إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل - ج ٣٠

آية الله السيّد شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي

__________________

وبعد فقد اختص هذا الخبر بما لم يشركه فيه سائر الأخبار ، فمن ذلك ان الشيعة نقلته وتواترت به.

وقد نقله أيضا اصحاب السير نقل المتواترين به بحمله خلف عن سلف وضمنه جميعهم الكتب بغير اسناد معين كما فعلوا في إيراد الوقائع الظاهرة والحوادث الكائنة التي لا يحتاج في العلم بها إلى سماع الأسانيد المتصلة ، ألا ترى إلى وقعة بدر وحنين وحرب الجمل وصفين كيف لا يفتقر في العلم بصحة شيء من ذلك إلى سماع اسناد ولا اعتبار اسماء الرجال لظهوره المغني وانتشاره الكافي ونقل الناس له قرنا بعد قرن بغير اسناد معين حتى عمت المعرفة به واشترك الكل في ذكره.

وقد جرى خبر يوم الغدير هذا المجرى واختلط في الذكر والنقل بما وصفناه فلا حجة في صحته أوضح من هذا.

ومن ذلك انه قد ورد ايضا بالأسانيد المتصلة ورواه أصحاب الحديث من الخاصة والعامة من طرق في الروايات كثيرة ، فقد اجتمع فيه الحالان وحصل له البيان.

ومن ذلك ان كافة العلماء قد تلقوه بالقبول وتناولوه بالتسليم ، فمن شيعي يحتج به في صحة النص بالإمامة ومن ناصبي يتناوله ويجعله دليلا على فضيلته ومنزلة جليلة ، ولم نر للمخالفين قولا مجردا في إبطاله ولا وجدناهم قبل تأويله قد قدموا كلاما في رفعه وإنكاره ، فيكون جاريا مجرى تأويل أخباره المشتبهة ورواياتها بعد الإبانة عن بطلانها وفسادها ، بل ابتدءوا بتأويله ابتداء من لا يجد حيلة في دفعه وتوفره على تخريج الوجوه له لتوفر من قد لزمه الإقرار به.

وقد كان إنكاره أروح لهم لو قدروا عليه وجحده أسهل عليهم لو وجدوا سبيلا إليه.

فأما ما يحكى عن أبي داود السجستاني من إنكاره له وعن الجاحظ من طعنه في كتاب العثمانية فيه فليس بقادح في الإجماع الحاصل على صحته ، لأن القول الشاذ لو أثّر في الإجماع وكذلك الرأي المستحدث لو أبطل تقدم الاتفاق لم يصح الإحتجاج بالإجماع ولا يثبت التعويل على اتفاق على السجستاني قد تنصل من نفي الخبر. فأما

٤٤١

__________________

الجاحظ فطريقته المشتهرة في تصنيفاته المختلفة وأقواله المتضادة المتناقضة وتأليفاته القبيحة في اللعب والخلاعة وأنواع السحق [السخف] والمجانة الذي لا يرتضيه لنفسه ذو عقل وديانة يمنع من الالتفات إلى ما يحكيه وتوجب التهمة له فيما يتفرد به ويأتيه.

وأما الخوارج الذين هم أعظم الناس عداوة لأمير المؤمنين عليه‌السلام فليس يحكى عنهم صادق للخبر ، والظاهر من حالهم حملهم له على وجه من التفضيل ولم يزل القوم يقرون لأمير المؤمنين عليه‌السلام بالفضائل ويسلمون له المناقب وقد كانوا أنصاره وبعض أعوانه. وانما دخلت الشبهة عليهم بعد الحكمين فزعموا أنه خرج عن جميع ما كان يستحقه من الفضائل بالتحكيم وقد قال شاعرهم :

كان علي قبل تحكيمه

جلدة بين العين والحاجب

ولو لم يكن الخبر كالشمس وضوحا لم يحتج به أمير المؤمنين عليه‌السلام يوم الشورى ، حيث قال للقوم في ذلك المقام : أنشدكم الله هل فيكم احد أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : من كنت مولاه فهذا مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه غيري؟ قالوا : اللهم لا ، فأقرّ القوم به ولم ينكروه واعترفوا بصحته ولم يجحدوه.

فإن قال قائل : فما باله لم يذكر في حال احتجاجه به تقرير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم للناس على أنه أولى بهم منهم بأنفسهم؟ ولم اقتصر على ما ذكره وهو لا ينفع في الاستدلال عندكم ما لم يثبت التقرير المتقدم؟ وما جوابكم لمن قال : إن المقدمة لم تصح وليس لها أصل؟ وقد سمعنا هذا الخبر ورد في بعض الروايات وهو عار منها ، فما قولكم فيها؟

قيل له : إن خلو إنشاد أمير المؤمنين عليه‌السلام من ذكر المقدمة لا يدل على نفيها أو الشك في صحتها ، لأنه قررهم من بعض الخبر على ما يقتضي الإقرار بجميعه اختصارا في كلامه وغنى بمعرفتهم بالحال عن إيراده على كماله ، وهذه عادة الناس فيما يقررون به. وقد قررهم عليه‌السلام في ذلك المقام بخبر الطائر فقال : أفيكم رجل قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهم ابعث إليّ بأحب خلقك يأكل معي

٤٤٢

__________________

غيري ولم يذكر هذا الطائر ، وكذلك لما قررهم بقول النبي عليه‌السلام فيه لما ندبه لفتح خيبر ، وذكر لهم بعض الكلام دون جميعه اتكالا منه على ظهوره بينهم واشتهاره.

فأما المتواترون بالخبر فلم يوردوه الا على كماله ولا سطروه في كتبهم الا بالتقرير الذي في أوله ، وكذلك رواه معظم أصحاب الحديث الذاكرين الأسانيد وإن كان منهم آحاد قد أغفلوا ذكر المقدمة ، فيحتمل أن يكون ذلك تعويلا منهم على العلم بالخبر فذكروا بعضه لأنه عندهم مشتهر ، فإن الأصحاب كثيرا ما يقولون فلان يروي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خبر كذا ويذكرون بعض لفظ الخبر اختصارا وبالجملة ، فالآحاد المتفردون بنقل بعضه لا يعارض بهم المتواترين الناقلين لجميعه على كماله.

الجواب عن السؤال الثاني : واما الحجة على أن لفظ «مولى» يحتمل «أولى» وإنها أحد أقسامها. فليس يطالب بها ايضا منصف كان له ادنى الإطلاع في اللغة وبعض الاختلاط بأهلها ، لأن ذلك مستفيض بينهم غير مختلف فيه عندهم وجميعهم يطلقون القول فيمن كان أولى بشيء أنه مولاه. وأنا أوضح لك اقسام مولى في اللسان لتعلمها على بيان :

اعلم ان لفظة «مولى» في اللغة تحتمل عشرة اقسام :

أولها : الأولى وهو الأصل الذي يرجع إليه جميع الأقسام ، قال الله تعالى : (فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) يريد سبحانه هي أولى بكم على ما جاء في التفسير وذكره اهل اللغة ، وقد فسره على هذا الوجه أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتابه المعروف بالمجاز في القرآن ومنزلته في العلم بالعربية معروفة وقد استشهد على صحة تأويله ببيت لبيد :

قعدت كلا الفرخين تحسب انه

مولى المخافة خلفها وأمامها

يريد أولى المخافة ولم ينكر على أبي عبيدة أحد من أهل اللغة.

وثانيها : مالك الرق ، قال الله سبحانه : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى

٤٤٣

__________________

شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ) يريد مالكه ، واشتهار هذا القسم يغني عن الإطالة فيه.

وثالثها : المعتق.

ورابعها : المعتق ، وذلك أيضا مشهور معلوم.

وخامسها : ابن العم ، قال الشاعر :

مهلا بني عمنا مهلا موالينا

لا تنشروا بيننا ما كان مدفونا

وسادسها : الناصر ، قال الله عزوجل : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ) يريد لا ناصر لهم.

وسابعها : المستولي لضمان الجريرة ومن يجوز الميراث ، قال الله عزوجل : (وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً).

وقد أجمع المفسرون على أن المراد بالمولى هاهنا من كان أملك بالميراث وأولى بحيازته. قال الأخطل :

فأصبحت مولاها من الناس بعده

وأحرى قريش أن تهاب وتحمدا

وثامنها : الحليف.

وتاسعها : الجار ، وهذان القسمان أيضا معروفان.

وعاشرها : الإمام السيد المطاع ، وسيأتي في الجواب عن السؤال الرابع إنشاء الله تعالى.

فقد اتضح لك بهذا البيان ما يحتمله لفظة «مولى» من الأقسام وإن أولى أحد محتملات معاني الكلام بل هي الأصل وإليها يرجع معنى كل قسم : لأن مالك الرق لما كان أولى بتدبير عبده من غيره كان لذلك مولاه ، والمعتق لما كان أولى بمعتقه في تحمله لجريرته وألصق به من غيره كان مولاه ، وابن العم لما كان أولى بالميراث ممن هو أبعد منه في نسبه وأولى ايضا من الأجنبي بنصرة ابن عمه كان مولى ، والناصر لما اختص بالنصرة وصار بها أولى كان لذلك مولى.

وإذا تأملت بقية الأقسام وجدتها جارية هذا المجرى وعائدة بمعناها إلى الأولى

٤٤٤

__________________

وهذا يشهد بفساد قول من زعم أنه متى أريد بمولى أولى كان ذلك مجازا ، وكيف يكون مجازا وكل قسم من اقسام مولى عائد إلى معنى الأولى ، وقد قال الفراء في كتاب «معاني القرآن» : إن الولي والمولى في كلام العرب واحد.

الجواب عن السؤال الثالث : فأما الحجة على أن المراد بلفظة مولى في خبر الغدير الأولى ، فهي أن من عادة أهل اللسان في خطابهم إذا أوردوا جملة مصرحة وعطفوا عليها بكلام محتمل لما تقدم به التصريح ولغيره فإنهم لا يريدون بالمحتمل الا ما صرحوا به من الخطاب المتقدم.

مثال ذلك : إن رجلا لو أقبل على جماعة فقال : ألستم تعرفون عبدي فلانا الحبشي؟ ثم وصف لهم أحد عبيده وميزه عنهم بنعت يخصه صرح به فإذا قالوا : بلى ، قال لهم عاطفا على ما تقدم : فاشهدوا أن عبدي حر لوجه الله عزوجل ؛ فإنه لا يجوز أن يريد بذلك الا العبد الذي سماه وصرح بوصفه دون ما سواه.

ويجري هذا مجرى قوله فاشهدوا أن عبدي حر لوجه الله عزوجل ، ولو أراد غيره من عبيده لكان ملغزا غير مبين في كلامه. وإذا كان الأمر كما وصفناه وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يزل مجتهدا في البيان غير مقصر فيه من الإمكان وكان قد أتى في أول كلامه يوم الغدير بأمر صرح به وقرر أمته عليه وهو أنه أولى بهم بأنفسهم على المعنى الذي قال الله تعالى في كتابه (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) ثم عطف على ذلك بعده أظهر من اعترافهم

بقوله : فمن كنت مولاه فهذا علي [خ. ل : فعلي] مولاه وكانت مولاه يحتمل ما صرح به في مقدمة كلامه ويحتمل غيره لم يجز أن يريد إلا ما صرح به في كلامه الذي قدمه وأخذ إقرار أمته به دون سائر أقسام مولى ، وكان هذا قائما مقام قوله : فمن كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه. وحاش لله أن لا يكون الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أراد هذا بعينه.

ووجه آخر : وهو أن قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «فمن كنت مولاه فعلي مولاه» لا يخلو من حالين : إما أن يكون أراد بمولى ما تقدم به التقرير من الأولى أو يكون أراد قسما غير ذلك من أحد محتملات مولى. فإن كان أراد الأول فهو ما ذهبنا

٤٤٥

__________________

إليه واعتمدنا عليه ، وان كان أراد وجها غير ما تقدم من أحد محتملات مولى فقد خاطب الناس بخطاب يحتمل خلاف مراده ولم يكشف لهم فيه عن قصده ولا في العقل دليل عليه يغني عن التصريح بمعنى ما نحال إليه. وهذا لا يجيزه على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الا جاهل لا عقل له.

الجواب عن السؤال الرابع : وأما الحجة على أن لفظة أولى يفيد معنى الإمامة والرياسة على الأمة فهو أنا نجد أهل اللغة لا يصفون بهذه اللفظة الا من كان يملك تدبير ما وصف بأنه أولى به وتصريفه وينفذ فيه أمره ونهيه. ألا تراهم يقولون : إن السلطان أولى بإقامة الحدود من الرعية والمولى أولى بعبده والزوج أولى بامرأته وولد الميت أولى بميراثه من جميع أقاربه ، وقصدهم بذلك ما ذكرناه دون غيره. وقد أجمع المفسرون على أن المراد بقوله سبحانه (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) أنه أولى بتدبيرهم والقيام بأمورهم من حيث وجبت طاعته عليهم ، وليس يشك أحد من العقلاء في أن من كان أولى بتدبير الخلق وأمرهم ونهيهم من كل أحد منهم فهو إمامهم الإمام المفترض الطاعة عليهم.

ووجه أحسن : ومما يوضح أن النبي عليه‌السلام أراد أن يوجب لأمير المؤمنين عليه‌السلام بذلك منزلة الرياسة والإمامة والتقدم على الكافة فيما يقتضيه فرض الطاعة أنه قررهم بلفظ «أولى» على أمر يستحقه عليهم من معناها ويستوجبه من مقتضاها وقد ثبت أنه يستحق في كونه أولى بالخلق من أنفسهم أنه الرئيس عليهم والنافذ الأمر فيهم والذي طاعته مفترضة على جميعهم. فوجب أن يستحق أمير المؤمنين عليه‌السلام مثل ذلك بعينه ، لأنه جعل له منه مثل ما هو واجب ، فكأنه قال : من كنت أولى به من نفسه في كذا فعلي أولى به من نفسه فيه.

ووجه آخر : وهو إنا إذا اعتبرنا ما يحتمله لفظة مولى من الأقسام لم نر فيها ما يصح أن يكون من أراد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا ما اقتضاه الإمامة والرياسة على الأنام.

وذلك أن أمير المؤمنين عليه‌السلام لم يكن مالكا لرق كل من ملك رسول الله

٤٤٦

__________________

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رقه ولا معتقا لكل من أعتقه ، فيصح أن يكون أحد هذين القسمين المراد ، ولا يصح أن يريد المعتق لاستحالة هذا القسم فيهما على كل حال ، ولا يجوز أن يريد ابن العم والناصر. فيكون قد جمع الناس في ذلك المقام ويقول لهم : من كنت ابن عمه فعلي ابن عمه ومن كنت ناصره فعلي ناصره لعلمهم ضرورة بذلك قبل هذا المقام. ومن ذا الذي يشك في أن كل من كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابن عمه فإن عليا عليه‌السلام ابن عمه ، ومن ذا الذي لم يعلم أن المسلمين كلهم أنصار من نصره النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلا معنى لتخصيص أمير المؤمنين عليه‌السلام بذلك دون غيره. ولا يجوز أن يريد ضمان الجرائر واستحقاق الميراث ، للاتفاق على أن ذلك لم يكن واجبا في شيء من الأزمان. وكذلك لا يجوز أن يريد الحليف لأن عليا عليه‌السلام لم يكن حليفا لجميع حلفاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. ولا يصح أيضا أن يريد من كنت جاره فعلي جاره لأن ذلك لا فائدة فيه وليس هو أيضا صحيحا في كل حال.

فإذا بطل أن يكون مراده عليه‌السلام شيئا من هذه الأقسام ولم يبق الا أن يكون قصده ما كان حاصلا له من تدبير الأنام وفرض الطاعة على الخاص والعام ، وهذه هي رتبة الإمام. وفيما ذكرناه كفاية لذي الأفهام.

فصل وزيادة : فأما الذين ادعوا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قصد بما قاله في أمير المؤمنين عليه‌السلام يوم الغدير أن يؤكد ولاه في الدين ويوجب نصرته على المسلمين وأن ذلك على معنى قوله سبحانه : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) وإن الذي أوردناه من البيان على أن لفظة «مولى» يجب أن يطابق معنى ما تقدم به التقرير في الكلام وأنه لا يسوغ حملها على غير ما يقتضي الإمامة من الأقسام ، يدل على بطلان ما ادعوه في هذا الباب ، ولم يكن أمير المؤمنين عليه‌السلام بخامل الذكر فيحتاج أن يقف في ذلك المقام ويؤكد ولاه على الناس بل قد كان مشهورا ، وفضائله ومناقبه وظهور علو رتبته وجلالته قاطعا للعذر في العلم بحاله عند الخاص والعام.

٤٤٧

__________________

على أن من ذهب في تأويل الخبر إلى معنى الولاء في الدين والنصرة فقوله داخل في قول من حمله على الإمامة والرياسة ، لأن امام العالمين يجب موالاته في الدين وتعيين نصرته على كافة المسلمين ، وليس من حمله على الموالاة في الدين والنصرة يدخل في قوله ما ذهبنا إليه من وجوب الإمامة ، فكان المصير إلى قولنا أولى.

وأما الذين غلطوا فقالوا : إن السبب في ما قاله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في يوم الغدير إنما هو كلام جرى بين أمير المؤمنين وزيد بن حارثة ، فقال علي عليه‌السلام لزيد : أتقول هذا وأنا مولاك؟ فقال له زيد : لست مولاي إنما مولاي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فوقف يوم الغدير فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، إنكارا على زيد وإعلاما له أن عليا مولاه. فإنهم فضحهم العلم بأن زيدا قتل مع جعفر بن أبي طالب عليه‌السلام في أرض موته من بلاد الشام قبل يوم غدير خم بمدة طويلة من الزمان وغدير خم إنما كان قبل وفاة النبي بنحو ثمانين يوما ، وما حملهم على هذه الدعوى إلا عدم معرفتهم بالسير والأخبار.

ولما رأت الناصبة غلطها في هذه الدعوى رجعت عنها وزعمت أن الكلام كان بين أمير المؤمنين عليه‌السلام وبين أسامة بن زيد ، والذي قدمناه من الحجج يبطل ما زعموه ويكذبهم فيما ادعوه.

ويبطله أيضا ما نقله الفريقان من أن عمر بن الخطاب قام في يوم الغدير فقال : بخ بخ لك يا أبا الحسن أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. ثم مدح حسان بن ثابت في الحال بالشعر المتضمن رياسته وإمامته على الأنام وتصويب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذلك.

ثم إحتجاج أمير المؤمنين عليه‌السلام يوم الشورى ، فلو كان ما ادعاه المنتحلون مما لم يكن لاحتجاجه عليهم به معنى وكان لهم أن يقولوا : أي فضل لك بهذا علينا وإنما سببه كذا وكذا.

وقد احتج به أمير المؤمنين عليه‌السلام دفعات واعتدّه في مناقبه الشراف وكتب يفتخر به في جملة افتخاره إلى معاوية بن أبي سفيان في قوله :

٤٤٨

__________________

وأوجب لي الولاء معا عليكم

خليلي يوم دوح غدير خم

وهذا الأمر لا لبس فيه.

وأما الذين اعتمدوا على أن خبر الغدير لو كان موجبا للإمامة لأوجبها لأمير المؤمنين عليه‌السلام في كل حال إذ لم يخصصها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحال دون حال ، وقولهم : إنه كان يجب أن يكون مستحقا لذلك في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنهم جهلوا معنى الاستخلاف والعادة المعهودة في هذا الباب.

وجوابنا أن نقول لهم : قد أوضحنا الحجة على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استخلف عليا عليه‌السلام في ذلك المقام ، والعادة جارية فيمن يستخلف أن يخصص له الاستحقاق في الحال والتصرف بعد الحال. ألا ترون أن الإمام إذا نص على حال له يقوم بالأمر بعده أن الأمر يجري في استحقاقه وتصرفه على ما ذكرناه.

ولو قلنا : إن أمير المؤمنين عليه‌السلام يستحقّ بهذا النص التصرف والأمر والنهي في جميع الأوقات على العموم والاستيعاب إلا ما استثناه الدليل وقد استثنت الأدلة في زمان حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي لا يجوز أن يكون فيه متصرف في الأمة أمره ولا أمرناه لهم سواه لكان هذا أيضا من صحيح الجواب.

فإن قال الخصم : إذا جاز أن تخصصوا بذلك زمانا دون زمان فما أنكرتم أن يكون إنما يستحقها بعد عثمان.

قلنا له : إنا أنكرنا ذلك من قبل أن القائلين بأنه استحقها بعد عثمان مجمعون على أنها لم تحصل له في ذلك الوقت بيوم الغدير ولا بغيره من وجوه النص عليه ، وإنما حصلت له بالاختيار. وكل من أوجب له الإمامة بالنص أوجبها بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غير تراخ في الزمان. والحمد لله حدثني القاضي أبو الحسن أسد ابن إبراهيم السلمي الحراني رضي‌الله‌عنه ، قال : أخبرني أبو حفص عمر بن علي العتكي ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن هارون الحنبلي ، قال : حدثنا حسين بن الحكم ، قال : حدثنا حسن بن حسين ، قال : حدثنا أبو داود الطهوري ، عن

٤٤٩

ومنهم الفاضل المعاصر عبد الرضى محمد عبد المحسن في «تعليقاته على كتاب نزهة الحفاظ» لأبي موسى الاصفهاني المديني (ص ٦٠ ط مؤسسة الكتب الثقافية في بيروت) قال عند ذكر حديث «من كنت مولاه فهذا علي مولاه» ما هو لفظه :

أخرجه الترمذي [كتاب المناقب ، باب مناقب علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه] وقال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه ابن ماجة [مقدمة ـ باب فضل علي بن أبي طالب] وأخرجه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده (٢ / ٦٤١ ـ ٦٧٠ ـ ٩٥٠ ـ ٩٥١ ـ ٩٥٢ ـ ٩٦١ ـ ١٣١٠) (٤ / ٣٠٦٢).

وذكره ابن حجر في الإصابة من كتاب الموالاة لأبي العباس بن عقدة الذي جمع فيه طرق حديث : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فأخرج فيه من طريق محمد بن كثير ،

__________________

عبد الأعلى الثعلبي ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : قام علي عليه‌السلام خطيبا في الرحبة وهو يقول : أنشد الله امرأ شهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم آخذا يدي ورفعهما إلى السماء وهو يقول : يا معشر المسلمين ألست أولى بكم من أنفسكم؟ فلما قالوا : بلى ، قال : فمن كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأنصر من نصره وأخذل من خذله ، الا قام فشهد بها ، فقام بضعة عشر بدريا فشهدوا بها وكتم أقوام فدعا عليهم فمنهم من برص ومنهم من عمى ومنهم من نزلت به بلية في الدنيا ، فعرفوا بذلك حتى فارقوا الدنيا.

ومما حفظ عن قيس بن سعد بن عبادة أنه كان يقول فهو بين يدي أمير المؤمنين صلوات الله عليه بصفين ومعه الراية في قطعة له أولها :

قلت لما بغى العدو علينا

حسبنا ربنا ونعم الوكيل

حسبنا ربنا الذي فتح البصرة

بالأمس والحديث يطول

وعلي إمامنا وإمام

لسوانا أتى به التنزيل

يوم قال النبي من كنت مولاه

فهذا مولاه خطب جليل

إنما قاله النبي على الأمة

حتم ما فيه قال وقيل

٤٥٠

عن فطر ، عن أبي طفيل ، قال : كنا عند علي فقال : أنشد الله من شهد يوم غدير خم ، فقام سبعة عشر رجلا ، منهم أبو قدامة الأنصاري ، فشهدوا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال ذلك. الإصابة (٧ / ٣٣٠).

وأخرجه الحاكم مختصرا ومطولا من حديث الأعمش عن سعد بن عبيدة ، قال : حدثني عبد الله بن بريدة الأسلمي ، قال : إني لأمشي مع أبي إذ مر بقوم ينقصون عليا ـ رضي‌الله‌عنه ـ يقولون فيه ، فقام فقال : إني كنت أنال من علي وفي نفسي عليه شيء ، وكنت مع خالد بن الوليد في جيش فأصابوا غنائم ، فعمد إلى جارية من الخمس فأخذها لنفسه ، وكان بين علي وبين خالد شيء ، فقال خالد : هذه فرضتك ، وقد عرف خالد الذي في نفسي على علي ، قال : وانطلق إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فاذكر له ذلك.

فلما أتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حدثته وكنت رجلا مكبابا وكنت إذا حدثت الحديث أكببت ، ثم رفعت رأسي فذكرت للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر الجيش فذكرت له أمر علي فرفعت رأسي وأوداج رسول الله (ص) قد احمرت ، قال : قال النبي (ص) : من كنت وليه فإن عليا وليه. وذهب الذي في نفسي عليه.

قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وليس في الباب أصح من حديث أبي عوانة هذا عن الأعمش ، عن سعد بن عبيدة. المستدرك (كتاب قسم الفيء).

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور عبد الرحمن سالم في «التاريخ السياسي للمعتزلة» (ص ٩٩ ط دار الثقافة في القاهرة) قال :

من أبرز الأمثلة على ذلك حديث غدير خم ، ذلك أنه لما نزل قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) خطب الرسول الناس في غدير خم ، وقال للجمع كله : أيها الناس ألست أولى منكم بأنفسكم؟ قالوا : بلى ، قال : من كنت مولاه

٤٥١

فهذا علي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله ، فقال عمر : بخ بخ لك يا علي ، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.

والمراد بالمولى هنا ـ كما يذكر الشيعة ـ الأولى بالتصرف ، لأن هذا ما يشير إليه قول الرسول في صدر الحديث : ألست أولى منكم بأنفسكم؟ أي ألست أولى بالتصرف في شئونكم من أنفسكم؟

ومنهم الفاضل المعاصر منير الخوري عيسى أسعد الحمصي المسيحي في «تاريخ حمص ـ القسم الثاني» (ص ١١٩ ط مطرانية حمص الأرثوذكسية) قال :

أما الأساس الذي استند إليه دعاة أهل البيت فنوجزه بما يلي :

يرى أهل البيت أنهم أحق القرشيين بالخلافة ، ويقولون أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عين عليا خليفة له ، ويستندون إلى نصوص ينكر عليهم أهل السنة تأويلها ، ومن تلك النصوص ما هو جلي ، ومنها ما هو خفي يحتاج إلى إيضاح ، فمن الأول قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

١ ـ من كنت مولاه فعلي مولاه. ولهذا قال له عمر بن الخطاب : أصبحت موئل كل مؤمن ومؤمنة.

٢ ـ أقضاكم علي ، ولا معنى للإمامة الا القضاء بأحكام الله.

٣ ـ من يبايعني على روحه ، فهو وصيي وولي هذا الأمر من بعدي. فلم يبايعه الا علي.

ومن النصوص الخفية :

١ ـ إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث أبا بكر لقراءة براءة في الموسم ، حين أنزلت. ثم أوصى الله ، ليبلغها رجل منك أو من قومك ، فبعث النبي عليا ليكون القارئ المبلغ ، وهذا دليل على تقدم علي ، ولم يعرف أنه قدم عليه أحدا مع أنه قدم البعض علي أبي بكر وعمر (دائرة المعارف للبستاني ٧ ص ٤٢٩).

٤٥٢

٢ – وأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال في مرضه الأخير : هلموا أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا. فاختلفوا عنده وتنازعوا ولم يتم الكتاب ، ويذهب الشيعة إلى أن النبي أراد أن يوصي بالإمامة لعلي.

٣ ـ وفي قصة الشورى : أن جماعة من الصحابة كانوا يتشيعون لعلي ويرون أحقيته بالخلافة ، ولما عدل إلى سواء تأففوا من ذلك وأسفوا له ، على أن حرصهم على الألفة جعلهم يقتصرون على النجوى.

ومنهم الفاضل المعاصر قطب إبراهيم محمد في «السياسة المالية لعمر بن عبد العزيز» (ص ١٩٣ ط الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ القاهرة سنة ١٤٠٩) قال : دخل على عمر بن عبد العزيز رجل غريب يلتمس عنده مالا ، وكان يعطي الغرباء مائتي درهم.

فسأله عمر : ممن أنت؟ قال : من أهل الحجاز. قال : من أي أهل الحجاز؟ قال : من أهل المدينة يا أمير المؤمنين. قال : من أيهم؟ قال : من قريش. قال : من أي قريش؟ قال : من بني هاشم يا أمير المؤمنين. قال : من أي بني هاشم؟ قال : مولى علي. قال : من علي؟ قال : علي بن أبي طالب يا أمير المؤمنين. فجلس عمر ووضع يده على صدره. وقال : وأنا والله مولى علي ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه.

ثم سأل مزاحم : كم يعطى مثله من الغرباء؟ قال مزاحم : مائتي درهم. قال : أعطوه خمسين دينارا (خمسمائة درهم) لولائه من علي. ثم سأله : إن كان له عطاء.

فقال الغريب : لا. ففرض له عطاء وقال له : ألحق ببلادك ، فانه سيأتيك إن شاء الله ما يأتي غيرك.

وقال أيضا في ص ٢١٦ :

ومما ساهم في الاستقرار أيضا ما أمر به عمر من الإقلاع عن المظالم التي كانت تقع على أتباع علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ومنع سب علي على المنابر وإعطائهم

٤٥٣

العطاء المستحق لهم ، وكان مما أمر به عند ما ولي الخلافة الإقلاع عن لعن وسب علي وجعل مكانه (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ).

(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).

وبذلك تفادى عمر بن عبد العزيز نقد أم سلمة رضي‌الله‌عنهما للعن الخلفاء الأمويين لعلي بن أبي طالب ، حينما كتبت إلى معاوية بن أبي سفيان تقول : إنكم تلعنون الله ورسوله على منابركم ، وذلك أنكم تلعنون عليا بن أبي طالب ومن أحبه ، واني أشهد أن الله أحبه ورسوله.

٤٥٤

مستدرك

قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام

أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي

قد تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في كتبهم في ج ٤ ص ٧٨ وص ١٠٠ وص ١٦٠ وص ١٧٢ إلى ص ١٧٨ وص ٢١٨ وص ٢٢٩ وص ٢٤٥ وص ٢٦٦ و ٢٩٦ وص ٤٠٨ و ٤٤٨ و ٤٦٢ و ٤٧٠ وج ٥ ص ٣٧ وص ٧٢ وص ٨٠ وص ١٣٢ وج ٦ ص ٤٦٨ و ٤٧٢ و ٥٥٢ وج ٧ ص ٣٧١ وج ٨ ص ٣٥٥ وص ٥٣١ وج ١٥ ص ٦٣٠ وج ١٦ ص ١ إلى ص ٩٧ وج ١٨ ص ٧٧ وج ٢٠ ص ٢٤٩ وص ٤٧٣ وج ٢١ ص ١٥٠ إلى ص ٢٢٠ ومواضع أخرى من هذا السفر الشريف ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق :

وفيه أحاديث :

منها

حديث علي عليه‌السلام

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

٤٥٥

فمنهم العلامة الحافظ الشيخ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد الخضري السيوطي المصري المتوفى سنة ٩١١ في كتابه «مسند فاطمة عليها‌السلام» (ص ٣٤ ط المطبعة العزيزية بحيدرآباد ، الهند سنة ١٤٠٦) قال :

لما آخى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين أصحابه قال علي : لقد ذهب روحي وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت غيري ، فان كان هذا من سخط علي فلك العتبى والكرامة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : والّذي بعثني بالحق ما أخرتك إلا لنفسي ، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي ، وأنت أخي ووارثي. قال : وما أرث منك يا رسول الله؟ قال : ما ورثت الأنبياء من قبلي؟ قال : وما ورثت الأنبياء من قبلك؟ قال : كتاب ربهم وسنة نبيهم ، وأنت معي في قصري في الجنة مع فاطمة بنتي ، وأنت أخي ورفيقي (حم في كتاب مناقب علي ، ابن عساكر).

وقال أيضا في ص ٤٣ :

أما قولك يقول قريش : ما أسرع ما تخلف عن ابن عمه وخذله ، فإن لك بي أسوة قالوا ساحر وكاهن وكذاب ، [أما قولك أتعرض للأجر من الله] أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه بعدي لا نبي ، وأما قولك أتعرض لفضل الله هذه أبهار من فلفل جاءنا من اليمن فبعه واستمتع به أنت وفاطمة حتى يأتيكم الله من فضله فان المدينة لا تصلح إلّا بي وبك (ك وتعقب عن علي).

ومنهم الفاضل المعاصر أبو إسحاق الحويني الأثري القاهري في «الحلي بتخريج فضائل علي» (ص ٦٢ ط دار الكتاب العربي ـ بيروت) قال :

ثانيا : حديث علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه :

٤٥٦

أخرجه البزار (١٨٥ ـ ١٨٦ / ٣) من طريق عبد الله بن بكير ، عن حكيم بن جبير ، عن الحسن بن سعد ، عن أبيه ، عن علي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أراد غزوا ، فدعا جعفرا ، فأمره أن يتخلف على المدينة. فقال : لا أتخلف بعدك أبدا!. فأرسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فدعاني ، فعزم علي لمّا تخلفت قبل أن يتكلم ، فبكيت. فقال : ما يبكيك؟ قلت : يبكيني خصال غير واحدة ، تقول قريش غدا : ما أسرع ما تخلف عن ابن عمه وخذله. ويبكيني خصلة أخرى كنت أريد أن أتعرض للجهاد في سبيل الله ، لأنّ الله عزوجل يقول : (وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) ٩ / ١٢٠ ، فكنت أريد أن أتعرض للأجر. ويبكيني خصلة أخرى ، كنت أريد أن أتعرض لفضل الله. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أما قولك : تقول قريش : ما أسرع ما تخلف عن ابن عمه وخذ له ، فإن لك فيّ أسوة ، قد قالوا : ساحر ، وكاهن ، وكذّاب. وأما قولك : أريد أن أتعرض للأجر من الله ، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ، إلّا أنه لا نبي بعدي؟ وأما قولك أتعرّض لفضل الله ، فهذان بهاران من فلفل جاءنا من اليمن فبعه ، واستمتع به أنت وفاطمة ، وحتى يأتيكما الله من فضله.

وقال أيضا في «تهذيب خصائص الإمام علي» للحافظ النسائي (ص ٦٤ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) قال :

رواه القاسم بن يزيد المخزومي ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن هبيرة بن مريم ، وهانئ بن هانئ ، عن علي رضي‌الله‌عنه ، قال : لمّا صدرنا من مكة إذا ابنة حمزة تنادي : يا عم ، يا عم ، فتناولها علي رضي‌الله‌عنه وأخذها ، فقال لصاحبته : دونك ابنة عمك ، فحملتها ، فاختصم فيها علي وزيد وجعفر ، فقال علي : أنا أخذتها وهي ابنة عمي ، وقال جعفر : ابنة عمي وخالتها تحتي ، وقال زيد : ابنة أخي ، فقضى بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لخالتها ، وقال : الخالة بمنزلة الأم ، وقال لعلي : أنت

٤٥٧

مني بمنزلة هارون ، وأنا منك ، وقال لجعفر : أشبهت خلقي وخلقي ، وقال لزيد : يا زيد أنت أخونا ومولانا.

ومنهم عدة من الفضلاء في «فهرس أحاديث وآثار المستدرك على الصحيحين» للحاكم النيسابوري (القسم الأول ص ١٠٠ ط عالم الكتب ـ بيروت) قالوا :

أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون .. علي التفسير / التوبة ٢ / ٣٣٧

وأيضا رووه في القسم الثاني ص ١٤١ إلا أن فيه : ألا ترضى.

ومنهم الفاضل المعاصر رياض عبد الله عبد الهادي في «الدرر المجموعة بترتيب أحاديث اللآلي المصنوعة» (ص ٢٩ ط دار البشائر الإسلامية ـ بيروت) قال :

أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هرون .. علي ١ / ٣٤٢

ومنهم الأستاذ محمد سعيد زغلول في «فهارس المستدرك» للحاكم (ص ٦٣ ط بيروت) قال :

أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون علي ٢ / ٣٣٧

وروى مثله في «فهارس حلية الأولياء» لأبي نعيم ص ٤٨ إلا أن فيه : ألا ترضى.

ومنهم الحافظ المؤرخ أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي المتوفى سنة ٤٦٣ في «موضح أوهام الجمع والتفريق» (ج ١ ص ٢٩٧ ط دار المعرفة ـ بيروت) قال :

أخبرنا الحسن بن محمد الخلال ، وأبو القاسم الأزهري ، قال الخلال ، حدثنا ، وقال الأزهري : أخبرنا محمد بن العباس بن زكريا بن يحيى الخزاز ، حدثنا أبو أحمد ابن المهتدي ، حدثنا الحسين بن الخصيب ، حدثنا أبو إسحاق الجرزي ، حدثني المأمون ، حدثني الرشيد ، حدثني المهديّ قال : دخل عليّ سفيان الثوري فقلت : حدثني بأحسن فضيلة عندك لعليّ ، فقال : حدّثني سلمة بن كهيل ، عن حجية بن

٤٥٨

عدي ، عن عليّ قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبيّ بعدي.

أخبرنيه أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر اليزيدي بأصبهان ، حدّثنا أحمد بن محمد بن موسى الملحمي ، حدّثنا الحسن بن عثمان التستري ، حدّثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، حدّثني المأمون ، حدّثني الرشيد ، حدّثني أبي المهدي ، حدّثني سفيان بن سعيد الثوري ، عن سلمة بن كهيل ، عن حجية بن عديّ ، عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال له : أنت مني بمنزلة هارون من موسى.

ومنها

حديث عمر بن الخطاب

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة ٧١١ في «مختصر تاريخ دمشق» لابن عساكر (ج ١٧ ص ٣٣٥ ط دار الفكر) قال :

وعن عمر بن الخطاب قال : لقد أعطي علي بن أبي طالب ثلاث خصال ، لأن يكون لي خصلة منها أحب إليّ من أن أعطى حمر النعم ، قيل : وما هن يا أمير المؤمنين؟ قال : تزويجه فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وسكناه المسجد مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لا يحل لي فيه ما يحل له ، والراية يوم خيبر.

ومنها

حديث أم سلمة

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

٤٥٩

فمنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة ٧١١ في «مختصر تاريخ دمشق» لابن عساكر (ج ١٧ ص ٣٤٦ ط دار الفكر) قال :

وعن ابن عباس عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال لأمّ سلمة : يا أم سلمة ، إن عليا لحمه من لحمي ودمه من دمي ، وهو مني بمنزلة هارون من موسى ، إلّا أنه لا نبي بعدي.

وعنه قال : رأيت عليا أتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاحتضنه من خلفه ، فقال : بلغني أنك سمّيت أبا بكر وعمر وضربت أمثالهما ولم تذكرني ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أنت مني بمنزلة هارون من موسى.

ومنهم الفاضل المعاصر يوسف عبد الرحمن المرعشلي في «فهرس أحاديث موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان» للحافظ نور الدين الهيثمي (ص ٤٧ ط دار البشائر الإسلامية ودار النور ـ بيروت) قال :

إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعليّ :

أما ترضى أن تكون .. أم سلمة ٥٤٢

وروى مثله في ص ٣٠.

ومنهم الحافظ أحمد بن علي بن المثنى التميمي المتوفى سنة ٣٠٧ في «المعجم» (ص ٩٤ ط دار المأمون للتراث ـ بيروت) قال :

حدثنا محمد بن سهل بن حصين الباهلي ، قال : حدثنا حسّان بن إبراهيم ، قال :

حدثنا محمد بن سلمة بن كهيل ، عن أبيه ، عن المنهال بن عمرو ، عن عامر بن سعد ، عن سعد ، عن أم سلمة : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعلي عليه‌السلام : أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي.

٤٦٠