نفح الطّيب - ج ٥

الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني

نفح الطّيب - ج ٥

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني


المحقق: يوسف الشيخ محمّد البقاعي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٤

وقال ابن اللبانة : كنت مع المعتمد بأغمات ، فلمّا قاربت الصّدر ، وأزمعت السفر ، صرف حيله ، واستنفد ما قبله ، وبعث إليّ مع شرف الدولة ولده ـ وهذا من بنيه أحسن الناس سمتا ، وأكثر هم صمتا ، تخجله اللفظة ، وتجرحه اللحظة ، حريص على طلب الأدب ، مسارع في اقتناء الكتب ، مثابر على نسخ الدواوين ، مفتح فيها من خطّه زهر الرياحين ـ بعشرين مثقالا مرابطية وثوبين ، غير مخيطين ، وكتب معها أبياتا منها (١) : [الوافر]

إليك النّزر من كفّ الأسير

وإن تقنع تكن عين الشكور

تقبّل ما يذوب له حياء

وإن عذرته حالات الفقير

فامتنعت من ذلك عليه ، وأجبته بأبيات منها : [الوافر]

تركت هواك وهو شقيق ديني

لئن شقّت برودي عن غدور

ولا كنت الطليق من الرزايا

إذا أصبحت أجحف بالأسير

جذيمة أنت ، والزبّاء خانت

وما أنا من يقصّر عن قصير

تصرّف في الندى حيل المعالي

فتسمح من قليل بالكثير

وأعجب منك أنك في ظلام

وترفع للعفاة منار نور (٢)

رويدك سوف توسعني سرورا

إذا عاد ارتقاؤك للسرير

وسوف تحلّني رتب المعالي

غداة تحلّ في تلك القصور

تزيد على ابن مروان عطاء

بها وأزيد ثمّ على جرير (٣)

تأهّب أن تعود إلى طلوع

فليس الخسف ملتزم البدور

وأتبعتها أبياتا منها : [الخفيف]

حاش لله أن أجيح كريما

يتشكّى فقرا وقد سدّ فقرا

وكفاني كلامك الرطب نيلا

كيف ألغي درّا وأطلب تبرا

لم تمت إنما المكارم ماتت

لا سقى الله بعدك الأرض قطرا

ورأى ابن اللبانة أحد أبناء المعتمد ، وهو غلام وسيم ، وقد اتّخذ الصياغة صناعة ، وكان

__________________

(١) ديوان ابن اللبانة ص ١٠٢.

(٢) العفاة : جمع عاف ، وهو طالب المعروف.

(٣) جرير : هو جرير بن عطية الخطفي الشاعر ، وابن مروان : هو عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي ، ممدوح جرير.

٤١

يلقّب أيام سلطانهم من الألقاب السلطانية بفخر الدولة ، فنظر إليه وهو ينفخ الفحم بقصبة الصائغ ، وقد جلس في السوق يتعلّم الصياغة ، فقال : [البسيط]

شكاتنا لك يا فخر العلا عظمت

والرزء يعظم ممّن قدره عظما (١)

طوّقت من نائبات الدهر مخنقة

ضاقت عليك وكم طوّقتنا نعما

وعاد طوقك في دكان قارعة

من بعد ما كنت في قصر حكى إرما

صرّفت في آلة الصوّاغ أنملة

لم تدر إلّا الندى والسيف والقلما

يد عهدتك للتقبيل تبسطها

فتستقلّ الثّريّا أن تكون فما

يا صائغا كانت العليا تصاغ له

حليا وكان عليه الحلي منتظما

للنفخ في الصّور هول ما حكاه سوى

هول رأيتك فيه تنفخ الفحما

وددت إذ نظرت عيني إليك به

لو أنّ عيني تشكو قبل ذاك عمى

ما حطّك الدهر لما حطّ عن شرف

ولا تحيّف من أخلاقك الكرما

لح في العلا كوكبا ، إن لم تلح قمرا

وقم بها ربوة ، إن لم تقم علما (٢)

واصبر فربتما أحمدت عاقبة

من يلزم الصبر يحمد غبّ ما لزما

والله لو أنصفتك الشهب لا نكسفت

ولو وفى لك دمع الغيث لانسجما (٣)

أبكى حديثك حتى الدّر حين غدا

يحكيك رهطا وألفاظا ومبتسما

وقال لسان الدين بن الخطيب رحمه الله تعالى : وقفت على قبر المعتمد بن عباد بمدينة أغمات في حركة راحة أعملتها إلى الجهات المراكشية ، باعثها لقاء الصالحين ومشاهدة الآثار سنة ٧٦١ ، وهو بمقبرة أغمات في نشز (٤) من الأرض ، وقد حفّت به سدرة (٥) ، وإلى جانبه قبر اعتماد حظيّته مولاة رميك ، وعليهما هيئة التغرّب ومعاناة الخمول من بعد الملك ، فلا تملّك العين دمعها عند رؤيتها ، فأنشدت في الحال : [البسيط]

قد زرت قبرك عن طوع بأغمات

رأيت ذلك من أولى المهمات

لم لا أزورك يا أندى الملوك يدا

ويا سراج الليالي المدلهمّات (٦)

وأنت من لو تخطّى الدهر مصرعه

إلى حياتي لجادت فيه أبياتي

__________________

(١) الرزء : المصيبة.

(٢) العلم : الجبل.

(٣) لانسجما : لهطل غزيرا.

(٤) النشز : الأرض المرتفعة.

(٥) السدرة : شجرة النبق.

(٦) المدلهمات : الشديدة الظلمة.

٤٢

أناف قبرك في هضب يميّزه

فتنتحيه حفيّات التحيّات

كرمت حيّا وميتا واشتهرت علا

فأنت سلطان أحياء وأموات

ما ريء مثلك في ماض ، ومعتقدي

أن لا يرى الدّهر في حال وفي آتي (١)

وقد زرت أنا قبر المعتمد بن عباد بمدينة أغمات سنة ١٠١٠ ، ورأيت فيه مثل ما ذكره لسان الدين رحمه الله تعالى ، فسبحان من لا يبيد (٢) ملكه! لا إله إلّا هو.

وأخبار المعتمد كثيرة.

وقال وزيره أبو الوليد بن زيدون : [الوافر]

متى أخف الغرام يصفه جسمي

بألسنة الضّنى الخرس الفصاح

فلو أنّ الثياب نزعن عنّي

خفيت خفاء خصرك في الوشاح

وقال يخاطب المعتمد : [المتقارب]

وطاعة أمرك فرض أرا

ه من كلّ مفترض أوكدا

هي الشّرع أصبح دين الضمير

فلو قد عصاك لقد ألحدا

وقال فيه : [الرمل]

يا ندى يمنى أبي القاسم عم

يا سنا بشر المحيّا أشمس (٣)

وارتشف معسول ثغر أشنب

لحبيب من عجاج ألعس (٤)

وقال : [الكامل]

مهما امتدحت سواك قبل فإنما

مدحي إلى مدحي لك استطراد

تغشى الميادين الفوارس حقبة

كيما يعلّمها النّزال طراد

وقال : [الوافر]

يحيّيني بريحان التّجنّي

ويصحبني معتّقة السماح

__________________

(١) ريء : رئي ، مجهول : رأى ـ أخرت عينه إلى مكان اللام. وفي ه : «في حال ولا آت».

(٢) لا يبيد : لا يفنى ولا يزول.

(٣) في ج : «يا ندى يمنى أبا القاسم غم».

(٤) الأشنب : الأبيض الأسنان ، الرقيقها. والألعس : من كان في شفته لعس وهو سمرة مستحسنة في الشفة.

٤٣

فها أنا قد ثملت من الأيادي

إذا اتّصل اغتباقي باصطباحي (١)

وكتب إلى أبي عامر يستدعيه : [السريع]

أبا المعالي ، نحن في روضة

فانقل إلينا القدم العالية

أنت الذي لو نشتري ساعة

منه بدهر لم تكن غاليه

وتذكّرت هنا قول بعض المشارقة فيما أظنّ : [الكامل]

لله أيام مضت مأنوسة

ما كان أحسنها وأنضرها معا

لو ساعة منها تباع شريتها

ولو انها بيعت بعمري أجمعا

رجع ـ وقال أبو القاسم أسعد من قصيدة المعتصم بن صمادح (٢) : [الطويل]

وقد ذاب كحل الليل في دمع فجره

إلى أن تبدّى الليل كاللمّة الشمطا

كأنّ الدّجا جيش من الزنج نافذ

وقد أرسل الإصباح في إثره القبطا

ومنها :

إذا سار سار الجود تحت لوائه

فليس يحطّ المجد إلّا إذا حطّا (٣)

وقال ابن خلصة المكفوف (٤) النحوي من قصيدة : [البسيط]

ملك تملّك حرّ المجد ، لا يده

نالت بظلم ولا مالت إلى البخل

مهذّب الجد ماضي الحدّ مضطلع

لما تحمّله العلياء من ثقل

أغرّ ، لا وعده يخشى له أبدا

خلف ولا رأيه يؤتى من الزلل

قد جاوزت نطق الجوزاء همّته

به ، وما زحلت عن مرتقى زحل

يأبى له أن يحلّ الذمّ ساحته

ما صدّ من جلل أو سدّ من خلل

ومنها :

إن لم تكن بكم حالي مبدّلة

فما انتفاعي بعلم الحال والبدل

__________________

(١) الاغتباق : شرب الغبوق ، وهو ما يشرب في العشي. والاصطباح : الشرب صباحا.

(٢) انظر المطمح ص ٨٣.

(٣) أخذ معنى البيت من أبي نواس يمدح الخصيب بقوله :

فما جازه جود ولا حل دونه

ولكن يسير الجود حيث يسير

(٤) في ج : «ابن خلعة» تحريف. وانظر ترجمة ابن خلصة في الوافي ج ٣ ص ٤٢ ، ٢٣٢.

٤٤

وقال ابن الحداد يمدح المعتصم بن صمادح : [الكامل]

عج بالحمى حيث الغياض العين

فعسى تعنّ لنا مهاه العين (١)

واستقبلن أرج النسيم فدارهم

ندّيّة الأرجاء لا دارين (٢)

أفق إذا ما رمت لحظ شموسه

صدّتك للنّقع المثار دجون (٣)

أنّى أراع لهم وبين جوانحي

شوق يهوّن خطبهم فيهون

أنّى أراع لهم وبين جوانحي

شوق يهوّن خطبهم فيهون

أنّي يصاب ضرابهم وطعانهم

صبّ بألحاظ العيون طعين

فكأنما بيض الصّفاح جداول

وكأنما سمر الرماح غصون

ذرني أسر بين الأسنّة والظّبا

فالقلب في تلك القباب رهين

يا ربّة القرط المعير خفوقه

قلبي ، أما لحراكه تسكين

توريد خدّك للصبابة مورد

وفتور طرفك للنفوس فتون

فإذا رمقت فوحي حبّك منزل

وإذا نطقت فإنه تلقين

ومنها في وصف قصر :

رأس بظهر النّون إلّا أنه

سام ، فقبّته بحيث النّون

هو جنّة الدنيا تبوّأ نزلها

ملك تملّكه التّقى والدّين

فكأنما الرحمن عجّلها له

ليرى بما قد كان ما سيكون

وكأنّ بانيه سنمّار فما

يعدوه تحسين ولا تحصين (٤)

وجزاؤه فيه نقيض جزائه

شتّان ما الإحياء والتّحيين

ومنها في المديح :

لا تلقح الأحكام حيفا عنده

فكأنها الأفعال والتنوين (٥)

ومنها :

__________________

(١) في أ: «فعسى تعنّ لنا المهاة العين».

(٢) دارين : مكان ينسب إليه المسك.

(٣) النقع : غبار المعركة. والدجون : السواد والظلمة.

(٤) سنمار : رجل بنى لملك من الملوك قصرا ، ولما أتمّه ألقاه من أعلاه لئلا يصنع مثله لغيره فضرب ذلك مثلا.

(٥) في أ: «فكأنما الأفعال والتنوين».

٤٥

وبدا هلال الأفق أحنى ناسخا

عهد الصّيام كأنه العرجون (١)

فكأنّ بين الصوم خطّط نحوه

خطّا خفيّا بان منه النّون

وقال عبد الجليل بن وهبون : [الكامل]

زعموا الغزال حكاه قلت لهم : نعم

في صدّه عن عاشقيه وهجره

وكذا يقولون المدام كريقه

يا ربّ ما علموا مذاقة ثغره

وقال أبو الحسن علي بن أحمد بن أبي وهب الأندلسي : [المنسرح]

قالوا : تدانيت من وداعهم

ولم نر الصبر عنك مغلوبا (٢)

فقلت : للعلم إنني بغد

أسمع لفظ الوداع مقلوبا (٣)

وهذا كقول بعض شعراء اليتيمة : [مخلع البسيط]

إذا دهاك الوداع فاصبر

ولا يرو عنّك البعاد

وانتظر العود عن قريب

فإنّ قلب الوداع عادوا

وقال ابن اللّبّانة : [الخفيف]

إن تكن تبتغي القتال فدعني

عنك في حومة القتال أحامي

خذ جناني عن جنّة ، ولساني

عن سنان ، وخاطري عن حسام

وقال القزاز يمدح ابن صمادح ، وخلط النسيب بالمديح : [المتقارب]

نفى الحبّ عن مقلتيّ الكرى

كما قد نفى عن يديّ العدم (٤)

فقد قرّ حبّك في خاطري

كما قرّ في راحتيك الكرم

وفرّ سلوك عن فكرتي

كما فرّ عن عرضه كلّ ذمّ

فحبّي ومفخره باقيا

ن لا يذهبان بطول القدم

فأبقى لي الحبّ خال وجدّ

وأبقى له الفخر خال وعم

__________________

(١) العرجون : عنقود النخل الذي يبقى على النخل يابسا بعد أن يقطع العذق. وفي القرآن الكريم (حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ).

(٢) في ه : «الصبر منك مغلوبا».

(٣) أراد بمقلوب الوداع «عادوا».

(٤) الكرى : النعاس.

٤٦

وقال أبو الحسن بن الحاج : [الطويل]

أذوب اشتياقا يوم يحجب شخصه

وإني على ريب الزمان لقاسي

وأذعر منه هيبة وهو المنى

كما يذعر المخمور أول كاس

وقال : [المنسرح]

من لي بطرف كأنني أبدا

منه بغير المدام مخمور

ما أصدق القائلين حين بدا :

عاشق هذا الجمال معذور

وقال (١) : [المتقارب]

أبا جعفر ، مات فيك الجمال

فأظهر خدّك لبس الحداد

وقد كان ينبت نور الربيع

فقد صار ينبت شوك القتاد (٢)

فهل كنت من عبد شمس فأخشى

عليك ظهور شعار السواد

وقال ، ما أحكمه : [السريع]

ما عجبي من بائع دينه

بلذة يبلغ فيها هواه

وإنما أعجب من خاسر

يبيع أخراه بدنيا سواه

وقال من مخمسة يرثي فيها ابن صمادح ، ويندب الأندلس زمن الفتنة : [الرجز]

من لي بمجبول على ظلم البشر

صحّف في أحكامه حاء الحور (٣)

مرّ بنا يسحب أذيال الخفر

ما أحسد الظبي له إذا نفر

وأشبه الغصن به إذا خطر

كافورة قد طرّزت بمسك

جوهرة لم تمتهن بسلك

نبذت فيها ورعي ونسكي

بعد لجاجي في التقى ومحكي

فاليوم قد صحّ رجوعي واشتهر

نهيت قدما ناظري عن نظر

علما بما يجني ركوب الغرر

__________________

(١) انظر المغرب ج ص ٢٨١ ، والقلائد ص ١٤٤.

(٢) النور : الزهر الأبيض ، أو الزهر بعامة. والقتاد : شجر صلب له شوك كالإبر.

وافي المثل يقال : «ودون ذلك خرط القتاد» للأمر الصعب.

(٣) أراد أنه صيّر الحور : الجور ، فكان جائرا في حكمه.

٤٧

وقلت عرّج عن سبيل الخطر

فاليوم قد عاين صدق الخبر

إذ بات وقفا بين دمع وسهر

سقى الحيّا عهدا لنا بالطاق

معترك الألباب والأحداق (١)

وملتقى الأنفس والأشواق

أيأس فيه الدّهر عن تلاقي

وربما ساءك دهر ثم سرّ

أحسن به مطّلعا ما أغربا

قابل من دجلة مرأى معجبا

إن طلعت شمس وقد هبّت صبا

حسبته ينشر بردا مذهبا

بمنظر فيه جلاء للبصر

يا ربّ أرض قد خلت قصورها

وأصبحت آهلة قبورها

يشغل عن زائرها مزورها

لا يأمل العودة من يزورها

هيهات : ذاك الورد ممنوع الصّدر

تنتحب الدنيا على ابن معن

كأنها ثكلى أصيبت بابن (٢)

أكرم مأمول ولا أستثني

أثني بنعماه ولا أثنّي

والروض لا ينكر معروف المطر

عهدي به والملك في ذماره

والنصر فيما شاء من أنصاره

يطلع بدر التّمّ من أزراره

وتكمن العفّة في إزاره (٣)

ويحضر السؤدد أيان حضر

قل للنوى جدّ بنا انطلاق

ما بعدت مصر ولا العراق

إذا حدا نحوهما اشتياق

ومن دواء الملل الفراق

ومن نأى عن وطن نال وطر (٤)

سار بذي برد من الإصباح

راكب نشوى ذات قصد صاح

__________________

(١) الحيا : المطر.

(٢) الثكلى ـ بفتح فسكون : المرأة التي فقدت ولدها.

(٣) في ج : «تكمن العفة في ازوراره». وقد أثبتنا ما في أ، ب ، ه ، وهو أصح. وتمكن العفة في أزراره : كناية عن ثبوت العفة.

(٤) الوطر : الحاجة.

٤٨

مسودّة مبيضّة الجناح

تسبح بين الماء والرياح

بزورها عن طافح الموج زور

يقتحم الهول بها اغترارا

في فتية تحسبها سكارى

قد افترشن المسد المغارا

حتى إذا شارفت المنارا (١)

هبّ كما بلّ العليل المحتضر (٢)

يؤمّ عدل الملك الرضيّ

الهاشميّ الطاهر النقيّ

والمجتبى من ضئضىء النبيّ

من ولد السفّاح والمهديّ (٣)

فخر معدّ ونزار ومضر

حيث ترى العباس يستسقى به

والشرف الأعظم في نصابه

والأمر موقوفا على أربابه

والدين لا تختلط الدنيا به

وسيرة الصّدّيق تمضي وعمر

وقال ابن خفاجة في صفة قوس (٤) : [الكامل]

عوجاء تعطف ثم ترسل تارة

فكأنما هي حيّة تنساب

وإذا انتحت والسهم منها خارج

فهي الهلال انقضّ منه شهاب (٥)

وقال : [الكامل]

وعسى الليالي أن تمنّ بنظمنا

عقدا كما كنّا عليه وأكملا

فلربّما نثر الجمان تعمّدا

ليعاد أحسن في النظام وأجملا

وهو من قول مهيار : [المتقارب]

عسى الله يجعلها فرقة

تعود بأكمل مستجمع

وقول المتنبي : [الوافر]

__________________

(١) المسد ، بفتح الميم والسين : الليف. وفي القرآن الكريم (فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ).

(٢) بلّ : شفي. والمحتضر : الإنسان ساعة الموت.

(٣) الضئضىء : الأصل والمعدن.

(٤) انظر ديوان ابن خفاجة ص ٣٦١.

(٥) في ب : «وإذا انحنت».

٤٩

سألت الله يجعله رحيلا

يعين على الإقامة في ذراكا (١)

وقال : [السريع]

اقض على خلّك أو ساعد

عشت بجدّ في العلا صاعد

فقد بكى جفني دما سائلا

حتى لقد ساعده ساعدي

وقال : [السريع]

وأسود يسبح في بركة

لا تكتم الحصباء غدرانها (٢)

كأنها في صفوها مقلة

زرقاء والأسود إنسانها (٣)

وقال : [الكامل]

حيّا بها ونسيمها كنسيمه

فشربتها من كفّه في ودّه

منساغة فكأنها من ريقه

محمرّة فكأنها من خدّه

وقال : [الطويل]

لعمري لو أوضعت في منهج التقى

لكان لنا في كلّ صالحة نهج

فما يستقيم الأمر والملك جائر

وهل يستقيم الظّلّ والعود معوجّ

وقال يرثي صديقا من أبيات : [الطويل]

تيقّن أنّ الله أكرم جيرة

فأزمع عن دار الحياة رحيلا

فإن أقفرت منه العيون فإنه

تعوّض منها بالقلوب بديلا

ولم أر أنسا قبله عاد وحشة

وبردا على الأكباد عاد غليلا (٤)

ومن تلك أيام السرور قصيرة

به كان ليل الحزن فيه طويلا

وقال : [المتقارب]

تفاوت نجلا أبي جعفر

فمن متعال ومن منسفل

فهذا يمين بها أكله

وهذا شمال بها يغتسل

__________________

(١) ذراكا : بفتح الذال : ناحيتك وجانبك وجوارك.

(٢) الحصباء : الحصى تحت الماء.

(٣) إنسان العين : بؤبؤها.

(٤) الغليل : شدة العطش.

٥٠

وقال ابن الرفاء : [الطويل]

ولمّا رأيت الغرب قد غصّ بالدّجا

وفي الشرق من ضوء الصباح دلائل

توهّمت أنّ الغرب بحر أخوضه

وأنّ الذي يبدو من الشرق ساحل

وقال أبو محمد بن عبد البر الكاتب : [مجزوء الكامل]

لا تكثرنّ تأمّلا

وامسك عليك عنان طرفك

فلربما أرسلته

فرماك في ميدان حتفك (١)

وقال أبو القاسم السميسر (٢) : [مخلع البسيط]

يا آكلا كلّ ما اشتهاه

وشاتم الطّبّ والطبيب

ثمار ما قد غرست تجني

فانتظر السّقم عن قريب

يجتمع الداء كلّ يوم

أغذية السّوء كالذنوب

وكان كثير الهجاء ، وله كتاب سماه ب «شفاء الأمراض ، في أخذ الأعراض» والعياذ بالله تعالى

ومن قوله : [مخلع البسيط]

خنتم فهنتم وكم أهنتم

زمان كنتم بلا عيون

فأنتم تحت كلّ تحت

وأنتم دون كلّ دون

سكنتم يا رياح عاد

وكلّ ريح إلى سكون

وقال : [مخلع البسيط]

يا مشفقا من خمول قوم

ليس لهم عندنا خلاق

ذلّوا ويا طالما أذلّوا

دعهم يذوقوا الذي أذاقوا (٣)

وقال : [الطويل]

وليتم فما أحسنتم مذ وليتم

ولا صنتم عمّن يصونكم عرضا

__________________

(١) الحتف ، بفتح فسكون : الموت ، الهلاك.

(٢) انظر الذخيرة ١ / ٢ : ٣٨٠.

(٣) في ه : «ذلوا وكم طال ما أذلوا» وما أثبتناه من أ، ب ، ج أفضل.

٥١

وكنتم سماء لا ينال منالها

فصرتم لدى من لا يسائلكم أرضا (١)

ستسترجع الأيام ما أقرضتكم

ألا إنها تسترجع الدّين والقرضا

وقال ابن شاطر السّر قسطي : [الكامل]

قد كنت لا أدري لأيّة علّة

صار البياض لباس كلّ مصاب

حتى كساني الدهر سحق ملاءة

بيضاء من شيبي لفقد شبابي

فبذا تبين لي إصابة من رأى

لبس البياض على نوى الأحباب

وهذه عادة أهل الأندلس ، ولهذا قال الحصري : [الوافر]

إذا كان البياض لباس حزن

بأندلس فذاك من الصواب

ألم ترني لبست بياض شيبي

لأني قد حزنت على الشباب

وما أحسن قوله رحمه الله تعالى : [الكامل]

لو كنت زائرتي لراعك منظري

ورأيت بي ما يصنع التفريق

ولحال من دمعي وحرّ تنفّسي

بيني وبينك لجّة وحريق (٢)

وقال ابن عبد الصمد يصف فرسا : [الطويل]

على سابح فرد يفوت بأربع

له أربعا منها الصّبا والشمائل

من الفتخ خوّار العنان كأنه

مع البرق سار أو مع السّيل سائل (٣)

وقال ابن عبد الحميد البرجي : [الوافر]

أرح متن المهنّد والجواد

فقد تعبا بجدّك في الجهاد

قضيت بعزمة حقّ العوالي

فقضّ براحة حقّ الهوادي

وقال عبادة : [الرمل]

إنما الفتح هلال طالع

لاح من أزراره في فلك (٤)

خدّه شمس ، وليل شعره

من رأى الشمس بدت في حلك

__________________

(١) في ه : «فصرتم إلى من رام يسألكم أرضا».

(٢) اللجة : معظم الماء.

(٣) الفتخ : جمع فتخاء ، وهي العقاب اللينة الجناح.

(٤) لاح : ظهر وبان.

٥٢

وقال ابن المطرف المنجم : [البسيط]

يرى العواقب في أثناء فكرته

كأنّ أفكاره بالغيب كهّان

لا طرفة منه إلّا تحتها عمل

كالدهر لا دورة إلّا لها شان

وقال أبو الحسن بن اليسع : [مخلع البسيط]

راموا ملامي وكان إغرا

وذمّ حبّي وكان إطرا (١)

لو علم العاذلون ما بي

لانقلبت فيه لامهم را

وقال : [المجتث]

لمّا قدمت وعندي

شطر من الشوق وافي

قدّمت قلبي قبلي

فصنه حتى أوافي

ولمّا خاطب المستنصر ملك إفريقية ابن سيد الناس بقوله : [البسيط]

ما حال عينيك يا عين الزمان فقد

أورثتني حزنا من أجل عينيكا

وليس لي حيلة غير الدعاء فيا

ربّ براوي الصحيحين حنانيكا

أجابه الحافظ أبو المطرف بن عميرة المخزومي خدمة عن الحافظ أبي بكر بن سيد الناس : [البسيط]

مولاي حالهما والله صالحة

لمّا سألت فأعلى الله حاليكا

ما كان من سفر أو كان من حضر

حتى تكون الثّريّا دون نعليكا

وقال الأديب أبو العباس الرصافي ، وهو من أصحاب أبي حيان : [الكامل]

هذا هلال الحسن أطلع بيننا

وجميعنا بحلى محاسنه شغف (٢)

لمّا رأى صلّ العذار بخدّه

ماء النعيم أتى إليه ليرتشف (٣)

فكأنّ ذاك الخدّ أنكر أمره

فاحمرّ من حنق عليه وقال قف (٤)

__________________

(١) في ه : «لاموا ملامي وكان إغرا» والبيت يشير إلى قول أبي نواس :

دع عنك لومي فإن اللوم إغراء

وداوني بالتي كانت هي الداء

(٢) في ه : «وجميعنا بسنا محاسنه شغف».

(٣) في ب : «لما رأى طل العذار» والصل : الثعبان ، شبه به العذار.

(٤) الحنق : الغضب.

٥٣

وقال : [الكامل]

وعشيّة نعمت بها أرواحنا

والخمر قد أخذت هنالك حقّها

وكأنما إبريقنا لما جثا

ألقى حديثا للكؤوس وقهقها

وقال الإمام الحافظ أبو الربيع بن سالم : [السريع]

كأنما إبريقنا عاشق

كلّ عن الخطو فما أعمله

غازل من كأسي حبيبا له

فكلّما قبّله أخجله

وقال أبو القاسم بن الأبرش : [الوافر]

رأيت ثلاثة تحكي ثلاثا

إذا ما كنت في التشبيه تنصف

فتنجو النيل منفعة وحسنا

وشنترين مصر ، وأنت يوسف

وقال في غريق ، وقيل : إنه ممّا تمثّل به : [السريع]

الحمد لله على كلّ حال

قد أطفأ الماء سراج الجمال

أطفأه ما كان محيا له

قد يطفئ الزيت ضياء الذبال (١)

وهو القائل أيضا : [البسيط]

لو لم يكن لي آباء أسود بهم

ولم يؤسس رجال الغرب لي شرفا

ولم أنل عند ملك العصر منزلة

لكان في سيبويه الفخر لي وكفى

فكيف علم ومجد قد جمعتهما

وكلّ مختلق في مثل ذا وقفا

وقال أبو الحسن بن حريق : [الرمل]

أصبحت تدمير مصرا كاسمها

وأبو يوسف فيها يوسفا

وقال أبو القاسم بن العطار الإشبيلي في بعض الهوزنيين وقد غرق في نهر طلبيرة عند فتحها(٢) : [الطويل]

ولمّا رأوا أن لا مقرّ لسيفه

سوى هامهم لاذوا بأجرأ منهم

فكان من النهر المعين معينهم

ومن ثلم السدّ الحسام المثلم (٣)

__________________

(١) الذبال : جمع ذبالة ، وهي الفتيلة.

(٢) انظر القلائد ص ٢٨٨.

(٣) في ه : «ومن قلم السد الحسام المثلّم».

٥٤

فيا عجبا للبحر غالته نطفة

وللأسد الضّرغام أرداه أرقم (١)

وقال أبو العباس اللص (٢) : [المتقارب]

وقائلة والضّنا شاملي

علام سهرت ولم ترقد

وقد ذاب جسمك فوق الفرا

ش حتى خفيت على العوّد

فقلت وكيف أرى نائما

ورائي المنيّة بالمرصد

ولمّا قرىء عليه ديوان أبي تمام ، ومرّ فيه وصف سيف ، قال : أنا أشعر منه حيث أقول : [الوافر]

تراه في غداة الغيم شمسا

وفي الظّلماء نجما أو ذبالا

يروعهم معاينة ووهما

ولو ناموا لروعهم خيالا

وقال أبو إسحاق الإلبيري (٣) : [الطويل]

تمر لداتي واحدا بعد واحد

وأعلم أني بعدهم غير خالد (٤)

وأحمل موتاهم وأشهد دفنهم

كأني بعيد عنهم غير شاهد

فها أنا في علمي لهم وجهالتي

كمستيقظ يرنو بمقلة راقد (٥)

قيل : وقال في البيت الثاني.

كأنّي عنهم غائب غير شاهد

لكان أحسن وأبدع وأبرع في الصناعة الشعرية ، قاله ابن الأبار رحمه الله تعالى.

وقال الوزير أبو الوليد بن مسلمة (٦) : [المتقارب]

إذا خانك الرزق في بلدة

ووافاك من همّها ما كثر

فمفتاح رزقك في بلدة

سواها فردها تنل ما يسر

كذا المبهمات بوسط الكتا

ب مفتاحها أبدا في الطّرر

وقال أبو الطاهر إسماعيل الخشني الجياني المعروف بابن أبي ركب (٧) ، وقيل : إن أخاه الأستاذ أبا بكر هو المعروف بذلك : [مجزوء الوافر]

__________________

(١) الأرقم : ذكر الحيات أو أخبثها.

(٢) انظر التكملة ص ٨٠.

(٣) انظر ديوان الإلبيري ص ١٥٩.

(٤) لداتي : الذين تربوا معي.

(٥) يرنو : ينظر.

(٦) انظر التكملة ص ١٨٤.

(٧) في أ: «ابن أبي راكب» وانظر التكملة ص ١٨٥.

٥٥

يقول الناس في مثل

تذكّر غائبا تره

فمالي لا أرى سكني

ولا أنسى تذكّره

وأنشد أبو المعالي الإشبيلي الواعظ بمسجد رحبة القاضي من بلنسية أبياتا منها (١) : [مجزوءالرمل]

أنا في الغربة أبكي

ما بكت عين غريب

لم أكن يوم خروجي

من بلادي بمصيب

عجبا لي ولتركي

وطنا فيه حبيبي

وقال أبو القاسم بن الأنقر السّرقسطي (٢) : [الكامل]

احفظ لسانك والجوارح كلّها

فلكلّ جارحة عليك لسان

واخزن لسانك ما استطعت فإنه

ليث هصور والكلام سنان (٣)

وقال أبو القاسم خلف (٤) بن يحيى بن خطاب الزاهد ، ممّا نسبه لأبي وهب الزاهد : [الخفيف]

قد تخيرت أن أكون مخفّا

ليس لي من مطيّهم غير رجلي (٥)

فإذا كنت بين ركب فقالوا

قدّموا للرحيل قدّمت نعلي

حيثما كنت لا أخلّف رحلا

من رآني فقد رآني ورحلي

وقال أبو عبد الله بن محمد بن فتح الأنصاري الثّغري (٦) : [البسيط]

كم من قويّ قويّ في تقلّبه

مهذّب الرأي عنه الرزق ينحرف

ومن ضعيف ضعيف الرأي مختبل

كأنه من خليج البحر يغترف

وقال أبو القاسم محمد بن نصير الكاتب (٧) : [الوافر]

مضت أعمارنا ومضت سنونا

فلم تظفر بذي ثقة يدان

وجرّبنا الزمان فلم يفدنا

سوى التخويف من أهل الزمان

__________________

(١) انظر التكملة ص ١٩٦.

(٢) انظر التكملة ص ٣٠١.

(٣) الهصور : الأسد.

(٤) في ه : «القاسم بن خلف».

(٥) في ه : «ليس من مطية غير رجلي».

(٦) انظر التكملة ص ٣٧٥.

(٧) انظر التكملة ص ٣٧٨.

٥٦

وحكي عن الفقيه الأديب النحوي أبي عبد الله محمد بن ميمون الحسيني ، قال : كانت لي في صبوتي جارية ، وكنت مغرى بها ، وكان أبي ، رحمه الله ، يعذلني ويعرض لي ببيعها ؛ لأنها كانت تشغلني عن الطلب والبحث عليه ، فكان عذله يزيدني إغراء بها ، فرأيت ليلة في المنام كأنّ رجلا يأتيني في زيّ أهل المشرق كلّ ثيابه بيض ، وكان يلقى في نفسي أنه الحسين بن علي بن أبي طالب ، رضي الله تعالى عنهما ، وكان ينشدني : [الكامل]

تصبو إلى ميّ ، وميّ لا تني

تزهو ببلواك التي لا تنقضي

وفخارك القوم الألى ما منهم

إلّا إمام أو وصيّ أو نبي

فاثن عنانك للهدى عن ذي الهوى

وخف الإله عليك ويحك وارعوي

قال : فانتبهت فزعا مفكرا فيما رأيته ، فسألت الجارية : هل كان لها اسم قبل أن تتسمّى بالاسم الذي أعرفه؟ فقالت : لا ، ثم عاودتها حتى ذكرت أنها كانت تسمى ميّة ، فبعتها حينئذ ، وعلمت أنه وعظ وعظني الله به عزّ وجلّ ، وبشرى.

وقال ابن الحداد أوّل قصيدته «حديقة الحقيقة» (١) : [الخفيف]

ذهب الناس فانفرادي أنيسي

وكتابي محدّثي وجليسي

صاحب قد أمنت منه ملالا

واختلالا وكلّ خلق بئيس

ليس في نوعه بحيّ ولكن

يلتقي الحيّ منه بالمرموس (٢)

وقال بعض أهل الجزيرة الخضراء : [السريع]

ألحاظكم تجرحنا في الحشا

ولحظنا يجرحكم في الخدود

جرح بجرح فاجعلوا ذا بذا

فما الذي أوجب جرح الصدود

وقال ابن النعمة : إنهما لابن شرف ، وقد ذكرناهما مع جوابهما في غير هذا الموضع.

وقال المعتمد بن عباد (٣) : [البسيط]

اقنع بحظّك في دنياك ما كانا

وعزّ نفسك إن فارقت أوطانا

في الله من كلّ مفقود مضى عوض

فأشعر القلب سلوانا وإيمانا

__________________

(١) انظر التكملة ص ٣٩٩.

(٢) المرموس : المقبور ، والرمس : القبر.

(٣) انظر ديوان المعتمد بن عباد ص ١١٤.

٥٧

أكلّما سنحت ذكرى طربت لها

مجّت دموعك في خدّيك طوفانا

أما سمعت بسلطان شبيهك قد

بزّته سود خطوب الدهر سلطانا (١)

وطّن على الكره وارقب إثره فرجا

واستغفر الله تغنم منه غفرانا

وقال أبو عامر البرياني في الصنم الذي بشاطبة (٢) : [البسيط]

بقيّة من بقايا الروم معجبة

أبدى البناة بها من علمهم حكما

لم أدر ما أضمروا فيه سوى أمم

تتابعت بعد سمّوه لنا صنما

كالمبرد الفرد ما أخطا مشبّهه

حقّا لقد برد الأيام والأمما

كأنه واعظ طال الوقوف به

ممّا يحدّث عن عاد وعن إرما

فانظر إلى حجر صلد يكلّمنا

أسمى وأوعظ من قسّ لمن فهما (٣)

قيل : لو قال مكان «حكما» «علما» لأحسن.

وقال السميسر (٤) : [المتقارب]

إذا شئت إبقاء أحوالكا

فلا تجر جاها على بالكا

وكن كالطريق لمجتازها

يمرّ وأنت على حالكا

وقال : [مجزوء الرمل]

هن إذا ما نلت حظا

فأخو العقل يهون

فمتى حطّك دهر

فكما كنت تكون

وقال أبو الربيع بن سالم الكلاعي : أنشدني أبو محمد الشلبي ، أنشدني أبو بكر بن منخل ، لنفسه (٥) : [الطويل]

مضت لي ستّ بعد سبعين حجّة

ولي حركات بعدها وسكون

فيا ليت شعري أين أو كيف أو متى

يكون الذي لا بدّ أن سيكون

__________________

(١) بزته سلطانه : غلبته عليه وسلبته إياه.

(٢) انظر التكملة ص ٤٣٦.

(٣) قس : هو قس بن ساعدة الإيادي أحد خطباء العرب المشهورين في الجاهلية.

(٤) انظر التكملة ص ٤٧٠.

(٥) انظر التكملة ص ٤٩٦.

٥٨

وقال أبو محمد عبد الحق الإشبيلي : [البسيط]

لا يخدعنّك عن دين الهدى نفر

لم يرزقوا في التماس الحقّ تأييدا

عمي القلوب عروا عن كلّ فائدة

لأنهم كفروا بالله تقليدا

وقال أبو محمد بن صارة : [الوافر]

بنو الدنيا بجهل عظّموها

فعزّت عندهم وهي الحقيره

يهارش بعضهم بعضا عليها

مهارشة الكلاب على العقيره (١)

وقال : [الكامل]

اسعد بمالك في الحياة ولا تكن

تبقي عليه حذار فقر حادث

فالبخل بين الحادثين ، وإنما

مال البخيل لحادث أو وارث

ودخل أبو محمد الطائي القرطبي على القاضي أبي الوليد بن رشد ، فأنشده ارتجالا (٢) : [مخلع البسيط]

قد قام لي السّيّد الهمام

قاضي قضاة الورى الإمام (٣)

فقلت قم بي ولا تقم لي

فقلّما يؤكل القيام (٤)

وقال الحافظ أبو محمد بن حزم : [الخفيف]

لا تلمني لأن سبقت لحظّ

فات إدراكه ذوي الألباب

يسبق الكلب وثبة اللّيث في العد

وويعلو النّخال فوق اللّباب

وقال أبو عبد الله الجبلي الطبيب القرطبي : [البسيط]

اشدد يديك على كلب ظفرت به

ولا تدعه فإنّ الناس قد ماتوا

قلت : تذكرت بهذا قول الآخر : [البسيط]

اشدد يديك بكلب إن ظفرت به

فأكثر الناس قد صاروا خنازيرا

وقال محمد بن عبد الله الحضرمي مولى بني أمية : [مجزوء الخفيف]

__________________

(١) العقيرة : ما عقر من صيد أو غيره.

(٢) انظر التكملة ص ٨٢٤.

(٣) في ب ، ه : «قام لي السيد الهمام».

(٤) قم بي : أراد به : تكفل بشؤوني واضمن لي معاشي.

٥٩

عاشر الناس بالجمي

ل وسدّد وقارب

واحترس من أذى الكرا

م وجد بالمواهب

لا يسود الجميع من

لم يقم بالنوائب

ويحوط الأذى وير

عى ذمام الأقارب

لا تواصل إلّا الشري

ف الكريم المناصب

من له خير شاهد

وله خير غائب

واجتنب وصل كلّ وغ

د دنيء المكاسب

وقال الكاتب الحافظ أبو عبد الله بن الأبّار (١) : [مجزوء الكامل]

لله نهر كالحباب

ترقيشه سامي الحباب (٢)

يصف السماء صفاؤه

فحصاه ليس بذي احتجاب

وكأنما هو رقّة

من خالص الذهب المذاب

غارت على شطيه أب

كار المنى عصر الشباب

والظّلّ يبدو فوقه

كالخال في خدّ الكعاب (٣)

لا بل أدار عليه خو

ف الشمس منه كالنقاب

مثل المجرّة جرّ في

ها ذيله جون السحاب (٤)

وقال : [الكامل]

شتّى محاسنه ، فمن زهر على

نهر تسلسل كالحباب تسلسلا

غربت به شمس الظهيرة لاتني

إحراق صفحته لهيبا مشعلا (٥)

حتى كساه الدوح من أفنانه

بردا بمزن في الأصيل مسلسلا (٦)

وكأنما لمع الظلال بمتنه

قطع الدماء جمدن حين تحلّلا

__________________

(١) انظر أزهار الرياض ج ٣ ص ٢٢٣.

(٢) الحباب ـ بضم الحاء ـ الحية. وبفتحها : الفقاقيع التي تظهر على سطح الماء أو الخمر.

(٣) في ج : «والطلّ يبدو فوقه». والكعاب : الفتاة كعب ثدياها.

(٤) جون السحاب : أسودها.

(٥) لاتني : أراد لا تتردد أو تتقاعس.

(٦) الدّوح : الشجر الكثير الملتف. والمزن : جمع مزنة وهي السحابة ذات الماء.

٦٠