نفح الطّيب - ج ٥

الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني

نفح الطّيب - ج ٥

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني


المحقق: يوسف الشيخ محمّد البقاعي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٤

وكان المذكور من أهل العلم والأدب ، رحل وحج وتجوّل في البلاد ، ونزل القاهرة المعزية ، وكان أحد السياحين (١) في الأرض ، وله تآليف منها «جامع أنماط الوسائل ، في القريض والخطب والرسائل» وأكثره نظمه ونثره ، رحمه الله تعالى!.

وقال عبد العليم بن عبد الملك بن حبيب القضاعي الطّرطوشي : [الطويل]

وما الناس إلا كالصّحائف عبرة

وألسنهم إلا كمثل التّراجم (٢)

إذا اشتجر الخصمان في فطنة الفتى

فمقوله في ذاك أعدل حاكم (٣)

وقال أبو الحكم عبد المحسن البلنسي : [البسيط]

من كان للدّهر خدنا في تصرّفه

أبدت له صفحة الدهر الأعاجيبا (٤)

من كان خلوا من الآداب سربله

مرّ الليالي على الأيام تأديبا (٥)

وقال أبو حاتم عمر بن محمد بن فرج من أهل ميرتلة (٦) : مدينة بغرب الأندلس ، يمدح شهاب (٧) القضاعي : [الكامل]

شهب السّماء ضياؤها مستور

عنا إذا أفلت توارى النّور

فانزع هديت إلى شهاب نوره

متألّق آماله تبصير

تشفى جواهره القلوب من العمى

ولطالما انشرحت بهنّ صدور

فإذا أتى فيه حديث محمّد

خذ في الصلاة عليه يا مغرور

وترحّمنّ على القضاعي الذي

وضع الشهاب فسعيه مشكور

وقال الأستاذ أبو محمد غانم بن الوليد المخزومي (٨) المالقي : [السريع]

ثلاثة يجهل مقدارها

الأمن والصّحّة والقوت

__________________

(١) في ه «وكان من أهل العلم والأدب السياحين في الأرض».

(٢) في ب ، ه «وما الناس إلا كالصحائف غيرت».

(٣) في ب ، ه «في فتنة الفتى».

(٤) الخدن : الصديق.

(٥) في ج «من الليالي على الأيام ...». وسربله : ألبسه سربالا.

(٦) في ج «مبرتلة مدينة بقرب الأندلس». وما أثبتناه عن أ، ب ، ه يوافق ما ذكره ياقوت في معجم البلدان.

(٧) في ج «يمدح شهاب الدين القضاعي». والشهاب اسم كتاب للقضاعي.

(٨) في ب ، ه «بن وليد».

٢٤١

فلا تثق بالمال من غيرها

لو أنّه درّ وياقوت

وتذكرت بهذا قول الآخر : [الهزج]

إذا ما القوت يأتي ل

ك والصحة والأمن (١)

وأصبحت أخا حزن

فلا فارقك الحزن

وكل ذلك أصله الحديث النبوي «من أصبح آمنا في سربه ، معافى في بدنه ، معه قوت يومه ، فكأنما سيقت له الدنيا بحذافيرها» (٢).

وأخبرنا شيخنا القصار أبو عبد الله محمد بن قاسم القيسي مفتي مدينة فاس وخطيبها سنة عشر وألف ، قال : حدثنا شيخنا أبو عبد الله محمد بن أبي الفضل التونسي نزيل فاس الشهير بخروف ، حدثنا (٣) الإمام سيدي فرج الشريف الطحطحائي (٤) ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم يقول : «من أصبح آمنا في سربه ـ الحديث».

رجع :

وقال الأستاذ العارف بالله سيدي أبو العباس أحمد بن العريف الأندلسي دفين مراكش ، وقد زرت قبره بها سنة ١٠١٠ : [الوافر]

إذا نزلت بساحتك الرزايا

فلا تجزع لها جزع الصّبيّ (٥)

فإنّ لكل نازلة عزاء

بما قد كان من فقد النبيّ

وقال رحمه الله تعالى : [البسيط]

شدّوا الرحال وقد نالوا المنى بمنّى

وكلّهم بأليم الشوق قد باحا

راحت ركائبهم تندى روائحها

طيبا بما طاب ذاك الوفد أشباحا

نسيم قبر النبي المصطفى لهم

راح إذا سكروا من أجله فاحا

يا راحلين إلى المختار من مضر

زرتم جسوما وزرنا نحن أرواحا

__________________

(١) في ب ، ه «إذا القوت تأتّى لك».

(٢) في ب «وكل ذلك أصله الحديث النبوي [على صاحبه أفضل الصلاة وأزكى التسليم فإنه قال] : من أصبح ... الحديث».

(٣) في ب «بخروف [قال] حدثنا ...».

(٤) في ب «الطحطحاوي».

(٥) الرزايا : جمع رزية ، وهي المصيبة الشديدة.

٢٤٢

إنا أقمنا على شوق وعن قدر

ومن أقام على عذر كمن راحا

وقال أبو محمد المحاربي : [مجزوء الكامل]

داء الزّمان وأهله

داء يعزّ له العلاج

أطلعت في ظلمائه

رأيا كما سطع السّراج

لمعاشر أعيا ثقا

في من قناتهم اعوجاج (١)

كالدر ما لم تختبر

فإذا اختبرت فهم زجاج

وقال أبو عبد الله غريب الثقفي القرطبي : [الوافر]

تهددني بمخلوق ضعيف

يهاب من المنية ما أهاب (٢)

له أجل ولي أجل وكل

سيبلغ حيث يبلغه الكتاب

وما يدري لعل الموت منه

قريب أينا قبل المصاب (٣)

وله : [الرمل]

أيها الآمل ما ليس له

طالما غر جهولا أمله

ربما بات يمنّي نفسه

خانه دون مناه أجله (٤)

وفتى بكر في حاجاته

عاجلا أعقب ريثا عجله (٥)

قل لمن مثل في أشعاره

يذهب المرء ويبقى مثله

نافس المحسن في إحسانه

فسيكفيك مسيئا عمله (٦)

قال ابن الأبار : وهذا البيت الأخير في برنامج الطبني.

وقال أبو الحسن سليمان بن الطراوة النحوي المالقي : [الوافر]

وقائلة أتصبو للغواني

وقد أضحى بمفرقك النّهار

__________________

(١) الثقاف : حديدة أو خشبة تقوّم بها الرمام وتسوّى.

(٢) في ب «يهدّدني بمخلوق ...».

(٣) في أ«أينا منه المصاب» وفي ه «أينا هو المصاب».

(٤) في ب «ربّ من بات يمني نفسه».

(٥) الرّيث : البطء.

(٦) في ه «نافس المجلس في إحسانه».

٢٤٣

فقلت لها حثثت على التصابي

(أحقّ الخيل بالرّكض المعار)

وقال الحافظ أبو الربيع بن سالم : [الطويل]

إذا برمت نفسي بحال أحلتها

على أمل ناء فقرت به النّفس (١)

وأنزل أرجاء الرجاء ركائبي

إذا رام إلماما بساحتي اليأس

وإن أو حشتني من أمانيّ نبوة

فلي في الرضا بالله والقدر الأنس

وقال أبو الحسن سلام بن عبد الله بن سلام الباهلي الإشبيلي مما أنشده لنفسه في كتابه الذي سماه «بالذخائر والأعلاق ، في أدب النفوس ومكارم الأخلاق» : [الطويل]

إذا تمّ عقل المرء تمّت فضائله

وقامت على الإحسان منه دلائله

فلا تنكر الأبصار ما هو فاعله

ولا تنكر الأسماع ما هو قائله

وكان أبو المذكور من وزراء المعتمد بن عباد ، رحم الله تعالى الجميع!.

وقال أبو بكر الزبيدي اللغوي : [الرمل]

اترك الهم إذا ما طرقك

وكل الأمر إلى من خلقك (٢)

وإذا أمل قوم أحدا

فإلى ربك فامدد عنقك

وقال القاضي أبو الوليد هشام بن محمد القيسي الشّلبي المعروف بابن الطلا (٣) : فاوضت القاضي أبا محمد عبد الله (٤) بن شبرين ما يحذر من فتنة النظر إلى الوجوه الحسان ، فقلت : [البسيط]

لا تنظرن إلى ذي رونق أبدا

واحذر عقوبة ما يأتي به النظر

فكم صريع رأيناه صريع هوى

من نظرة قادها يوما له القدر

فأجابني في المعنى الذي انتحيته : [البسيط]

إذا نظرت فلا تولع بتقليب

فربما نظرة عادت بتعذيب

و «رب» هنا للتكثير.

__________________

(١) برمت نفسي بحال : ضجرت. وناء : بعيد.

(٢) كل : اترك.

(٣) في ب «المعروف بابن الطلاء».

(٤) في ب ، ه «فاوضت القاضي أبا عبد الله بن شبرين».

٢٤٤

وقال الأستاذ ابن حوط الله : [الوافر]

أتدري أنّك الخطّاء حقّا

وأنك بالذي تأتي رهين

وتغتاب الألى فعلوا وقالوا

وذاك الظن والإفك المبين (١)

قال في «الإحاطة» أبو محمد عبد الله بن سليمان بن داود بن عمر بن حوط الله الأنصاري الحارثي ، كان فقيها جليلا أصوليا كاتبا أديبا شاعرا متفننا في العلوم ورعا دينا حافظا ثبتا فاضلا ، درس كتاب سيبويه ومستصفى أبي حامد الغزالي ، وكان ـ رحمه الله تعالى! ـ مشهورا بالعقل والفضل ، معظما عند الملوك ، معلوم القدر لديهم ، يخطب في مجالس الأمراء والمحافل الجمهورية ، مقدما في ذلك بلاغة وفصاحة إلى أبعد مضمار ، ولي قضاء إشبيلية وقرطبة ومرسية وسبتة وسلا وميورقة ، فتظاهر بالعدل ، وعرف بما أبطن من الدين والفضل ، وكان من العلماء العاملين ، مجانبا لأهل البدع والأهواء ، بارع الخط ، حسن التقييد ، وسمع الحديث ، فحصل له سماع لم يشاركه فيه أحد من أهل الغرب ، وسمع على الجهابذة كابن بشكوال وغيره ، وقرأ أكثر من ستين تأليفا بين كبار وصغار ، وكمل له على أبي محمد بن عبد الله بين قراءة وسماع نحو من ستة وثلاثين تأليفا ، منها الصحيحان ، وأكثر عن ابن حبيش وابن الفخار والسهيلي وغيرهم ، ومولده في محرم سنة ٥٤١ (٢) ، ومات بغرناطة سحر يوم الخميس ثاني ربيع الأول سنة ٦١٢ ، ونقل منها في تابوته الذي ألحد فيه يوم السبت تاسع عشر شعبان من السنة المذكورة إلى مالقة فدفن بها ، رحمه الله تعالى! انتهى ، وبعضه بالمعنى مختصرا.

وللمذكور ترجمة واسعة جدا ، وألمعت بما ذكر على وجه التبرك بذكره ، رحمه الله تعالى ورضي عنه!.

وقال أبو المتوكل الهيثم بن أحمد السكوني الإشبيلي : [البسيط]

يجفى الفقير ويغشى الناس قاطبة

باب الغنى ، كذا حكم المقادير (٣)

وإنما الناس أمثال الفراش فهم

يرون حيث مصابيح الدّنانير

وقال تلميذه ابن الأبار : أنشدني بعض أصحابنا عنه هذين البيتين ، ولم أسمعهما منه ، انتهى.

__________________

(١) الإفك : الكذب والافتراء.

(٢) في ه «سنة ٥٤٨».

(٣) في ه «يخفى الفقير». وقد أثبتنا ما في أ، ب ، ج.

٢٤٥

قلت : وبهذا تعرف وهم من نسب البيتين إلى عبد المهيمن الحضرمي [فإن هذا كان قبل أن يخلق والد عبد المهيمن الحضرمي](١) ، وقد أنشدهما أيضا ابن الجلاب الفهري في «روح الشعر ، وروح الشحر» (٢).

وقال أبو محمد القاسم بن الفتح الحجاري المعروف بابن افريولة : [الطويل]

ركابي بأرجاء الرّجاء مناخة

ورائدها علمي بأنك لي ربّ

وأنك علّام بما أنا قائل

كما أنت علّام بما أضمر القلب

لئن آدها ذنب تولّت بعبئه

لقد قرعت بابا به يغفر الذّنب (٣)

وقال أيضا : [الكامل]

عجبا لحبر قد تيقّن أنّه

سيرى اقتراف يديه في ميزانه (٤)

ثمّ امتطى ظهر المعاصي جهرة

لم يثنه التأنيب عن عصيانه

أنّى عصى ولكل جزء نعمة

من نفسه وزمانه ومكانه

وقال الشاعر الكبير الشهير أبو بكر يحيى بن عبد الجليل بن مجبر (٥) الفهري : [البسيط]

إنّ الشّدائد قد تغشى الكريم لأن

تبين فضل سجاياه وتوضحه

كمبرد القين إذ يعلو الحديد به

وليس يأكله إلا ليصلحه (٦)

وقال : [السريع]

لا تغبط المجدب في علمه

وإن رأيت الخصب في حاله

إنّ الّذي ضيّع من نفسه

فوق الذي ثمّر من ماله

وقال أبو الحجاج يوسف بن أحمد الأنصاري المنصفي البلنسي : [السريع]

قالت لي النّفس أتاك الرّدى

وأنت في بحر الخطايا مقيم

هل اتّخذت الزّاد قلت اقصري

هل يحمل الزاد لدار الكريم (٧)

وكان المنصفي المذكور صالحا ، وله رحلة حج فيها ، ومال إلى علم التصوّف ، رحمه الله تعالى ، وله فيه أشعار حملت عنه.

__________________

(١) ما بين حاصرتين لا يوجد في ج.

(٢) في ه «روح الشعر ، ودوح الشحر».

(٣) آداها : ثقل عليها وأضعفها.

(٤) الحبر : العالم.

(٥) في أ«بن مجير».

(٦) القين : الحداد.

(٧) في ب ، ه «هلّا اتخذت الزاد».

٢٤٦

وقال أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن الصائغ (١) القرشي الأموي الأندلسي مخمسا أبيات عز الدين بن جماعة قاضي القضاة رحمه الله تعالى : [البسيط]

همّ الأبيّ على مقدار منصبه

وبسط راحته في طي منصبه

ما أنت والدهر تشكو من تقلّبه

يا مبتلى بقضاء قد بليت به

عليك بالصبر واحذر يا أخي جزعك

صبرا فللصبر في حرب العدا عدد

ذر العدوّ يمته الغيظ والحسد

ولا يكن لك إلا الله معتمد

واعلم بأن جميع الخلق لو قصدوا

أذاك لم يقدروا والله قد رفعك

أعلاك في رتب غر معظمة

بالعرف معروفة بالعلم معلمة (٢)

ومن يناويك في بهماء مظلمة

فاصرف هواك وجانب كل مظلمة (٣)

واصحب فديتك من بالنصح قد نفعك

قد اجتلبت من الأيام تبصرة

وقد كفاك الهدى والذكر تذكرة

فاشكر وقدم مع الإخلاص معذرة

واسأل إلهك في الإسحار مغفرة

منه وكن معه حتى يكون معك

وتوفي المذكور بالقاهرة في الطاعون العام سنة ٧٤٩.

وقال أبو عبد الله الحميدي : [البسيط]

الناس نبت وأرباب القلوب لهم

روض وأهل الحديث الماء والزّهر

من كان قول رسول الله حاكمه

فلا شهود له إلا الألى ذكروا (٤)

وقال أيضا : [الكامل]

من لم يكن للعلم عند فنائه

أرج فإن بقاءه كفنائه (٥)

__________________

(١) انظر ترجمته في الوافي ٣ : ٣٧٥.

(٢) في ه «أعلاك في رتب عز معظمة» تحريف. ومعلمة : أي بها علامة.

(٣) يناويك : يناوئك. والبهماء : المشكلة الصعبة الحل.

(٤) الألى : الذين.

(٥) الأرج : الريح الطيبة.

٢٤٧

بالعلم يحيا المرء طول حياته

فإذا انقضى أحياه حسن ثنائه

وقال أيضا : [البسيط]

دين الفقيه حديث يستضيء به

عند الحجاج وإلا كان في الظلم

إن تاه ذو مذهب في قفر مشكلة

لاح الحديث له في الوقت كالعلم (١)

ولما تعرض بعض من لا يبالي بما ارتكب إلى أصحاب الحديث بقوله : [الطويل]

أرى الخير في الدنيا يقل كثيره

وينقص نقصا والحديث يزيد

فلو كان خيرا كان كالخير كله

ولكنّ شيطان الحديث مريد (٢)

ولابن معين في الرجال مقالة

سيسأل عنها والمليك شهيد

فإن يك حقا قوله فهي غيبة

وإن يك زورا فالقصاص شديد

أجابه الإمام أبو عبد الله الحميدي بقصيدة طويلة ، منها : [الطويل]

وإنّي إلى إبطال قولك قاصد

ولي من شهادات النصوص جنود

إذا لم يكن خيرا كلام نبينا

لديك فإن الخير منك بعيد

وأقبح شيء أن جعلت لما أتى

عن الله شيطانا وذاك شديد

وما زلت في ذكر الزيادة معجبا

بها تبدىء التلبيس ثم تعيد

كلام رسول الله وحي ومن يرم

زيادة شيء فهو فيه عنيد

ومنها في ابن معين : [الطويل]

وما هو إلا واحد من جماعة

وكلهم فيما حكوه شهود

فإن صد عن حكم الشهادة جاهل

فإن كتاب الله فيه عتيد

ولولا رواة الدين ضاع وأصبحت

معالمه في الآخرين تبيد

هم حفظوا الآثار من كل شبهة

وغيرهم عما اقتنوه رقود (٣)

وهم هاجروا في جمعها وتبادروا

إلى كل أفق والمرام كؤود (٤)

__________________

(١) العلم : الجبل.

(٢) المريد : المتمرد ، المتعري من الخيرات. وفي التنزيل الحكيم (وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ).

(٣) رقود : نيام.

(٤) الكؤود : الصعب المرتقى.

٢٤٨

وقاموا بتعديل الرواة وجرحهم

فدام صحيح النقل وهو حديد

بتبليغهم صحت شرائع ديننا

حدود تحرّوا حفظها وعهود

وصح لأهل النقل منها احتجاجهم

فلم يبق إلا عاند وحقود

وحسبهم أن الصحابة بلغوا

وعنهم رووا لا يستطاع جحود

فن حاد عن هذا اليقين فمارق

مريد لإظهار الشكوك مريد

ولكن إذا جاء الهدى ودليله

فليس لموجود الضلال وجود

وإن رام أعداء الديانة كيدها

فكيدهم بالمخزيات مكيد

وقال أبو بكر محمد بن محرز الزهري والبلنسي ، والتزم الراء في كل كلمة : [مجزوء الكامل]

اشكر لربك وانتظر

في إثر عسر الأمر يسرا

واصبر لربك وادّخر

في ستر ضر الفقر أجرا

فالدهر يعثر بالورى

والصبر بالأحرار أحرى

والوفر أظهر معشرا

والفقر بالأخيار يغرى (١)

وقال أيضا : [الكامل]

اقنع بما أوتيته تنل الغنى

وإذا دهتك ملمة فتصبّر (٢)

واعلم بأن الرزق مقسوم فلو

رمنا زيادة ذرّة لم نقدر

والله أرحم بالعباد فلا تسل

بشرا تعش عيش الكرام وتؤجر

وإذا سخطت لضر حالك مرة

ورأيت نفسك قد عدت فاستبصر

وانظر إلى من كان دونك تدّكر

لعظيم نعمته عليك فتشكر (٣)

وقال الحافظ أبو محمد بن حزم : أنشدني والدي أحمد بن سعيد بن حزم : [الطويل]

إذا شئت أن تحيا غنيا فلا تكن

على حالة إلا رضيت بدونها

وقال القاضي أبو العباس أحمد بن الغماز البلنسي نزيل تونس : [الطويل]

__________________

(١) في ه «والوفر أطهر معشرا».

(٢) الملمّة : المصيبة الشديدة من مصائب الدهر.

(٣) تدّكر : تتذكر ، وتذكر. وفي القرآن الكريم (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ).

٢٤٩

وقالوا أما تخشى ذنوبا أتيتها

ولم تك ذا جهل فتعذر بالجهل

فقلت لهم هبني كما قد ذكرتم

تجاوزت في قولي وأسرفت في فعلي (١)

أما في رضا مولى الموالي وصفحه

رجاء ومسلاة لمقترف مثلي (٢)

وأنشد رحمه الله تعالى لنفسه في اليوم الذي مات فيه ، وهو آخر ما سمع منه ليلة عاشوراء سنة ٦٩٣ : [البسيط]

أدعوك يا رب مضطرا على ثقة

بما وعدت كما المضطر يدعوكا

دارك بعفوك عبدا لم يزل أبدا

في كل حال من الأحوال يرجوكا

طالت حياتي ولما أتخذ عملا

إلا محبة أقوام أحبوكا

وقال ابن الزقاق : ويقال : إنها مكتوبة على قبره (٣) : [الطويل]

أإخواننا والموت قد حال دوننا

وللموت حكم نافذ في الخلائق

سبقتكم للموت والعمر طيّة

وأعلم أن الكلّ لا بدّ لاحقي

بعيشكم أو باضطجاعي في الثرى

ألم نك في صفو من العيش رائق

فمن مرّ بي فليمض لي مترحّما

ولا يك منسيّا وفاء الأصادق

وقال الخطيب أبو عبد الله محمد بن صالح الكناني (٤) الشاطبي ، ومولده سنة ٦١٤ : [الطويل]

أرى العمر يفنى والرجاء طويل

وليس إلى قرب الحبيب سبيل

حباه إله الخلق أحسن سيرة

فما الصبر عن ذاك الجمال جميل (٥)

متى يشتفي قلبي بلثم ترابه

ويسمح دهر بالمزار بخيل

دللت عليه في أوائل أسطري

فذاك بنيّ مصطفى ورسول (٦)

وقال أيمن بن محمد الغرناطي نزيل طيبة على ساكنها الصلاة والسلام : [الطويل]

أرى حجرات قد أحاطت عراصها

ببحر محيط حصره غير ممكن (٧)

__________________

(١) في ه «تجاوزت في قول وأسرفت في فعل».

(٢) المقترف : الفاعل الذنب.

(٣) ديوان ابن الزقاق ص ٢٠٥.

(٤) في ب ، ه «الكتاني».

(٥) حباه : أعطاه.

(٦) دللت عليه : أشرت إليه.

(٧) العراص : جمع عرصة ، وهي ساحة الدار ، أو بقعة واسعة بين الدور ليس فيها بناء.

٢٥٠

بحار المعاني والمعالي وإن طمت

لدى لجة تفنى وعن هوله تني (١)

محمد المحمود في كل موطن

أبو القاسم المختار من خير معدن

نبيّ إذا أبصرت غرة وجهه

تيقنت أن العز عز المهيمن

لك الله من بدر إذا الشمس قابلت

محيّاه قالت إن ذا طالع سني

وله : [الكامل]

كل القلوب مطيعة لك في الهوى

جانب فديتك من تشاء ووال

الحسن وال ، والقلوب رعية

وعلى الرعية أن تطيع الوالي

وقال أيضا : [الطويل]

ألا أيها الباكي على ما يفوته

من الحظ في الدنيا جهلت وما تدري

على فوت حظ من جوار محمد

حقيق بأن تبكي إلى آخر العمر

ستدري إذا قمنا وقد رفع اللوا

وأحمدها دينا إلى موقف الحشر (٢)

من الفائز المغبوط في يوم حشره

أجار النبي المصطفى أم أخو الوفر (٣)

وله : [الطويل]

فررت من الدنيا إلى ساكن الحمى

فرار محبّ لائذ بحبيب

لجأت إلى هذا الجناب ، وإنما

لجأت إلى سامي العماد رحيب (٤)

وناديت مولاي الذي عنده الغنى

نداء عليل في الزمان غريب

أمولاي إني قد أتيتك لائذا

وأنت طبيبي يا أجلّ طبيب

فقال لك البشرى ظفرت من الرضا

بأوفر حظ مجزل ونصيب

تناومت في أطلال ليل شبيبتي

فأدركني بالفجر صبح مشيبي (٥)

وقال أبو بكر الزبيدي اللغوي : [السريع]

__________________

(١) في ب ، ه «بحار المعالي والمعاني».

(٢) في ه «وأجهدها دنيا إلى موقف الحشر».

(٣) في ب ، ه «وفي يوم عرضه».

(٤) سامي العماد : مرتفعه. والعماد : في الأصل العمود وسط الخيمة وهو أطول الأعمدة وأقواها.

(٥) تناوم : تظاهر بالنوم.

٢٥١

لو لم تكن نار ولا جنة

للمرء إلا أنه يقبر

لكان فيه واعظ زاجر

ناه لمن يسمع أو يبصر

ولقد صدق رحمه الله تعالى ورضي عنه!.

ولبعض فقهاء طلبيرة : [الوافر]

رأيت الانقباض أجلّ شيء

وأدعى في الأمور إلى السّلامه

فهذا الخلق سالمهم ودعهم

فرؤيتهم تؤول إلى النّدامه

ولا نعنى بشيء غير شيء

يقود إلى خلاصك في القيامه

وأمر الكاتب أبو بكر بن مغاور (١) بكتب هذه الأبيات على قبره ، وهي له : [الخفيف]

أيها الواقف اعتبارا بقبري

استمع في قول عظمي الرّميم

أودعوني بطن الضريح وخافوا

من ذنوب كلومها بأديمي (٢)

قلت لا تجزعوا علي فإني

حسن الظنّ بالرؤوف الرحيم

ودعوني بما اكتسبت رهينا

غلق الرهن عند مولى كريم (٣)

وقال الخطيب بن صفوان : [الطويل]

رأيتك يدنيني إليك تباعدي

فأبعدت نفسي لابتغائي في القرب

هربت له مني إليه فلم يكن

بي البعد في قربي فصحّ به قربي

فيا رب هل نعمى على العبد بالرضا

ينال بها فوزا من القرب بالقرب

وقال الوادي آشي :

وهذا النظم معناه جليل ، وتكرار القرب وإن قبح عند العروضي فهو عند المحب جميل ، وهم القوم يسلّم لهم في الأفعال والأقوال ، وترتجى بركتهم في كل الأحوال ، انتهى.

وقال بعض قدماء الأندلس : [المتقارب]

سئمت الحياة على حبها

وحقّ لذي السقم أن يسأما (٤)

__________________

(١) في أ«بن مغاوز» وقد أثبتنا ما في ب ، ه.

(٢) في ه «من ذنوبي» والكلوم : الجروح.

(٣) غلق الرهن : استحق.

(٤) السقم : المرض.

٢٥٢

فلا عيش إلا لذي صحة

تكون له للتقى سلّما

وذيله آخر منهم فقال : [المتقارب]

ولا داء إلا لمن لم يزل

يقارب في دينه مأثما

فلست تعالج جرح الهوى

هديت بمثل التقى مرهما

وقال أبو جعفر أحمد السياسي القيسي المري : [الطويل]

إذا ما جنى يوما عليك جناية

ظلوم يدق السّمر بأسا ويقصف

فلا تنتقم يوما عليه بما جنى

وكل أمره للدهر فالدهر منصف (١)

وقال أيضا : [الخفيف]

ليس حلم الضعيف حلما ، ولكن

حلم من لو يشاء صال اقتدارا

من تغاضى عن السفيه بحلم

أصبح الناس دونه أنصارا

من يزوّج كريمة الهمة العل

يا علوّا فقد أجاد الخيارا

ستريه عند الولاد بنيها العل

م والحلم والأناة كبارا (٢)

وقال الخطيب الصالح أبو إسحاق بن أبي العاصي : [الكامل]

اعمل بعلمك تؤت علما إنما

جدوى علوم المرء نهج الأقوم (٣)

وإذا الفتى قد نال علما ثم لم

يعمل به فكأنه لم يعلم

وقال موطئا على البيت الأخير : [المتقارب]

أمولاي أنت العفو الكريم

لبذل النوال وللمعذره

علي ذنوب وتصحيفها

ومن عندك الجود والمغفره

وقال الخطيب المتصوف الشهير أبو جعفر أحمد بن الزيات من بلش مالقة : [الوافر]

يقال خصال أهل العلم ألف

ومن جمع الخصال الألف سادا

ويجمعها الصلاح فمن تعدّى

مذاهبه فقد جمع الفسادا

__________________

(١) كل أمره للدهر : اترك أمره للدهر.

(٢) الأناة : التروّي.

(٣) تؤت : فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الطلب وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره. وجدوى العلوم : فائدتها.

٢٥٣

وقال أيضا : [البسيط]

إن شئت فوزا بمطلوب الكرام غدا

فاسلك من العمل المرضيّ منهاجا (١)

واغلب هوى النفس لا يغررك خادعه

فكل شيء يحط القدر منهاجا (٢)

وقال الأديب الكبير الشهير أبو محمد عبد الله بن صارة (٣) البكري الشنتريني رحمه الله تعالى: [الوافر]

بنو الدنيا بجهل عظّموها

فجلّت عندهم وهي الحقيره

يهارش بعضهم بعضا عليها

مهارشة الكلاب على العقيره (٤)

وقال : [الخفيف]

أي عذر يكون لا أي عذر

لابن سبعين مولع بالصّبابه (٥)

وهو ماء لم تبق منه الليالي

في إناء الحياة إلا صبابه (٦)

وقال أيضا : [الوافر]

ولقد طلبت رضا البرية جاهدا

فإذا رضاهم غاية لا تدرك (٧)

وأرى القناعة للفتى كنزا له

والبر أفضل ما به يتمسك

وقال أبو محمد ابن صاحب الصلاة الداني ، ويعرف بعبدون : [الطويل]

وعجّل شيبي أنّ ذا الفضل مبتلى

بدهر غدا ذو النقص فيه مؤمّلا

ومن نكد الدنيا على المرء أن يرى

بها الحرّ يشقى واللئيم مموّلا

متى ينعم المعتر عينا إذا اعتفى

جوادا مقلا أو غنيّا مبخّلا (٨)

وقال أبو الحكم عبيد الله الأموي مولاهم الأندلسي : [الطويل]

__________________

(١) المنهاج والمنهج : الطريق الواضحة.

(٢) قوله «منهاجا» مؤلفة من ثلاث كلمات : «من» الجارة. و «ها» ضمير المؤنثة الغائبة ويعود على النفس و «جا» أي جاء ، وقد حذفت الهمزة وهو جائز.

(٣) جاء في الأصول هنا «بن سارة» بالسين.

(٤) يهارش هراشا ومهارشة : يخاصم وينقض. والعقيرة : ما عقر من صيد أو غيره.

(٥) الصّبابة ، بفتح الصاد : العشق.

(٦) الصّبابة ، بضم الصاد : بقية الماء في الإناء. وصبابة العيش : قليله وبقيته.

(٧) البرية : الناس. وقد أخذ البيت من القول «رضا الناس غاية لا تدرك».

(٨) المعترّ : الفقير المعترض للمعروف من غير أن يسأل.

٢٥٤

إذا كان إصلاحي لجسمي واجبا

فإصلاح نفسي لا محالة أوجب

وإن كان ما يفنى إلى النفس معجبا

فإن الذي يبقى إلى العقل أعجب

وقال الفقيه الزاهد أبو إسحاق إبراهيم بن مسعود الإلبيري رحمه الله تعالى : [الكامل]

أكياس جفوا أوطانهم

فالأرض أجمعها لهم أوطان (١)

جالت عقولهم مجال تفكر

وجلالة فبدا لها الكتمان

ركبت بحار الفهم في فلك النهى

وجرى بها الإخلاص والإيمان

فرست بهم لما انتهوا بجفونهم

مرسى لهم فيه غنى وأمان

وقال أبو جعفر بن خاتمة رحمه الله تعالى : [البسيط]

يا من يغيث الورى من بعد ما قنطوا

ارحم عبادا أكفّ الفقر قد بسطوا (٢)

عوّدتهم بسط أرزاق بلا سبب

سوى جميل رجاء نحوه انبسطوا

وعدت بالفضل في ورد وفي صدر

بالجود إن أقسطوا والحلم إن قسطوا (٣)

عوارف ارتبطت شم الأنوف لها

وكل صعب بقيد الجود يرتبط (٤)

يا من تعرّف بالمعروف فاعترفت

بجم إنعامه الأطراف والوسط

وعالما بخفيّات الأمور فلا

وهم يجوز عليه لا ولا غلط

عبد فقير بباب الجود منكسر

من شأنه أن يوافي حين ينضغط

مهما أتى ليمدّ الكف أخجله

قبائح وخطايا أمرها فرط

يا واسعا ضاق خطو الخلق عن نعم

منه إذا خطبوا في شكرها خبطوا

وناشرا بيد الإجمال رحمته

فليس يلحق منه مسرفا قنط

ارحم عبادا بضنك العيش قد قنعوا

فأينما سقطوا بين الورى لقطوا (٥)

إذا توزعت الدنيا فما لهم

غير الدجنّة لحف والثّرى بسط (٦)

لكنهم من ذرا علياك في نمط

سام رفيع الذرا ما فوقه نمط

__________________

(١) أكياس : أذكياء.

(٢) قنطوا : يئسوا.

(٣) أقسطوا : عدلوا. وقسطوا : جاروا وظلموا.

(٤) عوارف : جمع عارفة ، وهي المعروف ، العطية.

(٥) ضنك العيش : ضيقه.

(٦) الدجنة : ظلمة الليل.

٢٥٥

ومن يكن بالذي يهواه مجتمعا

فما يبالي أقام الحي أم شحطوا (١)

نحن العبيد وأنت الملك ليس سوى

وكل شيء يرجّى بعد ذا شطط

وقال رحمه الله تعالى : [الوافر]

ملاك الأمر تقوى الله فاجعل

تقاه عدّة لصلاح أمرك

وبادر نحو طاعته بعزم

فما تدري متى يمضي بعمرك

وقال أيضا : [المتقارب]

إذا كنت تعلم أن الأمور

بحكم الإله كما قد قضى

ففيم التّفكر والحكم ماض

ولا رد للحكم مهما مضى

فخلّ الوجود كما شاءه

مدبّره وابغ منه الرّضا

وقال : [الوافر]

إذا ما الدّهر نابك منه خطب

وشدّ عليك من حنق عقاله (٢)

فكل لله أمرك لا تفكّر

ففكرك فيه خبط في حباله (٣)

وقال : [الوافر]

عدوّك داره ما اسطعت حتّى

يعود لديك كالخلّ الشّفيق (٤)

فما في الأرض أردى من عدوّ

وما في الأرض أجدى من صديق (٥)

وقال : [الكامل]

إن أعرضت دنياك عنك بوجهها

وغدت ومنها في رضاك نزاع

فاحذر بنيها واحتفظ من شرّهم

إن البنين لأمهم أتباع

وقال : [الخفيف]

يا مجيب المضطر عند الدّعاء

منك دائي وفي يديك دوائي

جذبتني الدنيا إليها بضبعي

ودعتني لمحنتي وشقائي (٦)

يا إلهي وأنت تعلم حالي

لا تذرني شماتة الأعداء

__________________

(١) شحطوا : بعدوا.

(٢) الخطب : المصيبة. والحنق : الغيظ.

(٣) في ه

«لا يفكر

ففكرك فيه خيط من حباله».

(٤) في ه «يعود لديك كالخل الشقيق».

(٥) أجدى : أكثر جدوى وفائدة.

(٦) الضبع : ما بين الإبط إلى نصف العضد.

٢٥٦

وقال الحافظ الكبير الشهير أبو عبد الله الحميدي صاحب «الجمع بين الصحيحين» رحمه الله تعالى : [الوافر]

كتاب الله عز وجلّ قولي

وما صحت به الآثار ديني

وما اتفق الجميع عليه بدأ

وعودا فهو عن حق مبين

فدع ما صدّ عن هذي وخذها

تكن منها على عين اليقين (١)

وقال : [الوافر]

طريق الزهد أفضل ما طريق

وتقوى الله بادية الحقوق (٢)

فثق بالله يكفك ، واستعنه

يعنك ، وذر بنيّات الطّريق (٣)

وقال أبو بكر مالك بن جبير رحمه الله تعالى : [الوافر]

رحلت وإنني من غير زاد

وما قدّمت شيئا للمعاد

ولكني وثقت بجود ربي

وهل يشقى المقل مع الجواد (٤)

وتوفي المذكور بأريولة (٥) ـ أعادها الله تعالى إلى الإسلام! ـ سنة ٥٦١.

وقال ابن جبير اليحصبي وهو الكاتب أبو عبد الله محمد : [الخفيف]

كلما رمت أن أقدم خيرا

لمعادي ورمت أني أتوب

صرفتني بواعث النفس قسرا

فتقاعست والذنوب ذنوب (٦)

ربّ قلّب قلبي لعزمة خير

لمتاب ففي يديك القلوب

ولتعلم أن كلام أهل الأندلس بحر لا ساحل له ، ويرحم الله تعالى لسان الدين بن الخطيب حيث قال في صدر الإحاطة : وهذا الغرض الذي وضعنا له هذا التأليف يطلبنا فيه ما

__________________

(١) تكن : فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الطلب.

(٢) «ما» في قوله «أفضل ما طريق» زائدة بين المضاف والمضاف إليه.

(٣) بنيات الطريق : الطريق الضيقة الصغيرة المتشعبة من الجادة. وأراد هنا ترهات الأمور وما اشتبه منها والتبس ، والمراد في البيت : فثق بالله تعالى يكفك ، واستعن به يعنك ، ودع الطريق الضيقة لأنها غير مأمونة ، والزم الجادة التي توصلك إلى رضا الله.

(٤) المقلّ : الذي ليس لديه إلا القليل ، أي الفقير. والجواد : الكريم.

(٥) أريولة : مدينة بشرق الأندلس من ناحية تدمير. انظر معجم البلدان ١ / ١٦٧.

(٦) قسرا : كرها ، وتقاعست : تخاذلت وتراجعت.

٢٥٧

قصدنا به من المباهاة والافتخار بالإكثار ، واستيعاب النّظام والنّثار ، ويحملنا فيه خوف السآمة على الاختصار والاقتصار ، وكفى بهذا جلاء في الأعذار ، والله تعالى مقيل العثار (١) ، وساتر العيب المثار ، بفضله ، انتهى.

ولنختم هذا الباب بقول أبي زكريا يحيى بن سعد بن مسعود القلني : [مجزوء الرمل]

عفوك اللهم عنّا

خير شيء نتمنّى

رب إنا قد جهلنا

في الذي قد كان منا

وخطينا وخطلنا

ولهونا ومجنّا (٢)

إن نكن ربّ أسأنا

ما أسأنا يك ظنّا

وذيلته بقولي :

فأنلنا الختم بالحسنى وإنعاما ومنّا

__________________

(١) أقال عثرته : أنهضه من عثرته. وأقال الله عثرته : غفر له وصفح عنه.

(٢) الخطل : الحمق ، والكلام الفاسد ، والفحش. المجون : المزاح ، وقلة الحياء دون مبالاة.

وفي ب «وخطينا وخلطنا».

٢٥٨

الباب الثامن

ذكر تغلب العدو النصراني على الأندلس

في ذكر تغلّب العدو الكافر ، على الجزيرة بعد صرفه وجوه الكيد إليها ، وتضريبه (١) بين ملوكها ورؤسائها بمكره ، واستعماله في أمرها حيل فكره ، حتى استولى ـ دمّره الله تعالى! ـ عليها ، ومحاملها (٢) التوحيد واسمه ، وكتب على مشاهدها ومعاهدها وسمه (٣) ، وقرر مذهب التثليث (٤) ، والرأي الخبيث ، لديها ، واستغاث أهلها استغاثة ملهوف (٥) بالنظم والنثر ، أهل ذلك العصر ، من سائر الأقطار ، حتى تعذرت (٦) بحصارها ، مع قلة حماتها وأنصارها ، المآرب والأوطار ، وجاءها الأعداء من خلفها ومن بين يديها ، أعاد الله تعالى إليها كلمة الإسلام ، وأقام فيها شريعة سيد الأنام ، عليه أفضل الصلاة والسلام! ورفع يد الكفر عنها وعما حواليها! آمين ، يا معين(٧)

قال غير واحد من المؤرخين : أول من جمع فلّ النصارى بالأندلس ـ بعد غلبة العرب لهم ـ علج يقال له بلاي ، من أهل اشتوريش من [أهل](٨) جليقية ، كان رهينة عن طاعة أهل بلده ، فهرب من قرطبة أيام الحر بن عبد الرحمن الثقفي الثاني من أمراء العرب بالأندلس ، وذلك في السنة السادسة من افتتاحها ، وهي سنة ثمان وتسعين من الهجرة ، وثار النصارى معه على نائب الحر بن عبد الرحمن ، فطردوه ، وملكوا البلاد ، وبقي الملك فيهم إلى الآن وكان عدّة من ملك منهم إلى آخر أيام الناصر لدين الله اثنين وعشرين ملكا ، انتهى.

__________________

(١) ضرّب بينهم بمكره : أغرى بينهم وحرض بعضهم على بعض بمكره.

(٢) في ب «ومحامنها».

(٣) الوسم : العلامة.

(٤) مذهب التثليث : أراد النصرانية.

(٥) في ب ، ه «واستغاث أهلها استغاثة أضرابها».

(٦) في ب ، ه «حين تعذرت».

(٧) كلمة «يا معين» غير موجودة في ب.

(٨) كلمة «أهل» ساقطة من ب ، ه.

٢٥٩

وقال عيسى بن أحمد الرازي : في أيام عنبسة بن سحيم الكلبي قام بأرض جليقية علج (١) خبيث يقال له بلاي من وقعة أخذ النصارى بالأندلس ، وجدّ الفرنج في مدافعة المسلمين عما بقي بأيديهم ، وقد كانوا لا يطمعون في ذلك ، ولقد استولى المسلمون بالأندلس على النصرانية ، وأجلوهم ، وافتتحوا بلادهم ، حتى بلغوا أريولة من أرض الفرنجة ، وافتتحوا بلبلونة (٢) من جليقية ، ولم يبق إلا الصخرة فإنه لاذ بها (٣) ملك يقال له بلاي ، فدخلها في ثلاثمائة رجل ، ولم يزل المسلمون يقاتلونه حتى مات أصحابه جوعا ، وبقي في ثلاثين رجلا وعشر نسوة ، ولا طعام لهم إلا العسل يشتارونه (٤) من خروق بالصخرة فيتقوتون به ، حتى أعيا المسلمين أمرهم ، واحتقروا بهم ، وقالوا : ثلاثون علجا ما عسى أن يجيء منهم؟ فبلغ أمرهم بعد ذلك من القوة والكثرة ما لا خفاء به.

وفي سنة ١٣٣ (٥) أهلك الله تعالى بلاي المذكور ، وملك ابنه فافله بعده ، وكان ملك بلاي تسع عشرة سنة ، وابنه سنتين.

فملك بعدهما أذفونش بن بيطر جد بني أذفونش هؤلاء الذين اتصل ملكهم إلى اليوم ، فأخذوا ما كان المسلمون أخذوه من بلادهم ، انتهى باختصار.

وقال المسعودي بعد ذكره غزوة سمورة أيام الناصر ، ما صورته (٦) : وأخذ ما كان بأيدي المسلمين من ثغور الأندلس مما يلي الفرنجة ، ومدينة أربونة خرجت عن أيدي المسلمين سنة ٣٣٠ (٧) مع غيرها مما كان بأيديهم من المدن والحصون ، وبقي ثغر المسلمين في هذا الوقت وهو سنة ٣٣٦ من شرق الأندلس طرطوشة ، وعلى سائر بحر الروم مما يلي طرطوشة آخذا في الشمال إفراغه على نهر عظيم ثم لا ردة. انتهى.

ومن أول ما استرد الإفرنج من مدن الأندلس العظيمة مدينة طليطلة من يد ابن ذي النون سنة ٤٧٥ ، وفي ذلك يقول عبد الله بن فرج اليحصبي المشهور بابن العسال (٨). [البسيط]

__________________

(١) العلج : الرجل الضخم من كفار العجم ، ويطلق العلج على الكافر مطلقا.

(٢) في ب ، ه «بلبونه».

(٣) لاذ بها : لجأ إليها وعاذ بها.

(٤) اشتار العسل : استخرجه من خلية النحل.

(٥) في ب «وفي سنة ١٣٣ هلك بلاي المذكور».

(٦) مروج الذهب ١ / ١٦٢.

(٧) في مروج الذهب سنة «٣٣٢».

(٨) في أ«المشهور بابن الغسال».

٢٦٠