إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل - ج ٣٠

آية الله السيّد شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي

والخصلة الأخرى التي لعلي وحده رضي‌الله‌عنه أنه أعطى مسكينا خاتما من فضة وهو رضي‌الله‌عنه راكع فأنزل الله تعالى في ذلك (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ).

قال مجاهد والسدي رضي الله عن جميعهم : قيل : خرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومسكين يسأل في المسجد فسأله عليه الصلاة والسلام : هل أعطاك أحد شيئا؟ قال : نعم. قال : ما ذا؟ قال : خاتم من فضة. قال : من أعطاكه؟ قال : ذلك الرجل القائم. فإذا هو علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، فكبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند ذلك ونزلت الآية ، بدأت بذكر ..

ومنهم الشيخ عبد الرحمن الشرقاوي في «علي إمام المتقين» (ج ١ ص ٤٩ مكتبة غريب الفجالة) قال : أما الآية الكريمة (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) فقد اتفق الطبري وابن كثير والسيوطي على أنها نزلت في علي.

أذن بلال بصلاة الظهر فقام الناس يصلون فمن بين راكع وساجد وسائل يسأل ، فأعطاه علي خاتمه وهو راكع ، فأخبر السائل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقرأ علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ).

ومنهم الدكتور محمد عبد السلام أبو النيل في تعليقاته على «تفسير مجاهد» (ص ٣١١ ط دار الفكر الإسلامي الحديثة) قال :

حدثني الحارث قال : ثنا عبد العزيز قال : ثنا غالب بن عبيد الله قال : سمعت مجاهدا يقول في قوله (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) الآية ، قال : نزلت في علي بن أبي طالب ، تصدق وهو راكع.

ومنهم العلامة محمد بن حسن الآلاني الكردي المتوفى سنة ١١٨٩ في «رفع الخفا

٤١

شرح ذات الشفا» (ج ٢ ص ٢٧٤ ط عالم الكتب ومكتبة النهضة العربية) قال :

ما ذا يقول الشخص في وصف علي

وفضله جا في الكتاب المنزل

ذكر شيء من مناقب أسد الله الغالب كرّم الله وجهه ورضي‌الله‌عنه (ما ذا يقول الشخص) أي المادح لعلي كرم الله وجهه ، أي لا يقدر على حصر ما ورد (في) بيان (وصف علي) بتخفيف الياء ، وذلك لكثرة فضائله ومآثره وكراماته وكلماته الحكيمة وكثرة ثناء الصحابة [والسلف] عليه مما لا تحتمله هذه العجالة ، حتى قال الإمام أحمد : ما جاء لأحد من الفضائل مثل ما جاء لعلي.

وقال النسائي وغيره : لم يرو [يرد] في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان أكثر مما جاء في علي. قال بعض الأئمة : وسبب ذلك والله أعلم أن الله تعالى اطلع نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ما كان وما يكون بعده ، مما ابتلي به من المنازعة ، وخروج الخوارج عليه ، وكثرة أعدائه ، فاقتضى ذلك إشهار فضائله نصحا للأمة لتحصل النجاة لمن تمسك بها ممن بلغته (وفضله جا) بالقصر أي جاء من الله (في الكتاب) أي القرآن (المنزل). عن ابن عباس رضي‌الله‌عنه قال : كان عند علي أربعة دراهم فتصدق بدرهم ليلا وبدرهم نهارا وبدرهم سرا وبدرهم جهرا ، فأنزل الله تعالى فيه (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) وذكر المفسرون أن عليا رضي‌الله‌عنه كان يصلي فسأله سائل فأعطاه خاتمه راكعا ، فأنزل الله تعالى (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ).

٤٢

مستدرك

الآية العاشرة ـ قوله تعالى (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً

وَيَتِيماً وَأَسِيراً) (الإنسان : ٨)

قد مرّ ما يدل على نزول الكريمة في علي وأهل بيته عليهم‌السلام في ج ٣ ص ١٥٨ و ١٦٩ و ٥٨٣ وج ٨ ص ٥٧٦ وج ٩ ص ١١٠ وج ١٤ ص ٤٤٦ وج ١٨ ص ٣٣٩ وج ٢٠ ص ١٥٣ وج ٢٤ ص ١٣٩ ومواضع أخرى ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق :

فمنهم الفاضل المعاصر الشريف علي فكري ابن الدكتور محمد عبد الله الحسيني القاهري المولود بها سنة ١٢٩٦ والمتوفى بها أيضا سنة ١٣٧٢ في كتابه «أحسن القصص» (ج ٣ ص ٢٠٣ ط دار الكتب العلمية في بيروت) قال :

حصل لسيدنا علي رضي‌الله‌عنه وأهله جوع ، فأخذ من يهودي صوفا لتغزله السيدة فاطمة زوجته بالأجر ، ثم اشترى بأجرها ثلاثة أقداح من الشعير ، وفي يوم طحنوا قدحا وخبزوه أقراصا ، ومن عادة العرب أن يطحنوا ويخبزوا في ساعة واحدة. فلما أرادوا الأكل طرق بابهم مسكين وقال : السلام عليكم يا أهل بيت

٤٣

النبوة أنا مسكين من مساكين أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أطعموني شيئا لله ، فأعطوه الأقراص.

وفي ثاني يوم جاءهم يتيم ، وقال مثل ذلك ، وفي ثالث يوم جاءهم أسير وقال لهم مثل ذلك أيضا ، ثم باتوا على الماء (أي لم يأكلوا شيئا) ، بل كانوا يشربون الماء فقط ، فجاع سيدنا الحسن والحسين جوعا شديدا ، فخرج سيدنا علي إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأخبره بذلك فأعطاه سلّة وقال له : اذهب بها إلى تلك النخلة ، فرزقهم الله تعالى رطبا جنيا ، فأكلوا حتى شبعوا وفيهم يقول الله تعالى (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) ـ الدهر.

فهكذا يكون الإحسان والعمل الصالح لبني الإنسان.

وقال في جوده وكرمه المرحوم الشيخ محمد عبد المطلب في قصيدته المسماة بالعلوية ما يأتي :

على حبّ الطعام يصدّ عنه

ليطعمه الأرامل واليتامى

سل القرآن أو جبريل تعلم

مكارم لن تبيد ولن تراما

من الأبرار يغتبقون كأسا

من الرضوان مترعة وجاما

علي والبتول وكوكباه

ضياء الأرض إن أفق أغاما

ثناء في الكتاب له عبير

تقصّر عنه أرواح الخزامى

وقال أيضا في كتابه : السمير المهذب (ص ٣٠٧) مثل ذلك بتفاوت قليل في اللفظ ، وقال في آخره :

فخرج علىّ إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأخبره بذلك فطاف على نسائه فلم يجد شيئا ، ثم جاء أبو بكر يشتكي الجوع ، فقيل : يا رسول الله إن المقداد بن الأسود عنده تمر ، فخرجوا إليه فلم يجدوا شيئا فقال النبي (ص) لعلي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه : خذ هذه السلة واذهب إلى تلك النخلة وقل لها إن محمدا يقول لك : أطعمنا

٤٤

من ثمرك فرمت عليكم رطبا بإذن الله تعالى فأكلوا حتى شبعوا وأرسلوا إلى فاطمة وولديها ما يشبعهم ، فأنزل الله تعالى في حق علي وأهله (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً).

ومنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب «جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب» (ص ٣١ والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان) قال :

ومنها قوله تعالى (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً) الآية ، نزلت في علي.

قاله ابن عباس رضي‌الله‌عنهما.

وقال في ق ٣٩ :

وعن ابن عباس في قوله تعالى (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) الآية ، قال : آجر نفسه يسقي نخلا بشيء من شعير ليله فلما أصبح قبط الشعير فطحن منه فصنعوا منه شيئا ليأكلوه يقال له الحريرة دقيق بلا دهن ، فلما تمّ إنضاجه أتى مسكين فسأل فأعطوه إياه ثم صنعوا الثلث الثاني فلما تمّ إنضاجه أتى يتيم فسأل فأطعموه إياه ، ثم صنعوا الثلث الباقي فلما تمّ إنضاجه أتى أسير من المشركين فسأل فأطعموه إياه ، فطووا يومهم فنزلت هذه الآية. وهو قول الحسن وقتادة.

ومنهم الفاضل المعاصر محمد رضا في «الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه رابع الخلفاء الراشدين» (ص ١٧ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) قال :

وعن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما في قوله تعالى : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) قال : أجر علي نفسه يسقي نخلا بشيء من شعير حتى أصبح ـ فذكر مثل ما تقدم عن «جواهر المطالب» باختلاف يسير في اللفظ.

٤٥

ومنهم الفاضل المعاصر رياض عبد الله عبد الهادي في «فهارس كتاب الموضوعات» لابن الجوزي (ص ٩٩ ط دار البشائر الإسلامية ـ بيروت) قال :

مرض الحسن والحسين رضي‌الله‌عنهما في فضائل علي ١ / ٣٩٠

ومنهم الفاضل المعاصر عبد العزيز الشناوي في كتابه «سيدات نساء أهل الجنة» (ص ١٢٢ ط مكتبة التراث الإسلامي ـ القاهرة) قال :

ومرض الحسن والحسين فعادهما جدّهما صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ناس فقالوا : يا أبا الحسن لو نذرت ، فنذر علي وفاطمة إن شفيا أن يصوما ثلاثا فشفيا ولا شيء عندهم ، فاقترض أبو الحسن من يهودي آصعا من شعير فصنعت الزهراء طعاما وقدمته لعلي عند فطره فسمعا ضربا بالباب فقالا : من بالباب؟ فجاءهما صوت يقول : سائل ، فاستطعمهم ـ طلب أن يطعموه ـ فأعطى الطعام ومكث علي وفاطمة والصبيان يومهم وليلتهم لم يذوقوا إلا الماء ... ثم صنعت طعاما مثله وعند إفطارهما وقف ببابهم يتيم فاستطعمهم .. فأعطى الطعام وأمسكوا يومين وليلتين لم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح .. ثم وقف ببابهم أسير فاستطعمهم فأعطوه الطعام ومكثوا ثلاثا لا يذوقون الأكل وقد قضوا نذرهم.

ومنهم الفاضل المعاصر رياض عبد الله عبد الهادي في «فهارس كتاب الموضوعات» لابن الجوزي (ص ١٢٦ ط دار البشائر الإسلامية ـ بيروت) قال :

يا أبا الحسن أنذر إن عاف الله .. في فضائل علي ١ / ٣٩٠

٤٦

مستدرك

الآية الحادية بعد العشرة ـ قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ

صَدَقَةً) الآية (المجادلة : ١٢)

قد مرّ نزول الكريمة في شأن سيدنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام في ج ٣ ص ١٢٩ وج ١٤ ص ٢٠٠ وج ٢٠ ص ١٨١ ومواضع أخرى ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق :

وفيه أحاديث :

منها

حديث سيدنا الأمير عليه‌السلام

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم العلامة الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى التميمي الموصلي المتوفي

٤٧

سنة ٣٠٧ في «مسند أبي يعلى» (ج ١ ص ٣٢٢ ط دار المأمون للتراث ـ دمشق) قال:

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا يحيى بن آدم ، حدثنا عبيد الله الأشجعي ، عن سفيان ، عن عثمان بن المغيرة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن علي بن علقمة الأنماري.

عن علي بن أبي طالب قال : لمّا نزلت (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) (المجادلة : ١٢) ، قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما ترى؟ دينار؟ قال : قلت : لا يطيقونه. قال : فكم؟ قلت : شعيرة. قال : إنك لزهيد. قال : فنزلت : (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ) الآية (المجادلة : ١٣). قال : فبه خفّف الله عن هذه الأمة.

ومنهم العلامة الشيخ أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يونس المرادي المشتهر بأبي جعفر النحاس المصري البغدادي الشافعي المتوفى بشاطي النيل سنة ٣٣٨ وقيل : سنة ٣٣٧ ، في «الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم» (ص ٢٧٠ ط مكتبة عالم الفكر بالقاهرة سنة ١٤٠٧) قال :

والموضع الآخر قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) أكثر العلماء على أن هذه الآية منسوخة ، كما حدثنا جعفر بن مجاشع ، قال : حدثنا إبراهيم بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا موسى بن قيس ، عن سلمة بن كهيل (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) ، قال : أول من عمل بها علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، ثم نسخت.

وقرئ على علي بن سعيد بن بشير ، عن محمد بن عبد الله الموصلي ، قال : حدثنا القاسم بن يزيد الحرمي ، قال : حدثنا سفيان الثوري ، عن عثمان بن المغيرة ، عن سالم

٤٨

بن أبي الجعد ، عن علي بن علقمة ، عن علي بن أبي طالب قال : لما نزلت (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) قلت : يا رسول الله كم؟ قال : دينار ، قلت : لا يطيقونه. قال : فكم؟ قلت : حبة شعير ، قال : إنك لزهيد. قال : ونزلت (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ) الآية.

ومنهم العلامة الشيخ أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبيد الله ابن عبد الله بن هادي ابن الجوزي القرشي التميمي البكري الحنبلي المتوفى سنة ٥٩٧ في «نواسخ القرآن» (ص ٢٣٥ ط بيروت) قال :

قوله تعالى (إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) أخبرنا عبد الأول بن عيسى ، قال : أبنا ابن المظفر الداوودي ، قال : أبنا عبد الله بن أحمد ابن حمويه ، قال : أبنا إبراهيم بن حريم ، قال : بنا عبد بن حميد ، قال : حدثني أبي شيبة ، قال : حدثني يحيى بن آدم ، قال : حدثني عبيد الله الأشجعي ، عن سفيان بن سعيد ، عن عثمان بن المغيرة الثقفي ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن علي بن علقمة الأنماري ، عن علي بن أبي طالب قال : لما نزلت (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما ترى دينارا؟ قال : قلت : لا يطيقونه. قال : فكم؟ قلت : شعيرة. قال : إنك لزهيد. قال : فنزلت : (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ) الآية. فبي خفف الله عزوجل عن هذه الأمة.

ومنهم الحافظ الشيخ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد السيوطي المتوفى سنة ٩١١ في كتابه «مسند علي بن أبي طالب» (ج ١ ص ١٠ ط المطبعة العزيزية بحيدرآباد ، الهند) قال :

عن علي رضي‌الله‌عنه قال : إن في كتاب الله آية لم يعمل بها أحد قبلي ولا

٤٩

يعمل بها أحد بعدي آية النجوى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) كان لي دينار فبعته بعشرة دراهم فكنت إذا ناجيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم [قدمت بين يدي درهما] تصدقت بدرهم حتى نفدت ثم نسخت ما عمل بها أحد غيري فنزلت : (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ) إلى آخر الآية.(ض ، ش ، وابن راهويه ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه).

وقال أيضا في ص ١٦١ :

عن علي رضي‌الله‌عنه قال : لما نزلت : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) قال لي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما ترى دينار؟ قلت : لا يطيقونه. قال : فنصف دينار. قلت : لا يطيقون. قال : فكم؟ قلت : شعيرة. قال : إنك لزهيد. فنزلت (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ) الآية. فبي خفّف الله عن هذه الأمة.(ش ، وعبد بن حميد ، ت ، وقال : حسن غريب ، ع ، حب ، وابن مردويه ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والدورقي ، ض).

وقال أيضا في كتابه «إتمام الدراية لقراء النقاية» (ص ٤٣ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) قال :

الثالث عشر والرابع عشر : المعمول به مدة معينة ، وما عمل به واحد ، مثالهما آية النجوى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) (لم يعمل بها غير علي بن أبي طالب) ، كما رواه الترمذي عنه ، ثم نسخت ، (وبقيت عشرة أيام ، قيل : ساعة). وهذا القول هو الظاهر ، إذ ثبت أنه لم يعمل بها غير علي كما تقدم ، فيبعد أن يكون الصحابة مكثوا تلك المدة لم يكلموه.

٥٠

ومنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب «جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب» (ص ٤٢ والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان) قال :

عن علي رضي‌الله‌عنه قال : لما نزلت (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما ترى دينارا؟ قلت : لا يطيقونه. قلت : شعيرة. قال : إنك لزهيد. فنزلت (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ) الآيات ، فبي خفف الله عن هذه الأمة. خرجه أبو حاتم.

ومنهم الحافظ أبو الفضل جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن أبي بكر الخضيري الطولوني المصري الشافعي في «التحبير في علم التفسير» (ص ١١٩ ط دار الكتب العلمية في بيروت سنة ١٤٠٨) قال :

قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ ..) [المجادلة : ١٢] ، قال ابن عطية : قال جماعة : لم يعمل بهذه الآية بل نسخ حكمها قبل العمل ، وصح عن علي أنه قال : ما عمل بهذه الآية أحد غيري ، ولا يعمل بها أحد بعدي. رواه الحاكم وصحّحه ، وفيه : كان عندي دينار فبعته بعشرة دراهم فكنت كلما ناجيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قدمت بين يدي نجواي درهما ثم نسخت فلم يعمل بها أحدفنزلت : (أَأَشْفَقْتُمْ ..) [المجادلة : ١٣] الآية.

وروى الترمذي عنه قال : لما نزلت هذه الآية قال لي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما ترى دينارا؟ قلت : لا يطيقونه. قال : فنصف دينار. قلت : لا يطيقونه. قال : فكم؟ قلت : شعيرة. قال : إنك لزهيد. فنزلت : (أَأَشْفَقْتُمْ ..) الآية ، فبي خفّف عن هذه الأمة.

قال مقاتل : بقي هذا الحكم عشرة أيام ، وقال قتادة : ساعة من نهار. قلت :

٥١

الظاهر قول قتادة كما لا يخفى.

ومنهم العلامة الشيخ محمد علي الصابوني المكي الأستاذ بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بمكة المكرمة في «روافع البيان تفسير آيات الأحكام» (ص ٦٠٥ ط عالم الكتب في بيروت سنة ١٤٠٦) قال :

وقد روي عن علي كرم الله وجهه أنه قال : إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ، ولا يعمل بها أحد بعدي ، كان لي دينار فاشتريت به عشرة دراهم ، فكلما ناجيت الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم قدمت بين يدي نجواي درهما ، ثم نسخت فلم يعمل بها أحد.

ومنهم الفاضل المعاصر محمد خير المقداد في «مختصر المحاسن المجتمعة في فضائل الخلفاء الأربعة» للعلامة الصفوري (ص ١٦٤ ط دار ابن كثير ، دمشق وبيروت) قال :

ورأيت في تفسير القرطبي ، لما نزل قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) قال علي رضي‌الله‌عنه : فسألت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ذلك؟ فقال : ما يجدوا دينارا. قلت : لا يطيقونه. قال : فنصف دينار. قلت : لا يطيقونه. قال : فكم؟ قلت : شعيرة. أي وزن شعيرة من ذهب. فنزل قوله تعالى : (أَأَشْفَقْتُمْ) الآية ، خفّف الله عن هذه الأمة.

ومنهم الفاضل المحقق أبو منصور أحمد ميرين البلوشي المدني في «تعليقات خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام» للنسائي المتوفى سنة ٣٠٣ (ص ١٦٢ ط مكتبة المعلى ـ الكويت) قال :

وأخرج الحاكم (٢ / ٤٨١ ـ ٤٨٢) من طريق جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ،

٥٢

عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : قال علي بن أبي طالب : إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد ولا يعمل بها أحد بعدي ، آية النجوى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) قال : كان عندي دينار ، فبعته بعشرة دراهم ، فناجيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فكنت كلما ناجيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قدمت بين يدي نجواي درهما ، ثم نسخت ، فلم يعمل بها أحد ، فنزلت (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ). وصححه الحاكم على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.

ومنهم الفاضل عبد الرحمن الشرقاوي في «علي إمام المتقين» (ج ١ ص ٤٩ ط مكتبة غريب الفجالة) قال :

وقال علي : إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي وما يعمل بها أحد بعدي ، هي آية النجوى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) كان عندي دينار ، فصرفته عشرة دراهم ، فكنت كلما ناجيت الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم قدمت بين يدي درهما (أي تصدق بدرهم) ، ثم نسخت الآية ، فلم يعمل بها أحد.

ومنهم الشيخ أبو إسحاق الجويني الأثري حجازي في «تهذيب خصائص الإمام علي» للحافظ النسائي (ص ١٠٩ ط بيروت) قال :

أخبرني محمد بن عبد الله بن عمار ، قال : حدثنا القاسم بن يزيد الجرمي ، عن سفيان ، عن عثمان بن المغيرة بن سالم ، عن علي بن علقمة ، عن علي رضي‌الله‌عنه قال : لما نزلت (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعلي رضي‌الله‌عنه : مرهم أن يتصدقوا. قال : بكم يا رسول الله؟ قال : بدينار. قال : لا يطيقونه. قال : فبنصف

٥٣

دينار. قال : لا يطيقون. قال : فبكم؟ قال : بشعيرة. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنك لزهيد. فأنزل الله : (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ) الآية ، وكان علي رضي‌الله‌عنه يقول : خفّف بي عن هذه الأمة.

ومنهم الفاضل المعاصر محمود شلبي في كتابه «حياة الإمام علي عليه‌السلام» (ص ٦٦ ط دار الجيل ـ بيروت) قال :

عن علي رضي‌الله‌عنه قال : لما نزلت : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعلي رضي‌الله‌عنه : مرهم أن يتصدقوا ـ فذكر الحديث مثل ما تقدم عن مسند أبي يعلى بتفاوت قليل في اللفظ.

ومنها

حديث ابن عباس

رواه جماعة من أعلام العامة :

فمنهم العلامة أبو الحجاج يوسف بن محمد البلوي المشتهر بابن الشيخ في كتابه «ألف با» (ج ١ ص ٤٤٠ ط عالم الكتب ـ بيروت) قال :

وكان [علي عليه‌السلام] يقول إذا نظر إلى ما فيه من الذهب والفضة : ابيضي واصفري وغري غيري ، إني واثق من الله بكل خير. وقدم عليه مال من أصبهان فقسمه سبعة أسباع وكان فيه رغيف فقسمه سبعة كسر وجعل على كل جزء كسرة ثم أقرع بينهم أيهم يأخذ أولا ، وفضائله رضي‌الله‌عنه لا تحصى ومن يعد الحصى وجوده وكرمه أكثر من أن يعد وفضله أكبر من أن يحد ، فمن جوده وفضله أنه عمل خصلتين لم يعملهما أحد قبله : إحداهما : أنه لما أنزل الله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

٥٤

إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) أشفق المسلمون من ذلك وشق عليهم لضعف مقدرة كثير منهم عن الصدقة فعمد علي رضي‌الله‌عنه فتصدق بدينار وناجى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم رحم الله المسلمين ونسخ ذلك عنهم بقوله تعالى (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ) فهذه آية نسخها العلي ولم يعمل بها غير علي رضي‌الله‌عنه ، وكان سبب نزول الآية أن المسلمين كانوا يكثرون المسائل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى شقوا عليه فأراد الله التخفيف عنه ، فكف كثير من الناس ثم وسع الله عليهم بالآية التي بعدها. قاله ابن عباس. وقيل : نزلت بسبب أن المنافقين واليهود كانوا يناجون النبي عليه‌السلام ويقولون : إنه أذن يسمع كل ما قيل له وكان لا يمنع أحدا من مناجاته. فكان ذلك يشق على المسلمين ، فلما أنزل الله ذلك انتهى أهل الباطل عن النجوى لأنهم لم يقدموا بين يدي نجواهم صدقة وشقّ ذلك على المسلمين لضعف مقدرتهم كما تقدم فخفّف الله عنهم بالآية الناسخة ، والله أعلم.

ومنهم العلامة محمد بن أحمد بن جزي الكلبي الغرناطي الأندلسي المولود سنة ٧٤١ والمتوفى ٧٩٢ في «التسهيل لعلوم التنزيل» (ج ٤ ص ١٠٤ ط دار الفكر) قال :

(إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) قال ابن عباس : سببها أن قوما من شبان المسلمين أكثرت مناجاتهم للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في غير حاجة ، لتظهر منزلتهم وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم سمحا لا يرد أحدا ، فنزلت الآية مشددة في أمر المناجاة ، وقيل : سببها أن الأغنياء غلبوا الفقراء على مناجاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وهذه الآية منسوخة باتفاق نسخها قوله بعدها (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ) الآية ، فأباح الله لهم المناجاة دون تقديم صدقة بعد أن كان أوجب تقديم الصدقة قبل مناجاته عليه‌السلام ، واختلف هل كان هذا النسخ بعد أن عمل بالآية أم لا؟ فقال : قوم لم يعمل بها أحد ، وقال : قوم عمل بها

٥٥

علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، روي أنه كان له دينارا فصرفه بعشرة دراهم ، وناجاه عشر مرات تصدق في كل مرة منها بدرهم ، وقيل : تصدق في كل مرة بدينار ، ثم أنزل الله الرخصة لمن كان قادرا على الصدقة ، وأما من لم يجد فالرخصة لم تزل ثابتة له بقوله (فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

ومنها

حديث مجاهد

رواه جماعة من أعلام العامة :

فمنهم العلامة مجاهد بن جبر المتوفى سنة ١٠٢ في «تفسيره» (ص ٦٥١ ط دار الفكر الإسلامي الحديثة) قال :

أنبأ عبد الرحمن قال : نا إبراهيم ، قال : ثنا آدم ، نا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ) ١٢ قال : نهوا عن مناجاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى يقدموا صدقة ، فلم يناجه أحد إلا علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فإنه قدم دينارا فتصدق به وناجى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فتنبأ له عن عشر خصال ، ثم نزلت الرخصة ، فقال : (أَأَشْفَقْتُمْ) ١٣ يقول : أشق عليكم تقديم الصدقة ، فوضعت عنهم ، وأمروا بمناجاته عليه‌السلام بغير صدقة.

ومنهم المعاصر فضيلة الأستاذ الشيخ علي بن حسن العريض مفتش الوعظ بالأزهر الشريف في «فتح المنان في نسخ القرآن» (ص ٦٦ ط مكتبة الخانجي بمصر سنة ١٣٩٣) قال :

بل روي أن سيدنا عليا كرم الله وجهه عمل بالآية المنسوخة قبل أن تنسخ ، وقدم الصدقة بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو أول من عمل بها من

٥٦

المسلمين.

عن مجاهد أن سيدنا عليا رضي‌الله‌عنه قال : آية في كتاب الله عزوجل لم يعمل بها أحد قبلي ، ولا يعمل بها أحد بعدي ، ثم تلا هذه الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) الآية ، بل الآية الثانية تعتب على المؤمنين إشفاقهم من تقديم الصدقة المأمور بها (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ).

ومنهم العلامة أبو الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي في «نواسخ القرآن» (ص ٢٣٥ ط بيروت) قال :

أخبرنا علي بن أبي عمر ، قال : أبنا علي بن أيوب ، قال : أبنا أبو علي بن شاذان ، قال : بنا أحمد بن إسحاق بن سحاب ، قال : بنا محمد بن أحمد بن أبي العوام ، قال : بنا سعيد بن سليمان ، قال : بنا أبو شهاب ، عن ليث ، عن مجاهد ، قال : قال علي بن أبي طالب : آية في كتاب الله عزوجل ما عمل بها أحد من الناس غيري ، آية النجوى ، كان لي دينار فبعته بعشرة دراهم ، فكلما أردت أن أناجي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تصدقت بدرهم ، فما عمل بها أحد قبلي ولا بعدي.

وقال أيضا في ص ٢٣٦ :

قال أحمد : وبنا عبد الرزاق ، قال : بنا ابن عيينة ، عن سليمان الأحول ، عن مجاهد (فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) قال : أمر أن لا يناجي أحد منهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى يتصدق بين يدي ذلك ، وكان أول من تصدق علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، ورضي‌الله‌عنه ، فناجاه فلم يناجه أحد غيره ، ثم نزلت الرخصة (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ). قال عبد الرزاق : وبنا معمر ، عن قتادة (إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ) إنها منسوخة ما كانت إلا ساعة من نهار.

ومنهم الشيخ محمد علي طه الدرة في «تفسير القرآن الكريم وإعرابه وبيانه» (ج ١٤

٥٧

ص ٣٩٤ ط دار الحكمة ـ دمشق وبيروت سنة ١٤٠٢) قال :

وقال مجاهد رحمه‌الله تعالى : نهوا عن المناجاة حتى يتصدقوا ، فلم يناجه إلا علي ابن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، تصدق بدينار (أي على دفعات) وناجاه ، ثم نزلت الرخصة ، فكان علي كرم الله وجهه يقول : آية في كتاب الله لم يعمل بها أحد قبلي ، ولا يعمل بها أحد بعدي ، وهي آية المناجاة ، وعن علي رضي‌الله‌عنه قال : لما نزلت (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ) إلخ ، قال لي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما ترى دينارا؟ قلت : لا يطيقونه ، قال : فنصف دينار؟ قلت : لا يطيقونه. قال : فكم؟ قلت : شعيرة. قال : إنك لزهيد. قال : فنزلت (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ ..) إلخ ، قال : فبي خفّف الله عن هذه الأمة ، أخرجه الترمذي.

هذا ومعنى شعيرة أي وزن شعيرة من ذهب ، ومعنى لزهيد يعني قليل المال قدرت على قدر حالك.

هذا وفي هذه الآية منقبة عظيمة لعلي رضي‌الله‌عنه ، إذا لم يعمل بها أحد غيره ، ولكن ليس فيها طعن على غيره من الصحابة ، ووجه ذلك أن الوقت لم يتسع ليعملوا بهذه الآية ، ولو اتسع الوقت لم يتخلّفوا عن العمل بها. ا ه خازن بتصرف بسيط.

وروي عن علي رضي‌الله‌عنه أنه قال : كان لي دينار ، فصرفته ، فكنت إذا ناجيته تصدقت بدرهم ، وسألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عشر مسائل ، فأجابني عنها. قلت : يا رسول الله ما الوفاء؟ قال : التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله. قلت : وما الفساد؟ قال : الكفر والشرك بالله. قلت : وما الحق؟ قال : الإسلام والقرآن والولاية إذا انتهت إليك. قلت : وما الحيلة؟ قال : ترك الحيلة. قلت : وما علىّ؟ قال : طاعة الله وطاعة رسوله. قلت : وكيف أدعو الله؟ قال : بالصدق واليقين. قلت : وما ذا أسأل الله؟ قال : العافية. قلت : وما أصنع لنجاة نفسي؟ قال : كل حلالا وقل صدقا. قلت : وما السرور؟ قال : الجنة. قلت : وما الراحة؟ قال : لقاء الله. فلما فرغت منها نزل نسخها.

٥٨

ومنهم الحافظ أبو العلي محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري الهندي المتوفى سنة ١٣٥٣ في «تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي» (ج ٩ ص ١٩٤ ط دار الفكر في بيروت) قال :

وأخرج ابن جرير بسنده عن مجاهد في قوله (فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) قال : نهوا عن مناجاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى يتصدقوا فلم يناجه إلا علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه قدم دينارا فتصدق به ثم أنزلت الرخصة في ذلك. وأخرج أيضا عن ليث ، عن مجاهد قال : قال علي رضي‌الله‌عنه : إن في كتاب الله عزوجل لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) قال : فرضت ثم نسخت.

ومنهم العلامة محمد بن أحمد عبد الباري الأهدل في «الخصائص النبوية المسماة فتح الكريم القريب بشرح أنموذج اللبيب في خصائص الحبيب» (ص ٥٨ ط مكتبة جدّه) قال :

وروى سعيد بن منصور ، عن مجاهد قال : كان من ناجى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تصدق بدينار ، وكان أول من صنع ذلك علي بن أبي طالب ثم نزلت الرخصة (فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ).

ومنها

حديث سلمة بن نهيك

رواه جماعة من أعلام العامة :

فمنهم العلامة الشيخ أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يونس المرادي

٥٩

المشتهر بأبي جعفر النحاس المصري البغدادي الشافعي المتوفى بشاطي النيل سنة ٣٣٨ وقيل: سنة ٣٣٧ ، في «الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم» (ص ٢٥٠ ط مكتبة عالم الفكر بالقاهرة سنة ١٤٠٧) قال :

وقد حدثنا جعفر بن مجاشع ، قال : حدثنا إبراهيم بن إسحاق ، قال : حدثنا إبراهيم ، عن موسى بن قيس ، عن سلمة بن نهيك (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) قال : .. أول من عمل بها علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، ثم نسخت.

ومنها

ما رواه القوم مرسلا

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم العلامة أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكناني الشافعي المتوفى سنة ٧٣٣ في «غرر التبيان فيمن لم يسمّ في القرآن» (ص ٥٠٤ ط دار قتيبة ـ دمشق وبيروت) قال :

(فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) (الآية : ١٢). نزلت عند إضجارهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بكثرة النجوى والسؤال ، ونسخت بعد عشر ، وقيل : في يومها ولم يعمل بها أحد غير علي.

ومنهم العلامة محمد بن الحسن البدخشي في «مناهج العقول في منهاج الأصول» للقاضي البيضاوي (ج ٢ ص ٢٣٥ ط دار الكتب العلمية في بيروت سنة ١٤٠٥) قال :

روي أنه لم يتصدق من الصحابة غير علي رضي‌الله‌عنه.

٦٠