شرح الزيارة الجامعة الكبيرة

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

شرح الزيارة الجامعة الكبيرة

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: مؤسسة الرافد للمطبوعات
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-90891-4-7
الصفحات: ١٨٨

أوليائه ؛ فإنّها من عظمته تعالى.

(والوقار) البدني.

(وقارب بين خطاك) للوقار ولحصول كثرة الثواب ؛ فإنّ له بكل خطوة حجة وعمرة كما تقدّم (١).

(ثمّ قف ـ إلى قوله ـ تمام) أي متمم (مائة تكبيرة).

__________________

(١) أي في روضة المتقين. انظر الجزء ٥ : ٣٥٨ / باب ثواب زيارة النبي والأئمّة عليهم السلام.

٦١

ثمّ قل : اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ يا اَهْلَ بَيْتِ النُّبُوَّةِ وَمَوْضِعَ الرِّسالَةِ

____________________________________

(ثمّ قل : اَلسَّلامُ عَلَيْكَمْ) : أي رحمة الله وفضله وإحسانه ، أو السلامة من الآفات والعاهات ، والرذائل الجسمانية والنفسانية ـ أو السلام الذي هو من أسماء الله عليكم ؛ لأنّ خاصّية ذلك الاسم الرحمة والسلامة ، أو ذات الله المتّصف بالسلامة ـ ممّا لا يليق به عليكم بأن يرحمكم ويسلّمكم منها.

(يا اَهْلَ بَيْتِ النُّبُوَّةِ) : فإنّ النبيّ منكم والرسالات نزلت في بيوتكم ، فأنتم تعلمون ما اُرسل إليه ؛ فإنّ أهل البيت أعلم بما في البيت ، ويمكن أن تكون النبوّة بمعنى الرفعة ، أو يلاحظ الرسالة مع الرفعة التي أعطاهم الله.

(وَمَوْضِعَ الرِّسالَةِ) : ـ بالنصب ـ بالمعنى المتقدّم مع ملاحظة قابليّتهم لجميع الرسالات ؛ لأنّ كلّ أحدٍ لا يكون قابلاً للأسرار الإلهيّة وهم أهلها ، كما ذكره أمير المؤمنين صلوات الله عليه في بيان اختلاف الحديث : «وكنت إذا دخلت عليه صلى الله عليه وآله بعض منازله خلا بي ، وأقام عنّي نساءه فلا يبقى عنده غيري ، وإذا أتاني للخلوة معي في

٦٢

........................................

____________________________________

منزلي لم تقم عنّي فاطمة ولا أحد من بنيّ» (١) لأنّهم كانوا قابلين لدرك الحقائق الإلهيّة.

بل كان له عليه السلام في كلّ مجلس ما قال : «علّمني ألف باب يفتح من كلّ باب ألف باب» (٢).

وقال عليه السلام «علّمني ألف حرف يفتح كلّ حرف ألف حرف» (٣).

إلى غير ذلك من الأخبار في هذا الباب.

ولهذا ورد في الأخبار المتواترة : إنّه عليه السلام كان شريكه صلى الله عليه وآله في العلم (٤) ، وما كان الفضل إلّا في النبوّة العظمى التي كانت له صلى الله عليه وآله ، وإلّا

__________________

(١) كتاب سليم بن قيس ٢ : ٦٢٤ / ضمن الحديث العاشر ، الكافي ١ : ٦٤ / ١ ، باب اختلاف الحديث ، ولكن في كتاب سليم : لم تقم من عندنا فاطمة.

(٢) أورد السيّد الجليل المتتبع الخبير العلامة السيّد هاشم البحراني في غاية المرام ثلاثة أحاديث من طرق العامّة وتسعة وعشرين حديثاً من طرق الخاصّة في هذا المعنى فراجع ٥ : ٢١٩ / الباب الثامن والعشرون.

(٣) بصائر الدرجات : ٣٢٨ / ٦ ، الخصال : ٦٤٨ / ضمن حديث ٤٠.

(٤) الكليني في الكافي ١ : ٢٦٣ ، باب أنّه كان شريكه في العلم.

٦٣

وَمُخْتَلَفَ الْمَلائِكَةِ ........................................

____________________________________

فمرتبته عليه السلام كانت أرفع من جميع الأنبياء على ما يظهر من الأخبار المستفيضة ، بل المتواترة ، أو من أكثرهم على ما قال به بعض أصحابنا ممّن لا تتبّع له في الأخبار (١).

(وَمُخْتَلَفَ الْمَلائِكَةِ) ، أي : محل تردّدهم للخدمة ، أو اكتساب العلوم والكمالات ، ولا استبعاد في ترقّيهم والاكتساب منهم ، بل ورد في الأخبار الكثيرة أنّهم لم يعرفوا الله إلّا منهم عليهم السلام (٢).

روى الصدوق بالأسانيد القويّة ، عن عبد السلام بن صالح الهروي ، عن علي بن موسى الرضا عليه السلام ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي ابن أبي طالب صلوات الله عليهم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «ما خلق الله خلقاً أفضل منّي ولا أكرم عليه منّي.

قال عليّ عليه السلام فقلت : يا رسول الله ، فأنت أفضل أو جبرائيل؟.

فقال صلى الله عليه وآله : يا علي ، إنّ الله تبارك وتعالى فضّل أنبياءه المرسلين

__________________

(١) الكليني في الكافي ١ : ٢٢٢ / ٦ ، باب أنّ الأئمة عليهم السلام ورثة العلم ، مختصر بصائر الدرجات ٣٠١ / ٣١٦ ، بحار الأنوار ٤٠ : ٢١١ / ١١.

(٢) الكليني في الكافي ١ : ١٩١ / باب أنّ الأئمّة عليهم السلام هم الهداة.

٦٤

..........................................

____________________________________

على ملائكته المقرّبين ، وفضّلني على جميع النبيين والمرسلين ، والفضل بعدي لك يا علي وللأئمّة من بعدك ؛ فإنّ الملائكة لخدّامنا وخدّام محبينا.

يا علي ، (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) (١) بولايتنا.

يا علي ، لو لا نحن ما خلق الله آدم ولا حواء ، ولا الجنّة ولا النّار ، ولا السماء ولا الأرض ، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سبقناهم إلى معرفة ربّنا ، وتسبيحه ، وتهليله ، وتقديسه ، وتمجيده ؛ لأنّ أوّل ما خلق الله عزّ وجلّ خلق أرواحنا فأنطقنا بتوحيده وتحميده ، ثمّ خلق الملائكة.

فلمّا شاهدوا أرواحنا نوراً واحداً استعظموا أمرنا (٢) ، فسبّحنا ؛ لتعلم الملائكة أنّا مخلوقون (٣) ، وأنّه منزّه عن صفاتنا ، فسبّحت

__________________

(١) سورة غافر ٤٠ : ٧.

(٢) في المصدر : «استعظمت أمرنا».

(٣) في المصدر : «خلق مخلوقون».

٦٥

..............................................

____________________________________

الملائكة بتسبيحنا ، ونزّهته عن صفاتنا.

فلمّا شاهدوا عظم شأننا هلّلنا ؛ لتعلم الملائكة أن لا إله إلّا الله وأنّا عبيد ولسنا بآلهة يجب أن نُعبد معه أو دونه ، فقالوا : لا إله إلّا الله.

فلمّا شاهدوا كبر محلّنا كبّرنا ؛ لتعلم الملائكة أنّ الله أكبر من أن ينال عظيم المحل إلّا به فلمّا شاهدوا ما جعله لنا من العزّ والقوة ، قلنا : لا حول ولا قوّة إلّا بالله العلي العظيم ؛ لتعلم الملائكة أن لا حول ولا قوّة إلّا بالله.

فلمّا شاهدوا ما انعم الله به علينا وأوجبه لنا من فرض الطاعة ، قلنا : الحمد لله ؛ لتعلم الملائكة ما يحقّ لله تعالى ذكره علينا من الحمد على نعمه ، فقالت الملائكة : الحمد لله.

فبنا اهتدوا ، إلى معرفة توحيد الله وتسبيحه ، وتهليله ، وتحميده ، وتمجيده.

ثمّ إنّ الله تبارك وتعالى خلق آدم فأودعنا صلبه ، وأمر الملائكة بالسجود له تعظيماً لنا وإكراماً ، وكان سجودهم لله عزّ وجلّ عبودية ، ولآدم إكراماً وطاعة ؛ لكوننا في صلبه ، فكيف لا نكون أفضل من

٦٦

.........................................

____________________________________

الملائكة وقد سجدوا لآدم كلّهم أجمعين.

وأنّه لمّا عرج بي إلى السماء أذّن جبرئيل مثنى مثنى ، ثمّ قال : تقدّم يا محمّد ، فقلت له : يا جبرئيل ، أتقدّم عليك؟

فقال : نعم ؛ لأنّ الله تبارك وتعالى فضّل أنبياءه على ملائكته أجمعين ، وفضّلك خاصّة ، فتقدّمت فصلّيت بهم ولا فخر.

فلمّا انتهيت إلى حجب النور ، قال لي جبرئيل : تقدّم يا محمّد ، وتخلّف عنّي ، فقلت : يا جبرئيل ، في مثل هذا الموضع تفارقني؟

فقال : يا محمّد ، إنّ انتهاء حدّي الذي وضعني الله عزّ وجلّ فيه إلى هذا المكان ، فإن تجاوزته احترقت أجنحتي بتعدّدي حدود ربّي جلّ جلاله.

فزجّ (١) بي ـ أي : دفعني الله ـ في النور زجّة ، حتّى انتهيت إلى ما شاء الله من علوّ ملكه فنوديت : يا محمّد.

فقلت : لبّيك ربي وسعديك ، تباركت وتعاليت.

__________________

(١) زج في الشيء ، أي : رمى فيه بدفع. مجمع البحرين ٢ : ٢٦٩.

٦٧

.........................................

____________________________________

فنوديت : يا محمّد ، أنت عبدي وأنا ربّك ، فإيّاي فاعبد ، وعليّ فتوكّل ، فإنّك نوري في عبادي ، ورسولي إلى خلقي ، وحجّتي على بريّتي ، لك ولمن تبعك خلقت جنّتي ، ولمن خالفك خلقت ناري ، ولأوصيائك وجبت كرامتي ، ولشيعتهم أوجبت ثوابي.

فقلت : يا ربّ ومن أوصيائي؟

فنوديت : يا محمّد ، أوصياؤك المكتوبون على ساق عرشي ، فنظرت ـ وأنا بين يدي ربّي جل جلاله ـ إلى ساق العرش ، فرأيت اثني عشر نوراً في كلّ نور سطر أخضر عليه اسم وصيّ من أوصيائي ، أوّلهم علي بن أبي طالب ، وآخرهم مهدي اُمّتي.

فقلت : يا ربّ ، هؤلاء أوصيائي بعدي؟

فنوديت : يا محمّد ، هؤلاء أوليائي ، وأحبّائي ، وأصفيائي ، وحججي بعدك على بريّتي ، وهم أوصياؤك ، وخلفاؤك ، وخير خلقي بعدك ، وعزّتي وجلالي لأُظهرنّ بهم ديني ، ولاُعلينّ بهم كلمتي ، ولاُطهّرنّ الأرض بآخرهم من أعدائي ، ولاُملّكنّه مشارق الأرض ومغاربها ، ولاُسخرنّ له الرياح ، ولأُذلّلن له السحاب ، ولأرقينّه في

٦٨

.........................................

____________________________________

الأسباب ، ولأنصرنّه بجندي ، ولاُمدّنّه بملائكتي ، حتّى يُعلن (١) دعوتي ويجمع الخلق على توحيدي ، ثمّ لأديمنّ ملكه ، ولاُداولنّ الأيام بين أوليائي إلى يوم القيامة» (٢).

وفي القوي كالصحيح ، عن ابن أبي عمير ، عن عمرو بن جميع ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «كان جبرئيل إذا أتى النبي صلى الله عليه وآله قعد بين يديه قعدة العبيد ، وكان لا يدخل حتّى يستأذنه» (٣).

وفي الصحيح ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «لمّا أُسري برسول الله صلى الله عليه وآله وحضرت الصلاة أذّن جبرئيل وأقام الصلاة ، فقال : يا محمّد ، تقدّم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : تقدّم يا جبرئيل ، فقال له : إنّا لا نتقدّم على الآدميين منذ اُمرنا بالسجود لآدم» (٤).

__________________

(١) في العلل : حتى تعلو دعوتي.

(٢) الصدوق في علل الشرائع : ٥ / ١ ، عيون أخبار الرضا عليه السلام ١ : ٢٣٧ / ٢٢ ، كمال الدين : ٢٥٤ / ٤.

(٣) الصدوق في علل الشرائع : ٧ / ٢.

(٤) الصدوق في علل الشرائع : ٩ / ٤.

٦٩

.........................................

____________________________________

وفي القوي ، عن حبيب بن مظاهر الأسدي رضي الله عنه أنّه قال للحسين بن علي بن أبي طالب : أي شيء كنتم قبل أن يخلق الله آدم عليه السلام؟ قال : «كنّا أشباح نور ندور حول عرش الرّحمن فنعلّم الملائكة التسبيح والتهليل والتحميد» (١) ، كما تقدّم (٢).

وروى الكليني في الصحيح عن أبي حمزة الثمالي ، قال : دخلت على علي بن الحسين عليهما السلام فاحتبست في الدار ساعة ، ثمّ دخلت البيت وهو يلتقط شيئاً وأدخل يده في وراء الستر فناوله من كان في البيت ، فقلت : جعلت فداك هذا الذي أراك تلتقط أيّ شيء هو؟

فقال : «فضلة من زغب الملائكة ـ أي : صغار ريشهم ـ نجمعه إذا خلونا نجعله سبحا لأولادنا».

فقلت : جعلت فداك وإنّهم ليأتونكم؟

فقال : «يا أبا حمزة ، إنّهم ليزاحمونا على تكأتنا» (٣).

__________________

(١) الصدوق في علل الشرائع : ٢٣.

(٢) تقدّم مفصّلاً في صفحة : ٥١.

(٣) الكليني في الكافي ١ : ٣٩٣ / ح ٣ ، باب أنّ الائمة تدخل الملائكة بيوتهم ،

٧٠

وَمَهْبِطَ الْوَحْيِ .........................................

____________________________________

وفي القويّ عن أبي الحسن عليه السلام قال : سمعته يقول : «ما من ملك يُهبطه الله في أمر ما يهبطه إلّا بدأ بالإمام فعرض ذلك عليه ، وإنّ مختلف الملائكة من عند الله تبارك وتعالى إلى صاحب هذا الأمر» (١).

إلى غير ذلك من الأخبار المتواترة.

وفي أخبار متواترة أيضاً أنّ الجنّ تأتيهم فيسألون عن معالم دينهم ، ويوجّهونهم إلى الخدمات المذكورة في الكافي ، وبصائر الدرجات ، وغيرهما (٢).

(وَمَهْبِطَ الْوَحْيِ) : إمّا باعتبار هبوط الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله في بيوتهم ، وإمّا لغير الشرائع والأحكام من الأخبار بالمغيّبات ، أو

__________________

بصائر الدرجات : ١١١ / ٦ ، وفيه : إذا جاؤونا.

والتكأة بضم التاء والتحريك : ما يُتكى عليه. مجمع البحرين ١ : ٤٥٤ ـ وكأ.

(١) الكليني في الكافي ١ : ٣٩٤ / ٤.

(٢) الكليني في الكافي ١ : ٣٩٤ ، باب أنّ الجنّ تأتيهم ، بصائر الدرجات : ١١٥ / باب ١٨.

٧١

وَمَعْدِنَ الرَّحْمَةِ وَخُزَّانَ الْعِلْمِ وَمُنْتَهَى الْحِلْمِ .....................................

____________________________________

الأعم في ليلة القدر ، ويكون باعتبار الشرائع تاكيداً ، أو الأعم كما يظهر من الأخبار (١) ، ولا استبعاد فيه ؛ لأنّ نزول الوحي ليس منحصراً في الأنبياء ، كما هو ظاهر من الآيات والأخبار (٢).

(وَمعْدِنَ الرَّحْمَةِ) : فإنّ الرحمة الخاصّة والعامّة إنّما تنزّل من الله تعالى على القوابل بسببهم ، كما يشعر به خبر «لولاك» وحقّقه الدواني في الزوراء (٣).

(وَخُزَّانَ الْعِلْمِ) : فإنّ جميع العلوم التي نزلت من السماء في الكتب الإلهيّة وعلى ألسنة الأنبياء كانت مخزونة عندهم مع ما نزلت وتنزل عليهم في ليلة القدر وغيرها كما تدلّ عليه الأخبار المتواترة (٤).

(وَمُنْتَهَى الْحِلْمِ) : ـ بالكسر ـ كما ورد في الأخبار : «إنّ الحلم من العلم» (٥) ، أي : انتهى حلمهم عن الأعادي إلى غايته ، كما روي في

__________________

(١) الكليني في الكافي ١ : ٢٤٢ ، باب في شأن (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ).

(٢) الكليني في الكافي ١ : ٢٥٥ ، باب أن الأئمة عليهم السلام يعلمون جميع العلوم.

(٣) المصدر غير متوفر لدينا.

(٤) الكليني في الكافي ١ : ٢٤٢ ، باب في شأن (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ).

(٥) تحف العقول : ١٥ ، من حكمه صلى الله عليه وآله.

٧٢

وَاُصُولَ الْكَرَمِ وَقادَةَ الْأُمَمِ وَاَوْلِياءَ النِّعَمِ ....................................

____________________________________

المتواترة من الأخبار أو بمعنى العقل والرزانة والتثبت في الأُمور وهو أيضاً متواتر وظاهر.

(وَاُصُولَ الْكَرَمِ) : الكريم الجواد المعطي والجامع لأنواع الخير والشرف والفضائل وبالمعنيين فيهم ظاهر ، ويحتمل أن يكون المراد أنّهم أسباب كرم الله تعالى على العباد بالشفاعة الصورية والمعنوية.

(وَقادَةَ الْأُمَمِ) : فإنّهم صلوات الله عليهم قوّاد طوائف الاُمم إلى معرفة الله وعبادته وجنّاته ، كما قال تعالى : (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ) (١).

(وَاَوْلِياءَ النِّعَمِ) : فإنّ النعم الحقيقية من العلوم والكمالات وصلت منهم إلى الاُمّة ، والنعم الظاهرة نزلت بسببهم ، فهم أولياء كلّ نعمة من نعم الله تعالى على العباد ، كما روي في الأخبار المتواترة : أنّ بهم تنزل السماء المطر وبهم تنبت الأرض بركتها (٢).

__________________

(١) سورة الاسراء ١٧ : ٧١.

(٢) كامل الزيارات : ١٤٥ / ٢.

٧٣

وَعَناصِرَ الْأَبْرارِ وَدَعائِمَ الْأَخْيارِ وَساسَةَ الْعِبادِ وَاَرْكانَ الْبِلادِ وَاَبْوابَ الإِيمانِ ........

____________________________________

(وَعَناصِرَ الْأَبْرارِ) ـ جمع العنصر بضم العين والصاد وبفتحهما ـ : الأصل والحسب ، أي : أصلهم منهم ؛ فإنهم ذريّة الأنبياء أو لمّا كانوا سبب إيجاد العالم فكأنّهم أصل الأبرار.

(وَدَعائِمَ الْأَخْيارِ) : الدعامة عماد البيت والسيّد ، وهم أفضل الأخيار ومحل استنادهم.

(وَساسَةَ الْعِبادِ) : جمع السائس ، أي : ملوك العباد وخلفاء الله عليهم.

(وَاَرْكانَ الْبِلادِ) : فإنّ بقاء العالم بوجود الإمام صورة ومعنى ، كما نطقت به ولما تقدّم من الأخبار المتواترة (١).

(وَاَبْوابَ الإِيمانِ) : فإنّه لم يعرف ولا يُعرف الإيمان إلّا منهم ، ولا يحصل بدون ولايتهم ، كما قال الله تعالى : (أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا

__________________

(١) الكليني في الكافي ١ : ١٧٨ ، باب أن الأرض لا تخلو من حجة.

٧٤

.........................................

____________________________________

الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ) (١) ، ويقبح من الحكيم الأمر بإطاعة غير المعصوم ، مع ورود الأخبار المتواترة من العامّة والخاصّة أنّها نزلت فيهم عليهم السلام ، وروي في الأخبار المتواترة : أنّهم أبواب الله.

فمن ذلك ما رواه الكليني والصدوق وغيرهما ، عن المفضّل بن عمر وغيره ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «ما جاء به علي عليه السلام أُخذ به وما نهى عنه أنتهي عنه ، جرى له من الفضل ما جرى لمحمّدٍ صلى الله عليه وآله ، ولمحمّد الفضل على جميع من خلق الله عزّ وجلّ».

المتعقّب عليه ـ أي : من جاء بعقبه ليعيب عليه ، ويؤيّده ما في بعض النسخ والروايات «المعيّب» أو من يشكّ فيه ويعترض عليه ، أو من يأخذ بدلاً منه غيره ، أو من يخالفه ، أو من يتبعه ـ في شيء من أحكامه كالمتعقّب على الله وعلى رسوله ، والرادّ عليه في صغيرة أو كبيرة على حدّ الشرك بالله.

كان أمير المؤمنين عليه السلام باب الله الذي لا يؤتى إلّا منه ، وسبيله الذي

__________________

(١) سورة النساء ٤ : ٥٩.

٧٥

.........................................

____________________________________

من سلك بغيره هلك ، وكذلك يجري لأئمّة الهدى واحداً بعد واحد ، جعلهم الله أركان الأرض أن تميد ـ أي : تميل وتتحرك ـ بأهلها ، وحجّته البالغة على من فوق الأرض ومن تحت الثرى.

وكان أمير المؤمنين صلوات الله عليه كثيراً ما يقول : «أنا قسيم الله بين الجنّة والنار ، وأنا الفاروق الأكبر ، وأنا صاحب العصا والميسم ، ولقد أقرّت لي جميع الملائكة والروح والرسل بمثل ما أقرّوا به لمحمّد صلى الله عليه وآله ، ولقد حملت على مثل حمولته وهي حمولة الربّ ، وإنّ رسول الله صلى الله عليه وآله يُدعى فيُكسى واُدعى فاُكسى ، ويستنطق واُستنطق فأنطق على حدّ منطقه.

ولقد اُعطيت خصالاً ما سبقني إليها أحد قبلي ، علّمت علم المنايا والبلايا ، والأنساب وفصل الخطاب ، فلم يفتني ما سبقني ، ولم يعزب عنّي ما غاب عنّي ، اُبشّر بإذن الله واُؤدي عنه ، كل ذلك من الله مكّنني فيه بعلمه» (١).

__________________

(١) الكليني في الكافي ١ : ١٩٦ / ١ (باب أنّ الأئمة هم أركان الأرض) ، بصائر الدرجات : ٢٢١ ، علل الشرائع : ١٦١.

٧٦

.........................................

____________________________________

أمّا قوله عليه السلام : «أنا صاحب العصا والميسم» فالظاهر أنّه إشارة إلى أنّه صلوات الله عليه دابة الأرض ، كما روى العامّة والخاصّة عن حذيفة ، أنّ النبي صلى الله عليه وآله قال : «دابة الأرض طولها ستون ذراعاً ، لا يفوتها هارب فتسم المؤمن بين عينيه ، وتسم الكافر بين عينيه ، ومعها عصا موسى وخاتم سليمان فتجلو وجه المؤمن بالعصا ، وتختم أنف الكافر بالخاتم ، حتّى يقال : يا مؤمن ويا كافر» (١).

وتسميته عليه السلام بدابّة الأرض باعتبار خروجها من الأرض.

وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه سئل عن الدابّة ، فقال : «أما والله ما لها ذَنب وإنّ لها للحية» (٢).

__________________

(١) جوامع الجامع للطبرسي ٢ : ٧٢٢ ـ ٧٢٣ ، نصّاً ، مسند أحمد بن حنبل ٢ : ٥٧٢ / ٧٨٨٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٣٥١ / ٤٠٦٦ ، وفيهما : تحرج دابة الأرض ومعها عصا موسى وخاتم سليمان ...

(٢) جوامع الجامع للطبرسي ٢ : ٧٢٣.

٧٧

وَاُمَناءَ الرَّحْمنِ وَسُلالَةَ النّبِيِّينَ وَصَفْوَةَ الْمُرْسَلِينَ وَعِتْرَةَ خِيَرَةِ رَبِّ الْعالَمِينَ ...........

____________________________________

قيل : وفي هذا إشارة إلى أنّها من الإنس (١) ، ويظهر من هذا الخبر وغيره من الأخبار الكثيرة في الزيارات وغيرها أنّه هو صلوات الله عليه.

وبالجملة : فإنّه صلوات الله عليه مظهر العجائب ولا استبعاد في أمثال هذه.

(وَاُمَناءَ الرَّحْمنِ) : بالآيات والأخبار المتواترة من طرقهم وطرقنا.

(وَسُلالَةَ النَّبِيِّينَ) أي : ولدهم ، فإنّهم عليهم السلام ذريّة نوح وإبراهيم وإسماعيل عليهم السلام ظاهراً ، ومن طينة الأنبياء والرسل روحاً وبدناً ، كما نطقت به الأخبار المتواترة (٢).

(وَصَفْوَةَ الْمُرْسَلِينَ) ، مثلثة الفاء : خلاصتهم ونقاوتهم.

(وَعِتْرَةَ خِيَرَةِ رَبِّ الْعالَمِينَ) : العترة : نسل الرجل ، ورهطه

__________________

(١) جوامع الجامع للطبرسي ٢ : ٧٢٣.

(٢) اُنظر بصائر الدرجات للصفار : ١٣٨ / باب ٣ ح ١ ـ ٣ ، وفيه : ونحن اُمناء الله.

٧٨

وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ السَّلامُ عَلى اَئِمَّةِ الْهُدى ......................................

____________________________________

وعشيرته الأقربون وهم أهل بيته صلوات الله عليهم كما ورد متواتراً عنه صلى الله عليه وآله : «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي» (١).

والخيرة ـ بسكون العين وفتحها ـ : المختار (٢).

(وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ) : عطف على السلام وبيانه ، أو السلام لرفع المكاره ، والرحمة لجلب الفضائل الدينية أو الأعم والبركة للدنيوية والاُخروية ، أو الأعم منهما ومن الدينية وتقدّم أنّها لطف لنا ، فإنّ مراتبهم عند الله تعالى بحيث لا تقبل الزيادة إلّا بحسب المراتب الدنيوية ، وظهورهم على الأعادي ، وإعلائهم كلمة الله تعالى وهم أيضاً لنا.

(السَّلامُ عَلى اَئِمَّةِ الْهُدى) : الأئمّة ـ بالياء والهمزة ـ : جمع الإمام

__________________

(١) انظر على سبيل المثال دعائم الاسلام للقاضي المغربي ١ : ٢٨ ، أمالي الصدوق : ٥٠٠ / ١٥ ، أمالي الطوسي : ٥٤٨ / فمن حديث ٤ ، المعجم الكبير للطبراني ٥ : ١٧٠ / ٤٩٨١ ، المعجم الأوسط للطبراني ٤ : ١٥٥ / ٣٥٤٢.

(٢) مجمع البحرين ٣ : ٢٩٥ ـ خير ، وفيه : الخيار.

٧٩

وَمَصابِيحِ الدُّجى وَاَعْلامِ التُّقى وَذَوِي النُّهى ....................................

____________________________________

الذي يقتدى به و (الهدى) : الهداية ، كأنّ الهداية تتبعهم ، كما قال الله تعالى : (فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ) (١).

(وَمَصابِيحِ الدُّجى) : أي : الظلمة ؛ فإنّهم هادون للخلق من ظلمة الشرك والكفر والضلالة إلى نور الإيمان والطاعة.

(وَاَعْلامِ التُّقى) : الأعلام جمع العلم : العلامة ، والمنار ، والجبل.

و (التقى) : التقوى ، أي : معروفون عند كلّ أحد بالتقوى ، أو لا تُعرف التقوى ومراتبها إلّا منهم.

فإنّ تقوى العوام : الاجتناب من المناهي وفعل الواجبات ، والخواص من المكروهات وفعل المندوبات ، والأخص ممّا يشغلهم عن الله تعالى ، كما قال الله : (لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (٢).

(وَذَوِي النُّهى) : جمع النُّهية وهي العقل ؛ لأنّها تنهى عن القبائح ؛

__________________

(١) سورة التوبة ٩ : ١٢.

(٢) سورة المنافقون ٦٣ : ٩.

٨٠