إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل - ج ٣٠

آية الله السيّد شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي

في طبقات ابن سعد» (ص ١٩٠ ط ٣ الزهراء للإعلام العربي ـ القاهرة) قالوا :

قال : أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس ، حدثني عن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب : أن علي بن أبي طالب حين دعاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الإسلام كان ابن تسع سنين. قال الحسن بن زيد : ويقال دون التسع سنين ، ولم يعبد الأوثان قط لصغره.

وقالوا أيضا :

قال : أخبرنا محمد بن عمر ، حدثني عمرو بن عبد الله بن عتبة ، عن عمارة بن غزية عن محمد بن عبد الرحمن بن زرارة قال : أسلم علي وهو ابن تسع سنين.

ومنهم الفاضل المعاصر يوسف المرعشلي في كتابه «فهرس تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير» (ص ١٠٢ ط دار المعرفة ـ بيروت) قال :

إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا عليا إلى الإسلام وهو ابن .. الحسن بن زيد ٣ / ٧٧

ومنهم الشريف أبو الحسن علي الحسني الندوي في «المرتضى سيرة سيدنا أبي الحسن علي بن أبي طالب» (ص ٢٩ ط دار القلم ـ دمشق) قال :

والثابت المرجح وما عليه أكثر الرواة أنه أول من أسلم بعد خديجة رضي‌الله‌عنها ، وأول من صلى ، فعن زيد بن أرقم قال : أول من أسلم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم علي. وعن ابن عباس قال : أول من أسلم من الناس بعد خديجة علي. وعن محمد بن عبد الرحمن بن زرارة قال : أسلم علي وهو ابن تسع سنين.

٥٤١

حديث

إسلام علي عليه‌السلام وهو عشر سنين

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم الدكتور عبد الصبور شاهين والأستاذة إصلاح عبد السلام الرفاعي في «موسوعة أمهات المؤمنين» (ص ٨٢ ط الزهراء للإعلام العربي ـ القاهرة) قالا :

أدى الصلاة مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ثم أسلم علي بن أبي طالب ، وكان ابن عشر سنين ، وقد تربي في بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأن أباه كان ذا عيال.

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور عماد الدين خليل ـ كلية الآداب ، جامعة الموصل في كتابه «دراسة في السيرة» (ص ٦١ ط دار النفائس ومؤسسة الرسالة ـ بيروت) قال :

وكان علي رضي‌الله‌عنه أول من آمن من الذكور ، ولم يتجاوز ـ بعد ـ العاشرة من عمره ، حيث كان الرسول قد أخذه ليعيله في داره تخفيفا عن أبي طالب الذي لم يكن يملك ما يكفيه وأبناءه جميعا. وكان زيد بن حارثة ثالث من أسلموا ، وكان هو الآخر يقطن مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم في بيته ، حيث كانت خديجة قد اختارته من بين

٥٤٢

عدد من العبيد الغلمان الذين استقدمهم أحد التجار من الشام فرآه الرسول فاستوهبه منها فوهبته له فأعتقه وتبناه قبل مبعثه. أما رابع المسلمين وأول الرجال فهو أبو بكر عتيق بن أبى قحافة الذي ما إن أسلم حتى راح يدعو إلى الله من يثق به محمد ، ويتردد عليه ويجلس إليه.

ومنهم العلامة يوسف بن إسماعيل النبهاني رئيس محكمة الحقوق في بيروت في «الأنوار المحمدية من المواهب اللدنية» (ص ٤٢ ط دار الإيمان ـ دمشق وبيروت) قال :

وأوّل صبي آمن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وسنه عشر سنين.

ومنهم الفاضل المعاصر يوسف المرعشلي في «فهرس تلخيص الحبير» (ص ٨٩ ط دار المعرفة ـ بيروت) قال :

إن عليا أسلم وهو ابن عشر سنين ابن إسحاق ٣ / ٧٨

ومنهم الفاضل المستشار عبد الحليم الجندي في «الإمام جعفر الصادق» عليه‌السلام (ص ١٧ ط المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ـ القاهرة) قال :

أول من آمن بالله ورسوله أم المؤمنين خديجة بنت خويلد ، وأبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب. واختلف في الأول منهما. والأكثرون يقولون عليا. واختلفوا في سن علي يومئذ. قال ابن إسحاق إن عليا أول من آمن بالله وصدق رسول الله ، وهو ابن عشر سنين يومئذ.

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور جواد علي البغدادي في «تاريخ العرب في الإسلام» (ص ١٨٧ ط مكتبة النهضة العربية في بغداد) قال :

وكان أول من أسلم بعد خديجة ، علي بن أبي طالب ، آمن به وهو ابن عشر سنين ،

٥٤٣

أو أقل من ذلك بقليل أو أكثر سنة ، وكان في بيت النبي وحجره ، أخذه من عمه ليخفف عنه ، فكان بمثابة الوالد الشفيق له. رأى ولا شك الرسول وهو يقص على خديجة خبر رسالته ؛ ويحدثها بنبوته ، وشاهده وهو راقد في فراشه بعد نزول الوحي عليه في غار حراء ، فآمن به كما آمنت به خديجة ، واتبعه فكان بذلك أول المسلمين الذكور.

ومنهم الحافظ الشيخ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم العراقي الكردي المتوفى سنة ٨٠٦ في «شرح الألفية المسماة بالتبصرة والتذكرة» له أيضا (ج ٣ ص ٣٣ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) قال :

وقال ابن إسحاق : أول من آمن خديجة ثم علي بن أبي طالب ، قال : وكان أول ذكر آمن برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو ابن عشر سنين ثم زيد بن حارثة ، فكان أول ذكر أسلم بعد علي ثم أبو بكر.

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور حسن الشرقاوي في «أصول التصوف الإسلامي» (ص ٢٥ ط دار المعرفة الجامعية ـ الإسكندرية) قال :

كان علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أول ذكر آمن برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يومئذ ابن عشر سنين ، ثم أسلم زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ومنهم العلامة أبو المظفر شمس الدين يوسف بن قزأوغلي في «إيثار الإنصاف في آثار الخلاف» (ص ٢٤٦ ط دار السلام) قال :

وروى الخلال : أنه أسلم وهو ابن عشر سنين ، وقد تمدح وقال :

سبقتكم إلى الإسلام طرّا

صغيرا ما بلغت أوان حلمي

٥٤٤

فلو لا أن إسلامه صحيح لما افتخر به.

ومنهم الشريف أبو الحسن علي الحسني الندوي في «المرتضى سيرة سيدنا أبي الحسن علي بن أبي طالب» (ص ٢٩ ط دار القلم ـ دمشق) قال :

وعن مجاهد قال : أول من صلى علي وهو ابن عشر سنين.

وقال الحسن بن زيد : لم يعبد الأوثان قط.

٥٤٥

حديث

إسلام علي عليه‌السلام وهو أربع عشرة سنة

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي في «تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام» (ج ٣ ص ٦٢٤) قال :

وقال المغيرة : أسلم وله أربع عشرة سنة. رواه جرير عنه.

٥٤٦

حديث

إسلام علي وسنه خمس عشرة سنة

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم الفاضل المعاصر يوسف المرعشلي في كتابه «فهرس تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير» (ص ٩٠ ط دار المعرفة ـ بيروت) قال :

إن عليا كان له حين أسلم خمس عشر .. الحسن

ومنهم عدة من الفضلاء في «فهرس أحاديث وآثار المستدرك على الصحيحين» للحاكم النيسابوري (القسم ٢ ص ٩٧ ط عالم الكتب ـ بيروت) قالوا :

أسلم علي وهو ابن خمس عشرة .. معرفة الصحابة / علي ٣ / ١١١

ومنهم أبو الحجاج يوسف بن محمد في «ألف با» (ج ١ ص ٢٢٣ ط بيروت) قال :

وهو اوّل من صلى مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد خديجة وهو ابن ثلاث عشرة سنة وقيل خمس عشرة سنة ، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة رضي‌الله‌عنه

٥٤٧

وأرضاه.

ومنهم الحافظ محمد بن مسلم بن عبيد الله المشتهر بابن شهاب الزهري المتوفى سنة ١٢٤ في «المغازي النبوية» (ص ٤٦ ط دار الفكر ـ بيروت) قال :

قال معمر : وأخبرنا قتادة عن الحسن وغيره فقال : كان أوّل من آمن به عليّ بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، وهو ابن خمس عشرة ، أو ست عشرة.

٥٤٨

مستدرك

علي عليه‌السلام أول الهاشميين لحوقا

برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأشدهم لزوقا به

قد تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج ١٨ ص ١٨٥ ومواضع أخرى من الكتاب ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق :

فمنهم الفاضل المعاصر الشيخ أبو إسحاق الحويني الأثري حجازي بن محمد بن شريف في «تهذيب خصائص الإمام علي» للحافظ النسائي (ص ٨٦ ط دار الكتب العلمية بيروت) قال :

أخبرني هلال بن العلاء بن هلال ، قال : حدثنا حسين ، قال : حدثنا زهير ، حدثنا أبو إسحاق ، قال : سئل عبد الرحمن بن خالد بن قثم بن العباس : من أين ورث علي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قال : إنه كان أولنا به لحوقا ، وأشدنا به لزوقا.

خالفه زيد بن جبلة في إسناده ، فقال : عن خالد بن قثم.

أخبرني هلال بن العلاء ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا عبيد الله ، عن زيد ، عن

٥٤٩

أبي إسحاق ، عن خالد بن قثم أنه قيل له : أعلي ورث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دون جدك وهو عمه؟ قال : إن عليا أولنا به لحوقا ، وأشدنا به لزوقا.

ومنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة ٧١١ في «مختصر تاريخ دمشق» لابن عساكر (ج ١٨ ص ٢٠ ط دار الفكر) قال :

قال أبو إسحاق : قيل لقثم : بأي شيء ورث علي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قال : كان أولنا به لحوقا ، وأشدّنا به لزوقا ، فقلت : فأيش معنى ورث علي؟ قال : لا أدري ، إلا أن عيسى بن يونس حدث وذكر حديث مجالد بن سعيد : المراد بالميراث ها هنا : العلم ، بدليل أن العباس أقرب منه قرابة ، غير أن عليا كان ألزم للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأقدم له صحابة.

٥٥٠

مستدرك

إن الله تعالى أمر بتزويج

فاطمة من علي عليه‌السلام

قد تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج ٤ ص ٣٤٢ وص ٤٦٠ وص ٤٧٢ وج ٦ ص ٤٧٧ وص ٥٩٢ وج ٧ ص ٢٧٧ وج ١٧ ص ٨٣ وج ١٨ ص ١٧٣ وج ١٩ ص ١٢٣ ومواضع أخرى من الكتاب ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق :

فمنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة ٧١١ في «مختصر تاريخ دمشق» لابن عساكر (ج ١٧ ص ٣٩ ط دار الفكر) قال :

وعن أبي أيوب قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعلي : أمرت بتزويجك من السماء ، وقتلت المشركين يوم بدر ، وتقتل من بعدي على سنتي ، وتبرئ ذمتي.

وقال في ص ٣٣٧ :

وعن أبي هريرة قال : لما خطب علي فاطمة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

٥٥١

دخل عليها فقال لها : أي بنية ، إن ابن عمك عليا قد خطبك ، فما ذا تقولين؟ فبكت ثم قالت : كأنك يا أبه ، إنما ادخرتني لفقير قريش ؛ فقال : والذي بعثني بالحق ، ما تكلمت في هذا حتى أذن الله فيه من السماء ؛ فقالت فاطمة : رضيت بما رضي الله لي ورسوله. فخرج من عندها واجتمع المسلمون إليه ، ثم قال : يا عليّ ، اخطب لنفسك ، فقال علي : الحمد لله الذي لا يموت ، وهذا محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم زوّجني فاطمة ابنته على صداق مبلغه أربع مائة درهم ، فاسمعوا ما يقول واشهدوا ، قالوا : ما تقول يا رسول الله؟ قال : أشهدكم أني قد زوجته.

وقال أيضا في ص ٣٣٨ :

وعن جابر بن عبد الله قال : دخلت أم أيمن على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهي تبكي ، فقال لها : ما يبكيك لا أبكى الله عينيك؟ قالت : بكيت يا رسول الله ، لأني دخلت منزل رجل من الأنصار قد زوج ابنته رجلا من الأنصار ، فنثر على رأسها اللوز والسّكّر ، وذكرت تزويجك فاطمة من علي بن أبي طالب ولم تنثر عليها شيئا ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا تبكي يا أم أيمن. فو الذي بعثني بالكرامة ، واستخصني بالرسالة ، ما أنا زوجته ولكن الله زوّجه ، ما رضيت حتّى رضي عليّ ، وما رضيت فاطمة حتى رضي الله ربّ العالمين : يا أم أيمن ، إن الله عزوجل لما أن زوّج فاطمة من علي أمر الملائكة المقربين أن يحدقوا بالعرش ، فيهم جبرئيل وميكائيل وإسرافيل ، وأمر الجنان أن تزخرف فتزخرفت ، وأمر الحور العين أن يتزينّ فتزينّ ، وكان الخاطب الله تعالى ، وكان الملائكة الشهود ، ثم أمر شجرة طوبى أن تنثر فنثرت عليهم اللؤلؤ الرطب مع الدر الأبيض مع الياقوت الأحمر مع الزبرجد الأخضر ، فابتدر حور العين من الجنان يرفلن في الحلي والحلل يلتقطنه ، ويقلن : هذا من نثار فاطمة

٥٥٢

بنت محمد ، فهنّ يتهادينه بينهن إلى يوم القيامة (١).

__________________

(١) قال الفاضل المعاصر عبد الرحمن الشرقاوي في «علي إمام المتقين» ج ١ ص ٢٩ ط مكتبة غريب الفجالة:

غدا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعض كبار المهاجرين والأنصار يخطبون إليه ابنته فاطمة ، فسكت عنهم الواحد بعد الآخر ، حتى جاءه علي فوافق على مهر قليل ، سأل النبي فيه عليا إن كان يطيقه وإلا خففه عنه ، فأبدى علي سروره ، وانطلق يدبر المهر. دعا الرسول عددا من المهاجرين والأنصار فقال لهم : إن الله جعل المصاهرة سببا لا حقا ، وأمرا مفترضا أوشج به الأرحام ، وألزم الأنام ، فقال عزّ من قائل (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً) ، فأمر الله تعالى يجرى إلى قضائه وقضاؤه يجرى إلى قدره ، ولكل قدر أجل ، ولكل أجل كتاب (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) ، ثم إن الله تعالى أمرني أن أزوج فاطمة بنت خديجة من علي بن أبي طالب ، فاشهدوا أني زوجته على أربعمائة مثقال فضة.

ثم أهداهما عليه الصلاة والسلام بساطا من الصوف الأبيض.

وخفت نساء الأنصار الثريات ، فأهدين فاطمة رداءين جميلين للزفاف ، وبعض حقاق من الطيب والعطور ، وأقرضنها بعضى الحلي من الذهب والجواهر النادرة.

وأمر رسول الله زوجتيه عائشة وأم سلمة أن تجهزا فاطمة حتى يدخلاها إلى علي ، وأن يقوما منها مقام أمها خديجة رحمها الله. فعمدتا إلى بيت ففرشتاه رملا لينا من أعراض البطحاء ، ثم إلى وسادتين فرشتاهما ليفا نفشتاه بأيديهما ، وعمدتا إلى عود فعرضتاه في جانب البيت لتلقى عليه الثياب وتعلق القربة. وقالتا بعد العرس : ما رأينا عرسا أحسن من عرس فاطمة.

وما كان جهاز فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا سريرا من الخوص مشدودا بالحبال ، ووسادتين حشوهما ليف ، وبساط صوف ، وجلد كبش يقلب على صوفه فيصير فراشا ، وإناء به سمن جاف يطبخ به ، وقربة للماء ، وجرة وكوزا ، ورملا مبسوطا ..!

٥٥٣

__________________

وقال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا علي ، إنه لا بد للعروس من وليمة. فقال أحد أغنياء الأنصار : عندي كبش ، فأعده صاحبه ، ودعا عليّ رهطا من المهاجرين والأنصار ، وأحضروا الطيب والزبيب والتمر ، ولما طعم المدعوون وانصرفوا ، ولم يبق إلا علي ، ذهب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ينادي ابنته فاطمة ، وكان النساء قد انصرفن عنها بعد انتهاء الوليمة ، فوجد معها امرأة ، فسألها الرسول عما يبقيها ، قال : أنا التي أحرس ابنتك ، إن الفتاة ليلة بنائها (زفافها) لا بدّ لها من امرأة قريبة منها إن عرضت لها حاجة أو أرادت أمرا أفضت بذلك إليها. فقال للمرأة ـ وهي أسماء بنت عميس : فإني أسأل إلهي أن يحرسك من بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك من الشيطان الرجيم.

ثم جاءت العروس فاطمة ، وقد طيبها النساء بما جئن به إليها من طيب ، وزينها وألبسنها بما أهدينها من ثياب جديدة ، وحلينها بأغلى حليهن على أن تردها إذا كان الغد!

فلما رأت فاطمة عريسها عليا جالسا إلى جوار أبيها صلى‌الله‌عليه‌وسلم بكت! وخشي أبوها أن يكون سبب بكائها أنه زوجها فتى لا مال له ، آثره بها ، وفضله على خطاب كثيرين ردهم من قبل من أغنياء المهاجرين والأنصار ، وإن كانوا جميعا لفي سن أبيها!! وعلي وحده أقربهم إلى سنها.

سألها أبوها عما يبكيها ، فلم تجب! ما يبكي عروسا ليلة زفافها؟! لعلها تذكرت أمها الراحلة السيدة الطاهرة أم المؤمنين خديجة! فتمنت لو أنها كانت معها بدل أسماء بنت عميس ، في هذه الليلة الفريدة من العمر!! ولو أن خديجة أمها هي التي جهزتها بدل زوجتي أبيها!! وحاول الرسول أن يكفكف دمع ابنته بلا جدوى ، فقد ظلت دموعها تسيل في صمت ، واخذه عليها إشفاق حزين .. فأقسم لها أنه لم يأل جهدا ليختار لها أصلح الأزواج ، وما اختار لها إلا خير فتيان بني هاشم .. وأضاف : والذي نفسي بيده لقد زوجتك فتى سعيدا في الدنيا ، وإنه في الآخرة لمن الصالحين.

وطلب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أسماء أن تأتيه بإناء فيه ماء معطر .. فرشّ

٥٥٤

__________________

منه على جلد فاطمة وجلده ، وعلى رأسها ورأسه وقال : اللهم إنها مني وإني منها ، اللهم كما أذهبت عني الرجس وطهرتني فطهرها ، اللهم إني أعيذها وذريتها بك من الشيطان الرجيم.

ثم صنع بعلي كما صنع بفاطمة ، ودعا له كما دعا لها ، وقال : اللهم هؤلاء هم أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، فقال علي : يا رسول الله أنا أحب إليك أم هي؟ قال : هي أحب إلي منك ، وأنت أعز علي منها ، ثم قال : اللهم إني أعيذه بك وذريته من الشيطان الرجيم.

ثم دعا لهما وهو يتركهما وحدهما : جمع الله شملكما وأسعد جدكما وبارك عليكما ، وأخرج منكما كثيرا طيبا.

وتعود الرسول أن يزورها ، وكان كلما وجد عليهما آثار الفقر والزهد واسى ابنته .. وبشرها أنها ستكون من خير نساء الجنة .. قال : حسبك أن خير نساء العالمين مريم ابنة عمران ، وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية امرأة فرعون. فأنت منهن.

كان إذا أوصى عليا بها قال : فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها.

وفي الحق أن عليا وضعها على العين والرأس ، وأحسن معاملتها .. بل لقد حمل عنها عبء كثير من أعمال البيت!

وقبل أن تعود الغزوات بالغنائم ، ويأخذ منها نصيبه ، كان يعمل ويؤجر نفسه ويكسب من كدّ يده ، ويعود بما كسب ، فيشتري منه ما يقيم الأود .. وعند ما رزقا بالبنين ثقلت أعباء الحياة عليهما ، وشق عليها عمل المنزل ، وما من أحد يساعدها غير زوجها ..

ولقد أجهدتها الرحى التي تطحن بها الشعير ، وأجهدها عمل المنزل وتربية الأولاد ، فسألت أباها بعد إحدى الغزوات التي غنموا فيها كثيرا أن يمنحها ما يساعدها ، ولكنه ما كان ليعطيها غير ما يستحقه زوجها!

ولقد تأخر بلال يوما عن الأذان ، فسأله الرسول عما أخّره ، فأخبره أنه مر بدار علي فوجد فاطمة مجهدة تدير الرحى ، وابنها الحسن يبكي ، فآثر أن يدير الرحى ويطحن

٥٥٥

__________________

عنها الشعير ، للتفرغ هي لإرضاع الطفل!!

ومرض الحسن والحسين ، وهما صبيان ، فعادهما جدهما ومعه بعض صحابته ، ونبه فاطمة وهو على باب دارهما أن معه غرباء ، ورمى إليها بردته وهي خلف الباب لتغطى بها من جسمها ما لا ينبغي ان يراه الغرباء!

وقال أحد الصحابة لعلي : يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك نذرا. فقال علي : إن برئا مما بهما صمت لله عزوجل ثلاثة أيام شكرا. وقالت فاطمة كذلك. وقال الغلامان كذلك. فلما برئا أصبح الجميع صياما وما في الدار شيء من طعام يفطرون عليه.

فغدا علي بن أبي طالب على جار يهودي له يدعى شمعون ، كان يعالج الصوف ، فقال له : هل لك أن تعطيني جزة من الصوف تغزلها لك بنت محمد بثلاثة أصوع من شعير؟ ، قال : نعم ، فأعطاه فجاء بالصوف والشعير ، فأخبر فاطمة ، فقبلت وأطاعت. ثم غزلت ثلث الصوف ، وأخذت صاعا من شعير فطحنته وعجنته وخبزته .. وصلى عليّ المغرب بالمسجد مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم أتى منزله ليفطر ، فوضع الخوان فجلسوا فأول لقمة كسرها علي ، إذا مسكين واقف على الباب فقال : يا أهل بيت محمد ، أنا مسكين من مساكين المسلمين ، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة ، فدفع عليّ الطعام إلى المسكين. وباتوا جياعا ، وأصبحوا صياما!

وفي اليوم التالي طحنت فاطمة الصاع الثاني ، وخبزته ، ووضعت الطعام ليفطروا ، إذ وقف بالباب يتيم من أولاد المهاجرين استشهد أبوه ، فأعطوه الطعام!

وفي اليوم الثالث طحنت آخر صاع وخبزته ، وعند المغرب وضعت الطعام ، إذ وقف بالباب أسير يقول : السلام عليكم أهل بيت النبوة ، تأسروننا ولا تطعموننا ، أطعموني فأنا أسير ، فأعطوه الطعام! وأقبل علي ومعه الحسن والحسين يرتعشان كالفرخين من شد الجوع على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا أبا الحسن! لشد ما يسوءني ما أدرككم ، انطلقوا بنا إلى ابنتي فاطمة. فانطلقوا إليها وهي في محرابها ، وهي قد غارت عيناها من شدة الجوع ، فقال عليه الصلاة والسلام : وا غوثاه! ثم ضمها إليه.

٥٥٦

__________________

فأنزل الله تعالى آيات من سورة الإنسان أولها الآية (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) .. إلى قوله تعالى : (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً). وفيها يتحدث سبحانه عن الأبرار : (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً. وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً).

على أن حياة الشظف لم تشغل عليا ولا فاطمة عن المتاع العقلي والروحي وما كانا يجدانه في تدارس القرآن ، وتعمق معانيه ، وفي تدبر السنة الشريفة وفي التفكير في خلق السموات والأرض كما أمر الله عباده أولى الألباب.

كان على يستشير امرأته ، ويبرها ، ويسكن إليها ، ويستقيم على طريق الهداية كما أمر الله ورسوله.

وما انفك الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوصى الرجال بحقوق النساء ، وبحسن صحبتهن ، ورعايتهن.

وعلي وفاطمة يتبادلان المعارف ، ولا يأنف أحدهما أن يستقى من الآخر علما لا يعلمه.

وإن هذا التقدير للنساء هو من تقاليد الفرسان ومن آداب الفتوة التي كان يحرص عليها علي كرم الله وجهه ، وهو أفتى فرسان الله ، وأحرص الناس على اتباع الرسول.

ويروى عنه أنه قال : قال لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات يوم : أي شيء خير للمرأة؟ فلم يكن عندنا لذلك جواب. فلما رجعت إلى فاطمة قلت : يا بنت محمد! إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سألنا عن مسألة فلم ندر كيف نجيبه. فقالت : وعن أي شيء سألكم؟ فقلت قال : أي شيء خير للمرأة؟ قالت : فما تدرون ما الجواب؟ قلت لها : لا ، فقالت : ليس خير للمرأة من أن لا نرى رجلا ولا يراها! فلما كان العشي جلسنا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلت له : يا رسول الله إنك سألتنا عن مسألة فلم نجبك عليها ، ليس للمرأة شيء خير من ألا ترى رجلا ولا يراها. قال : ومن قال ذلك؟ قلت : فاطمة. قال : صدقت فاطمة إنها بضعة مني.

وعن صدقها قالت عائشة : ما رأيت أحدا قط أصدق من فاطمة غير أبيها.

٥٥٧

__________________

ولقد أهدى إلى علي وفاطمة بعض الفالوذج فأطعماه أولادهما ولم يطعما منه. وقال علي وقد وضعه أمامه : إنك طيب الريح حسن اللون طيب الطعم ، لكني أكره أن أعود نفسي ما لم تعتده ، والفالوذج حلوى تصنع من الدقيق والماء والعسل.

وكان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم كلما عاين زهده وورعه ، أثنى عليه ، ودعا الله له ولزوجه وبنيه .. قال له يوما : يا علي! إن الله تعالى قد زينك بزينة لم تزين العباد بزينة أحب إلى الله تعالى منها وهي زينة الأبرار عند الله عزوجل : الزهد في الدنيا ، فجعلك لا ترزأ (أي تصيب) من الدنيا شيئا ولا ترزأ منك الدنيا شيئا ، ووهب لك حب المساكين ، فجعلك ترضى عنهم أتباعا ويرضونك إماما ، فطوبى لمن أحبك وصدق فيك ، وويل لمن أبغضك وكذب عليك ، فأما الذين أحبوك وصدقوا فيك فهم (في الآخرة) جيرانك في دارك ورفقاؤك في قصرك ، وأما الذين أبغضوك وكذبوا عليك فحق على الله أن يوقفهم موقف الكذابين.

كان عليه الصلاة والسلام عند ما يأخذ عليا وفاطمة بآداب الدين يطرح لهما السؤال فإذا وافق الجواب ما يريد أن يعلمهما إياه استحسنه ، وإلا صححه .. سأله الرسول يوما : يا علي! كيف أنت إذا زهد الناس في الآخرة ورغبوا في الدنيا ، وأكلوا التراث أكلا لما ، وأحبوا المال حبا جمّا؟.

قال علي : أتركهم وما اختاروا وأختار الله ورسوله والدار الآخرة ، وأصبر على مصيبات الدنيا وبلواها حتى ألحق بك إن شاء الله تعالى ، قال الرسول : صدقت ، اللهم افعل ذلك به.

وما كان زهد علي في الدنيا زهد هارب منها ، ولكنه زهد المنشغل عن إسعاد نفسه بمتاعها ، إلى إسعاد الآخرين ، ومن أجل ذلك أحب من اللباس أخشنها وهو الصوف!! وإنه في أغوار نفسه ليشعر بالرضا كلما أمكنه أن يسد حاجة لمحتاج ، ولو بكل ما عنده ، واثقا في أن الله سيعوضه خيرا .. فما هو زهد العازف عن الحياة ، ولكنها تقوى العارف بالله!

جلس في سوق المدينة المنورة ومعه ابنه الحسن وهو صغير ، ومرّ سائل مسكين ،

٥٥٨

__________________

فرق علي له فقال للحسن : اذهب إلى أمك فقل لها : تركت عندك ستة دراهم ، فهات منها درهما. فذهب الحسن إلى أمه ثم رجع إلى أبيه فقال : أمي تقول لك إنما تركت ستة دراهم للدقيق ، فقال علي : لا يصدق إيمان عبد حتى يكون بما في يد الله أوثق منه بما في يده ، قل لها ابعثي بالدراهم الستة جميعا ، فبعثت بها إليه فدفعها كلها إلى السائل ، وبعد لحظات مر به رجل معه جمل يبيعه. فقال علي : بكم الجمل؟ قال الرجل : بمائة وأربعين درهما. قال علي للرجل إنه يشترى الجمل ، ولكنه سيدفع ثمنه بعد حين! فوافق صاحب الجمل ، وتركه لعلي ومضى. ثم أقبل رجل آخر فقال : لمن هذا البعير. قال علي لي ، قال الرجل : أتبيعه ، قال : بكم؟ قال : بمائتي درهم. فأخذ الرجل البعير وأعطى عليا المائتين ، فأعطى صاحب الجمل ـ حين عاد إليه ـ حقه ، وهو مائة وأربعون درهما ، وجاء بستين درهما إلى فاطمة ، فقالت : ما هذا؟ قال : هذا ما وعدنا الله على لسان نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها).

عربد عليه أحد حساده ، فنصحه بعض أن يشكوه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : إني لأستحي من الله أن يكون هناك ذنب أعظم من عفوي ، أو جهل أعظم من حلمي ، أو عورة لا يداريها ستري ، أو خلة (الحاجة والفقر) لا يسدها جودي.

وكان أحيانا لا يجد عملا يقتات منه إلا أن يملأ الدلو في بستان أحد الأغنياء من يهود المدينة ، ليروي به البستان ، وكان اليهودي يعطيه في كل دلو تمرة ، فيعود إلى فاطمة بتمر يطعمها هي وأولادها ، وربما أهدى منه الرسول ، إذا أصابته عليه الصلاة والسلام خصاصة .. ولكم كانت تصيبه!! هكذا كان يؤتي ماله يتزكى ، وما لأحد عنده من نعمة تجزى ، إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ، ولسوف يرضى .. وفي الحق أنه كان عند ربه مرضيّا.

وقال العلامة محمد بن عبد الله الإسكافي في «المعيار والموازنة» ص ٧٨ ط بيروت :

نعم ثمّ [كان] ينتقص بالفقر ، ويعيّر به في وقت قد عمّ تمكن الإسلام واعتدل بأهله ، وقوي بظهوره حين خطب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعليّ فاطمة عليهما

٥٥٩

وقال أيضا في ص ٣٣٨ :

لما زوج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاطمة من علي أتاه ناس من قريش فقالوا : إنك زوجت عليّا بمهر خسيس ؛ فقال : ما أنا زوجت عليا ، ولكن الله زوجه ليلة أسري بي عند سدرة المنتهى ، أوحى الله إلى السدرة أن انثري ما عليك ، فنثرت الدر والجوهر والمرجان ، فابتدر الحور العين فالتقطن ، فهنّ يتهادينه ويتفاخرن ويقلن : هذا من نثار فاطمة بنت محمد عليهما‌السلام. فلما كانت ليلة الزفاف ، أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ببغلته الشهباء وثنى عليها قطيفة ، وقال لفاطمة : اركبي ، وأمر سلمان أن يقودها ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يسوقها ، فبينا هو في بعض الطريق إذ سمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وجبة ، فإذا هو بجبريل في سبعين ألفا ، وميكائيل في سبعين ألفا ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما أهبطكم إلى الأرض؟ قالوا : جئنا نزف فاطمة إلى زوجها علي بن أبي طالب ، فكبر جبرئيل ، وكبر ميكائيل ، وكبرت الملائكة ، وكبر

__________________

السلام ، عيرته قريش بالفقر ، وقلّة المال ، وألقوا ذلك إلى فاطمة عليها‌السلام ، حتى شكت إلى أبيها ، وقالت : زوجتني أحدثهم سنّا ، وأقلّهم مالا ، فقال لها : إن الله زوّجك [منه] من السماء ، ولو علم خيرا منه لزوّجك منه.

فهيهات هيهات ، من يصبر على محنة الفقر أيّام حياته ، ويقاسي عدم الكفاية أيام بقائه؟ إلا من قلّت الدنيا في عينه ، وباشر من حقائق الصبر ما سرّه ، وقوى من قمع [هوى] النفس وزمّها ، وحسّن تأديبها على ما قوي عليه ، رضي‌الله‌عنه وبيّض وجهه.

فلذلك أجرى الله على لسانه ينابيع الحكمة ، وعرّفه داء الدنيا ودواءها ، وما يحل بأهلها من أجل طلبها.

فتدبّروا كلامه ، وتفهّموا صفاته لتعلموا أن المعرفة الثابتة أدّته إلى هذه المنزلة [و] هو القائل في صبر العلماء ، وما يلقون من مصائب الدنيا في بعض كلامه لكميل بن زياد.

٥٦٠