شرح الزيارة الجامعة الكبيرة

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

شرح الزيارة الجامعة الكبيرة

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: مؤسسة الرافد للمطبوعات
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-90891-4-7
الصفحات: ١٨٨

وَآخِرِكُمْ وَمُفَوِّضٌ فِي ذلِكَ كُلِّهِ اِلَيْكُمْ وَمُسَلِّمٌ فِيهِ مَعَكُمْ وَقَلْبِي لَكُمْ مُسَلِّمٌ (١) وَرَأْيِي لَكُمْ تَبَعٌ وَنُصْرَتِي لَكُمْ مُعَدَّةٌ ..............................................

____________________________________

(وَآخِرِكُمْ) : بأنّه المهدي عليه السلام لا كما يقوله العامّة والواقفية وغيرهما أو الحياة الاُولى والرجعة.

(وَمُفَوَّضٌ فِي ذلِكَ كُلِّهِ اِلَيْكُمْ) أي : أعتقد الجميع بقولكم ، أو أُسلّم جميع أُموري إليكم حتّى تصلحوا خللها حياً وميتاً.

(وَمُسَلِّمٌ فِيهِ مَعَكُمْ) أي : كما سلّمتم لله تعالى أوامره عارفين إياها ، فأنا أيضاً مسلّم ، وإن لم يصل عقلي إليها أو كالسابق تأكيداً.

(وَقَلْبِي لَكُمْ مُسَلِّمٌ) : بالإسلام أو التسليم أو سلم بمعناه أو بمعنى الصلح ، أي : لا اعتراض لقلبي على أفعالكم ولا يخطر ببالي اعتراض ؛ لأني أعلم يقيناً أنّكم لله ومن الله.

(وَرَأْيِي لَكُمْ تَبَعٌ) أي : لا رأي لي مع رأيكم.

(وَنُصْرَتِي لَكُمْ مُعَدَّةٌ) أي : أنتظر خروجكم والجهاد في خدمتكم

__________________

(١) في الأصل : سلم ، وما في المتن أثبتناه من المصادر ، وفي العيون : (مؤمنٌ).

١٤١

حَتّى يُحْيِيَ اللهُ (١) دِينَهُ بِكُمْ وَيَرُدَّكُمْ فِي اَيّامِهِ وِيُظْهِرَكُمْ لِعَدْلِهِ وَيُمَكِّنَكُمْ فِي اَرْضِهِ ، فَمَعَكُمْ مَعَكُمْ لا مَعَ عَدُوِّكُم (٢) آمَنْتُ بِكُمْ .........................................

____________________________________

مع أعدائكم ، أو أعدت نصرتي لإعلاء دينكم صورة ومعنى بالبراهين والأدلة مع الأعادي ما أمكن.

(حَتّى يُحْيِيَ اللهُ دِينَهُ بِكُمْ) : في الرجعة مع المهدي عليه السلام.

(وَيَرُدَّكُمْ) : بالرجعة.

(فِي اَيّامِهِ) أي : أيام ظهور دينه ؛ فإنّها أيام الله.

(وَيُمَكِّنَكُمْ فِي اَرْضِهِ) : بالدولة الباهرة ، كما قال تعالى : (وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ) (٣).

(فَمَعَكُمْ مَعَكُمْ) أي : فأنا معكم بالقلب واللسان ، أو هنا وفي الرجعة ، أو كرّر للتأكيد.

__________________

(١) في العيون والبحار : الله تَعالى.

(٢) في التهذيب : غيركم.

(٣) سورة النور ٢٤ : ٥٥.

١٤٢

وَتَوَّلَيْتُ آخِرَكُمْ بِما تَوَلَّيْتُ بِهِ اَوَّلَكُمْ وَبَرِئْتُ اِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ اَعْدائِكُمْ ................

____________________________________

(وَتَوَّلَيْتُ آخِرَكُمْ بِما تَوَلَّيْتُ بِهِ اَوَّلَكُمْ) أي : أتولّى كلّ واحد منكم بنحو ما تولّيت به أمير المؤمنين عليه السلام ، فإنّ كلّ واحد آخر بالنسبة إلى سابقه ، أو أعتقد بوجود المهدي الآن لا كما تقوله العامّة أنّه غير موجود ، بل يولد ويخرج (١) ، مع أنّهم قائلون بوجود الخضر والياس عليهما السلام وغيرهما ، وقائلون بأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قال : «لا يزال أمر الدين قائماً ما وليهم اثني عشر خليفة كلهم من قريش» (٢). وبأنّه صلى الله عليه وآله

__________________

(١) اُنظر أقوال العلماء منهم من أنكر وجود المهدي عليه السلام ومنهم من قال سيولد بعد : التذكرة في أحوال الموتى واُمور الآخرة للقرطبي : ٧٧٧ ، البرهان في علامات مهدي آخر الزمان للمتقي الهندي ١ : ٣٦١ ، الفصل الثاني المنكرون للمهدي وشبههم ، الاشاعة لأشراط الساعة للبرزنجي : ١٩٤ ، المقام الأول : في اسمه ونسبه ومولده ومبايعته ، العرف الوردي في أخبار المهدي للسيوطي : ٦٦ ، الثامن : ذكر من وقفت عليه ممّن حكي عنه افكار أحاديث المهدي أو التردّد في شأنه.

(٢) أورده باختلاف النعماني في الغيبة : ١٢٤ / ١٦ ، الإربلي في كشف الغمّة ١ :

١٤٣

وَمِنَ الْجِبْتِ وَالطّاغُوتِ وَالشَّياطِينِ وَحِزْبِهِمُ الظّالِمِينَ لَكُمُ الْجاحِدِيْنَ (١) لِحَقِّكُمْ وَالْمارِقِينَ مِنَ وِلايَتِكُمْ وَالْغاصِبِيْنَ لإِرْثِكُمُ ..............................................

____________________________________

قال : «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» (٢) ، فعلى قولهم لا دين لهم ويموتون كفاراً ونحن أيضاً قائلون بهذا القول.

(مِنَ الْجِبْتِ) : كذا.

(وَالطّاغُوتِ) : كذا.

(وَالشَّياطِينِ) : بني أمية وبني العباس.

(وَحِزْبِهِمُ) : أتباعهم.

(وَالْغاصِبِيْنَ لإِرْثِكُمُ) : من الإمامة والفيء وفدك والخمس وغيرها.

__________________

١١٧ ، ابن أبي جمهور في عوالي اللئالي ٤ : ٩٠ / ١٢١ ، ١٢٢ أحمد بن حنبل في المسند ٦ : ٩٥ / ٢٠٣٢٧ ، الحميدي في الجمع بين الصحيحين ١ : ٣٣٧ / ٥٢٠.

(١) في العيون والبحار : (والجاحِدينَ).

(٢) ورد الحديث في الكافي ١ : ٣٧٦ ، باب من مات وليس له امام ، الثاقب في المناقب لابن حمزة الطوسي : ٤٩٥ / ١ ، الصراط المستقيم للنباطي ١ : ١١١.

١٤٤

الشّاكِّيْنَ فِيكُمُ (١) الْمُنْحَرِفِينَ عِنْكُمُ (٢) وَمِنْ كُلِّ وَلِيجَةٍ دُونَكُمْ وَكُلِّ مُطاعٍ سِواكُمْ وَمِنَ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ يَدْعُونَ اِلَى النّارِ فَثَبَّتَنِيَ اللهُ اَبَداً ما حَيِيتُ عَلى مُوالاتِكُمْ وَمَحَبَّتِكُمْ وَدِينِكُمْ وَوَفَّقَنِي لِطاعَتِكُمْ وَرَزَقَنِي شَفاعَتَكُمْ وَجَعَلَنِي مِنْ خِيارِ مَوالِيكُمُ التّابِعِينَ لِما دَعَوْتُمْ اِلَيْهِ

____________________________________

(الشّاكِّيْنَ فِيكُمُ) أي : في إمامتكم ، كأنّهم وإن لم يقولوا بإمامتهم ولكن يحتملونها ، أو غيرهم من الشاكّين.

(وَمِنْ كُلِّ وَلِيجَةٍ) : أي معتمد عليه كعلمائهم وفقهائهم ، كما قال الله تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّـهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللَّـهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً) (٣). والمراد بالمؤمنين هنا : الأئمّة كما في الأخبار الكثيرة (٤).

(وَمِنَ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ يَدْعُونَ اِلَى النّارِ) : وهم أئمّتهم لأنهم قائلون :

__________________

(١) في البحار : (والشاكّينَ فيكُم).

(٢) في البحار : (والمنحرفينَ عنكُم).

(٣) سورة التوبة ٩ : ١٦.

(٤) اُنظر الكافي للكليني ١ : ٤١٥ / ١٥ ، تفسير القمّي ١ : ٢٨٣. البحار للعلامة المجلسي ٢٤ : ٢٤٤.

١٤٥

وَجَعَلَنِي مِمَّنْ يَقْتَصُّ آثارَكُمْ وَيَسْلُكُ سَبِيلَكُمْ وَيَهْتَدِي بِهديكُمْ وَيُحْشَرُ فِي زُمْرَتِكُمْ وَيَكِرُّ فِي رَجْعَتِكُمْ وَيُمَلَّكُ فِي دَوْلَتِكُمْ وَيُشَرَّفُ فِي عافِيَتِكُمْ وَيُمَكَّنُ فِي اَيّامِكُمْ وَتَقِرُّ عَيْنُهُ غَداً بِرُؤْيَتِكُمْ.

بِاَبِي اَنْتُمْ وَاُمِّي وَنَفْسِي وَاَهْلِي وَمالِي (١) .......................

____________________________________

بأنّ أئمّتنا داعون إلى الجنّة بلا خلاف بينهم.

(يَقْتَصُّ) أي : يتبع.

(وَيَكِرُّ) أي : يرجع.

(فِي رَجْعَتِكُمْ) أي : جعلني من الخلّص حتّى أرجع معهم.

(وَيُمَلَّكُ فِي دَوْلَتِكُمْ) أي : صيّرني ملكاً لإعلاء كلمة الله ؛ فإنّ كلّو احد من الخلّص في الرجعة يصير ملكاً من الملوك ، كما كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام.

(وَيُشَرَّفُ فِي عافِيَتِكُمْ) ـ بالقاف والفاء ـ أي : جعلني شريفاً معظماً في عاقبة أمركم ، وهي : الدولة ، أو في زمان سلامتكم من الأعادي.

__________________

(١) في التهذيب زيادة : (واُسْرَتي).

١٤٦

مَنْ اَرادَ اللهَ بَدَأَ بِكُمْ وَمَنْ وَحَّدَهُ قَبِلَ عَنْكُمْ وَمَنْ قَصَدَهُ تَوَجَّهَ بِكُمْ ، مَوالِيَّ لا اُحْصِي ثَناءَكُمْ وَلا اَبْلُغُ مِنَ الْمَدْحِ كُنْهَكُمْ وَمِنَ الْوَصْفِ قَدْرَكُمْ .......................................

____________________________________

(مَنْ اَرادَ اللهَ بَدَأَ لِكُمْ) : فإنّه لا يمكن الوصول إلى معارفه ومرضاته إلّا باتّباعهم في العقد والحلّ.

(وَمَنْ وَحَّدَهُ قَبِلَ عَنْكُمْ) أي : كلّ من يقول بتوحيد الله يقبل قولكم ، فإنّ البرهان كما يدلّ على التوحيد يدلّ على وجوب نصب الخليفة المعصوم.

أو لم يوحد الله أو لم يبعده حق عبادته من لم يقبل العلوم منكم.

أو عرف التوحيد وغيره من المعارف من قولكم وأدلّتكم.

أو نهاية مراتب التوحيد لا يوصل إليها إلّا بمتابعتهم.

أو من لم يقبل منهم فهو من المشركين.

أو من عرف الله حقّ معرفته يقبل منكم كلّ ما تقولونه.

(مَوالِيَّ) منادى.

(لا اُحصِي ثَناءَكَمْ) كما أنّه لا يمكن الثناء على الله ؛ لأنّه لا يمكن لغيرهم معرفة كمالاتهم ، كما روي في الأخبار الكثيرة أنّه قال

١٤٧

وَاَنْتُمْ نُورُ الْأَخْيارِ وَهُداةُ الْأَبْرارِ وَحُجَجُ الْجَبّارِ ، ...................................

____________________________________

رسول الله صلى الله عليه وآله : «يا علي ما عرف الله إلّا أنا وأنت وما عرفني إلّا الله وأنت ، وما عرفك الا الله وأنا» (١).

(وَاَنْتُمْ نُورُ الْأَخْيارِ) أي : كيف أحصي ثناءكم وأمدحكم كُنه مدحكم وأصف قدركم ، والحال أنكم نور الأخيار ، أي : منوّرهم ومعلّمهم وهاديهم ، مع أنّه لا يمكنني معرفة الأخيار من النبيين والمرسلين والملائكة المقرّبين.

أو أنتم كالشموس من بينهم ولا يمكن رؤية الشمس ، كما أنّ البصر عاجز عن رؤية الشمس ، كذلك البصيرة عاجزة عن إدراك مراتبهم وكمالاتهم وصفاتهم ؛ فإنّهم مرائي كماله تعالى وصفاته تقدّس ذكره.

__________________

(١) أورده الحلّي في مختصر البصائر : ٣٣٦ ، رجب البرسي في مشارق أنوار اليقين : ٢٠١ ، الاسترآبادي في تأويل الآيات ١ : ١٣٩ / ١٨ ، ابن شهر آشوب في المناقب ٣ : ٣١٠ ، فصل في المفردات طبعة دار الأضواء قال النبيّ : «يا علي ما عرف الله حق معرفته غيري وغيرك ، وما عرفك حق معرفتك غير الله وغيري».

١٤٨

بِكُمْ فَتَحَ اللهُ وَبِكُمْ يَخْتِمُ وَبِكُمْ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَبِكُمْ يُمْسِكُ السَّماءَ اَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ ...

____________________________________

(بِكُمْ فَتَحَ اللهُ) أي : في جميع الفيوض والخيرات ، كما يشعر به في الصلاة أو في الخلق ؛ فإنّهم أوّل ما خلق أرواحهم ، كما في الأخبار المتكثرة (١) ، وتقدّم بعضها.

أم لكم خَلَقَ الله الخلق.

أو أنتم وسائط الفيوض الإلهيّة.

(وَبِكُمْ يَخْتِمُ) : كما في الرجعة والمهدي عليه السلام.

أو كلّ خير يصل إلى أحد فإنّه بسببكم ؛ لأنّكم العلّة الغائية.

(وَبِكُمْ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ) : كما ورد في الأخبار الكثيرة ، لأنّهم المقصودون بالذات.

أو بدعائهم كما روي أيضاً متواتراً (٢).

(وَبِكُمْ يُمْسِكُ السَّماءَ اَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ) : مع حصول أسبابه

__________________

(١) اُنظر بصائر الدرجات : ٣٩ ، باب ١٠ في خلق أبدان الأئمة عليهم السلام ، وبحار الأنوار ٢٥ : ١ ، باب بدو أرواحهم وأنوارهم وطينتهم عليهم السلام.

(٢) اُنظر كمال الدين للصدوق : ٢٠٧ / ٢٢ ، الرواية مفصلة.

١٤٩

اِلّا بِاِذْنِهِ وَبِكُمْ يُنَفِّسُ الْهَمَّ وَيَكْشِفُ الضُّرَّ وَعِنْدَكُمْ ما نَزَلَتْ بِهِ رُسُلُهُ وَهَبَطَتْ بِهِ ملائِكَتُهُ وَاِلى جَدِّكُمْ بُعِثَ الرُّوحُ الأَمين. وإن كانت الزيارة لأمير المؤمنين عليه السلام فقل : وَاِلى أخِيك بُعِثَ الرُّوحُ الْأَمِينُ ، آتاكُمُ اللهُ ما لَمْ يُؤْتِ اَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ طأْطَأَ كُلُّ شَرِيفٍ لِشَرَفِكُمْ وَبَخَعَ ............................................

____________________________________

من ادّعاء الولد والآلهة الباطلة ، كما قال الله تعالى : (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدًا) (١).

(اِلّا بِاِذْنِهِ) : عند قيام الساعة أو غيره إن أراد.

(آتاكُمُ اللهُ ما لَمْ يُؤْتِ اَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) : فإنّ أُريد بالخطاب النبيّ صلى الله عليه وآله مع الأئمّة عليهم السلام فظاهر ، وإلّا فالنبيّ صلى الله عليه وآله مستثنى عنه.

(طَأْطَأَ) أي : خضع أو خفض ولم يصل.

(كُلُّ شَرِيفٍ لِشَرَفِكُمْ) أي : إليه أو لأجله.

(وَبَخَعَ) بالباء الموحدة والخاء المعجمة أي : حخضع.

__________________

(١) سورة مريم ١٩ : ٩٠ ـ ٩١.

١٥٠

كُلُّ مُتَكَبِّرٍ لِطاعَتِكُمْ وَخَضَعَ كُلُّ جَبّارٍ لِفَضْلِكُمْ وَذَلَّ كُلُّ شَيْءٍ لَكُمْ وَاَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِكُمْ وَفازَ الْفائِزُونَ بِوِلايَتِكُمْ بِكُمْ يُسْلَكُ اِلَى الرِّضْوانِ وَعَلى مَنْ جَحَدَ وِلايَتَكُمْ غَضَبُ الرَّحْمنِ ، بِاَبِي اَنْتُمْ وَاُمِّي وَنَفْسِي وَاَهْلِي وَمالِي ذِكْرُكُمْ فِي الذاكِّرِينَ وَاَسْماؤُكُمْ فِي الْأَسْماءِ وَاَجْسادُكُمْ فِي الْأَجْسادِ وَاَرْواحُكُمْ وَاَنْفُسُكُمْ فِي النُّفُوسِ وَآثارُكُمْ فِي الْآثارِ وَقُبُورُكُمْ فِي الْقُبُورِ ........

____________________________________

(كُلُّ مُتَكَبِّرٍ لِطاعَتِكُمْ) أي : فيها أو لأجل إطاعتكم لله.

(وَذَلَّ كُلُّ شَيْءٍ لَكُمْ) بقدرة الله تعالى.

(وَاَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِكُمْ) أي : بنور وجودكم وهدايتكم.

(وَفازَ الْفائِزثونَ بِوِلايَتِكُمْ) أي : لم يصل أحد إلى مرتبة من المراتب إلّا بسبب اعتقاد إمامتكم ومحبتكم ومتابعتكم.

(بِكُمْ يُسْلَكُ اِلَى الرِّضْوانِ) : خازن الجنان للوصول (١) اليها أو الجنّة.

أو رضا الله سبحانه فإنّه أعلى الدرجات.

(ذِكْرُكُمْ فِي الذّاكِرِينَ) أي : إذا ذكر الذاكرون فأنتم فيهم.

__________________

(١) في الأصل : للوصل ، وما أثبتناه أنسب للسياق.

١٥١

فَما اَحْلى أَسْماءَكُمْ وَاَكْرَمَ أَنْفُسَكُمْ وَاَعْظَمَ شَأْنَكُمْ وَاَجَلَّ خَطَرَكُمْ وَاَوْفى عَهْدَكُمْ (١) كَلامُكُمْ نُورٌ وَاَمْرُكُمْ رُشْدٌ وَوَصِيُّكُمُ التَّقْوى وَفِعْلُكُمُ الْخَيْرُ وَعادَتُكُمُ الْإِحْسانُ وَسَجِيَّتُكُمُ الْكَرَمُ وَشَأْنُكُمُ الْحَقُّ وَالصِّدْقُ وَالرِّفْقُ ، وَقَوْلُكُمْ حُكْمٌ وَحَتْمٌ وَرَأْيُكُمْ عِلْمٌ وَحِلْمٌ ...........

____________________________________

أو ذكركم الله في جنب الذاكرين ممتاز كالشمس.

أو اذا ذكروا فأنتم داخلون فيهم لكن ـ أي ـ له نسبة لكم إليهم لقوله :

(فَما اَحْلى أًسْماءَكُمْ) : وكذلك البواقي والآثار ، الأخبار والأطوار والمنازل ، والشأن ، والرتبة والأمر والخطر ، القدر والعظمة.

(كَلامُكُمْ نُورٌ) : علم وهداية من الله والرشد الهداية والخير ، والسجية الطبيعية.

(وَقَوْلُكُمْ حُكْمٌ) أي : حكمة.

(وَحَتْمٌ) أي : يجب اتباعه.

(وَرَأْيُكُمْ عِلْمٌ وَحِلْمٌ) أي : عقل.

__________________

(١) في التهذيب والبحار زيادة : «وَأَصْدَقَ وَعْدَكُمْ».

١٥٢

وَحَزْمٌ ، اِنْ ذُكِرَ الْخَيْرُ كُنْتُمْ اَوَّلَهُ وَاَصْلَهُ وَفَرْعَهُ وَمَعْدِنَهُ وَمَأْواهُ وَمُنْتَهاهُ. بِاَبِي اَنْتُمْ وَاُمِّي وَنَفْسِي (١) ...........................................

____________________________________

(وَحَزْمٌ) : ويكون تفسيره :

(اِنْ ذُكِرَ الْخَيْرُ كُنْتُمْ اَوَّلَهُ) : لأنّ ابتداءه لكم ومنكم.

(وَاَصْلَهُ) : فإنّهم أصل الخيرات لكونهم مقصودين بالذات ومنهم وصلت إلى من وصلت.

(وَفَرْعَهُ) أي : وجودهم نشأ من خير الله تعالى وفضله على عباده ، أو كمالاتهم العلية وأفعالهم المرضية فرع وجودهم فهم أصله وفرعه.

(وَمَأْواهُ) أي : لا يوجد إلّا عندهم.

(وَمُنْتَهاهُ) أي : لو وجد عند غيرهم فبالآخرة ينتهي إليهم كما تقدّم.

أو أنفسهم منتهى مراتب الكمال والجود.

__________________

(١) في العيون زيادة : (وأهلي ومالي).

١٥٣

كَيْفَ اَصِفُ حُسْنَ ثَنائِكُمْ وَاُحْصِي (١) جِمِيلَ بَلائِكُمْ اَخْرَجَنَا اللهُ مِنَ الذُّلِّ وَفَرِّجَ عَنّا غَمَراتِ الْكُرُوبِ وَاَنْقَذَنا مِنْ شَفا جُرُفٍ الْهَلَكاتِ وَمِنَ النّارِ. بِاَبِي اَنْتُمْ وَاُمِّي وَنَفْسِي بِمُوالاتِكُمْ عَلَّمَنَا اللهُ مَعالِمَ دِينِنا

____________________________________

(كَيْفَ اَصِفُ حُسْنَ ثَنائِكُمْ وَاُحْصِي جَمِيلَ بَلائِكُمْ) أي : نعمكم ولا أصل إليهما كمّاً وكيفاً ، والحال إنّ من جملتها إنّ الله تعالى أعزّنا بالإسلام بهدايتكم وأخرجنا من ذلّ الكفر والعذاب في الدنيا والآخرة.

(وَفَرَّجَ عَنّا غَمَراتِ الْكُرُوبِ) أي : الغموم والشدائد الكثيرة من الكفر والظلم والجهل وغيرها.

(وَاَنْقَذَنا) أي : خلصنا.

(مِنْ شَفا جُرُفٍ الْهَلَكاتِ) أي : حين كنا مشرفين على الهلاك بالكفر والضلال والفسق فهدانا بكم وخلّصنا من تبعاتها.

(وَمِنَ النّارِ) : بأصول الدّين وفروعها.

(بِمُوالاتِكُمْ عَلَّمَنَا اللهُ مَعالِمَ دِينِنا) أي : الكتاب والسنّة التي يعلم

__________________

(١) في العيون : (وكيفَ اُحصي).

١٥٤

وَاَصْلَحَ ما كانَ فَسَدَ مِنْ دُنْيانا ، وَبِمُوالاتِكُمْ تَمَّتِ الْكَلِمَةُ ........................

____________________________________

منهما الفروع.

أو بالعقل والنقل وإذا زار غير العالم (١) فيقصد أنّه تعالى علّم هذا النوع.

أو الشيعة.

أو يعم العلم بحيث يشمل التقليد.

أو يعم التعليم بما يشمل القابلية.

(وَاَصْلَحَ ما كانَ فَسَدَ مِنْ دُنْيانا) : بعلم التجارات وغيرها.

أو بأدعيتنا ببركتهم عليهم السلام.

أو ببركتهم وأدعيتهم لنا.

(وَبِمُوالاتِكُمْ تَمَّتِ الْكَلِمَةُ) أي : كلمة التوحيد ، كما قال الله تعالى : «لا إله إلّا الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي» فلمّا نقل علي بن موسى الرضا عليه السلام الخبر ، قال : «ولكن بشروطها وأنا من

__________________

(١) يعني اذا زار العوام أحد الأئمّة عليهم السلام بهذه الزيارة فيقصد الزائر بقوله (علمنا الله الخ) تعليم الله له هذا النوع فتدبّر.

١٥٥

وَعَظُمَتِ النِّعْمَةُ وَائْتَلَفَتِ الْفُرْقَةُ ، وَبِمُوالاتِكُمْ تُقْبَلُ الطّاعَةُ الْمُفْتَرَضَةُ

____________________________________

شروطها» (١).

أو كلمة الإسلام ، أعني : الكلمتين.

أو الإسلام والإيمان تجوزاً.

(وَعَظُمَتِ النِّعْمَةُ) : كما قال تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) (٢).

(وَائْتَلَفَتِ الْفُرْقَةُ) : فإنّ المؤمنين كنفس واحدة سيّما الصلحاء منهم.

(وَبِمُوالاتِكُمْ تُقِبَلُ الطّاعَةُ الْمُفْتَرَضَةُ) : كما تقدّم أنّها من أُصول الدين للأخبار المتواترة ، ولا تقبل الفروع بدون الأُصول.

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢ : ١٤٥ / ٤ ، باب ما حدّث به الرضا عليه السلام في مربعة نيسابور وهو يريد قصد المأمون وآخره هكذا قال : فلما مرت الراحلة نادانا : «بشروطها وأنا من شروطها» ، ثمّ قال الصدوق رحمه الله : من شروطها الاقرار للرضا عليه السلام بأنّه إمام من قبل الله عزّ وجلّ على العباد مفترض الطاعة عليهم. انتهى.

(٢) سورة المائدة ٥ : ٣.

١٥٦

وَلَكُمُ المودّة الْواجِبَةُ وَالدَّرَجاتُ الرَّفِيعَةُ وَالْمَقامُ الْمَحْمُودُ وَالمَقَامُ الْمَعْلُومُ (١) ............

____________________________________

(وَلَكُمُ المودّة الْواجِبَةُ) : فإنّها أجر رسالة نبينا صلى الله عليه وآله ، كما قال تعالى : (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ) (٢) ، وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا) (٣).

وروي في الأخبار (٤) الكثيرة أنّها نزلت فيهم ، والأخبار بوجوب المودّة المتواترة (٥) ، وأقلّ مرتبتها أن يكونوا أحبّ من أنفسنا وأقصاها العشق.

(وَالْمَقامُ الْمَحْمُودُ) : وهو الشفاعة أو الوسيلة.

(وَالْمَقامُ الْمَعْلُومُ) : وهو الرتبة العظيمة أو الوسيلة ، كما تقدّمت.

__________________

(١) في العيون : (والمقامُ المحْمودُ عندَ اللهِ تعالى والمكانُ المعلومُ) ، وفي التهذيب : (والمكانُ المَحمودُ والمقامُ المعلومُ). وفي البحار : والمقام المحمود والمكان المعلوم عند الله عزّ وجلّ.

(٢) سورة الشورى ٤٢ : ٢٣.

(٣) سورة مريم ١٩ : ٩٦.

(٤) اُنظر النصوص الواردة في تفسير البرهان للبحراني ٣ : ٧٣٧ ـ ٧٣٩.

(٥) اُنظر النصوص الواردة في بحار الأنوار للمجلسي ٢٣ : ٢٢٨ ، باب أنّ مودّتهم أجر الرسالة ....

١٥٧

عِنْدَ الله عَزَّ وَجَلَّ وَالْجاهُ الْعَظِيمُ وَالشَّأْنُ الْكَبِيرُ (١) وَالشَّفاعَةُ الْمَقْبُولَةُ. رَبَّنا آمَنّا بِما اَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدِيْنَ ، رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ اِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً اِنَّكَ اَنْتَ الوَهّابُ ، سُبْحانَ رَبِّنا اِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً. يا وَلِيَّ اللهِ (٢) ......

____________________________________

(رَبَّنا لا تُزِغْ) أي : لا تمل.

(قُلُوبَنا) : إلى الباطل بعد معرفة الحق.

(مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً) : كاملة وهي الهداية الخاصّة والكمالات.

(سُبْحانَ رَبِّنا) أي : اُنزهه تنزيهاً عمّا لا يليق بذاته وصفاته وأفعاله. ت

(اِنْ كانَ) أي : أنّه ـ مخففة من الثقيلة ـ.

(وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً) : في إجابة الدعوات فكيف يخلف وعده.

(يا وَلِيَّ اللهِ) : المخاطب هو الإمام الحاضر الذي يزوره أو يقصده

__________________

(١) في العيون : والشأن الرفيع.

(٢) ويخاطب بقوله (يا ولي الله) الإمام المَزور إذا كان مفرداً ، ويمكن أن ينوي به الأئمّة كلهم عليهم السلام على سبيل البدلية أو على إرادة الجنس من الكلمة ، والأحسن إن كانت الزيارة للجميع أن يقول : (يا أولياء الله). ذلك نقل من شرح المجلسي الأول (منه).

١٥٨

اِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ذُنُوباً لا يَأْتِي عَلَيْها اِلّا رِضاكُمْ ، فَبِحَقِّ مَنِ ائْتَمَنَكُمْ عَلى سِرِّهِ وَاسْتَرْعاكُمْ اَمْرَ خَلْقِهِ وَقَرَنَ طاعَتَكُمْ بِطاعَتِهِ ...........................................

____________________________________

بالزيارة ، أو الجميع لشمول (١) الجنس له ، ويؤيّده الإتيان بالجمع بعده.

(لا يَأْتِي عَلَيْها) أي : لا يهلكها ولا يمحوها.

(اِلّا رِضاكُمْ) : عنى مطلقاً أو بالشفاعة.

(فَبِحَقِّ مَنِ ائْتَمَنَكُمْ عَلى سِرِّهِ) : من العلوم اللدنّية والمكاشفات الغيبية والحقائق الإلهيّة.

(وَاسْتَرْعاكُمْ اَمْرَ خَلْقِهِ) أي : جعلكم أئمّة ودعاة لأُمور الخلائق من العقائد والأعمال.

(وَقَرَنَ طاعَتَكُمْ بِطاعَتِهِ) بقوله تعالى : (أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ) (٢) ويفهم من المقارنة أنّه لا يقبل واحدة منها بدون بالبقية ، بل الجميع واحد كما قال تعالى : (مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّـهَ) (٣).

__________________

(١) في نسخة : (بشمول).

(٢) سورة النساء ٤ : ٥٩.

(٣) سورة النساء ٤ : ٨٠.

١٥٩

لَمَّا اسْتَوْهَبْتُمْ ذُنُوبِي وَكُنْتُمْ شُفَعائِي فَاِنِّي لَكُمْ مُطِيعٌ ، مَنْ اَطاعَكُمْ فَقَدْ اَطاعَ اللهَ وَمَنْ عَصاكُمْ فَقَدْ عَصىَ اللهَ وَمَنْ اَحَبَّكُمْ فَقَدْ اَحَبَّ اللهَ وَمَنْ اَبْغَضَكُمْ فَقَدْ اَبْغَضَ اللهَ.

اَللَّهُمَّ اِنِّي لَوْ وَجَدْتُ شُفَعاءَ اَقْرَبَ اِلَيْكَ مِنْ مُحَمَّدٍ وَاَهْلِ بَيْتِهِ الْأَخْيارِ الْأَئِمَّةِ الْأَبْرارِ لَجَعَلْتُهثمْ شُفَعائِي ، فَبِحَقِّهِمُ الَّذِي اَوْجَبْتَ لَهُمْ عَلَيْكَ اَسْأَلُكَ اَنْ تُدْخِلَنِي فِي جُمْلَةِ الْعارِفِيْنَ بِهِمْ وَبِحّقِّهِمْ وَفِي زُمْرَةِ الْمَرْحُومِيْنَ بِشَفاعَتِهِمْ ، اِنَّكَ اَرْحَمُ الرّاحِمِيْنَ وَصَلّىَ اللهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تسليماً كَثِيراً وَحَسْبُنا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (١).

____________________________________

(لَمَّا) مشدّدة بمعنى : إلّا ، أي : لا يقع منكم شيء إلّا استيهاب ذنوبي منه تعالى ، أو مخففة واللام لتأكيد القسم (وما) زائدة للتأكيد.

(فَبِحَقِّهِمُ الَّذِي اَوْجَبْتَ لَهُمْ عَلَيْكَ) : أن لا تردّ دعاءهم أو احترامهم ، بحيث لو شفّعهم سائل لا تردّ دعاءه.

(بِهِمْ) : بإمامتهم.

(وَبِحَقِّهِمْ) : من وجوب محبتهم ومتابعتهم.

__________________

(١) في العيون : (وصلّى الله على محمّد وآله حسبنا الله ونعم الوكيل) ، وفي التهذيب : (وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين) وفي البحار : (وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين وسلّم تسليماً كثيراً وحسبنا الله ونعم الوكيل).

١٦٠