الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم على لسان حفيده الإمام زين العابدين عليه السلام

السيّد محسن الحسيني الأميني

الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم على لسان حفيده الإمام زين العابدين عليه السلام

المؤلف:

السيّد محسن الحسيني الأميني


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الإمام الهادي عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ٤
ISBN: 964-8837-02-3
الصفحات: ١٥٥

١
٢

٣
٤

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على خاتم الأنبياء والمرلين محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين وصحبه الميامين.

وبعد :

فإن السيّد قائد الجمهوريّة الإسلاميّه آية الله الخامنه اي حفظه الله قد سمّى هذه السنة أي عام ١٤٢٧ الهجريّة المصادف بـ ١٣٨٥ الشمسيّة بـ «عام الرّسول الأعظم» فرأينا من المناسب أن نذكر نبذة من حياته صلى الله عليه واله بلسان حفيده زين العابدين وسيّد الساجدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، وقد ذكر ذلك على نهج الدعاء لأنّ الدعاء وسيلة الإرتباط باللّه تعالى ، ومنهاج للتربية ، تتأصّل به شخصيّة المسلم وتهذب أخلاقه وسلوكه ، ويرقىٰ بلإنسان إلى مدارج الكمال ، والإنعتاق من كلّ ألوان العبوديّة لغير الله تعالى ، قال الله سبحانه وتعالى : «قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ» (١)

__________________

١ ـ الفرقان : ٧٧.

٥

ونتيجة لهذا الدور المهم للدعاء ، فقد استطاع هذا الإمام العظيم بما أوتي من بلاغة فريدة ، وقدرة فائقة على أساليب التعبير العربي وذهنيّة ربانيّة تتفتّق عن أروع المعاني وأدقّها في تصوير صلة الإنسان بربّه ووُجده بخالقه وتعلّقه بمبدئه ومعاده وتجسيد ما يعبّر عنه ذلك من قيم خليقّة وحقوق وواجبات ، في كتابه المسمّى بالصحيفة السجاديّة فهي مسحة من العلم الإلٰهي ، وفيها عبقة من الكلام النبوي ، كيف لا وهي قبس من نور مشكاة الرسالة ونفحة من شميم رياض الإمامة ، حتّى قال بعض العارفين : إنّها تجرى مجرى التنزيلات السّماويّة ، وتسير مسير الصحف اللوحيّة والعرشيّة ، لما اشتملت عليه من أنوار حقائق المعرفة وثمار حدائق الحكمة ، وكان أحبار العلماء وجهابذة القدماء من السلف الصالح يلقّبونها بـ «زبور آل محمّد» ، وإنجيل أهل البيت عليهم السلام.

قال الشيخ الجليل محمّد بن علي بن شهراشوب في معالم العلماء في ترجمة المتوكّل بن عمير : روى عن يحيىٰ بن زيد بن علي عليه السلام دعاء الصحيفة وتلقّب بـ «زبور آل محمّد عليهم السلام» (١) وسماّها عند ترجمته ليحيىٰ بن علي بن محمّد بن الحسين الرقّي بـ «إنجيل أهل البيت عليهم السلام» (٢)

وأمّا بلاغة بيانها ، وبراعة تبيانها : فعندها تخضع سحرة الكلام ، وتذعن بالعجز عقول الأعلام ، وتعترف بأنّ النبوّة غير الكهانة ، ولا يستوي الحق والباطل في المكانة ، ومن حام حول سمائها بغاسق فكره الواقب رمى من رجوم الخذلان بشهاب ثاقب.

وهي مجموعة من الأدعية المأثورة عن الإمام زين العابدين و

__________________

١ ـ معالم العلماء : ص ١٢٥ ، الرقم ٨٤٧.

٢ ـ معالم العلماء : ص ١٣١ ، الرقم ٨٨٦

٦

سيّد الساجدين ، وقدوة المقتدين ، إمام المؤمنين أبي الحسن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام من أئمّة أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً.

وهو الرابع من أئمّة أهل البيت ، وجدّه الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وصيّ رسول الله صلى الله عليه واله وأوّل من أسلم ، وكان منه بمنزلة هارون من موسى كما صحّ في الحديث.

وجدّته فاطمة الزهراء عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه واله وبضعته وفلذّة كبده وسيّدة نساء العالمين كما كان أبوها يصفها.

وأبوه الإمام الحسين عليه السلام أحد سيّدي شباب أهل الجنّة ، سبط الرسول وريحانته ، وقال جدّه : «حسين منّي وأنا من حسين» وهو الذي استشهد في يوم عاشوراء دفاعاً عن الإسلام والمسلمين.

وأمّه شاه زنان بنت يزدجرد بن شهريار بن كسرى ، وقيل : كان اسمها شهربانويه. وفيه يقول أبو الأسود الدئلي :

وإنّ غلاماً بين كسرى وهاشم

لأكْرِم من نيطت عليه التمائم

وقد ولد الإمام علي بن الحسين عليه السلام بالمدينة المنوّرة سنة ثمان وثلاثين من الهجرة قبل وفاة جدّه أمير المؤمنين عليه السلام بسنتين ، فعاش في كنف جدّه سنتين ، ثم نشأ في مدرسة عمّه الحسن عليه السلام اثنتي عشر سنة ، ومع أبيه الحسين عليه السلام ثلاثاً وعشرين سنة ، وعاش بعد أبيه أربعاً وثلاثين سنة ، وتوفّي بالمدينة المنوّرة سنة خمس وتسعين للهجرة ، وله يومئذ سبع وخمسون سنة ، ودفن بالبقيع بجنب عمّه الحسن عليه السلام في القبّة التي فيها العباس بن عبد المطّلب رضى الله عنه.

وكان يقال له : ذو الثفنات جمع ثفنة بكسر الفاء. وهي من الإنسان

٧

الركبة ، ومجمع الساق والفخذ ، لأنّ طول السجود أثّر في ثفناته.

وبرز على الصعيد العلمي والديني إماماً في الدين ، ومناراً في العلم ، ومرجعاً في الحلال والحرام ، ومثلاً أعلى في الورع والعبادة والتقوى ، وآمن المسلمون جميعاً بعلمه واستقامته وأفضليّته ، وانقاد الواعون منهم إلى زعامته وفقهه ومرجعيّته.

قال الزهري : مارأيت هاشميّاً أفضل من علي بن الحسين ولا أفقه منه (١).

وقال في كلام آخر : ما رأيت قرشيّاً أورع منه ولا أفضل (٢).

وكان يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة ، وكانت الريح تميله بمنزلة السنبلة (٣).

وكان كثير الصدقة بالليل ، وكان يقول : صدقة الليل تطفىء غضب الرّب ، وتنوّر القلب والقبر ، وتكشف عن العبد ظلمة يوم القيامة ، وقد قاسم لله تعالى ماله مرّتين (٤).

وروى أبو الفرج الإصفهاني بإسناده عن أبي حمزة الثمالي قال : كان علي بن الحسين عليه السلام يحمل جراب الخبز على ظهره فيتصدّق به ، ويقول : إن صدقة الليل تطفىء غضب الرّب (٥).

__________________

١ ـ الأغاني : ج ١٥ ، ص ٣١٥ ، وتذكرة الخواص لإبن الجوزي : ص ٣٣١ ، والإرشاد للشيخ المفيد : ص ٢٥٧.

٢ ـ البداية والنهاية : ج ٩ ، ص ١٠٩.

٣ ـ الإرشاد للشيخ المفيد : ص ٢٥٦ ، والبداية والنهاية : ج ٩ ، ص ١١٠.

٤ ـ البداية والنهاية : ج ٩ ص ١١٠ ، وحلية الأولياء : ج ٣ ص ١٣٦.

٥ ـ الأغاني : ج ١٥ ، ص ٣١٥.

٨

وفي رواية : إنّه كان إذا جنّ الليل وهدأت العيون قام إلى منزله فجمع ما يبقى فيه من قوت أهله وجعله في جراب ورمى به على عاتقه وخرج إلى دور الفقراء وهو متلثّم ، ويفرّق عليهم ، وكثيراً ما كانوا قياماً على أبوابهم ينتظرونه ، فإذا رأوه تباشروا به وقالوا : جاء صاحب الجراب (١).

وقال عمرو بن ثابت : لمّا مات علي بن الحسين عليه السلام فغسّلوه جعلوا ينظرون إلى آثار سواد بظهره فقالوا : ما هذا؟ فقيل : كان يحمل جرب الدقيق ليلاً على ظهره يعطيه فقراء أهل المدينة (٢).

وقال محمّد بن اسحاق : كان ناس من أهل المدينة يعيشون لا يدرون من أين كان معاشهم؟ فلمّا مات علي بن الحسين عليه السلام فقدوا ما كانوا يؤتون به في الليل (٣).

وقال ابن عائشة : يقول أبي : سمعت أهل المدينة يقولون : ما فقدنا صدقة السرّ حتّى مات علي بن الحسين عليه السلام (٤).

وقيل : إنّه كان يعول مائة أهل بيت بالمدينة ولا يدرون بذلك حتّى مات (٥).

وفي رواية أبو الفرج ، عن جرير بن المغيرة ، قال : كان علي بن الحسين

__________________

١ ـ المناقب لإبن شهراشوب : ج ٤ ، ص ١٥٣.

٢ ـ حلية الأولياء : ج ٣ ، ص ١٣٦ ، والمناقب لإبن شهراشوب : ج ٤ ، ص ١٥٤.

٣ ـ الأغاني : ج ١٥ ، ص ٣١٦ ، وحلية الأولياء : ج ٣ ، ص ١٣٦ ، والبداية والنهاية : ج ٩ ، ص ١١٠.

٤ ـ حلية الأولياء : ج ٣ ، ص ١٣٦.

٥ ـ البداية والنهاية : ج ٩ ، ص ١١٠ ، والمناقب لإبن شهراشوب : ج ٤ ، ص ١٥٣ ، وحلية الأولياء : ج ٣ ، ص ١٣٦.

٩

يبخل ، فلمّا مات وجدوه يعول مائة أهل بيت بالمدينة (١).

وذكروا أنّه احترق البيت الذي هو فيه وهو قائم يصلّي فلمّا انصرف قالوا له : مالك لم تتصرف؟.

فقال : إنّي اشتغلت عن هذه النار بالنار الاُخرى (٢).

وكان إذا توضأ يصفرّ لونه ، فإذا قام إلى الصّلاة إرتعد من الفرق (٣).

قيل له في ذلك ، فقال : ألا تدرون بين يدي من أقوم ولمن أُناجي؟ (٤).

ونحوه جاء في تذكرة الخواص : عن عبد الرحمن بن حفص القرشي قال : كان علي بن الحسين إذا توضأ اصفرّ لونه ، فيقال : ما هذا الذي يعتاك عند الوضوء؟.

فقال : أتدرون بين من أن أقف؟ (٥).

وعن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، قال : حجّ علي بن الحسين عليه السلام ماشياً فسار من المدينة إلى مكّة عشرين يوماً وليلة (٦).

وعن زرارة بن أعين قال : لقد حجّ عليه السلام على ناقة عشرين حجّة فما قرعها بسوط (٧).

وفي البداية والنهاية : ولمّا حجّ أراد أن يلبّي فارتعد وقال : أخشى أن

__________________

١ ـ الأغاني : ج ١٥ ، ص ٣١٥.

٢ ـ البداية والنهاية : ج ٩ ، ص ١١٠.

٣ ـ الفرق : الخوف والإضطراب.

٤ ـ البداية والنهاية : ج ٩ ، ص ١١٠.

٥ ـ تذكرة الخواص : ص ٣٢٧.

٦ ـ الإرشاد للشيخ المفيد : ص ٢٥٦.

٧ ـ المناقب لإبن شهراشوب : ج ٤ ، ص ١٥٥.

١٠

أقول : لبّيك أَللَّهُمَّ لبّيك ، فيقال لي : لا لبّيك ، فشجّعوه على التلبية ، فلمّا لبّى غشي عليه حتّى سقط عن الراحلة (١).

وعن زرارة بن أعين قال : سمع سائل في جوف الليل وهو يقول : أين الزاهدون في الدنيا ، الراغبون في الآخرة؟ ، فهتف به هاتف من ناحية البقيع يسمع صوته ولا يرى شخصه : ذاك علي بن الحسين (٢).

وعن طاووس : إني لفي الحجر ليلة ، إذ دخل علي بن الحسين عليه السلام فقلت : رجل صالح من أهل بيت النبوّة لأسمعنّ دعاءَه ، فسمعته يقول : عبيدك بفنائك ، مسكينك بفنائك ، فقيرك بفنائك.

قال : فما دعوت بهنّ في كرب إلّا فرّج عنّي (٣).

وكان عليه السلام كثير البّر بأُمّه ، فقيل له : إنّك أبرّ الناس بأُمّك ولسنا نراك تأكل معها في صحفة؟. فقال : أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها ، فأكون قد عققتها (٤).

وقيل له : كيف أصبحت؟ فقال : أصبحنا خائفين برسول الله ، وأصبح جميع أهل الإسلام آمنين (٥).

وقد كان للمسلمين عموماً تعلّق عاطفي شديد بهذا الإمام وولاء روحي عميق له ، وكانت قواعده الشعبيّة ممتدّة في كلّ مكان من العالم الإسلامي كما يشير إلى ذلك موقف الحجيج الأعظم منه حينما حجّ

__________________

١ ـ البداية والنهاية : ج ٩ ، ص ١١٠.

٢ ـ الإرشاد للشيخ المفيد : ص ٢٥٦.

٣ ـ الإرشاد للشيخ المفيد : ص ٢٥٦ ، والبداية والنهاية : ج ٩ ، ص ١١٠.

٤ ـ مكارم الأخلاق : ج ١ ، ص ٤٧٦ ، ح ١٦٣٨/٣٠.

٥ ـ كشف الغمة : ج ٢ ، ص ٣١٨.

١١

هشام بن عبد الملك وطاف وأراد أن يستلم فلم يقدر على إستلام الحجر الأسود من الزحام فنصب له منبر ، فجلس عليه وأطاف به أهل الشام ، فبينما هو كذلك إذ أقبل علي بن الحسين عليه السلام وعليه إزار ورداء من أحسن الناس وجهاً وأطيبهم رائحة فجعل يطوف فإذا بلغ إلى موضع الحجر انفرجت الجماهير وتنحّى حتّى يستلمه لعظيم معرفتها بقدره وحبّها له على اختلاف بلدانِهم وإنتساباتهم ، وسأل الشامي عنها قائلاً مَن هذا يا أمير المؤمنين؟ فقال : لا أعرفه لئلّا يرغب فيه أهل الشام.

فقام الفرزدق قائلاً لكنّي أنا أعرفه.

فقال الشامي : مَن هو يا أبا فراس؟ فأشار الفرزدق به قائلاً :

يا سائلي أين حلّ الجود والكرم؟

عندي بيان إذا طُلّا به قدموا

هذا الذي تعرف البطحاء (١) وطأته

والبيت (٢) يعرفه والحلّ والحرم

هذا ابن خير عباد الله كلّهم

هذا التقّي النّقي الطاهر العلم

هذا الذي أحمد المختار والده

صلّى عليه إلٰهي ما جرى القلم

لو يعلم الركن مَن قد جاء يلثمه

لخرّ يلثم منه ما وطىء القدم

__________________

١ ـ البطحاء : أرض منبسطة ، ومسيل واسع في وسطها مكّة.

٢ ـ والبيت : أي البيت العتيق ، الكعبة.

١٢

هذا علي رسول الله والده

أمست بنور هداه تهتدي الاُمم

هذا الذي عمّه الطيّار جعفر

والمقتول حمزة ليث حبّه قَسم

هذا ابن سيّدة النسوان فاطمة

وابن الوصي الذي في سيفه نقم

إذا رأته قريش قال قائلها :

إلى مكارم هذا ينتهي الكرم

يكاد يمسكه عرفان راحته

ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم

وليس قولك مَن هذا بضائره

العرب تعرف مَن أنكرت والعجم

ينمي إلي ذروة العزّ التي قصرت

عن نيلها عرب الإسلام والعجم

يغضي (١) حياءً ويغضى من مهابته

فما يكلّم إلّا حين يبتسم

ينجاب (٢) نور الدّجى عن نور غرّته

كالشمس ينجاب عن إشراقها الظلم

__________________

١ ـ أغضى عينيه : طبقَ جفنيها حتّى لا يبصر شيئا.

٢ ـ ينجاب : أي ينكشف.

١٣

بكفّه خيزران (١) ريحه عبق (٢)

من كفّ أروع (٣) في عرنينه (٤) شمم (٥)

ما قال : لا قط إلّا في تشهّده

لو لا التشهّد لكانت لاؤه نعم

مشتقّة من رسول الله نبعته

طابت عناصره والخيم (٦) والشيم (٧)

حمّال أثقال أقوام إذا فدحوا (٨)

حلو الشمائل تحلو عنده نعم

إن قال قال بما يهوى جميعهم

وإن تكلّم يوماً زانه الكلم

هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله

بجدّه أنبياء الله قد ختموا

الله فضّله قدماً وشرّفه

جرى بذاك له في لوحه القلم

__________________

١ ـ الخيزران : القصب ، شجر هندي وله عروق ممتدّة في الأرض.

٢ ـ عبق ككتف : الذي تفوح منه رائحة الطيّبة ، ورجل عبق : إذا تطيّب بأدنى طيب لم يذهب عنه أياماً.

٣ ـ الأروع : من يعجبك بحسنه.

٤ ـ العرنين : الأنف.

٥ ـ الشمم : إرتفاع قصبة الأنف وحسنها واستواء أعلاها ، وهو كناية عن الرفعة والعلو.

٦ ـ الخيم بالكسر : السجيّة والطبيعة.

٧ ـ الشيم بكسر الشين ، جمع الشيمة : وهي الطبيعة.

٨ ـ فدحه الدين : أي أثقله.

١٤

من جدّه دان فضل الأنبياء له

وفضل أُمّته دانت لها الأُمم

عمَّ البريّة بالإحسان وانقشعت (١)

عنها العماية والإملاق (٢) والظلم

كلتا يديه غياث عمَّ نفعهما

تستوكفان (٣) ولا يعروهما عدم

سهل الخليقة لا تخشى بوادره (٤)

يزينه خصلتان : الحلم والكرم

لا يخلف الوعد ميموناً نقيبته (٥)

رحب الفناء أريب (٦) حين يُعترم (٧)

مِن معشر حبّهم : دين ، وبغضهم :

كفر ، وقربهم : منجي ، ومعتصم

يستدفع السوء والبلوى بحبّهم

ويستزاد به الإحسان والنعم

مقدّم بعد ذكر الله ذكرهم

في كلّ فرض ومختوم به الكلم

__________________

١ ـ انقشعت : أي انكشفت.

٢ ـ أملق : أي أنفق ماله حتّى افتقر.

٣ ـ تستوكفان : أي تستقطران.

٤ ـ البوادر : جمع البادرة ، وهي ما يبدو من حدّة الإنسان في الغضب من قول أو فعل.

٥ ـ النقيبة : نفاذ الرأي.

٦ ـ الأريب : أي العاقل ، الحاذق ، الكامل.

٧ ـ يعترم (على المجهول) من العرام بمعنى الشدّة ، أي عاقل إذا أصابته الشدّة.

١٥

إنْ عدّ أهل التُّقى كانوا أئمَّتهم

أو قيل : مَن خير أهل الأرض؟ قيل : هم

لا يستطيع جواد بعد غايتهم

ولا يدانيهم قوم وإنْ كرموا

هم الغيوث إذا ما أزمّة (١) أزمت

والأسد أسد الشرى (٢) والبأس محتدم (٣)

يأبى لهم أن يحلّ الذمّ ساحتهم

خيم (٤) كريم وأيد بالندى (٥) هُضم (٦)

لا يقبض العسر بسطاً من أكفّهم

سيّان ذلك إن أثروا (٧) وإن عدموا

أيّ القبائل ليست في رقابهم؟

لأوّليّة هذا أو لَهُ نعم؟

من يعرف الله يعرف أوليّة ذا

فالدّين من بيت هذا ناله الأُمم

__________________

١ ـ الأزمّة : الشدّة.

٢ ـ الشَرى : ناحية به غياض وآجام تكون فيها الأُسود.

٣ ـ المحتدم : شدة الحمرة في الدم ، والإلتهاب في النار ، والمراد : إن شدّتهم وغمضهم ملتهب في الحرب.

٤ ـ خيم : جمع الخيمة أي لهم خيم.

٥ ـ الندى : أي المطر ، ويستعار للعطاء الكثير.

٦ ـ هُضُم (بضمتين) ككتب : جمع هضم ، ويقال يد هضوم : أي تجود بما لديها.

٧ ـ أثرى إثراءً : كثر ماله.

١٦

بيوتهم في قريش يستضاء بها

في النائبات وعند الحكم أن حُكموا

فجدّهم من قريش في اُرومتها

محمّد وعلي بعده علم

بدر له شاهد والشعب من اُحد

والخندقان (١) ويوم الفتح قد علموا

وخيبر وحنين يشهدان له

وفي قريضة يوم صيلم (٢) قتم (٣)

مواطن قد علت في كلّ نائبة

على الصحابة لم أكتم كما كتموا

فغضب هشام ومنع جائزته ، وقال : ألّا قلت فينا مثلها؟

قال : هات جدّاً كجدّه ، وأباً كأبيه ، وأُمّاً كأُمّه حتّى أقول فيكم مثلها.

فحبسه بعسفان بين مكّة والمدينة ، فبلغ ذلك علي بن الحسين عليه السلام فبعث إليه باثني عشر ألف درهم وقال : أعذرنا يا أبا فراس فلو كان عندنا أكثر من هذا لوصلناك به ، فردّها وقال : يا ابن رسول الله ما قلت هذا الذي قلت إلّا غضباً للّه ولرسوله ، وما كنت لأرزاً عليه شيئاً.

فردَّها الإمام الهمام وقال : بحقّي عليك لما قبلتها ، فقد رأى الله مكانك

١ ـ الخندقان : إشارة إلى غزوة الخندق ، ووجه التثنية على ما قيل : إمّا لكون الخندق محيطاً بطرفي المدينة ، أو لإنقسامه في الحفر بين المهاجرين والأنصار.

٢ ـ الصيلم : الأمر الشديد ، والداهية.

٣ ـ القتم من القتام : بمعنى الغبار.

١٧

وعلم نيّتك فقبلها ، فجعل الفرزدق يهجو هشاماً وهو في الحبس ، فكان ممّا هجاه به قوله :

أتحبسني بين المدينة والتي

إليها قلوب الناس تهوى مُنيبها

تقلّب رأساً لم يكن رأس سيّد

وعيناً له حولاء باد عيوبها

فأخبر هشام بذلك فأطلقه ، وفي رواية أبي بكر العلّاف أنّه أخرجه إلى البصرة.

هذه القصيدة مروية بأسانيد وطرق متعدّدة وهي متواترة (١).

والحقيقة أنّ الصحيفة السجاديّة تعبر عن عملٍ إجتماعي عظيم كانت ضرورة المرحلة تفرضه على الإمام إضافةً إلى كونها تراثاً ربّانيّاً فريداً يظلّ على مرّ الدهور مصدر عطاء ، ومشعل هداية ومدرسة أخلاق وتهذيب ، ومن الواضح أنّ الإنسانيّة تظل بحاجة إلى هذا التراث المحمّدي العلوي وتزداد الحاجة كلّما إزداد الشيطان إغراءً والدنيا فتنة.

فنظراً لأهمية هذه الصحيفة الشريفة ألّف العلماء حولها شروحاً كثيرة تبلغ أربعة وستّين شرحاً كما ذكره صاحب الذريعة (٢).

وقد قام الفاضل النبيل والعلّامة الأريب السيد علي خان الحسيني المدني الشيرازي قدس سره بشرحها شرحاً وافياً جامعاً يرتوي به كلّ ضمآن

__________________

١ ـ انظر حلية الأولياء : ج ٣ ، ص ١٣٩ ، والأغاني : ج ٢١ ، ص ٣٧٨ ، والبداية والنهاية : ج ٩ ، ص ١١٣ ، والمعجم الكبير : ج ٣ ، ص ١٠٦ ، تحت رقم «٢٨٠٠» ، ومجمع الزوائد : ج ٩ ، ص ٢٠٠ ، وابن عساكر في تاريخ دمشق : ص ٩١ ، وبحار الأنوار : ج ٤٦ ، ص ١٢٤ ، والمناقب لإبن شهراشوب : ج ٤ ، ص ١٦٩ ، وغير ذلك من كثير الأعلام الذين نقلوا هذه القصّة.

٢ ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة : ج ١٣ ، ص ٣٤٥ ـ ٣٥٩.

١٨

لتلك المعارف الإلٰهية والمسائل العقائديّة والعرفانيّة والإجتماعيّة وغيرها وسمّاه برياض السالكين.

وها نحن نذكر بحول الله تعالى ما شرحه قدس سره من الدعاء الثاني للإمام زين العابدين عليه السلام الذي يذكر جدّه ويصلّي عليه راجين من الله العلي القدير أن يتقبّل هذا الجهد المتواضع ، وأن يجعله مثمراً في سبيل نشر معارف مدرسة أهل البيت عليهم السلام وتراثهم الفكري.

وأن يوفّقنا لخدمة دينه والمساهمة في إعلاء كلمته وهو حسبنا ونعم الوكيل.

قم المشرّفة

السيد محسن الحسيني الاميني

١٥ جمادي الاُولى عام ١٤٢٧ هجـ

١٩
٢٠