شرح الزيارة الجامعة الكبيرة

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

شرح الزيارة الجامعة الكبيرة

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: مؤسسة الرافد للمطبوعات
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-90891-4-7
الصفحات: ١٨٨

عِنْدَكُمْ وَاَمرُهُ اِلَيْكُمْ ...........................................

____________________________________

(عِنْدَكُمْ وَاَمرُهُ) من الإمامة وإظهار العلوم.

(اِلَيْكُمْ) : كما روى في الأخبار أنّ الواجب عليكم أنّ تسألونا ، ولم يجب علينا أن نجيبكم (١) ، كما قال الله تعالى : (هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حسابٍ) (٢).

والظاهر أنّه في غير الواجبات ، أو للتقية التي رخصهم الله وشيعتهم بها ، أو يكون من خصائصهم ، ولذلك يسمّون بأولي الأمر ، أو يكون المراد بالأمر : الفعل بأن يكونوا نائبين عن الله تبارك وتعالى في الشريعة بحسب ما تقتضيه عقولهم المقدّسة ، كما يظهر من الأخبار الكثيرة الواردة في التفويض إلى النبيّ والأئمّة صلوات الله عليهم (٣) أو يعم الفعل بالدعوات ، أو بالتفويض كما يكون للملائكة ، ويظهر من الأخبار الكثيرة ، لكن منع الأصحاب من روايتها والعمل

__________________

(١) اُنظر بحار الأنوار ٢٣ : ١٧٧ / ١٧ ، والأحاديث التي ما قبله وما بعده.

(٢) سورة ص ٣٨ : ٣٩.

(٣) اُنظر الكافي للكليني ١ : ٢٦٥ ، باب التفويض إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وإلى الأئمة عليهم السلام في أمر الدين.

١٢١

مَنْ والاكُمْ فَقَدْ والىَ اللهَ وَمَنْ عاداكُمْ فَقَدْ عادَ اللهَ وَمَنْ اَحَبَّكُمْ فَقَدْ اَحَبَّ اللهَ وَمَنْ اَبْغَضَكُمْ فَقَدْ اَبْغَضَ اللهَ وَمَنِ اعْتَصَمَ بِكُمْ فَقَدْ اعْتَصَمَ بِاللهِ ..........................

____________________________________

بها ؛ لئلّا يؤدّي إلى القول بأُلوهيتهم كما وقع لبعض الناقصين من الغلاة ، كما ورد النهي عن النجوم (١) لذلك كما سيجي.

(مَنْ والاكُمْ فَقَدْ والىَ اللهَ) : لأنّ الله تعالى أمر بموالاتكم ومحبتكم وقرنكم بنفسه في آيات كثيرة ، أو لأنّهم لما اتصفوا بصفات الله وتخلقوا بأخلاق الله صاروا كأنهم كما قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّـهَ) (٢) ، (وَمَا ظَلَمُونَا ـ أي أولياء ـ وَلَـٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (٣).

ولقوله صلى الله عليه وآله : «من رآني فقد رأى الحق» (٤) ؛ ولقوله صلى الله عليه وآله متواتراً :

__________________

(١) اُنظر بحار الأنوار ٥٥ : ٢١٧ ، باب علم النجوم والعمل به وحال المنجّمين.

(٢) سورة الفتح ٤٨ : ١٠.

(٣) سورة البقرة ٢ : ٥٧.

(٤) النهاية في غريب الحديث لابن الأثير ١ : ٣٩٧. حقق ، كنز العمال للمتقي الهندي ١٥ : ٣٨٢ ، ٤١٤٧٥ ، الجامع الصغير للسيوطي ٢ : ٦٠٢ / ٨٦٨٩

١٢٢

أنْتُمُ الصِّراطُ الأَقْوَمُ (١) وَشُهَداءُ دارِ الْفَناءِ وَشُفَعاءُ دارِ الْبَقاءِ .....................

____________________________________

«حرب عليٍّ حرب الله» (٢). ولقوله صلى الله عليه وآله : «فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله» (٣) ، إلى غير ذلك من الآيات والأخبار وكذلك البواقي من العداوة والمحبّة والاعتصام.

(اَنْتُمُ الصِّراطُ الْأَقْوَمُ) : فإنّ طريق متابعتهم في العقائد والأعمال أقوم الطرق وأمتنه ، بل هو الطريق ، أو طرقهم في مراتب القرب إلى الله ، وإن كان لغيرهم من أهل الحق طرق أُخر.

(وَشُهَداءُ دارِ الْفَناءِ) كما تقدّم.

(وَشُفَعاءُ دارِ الْبَقاءِ) للأخبار المتواترة بشفاعتهم عليهم السلام لأصحاب

__________________

(١) في العيون والبحار : (أنتُمُ السَّبِيلُ الأعْظَمُ والصِّراطُ الأقْوَمُ).

(٢) دعوى مثل هذا الخبير المتتبع للتواتر يغنينا عن الاسهاب في ذكر المصادر ، اُنظر على سبيل المثال أمالي الصدوق : ١٤٩ ، ضمن حديث ١ ، والخصال : ٤٩٦ / ضمن حديث ٥ ، بشارة المصطفى للطبري : ٤٤ / ضمن حديث ٣٣.

(٣) علل الشرائع للصدوق : ١٨٦ / ضمن حديث ٢ ، دلائل الإمامة للطبري : ١٣٥ / ذيل ح ٤٣ ، عوالي اللئالي لابن أبي جمهور ٤ : ٩٣ / ١٣١.

١٢٣

وَالرَّحْمَةُ الْمَوْصُولَةُ وَالْآيَةُ الْمَخْزونَةُ وَالْأَمانَةُ الْمَحْفُوظَةُ ..................................

____________________________________

الكبائر كما هي لرسول الله صلى الله عليه وآله (١).

(وَالرَّحْمَةُ الْمَوصُولَةُ) : من الله إلى الخلق كما كان لرسول الله صلى الله عليه وآله في قوله تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (٢) ، فهم رحمة لهم في الدنيا والآخرة ، وبهم تصل رحمة الله تعالى إلى العباد ويشعر به الصلاة عليه وآله صلوات الله عليهم.

(وَالْآيَةُ الْمَخْزُونَةُ) لخلّص عباده وهم العارفون ببعض رتبهم.

(وَالْأَمانَةُ الْمَحْفُوظَةُ) الواجب حفظها على العالمين ببذل أنفسهم دون نفوسهم ، وأموالهم دون أموالهم وأعراضهم وإمامتهم عليهم السلام تجوزاً لقوله تعالى : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ) (٣) إلى آخره ، وقوله تعالى : (إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا) (٤). وروي في الأخبر الصحيحة أنّ المراد بها الإمامة وإنّ المخاطب في الأخيرة الأئمّة بأن

__________________

(١) اُنظر التوحيد للصدوق : ٤٠٧ / ٦ ، أمالي الصدوق : ٥٦ / ٤.

(٢) سورة الأنبياء ٢١ : ١٠٧.

(٣) سورة الأحزاب ٣٣ : ٧٢.

(٤) سورة النساء ٤ : ٥٨.

١٢٤

وَالْبابُ الْمُبْتَلى بِهِ النّاسُ ، مَنْ آتاكُمْ نَجا وَمَنْ لَمْ يَأْتِكُمْ هَلَكَ ......................

____________________________________

يؤدّوها إلى الإمام الذي بعده من الله تعالى (١).

(وَالْبابُ الْمُبْتَلى بِهِ النّاسُ) : كباب حطة ابتُلي به بنو إسرائيل بدخولها سجّداً ، وقولهم : فدخله جماعة وقالوا : حطة ، أي : حطّ عنّا ذنوبنا ونجوا ، وبعضهم قالوا : حنطة وهلكوا ، كذلك من دخل في باب متابعتهم نجا ومن لم يدخل هلك ، كما ورد في الأخبار الكثيرة (٢) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : «أنا مدينة العلم وعليّ بابها» (٣) ،

__________________

(١) اُنظر الكافي للكليني ١ : ٢٧٦ / باب .... وأنّ قول الله تعالى (إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا) فيهم نزلت.

(٢) اُنظر تفسير العياشي ١ : ٤٥ / ٤٧ ، أمالي الطوسي : ٧٣٣ / ٢ ، جوامع الجامع للطبرسي ١ : ١٠٧ ـ ١٠٨.

(٣) ورد الحديث متواتراً عند الفريقين اخترنا بعض المصادر منهما مثل عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢ : ٧١ / ٢٩٨ ، شرح الأخبار للقاضي المغربي ١ : ٨٩ / ١ ، مستدرك الحاكم ٤ : ٩٦ و ٩٧ / ٤٦٩٣ و ٤٦٩٤ ، المعجم الكبير للطبراني ١١ : ٦٥ / ١١٠٦١ ، مجمع الزوائد للهيثمي ٩ : ١١٤ ، الجامع الصغير للسيوطي ١ : ٤١٥ / ٢٧٠٥ ، كنز العمال للمتقي الهندي ١٣ : ١٤٧ / ٣٦٤٦٣.

١٢٥

اِلَى اللهِ تَدْعُونَ وَعَلَيْهِ تَدُلُّونَ وَبِهِ تُؤمِنُونَ وَلَهُ تُسَلِّمُونَ وبِأمْرِهِ تَعْمَلُونَ وَاِلى سَبِيلِهِ تُرْشِدُونَ وَبِقُولِهِ تَحْكُمُونَ سَعَدَ (١) مَنْ والاكُمْ وَهَلَكَ مَنْ عاداكم وَخابَ مَنْ جَحَدَكُمْ وَضَلَّ مَنْ فارَقَكُمْ

____________________________________

وقال الله تعالى : (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا) (٢).

(اِلىَ اللهِ تَدْعُونَ) بالحكمة.

(وَعَلَيْهِ تَدُلُّونَ) بالحكمة العلمية من المعارف والحقائق.

(وَلَهُ تُسَلِّمُونَ) ـ بالتخفيف والتشديد ـ.

(واِلى سَبِيلِهِ تُرْشِدُونَ) : الخلق بأتمّ الإرشاد ، والجمل لبيان أحوال حياتهم ، أو مع أخبارهم المنقولة المتواترة عنهم.

(وَخابَ مَنْ جَحَدَكُمْ) : ولم يؤمن بإمامتكم ؛ فإنّه من الخاسرين الهالكين.

(وَضَلَّ مَنْ فارَقَكُمْ) : وترك متابعتكم في الأعمال ، أو كان من

__________________

(١) في العيون : (سَعَدَ واللهِ مَن والاكُمْ).

(٢) سورة البقرة ٢ : ١٨٩.

١٢٦

وَفازَ مَنْ تَمَسَّكَ بِكُمْ واَمِنَ مَنْ لجَأَ اِلَيْكُمْ وَسَلِمَ مَنْ صَدَّقَكُمْ وَهُدِيَ مَنِ اعْتَصَمَ بِكُمْ ....

____________________________________

المستضعفين ؛ فإنّهم الضالّون ، وروي أنّ لله فيهم المشيئة (١).

(وَفازَ) ونجا.

(مَنْ تَمَسَّكَ بِكُمْ) : علماً وعملاً.

(وَاَمِنَ) : من العذاب.

(مَنْ لَجَأَ اِلَيْكُمْ) : بالاعتقاد والمتابعة والاستشفاع.

(وَسَلِمَ) : من الهلاك.

(مَنْ صَدَّقَكُمْ) : في الإمامة وغيرها.

(وَهُدِيَ) ـ على صيغة المجهول ـ.

(مَنِ اعْتَصَمَ بِكُمْ) ، كما قال الله تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ) (٢) وهو الأئمّة ، كما في الأخبار الكثيرة (٣).

__________________

(١) التوحيد للصدوق : ٣٩٣ / ضمن حديث ٥.

(٢) سورة آل عمران ٣ : ١٠٣.

(٣) اُنظر الأحاديث الواردة في تفسير البرهان للبحراني ١ : ٦٦٨ ـ ٦٧٣.

١٢٧

مَنِ اتَّبَعَكُمْ فَالْجَنَّةُ مَأْواهُ وَمَنْ خالَفَكُمْ فَالنّارُ مَثْواهُ وَمَنْ جَحَدَكُمْ كافِرٌ وَمَنْ حارَبَكُمْ مُشْرِكٌ وَمَنْ رَدَّ عَلَيْكُمْ (١) فِي اَسْفَلِ دَرَكٍ مِنَ الجَحِيمِ ، اَشْهَدُ اَنَّ هذا سابِقٌ لَكُمْ فِيما مَضى وَجارٍ فِيما بَقِيَ وَاَنَّ اَرْواحَكُمْ وَنُورَكُمْ وَطِينَتَكُمْ واحِدَةٌ طابَتْ وَطَهُرَتْ ...........

____________________________________

(وَمَنْ رَدَّ عَلَيْكُمْ) أقوالكم وإن لم تكن موافقة لعقله الناقص.

(اَشْهَدُ اَنَّ هذا) أي : وجوب اتّباعكم ، أو كلّ واحد من المذكورات.

(سابِقٌ لَكُمْ فِيما مَضى) من الأئمّة أو في الكتب المتقدمة.

(وَاَنَّ اَرْواحَكُمْ وَنُورَكُمْ وَطِينَتَكُمْ واحِدَةٌ) كما ورد في الأخبار الكثيرة أنّ أرواحهم مخلوقة من أعلى عليين ، وأبدانهم من عليين ، وأنوار علومهم وكمالاتهم واحدة (٢).

(طابَتْ) : الأرواح.

(وَطَهُرَتْ) : الأبدان أو الجميع.

__________________

(١) في العيون والتهذيب زيادة : (فَهُوَ).

(٢) اُنظر المحاسن للبرقي ١ : ١٣٢ / ٥. والكافي للكليني ١ : ٣٨٩ / باب خلق أبدان الأئمة عليهم السلام.

١٢٨

بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ خَلَقَكُمُ اللهُ اَنْواراً فَجَعَلَكُمْ بِعَرْشِهِ مُحْدِقينَ حَتّى مَنَّ عَلَيْنا بِكُمْ فَجَعَلَكُمْ فِي بُيُوتٍ اَذِنَ اللهُ اَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيها اسْمُهُ ........................................

____________________________________

(بَعْضُها مِنْ بَعضٍ) كما قال الله تعالى : (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ) (١) ، أي : من طينة واحدة مخلوقة من نور عظمته تعالى.

(خَلَقَكُمُ اللهُ اَنْواراً) كما تقدّم.

(فَجَعَلَكُمْ بِعَرْشِهِ مُحْدِقِينَ) ـ بالحاء والدال المعملتين ـ أي مطيفين ، أي : مستفيضين من علمه ، أو طائفين بالعرش الصوري في الأجساد المثالية كالطواف بالبيت.

(حَتّى مَنَّ عَلَيْنا بِكُمْ) : بأن جعلكم أئمّتنا.

(فَجَعَلَكُمْ فِي بُيُوتٍ اَذِنَ اللهُ اَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيها اسْمُهُ) : إشارة إلى أنّ الآيات التي بعد آية النور وردت فيهم ، كما أنّ الآيات التي بعدها وردت في أعدائهم ، كما روي في الأخبار المتكثرة (٢).

__________________

(١) سورة آل عمران ٣ : ٣٤.

(٢) اُنظر بحار الأنوار ٢٣ : ٣٢٥ ، باب رِفعة بيوتهم المقدسة في حياتهم وبعد وفاتهم عليهم السلام ، وتفسير البرهان للبحراني ٤ : ٧٣ ، في تفسير قوله تعالى : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّـهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ).

١٢٩

وَجَعَلَ صَلاتَنا (١) عَلَيْكُمْ وَما خَصَّنا بِهِ مِنْ وِلايَتِكُمْ طِيباً لِخَلْقِنا ....................

____________________________________

والمراد بالبيوت : البيوت المعنوية التي هي بيوت العلم والحكمة وغيرها من الكمالات ، والذِكر فيها كناية عن الاستفاضة منهم.

أو الصورية التي هي بيوت النبيّ والأئمّة عليهم السلام في الحياة ومشاهدهم بعد الوفاة.

(وَجَعَلَ) : عطف على (اذن) بالخبرية أو الانشائية الدعائية ، ولا بأس به لكونه بصورتها كما في قوله تعالى : (حَسْبُنَا اللَّـهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (٢).

(صَلاتَنا عَلَيْكُمْ وَما خَصَّنا بِهِ مِنْ وِلايَتِكُمْ طِيباً) مفعول ثان لـ«جعل».

(لِخَلْقِنا) ـ بالضم ـ أي : جعلكم الله في بيوت تصير الصلاة فيها وإظهار الولاية ؛ سبباً لكرامة الله علينا بالأخلاق الحسنة ، أو يكون عطفاً على (من) وهو أظهر.

__________________

(١) في الفقيه والبحار : صَلَواتِنا.

(٢) سورة آل عمران ٣ : ١٧٣.

١٣٠

وَطَهارَةً لِأَنْفُسِنا وَتَزْكِيَةً (١) لَنا وَكَفّارَةً لِذُنُوبِنا فَكُنّا عِنْدَهُ مُسَلِّمِينَ بِفَضْلِكُمْ وَمَعْرُوفِينَ بِتَصْدِيقِنا اِيّاكُمْ فَبَلَغَ اللهُ بِكُمْ أشْرَفَ مَحَلِّ المُكَرَّمِينَ اَعْلى مَنازِلِ الْمُقَرَّبِينَ ...............

____________________________________

(وَطَهارَةً لِأَنْفُسِنا) : من الرذائل ، كما حلّانا بالفضائل.

(وَتَزْكِيَةً لَنا) : من الأعمال القبيحة أو في القيامة.

(فَكُنّا عِنْدَهُ) : في علمه بأنّا من المصلّين عليكم والموالين لكم أو مطلقاً.

(مُسَلِّمِينَ) : بالتسليم القلبيّ الحقيقيّ.

(بِفَضْلِكُمْ) : على العالمين.

(وَمَعْرُوفِينَ بِتَصْدِيقِنا اِيّاكُمْ) : بالإمامة والفضيلة ، وهذه فضيلة لنا يجب علينا شكرها والتحدّث بها.

(فَبَلَغَ اللهُ بِكُم) أي : بلغكم أشرف محل المكرمين وأفضل مراتبهم.

(اَعْلى مَنازِلِ الْمُقَرَّبِينَ) : من المرسلين.

__________________

(١) في التهذيب : وبركة.

١٣١

وَاَرْفَعَ دَرَجاتِ الْمُرْسَلِينِ (١) ...........................................

____________________________________

(وَاَرْفَعَ دَرَجاتِ الْمُرْسَلِينِ) : وهي درجات نبيّنا صلى الله عليه وآله فيلزم منه : أفضليتهم عليهم السلام عن الأنبياء ، كما ذكره العلامة النيشابوري في تفسير قوله تعالى (وأنفسنا وأنفسكم) (٢) ، بأنّه لا تزال الشيعة قديماً وحديثاً يستدلّون بهذه الآية على أفضلية عليّ عليه السلام على جميع الأنبياء بأنّه نفس النبيّ صلى الله عليه وآله وهو أفضل منهم.

وقال : ويؤيّده ما روي عنه صلى الله عليه وآله أنّه قال : «من أراد أنْ ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في عبادته ، وإلى إبراهيم في خلّته ، وإلى موسى في هيبته ، وإلى عيسى في زهده ، وإلى يحيى في ورعه ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب» (٣) ؛ فإنّ فيه سبعين خصلة من خصال

__________________

(١) في العيون : أوصياء المرسلين.

(٢) سورة آل عمران ٣ : ٦١.

(٣) تفسير غرائب القرآن للنيشابوري ٣ : ٢١٤ (ضمن جامع البيان للطبري) باختلاف يسير ، ولم تجتمع المصادر على نصّ واحد ، انظر على سبيل المثال لا الحصر : أمالي الطوسي : ٤١٦ / ٨٦ ، المناقب للخوارزمي : ٨٣ /

١٣٢

حيث لا يَلْحَقُهُ لاحِقٌ وَلا يَفُوقُهُ فائِقٌ وَلا يَسْبِقُهُ سابِقٌ وَلا يَطْمَعُ فِي اِدْراكِهِ طامِعٌ ......

____________________________________

الأنبياء بأنّ كلّ واحد منهم امتاز عن سائرهم بخصلة واحدة من هذه الخصال فمن اجتمع فيه جميعها يكون أفضل ، والأخبار عندنا متواترة بذلك في جميع الأئمّة.

(حَيْثُ لا يَلْحَقُهُ لاحِقٌ) : ممن هو دونكم.

(وَلا يَفُوقُهُ فائِقٌ) : منهم على الأنبياء كأولي العزم وإن فاقوا على غيرهم لا يفوقون عليكم ، والنبيّ صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام مستثنيان بالأخبار.

(وَلا يَسْبِقُهُ سابِقٌ) : في فضيلة من الفضائل عليكم.

(وَلا يَطْمَعُ فِي اِدْراكِهِ طامِعٌ) : لأنهم يعلمون أنّها موهبة خاصة من الله تبارك وتعالى بكم ، لا يمكن الوصول إليها بالسعي والاجتهاد.

__________________

٧٠ ، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ٤٢ : ٣١٣ ، كشف الغمّة للإربلي ١ : ٢٢٨ و ٢٢٩ ، روضة الواعظين للفتال النيشابوري : ١٢٨ ، كشف اليقين للعلّامة الحلّي : ٥٢ / ٧.

١٣٣

حَتّى لا يَبْقى مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَلا صِدِّيقٌ وَلا شَهِيدٌ وَلا عالِمٌ وَلا جاهِلٌ وَلا دَنِيٌّ وَلا فاضِلٌ وَلا مُؤْمِنٌ صالِحٌ وَلا فاجِرٌ طالِعٌ وَلا جَبّارٌ عَنِيدٌ وَلا شَيْطانٌ مَرِيدٌ وَلا خَلْقٌ فِيما بَيْنَ ذلِكَ شَهِيدٌ إِلَّا عَرَّفَهُمْ جَلالَةَ اَمْرِكُمْ وَعِظَمَ خَطَرِكُمْ وَكِبَرَ شَأْنِكُمْ وَتَمامَ نُورِكُمْ وَصِدْقَ مَقاعِدِكُمْ وَثَباتَ مَقامِكُمْ وَشَرَفَ مَحَلِّكُمْ وَمَنْزِلَتِكُمْ عِنْدَهُ وَكَرامَتَكُمْ عَلَيْهِ وَخاصَّتَكُمْ لَدَيْهِ وَقُرْبَ مَنْزِلَتِكُمْ عِنْدَهُ وَكَرامَتَكُمْ عَلَيْهِ وَخاصَّتَكُمْ لَدَيْهِ وَقُرْبَ مَنْزِلَتِكُمْ مِنْهُ.

بِاَبِي اَنْتُمْ وَاُمِّي وَاَهْلِي وَمالِي وَاُسْرَتِي اُشْهِدُ اللهَ وَاُشْهِدُكُمْ اَنِّي مُؤْمِنٌ بِكُمْ وَبِما آمَنْتُمْ بِهِ

____________________________________

(حَتّى لا يَبْقى) أي : لم يبق (أَحَد) : في عالم الأرواح والأجساد.

(إِلَّا عَرَّفَهُمْ) : في الكتب المنزلة أو على ألسنة الأنبياء والمرسلين.

(وَصِدْقَ مَقاعِدِكُمْ) أي : إنّكم صادقون في هذه المرتبة وأنّها حقّكم ، كما قال تعالى : (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ) (١).

(بِاَبِي اَنْتُمْ) أي : أفديكم أبي.

(وَاُمِّي اُشْهِدُ اللهَ) : لمّا أراد مخاطبتهم بالشهادة فداهم بأبيه واُمّه وأشهد ، كما هو المتعارف عند العرب. أشهد الله تعالى وإياهم أنّه

__________________

(١) سورة القمر ٥٤ : ٥٥.

١٣٤

كافِرٌ بِعَدُوِّكُمْ وَبِما كَفَرْتُمْ بِهِ مُسْتَبْصِرٌ بِشأْنِكُمْ وَبِضَلالَةِ مَنْ خالَفَكُمْ مُوالٍ لَكُمْ وَلأَوْلِيائِكُمْ مُبْغِضٌ لِأَعْدائِكُمْ وَمُعادٍ لَهُمْ سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ ...........

____________________________________

مؤمن بهم وجميع ما آمنوا به مجملاً وإن لم يعلم تفاصيله.

(كافِرٌ) أي : جاحد وعدو لأعدائهم كما قال تعالى : (فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّـهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ) (١).

فانظر إلى كلامه تعالى كيف قدّم الكفر على الإيمان لبيان أنّه ما يمكن الإيمان بدون عداوتهم ، كما ورد في الأخبار الصحيحة أنّه من قال : «إنّي مؤمن بالأئمّة وليس لي شأن بالمخالفين إنّه ليس بمؤمن ، بل من أعدائنا ، فإنّ المحب من يحب أولياء المحبوب ويبغض أعداءه» (٢).

(سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ) أي : صلح لمن صالحتم إياه بترك الجهاد معهم كما في زمان الغيبة ، أي : لا أُجاهد حتى تجاهدوهم ، أو أنا محب لشيعتكم وعدو لأعدائكم.

__________________

(١) سورة البقرة ٢ : ٢٥٦.

(٢) لم نعثر في المصادر على هكذا نص.

١٣٥

مُحَقِّقُ لِما حَقَّقْتُمْ مُبْطِلٌ لِما اَبْطَلْتُمْ مُطِيعٌ لَكُمْ عارِفٌ بِحَقِّكُمْ مُقِرٌّ بِفَضْلِكُمْ مُحتَمِلٌ لِعِلمِكُمْ مُحْتَجِبٌ بِذِمَّتِكُمْ مُعْتَرِفٌ بِكُمْ مُؤْمِنٌ بِاِيابِكُمْ مُصَدِّقٌ بِرَجْعَتِكُمْ .......................

____________________________________

(مُحَقِّقٌ) أي : أعتقد أنّه حق ، أو أسعى في بيان أنّه حق بالادلة كما في الإبطال.

(مُحْتَمِلٌ لِعِلْمِكُمْ) أي : أعلم أنّه حق وإنْ لم تصل إليه عقولنا.

(مُحْتَجِبٌ بِذِمَّتِكُمْ) أي : مستتر وداخل في الداخلين تحت أمانكم ، أو أجعل الدخول في أمانكم مانعاً من النار والشياطين ، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله أنّه قال : «قال الله تعالى : محبّة عليّ حصني من دخل حصني أمن من عذابي» رواه الصدوق وغيره (١).

(مُؤْمِنٌ بِاِيابِكُمْ مُصَدِّقٌ بِرَجْعَتِكُمْ) تفسيره أي : أعتقد أنّكم ترجعون إلى الحياة الظاهرة في الدنيا في الرجعة الصغرى ، كما قال

__________________

(١) لم نعثر على هكذا نص ، بل الموجود في المصادر : ولاية عليّ ، اُنظر عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢ : ١٤٦ ، خبر نادر عن الرضا عليه السلام ، شواهد التنزيل للحسكاني ١ : ١٣١ / ١٨١ ، الجواهر السنيّة للحر العاملي : ١٦٧ ، بحار الأنوار ٣٩ : ١٤٦ / ١ ، عن كتب الصدوق.

١٣٦

..........................................

____________________________________

تعالى : (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا) (١) ولا ريب في أنّ يوم القيامة يُبعث جميع الناس لا فوجاً منهم ، وقد ورد في الأخبار المتواترة عن النبيّ وأهل البيت صلوات الله عليهم في الرجعة (٢) ، وأنّهم صلوات الله عليهم يرجعون إلى الدنيا في زمان المهدي عليه السلام ، ويرجع جماعة من خلّص المؤمنين وجماعة أعدائهم سيّما قاتل الحسين صلوات الله عليه ، وصنّف جماعة كثيرة من العلماء كتباً كثيرة في ذلك يظهر من فهرست الشيخ والنجاشي.

وأطبق العامّة تعصباً على خلافهم ، فمن ذلك ذكر مسلم في صحيحه : أنّه لا يعمل بأخبار جابر بن يزيد الجعفي ، مع أنّه ذكر أنّه روى سبعين ألف حديثاً عن محمّد بن علي بن الحسين ؛ لأنه كما يقول بالرجعة (٣).

__________________

(١) سورة النمل ٢٧ : ٨٣.

(٢) اُنظر مختصر البصائر للحلّي : ٨٧ ، باب الكرات ، وأحاديث الرجعة ، وبحار الأنوار ٥٣ : ٣٩ ـ ١٤٤.

(٣) في صحيح مسلم ١ : ٢٤ ـ ٢٥ ، طبعة دار الخير ـ بيروت ـ حدثنا ابو

١٣٧

.........................................

____________________________________

مع أنّه ذكر الله تعالى رجعة عُزير وأصحاب الكهف والملأ من بني إسرائيل بقوله تعالى : (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم أُلوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثمّ أحياهم) (١).

ورووا : أنّه يكون في هذه الأمّة ما كان في بني اسرائيل حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة (٢).

__________________

غسان محمّد بن عمرو الرازي قال : سمعت جريراً يقول لقيت جابر بن يزيد الجعفي فلم اكتب عنه كان يؤمن بالرجعة.

وحدثني سلمة بن شبيب ، حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان قال : كان الناس يحملون عن جابر قبل أن يظهر ما أظهر فلما أظهر اتهمه الناس في حديثه وتركه بعض الناس فقيل له : وما أظهر؟ قال : الإيمان بالرجعة.

وحدثنا حسن الحلواني ، حدثنا ابو يحيى الحماني ، حدثنا قبيصة وأخوه أنّهما سمعا الجراح بن مليح يقول : سممعت جابراً يقول عندي سبعون ألف حديث عن أبي جعفر عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله كلها ، ثمّ نقل أحاديث أخر في هذا المعنى.

(١) سورة البقرة ٢ : ٢٤٣.

(٢) اُنظر كفاية الأثر للخزّار : ١٥ ، من لا يحضره الفقيه للصدوق ١ : ٢٠٣ / ٦٠٩ ، تأويل الآيات للاسترآبادي ١ : ٤٠٩ / ١٣.

١٣٨

مُنْتَظِرٌ لِأَمْرِكُمْ مُرْتَقِبٌ لِدَوْلَتِكُمْ آخِذٌ بِقَوْلِكُمْ عامِلٌ بِاَمْرِكُمْ مُسْتَجِيرٌ بِكُمْ زائِرٌ لَكُمْ لائِذٌ عائِذٌ بِقُبُورِكُمْ (١) مُسْتِشْفَعٌ اِلىَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِكُمْ .......................................

____________________________________

(مُنْتَظِرٌ لِأَمْرِكُمْ) أي : غلبتكم على الأعادي في زمان المهدي عليه السلام أو ظهور إمامتكم.

(مُرْتَقِبٌ لِدَوْلَتِكُمْ) : وغلبتكم.

(مُسْتَجِيرٌ بِكُمْ) بالزيارة أو الأعم.

(لائِذٌ عائِذٌ بِقُبُورِكُمْ) : كما ورد في الأخبار المتواترة : بأنّ زيارتهم سبب للخلاص من النار والدخول في الجنّة (٢) ، وقد تقدّم بعضها.

(مُسْتَشْفِعٌ اِلىَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِكُمْ) أي : أجعلكم شفعائي إلى الله تعالى وأسأله بحقكم في قضاء حوائجي.

__________________

(١) في العيون والبحار : (عائذٌ بكمُ لائذٌ بقُبورِكُم). وفي التهذيب : زائر لكم ، عائذ بقبوركم.

(٢) اُنظر بحار الأنوار للعلّامة المجلسي ٩٨ : ٢١ ، باب أنّ زيارته عليه السلام توجب غفران الذنوب ... والعتق من النار ....

١٣٩

وَمُتَقَرِّبٌ بِكُمْ اِلَيْهِ وَمُقَدِّمُكُمْ اَمامَ طَلِبَتِي وَحَوائِجِي وَاِرادَتِي فِي كُلِّ اَحْوالِي وَاُمُورِي بِسِرِّكُمْ وَعَلانِيَتِكُمْ وَشاهِدِكُمْ وَغائِبِكُمْ وَاَوَّلِكُمْ .........................................

____________________________________

(وَمُتَقَرِّبٌ بِكُمْ اِلَيْهِ) أي : أجعلكم وسائل قربي إليه ، أو أتقرب إليكم حتّى مُؤْمِنٌ أتقرب إليه تعالى ، فإنّ قربكم قرب الله تعالى.

(وَمُقَدِّمُكُمْ اَمامَ طَلِبَتِي) أي : أسأله بحقكم أو اُصلّي عليكم قبل الدعوات حتّى تصير مستجابة كما ورد في الأخبار المتواترة : «إنّ الدعاء لا يقبل بدون الصلاة على محمّد وأهل بيته» (١).

(مُؤْمِنٌ بِسِرِّكُمْ وَعَلانِيَتِكُمْ) أي : باعتقاداتكم وأعمالكم أنّها لله حقاً أو بأسراركم مجملاً.

(وَشاهِدِكُمْ) : من الأئمّة الأحد عشر.

(وَغائِبِكُمْ) : المهدي عليه السلام.

(وَاَوَّلَكُمْ) : إنّه علي بن أبي طالب صلوات الله عليه.

__________________

(١) اُنظر الروايات الواردة في الكافي ٢ : ٤٩١ ، باب الصلاة على النبي محمّد وأهل بيته عليهم السلام.

١٤٠