شرح الزيارة الجامعة الكبيرة

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

شرح الزيارة الجامعة الكبيرة

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: مؤسسة الرافد للمطبوعات
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-90891-4-7
الصفحات: ١٨٨

وَرَضِيَكُمْ خُلَفاءَ فِي اَرْضِهِ وَحُجَجاً عَلى بَرِيَّتِهِ وَاَنْصاراً لِدِينِهِ وَحَفَظَةً لِسِرِّهِ وَخَزَنَةً ...

____________________________________

محمّد صلى الله عليه وآله ، وهو مع الأئمّة يسدّدهم ، وليس كلّ ما طلب وجد» (١) ، إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة ، والظاهر أنّه من الملائكة الروحانيين.

ويمكن أنْ يكون عبارة عن تنوير نفوسهم وعقولهم بالأنوار القدسية الإلهيّة.

(وَرَضِيَكُمْ خُلَفاءَ فِي اَرْضِهِ) كما قال الله تعالى : (وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) (٢) ، وروي متواتراً أنّها وردت فيهم عليهم السلام (٣) ، وكمال الاستخلاف في زمان المهدي صلوات الله عليه ، فإنّه الزمان الذي تجتمع الخلائق على

__________________

(١) أورده الكليني في الكافي ٤ : ٢٧٣ / ٤.

(٢) سورة النور ٢٤ : ٥٥.

(٣) اُنظر مجمع البيان للطبرسي ٧ : ٢٨٥ ، وتفسير البرهان للبحراني ٤ : ٨٩.

١٠١

لِعِلْمِهِ وَمُسْتَوْدَعاً لِحِكْمَتِهِ وَتَراجِمَةً لِوَحْيِهِ وَاَرْكاناً لِتَوْحِيدِهِ ........................

____________________________________

الإيمان ويرتفع الشرك بالكلية ، كما رواه العامّة أيضاً متواتراً ، وروى الخاصّة متواتراً أنّهم خلفاء الله في أرضه (١) ، ولا يكون زمان خالياً من الخليفة ، كما يظهر من قوله تعالى : (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) (٢) ، ويظهر أيضاً من قوله تعالى : (إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) (٣) ، وروي في الأخبار المتواترة أنّه لو لم يبق إلّا اثنان لكان أحدهما الإمام (٤).

(وَتَراجِمَةً) أي : مبينين (٥).

(لِوَحْيِهِ) : القرآن أو الأعم.

(وَاَرْكاناً لِتَوْحِيدِهِ) أي : رضيهم الله بأن يكونوا أركاناً للأرض لأنْ يوحّده ، كما يظهر من الأخبار المتكثرة ، وتقدّم بعضها ، أو هم

__________________

(١) اُنظر النصوص الواردة في بحار الأنوار ٢٤ : ١٦٣ ـ ١٦٧.

(٢) سورة البقرة ٢ : ٣٠.

(٣) سورة الرعد ١٣ : ٧.

(٤) انظر الاكفي للكليني ١ : ١٧٩ ، (باب أنّه لو لم يبق في الأرض إلّا رجلان لكان احدهما الحجّة).

(٥) في الأصل : مبيناً ، وما أثبتناه هو الأنسب للسياق.

١٠٢

وَشُهَداءَ عَلى خَلْقِهِ .............................................

____________________________________

الخلق المبيّنون لتوحيد الله تبارك وتعالى فكأنّهم أركانّه (١).

(وَشُهَداءَ عَلى خَلْقِهِ) : كما ورد في الأخبار المتواترة.

فمن ذلك ما رواه الكليني وغيره في الصحيح ، عن بريد العجلي ، قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : قول الله تبارك وتعالى : (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (٢) ، قال : «نحن الاُمّة الوسط ، ونحن شهداء الله تبارك وتعالى على خلقه ، وحججه في أرضه».

قلت : قوله تعالى (هُوَ اجْتَبَاكُمْ) (٣)؟ قال : «إيّانا عنى ، ونحن المجتبون ، ولم يجعل الله تبارك وتعالى في الدين من ضيق أو حرج ، فالحرج أشدّ من الضيق. (مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ) (٤) إيّانا عنى خاصّة ، (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ) الله عزّ وجلّ سمّانا المسلمين من قبل ، في الكتب التي مضت وفي هذا القرآن (لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ

__________________

(١) اُنظر الكافي للكليني ١ : ١٩٦ ، باب أنّ الأئمة عليهم السلام أركان الأرض.

(٢) سورة البقرة ٢ : ١٤٣.

(٣ و ٤) سورة الحج ٢٢ : ٧٨.

١٠٣

وَاَعْلاماً لِعِبادِهِ وَمَناراً فِي بِلادِهِ وَاَدِلّاءَ عَلى صِراطِهِ .................................

____________________________________

وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) (١) ، فرسول الله صلى الله عليه وآله الشهيد علينا بما بلّغنا عن الله تبارك وتعالى ونحن الشهداء على الناس ، فمن صدّق يوم القيامة صدّقناه ، ومن كذّب كذّبناه» (٢).

وروي أيضاً في الأخبار المتواترة أنّه أعمال هذه الأمّة أبرارها وفجّارها تعرض كلِّ صباح ومساء عليهم وتقدّم (٣).

(وَاَعْلاماً لِعِبادِهِ) أي : أئمّة يَعلم بهم أُمور دنياهم وآخرتهم.

(وَمَناراً فِي بِلادِهِ) أي : يهتدي بهم وبأنوار أخبارهم في جميع الأرض.

__________________

(١) سورة الحج ٢٢ : ٧٨.

(٢) الكافي للكليني ١ : ١٩٠ / ٢ ، باب أنّ الأئمّة شهداء الله عزّ وجلّ على خلقه.

(٣) اُنظر بصائر الدرجات ببصفار : ٤٤٤ / باب الأعمال تعرض على رسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام ، والكافي للكليني ١ : ٢١٩ / ١ ، وبحار الأنوار للمجلسي ٢٣ : ٣٣٣ / باب عرض الأعمال عليهم عليهم السلام وأنّهم الشهداء على الخلق.

١٠٤

عَصَمَكُمُ اللهُ مِنَ الزَّلَلِ وَآمَنَكُمْ مِنَ الْفِتَنِ وَطَهَّرَكُمْ مِنَ الدَّنَسِ وَاَذْهَبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ (١) وَطَهَّرَكُمْ تَطْهِيراً ...........................................

____________________________________

(عَصَمَكُمُ اللهُ مِنَ الزِّلَلِ) أي : الخطأ ، بقربهم ويقينهم حق اليقين ، وطهارتهم الأصلية ؛ فإنّ أرواحهم مخلوقة من نور الله عزّ وجلّ ، وأجسادهم من طينة أعلى عليين ، كما نطقت به الأخبار المتواترة (٢) مع تأييدهم بروح القدس وذلك كلّه يمنع من الخطأ.

(وَآمَنَكُمْ مِنَ الْفِتَنِ) : في الدين ، بصدور صغيرة أو كبيرة ، أو شكّ ممّا لا يخلو منه غيرهم.

(وَطَهَّرَكُمْ مِنَ الدَّنَسِ) : حتّى من المكروهات والمباحات ؛ فإنّها دنس بالنظر إلى علوّ مقاماتهم ، فإنّه كانت أعمالهم لله وفي الله وإلى الله.

(وَاَذْهَبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَكُمْ تَطْهِيراً) والرجس كالدنس ، أو الشرك والشكّ ، والتنوين للتعظيم ، ويدلّ على طهارتهم من كلِّ دنس.

وظاهر الأخبار المتواترة عن أهل البيت صلوات الله عليهم أنّ

__________________

(١) في الفقيه زيادة : (أهلَ البيت) وضعت بين معقوفتين.

(٢) اُنظر بحار الأنوار للمجلسي ٢٥ : ١ ، باب خلقهم وطينتهم وأرواحهم عليهم السلام.

١٠٥

...........................................

____________________________________

الآية نزلت في النبي وفاطمة والأئمّة صلوات الله عليهم أجمعين (١).

وعن العامّة في صحاحهم أنّها نزلت في الخمسة ، ولو سلّم لدلّ على عصمتهم ، وهم ذكروا عصمة البقية.

وأمّا الآية في جميعهم مع أنّ القول بعصمة الخمسة دون غيرهم خرق للإجماع المركب ، والعجب من البيضاوي وغيره أنّهم رووا في صحيحهم وذكروا في تفاسيرهم أنّها نزلت في الخمسة (٢) مع التعبير بالخطاب ، المذكور أو خلوّ الأزواج فيه ؛ على أنّهم رووا أنّ أُم سلمة أو عائشة أرادت الدخول في الكساء فمنعها رسول الله صلى الله عليه وآله وقال : «إنّك إلى خير» (٣) ، وغفلوا عن تكذيب الله ورسوله صلى الله عليه وآله ؛ فإنّ

__________________

(١) المراد من الآية هي آية التطهير في سورة الأحزاب رقم ٢٣ ، وانظر الأحاديث الواردة في تفسير هذه الآية بحقّ أهل البيت عليهم السلام في تفسير البرهان للبحراني ٤ : ٤٤٢ ـ ٤٥٢.

(٢) تفسير البيضاوي ٣ : ٨٦ ، تفسير الثعلبي ٨ : ٤٢ ، تفسير الدرّ المنثور للسيوطي ١٢ : ٣٧ ـ ٤١.

(٣) اُنظر مسند أحمد بن حنبل ٧ : ٤١٥ / ٢٥٩٦٩ ، تاريخ مدينة دمشق لابن

١٠٦

فَعَظَّمْتُمْ جَلالَهُ وَاَكْبَرْتُمْ (١) شَاْنَهُ وَمَجَّدْتُمْ كَرَمَهُ .................................

____________________________________

الأزواج لو كانت معصومة بهذه الآية لمَا وقع من عائشة ما وقع من خروجها على أمير المؤمنين عليه السلام وقتل ستة عشر ألف رجل من أولادها ، ولكن الله أعماهم عن الحق ، أو يعلمون وينكرون لمحبة دين الآباء التي رسخت في قلوبهم ، أعاذنا الله وسائر المسلمين عنها وعن أمثالها.

(فَعَظَّمْتُمْ جَلالَهُ) : بالعقد والقول والعمل ولم يقع منهم ما يدل على عدمه من ارتكاب مباحٍ.

(وَاَكْبَرْتُمْ شَاْنَهُ) : كالسابق أو أفعاله.

(وَمَجَّدْتُمْ كَرَمَهُ) أي : عظمتم ذاته الكريمة المشتملة على الصفات المجيدة أو كرامته إليكم أو الأعم.

__________________

عساكر ١٣ : ٢٠٤ ـ ٢٠٦ ، المعجم الكبير للطبراني ٣ : ٤٦ / ٢٦٦٢ ـ ٢٦٦٤ ، مستدرك الحاكم ٤ : ١٢٨ / ٤٧٦٣ ، سنن الترمذي ٥ : ٣٥١ / ٣٢٠٥ ، مسند أبي يعلى ١٢ : ٤٥١ / ٧٠٢١.

(١) في العيون : (وكبّرتم).

١٠٧

وَاَدَمنتُم (١) ذِكْرَهُ وَوَكَّدْتُمْ مِياقَهُ .........................................

____________________________________

(وَاَدمنتُم ذِكْرَهُ) : أو أدمتم ، والذكر ما يذكر الله من العبادات وترك المنهيات ، أو الذكر اللّساني ؛ فإنّه ورد في أخبار كثيرة أنّهم صلوات الله عليهم كانوا مداومين على الذكر اللساني حتّى في الأكل وغيره (٢) ، وظاهرها أنّها كانت من معجزاتهم ، كما ورد أنّهم عليهم السلام كانوا يختمون القرآن عند الركوب (٣).

(وَوَكَّدْتُمْ مِيثاقَهُ) : الذي أخذ الله تعالى من بني آدم من ظهورهم ، كما نطقت به الآيات والروايات (٤) ، والتذكير بالنظر إلى خواصّ

__________________

(١) في البحار : وأدمتم.

(٢) اُنظر أبواب عبادتهم عليهم السلام في بحار الأنوار ففيه نصوص كثيرة.

(٣) اُنظر احقاق الحق ٨ : ٧١٥ ، أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يختم القرآن عند ركوبة الدابّة. وانظر الوسائل ١٠ : ٣٠٢ / ٣ ، أنّ الإمام الباقر عليه السلام كان يختم القرآن في شهر رمضان عشر مرّات ، وانظر المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ٣٨٤ ، أنّه كان يختم القرآن في كلّ ثلاث.

(٤) الآية : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ

١٠٨

وَاحْكَمْتُمْ عَقْدَ طاعَتِهِ وَنَصَحْتُمْ لَهُ فِي السِّرِّ وَالْعَلانِيَةِ وَدَعَوْتُمْ اِلى سَبِيلِهِ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ .........................................

____________________________________

أصحابهم الذين خلعوا جلباب الشهوات عن أنفسهم بالرياضات ظاهراً ، وبالنظر إلى غيرهم ، فقولهم مع تأيّدهم بالمعجزات مفيد لليقين فكأنّهم ذكّروا.

(وَاحْكَمْتُمْ عَقْدَ طاعَتِهِ) : بالمواعظ الشافية ، أو مع أخذ البيعة عنهم ، أو بالتبليغ مع المعجزات والنصوص ، أو بإقامة الحدود بالنظر إلى بعضهم صلوات الله عليهم.

(وَنَصَحْتُمْ لَهُ) : أي لله تعالى عباده.

(فِي السِّرِّ وَالْعَلانِيَةِ وَدَعَوْتُمْ) إياهم.

(اِلى سَبِيلِهِ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) أي : بالقرآن والسنّة ، أو مقرونة بالحكمة في القول والفعل حتّى بالجهاد والحدود بالنظر إلى بعضٍ ، والموعظة بالنظر إلى آخر ، أو الجميع أو متدرّجاً.

__________________

أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ) سورة الأعراف ٧ : ١٧٢ ، اُنظر الأحاديث الواردة في تفسيرها في تفسير البرهان للبحراني ٢ : ٦٠٥ ـ ٦١٥.

١٠٩

وَبَذَلْتُمْ اَنْفُسَكُمْ فِي مَرْضاتِهِ وَصَبَرْتُمْ عَلى ما اَصابَكُمْ فِي جَنْبِهِ وَاَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيتُمُ الزَّكاةَ وَاَمَرتُمْ بِالمَعْرُوفِ وَنَهَيتُمْ عَنِ المُنْكَرِ وَجاهَدْتُمْ فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ حَتّى اَعلَنُتُمْ دَعْوَتَهُ وَبَيَّنْتُمْ فَرائِضَهُ .............................................

____________________________________

(وَبَذَلْتُمْ اَنْفُسَكُمْ فِي مَرْضاتِهِ) : بالمداومة على العبادات ، أو بإظهار الشريعة وإنْ أصابهم ما أصابهم من الشهادة سرّاً أو جهراً ، فإنّه روي في الأخبار المتكثرة أنّهم قالوا : «ما منّا إلّا وهو شهيد» (١) ، ونقل أيضاً : من سقي جبابرة وطواغيت أزمنتهم السموم.

(وَصَبَرْتُمْ عَلى ما اَصابَكُمْ فِي جَنْبِهِ) أي : في أمره ورضاه وقربه.

(وَاَقَمْتُمُ الصَّلاةَ) : حقّ إقامتها ، بل لم يقمها غيرهم كما هو حقها ، من الإخلاص وحضور القلب ، كما هو متواتر عنهم عليهم السلام وكذا البواقي ؛ وتخصيصها بالذكر من العبادات للاهتمام.

__________________

(١) أورده الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢ : ٢٢٠ / ضمن حديث ٥ ـ باب ٤٦ ، وفيه : وما منّا إلّا مقتول ، وإنّي والله لمقتول بالسم ، ومن لا يحضره الفقيه ٢ : ٥٨٥ / صدر حديث ٣١٩٢ ، عن الرضا عليه السلام قال : والله ما منّا إلّا مقتول شهيد ، والخزّاز في كفاية الأثر : ١٦٢ ، عن الحسن المجتبى عليه السلام قال : ما منّا إلّا مقتول أو مسموم ، وفي صفحة : ٢٢٧ ، قال : ما منّا إلّا مسموم أو مقتول.

١١٠

وَاَقَمْتُمْ حُدُودَهُ وَنَشَرْتُمْ (١) شَرائعَ اَحْكامِهِ وَسَنَنْتُمْ سُنَّتَهُ وَصِرْتُمْ فِي ذلِكَ مِنْهُ ......

____________________________________

(وَاَقَمْتُمْ حُدُودَهُ) : وإن كان من بعضهم أو يعم بما يشمل البعض حال التقية أو التعليم لأحكام الله تعالى.

(وَنَشَرْتُمْ شَرائعَ اَحْكامِهِ) : وإن كان من الصادقين عليهم السلام أكثر ؛ فإنّه كان لأبي عبد الله عليه السلام أربعة آلاف مصنّف ومن غير المصنّفين (٢) ما لا يحصى ، وكتاب الرجال لابن عقدة في بيان أحوالهم وكتبهم ، والإضافة من قبيل خاتم فضة أو أدلّة الأحكام من الكتاب وغيره.

(وَسَنَنْتُمْ) أي : بيّنتم.

(سُنَّتَهُ) : مفرداً أو جمعاً ، وإضافة السنّة بمعنى الطريقة إلى الله لكونه منه تعالى ، أو سنّة الرسول سنّة الله تعالى.

(وَصِرْتُمْ فِي ذلِكَ) : المذكورات.

(مِنْهُ) : تعالى.

__________________

(١) في هامش البحار في نسخة : وَفَسَّرتُم.

(٢) ظاهراً المراد من المصنّف هو الراوي فمنهم من صنّف كتباً ومنهم من لم يصنّف.

١١١

اِلَى الرِّضا وَسَلَّمْتُمْ لَهُ الْقَضاءَ وَصَدَّقْتُمْ مِنْ رُسُلِهِ مَنْ مَضى ......................

____________________________________

(اِلَى الرِّضا) أي : صار ووقع ذلك منكم بحيث رضي الله عنكم ، أو كنتم راضين عن الله تعالى ، وإن لم يكن إظهارها كما تحبّون.

ويؤيّده قوله :

(وَسَلَّمْتُمْ لَهُ الْقَضاءَ) : في منعكم (١) الطواغيت من إظهار شعائر الله كما ينبغي ، أو في جميع الأمور ، والرضا متعلّق بالمظلومية لا بالظلم ، أو بما قدّره الله تعالى من أن يكون التكليف بالالجاء ، بل يكون بالاختيار (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) (٢).

(وَصَدَّقْتُمْ مِنْ رُسُلِهِ مَنْ مَضى) أي : من مضى من رسله ، أي : جميعهم مفصلاً بإخبار الله تعالى إياكم ، أعدادهم وأحوالهم بالتصديق الصوري أو المعنوي ؛ لأنّكم مؤيّدون بالمعجزات الباهرة ، فلو لم يكن تصديقكم إياهم لما نعلم رسالتهم ، وإن وجب علينا التصديق مجملاً.

__________________

(١) بمعنى قد منعكم.

(٢) سورة النجم ٥٣ : ٣١.

١١٢

فَالراغِبُ عَنْكُمْ مارِقٌ وَاللّازِمُ لَكُمْ لاحِقٌ وَالْمُقَصِّرُ فِي حَقِّكُمْ ....................

____________________________________

(فَالراغِبُ عَنْكُمْ) : مع ظهور ذلك عنكم.

(مارِقٌ) : عن الدين ، وإن لم يكن معتقداً لمذهب الخوارج ، لأنّ من لم يقل بإمامتهم فهو كافر ، كما وردت في الأخبار المتواترة عن العامّة والخاصّة (١).

(وَاللّازِمُ لَكُمْ) : بالقول بإمامتكم أو مع متابعتكم.

(لاحِقٌ) بكم ، بل هو منكم ، كما روي : «إنَّ سلمان منّا أهل البيت» (٢) أو لاحق بالحق.

(وَالْمُقَصِّرُ فِي حَقِّكُمْ) وإمامتكم أو رتبتكم العالية أو متابعتكم أو الجميع.

__________________

(١) الظاهر أنّ المراد منه حديث : «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» اُنظر كمال الدين للصدوق : ٤٠٩ ، كفاية الأثر للخزاز : ٢٩٦ ، الثاقب في المناقب لابن حمزة : ٤٩٥ / ٢١ العمدة لابن البطريق : ٤٧١ ، وفي كتب العاكة : «من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية».

اُنظر مسند أحمد بن حنبل ٥ : ٦١ / ١٦٤٣٤ ، المعجم الكبير للطبراني ١٩ : ٣٨٨ / ٩١٠ ، مسند الشاميين له ٢ : ٤٣٧ / ١٦٥٤ ، مجمع الزوائد للهيثمي ٥ : ٢١٨ ، كنز العمال للمتقي الهندي ١ : ١٠٣ / ٤٦٤.

(٢) أورده الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢ : ٧٠ / ٢٨٢.

١١٣

زاهِقٌ وَالْحَقُّ مَعَكُمْ وَفِيكُمْ وَمِنْكُمْ ..........................................

____________________________________

(زاهقٌ) : باطل.

(وَالْحَقُّ مَعَكُمْ) : كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «الحق مع علي وهو مع الحق أينما دار» (١) ، وقال صلى الله عليه وآله : «اللهم أدر الحق معه حيثما دار» (٢) كما رواه العامّة في صحاحهم ، ومن طرق الخاصّة متواتراً من النبيّ والأئمّة عليهم السلام عنه صلى الله عليه وآله أنّه قال : «الحق مع الأئمّة الاثني عشر» (٣).

(وَفِيكُمْ) أي : في متابعتكم.

(وَمِنْكُمْ) كما روي متواتراً : «إنّ كلَّ حق بأيدي الناس فهو منّا ،

__________________

(١) أورده المفيد في المسائل العسكرية : ٥٦ (ضمن مصنفات المفيد ج ٢) الطبرسي في اعلام الورى ١ : ٣١٦ ، ابن جبر في نهج الايمان : ١٨٨ ، باختلاف يسير.

(٢) أورده الحاكم في المستدرك ٤ : ٩٣ / ٤٦٨٦ ، أبو يعلى في المسند ١ : ٤١٨ / ذيل حديث : ٥٥ ، الخوارزمي في المناقب : ١٠٤ / ضمن حديث ١٠٧ ، الفخر الرازي في التفسير ١ : ٢٠٥ ، باختلاف يسير.

(٣) لم نعثر على هكذا نصّ في كتب الحديث.

١١٤

وَاِلَيْكُمْ .........................................

____________________________________

وكلّ باطل فهو منهم» (١) ، وذكر جماعة من العلماء انتساب جميع العلماء إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه حتّى الخوارج (٢) ، ومرادهم أنّ كلّ حق يوجد في كلامهم فهو منه عليه السلام.

(وَاِلَيْكُمْ) أي : إنْ ذكر الحقّ غيرهم فهو يرجع إليهم أو إن استنبطوا شيئاً من الحق فهو يرجع إلى استنباطهم مثله حتّى اهتدوا إلى استنباطه ، ويظهر ذلك كله من تتبع آثارهم ، فإنّ الكلمات الحقة التي تذكرها الصوفية في كتبهم ، فالكلّ منهم أمّا تقية ممن كان شيعتهم وأمّا سرقة ممن كان من المخالفين ، كما يظهر من كلمات الحسن البصري وغيره ، فإنّ جميعها منقولة عن أمير المؤمنين عليه السلام.

__________________

(١) اُنظر الكافي للكليني ١ : ٣٩٩ / ١. والأحاديث التي تليه ، وكذلك بصائر الدرجات للصفّار : ٥٣٨ / باب ١٩.

(٢) صنّف المرجع الديني الاعظم السيّد حسن الصدر في ذلك كتاباً سماه بكتاب «تأسيس الشيعة» وأثبت فيه انتهاء جميع العلوم الإسلامية إلى أمير المؤمنين عليه السلام وهو كتاب طريف لابد لأهل العلم من مراجعته.

١١٥

وَاَنْتُمْ اَهْلُهُ وَمَعْدِنُهُ وَمِيراثُ النُّبُوَّةِ عِنْدَكُمْ ...........................................

____________________________________

(وَاَنْتُمْ اَهْلُهُ) : لأنّ جميع علوم الأنبياء انتهت إلى نبينا صلى الله عليه وآله ومنه إليهم عليهم السلام مع إمامتهم وعصمتهم.

(وَمَعْدِنُهُ) كما ذكر.

(وَمِيراثُ النُّبُوَّةِ عِنْدُكَمْ) : من علوم جميع الأنبياء ، وكتبهم وأخلاقهم الكاملة ، حتّى أنّه كان عندهم ألواح موسى عليه السلام وعصاه وحجره ، وخاتم سليمان عليه السلام ، وقميص يوسف عليه السلام ، وذوالفقار سيف رسول الله صلى الله عليه وآله ، ودرعه وعمامته ، ورايته وعنزته وغيرها ؛ وكان عندهم من الكتب الجامعة التي كانت من إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وخطّ عليّ عليه السلام بيده ، والجفر الذي فيه علوم الأنبياء المرسلين ، والمشهور أنّه الكتاب المعروف المرموز الذي بيننا ، وقيل غيره وهو عند صاحب الأمر صلوات الله عليه ، ومصحف فاطمة عليها السلام الذي فيه علوم ما سيأتي وكان بإملاء جبرئيل وخط أمير المؤمنين عليه السلام ، وكان ذلك بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله لدفع حزنها عليها السلام.

والمشهور أنّه الجفر الأبيض الذي عندنا وهو كالجفر الأحمر في التركيب إلّا أنّ الجفر الأحمر من جميع حروف التهجي ، والأبيض

١١٦

وَاِيابُ الْخَلْقِ اِلَيْكُمْ .........................................

____________________________________

من الحروف النورانية التي في أوائل السور ويجمعها (صراط علي حق نمسكه) (١) وقيل غيره وهو أيضاً عند الصاحب صلوات الله عليه وآله.

ويظهر من بعض الأخبار أنّ الجفر الأبيض غير مصحف فاطمة صلوات الله عليها وأنّه أيضاً كان عندهم (٢).

وكان عندهم كتاب فيه اسماء شيعتهم ، وكتاب فيه اسماء مخالفيهم.

وبالجملة : كلّ نبي ورث علماً أو غيره كما في الأخبار المتواترة فقد انتهى إليهم صلوات الله عليهم (٣).

(وَاِيابُ الْخَلْقِ اِلَيْكُمْ) أي : رجوعهم في الدنيا ؛ لأخذ المسائل

__________________

(١) اُنظر تفسير الصافي للفيض الكاشاني ١ : ٧٨ ، شرح الأسماء الحسنى للسبزواري : ٥.

(٢) اُنظر الكافي للكليني ١ : ٢٤٠ / ٣.

(٣) اُنظر الكافي للكليني ١ : ٢٢٣ / باب أنّ الأئمة ورثوا علم النبي وجميع الأنبياء والأوصياء الذين من قبلهم.

١١٧

وَحِسابُهُمْ عَلَيْكُمْ وَفَصْلُ الْخِطابِ عِنْدَكُمْ ..........................................

____________________________________

والزيارات ، وفي الآخرة ، لأجل الحساب كما روي عنهم عليهم السلام ، إنّهم الميزان (١) ، أي : الحقيقي أو الواقعي أو في الآخرة بقرينة :

(وَحِسابُهُمْ عَلَيْكُمْ) : كما قال تعالى : (إِنَّ إِلَيْنَا) أي : إلى أوليائنا بقرينة الجمع (إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم) (٢) ، وروي في الأخبار الكثيرة أنّ حساب الخلائق يوم القيامة إليهم (٣) ، ولا استبعاد في ذلك ، كما أنّ الله تعالى قرّر الشهود عليهم من الملائكة والأنبياء والأوصياء والجوارح ، مع أنّه قال تعالى : (وكفى بالله شهيداً) (٤) أو هو القادر الديان يوم القيامة ، ويمكن أن يكون مجازاً باعتبار حضورهم مع الأنبياء عند محاسبة الله تعالى إيّاهم.

(وَفَصْلُ الْخِطابِ عِنْدَكُمْ) أي : الخطاب الذي يفصل به بين الحق

__________________

(١) اُنظر بحار الأنوار ٢٤ : ١٨٧ ، باب أنّهم عليهم السلام.

(٢) سورة الغاشية ٨٨ : ٢٥ ـ ٢٦.

(٣) اُنظر بحار الأنوار ٢٧ : ٣١١ ، باب أنّهم عليهم السلام شفعاء الخلق ... وحسابهم عليهم.

(٤) سورة النساء ٤ : ٧٩ و ١٢٦ وسورة الفتح ٤٨ : ٢٨.

١١٨

وَآياتُ اللهِ لَدَيْكُمْ .............................................

____________________________________

والباطل ، كما كان لأمير المؤمنين صلوات الله عليه في الوقائع والأحكام ؛ فإنّه كان يحكم في كلّ واقعة بخلاف حكمه في الآخرة. وروي عنهم صلوات الله عليهم : «إنّ لله تبارك وتعالى في كلّ واقعة حكماً خاصاً بها» (١) وسيجيء بعضها ، ويمكن التعميم.

بحيث يشمل جميع المسائل ؛ فإنّه كان لهم في كلّ مسألة دليلاٌ قطعياً يفرّق بين الحق والباطل ، كما يظهر من الأخبار (٢).

(وَآياتُ اللهِ لَدَيْكُمْ) : وهي إمّا المعجزات التي اُعطيت جميع الأنبياء صلوات الله عليهم وغيرها التي كانت بأيديهم ويُظهرونها بحسب المصالح.

أو الآيات القرآنية ، كما أُنزلت مع تفاسيرها ومحلّ نزولها وناسخها ومنسوخها وغير ذلك.

__________________

(١) اُنظر عوالي اللئالي لابن أبي جمهور ٤ : ١٣٧ ، أربعين الشيرازي : ٤٠٧ ، ولم يرد بعنوان قولهم عليهم السلام.

(٢) اُنظر بحار الأنوار ٢٦ : ١٣٧ ـ ١٥٤. باب أنّه لا يحجب عنهم شيء من أحوال شيعتهم وما تحتاج إليه الاُمّة من جميع العلوم ....

١١٩

وَعَزائِمُهُ فِيكُمْ وَنُورُهُ وَبُرْهانُهُ .........................................

____________________________________

أو الأعم لو لم تدخل الآيات في المعجزات ، وإلّا فكلّ آية بما فيها من الحقائق الكثيرة آية تدلّ على أنّها من الله تعالى ، وعلى صدق من أُرسلت إليه ومن يبيّنها ، وكتب العامّة والخاصّة مشحونة بذكر معجزاتهم ، مع أنّ ما وصل إلينا بالنظر إلى ما لم يصل ـ باعتبار حرق كتبنا ـ كالقطرة بالنظر إلى البحر ، وكذا ما أظهروه بالنظر إلى ما لم يظهروه.

(وَعزَزائِمُهُ فِيكُمْ) أي : الجد والصبر والصدع بالحق ، أو كنتم تأخذون بالعزائم دون الرخص ، أو الواجبات اللازمة غير المرخص في تركها ، من الاعتقاد بإمامتهم وعصمتهم ووجوب متابعتهم وموالاتهم عليهم السلام بالآيات والأخبار المتواترة ، أو الأقسام التي أقسم الله تعالى بها في القرآن كالشمس والقمر والضحى بكم أو لكم ، أو بالسّور العزائم ، أو آياتها نزلت فيكم ، أو قبول الواجبات الالزمة بمتابعتكم ، أو الوفاء بالمواثيق والعهود الإلهيّة في متابعتكم.

(وَنُورُهُ) من العلوم والحقائق والهدايات.

(وَبُرْهانُهُ) من الدلائل والمعجزات.

١٢٠