن تكون فى صدر العبارة ، وسمع الكسائى بعض الرجّاز يقول :

لا تتركنّى فيهم شطيرا

إنى إذن أهلك أو أطيرا (٣)

فذهب إلى إلغاء هذا الشرط بعد إنّ ، وقاس عليها كان ، تقول «كان عبد الله إذن يكرمك» وتوقف تلميذه الفرّاء ، فوافقه فى إنّ وخالفه فى كان ، رافضا ما ارتآه أستاذه من هذا القياس (٤).

وواضح مما قدمنا أن الكسائى كان يتوسع أحيانا فى القياس وأنه كان يدلى

__________________

(١) الهمع ٢ / ٤.

(٢) الهمع ١ / ٨٨ ، ٢ / ٦.

(٣) شطيرا : غريبا

(٤) معانى القرآن للفراء ١ / ٢٧٤ والهمع ١ / ٧ والمغنى ص ١٦ حيث ذكر ابن هشام أن البصريين يتأولون البيت على أن خبر إن محذوف تقديره : إنى لا أقدر على ذلك. واستأنف الشاعر ما بعده.

١٨٢

أحيانا بأحكام دون شواهد تسندها من اللغة ومما جرى فى الندرة على ألسنة بعض العرب. ومما نسوقه أيضا من توسعه فى القياس حكمه بأن صلة الموصول يجوز أن تكون طلبية ، محتجّا بقول الفرزدق :

وإنى لراج نظرة قبل التى

لعلى ـ وإن شطّت نواها ـ أزورها

والصلة فى البيت ـ إن صحت ـ إنشائية لا طلبية ، وقد تأول البيت البصريون بأحد توجيهين ، إما أن الصلة محذوفة على إضمار القول ، أى «قبل التى أقول لعلى» أو على أن الصلة هى جملة «أزورها» فى آخر البيت وخبر لعل محذوف تقديره «لعلى أفعل ذلك». وإنما منع البصريون أن تكون الصلة إنشائية ، لأنها معرّفة للموصول ، فلا بد من تقدمها عليه وأن تكون معهودة مما يستلزم خبريتها ، وما خالف ذلك ينبغى تأويله. ولسلامة هذا المنطق فى استعمال العرب للموصول والصلة توقف تلميذه هشام ، فلم يرتض أن تكون الصلة طلبية ، بحيث يفسح لمثل «الذى كلّمه أولا تخاطبه محمد» كما ذهب الكسائى ، وارتضى فقط طبقا للبيت السالف أن تكون إنشائية مصدّرة بلعل ، وقاس عليها ليت وعسى ، فيقال «الذى ـ ليته يأتى أو عساه أن يأتى ـ زيد» (١).

وتدور للكسائى فى كتب النحو وراء ذلك آراء كثيرة لا تسندها الشواهد ، فمن ذلك أنه كان يجيز الفصل بين فعل الشرط وأداته بمعموله مثل «من زيدا يكرم أكرمه» والفصل أيضا بعطف وتوكيد ، ومنع ذلك الفرّاء لعدم وروده فى السماع (٢). وكان يجوّز تقديم معمول فعل الشرط والجواب على الأداة مثل «خيرا إن تفعل تكرم» و «خيرا إن أتيتنى تصب» ومنع ذلك أيضا الفراء ، إذ لا يؤيده شىء من السماع عن العرب (٣).

ومن ذلك أنه جوّز فى المصدر الواقع مبتدأ وخبره حال سدّت مسدّه مثل «قراءتى الكتاب نافعة» بنصب نافعة أن ينعت ، فيقال مثلا «قراءتى الكتاب الدقيقة نافعة» ومنع ذلك الجمهور لأنه لم يرد فيه سماع (٤). ومن ذلك أن البصريين كانوا يوجبون

__________________

(١) الهمع ١ / ٨٥ وانظر المغنى ص ٦٤٧.

(٢) الهمع ٢ / ٥٩.

(٣) الهمع ٢ / ٦١ وانظر الرضى ١ / ١٥٠.

٢ / ٢٣٦.

(٤) الهمع ١ / ١٠٧.

١٨٣

فى إنّ الكسر حين تقع جوابا لقسم مثل «والله إن محمدا مسافر» لكثرة ذلك فى السماع عن العرب ، وخالفهم الكسائى ، فجوّز الكسر والفتح واختار فتحها مع ندرته فى السماع (١). ومن ذلك أنه جوّز العطف بالرفع على المفعول الأول لظن إذا كان المفعول الثانى فعلا ، فيقال «أظن محمدا وعلى سافرا» ولم يسند ذلك بأى سماع أو أى شاهد عن العرب ، ولعل ذلك ما جعل الفراء تلميذه يقف فى صفوف البصريين منكرا هذا الحكم الغريب (٢). ومن ذلك أنه كان يجيز فى الاختيار تقديم الحال على صاحبها مثل «زيد طالعة الشمس» وهو حكم لا يتفق ومنطق التعبير وسياقه (٣). وربما كان أغرب ما انتهى إليه هو وتلميذه الفراء من حكم لا يسنده أى سماع ولا أى شاهد ما ذهبا إليه من بناء فعلى «كان وجعل» للمجهول فيقال «كين قائم وكين يقام وجعل يفعل» بنيابة الخبر عن الاسم مع الفعلين الناقصين ، إذ يريدان «جعل» التى تدخل فى أفعال المقاربة. وهى صياغات غريبة ، ولذلك أنكرها الرضى فى شرحه على الكافية إنكارا شديدا (٤).

ولعل فى ذلك وأمثاله مما نجده عند الكسائى ونحاة الكوفة ما يدل أكبر الدلالة على خطأ من يحاولون رفع المدرسة الكوفية فوق المدرسة البصرية فى الحس اللغوى وتبين روح اللغة زاعمين أنهم لم يكونوا يتعدون الرواية والسماع وهم قد تعدوهما كثيرا ، كما تعدّوا حدود القياس السديد. وقد حاولوا ـ جاهدين ـ أن يخالفوا سيبويه وغيره من نحاة البصرة فى كثير من وجوه الإعراب والتقدير فى العبارات ، مما جرّهم فى كثير من الأمر إلى صور مختلفة من التعقيد والبعد فى التأويل ، فمن ذلك إعراب الأسماء الخمسة : «أبوك وأخواتها» فقد كان سيبويه وجمهور البصريين يرون أنها معربة بحركات مقدرة فى الحروف أى فى الواو رفعا والألف نصبا والياء جرّا ، وذهب الأخفش إلى أنها معربة بحركات مقدرة على ما قبل تلك الحروف ، بينما ذهب الكسائى ـ وتبعه الفراء ـ إلى أنها معربة من مكانين بالحروف والحركات السابقة لها معا ، غير ملتفتين إلى أن علامات الإعراب إما أن تكون

__________________

(١) الهمع ١ / ١٣٧.

(٢) الهمع ٢ / ١٤٥.

(٣) الهمع ١ / ٢٤٢.

(٤) الرضى على الكافية ١ / ٧٤ والهمع ١ / ١٦٤.

١٨٤

بالحركات كما فى المفردات وإما أن تكون بالحروف كما فى المثنى وأنه كان ينبغى لذلك أن يختارا إعرابا لها إما بالحروف كما ذهب سيبويه ، وإما بالحركات كما ذهب الأخفش (١). ومن ذلك أن سيبويه والبصريين كانوا يعربون ضمير الفصل فى مثل «محمد هو الشاعر» على أنه لا محل له من الإعراب ، وذهب الكسائى إلى أن محله محل ما بعده رفعا أو نصبا كالمثال السابق ومثل «كان محمد هو المسافر» وكأنما تنبه الفراء إلى ما فى هذا الرأى من خلل ، إذ تعرب «هو» بتاليها قبل النطق به ، فذهب إلى أن إعرابها هو إعراب ما قبلها ، ففى مثل «كان محمد هو المسافر» محلها الرفع وفى مثل «إن محمدا هو المسافر» محلها النصب ، بينما محلها الرفع فى تقدير الكسائى. وكل ذلك أعفانا منه سيبويه والبصريون ، لأنه لا يترتب عليه شىء فى النطق فضلا عن البعد فى تقدير المحل المزعوم (٢). ومن ذلك إعراب صيغة الاشتغال فى مثل «الكتاب قرأته» بنصب الكتاب فإن سيبويه والبصريين يجعلون الكتاب وما يماثله مفعولا به لفعل يفسره المذكور ، وذهب الكسائى إلى أنه مفعول للفعل التالى والضمير المتصل به ملغى ، وردّه البصريون بأن الفعل قد يكون لازما مثل «الكتاب نظرت فيه» فلا يصح تعديه المفعول السابق. وكأنما أحسّ الفراء ما فى رأى أستاذه من خلل لا من هذه الناحية ولكن من ناحية إلغاء الضمير ، فقال إن الفعل عامل فى الضمير والمفعول المتقدم معا ، وردّ بتعدى الفعل اللازم وأن الفعل المتعدى لوحد يصبح متعديا لمفعولين فى مثل «الكتاب قرأته» وهو نقض للقواعد المقررة فى لزوم الأفعال وتعديها إلى واحد أو أكثر (٣).

ولعل فى كل ما قدمنا ما يصور إمامة الكسائى لمدرسة الكوفة النحوية والأسس التى وضعها لقيامها ، وهى أسس تقوم على الاتساع فى الرواية والقياس والنفوذ إلى أحكام وآراء لم تقع فى خاطر البصريين ، سواء سندتها الشواهد أو لم تسندها ، مع كل ما يمكن من مخالفتهم فى توجيه الإعراب فى الصيغ والعبارات.

__________________

(١) الهمع ١ / ٣٨.

(٢) الهمع ١ / ٦٨.

(٣) الهمع ٢ / ١١٤.

١٨٥

٣

تلاميذ الكسائى

كان الكسائى متعدد الجوانب ، إذ كان من أئمة القرّاء واللغويين والنحاة ، ولذلك كثر تلاميذه وتعدّدوا حسب الجوانب التى كان يتقنها ويحاضر فيها ويملى ، فمنهم من أخذ عنه القراءات واللغة ، ولعل أشهرهم أبو عبيد القاسم (١) بن سلام ، وقد جمع من إملاءاته كثيرا فى كتابه «معانى القرآن» وصور قراءته فى كتابه عن القراءات. وكانت له عناية شديدة باللغة ورواية غريبها على نحو ما هو معروف فى كتابه الغريب المصنف. وتذكر له كتب النحو أنه كان يذكر أن بين العرب قوما ينصبون بإن وأخواتها الاسم والخبر جميعا ، كقول بعض الشعراء :

إذا اسود جنح الليل فلتأت ولتكن

خطاك خفافا إنّ حرّاسنا أسدا

والجمهور يتأولون ذلك ومثله على الحال وأن الخبر محذوف (٢). ومنهم من شدا عنه اللغة والشعر وأطرافا من النحو ، وهم جماعة من المؤدبين ، لعل أشهرهم على (٣) بن المبارك الأحمر مؤدب الأمين ، وكان يحفظ كثيرا من القصائد وأبيات الغريب ، وروى السيوطى أنه كان يزعم ـ مع الفراء ـ أن ما قد تكون أداة استثناء ، بدليل قول بعض العرب : «كل شىء مهه (سهل) ما النساء وذكرهن» أى إلا النساء وذكرهن. وتأوله النحاة بأن فعل الاستثناء بعد ما حذف ، والتقدير ما خلا أو ما عدا النساء وذكرهن (٤).

وممن قرأ عليه اللغة والنحو وقراءة حمزة محمد (٥) بن سعدان الضرير وكان

__________________

(١) انظر فى ترجمة القاسم بن سلام الزبيدى ص ٢١٧ ونزهة الألباء ص ١٣٦ وأبا الطيب اللغوى ص ٩٣ والفهرست ص ١١٢ ومعجم الأدباء ١٦ / ٢٥٤ وتاريخ بغداد ١٢ / ٤٠٣ وطبقات الشافعية ١ / ٢٧٠ وطبقات القراء ٢ / ١٦ وتهذيب التهذيب ٨ / ٣١٥ وإنباه الرواة ٣ / ١٢ وبغية الوعاة ص ٣٧٦.

(٢) همع الهوامع ١ / ١٣٤.

(٣) راجع ترجمته فى الزبيدى ص ١٤٧ وأبى الطيب للغوى ص ٨٩ وتاريخ بغداد ١٢ / ١٠٤ ونزهة الألباء ص ٩٧ ومعجم الأدباء ١٣ / ٥ وإنباه الرواة ٢ / ٣١٣ وبغية الوعاة ص ٣٣٤.

(٤) الهمع ١ / ٢٣٣.

(٥) انظر فى ترجمته الزبيدى ص ١٥٣ والفهرست ص ١١٠ وتاريخ بغداد ٥ / ٣٢٤ ونزهة الألباء ص ١٤٤ ومعجم الأدباء ١٨ / ٢٠١ وطبقات القراء ٢ / ١٤٣ وبغية الوعاة ص ٤٥.

١٨٦

له كتاب كبير فى القراءات ، وألف فى النحو مختصرا ، وكان يجوّز نداء الجنس المعرّف بالألف واللام المشبه به مثل «يا الأسد» أى يا مثل الأسد (١). ومعروف أن الجمهور لا يجيز ذلك إلا مع أى ، تقول «يا أيها الأسد» ولا يجوز «يا الأسد» ألبتة.

وممن غلبت عليه اللغة من تلاميذه على (٢) بن حازم اللّحيانى ، وكان يتصدر للإملاء فى زمن الفرّاء ، واشتهر بكتاب فى اللغة يسمى «النوادر». ودارت فى كتب النحو له روايتان شاذتان شذوذا شديدا أما الأولى فروايته أن من العرب من يجزم بأن الناصبة للمضارع ، إذ ذكر أن بعض بنى صباح من ضبّة أنشده قول امرئ القيس :

إذا ما غدونا قال ولدان أهلنا

تعالوا إلى أن يأتنا الصيد نحطب

وقول بعض الرجّاز :

أحاذر أن تعلم بها فتردّها

فتتركها ثقلا علىّ كما هيا

ويروى البيت الأول «إلى أن يأتى الصيد» وإذن تسقط رواية اللحيانى ، أما البيت الثانى فقال ابن هشام : فيه نظر ، لأن الراجز عطف على الفعل المسكّن أفعالا منصوبة مما يدل على أنه مسكن للضرورة لا مجزوم (٣). وأما الرواية الثانية فما ذكره من أنه سمع بعض العرب ينصب بلم الجازمة مثل لن تماما كقول بعض رجّازهم :

فى أىّ يومىّ من الموت أفرّ

أيوم لم يقدر أم يوم قدر

وكقراءة بعض القراء شذوذا (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) بفتح الحاء. وخرّج ذلك بعض النحاة على أن الأصل «لم يقدرن» و (ألم نشرحن) ثم حذفت نون التوكيد الخفيفة وبقيت الفتحة دليلا عليها (٤). وهى على كل حال صيغ شاذة لا يعوّل عليها فى القواعد المطردة.

على كل حال ليس بين من سميناهم من تلاميذ الكسائى من يمكن أن يقال

__________________

(١) الهمع ١ / ١٧٤.

(٢) راجع فى ترجمته الزبيدى ص ١٤٧ وأبا الطيب اللغوى ص ٨٩ ونزهة الألباء ص ١٧٦ ومقدمة تهذيب اللغة للأزهرى ومعجم الأدباء ١٤ / ١٠٦ وإنباه الرواة ٢ / ٢٥٥ وبغية الوعاة ص ٣٤٦.

(٣) المغنى ص ٢٧.

(٤) المغنى ص ٣٠٧.

١٨٧

عنه إنه نمّى النحو الكوفى ، وكأن هؤلاء التلاميذ تركوا هذه المهمة لعلمين هما الفرّاء ، وسنفرد له فصلا خاصّا ، وهشام بن معاوية الضرير ، وحرى أن نخصه بكلمة مستقلة.

٤

هشام (١) بن معاوية الضرير

هو أنبه تلاميذ الكسائى بعد الفراء ، ويظهر أنه كان يتصدّر للتدريس والإملاء على الطلاب كما كان يؤدب بعض أبناء الأثرياء وذوى الجاه ، ففى أخباره أن الرّخّجى كان يجرى عليه فى كل شهر عشرة دنانير ، وأن إسحق بن إبراهيم بن مصعب القائم على شرطة بغداد فى عهد المأمون لزمه وقرأ النحو عليه. وما زال مشغولا بالتأديب والتعليم حتى توفى سنة ٢٠٩ للهجرة. ونراه يعنى بالتصنيف فى النحو ، فيؤلف فيه ثلاثة كتب هى الحدود والمختصر والقياس.

ويقول مترجموه : «له فى النحو مقالة تعزى إليه». ومن يرجع إلى كتب النحاة يجد له آراء كثيرة تدور فيها ، وهى لا تفصله عن مدرسته الكوفية ، بل تجعله منميّا لها ، باعثا على نشاطها. وهو فيها تارة يتفق مع أستاذه ، وتارة يعدّل فى آرائه ، وكثيرا ما ينفرد بآراء يختص بها وحده. فمما اتفق فيه مع أستاذه القول بأن الفاعل قد يحذف على نحو ما يلقانا فى باب التنازع فى مثل «قام وقعد على» ففى رأيهما أن لفظة على فاعل للفعل الثانى وأن الفعل الأول حذف فاعله ، حتى لا يكون هناك إضمار قبل ذكر الفاعل. ويتضح ذلك أكثر فى حالتى التثنية والجمع ، فمذهب سيبويه فيهما أن يقال فى التثنية : «ضربانى وضربت الزيدين» وفى الجمع «ضربونى وضربت الزيدين» أما فى مذهب الكسائى وهشام فيقال فى التثنية : «ضربنى وضربت الزّيدين» وفى الجمع

__________________

(١) انظر فى ترجمة هشام الفهرست ص ١١٠ ومعجم الأدباء ١٩ / ٢٩٢ ونزهة الألباء ص ١٦٤ وابن خلكان وإنباه الرواة ٣ / ٣٦٤ ونكت الهميان للصفدى ص ٣٠٥ وبغية الوعاة للسيوطى ص ٤٠٩.

١٨٨

«ضربنى وضربت الزّيدين» فتوحّد الفعل الأول معهما لخلوه من الضمير (١). ومما اتفقا فيه أيضا إعمال اسم الفاعل الذى بمعنى الماضى فى المفعول به مثل «على ناظم قصيدته أمس» (٢). واتفقا فى أن الفعل اللازم إذا بنى للمجهول مثل «مرّبه» كان نائب الفاعل ليس الجار والمجرور كما يذهب جمهور النحاة ، وإنما ضمير المجهول ، لأنه يعود إما على المصدر أو الوقت أو المكان ، مما يعمل فيه الفعل عادة (٣). وكذلك اتفقا فى أن الماضى المجرد من قد الواقعة جملته خبرا لإن يصح دخول لام الابتداء عليه مثل «إن محمدا لقام» على إضمار قد ، ومنع ذلك الجمهور (٤). وذهب الأخفش إلى أن صيغة التعجب تصاغ من العاهات فيقال : «ما أعوره» وقاس على ذلك الكسائى ـ وتبعه هشام ـ صياغته من الألوان مثل «ما أحمره» و «ما أبيضه» و «ما أسوده» و «ما أخضره» (٥).

ومما وافق فيه أستاذه مع شىء من التعديل تقدم المفعول به على المبتدأ فى مثل «زيدا أخوه ضارب» و «زيدا أخوه ضرب» فقد كان الكسائى يجيز الصورة الأولى ولا يجيز الصورة الثانية ، وأجازهما معا هشام (٦). وكان يجيز مع أستاذه الفصل بين إذن والمضارع المنصوب بها بمعموله مطلقا ، غير أن الكسائى كان يرجّح النصب ، أما هو فكان يرجح الرفع (٧). وصوّرنا فيما أسلفنا خلافه مع أستاذه فى وقوع الجملة الطلبية صلة ، وقد خالفه فى طائفة من الآراء ، فمن ذلك ذهاب الكسائى ـ كما مرّ بنا ـ إلى أن الأسماء الخمسة معربة من مكانين بالحركات والحروف معا ، بينما ذهب هشام إلى أن الأحرف : الواو والألف والياء هى الإعراب وأنها نابت عن الحركات (٨). ومر بنا أن الكسائى كان يجوّز الفصل بين لن والمضارع الناصبة له بالقسم ومعمول الفعل مطلقا ، وخالفه فى ذلك هشام آخذا بوجهة نظر البصريين (٩). وكان الكسائى يرى رفع لفظة اليوم فى مثل «اليوم الأحد» وجوّز هشام فى كلمة «اليوم» النصب على الظرفية لأنها

__________________

(١) الهمع ١ / ١٠٩ وابن يعيش ١ / ٧٧ والمغنى ص ٦٧٣.

(٢) المغنى ص ٧٧٠.

(٣) الهمع ١ / ١٦٤.

(٤) المغنى ص ٢٥٢.

(٥) الهمع ٢ / ١٦٦.

(٦) الهمع ١ / ١٠٢.

(٧) المغنى ص ١٦.

(٨) الهمع ١ / ٣٨.

(٩) الهمع ٢ / ٤.

١٨٩

حينئذ بمعنى الآن (١). وله آراء كثيرة انفرد بها ودارت فى كتب النحاة ، من ذلك أنه كان يرى ـ كما مر بنا فى غير هذا الموضع ـ أن عامل الرفع فى الفاعل هو الإسناد أى إسناد الفعل له ، وذهب إلى أن العامل فى المفعول به هو الفاعل ، فمثل قرأت الكتاب العامل فى الكتاب النصب هو التاء. وزعم فى مثل «ظننت زيدا قائما» أن التاء نصبت زيدا ، أما «قائما» فنصبها الظن (٢). وكان يذهب إلى أن المعتل حين يجمع جمع مؤنث سالما مثل عدة وعدات وثبة وثبات ينصب بالفتحة مستدلا على ذلك بحكايته عن العرب «سمعت لغاتهم» بالنصب (٣) وجاء عن العرب «كلمته فاه إلى فىّ» ومرّ بنا أن سيبويه كان يعرب كلمة «فاه إلى فىّ» حالا على تقدير : مشافهة ، وأعربها الإخفش منصوبة بتقدير «من» أى على نزع الخافض ، وأعربها الكوفيون مفعولا به على تقدير «جاعلا فاه إلى فىّ». وذهب الجمهور إلى أنه لا يقاس على هذا التركيب فلا يقال : «كلمته وجهه إلى وجهى ولا عينه إلى عينى» وذهب هشام إلى القياس عليه ، فأجاز مثل «ماشيته قدمه إلى قدمى ، وجاوزته بيته إلى بيتى ، وناضلته قوسه عن قوسى» ونحو ذلك (٤). وكان يذهب مذهب قطرب فى أن واو العطف تفيد الترتيب فى مثل قام زيد وعمرو (٥). ومعروف أن الجمهور كان يعرب : «لا أبالك» على أن أبا اسم مضاف إلى الضمير المجرور باللام واللام زائدة لا اعتداد بها والخبر محذوف. وذهب هشام فى إعرابها إلى أن الجار والمجرور صفة لأب والخبر محذوف (٦). وكان يجيز أن يقال «زيد وحده» لسماع ذلك عن العرب ، وكان يعرب «وحده» على أنه منصوب انتصاب الظرف مثل عنده ، وزعم فى مثل «جاء زيد وحده» أن وحده ليست حالا كما ذهب سيبويه مؤولا لها بكلمة «منفردا» إنما هى منصوبة على الظرفية (٧). وذهب إلى أن الفاء العاطفة قد تستعمل بمعنى إلى مستدلّا بقول امرئ القيس :

__________________

(١) الرضى على الكافية ١ / ٣٨٣.

(٢) الإنصاف : المسألة رقم ١١ والهمع ١ / ١٦٥.

(٣) الهمع ١ / ٢٢.

(٤) الهمع ١ / ٢٣٧ والرضى على الكافية ١ / ١٨٦.

(٥) المغنى ص ٣٩٢ والهمع ٢ / ١٢٩.

(٦) الهمع ١ / ١٤٥.

(٧) الهمع ١ / ٢٤٠.

١٩٠

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

بسقط اللّوى بين الدّخول فحومل

وهو إبعاد فى الفهم والتقدير (١). وعلى شاكلته ذهابه إلى أن كيف قد تأتى حرف عطف ، وأنشد على ذلك قول بعض الشعراء :

إذا قلّ مال المرء لانت قناته

وهان على الأدنى فكيف الأباعد

وهو خطأ واضح لاقترانها ـ كما قال ابن هشام ـ بالفاء ، وقد خرّجها على مضاف محذوف ، تقديره : فكيف حال الأباعد. ويمكن أن يكون جر الأباعد ضرورة شعرية وأن البيت من قصيدة مكسورة الدال (٢). وله من هذا القبيل آراء يغرب فيها إغرابا بعيدا ، من ذلك أنه كان يذهب إلى أن الفاعل ونائب الفاعل قد يكونان جملة مثل «يعجبنى تقوم» والجمهور يؤوّل ما قد يظن فيه ذلك من صور الكلام (٣). وكان يذهب فى مثل «مؤدبنى» إلى أن النون فيها تنوين لا نون ، حتى يفسح لإعمال اسم الفاعل فى الياء النصب ، وردّ ذلك ابن هشام بأنها لو كانت تنوينا لما دخلت على اسم الفاعل الألف واللام فى مثل «الموافينى» من قول الشاعر : «وليس الموافينى ليرفد (٤) خائبا (٥)». ومن ذلك أن البصريين وجمهور النحاة كانوا لا يجيزون الجمع بين الفاعل والمفعول فى نعت واحد ، فلا يقال «ضرب زيد عمرا الظريفان» وجوّز ذلك هشام مع اختيار الرفع (٦).

وكان يذهب إلى أن الواو العاطفة للجمل تغنى غناء الضمير فى الربط بين المبتدأ وخبره فيقال مثلا «زيد جاءت هند وأكرمها» ومنع ذلك الجمهور لأنه لم يرد به سماع ولأن الواو إنما تكون للجمع فى المفردات لا فى الجمل بدليل جواز «هذان : قائم وقاعد» دون «هذان يقوم ويقعد» (٧).

ولعل فى كل ما أسلفنا ما يوضح نشاط هشام فى درس النحو على ضوء الأشعة التى سالت من آراء الكسائى وأصوله التى وضعها لنحاة الكوفة من بعده ، وقد مضى فى إثره يكثر من الاتساع فى الرواية والقياس والخلاف على البصريين والنفوذ إلى آراء جديدة ، يداخلها كثير من البعد والإغراب.

__________________

(١) الرضى ٢ / ٣٤٠.

(٢) المغنى ص ٢٢٧ والهمع ٢ / ١٣٨.

(٣) المغنى ص ٤٤٨ ، ٤٧٨.

(٤) يرفد : يعطى.

(٥) المغنى ص ٣٨١ ، ٧١٦.

(٦) الرضى ١ / ٢٩٠.

(٧) المغنى ص ٥٥٥ والهمع ١ / ٩٨.

١٩١

الفصل الثالث

الفراء

١

نشاطه العلمى

هو يحيى (١) بن زياد بن عبد الله ، من أصل فارسى من الدّيلم ، ولد بالكوفة سنة ١٤٤ للهجرة ، ونشأ بها ، وأخذ يكبّ منذ نشأته على حلقات المحدّثين والقرّاء أمثال أبى بكر بن عيّاش وسفيان بن عيينة ، واختلف إلى حلقات الفقهاء ورواة الأشعار والأخبار والأيام. وأكثر من الاختلاف إلى حلقة أبى جعفر الرّواسى وكأنه لم يجد عنده كل ما يريد من علم العربية ، مما جعله يرحل إلى البصرة ويتتلمذ على يونس بن حبيب ويحمل كثيرا عنه مما كان يرويه من لغات الأعراب وأشعارهم. ونظن ظنّا أنه اختلف حينئذ إلى حلقات المعتزلة التى كانت مهوى قلوب الشباب والمثقفين والأدباء فى البصرة ، وأنه تلقن حينئذ مبادئ الاعتزال ، وظل مؤمنا بها حفيّا ، مما جعل مترجموه يقولون إنه كان متكلما يميل إلى الاعتزال ، وآثار اعتزاله واضحة فى كتابه معانى القرآن إذ نراه فيه يتوقف مرارا للرد على الجبرية. ولعل صلته بالاعتزال والمعتزلة هى التى دفعته إلى قراءة كتب الفلسفة والطب والنجوم ، فقد كان المعتزلة يحرصون على قراءة هذه الكتب حتى ليقول الجاحظ كما مرّ بنا : «لا يكون المتكلم جامعا لأقطار الكلام متمكنا فى الصناعة حتى يكون الذى يحسن من كلام الدين فى وزن الذى يحسن من كلام الفلسفة ، والعالم عندنا (يريد المعتزلة) هو الذى يجمعهما».

__________________

(١) انظر فى ترجمة الفراء الزبيدى ص ١٤٣ وأبا الطيب اللغوى ص ٨٦ والفهرست ص ١٠٤ ومقدمة تهذيب اللغة للأزهرى ونزهة الألباء ص ٩٨ وتاريخ بغداد ١٤ / ١٤٩ وابن خلكان فى يحيى والأنساب للسمعانى الورقة ٤٢٠ ومعجم الأدباء ٢٠ / ٩ وطبقات الحفاظ ١ / ٣٤١ وطبقات القراء ٢ / ٣٧١ وتهذيب التهذيب ١١ / ٢١٢ وشذرات الذهب ٢ / ١٩ ومرآة الجنان ٢ / ٣٨ وبغية الوعاة ص ٤١١.

١٩٢

ومعنى ذلك كله أن الفراء عنى منذ نشأته فى الكوفة والبصرة بالوقوف على ثقافات عصره الدينية والعربية والكلامية والفلسفية والعلمية ، ويشهد بذلك معاصروه ، فيقول ثمامة بن أشرس وقد جلس إليه بأخرة من حياته : «جلست إليه ، ففاتشته عن اللغة ، فوجدته بحرا ، وفاتشته عن النحو ، فوجدته نسيج وحده ، وعن الفقه فوجدته رجلا فقيها عارفا باختلاف القوم ، وبالنجوم ماهرا ، وبالطب خبيرا ، وبأيام العرب وأخبارها وأشعارها حاذقا». ويصفه مترجموه بالتفلسف فى تصانيفه وأنه كان يستعمل فيها ألفاظ الفلسفة.

وقد تعمّقه ميل شديد لإتقان العربية ، والعناية بالقرآن الكريم وقراءاته وتفسيره وعاد إلى مسقط رأسه بعد : أن حمل من ذلك أزوادا كثيرة. وكانت شهرة مواطنه الكسائى قد أخذت تدوّى فى بلدته ، فرحل إلى بغداد ، ولزمه منذ عصر المهدى (١) ، وأخذ كل ما عنده. ويظهر أن أستاذه عرّف الرشيد به ، إذ نراه يحضر مجالسه. ومضى يفرغ للنحو واللغة والقرآن ، حتى إذا وجد أستاذه يطلب كتاب سيبويه ويمليه عليه الأخفش انقضّ على هذا الكتاب يلتهمه التهاما ، ويلتهم معه كتابات الأخفش فى النحو ، ومن طريف ما يروى عنه أنه مات وتحت رأسه الكتاب ، وكأنه لم يكن يفارقه. وأكبر الظن أن هذه النسخة للكتاب التى وجدت تحت رأسه هى نفسها النسخة التى أهداها الجاحظ إلى ابن الزيات وزير المعتصم والواثق ، إذ ذكر الرواة أنه أهداه كتاب سيبويه بخط الفرّاء وعرض الكسائى ومقابلته ، فتقبّله قبولا حسنا ، شاكرا مثنيا (٢).

وقد مضى فى إثر أستاذه يكثر من الرواية عن الأعراب الذين نزلوا بغداد ، غير ملتفت لطعن البصريين فيهم وفى أمثالهم ممن اختلطوا بأهل الحضر. وتدور فى كتابه معانى القرآن روايات كثيرة عن جماعة منهم فى مقدمتها أبو دثار الفقعسى وأبو زياد الكلابى وأبو ثروان وأبو الجراح العقيلى ، فقد وجد عندهم مادة وفيرة من الشعر واللغة.

ونظن ظنّا أنه تصدر للمحاضرة والإملاء على الطلاب فى مسجد كان بجوار

__________________

(١) مجالس العلماء للزجاجى ص ٢٦٩.

(٢) إنباه الرواة ٢ / ٣٥١.

١٩٣

منزله ، وأستاذه الكسائى لا يزال على قيد الحياة. وإنما يدفعنا إلى هذا الظن أننا لا نجد أحاديث عنه تدل على كثرة مخالطته للقصر فى عصر الرشيد والأمين ورجال دولتهما ، وكأنما وجد فى الحياة العلمية الخالصة عالمه الذى شغف به وملك قلبه وفؤاده ملكا صرفه عن العالم الخارجى وكل ما كان يجرى فيه. وقد مضى ينفق أيامه فى مراجعة كتاب سيبويه وتسجيل ملاحظاته عليه ، كما مضى يحاول التصنيف لطلابه فى اللغة والنحو والدراسات المتصلة بالقرآن الكريم ، وكثرت تصانيفه ، من مثل كتاب لغات القرآن وكتاب المصادر فى القرآن وكتاب الجمع والتثنية فى القرآن وكتاب اختلاف أهل الكوفة والبصرة والشام فى المصاحف وكتاب الوقف والابتداء فى القرآن ومثل كتاب آلة الكتاب وكتاب الفاخر وكتاب النوادر وكتاب مشكل اللغة وكتاب الأيام والليالى والشهور وكتاب الواو وكتاب يافع ويافعة وكتاب المقصور والممدود وكتاب فعل وأفعل وكتاب فى النحو سماه الكتاب الكبير.

ويظل فى هذه الحياة العلمية الخصبة حتى سنة ٢٠٢ للهجرة ، ويحدث أن يكتب إليه عمر بن بكير الراوية الإخبارى النسّابة ، وكان منقطعا إلى الحسن ابن سهل فى أثناء نيابته عن المأمون ببغداد حين كان لا يزال بمرو قبل تحوله منها إلى عاصمته : بأن الحسن بن سهل يسأله عن الشىء بعد الشىء من القرآن الكريم فلا يحضره فيه جواب ، والتمس منه أن يكتب للناس كتابا ، يرجع معهم إليه ، وكأنه أثار فى نفسه عزيمة كان قد اعتزمها فى تصنيف كتاب جامع فى القرآن ، وسرعان ما عقد للناس مجالس أملى فيها كتابه الرائع «معانى القرآن» وامتدت هذه المجالس من رمضان فى السنة المذكورة حتى شهور من سنة ٢٠٤ للهجرة ، وهو فيه لا يفسر الذكر الحكيم بالطريقة المعروفة ، وإنما يتخير من الآيات على ترتيب السور ما يدير حوله مباحثه اللغوية والنحوية. وبذلك يحلّ مشكلها ويوضح غامضها ، مدليا دائما بآرائه النحوية ، ومعبرا بما اختاره للنحو من مصطلحات جديدة ، ناثرا من حين إلى حين آراء أستاذه الكسائى وآراء النحويين البصريين.

ويقدم المأمون بغداد ، ويعقد للعلماء من كل صنف مجالس بحضرته

١٩٤

يتحاورون فيها ويتناقشون ، ولا يكاد يترك له مستشاروه من مثل ثمامة بن أشرس المعتزلى عالما إلا ويشخصونه إلى مجالسه ، ويطلب ثمامة الفراء ، ويلقاه ، ويعجب به وبثقافته كما مرّ بنا إعجابا شديدا ، ويقدّمه إلى المأمون ، فيحظى بإعجابه. وربما أعجبهما فيه بالإضافة إلى علمه الغزير باللغة والنحو والقرآن اعتزاله ، إذ كان المأمون يعتنق الاعتزال مثل مستشاره ثمامة. ولم يلبث أن اختاره مؤدبا لابنيه. وبعثه على تأليف كتاب يجمع أصول النحو ، ويقال إنه أفرد له حجرة فى الدار ووكّل به من يقومون بكل حاجاته ، وصيّر له جماعة من الوراقين ليملى عليهم الكتاب. ويقال إنه ظل يمليه ويصنّف فصوله ومواده فى سنتين ، وهو كتاب الحدود ، وفى فهرست ابن النديم تعريف دقيق بما تشمل الحدود فيه من فصول النحو وعتاده.

وفى هذه الأثناء نراه يتصل بطاهر بن الحسين قائد المأمون المشهور الذى قضى له قضاء مبرما على أخيه الأمين. وكان يعنى بابنه عبد الله وبفصاحته ، ويظهر أنه لحظ عليه بعض اللحن والخطأ فى كلامه أو فى بعض كتابته ، فطلب إلى الفرّاء أن يكتب له كتابا يقفه فيه على اللحن المتفشى على ألسنة العوام ، فصنف كتابه البهاء أو البهى فيما تلحن فيه العامة. وصنف لعبد الله كتابا ثانيا هو كتابه «المذكر والمؤنث» وهو مطبوع. وما زال يتابع هذا الجهد العلمى المثمر حتى لبّى نداء ربه فى طريقه إلى مكة سنة ٢٠٧ للهجرة.

٢

وضعه النهائى للنحو الكوفى ومصطلحاته

رأينا الكسائى يرسم منهج النحو الكوفى على أسس ثلاثة هى الاتساع فى الرواية بحيث تفتح الأبواب على مصاريعها لرواية الأشعار والأقوال والقراءات الشاذة ، والاتساع فى القياس بحيث يعتدّ فى قواعد النحو بالشاذ والقليل النادر ، والاتساع فى مخالفة البصريين اتساعا قد يؤول إلى مدّ القواعد وبسطها بآراء لا تسندها الشواهد اللغوية ، بل قد يؤول أحيانا إلى رفض المسموع

١٩٥

الشائع على نحو موقفه وموقف الفرّاء من إعمال أسماء المبالغة على نحو ما مر بنا فى غير هذا الموضع.

وقد مضى الفراء ـ فى أثر أستاذه ـ يتسع بهذه الجوانب ، وكان عقله أدقّ وأخصب من عقل الكسائى ، إذ كان مثقفا ـ كما أسلفنا ـ ثقافة كلامية فلسفية ، فكانت قدرته على الاستنباط والتحليل والتركيب واستخراج القواعد والأقيسة والاحتيال للآراء وترتيب مقدماتها لا تقرن إليها قدرة أستاذه ، وقد تحول بها إلى تنظيم واسع لما تركه من أسس بانيا عليه من اجتهاده ما أعطى النحو الكوفى صورته النهائية ، وهى صورة تقوم على الخلاف مع نحاة البصرة فى كثير من الأصول ، مع النفوذ إلى وضع مصطلحات جديدة والخلاف مع الخليل وسيبويه فى تحليل بعض الكلمات والأدوات وفى كثير من العوامل والمعمولات ، ومع مدّ القياس وبسطه ليشمل كثيرا من اللغات ، والإبقاء مع ذلك على فكرة الشذوذ ومخالفة القياس حتى فى القراءات.

أما الأصول فقد خالف البصريين فيها فى أربع مسائل أساسية ، أما المسألة الأولى فعدم تفرقته بين ألقاب الإعراب والبناء ، على نحو ما مرّ بنا فى حديثنا عن مدرسة الكوفة ، وكان حريّا به أن يفصل بينهما كما فصلت مدرسة البصرة ، تمييزا للألقاب التى يتبعها التنوين من الأخرى التى لا يتبعها. والمسألة الثانية هى أن المصدر مشتق من الفعل ، لا كما ذهب إليه البصريون من أن المصدر هو الأصل والفعل مشتق منه ، وكان يؤيد رأيه هو والكوفيون بأن المصدر يصح بصحة الفعل ويعتل باعتلاله ، فتقول قوام من قاوم وقيام من قام ، وأن الفعل يعمل فيه النصب ، تقول كتب كتابة ، وأنه يؤكده كالمثال المذكور ، والمؤكد يتلو ما يؤكده ، وأيضا فإنه توجد أفعال لا مصادر لها مثل نعم وبئس وليس ، إلى غير ذلك من حجج تحاور معهم فيها البصريون طويلا مؤيدين رأيهم ببراهين كثيرة (١). والمسألة الثالثة هى إعراب الأفعال ، وأنه أصل فيها كالأسماء لا أنه أصل فى الأسماء

__________________

(١) الإنصاف : المسألة رقم ٢٨ وانظر الإيضاح فى علل النحو للزجاجى ص ٥٦ ، ٦٢.

١٩٦

فرع فى الأفعال ، وكان سيبويه والبصريون يذهبون إلى الرأى الثانى لأن الاسم تتعاوره معان مختلفة ، هى الفاعلية والمفعولية والإضافة ولو لا الإعراب ما استبانت هذه المعانى فى صيغة الاسم ولوقع اللبس ، بخلاف الفعل فإن اختلاف صيغه فى التركيب يؤمن من اللبس فيه. وذهب الفراء إلى أن الإعراب أصل فى الأفعال كالأسماء ، واحتج بأنها هى الأخرى تختلف معانيها الزمنية ، فقد تدل على الحال ، وقد تدل على الاستقبال ، وقد تدل على المضى ، ومعروف أن المضارع قد يدل على الاستمرار فى مثل «يشعر» إذ تقوم مقام شاعر ، وفى هذه الحالة يصبح المضارع مثل الاسم الذى يلزم المسمى ولا يزايله (١).

والمسألة الرابعة مسألة الأفعال وأقسامها ، أما البصريون فيقسمون الفعل القسمة المعروفة إلى ماض ومضارع وأمر ، وأما الفرّاء ، وتبعه الكوفيون ، فقسمه إلى ماض ومضارع ودائم ، وهو لا يريد بالدائم فعل الأمر ، وإنما يريد اسم الفاعل كما مر بنا فى فصل المدرسة الكوفية (٢). أما فعل الأمر فمقتطع عنده من المضارع المجزوم بلام الامر ، يقول : «العرب حذفت اللام من فعل المأمور المواجه لكثرة الأمر خاصة فى كلامهم ، فحذفوا اللام كما حذفوا التاء من الفعل (المضارع فى مثل لتضرب) وأنت تعلم أن الجازم أو الناصب لا يقعان إلا على الفعل الذى أوله الياء والتاء والنون والألف. فلما حذفت التاء ذهبت باللام ، وأحدثت الألف فى قولك : اضرب وافرح ، لأن الضاد ساكنة ، فلم يستقم أن يستأنف بحرف ساكن فأدخلوا ألفا خفيفة (يريد ألف الوصل) يقع بها الابتداء ، كما قال : (ادَّارَكُوا) و (اثَّاقَلْتُمْ). وكان الكسائى يعيب قولهم (فلتفرحوا) لأنه وجده قليلا فجعله عيبا ، وهو الأصل (يريد أصل الأمر) ولقد سمعت عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال فى بعض المشاهد : لتأخذوا مصافّكم ، يريد به خذوا مصافكم» (٣). وبذلك يكون الأمر عنده

__________________

(١) الزجاجى ص ٨٠ والرضى على الكافية ١ / ١٩ والهمع ١ / ١٥.

(٢) انظر معانى القرآن ١ / ١٦٥ حيث يقرن الفعل الماضى بالدائم ويريد اسم الفاعل وقارن بصفحة ٣٣.

(٣) معانى القرآن ١ / ٤٦٩.

١٩٧

مجزوم الآخر لا مبنيّا ، فهو معرب إعراب أصله المقتطع منه (١). وعلى ضوء ما هو معروف عند المعتزلة من أن المسلم الفاسق فى منزلة وسطى بين المؤمن والكافر ذهب إلى أن «كلا» التى يضعها الخليل والبصريون فى باب الأسماء ليست اسما ولا فعلا بل هى فى مرتبة متوسطة بينهما ، واحتج لذلك بأنها لا تنفرد أى أنه ليس لها مفرد ، وأنها كالفعل الماضى المعتل الآخر المنقلبة ألفه عن ياء ، إذا وليها اسم ظاهر لزمتها الألف ، وإذا وليها ضمير قلبت ياء فتقول رأيت كلا الرجلين ورأيت كليهما ، كما تقول قضى الحق وقضيته (٢).

وأكثر من التبديل والتغيير فى المصطلحات النحوية التى وضعها الخليل وسيبويه ، وأضاف إليها بعض المصطلحات الجديدة ، ونحن نعرض ذلك عنده من كلامه ومن كتب النحاة ، وأول ما نعرض اصطلاح التقريب ويريد به اسم الإشارة حين يليه الخبر وحال منصوبة فى مثل «هذا زيد شاعرا» و «هذا الأسد مخوفا» فإنه لم يكن يعرب الجملة على هذا النحو الذى ذكرناه ، أو بعبارة أخرى على نحو ما كان يعربها سيبويه ، بل كان يجعل اسم الإشارة كأنه مشبه لكان إذ يليه ـ مثلها ـ مرفوع ومنصوب ، ويقول إن المنصوب ينصب بخلوه من العامل ، كما نصب خبر كان ، أى لعدم وجود رافع له يرفعه (٣) ، ولعل ذلك ما جعل بعض خالفيه من الكوفيين يجعل هذا من أخوات كان ، وما وراءها اسمها وخبرها ، أما «هذا» فيعرب تقريبا (٤).

وما نتقدم فى قراءة كتابه «معانى القرآن» كثيرا حتى نجده يتحدث عن مصطلح ثان له وضعه هو مصطلح الصّرف ويقصد به النصب فى بابين هما باب الفعل المضارع المنصوب بعد الواو والفاء وأو ، وباب المفعول معه ، إذ يصرف المضارع والمفعول معه عما قبله ، فلا تكون الواو فيهما عاطفة ، بل تكون واو صرف

__________________

(١) الهمع ١ / ٩ وقد يعبر عن الجزم بالبناء لما ذكرناه عنده من قلب ألقاب الإعراب والبناء.

(٢) طبقات النحويين واللغويين للزبيدى ص ١٤٥.

(٣) معانى القرآن ١ / ١٢ وما بعدها.

(٤) الهمع ١ / ١١٣.

١٩٨

لهما عما قبلهما ، ومثلها الفاء وأو ، ويشرح ذلك مع الواو (١) وأو فيقول : الصرف : «أن تأتى بالواو معطوفة على كلام فى أوله حادثة لا تستقيم إعادتها على ما عطف عليها .. كقول الشاعر :

لا تنه عن خلق وتأتى مثله

عار عليك إذا فعلت عظيم

ألا ترى أنه لا يجوز إعادة لا فى «تأتى مثله» فلذلك سمّى صرفا إذ كان معطوفا ولم يستقم أن يعاد فيه الحادث الذى قبله. ومثله من الأسماء التى نصبتها العرب وهى معطوفة على مرفوع قولهم «لو تركت والأسد لأكلك» و «لو خلّيت ورأيك لضللت» .. والعرب تقول : «لست لأبى إن لم أقتلك أو تذهب نفسى» ويقولون : «والله لأضربنّك أو تسبقنّى فى الأرض» فهذا مردود (معطوف) على أول الكلام ومعناه الصّرف لأنه لا يجوز على الثانى إعادة الجزم بلم ولا إعادة اليمين على والله لتسبقنّى ، وتجد ذلك إذا امتحنت الكلام» (٢). ويقول فى موضع ثان : «الصرف أن يجتمع الفعلان بالواو أو ثم أو الفاء أو أو وفى أولهما جحد (نفى) أو استفهام ثم ترى ذلك الجحد أو الاستفهام ممتنعا أن يكرّ فى العطف فذلك الصرف» (٣).

ونرى هذا الاصطلاح عند الفراء يقرن باصطلاح آخر ينسب إليه أيضا هو الخلاف ، إذ يقول الرضىّ إن الأفعال المضارعة تنصب بعد الواو والفاء وأو عند الفراء على الخلاف ، ويشرح رأيه فيقول : «أى أن المعطوف بها صار مخالفا للمعطوف عليه فى المعنى ، فخالفه فى الإعراب كما انتصب الاسم الذى بعد الواو فى المفعول معه لما خالف ما قبله ، وإنما حصل التخالف ههنا بينهما ، لأنه طرأ على الفاء معنى السببية وعلى الواو معنى الجمعية وعلى أو معنى النهاية والاستثناء» (٤). ولعله كان يتداول الاصطلاحين فى كتاباته ، ومن هنا كنا

__________________

(١) معروف أن الواو والفاء الناصبتين للمضارع لا تنصبانه إلا بعد نفى أو طلب ، وتسميان عند البصريين واو المعية وفاء السببية.

وأو لا تنصب المضارع إلا إذا كان معناها إلى أو إلا. وثلاثتها لا تنصبه عند البصريين مباشرة ، وإنما تنصبه بأن مضمرة وجوبا.

(٢) معانى القرآن ١ / ٣٤.

(٣) معانى القرآن ٢ / ٢٣٥.

(٤) الرضى على الكافية ٢ / ٢٢٤ وانظر ابن يعيش ٢ / ٤٩ والهمع ١ / ٢٢٠.

١٩٩

نظن أنه هو أيضا الذى ذهب إلى أن الظرف الواقع خبرا فى مثل «محمد عندك» منصوب على الخلاف (١).

وتتردد فى كتاب معانى القرآن تسمية الفعل المتعدى باسم الفعل الواقع ، كما تترّدد «أوقعت عليه الفعل» بدلا من «عدّيت إليه الفعل» (٢). ويسمى الفعل المبنى للمجهول باسم «الذى لم يسمّ فاعله» (٣) كما يسمّى الضمير المكنى والكناية (٤). وكان يصطلح على تسمية ضميرى الشان والفصل باسم العماد فى مثل (وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ) أى الحال والشان أن الإخراج محرم عليكم. (٥) وفى مثل (وإذا قالوا اللهم إن كان هذا هو الحقّ من عندك) يقول : «فى (الحق) النصب والرفع إن جعلت هو اسما رفعت الحق بها وإن جعلتها عمادا بمنزلة الصلة (أى الحشو) نصبت الحق ، وكذلك فافعل فى أخوات كان وظن وأخواتها كما قال الله تبارك وتعالى : (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ) تنصب الحق لأن رأيت من أخوات ظننت» (٦).

واصطلح على تسمية النفى باسم الجحد ، كما مر آنفا فى بعض حديثه ، ويقول : «وضعت بلى لكل إقرار فى أوله جحد (أى نفى) ووضعت نعم للاستفهام الذى لا جحد فيه ، فبلى بمنزلة نعم إلا أنها لا تكون إلا لما فى أوله جحد» (٧). وسمّى لا النافية للجنس باسم التبرئة ، يقول تعليقا على قوله تعالى : (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ) القرّاء على نصب ذلك كله بالتبرئة» (٨). وكان يسمى حرف الجر الصفة ، يقول تعليقا على قوله عزوجل : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا) يريد فلا جناح عليهما فى أن يتراجعا و (أن) فى موضع نصب إذا نزعت الصفة (٩)». وواضح أنه يقصد بالصفة حرف الجر

__________________

(١) الإنصاف : المسألة رقم ٢٩ وابن يعيش ١ / ٩١ والرضى ١ / ٨٣.

(٢) معانى القرآن ١ / ٢١ ، ٤٠ ، ١٢١.

(٣) معانى القرآن ١ / ٣٠١.

(٤) معانى القرآن ١ / ٥ ، ١٩.

(٥) معانى القرآن ١ / ٥١.

(٦) معانى القرآن ١ / ٤٠٩ وانظر الجزء الثانى (طبع الدار المصرية للتأليف والترجمة) ص ٢١٢ ، ٢٢٨ ، ٢٨٧ ، ٣٥٢.

(٧) معانى القرآن ١ / ٥٢.

(٨) معانى القرآن ١ / ١٢٠.

(٩) معانى القرآن ١ / ١٤٨.

٢٠٠