شرح الزيارة الجامعة الكبيرة

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

شرح الزيارة الجامعة الكبيرة

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: مؤسسة الرافد للمطبوعات
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-90891-4-7
الصفحات: ١٨٨

وَاُولِي الْحِجى وَكَهْفِ الْوَرى وَوَرَثَةِ الْأَنْبِياءِ وَالْمَثَلِ الْأَعْلى ...............................

____________________________________

فإنّهم أولو العقول الكاملة.

(وَاُولِي الْحِجى) : كاُلي العقل ، والفطنة.

(وَكَهْفِ الْوَرى) أي ملجأ الخلائق في الدنيا والآخرة.

(وَوَرَثَةِ الْأَنْبِياءِ) : فإنّهم ورثوا كلّ علم وكتاب وفضيلة وكمال كان لهم ، حتّى عصا موسى وعمامة هارون والتابوت والسَكينة وخاتم سليمان ، كما روي في الأخبار المتواترة (١) ، بل روي «أنّه آتاهم الله ما لم يؤت أحداً من العالمين» (٢).

(وَالْمَثَلِ الْأَعْلى) : المَثَل محرّكة : الحجّة والحديث والصفة ، والجمع : المُثُل بضمتين ويمكن قراءته بهما ؛ فإنّهم حجج الله تعالى وأعلاهم ، والمتّصفون بصفات الله تعالى ، فهم صفته وصفاته على المبالغة ، أو مثل الله تعالى لهم في قوله : (اللَّـهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ

__________________

(١) الكليني في اُصول الكافي ١ : ٢٣١ ، باب ما عند الأئمة من آيات الأنبياء عليهم السلام.

(٢) كفاية الأثر للخزّار : ٢٥٩ ، مختصر البصائر للحلي : ٣٣٠ / ذيل حديث ٣٥٤ ، الصراط المستقيم للنباطي ٢ : ١٥٧.

٨١

وَالدَّعْوَةِ الْحُسْنى وَحُجَجِ اللهِ عَلى اَهْلِ الدُّنْيا وَالآخِرَةِ والاُوْلَى (١) وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ

____________________________________

وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ) (٢) كما روي في الأخبار الكثيرة ، بل ادّعى بعض أصحابنا بالاجماع أنّها نزلت فيهم (٣).

(وَالدَّعْوَةِ الْحُسْنى) : فإنّهم أحسن الدعاة إلى الله ، أو دعوة الله الخلق إلى متابعتهم أفضل الدعوات.

(وَحُجَجِ اللهِ عَلى اَهْلِ الدُّنْيا وَالآخِرَةِ) أي : احتجّ الله وأتمّ حجّته بهم على أهل الدنيا بأن جعل لهم المعجزات الباهرة ، والعلوم اللدنّية ، والأخلاق الإلهيّة ، والعقول الربّانية ، فهداهم بهم إليه ، ويحتجّ بهم في الآخرة بعد الموت أو في القيامة.

(والاولى) كرر للتأكيد أو السجع ، أو هي صفة الحجج فإنّهم أولى حجج الله ، كما تقدّم ، أو يقرأ بأفعل التفضيل فإنّهم أكمل حجج الله.

(وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ) : عطف على السلام ويمكن جعل كلّ

__________________

(١) في العيون : (على أهل الآخرةِ والاُولى).

(٢) سورة النور ٢٤ : ٣٥.

(٣) اُنظر الروايات الواردة في تفسير البرهان للبحراني ٤ : ٦٦ ، سورة النور آية ٣٥.

٨٢

السَّلامُ عَلى مَحلِّ مَعْرِفَةِ اللهِ وَمَساكِنِ اللهِ وَمَعادِنِ حِكْمَةِ اللهِ .....................

____________________________________

واحد من السلام والرحمة والبركات في كلّ واحد من الجمل لمعنىً غير السابق.

(السَّلامُ عَلى مَحلِّ) وفي بعض النسخ بالجمع [محال].

(مَعْرِفَةِ اللهِ) أي : لم يعرف الله حق معرفته إلّا هم ، وما عُرف الله إلّا منهم ومن تعريفهم ؛ فإنّهم أكمل مظاهر أسمائه تعالى وصفاته الحسنى.

والقراءة بالمفرد للدلالة على أنّهم صلوات الله عليهم كنفس واحدة في المعرفة ؛ فإنّها لا تختلف بخلاف باقي الصفات.

(وَمَساكِنِ بَرَكَةِ اللهِ) أي : بهم يبارك الله على الخلائق بالأرزاق الصورية والمعنوية ، كما تدلّ الأخبار المتواترة ، ونبّه عليه المحقق الدواني في شرح الهياكل (١).

(وَمَعادِنِ حِكْمَةِ اللهِ) كما ورد متواتراً من النبي والأئمّة صلوات الله عليهم ، أنّه قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «أنا مدينة الحكمة وعليّ بابها» (٢).

__________________

(١) شواكل الحور في شرح هياكل النور (ضمن ثلاث رسائل للدواني) : ٢٤٧.

(٢) شرح الأخبار للقاضي المغربي ١ : ٨٩ / ١ ، أمالي الصدوق : ٦١٩ / ضمن

٨٣

وَحَفَظَةِ سِرِّ اللهِ ............................................

____________________________________

وعلومهم علومه صلوات الله عليهم ، والحكمة هي : العلوم الحقيقية الإلهيّة ، ولا ريب أنّ علومهم من الله تعالى ، بل عين علم الله.

(وَحَفَظَةِ سِرِّ اللهِ) أسرار الله هي : علوم لا يجوز إظهارها إلّا للكمّل مثل : سلمان وكميل ، كما سئل أمير المؤمنين صلوات الله عليه عن الحقيقية ، فقال : «مالك والحقيقة؟» ، فقال : أولست صاحب سرّك (١)؟ إلى آخره.

وقال الصادق صلوات الله عليه : «لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان ، لقال : رحم الله قاتل سلمان» (٢).

وقالوا صلوات الله عليهم : «إنّ حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله إلّا ملك مقرّب أو نبيّ مرسل أو مؤمن امتحن الله قلبه

__________________

حديث طويل ، روضة الواعظين للفتال النيشابوري : ١٠٣ ، عوالي اللئالي ٤ : ١٢٣ / ٢٠٦ ، تهذيب الكمال للمزّي ٢١ : ٢٧٧.

(١) شرح الأسماء الحسنى للسبزواري : ١٣١ ، نور البراهين لنعمة الله الجزائري ١ : ٢٢١.

(٢) اختيار معرفة الرجال للشيخ الطوسي ١ : ٦٠ / ٣٣.

٨٤

وَحَمَلَةِ كِتابِ اللهِ وَاَوْصِياءِ نَبِيِّ اللهِ ..............................................

____________________________________

للايمان» (١) ، وفي خبر آخر بدون لفظ الاستثناء (٢) ويظهر من خبر موسى والخضر صلوات الله عليهما أنّ كلّ أحد ليس له قابلية فهم جميع العلوم.

(وَحَمَلَةِ كِتابِ اللهِ) ، فإنّ القرآن كما أُنزل ، وعلومه كما هي عندهم وفيه علوم الأولين والآخرين ، كما ورد في المتواتر من الأخبار (٣).

(وَاَوْصِياءِ نَبِيِّ اللهِ) ، فإنّه ورد متواتراً من طرق العامّة والخاصّة أنّهم خلفاء رسول الله وأوصياؤه (٤) ، وأنّه صلى الله عليه وآله أوصى إلى أمير المؤمنين إلى المهدي ، وأوصى كلّ منهم إلى الإمام الذي بعده إلى وَذُرِّيَّةِ

__________________

(١) الكافي للكليني ١ : ٤٠١. باب فيما جاء أنّ حديثهم صعب مستصعب.

(٢) بصائر الدرجات للصفار : ٤٢ / ١٠.

(٣) الكليني في الكافي ١ : ٢٢٨ ، باب أنّه لم يجمع القرآن كلّه إلّا الأئمّة عليهم السلام.

(٤) ورد حديث الخلفاء الاثني عشر في الأمالي للصدوق : ٣٨٧ / ٩ ، والخصال : ٤٧٠ / ١٦ ـ ١٨ ، وكفاية الأثر للخزّاز : ٥١ ، والغيبة للنعماني : ١٠٤ / ٣١ ، والمسند لأحمد بن حنبل ٦ : ٨٩ / ٢٠٢٩٠ ، وصحيح مسلم ٣ : ٣٦٥ / ١٨٢١ ، وسنن أبي داود ٤ : ٣٠٥ / ٤٢٧٩ و ٤٢٨٠ ، ومستدرك الحاكم ٤ : ٨١٢ / ٦٦٤٥.

٨٥

رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ السَّلامُ عَلَى الدُّعاةِ إلَى اللهِ وَالْأَدِلّاءِ عَلى مَرْضَاتِ اللهِ.

____________________________________

المهدي صلوات الله عليهم أُمور الأُمّة ، وكانت الوصاية كناية عن التخليف ، كما تقدّم.

(وَذُرِّيَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) : فإنّ أولاد البنت أيضاً من الذريّة ، كما قال الله تعالى في عيسى بن مريم عليه السلام : إنّه من ذرية نوح عليه السلام مع أنّه ابن البنت (١).

(السَّلامُ عَلَى الدُّعاةِ) : جمع الداعي (إلى الله) إلى معرفته وعبادته والتخلّق بأخلاقه تعالى ، كما قال : (قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّـهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) (٢).

(وَالْأَدِلّاءِ عَلى مَرْضاتِ اللهِ) : فإنّهم يدلّون الخلائق بالشريعة

__________________

(١) اشارة إلى قوله تعالى : (كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ). سورة الانعام ٦ : ٨٤ ـ ٨٥.

(٢) سورة يوسف ١٢ : ١٠٨.

٨٦

وَالْمُسْتَوفِرينَ فِي اَمْرِ اللهِ (١) وَالتَّامِّينَ فِي مَحَبَّةِ اللهِ وَالْمُخْلِصِينَ فِي تَوْحِيدِ اللهِ ..........

____________________________________

الحقّة إلى ما يوجب رضاه من مراتب القرب لله وإلى الله وفي الله ومع الله.

(وَالْمُسْتَوفِرينَ فِي اَمْرِ اللهِ) أي : الساعين في الائتمار بأوامره الواجبة والمندوبة مطلقاً أو في أمر الإمامة. وفي بعض النسخ : المستقرين وهو أظهر.

(وَالتَّامِّينَ فِي مَحَبَّةِ اللهِ) : في مراتبهم الثلاث من محبّة الذات لذاته ، ولصفاته الحسنى ، ولأفعاله الكاملة ، ومن ذاق حلاوة المحبّة يستنشق من جميع رواياتهم سيّما الأخبار الواردة فيها وفي أسبابها من الرضا والزهد والتسليم وغيرها في جميع مراتبها ، وأنّهم كاملون فيها.

والمراد من المحبّة : العشق وإنكار العشق بالنسبة إلى الله تعالى ؛ لعدم فهم معناه وعدم القابلية.

(وَالْمُخْلِصِينَ) ـ بالكسر والفتح ـ (فِي تَوْحِيدِ اللهِ) : فإنّ أقصى

__________________

(١) في العيون زيادة : (ونَهْيه).

٨٧

وَالْمُظهِرِينَ لأَمْرِ اللهِ وَنَهْيِهِ وَعِبادِهِ الْمُكْرَمِينَ الَّذِينَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِاَمْرِهِ يَعْمَلُونَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ. السَّلامُ عَلَى الأئِمَّةِ

____________________________________

مراتب المحبّة ينجرّ إلى أن لا يرى العارف إلّا الله ؛ فإنّه لا يرى إلّا ويرى الله بعده في الابتداء ، ثمّ معه ، ثمّ قبله ، ثمّ لا يرى إلّا الله ، ولمّا كان الإرشاد بعد التكميل ، أشار بقوله :

(وَالْمُظْهِرينَ لِأَمْرِ اللهِ وَنَهْيِهِ وَعِبادِهِ الْمُكْرَمِينَ) ـ مشدّداً ، ومخفّفاً ـ كما قال تعالى : (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) (١) أي : هذا النوع بوجود الأنبياء والأوصياء.

(الَّذِينَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ) ، أي : لا يتكلّمون إلّا بأمر الله ، بل كلامهم كلام الله ، كما قال تعالى : (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ) (٢) وهم نفس النبيّ صلوات الله عليهم.

(وَهُمْ بِاَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) : في كلّ ما يعملونه من الجهاد وتركه ، وإظهار الحقّ وكتمانه وغيرها.

__________________

(١) سورة الاسراء ١٧ : ٧٠.

(٢) سورة النجم ٥٣ : ٣ ـ ٤.

٨٨

الدُّعاة وَالْقادَةِ وَالسّادَةِ الولاة ...........................................

____________________________________

(وَالْقادَةِ) : جمع القائد.

(الْهُداةِ) : ـ جمع الهادي ـ الذين قال الله تعالى فيهم : (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا) (١) ، كما وردت في الأخبار المتواترة أنّهم هم عليهم السلام (٢).

(وَالسّادَةِ) ـ جمع السيّد ـ ، أي : الأفضل الأكرم.

(الْوُلاةِ) ـ جمع الوالي ـ فإنّهم يقودون السّالكين إلى الله ، والأولى بالتّصرف في الخلق من أنفسهم ، كما قال تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ) (٣) ، وقال : (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) (٤) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : «من كنت مولاه فهذا عليّ

__________________

(١) سورة الأنبياء ٢١ : ٧٣.

(٢) تأويل الآيات للاسترآبادي ١ : ٣٢٨ / ١٢ ، وانظر تفسير البرهان للبحراني ٣ : ٨٢٨ ـ ٨٢٩.

(٣) سورة الأحزاب ٣٣ : ٦.

(٤) سورة المائدة ٥ : ٥٥.

٨٩

والذادة الْحُماةِ وَاَهْلِ الذِّكْرِ ..........................................

____________________________________

مولاه» (١) إلى غير ذلك من الأخبار المتواترة (٢).

(وَالذّادَةِ) ـ جمع الذائد ـ من الذود ، بمعنى الدفع.

(الْحُماةِ) ـ جمع الحامي ـ فإنّهم يدفعون عن شيعتهم في الدنيا الآراء الفاسدة ، والمذاهب الباطلة ، والبليات بالأدعية الشافية ، وفي الآخرة بالشفاعة والحماية ، كما وردت به الأخبار (٣) المتواترة.

(وَاَهْلِ الذِّكْرِ) : الذين قال الله تعالى فيهم : (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (٤) ، كما وردت به الأخبار المتواترة أنّهم : هم

__________________

(١) بصائر الدرجات للصفار : ٩٧ / ضمن حديث ٥ ، الكافي للكليني ١ : ٢٨٧ / ضمن حديث ١ ، الأمالي للصدوق : ٥٠ / ضمن حديث ٢ ، مسند أحمد بن حنبل ٥ : ٤٩٤ / ١٨٧٩٣ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢ : ٢٨٩.

(٢) اُنظر تفسير البرهان للبحراني ٢ : ٣١٦ ـ ٣٢٦ / تفسير آية الولاية.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢ : ٣٠٦ / باب ما يجزي من القول عند زيارة جميع الأئمة عليهم السلام.

(٤) سورة الأنبياء ٢١ : ٧.

٩٠

وَاُولِي الْأَمْرِ وَبَقِيَّةِ اللهِ وَخِيرَتِهِ ..........................................

____________________________________

الذكر (١) ، أمّا القرآن أو الرسول صلى الله عليه وآله وهم أهلها.

(وَاُولِي الْأَمْرِ) : الذين قال الله تعالى فيهم : (أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ) (٢) ، كما وردت به الأخبار المتواترة من طرق العامّة والخاصّة (٣).

(وَبَقِيَّةِ اللهِ) : الذين قال تقدّس وتعالى فيهم : (بَقِيَّتُ اللَّـهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (٤) أي : أبقاهم الله إلى انقضاء الدنيا لهداية الخلق إلى الله ، بل هم سبب بقاء الدنيا ، أو لتخلّقهم بأخلاق الله كأنّهم بقية الله.

(وَخِيرَتِهِ) : لأنّهم اختارهم الله من الخلق بالتفضيل عليهم لهدايتهم إليه.

__________________

(١) الكافي ١ : ٢١٠ / باب أنّ أهل الذكر ... هم الأئمة عليهم السلام ، وبصائر الدرجات : ٥٨ / باب ١٩.

(٢) سورة النساء ٤ : ٥٩.

(٣) انظر تفسير البرهان للبحراني ٢ : ١٠٣ / تفسير آية الطاعة.

(٤) سورة هود ١١ : ٨٦.

٩١

وَحِزْبِهِ وَعَيْبَةِ عِلْمِهِ وَحُجَّتِهِ وَصِراطِهِ وَنُورِهِ (١) ..................................

____________________________________

(وَحِزْبِهِ) : الذين قال الله تعالى وتقدّس فيهم : (رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَـٰئِكَ حِزْبُ اللَّـهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّـهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٢) أي : الطائفة المختصّون به تعالى ، أو عساكره الصورية والمعنوية.

(وَعَيْبَةِ عِلْمِهِ) أي : مخزنه ، كما ورد في المتواتر من الأخبار : أنّهم خزنة علم الله ووحيه من العلوم اللّدنّية والأسرار الإلهيّة وغيرهما (٣).

(وَحُجَّتِهِ وَصِراطِهِ) : الذي قال تبارك وتقدس : (وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ) (٤) ، وورد في الأخبار المتواترة أنّهم الصراط المستقيم (٥).

(وَنُورِهِ) : أمّا بمعنى : الهادي أو العلم أو الهداية بمعنى : المهتدى

__________________

(١) في نسخة : ونُورِهِ وَبُرهَانِهِ.

(٢) سورة المجادلة ٥٨ : ٢٢.

(٣) الكافي للكليني ١ : ١٩٢ ، باب أنّ الأئمة ولاة امر الله وخزنة علمه.

(٤) سورة الانعام ٦ : ١٥٣.

(٥) اُنظر بحار الأنوار للعلّامة المجلسي ٢٤ : ٩ / باب أنّهم عليهم السلام السبيل والصراط ....

٩٢

وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ. اَشْهَدُ أنْ لا اِلهَ إلّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ كَما شَهِدَ اللهُ لِنَفْسِهِ وَشَهِدَتْ لَهُ مَلائِكَتُهُ وَاُولُو الْعِلْمِ مِنْ خَلْقِهِ لا اِلهَ اِلّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. واَشْهَدُ اَنَّ عَبْدُهُ الْمُنْتَجَبُ (١) ........................................

____________________________________

إليه بالهداية الخاصّة أو من نور الله العالم بالوجود لأجلهم أو بهدايتهم.

(كَما شَهِدَ اللهُ لِنَفْسِهِ) : فإنّ توحيده بالإخلاص التّام كما هو ليس في متناول وسعنا وقدرتنا فنشهد به كما شهد هو تعالى لنفسه ، كما في التحميد والتمجيد والتقديس وغيرها ، أو بالآيات الظاهرة والدلالات الباهرة في الآفاق والأنفس. فنشهد بها كما شهد هو لنفسه.

(وَاُولُو الْعِلْمِ مِنْ خَلْقِهِ) : من الأنبياء والأولياء.

(لا اِلهَ اِلّا هُوَ) : كرّر للتأكيد وللتوصيف.

(الْعَزِيزُ) : الغالب القاهر الذي لا يصل أحد إلى كبريائه.

(الْحَكِيمُ) : العليم الفاعل للأصلح بالنظر إلى خلقه في كلّ ما خلق.

(عَبْدُهُ الْمُنْتَجَبُ) أي : عَبَدَه حقّ العبادة فانتجبه واصطفاه من

__________________

(١) في العيون بدل (المنتجب) : (المصطفى).

٩٣

وَرَسُولُهُ الْمُرْتَضى اَرْسَلَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّيْنِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ. وَاَشْهَدُ اَنَّكُمُ الْأَئِمَّةُ الرّاشِدُونَ ........................................

____________________________________

الخلائق حتّى من المرسلين ، فإنه صلى الله عليه وآله أفضلهم.

(وَرَسُولُهُ الْمُرْتَضى) : ارتضاه منهم بهدايتهم إليه.

(اَرْسَلَهُ) مقروناً (بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ) أي : الله أو القائم إلى قيام القيامة ، لا يعتريه النسخ والتبديل.

(لِيُظْهِرَهُ) ويغلبه (عَلَى الدِّيْنِ) ـ أي الأديان ـ (كُلِّهِ).

(وَاَشْهَدُ اَنَّكُمُ الْأَئِمَّةُ الرّاشِدُونَ) الذين قال رسول الله صلى الله عليه وآله ، «عليكم بسنّتي ، وسنّة الخلفاء الراشدين من بعدي» (١) ، لو صحّ الخبر.

ورواه العامّة أيضاً سيّما البخاري ومسلم عنه صلى الله عليه وآله أنّه قال : «لا يزال الدين قائماً ـ أو عزيزاً ـ ما وليهم اثني عشر خليفة ـ أو أميراً ـ كلهم من قريش» (٢).

__________________

(١) اُنظر مسند الشاميين للطبراني ٣ : ١٧٣ / ضمن حديث ٢٠١٧ ، تفسير الثعلبي ١ : ١٢٠ ، تفسير الفخر الرازي ١ : ٢٧٠.

(٢) صحيح البخاري : لم نجده فيه ، صحيح مسلم ٣ : ٣٦٦ / ٧ ، ٨ ، سنن أبي

٩٤

الْمَهْدِيُّونَ الْمَعْصَومُونَ الْمُكَرَّمُونَ الْمُقّرَّببُونَ الْمُتَّقُونَ الصّادِقُونَ ....................

____________________________________

والرشد : الهدى.

(الْمَهْدِيُّونَ) : الذين هداهم الله بالهداية الخاصّة إليه تعالى.

(الْمَعْصُومُونَ) : من الصغائر والكبائر ، والسهو والنسيان في مدّة العمر ؛ لآية التطهير والأخبار المتواترة (١) ، والدلائل العقلية التي ذكرها علّامة المحققين في كتاب الألفين (٢) التي تزيد على ألف حجة.

(الْمُكَرَّمُونَ) : الذين كرّمهم الله تعالى ذاتاً وصفاتاً وأفعالاً ، وأكرمهم بالكرامات الصورية والمعنوية.

(الْمُقَرَّبُونَ) : الذين قرّبهم الله تعالى إليه بنهاية مراتب القرب.

(الْمُتَّقُونَ) : في أعلى مراتب التقوى ؛ فإنّ تقوى المقرّبين ؛ من غفلةِ لمحةٍ عن القرب مع الله تعالى.

(الصّادِقُونَ) : الذين قال الله تبارك وتقدس : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

__________________

داود ٤ : ٣٠٥ / ٤٢٧٩ ، ٤٢٨٠ ، كنز العمال ١٢ : ٣٢ / ٣٣٨٥٠ ، الخصال للصدوق : ٤٧٠ / ١٧ ، العمدة لابن البطريق : ٤١٨ / ٨٥٦ ، بألفاظ متفاوتة.

(١) اُنظر بحار الأنوار ٣٥ : ٢٠٦ ـ ٢٣٦.

(٢) هو العلّامة الحلّي الشيخ حسن بن يوسف بن المطهر الأسدي.

٩٥

الْمُصْطَفَونَ .............................................

____________________________________

اتَّقُوا اللَّـهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (١) ، وروي في الأخبار المتواترة : أنّهم هم عليهم السلام (٢) ، ولقبح الأمر بمتابعة غير المعصوم عقلاً ونقلاً ، مع أنّ الصدق أعمّ من أنْ يكون في الأقوال والأفعال والأطوار ، ولا يوجد في غير المعصوم ، كما ذكره الكتاني في كتاب الصدق (٣) ، وهو كتاب حسن لابدّ للسالك إلى الله منه.

(الْمُصْطَفَونَ) : الذين قال الله تبارك وتقدّس : (إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ ـ آل محمّد ـ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) (٤) ، في قراءة أهل البيت عليهم السلام في أخبار كثيرة (٥) وعلى القراءة المشهورة

__________________

(١) سورة التوبة ٩ : ١١٩.

(٢) اُنظر الكافي للكليني ١ : ٢٠٨ / باب ما فرض الله عزّ وجلّ .. من الكون مع الأئمّة عليهم السلام.

(٣) لم نعثر عليه.

(٤) سورة آل عمران ٣ : ٣٣.

(٥) اُنظر تفسير العياشي ١ : ١٦٨ / ٣٠ ، و ١٦٩ / ٣٤ ، وتفسير القمّي ١ : ١٠٠.

٩٦

الْمُطِيعُونَ لِلهِ الْقَوّامُونَ بِاَمْرِهِ الْعامِلُونَ بِاِرادَتِهِ ...............................

____________________________________

فهم مصطفى آل ابراهيم بالأخبار المتواترة (١).

(الْمُطِيعُونَ لِلهِ) : بالاطاعة التامة حتّى بذلوا أنفسهم وأموالهم في سبيله وقاتلوا وقُتلوا بالجهاد الصوري والمعنوي ؛ لإعلاء كلمة الله ودينه ، كما هو ظاهر لمن تتبّع كتب الأخبار والسير.

(القَوّامُونَ بِاَمْرِهِ) : في أمر الإمامة أو الأعم.

(الْعامِلُونَ بِاِرادَتِهِ) أي : الله أو بالله وهو أظهر ؛ فإنّهم عليهم السلام كانوا في أعلى مراتب القرب ، وقد تقدّم في مراتب القرب النوافلي أنّه يسمع بالله ، ويبصر به ، ويبطش به ، ويمشي به (٢).

__________________

(١) اُنظر تفسير البرهان للبحراني ١ : ٦١٢ ـ ٦١٥.

(٢) ورد عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : قال الله عزّ وجلّ ـ في حديث ـ : «وما تقرّب إليِّ عبد بمثل ما افترضت عليه ، وإنّه ليتقرّب إليّ بالنافلة حتى اُحبّه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يُبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ...».

اُنظر المؤمن للأهوازي : ٣٢ / ٦١ ، المحاسن للبرقي : ٢٩١ / ٤٤٣ ، الكافي

٩٧

الْفائِزُونَ بِكَرامَتِهِ اصْطَفاكُمْ بِعِلْمِهِ وَارْتَضاكُمْ لِغَيْبِهِ ..............................

____________________________________

(الْفائِزُونَ بِكَرامَتِهِ) أي : عالماً بأنّكم أهل الاصطفاء ، أو بسبب أن يجعلكم مخزن العلوم ، ويؤيّده ما في بعض النسخ من اللام.

(وَارْتَضاكُمْ لِغَيْبِهِ) (١) قال الله تعالى : (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ) (٢) ، وورد في الأخبار الكثيرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله ممّن ارتضاه الله لغيبه (٣) ، وكلّ علم كان لرسول الله صلى الله عليه وآله فإنّه وصل إليهم (٤) ، مع أنّه يمكن التعميم في الرسول

__________________

للكليني ٢ : ٣٥٢ / ٧ ، الصحيح لابن حبان ٢ : ٥٨ / ٣٤٧ ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله.

(١) في نسخه : لدينه.

(٢) سورة الجن ٧٢ : ٢٦ ـ ٢٧.

(٣) اُنظر تفسير البرهان للبحراني ٥ : ٥١٣ ـ ٥١٤. اُصول الكافي للكليني ١ : ٢٥٦ ، باب نادر في ذكر الغيب.

(٤) في الأصل : إلينا ، وما أثبتناه هو الأنسب للسياق.

٩٨

وَاخْتارَكُمْ لِسِرِّهِ وَاجْتَباكُمْ بِقُدْرَتِهِ وَاَعَزَّكُمْ بِهُداهُ وَخَصَّكُمْ بِبُرْهانِهِ وَانْتِجَبَكُمْ لِنُورِهِ (١) ..

____________________________________

بحيث يشملهم ، كما يظهر من أخبار أُخر (٢) ، وإخبارهم بالمغيبات أظهر من الشمس ، ويمكن أنْ يكون المراد بالغيب : الأسرار الإلهيّة أو الأعم ، فحينئذٍ يكون قوله :

(وَاخْتارَكُمْ لِسِرِّهِ) : للتأكيد أو التخصيص بعد التعميم.

(وَاجْتَباكُمْ بِقُدْرَتِهِ) : إشارة إلى علوّ رتبة اجتبائهم بأنّه لا يمكن إلّا من قدرة الله ، وإن كان الكلّ من قدرته ، أو لإظهار قدرته.

(وَاَعَزَّكُمْ بِهُداهُ) أي : جعلكم أعزاء (٣) بالهداية هادياً أو مهدياً.

(وَخَصَّكُمْ بِبُرهانِهِ) أي : بالقرآن وعلومه فإنّهما معجزان ، وهما عندهم ، أو الأعم منه ومن غيره من المعجزات الباهرة المتواترة التي روتها العامّة والخاصّة عنهم صلوات الله عليهم.

(وَانْتَجَبَكُمْ لِنُورِهِ) : من العلم والكمالات والهداية وغيرها من

__________________

(١) في نسخة : بِنُورِهِ.

(٢) اُنظر الكافي للكليني ١ : ٢٢١ ، باب أنّ الأئمّة عليهم السلام ورثة العلم.

(٣) في نسخة : «أعزة».

٩٩

وَاَيَّدَكُمْ بِرُوحِهِ ..............................................

____________________________________

الأنوار القدسية المعنوية.

(وَاَيَّدَكُمْ بِرُوحِهِ) وهي : روح القدس التي كانت مع نبينا صلى الله عليه وآله وكانت معهم عليهم السلام كما يظهر من الأخبار المستفيضة.

فمن ذلك ما رواه الكليني في الصحيح ، عن أبي بصير ليث المرادي قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله تبارك وتعالى : (وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ) (١) ، قال : «خلق من خلق الله عزّ وجلّ أعظم من جبرائيل وميكائيل كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله يخبره ويسدّده ، وهو مع الأئمّة من بعده صلى الله عليه وآله» (٢).

وفي الصحاح عن ليث ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل : (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) (٣) ، قال : «خلقٌ أعظم من جبرئيل وميكائيل لم يكن مع أحد ممّن مضى غير

__________________

(١) سورة الشورى ٤٢ : ٥٢.

(٢) كافي ١ : ٢٧٣ ، باب الروح التي يسدد الله بها الأئمّة عليهم السلام.

(٣) سورة الاسراء ١٧ : ٨٥.

١٠٠