نفح الطّيب - ج ٥

الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني

نفح الطّيب - ج ٥

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني


المحقق: يوسف الشيخ محمّد البقاعي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٤

المستعصمي بهذه المثابة ، وهو من الأوقاف الرستمية ، ورأيت بالحجرة الشريفة على صاحبها الصلاة والسلام مصحفا مكتوبا في آخره ما صورته : كتبته بقلم واحد فقط ما قطّ قط إلا مرة فقط ، انتهى.

رجع ـ وقال ابن عبدون رحمه الله تعالى : [الكامل]

أذهبن من فرق الفراق نفوسا

ونثرن من درّ الدّموع نفيسا (١)

فتبعتها نظر الشّجيّ فحدّقت

رقباؤها نحوي عيونا شوسا

وحللن عقد الصّبر إذ ودّعنني

فحللن أفلاك الخدور شموسا (٢)

حلّته إذ حلّته حتّى خلته

عرشا لها وحسبتها بلقيسا

فازورّ جانبها وكان جوابها

لو كنت تهوانا صحبت العيسا

وهي طويلة.

قلت : ما أظن لسان الدين نسج قصيدته من هذا البحر والروي إلا على منوال هذه ، وإن كان الحافظ التنسي قال : إنه نسجها على [منوال] قصيدة أبي تمام حسبما ذكرنا ذلك في محله فليراجع.

وقال أبو عبد الله بن المناصف قاضي بلنسية ومرسية رحمه الله تعالى : [المجتث]

ألزمت نفسي خمولا

عن رتبة الأعلام

لا يخسف البدر إلّا

ظهوره في تمام

وتذكرت به قول غيره : [المجتث]

ليس الخمول بعار

على امرئ ذي جلال

فليلة القدر تخفى

وتلك خير الليالي

وقال الوزير ابن عمار ، وقد كتب له أبو المطرف بن الدباغ شافعا لغلام طرّ له (٣) عذار : [المتقارب]

__________________

(١) من فرق الفراق : من خوف الفراق.

(٢) في ه «أفلاك الخدود شموسا».

(٣) طر : نبت ، والعذار : شعر الوجه. وفي ه «طرز له عذار» تحريف.

٢٢١

أتاني كتابك مستشفعا

بوجه أبى الحسن من ردّه

ومن قبل فضّي ختم الكتاب

قرأت الشفاعة في خدّه

وقال القاضي الأديب ، والفيلسوف الأريب ، أبو الوليد الوقشي قاضي طليطلة : [السريع]

برّح بي أنّ علوم الورى

قسمان ما إن فيهما مزيد

حقيقة يعجز تحصيلها

وباطل تحصيله لا يفيد

وقال أبو عبد الله بن الصفار وهو من بيت القضاء والعلم بقرطبة : [السريع]

لا تحسب الناس سواء متى

ما اشتبهوا فالنّاس أطوار

وانظر إلى الأحجار ، في بعضها

ماء ، وبعض ضمنه نار (١)

وهذا مثل قول غيره : [السريع]

الناس كالأرض ومنها هم

من خشن الطّبع ومن ليّن

مرو تشكّى الرجل منه الوجى

وإثمد يجعل في الأعين (٢)

ومن نظم ابن الصفار المذكور : [المجتث]

إذا نويت انقطاعا

فاعمل حساب الرّجوع

وقال أبو مروان الجزيري : [الكامل]

ومن العجائب والعجائب جمّة

أن يلهج الأعمى بعيب الأعور

وقال حسان بن المصيصي كاتب الظافر بن عباد ملك قرطبة : [الكامل]

لا تأمننّ من العدوّ لبعده

إن امرأ القيس اشتكى الطمّاحا

وقال الشيخ الأكبر سيدي محيي الدين بن عربي [قدس سره العزيز](٣) في كتاب «الإسفار ، عن نتائج الأسفار» : أنشدني الكاتب الأديب أبو عمرو بن مهيب بإشبيلية أبياتا عملها في حمود بن إبراهيم بن أبي بكر الهرغي (٤) ، وكان أجمل أهل زمانه ، رآه عندنا زائرا وقد خط

__________________

(١) استقى فكرة هذا البيت من قوله تعالى (وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ).

(٢) المرو : الحجارة الصلبة. وفي ه «مدر تشكي الرجال منه الوجى». والوجى : الحفا. والإثمد : حجر أسود يكتحل به.

(٣) في ب «محيي الدين بن عربي في كتاب ...».

(٤) في ج «الهرعي» بالعين المهملة.

٢٢٢

عذاره ، فقلت : يا أبا عمرو ، ما تنظر إلى حسن هذا الوجه؟ فعمل الأبيات في ذلك ، وهي : [المتقارب]

وقالوا العذار جناح الهوى

إذا ما استوى طار عن وكره

وليس كذاك فخبرهم

قياما بعذري أو عذره

إذا كمل الحسن في وجنة

فخاتمه ويك من شعره

قال بعضهم : رأيت آخر الكتاب المذكور بعد فراغه شعرا نسبه إليه ، وهو : [الكامل]

يا حاضرا بجماله في خاطري

ومحجّبا بجلاله عن ناظري

إن غبت عن عيني فإنّك نورها

وضمير سرّك سائر في سائري

ومن العجائب أنني أبدا إلى

رؤياك ذو شوق مديد وافر

مع أنّني ما كنت قطّ بمجلس

إلا وكنت منادمي ومسامري

وأنشد في «الإحاطة» لعبد الله الجذامي : [الطويل]

أيا سيدي أشكو لمجدك أنّني

صددت مرارا عن مثولي بساحتك

شكاة اشتياق أنت حقّا طبيبها

وما راحتي إلا بتقبيل راحتك

قال : وهو عبد الله بن عبد الله بن أحمد بن محمد الجذامي ، فاضل ملازم للقراءة ، عاكف على الخير ، مشارك في العربية ، خاطب للرياسة الأدبية ، اختص بالأمير أبي علي المنصور ابن السلطان أيام مقامه بالأندلس ، ومما خاطبه به معتذرا :

أيا سيدي ـ البيتين انتهى

وقال في ترجمة عبد الله بن أحمد المالقي قاضي غرناطة ، وكان فقيها بارع الأدب : إنه كتب إلى أبي نصر صاحب «القلائد» و «المطمح» أثناء رسالة بقوله : [الوافر]

تفتّحت الكتابة عن نسيم

نسيم المسك في خلق كريم (١)

أبا نصر رسمت لها رسوما

تخال رسومها وضح النجوم

وقد كانت عفت فأنرت منها

سراجا لاح في الليل البهيم (٢)

فتحت من الصناعة كل باب

فصارت في طريق مستقيم

__________________

(١) في ه «نسيم المسك في خلق الكريم».

(٢) عفت : امّحت.

٢٢٣

فكتّاب الزّمان ولست منهم

إذا راموا مرامك في هموم

فما قسّ بأبدع منك لفظا

ولا سحبان مثلك في العلوم (١)

وقال الذهبي ، وقد جرى ذكر محمد بن الحسن المذحجي الأندلسي بن الكتاني : (٢) إنه أديب شاعر متفنن (٣) ذو تصانيف ، حمل عنه ابن حزم ، ومن شعره : [الطويل]

ألا قد هجرنا الهجر واتصل الوصل

وبانت ليالي البين واجتمع الشّمل (٤)

فسعدي نديمي ، والمدامة ريقها ،

ووجنتها روضي ، وتقبيلها النّقل (٥)

وقال العلامة محمد بن عبد الرحمن الغرناطي : [الكامل]

الشعب ثم قبيلة وعمارة

بطن وفخذ والفصيلة تابعه

فالشعب مجتمع القبيلة كلّها

ثم القبيلة للعمارة جامعه

والبطن تجمعه العمائر فاعلمن

والفخذ تجمعه البطون الواسعه

والفخذ يجمع للفصائل هاكها

جاءت على نسق لها متتابعه

فخزيمة شعب ، وإن كنانة

لقبيلة منها الفصائل شائعه

وقريشها تسمى العمارة يا فتى

وقصيّ بطن للأعادي قامعه

ذا هاشم فخذ وذا عبّاسها

أثر الفصيلة لا تناط بسابعه

وكتبت هذه الأبيات وإن لم تشتمل على بلاغة (٦) لما فيها من الفائدة ، ولأن بعض الناس سألني فيها لغرابتها ، والأعمال بالنيات.

ولما دخل أبو محمد الكلاعي (٧) الجياني على القاضي ابن رشد قام له فأنشده أبو محمد بديهة : [مخلع البسيط]

قام لي السيد الهمام

قاضي قضاة الورى الإمام

__________________

(١) قس : هو قس بن ساعدة الإيادي ، وسحبان : هو سحبان وائل ؛ وهما مضرب المثل في الفصاحة.

(٢) كذا في ب ، ه. وفي أ«الكناني».

(٣) في ه «مفتن».

(٤) بانت : بعدت. والبين : الفراق.

(٥) النقل : ما يؤكل مع الشراب من بزور وفواكه وغيرها.

(٦) في ب ، ه «البلاغة».

(٧) في ج «الكلابي».

٢٢٤

فقلت قم بي ، ولا تقم لي

فقلّما يؤكل القيام (١)

وقال أبو عبد الرحمن بن حجاف (٢) البلنسي : [الوافر]

لئن كان الزمان أراد حطّي

وحاربني بأنياب وظفر

كفاني أن تصافيني المعالي

وإن عاديتني يا أمّ دفر

فما اعتزّ اللئيم وإن تسامى

ولا هان الكريم بغير وفر

وقال أبو محمد بن برطلة : [الطويل]

ألا إنما سيف الفتى صنو نفسه

فنافس بأوفى ذمة وإخاء (٣)

يزينك مرأى أو يعينك حاجة

فيحسن حالي شدة ورخاء

وقال أيضا : [الطويل]

أنفسي ، صبرا لا يروعك حادث

بإرتاجه ، واستشعري عاجل الفتح (٤)

فرب اشتداد في الخطوب لفرجة

كما انشق ليل طال عن فلق الصبح

وقال أيضا : [الوافر]

متى يدنو لوعدكم انتجاز

ويبعد عن حقيقته المجاز (٥)

أيجمل أن يؤمّكم رجائي

فيوقف لا يرد ولا يجاز

وجدّكم كفيل بالأماني

ومطلوبي قريب مستجاز

إذا ما أمكنت فرص المساعي

فعجز أن يطاولها انتهاز

وها أنا قد هززتكم حساما

ويحسن للمهنّدة اهتزاز

فما الإنصاف أن ينضى كهام

ويودع غمده العضب الجراز (٦)

كما نعم العراق بعذب بحر

ويشقى بالظّما البرح الحجاز

فأعيى الناس في المقدار حلم

تجاذبه خمول واعتزاز (٧)

وأنشد الشيخ أبو بكر بن حبيش لابن وضاح البيت المشهور ، وهو : [البسيط]

__________________

(١) قم بي : ساعدني.

(٢) في ب «جحاف».

(٣) الصنو : المثل ، الشبيه ، الشقيق.

(٤) الإرتاج : الإغلاق المحكم.

(٥) في ب ، ه «ويبعد من حقيقته المجاز».

(٦) الكهام : السيف الكليل الذي لا يقطع.

والعضب : السيف القاطع. والجزار : السيف الماضي ، النافذ.

(٧) في ب «في المقدار حكم».

٢٢٥

أسرى وأسير في الآفاق من قمر

ومن نسيم ومن طيف ومن مثل

وابن حبيش المذكور هو أبو بكر محمد بن الحسن بن يوسف بن حبيش ـ بفتح الحاء وقد عرف به تلميذه ابن رشيد الفهري في رحلته ، فقال بعد كلام : أما النظم فبيده عنانه ، وأما النثر فإن مال إليه توكّف له بنانه ، مع تواضع زائد ، على صلة مخبره عائد ، لقيته بمنزله ليوم أو يومين من مقدمي على تونس ، فتلقى بكل فنّ يونس ، وصادفته بحالة مرض ، من وثء (١) في رجله عرض ، وعنده جملة من العواد ، من الصدور الأمجاد ، فأدنى وقرب ، وسهّل ورحّب ، وتفاوض أولئك الصدور ، في فنون من الأدب كأنها الشذور ، إلى أن خاضوا في الأحاجي ، واستضاءوا بأنوار أفكارهم في تلك الدّياجي (٢) ، فخضت معهم في الحديث ، وأنشدتهم بيتين كنت صنعتهما وأنا حديث ، لقصة بلغتني عن أبي الحسن سهل بن مالك ، وهي أنه كان يسائل أصحابه وهو في المكتب ويقول لهم : أخرجوا اسمي ، فكل ينطق على تقديره ، فيقول لهم : إنكم لم تصيبوه مع أنه سهل ، فنظمت هذا المعنى فقلت : [الوافر]

وما اسم فكّه سهل يسير

يكون مصغّرا نجم يسير (٣)

مصحّفه له في العين حسن

وقلبي عند صاحبه أسير (٤)

وكان الشيخ أبو بكر على فراشه ، فزحف مع ما به من ألم ، إلى محبرة وطرس وقلم ، وكتب البيتين بخطه ، وقال للحاضرين : ارووا هذين البيتين عن قائلهما.

ومن شيوخ ابن حبيش المذكور أبو عبد الله بن عسكر المالقيّ ، كتب له ولأخيه أبي الحسين بخطه إجازة جميع ما يجوز له ، وعنه ، وضمن آخرها هذه الأبيات : [الطويل]

أجبتكما لكن مقرّا بأنّني

أقصر فيما رمتما عن مداكما

فإنّكما بدران في العلم أشرقا

فسلّم إذعانا وقسرا عداكما

فسيروا على حكم الوداد فإنني

أجود بنفسي أن تكون فداكما

قال ابن رشيد : وقد جمع صاحبنا أبو العباس الأشعري لابن حبيش فهرسة جامعة (٥) ،

__________________

(١) الوثء : مرض يصيب اللحم لا يبلغ العظم.

أو توجع في العظم بلا كسر.

(٢) الدياجي : الظلمات.

(٣) في ب «يكون مصغرا نجما يسير».

(٤) تصحيفه : شهل : وهو الأزرق العينين.

(٥) في ه «فهرسة لها جامعة».

٢٢٦

ولما وقف عليها ابن حبيش كتب في أوّلها ما نصه : الحمد لله حق حمده ، أحسن هذا الفاضل فيما صنع أحسن الله إليه ، وبالغ فيما جمع بلغ الله تعالى به أشرف المراتب لديه ، غير أني أقول واحده ، ما سريرتي لها بجاحده ، وأصرح بمقال ، لا يسعني كتمه بحال : والله ما أنا للإجازة بأهل (١) ، ولا مرامها لديّ بسهل ، إذ من شرط المجيز أن يعد فيمن كمل ، ويعد العلم والعمل ، اللهم غفرا ، كيف ينيل (٢) من عدم وفرا ، أو يجيز من أصبح صدره من المعارف قفرا ، وصحيفته من الصالحات صفرا ، وكيف يرتسم في ديوان الجلّة ، من يتّسم بالأفعال المخلة ، ومتى يقترن الشّبه بالإبريز ، أو يوصف السكيت بالتبريز ، ومن ضعف النّهى ، مجانسة الأقمار بالسّها ، ومن أعظم التوبيخ ، تشييخ من لا يصلح للتشييخ ، وإن هذا المجموع ليروق ويعجب ، ولكنه جمع لمن لا يستوجب ، وإن القراءة قد تحصلت ، ولكن القواعد ما تأصلت ، وإن القارئ علم ، ولكن المقروء عليه عدم ، ولقد شكرت لهذا السّريّ ما جلب ، وكتبت مسعفا له بما طلب ، وقرنت إلى درّه هذا المخشلب ، قلت وحليي عطل ونطقي خطل (٣) ، مكره أخاك لا بطل ، والله سبحانه وتعالى ينفع بما أخلص له عند الاعتقاد ، ويسمح للبهرج عند الانتقاد ، كتبه العبد المذنب (٤) محمد بن الحسن بن يوسف بن حبيش اللخمي حامدا لله تعالى ومصليا على نبيه الكريم المصطفى وعلى آله أعلام الطهارة والهدى ومسلما تسليما.

وكتب أيضا رحمه الله تعالى في جواب استجازة : المسؤول ، مبذول ، إن شاء الله تعالى على التنجيز ، ولكن شروط الإجازة موجودة في المجاز معدومة في المجيز ، والله تعالى يصفح بكرمه ومنّه ، ويشكر كل فاضل على تحسين (٥) ظنه ، وهو المسؤول سبحانه أن يحفظ بعنايته مهجاتهم ، ويرفع بالعلم والعمل درجاتهم ، ويمتعهم بالكمال الرائق المعجب ، ويقر بالنجيبين عين المنجب ، وكتبه ابن حبيش.

وقال الوزير الكاتب أبو بكر بن القبطرنة بستجدي بازيا من المنصور بن الأفطس صاحب بطليوس : [الكامل]

يا أيّها الملك الذي آباؤه

شمّ الأنوف من الطّراز الأوّل

__________________

(١) في ج «ما أنا للإجادة بأهل». وهو خطأ.

(٢) ينيل : يعطي. ووقع في ه «ينبل من عدم وفرا».

(٣) في ج «عطل». وفي ه «مطل».

(٤) في ب «العبد المذنب المستغفر محمد ...».

(٥) في ب ، ج ، ه «على تحصيل ظنه» وقد أثبتنا ما في أ، وهو أفضل.

٢٢٧

حلّيت بالنّعم الجسام جسيمة

عنقي فحلّ يدي كذاك بأجدل (١)

وامنن به ضافي الجناح كأنّما

جذبت قوائمه بريح شمأل

متلفّتا والطّلّ ينثر برده

منه على مثل اليماني المخمّل (٢)

أغدو به عجبا أصرّف في يدي

ريحا وآخذ مطلقا بمكبّل

وأدخلت على المعتمد يوما باكورة نرجس ، فكتب إلى ابن عمار يستدعيه : [مخلع البسيط]

قد زارنا النرجس الذّكيّ

وآن من يومنا العشيّ

وعندنا مجلس أنيق

وقد ظمئنا وفيه ريّ (٣)

ولي خليل غدا سميّي

يا ليته ساعد السّميّ

فأجابه ابن عمار : [مخلع البسيط]

لبّيك لبّيك من مناد

له النّدى الرحب والنّديّ (٤)

ها أنا بالباب عبد قنّ

قبلته وجهك السّنيّ

شرّفه والداه باسم

شرّفته أنت والنّبيّ

واصطبح (٥) المعتمد يوم غيم مع أم الربيع ، واحتجب عن الندماء ، فكتب إليه ابن عمار : [الطويل]

تجهّم وجه الأفق واعتلّت النّفس

لأن لم تلح للعين أنت ولا شمس

فإن كان هذا منكما من توافق

وضمّكما أنس فيهنيكما الأنس (٦)

فأجابه المعتمد بقوله :

خليليّ قولا هل عليّ ملامة

إذا لم أغب إلا لتحضرني الشّمس

وأهدي بأكواس المدام كواكبا

إذا أبصرتها العين هشّت لها النّفس

سلام سلام أنتما الأنس كلّه

وإن غبتما أمّ الربيع هي الأنس

__________________

(١) في ج «حليت بالنعم الجسام قسيمة». والأجدل : الباز.

(٢) في ب ، ه «على مثل اليماني المحمل».

(٣) في نسخة عند ب ، ه «ونحن في مجلس أنيق». والأنيق : المعجب.

(٤) الندى : الكرم. والنديّ : النادي.

(٥) اصطبح : جلس لشرب الصبوح. وهو ما يشرب صباحا.

(٦) في ه «فإن كان هذا منكما عن توافق».

٢٢٨

واستدعى جماعة من إخوان ابن عمار منه شرابا في موضع هو فيه مفقود ، فبعث لهم به وبرمانتين وتفاحتين ، وكتب لهم مع ذلك : [الوافر]

خذاها مثل ما استدعيتماها

عروسا لا تزفّ إلى اللّئام

ودونكما بها ثديي فتاة

أضفت إليهما خدّي غلام

وشرب ذو الوزارتين القائد أبو عيسى بن لبّون مع الوزراء والكتاب ببطحاء لورقة عند أخيه ، وابن اليسع غائب ، فكتب إليه : [البسيط]

لو كنت تشهد يا هذا عشيّتنا

والمزن يسكن أحيانا وينحدر (١)

والأرض مصفرّة بالمزن طافية

أبصرت درّا عليه التبر ينتثر (٢)

وقال الحجاري من القصيدة المشهورة : [الوافر]

عليك أحالني الذكر الجميل

في وصف زيه البدوي المستثقل وما في طيه : [الطويل]

ومثّلني بدنّ فيه خمر

يخفّ به ومنظره ثقيل (٣)

ولما انصرف عن ابن سعيد إلى ابن هود عذله ابن سعيد على تحوله عنه ، فقال : النفس تواقة ، وما لي بغير التغرب طاقة ، ثم قال : [الطويل]

يقولون لي ما ذا الملال تقيم في

محلّ فعند الأنس تذهب راحلا

فقلت لهم مثل الحمام إذا شدا

على غصن أمسى بآخر نازلا

وقد رأيت أن أكفر ما تقدّم ذكره من الهزل الذي أتينا به على سبيل الإحماض بما لا بدّ منه من الحكم والمواعظ وما يناسبها. فنقول :

قال أبو العباس بن الخليل (٤) : [الكامل]

فهموا إشارات الحبيب فهاموا

وأقام أمرهم الرّشاد فقاموا

__________________

(١) في أصل ه «والمزن يكسب أحيانا وينحدر» والمزن جمع مزنة ، وهي السحابة الممطرة.

(٢) في أصل ه «والأرض مصفرة بالمزن كاسية».

(٣) الدن : وعاء كبير للخمر وغيرها.

(٤) في ب ، ه «بن خليل».

٢٢٩

وتوسّموا بمدامع منهلّة

تحت الدّياحي والأنام نيام (١)

وتلوا من الذّكر الحكيم جوامعا

جمعت لها الألباب والأفهام

يا صاح لو أبصرت ليلهم وقد

صفت القلوب وصفّت الأقدام

لرأيت نور هداية قد حفّهم

فسرى السرور وأشرق الإظلام

فهم العبيد الخادمون مليكهم

نعم العبيد وأفلح الخدّام

سلموا من الآفات لما استسلموا

فعليهم حتى الممات سلام

وقال العالم الكبير الشهير صاحب التآليف أبو محمد عبد الحق الإشبيلي رحمه الله تعالى : [البسيط]

قالوا صف الموت يا هذا وشدّته

فقلت وامتدّ منّي عندها الصوت

يكفيكم منه أنّ الناس إن وصفوا

أمرا يروّعهم قالوا هو الموت (٢)

وقال الخطيب الأستاذ أبو عبد الله محمد بن صالح الكناني الشاطبي نزيل بجاية : [الوافر]

جعلت كتاب ربّي لي بضاعه

فكيف أخاف فقرا أو إضاعه

وأعددت القناعة رأس مال

وهل شيء أعز من القناعه؟

وقال القاضي الكبير الأستاذ الشهير أبو العباس أحمد بن الغماز البلنسي نزيل إفريقية : [الطويل]

هو الموت فاحذر أن يجيئك بغتة

وأنت على سوء من الفعل عاكف

وإيّاك أن تمضي من الدّهر ساعة

ولا لحظة إلا وقلبك واجف (٣)

وبادر بأعمال تسرّك أن ترى

إذا نشرت يوم الحساب الصّحائف

ولا تيأسن من رحمة الله إنّه

لربّ العباد بالعباد لطائف

وقال رحمه الله تعالى : [المتقارب]

أما آن للنّفس أن تخشعا

أما آن للقلب أن يقلعا (٤)

__________________

(١) المنهلة : المنسكبة. والدياجي : الظلمات.

(٢) في ه «يكفيهم منه أن الناس ...».

(٣) تمضي : فعل مضارع منصوب بأن ومن حق العربية أن تكون علامة نصبه الفتحة ، ولكن للضرورة حذفت الفتحة ، وواجف : خافق.

(٤) أقلع عن الشيء : تركه وكفّ عنه.

٢٣٠

أليس الثمانون قد أقبلت

فلم تبق في لذة مطمعا

تقضّى الزمان ولا مطمع

لما قد مضى منه أن يرجعا

تقضّى الزمان فوا حسرتي

لما فات منه وما ضيّعا

ويا ويلتاه لذي شيبة

يطيع هوى النفس فيما دعا

وبعدا وسحقا له إذ غدا

يسمّع وعظا ولن يسمعا

وقال الأستاذ الزاهد أبو إسحاق الإلبيري الغرناطي رحمه الله تعالى : [الكامل]

كلّ امرئ فيما يدين يدان

سبحان من لم يخل منه مكان

يا عامر الدنيا ليسكنها وما

هي بالتي يبقى بها سكّان

تفنى وتبقى الأرض بعدك مثل ما

يبقى المناخ ويرحل الرّكبان (١)

أأسرّ في الدنيا بكل زيادة

وزيادتي فيها هي النّقصان (٢)

وقال أيضا رحمه الله تعالى : [المنسرح]

وذي غني أو همّته همته

أن الغنيّ عنه غير منفصل

يجرّ أذيال عجبه بطرا

واختال للكبرياء في الحلل (٣)

بزّته أيدي الخطوب بزّته

فاعتاض بعد الجديد بالسّمل (٤)

فلا تثق بالغني فآفت

ه الفقر وصرف الزمان ذو دول

كفى بنيل الكفاف عنه غنى

فكن به فيه غير محتفل (٥)

وقال رحمه الله تعالى : [الكامل]

لا شيء أخسر صفقة من عالم

لعبت به الدنيا مع الجهّال

فغدا يفرّق دينه أيدي سبا

ويديله حرصا لجمع المال

لا خير في كسب الحرام وقلّما

يرجى الخلاص لكاسب لحلال

فخذ الكفاف ولا تكن ذا فضلة

فالفضل تسأل عنه أي سؤال

__________________

(١) في ب ، ه «وترحل الركبان». والمناخ : اسم مكان من أناخ بمعنى مكان الإناخة.

(٢) في ه «السر في الدنيا بكل زيادة» ، تحريف.

(٣) العجب : الزهو ، الكبر.

(٤) بزته : سلبته. والسمل : البالي.

(٥) في ه «فكن به الدهر غير محتفل».

٢٣١

وقال رحمه الله تعالى :

الشيب نبه ذا النّهى فتنبها

ونهى الجهول فما استقام ولا انتهى (١)

فإلى متى ألهو وأخدع بالمنى

والشيخ أقبح ما يكون إذا لها

ما حسنه إلا التقى لا أن يرى

صبّا بألحاظ الجآذر والمها

أنى يقاتل وهو مفلول الشّبا

كأبي الجواد إذا استقل تأوّها (٢)

محق الزمان هلاله فكأنما

أبقى له منه على قدر السّها

فغدا حسيرا يشتهي أن يشتهي

ولكم جرى طلق الجموح كما اشتهى

إن أنّ أوّاه وأجهش بالبكا

لذنوبه ضحك الجهول وقهقها

ليست تنبهه العظات ومثله

في سنه قد آن أن يتنبّها (٣)

فقد اللدات وزاد غيّا بعدهم

هلا تيقظ بعدهم وتنبّها (٤)

يا ويحه ما باله لا ينتهي

عن غيه والعمر منه قد انتهى

وقال الأستاذ ولي الله سيدي أبو عبد الله (٥) بن العريف : [الكامل]

من لم يشافه عالما بأصوله

فيقينه في المشكلات ظنون

من أنكر الأشياء دون تيقن

وتثبّت فمعاند مفتون

الكتب تذكرة لمن هو عالم

وصوابها بمحالها معجون

والفكر غوّاص عليها مخرج

والحقّ فيها لؤلؤ مكنون

وقال أبو القاسم بن الأبرش : [الخفيف]

أيأسوني لما تعاظم ذنبي

أتراهم هم الغفور الرحيم

فذروني وما تعاظم منه

إنما يغفر العظيم العظيم

وقال أبو العباس بن صقر الغرناطي أو المري ، وأصله من سرقسطة : [الكامل]

__________________

(١) في ب ، ه «فما استفاق ولا انتهى».

(٢) الشبا : الحدّ.

(٣) في ب ، ه «قد آن أن يتنهنها» وتنهنه : أي كف عما هو فيه.

(٤) اللدّات : جمع اللدة ، وهو الذي يساويك في السن أو الذي تربّى معك.

(٥) في ب «سيدي أبو العباس بن العريف».

٢٣٢

أرض العدوّ بظاهر متصنّع

إن كنت مضطرا إلى استرضائه

كم من فتى ألقى بوجه باسم

وجوانحي تنقدّ من بغضائه (١)

وقال الكاتب الشهير الشهيد أبو عبد الله محمد بن الأبار القضاعي البلنسي رحمه الله تعالى من أبيات : [الرمل]

يا شقيق النفس أوصيك وإن

شقّ في الإخلاص ما تنتهجه

لا تبت في كمد من كبد

ربّ ضيق عاد رحبا مخرجه (٢)

وبلطف الله أصبح واثقا

كل كرب فعليه فرجه

ولابن الأبار المذكور ترجمة طويلة استوفيت منها ما أمكنني في «أزهار الرياض ، في أخبار عياض ، وما يناسبها مما يحصل به للنفس ارتياح (٣) وللعقل ارتياض».

قال الغبريني في «عنوان الدراية» (٤) : لو لم يكن له من الشعر إلا قصيدته السينية التي رفعها للأمير أبي زكريا رحمه الله تعالى يستنجده ويستصرخه لنصرة الأندلس لكان فيها كفاية ، وإن كان قد نقدها ناقد ، وطعن عليه فيها طاعن (٥) ، ولكن كما قال أبو العلاء المعري : [الطويل]

تكلّم بالقول المضلل حاسد

وكلّ كلام الحاسدين هواء (٦)

ولو لم يكن له من التآليف إلا كتابه المسمى «بمعادن اللجين ، في مراثي الحسين» لكفاه في ارتفاع درجته ، وعلوّ منصبه وسموّ رتبته. ثم قال : توفي بتونس ضحوة يوم الثلاثاء الموفي عشرين لمحرم سنة ٦٥٨ ، ومولده آخر شهر ربيع سنة ٥٩٥ ببلنسية ، رحمه الله تعالى وسامحه! ، انتهى.

وقال ابن علوان : إنه يتصل سنده به من طرق ، منها من طريق الراوية (٧) أبي عبد الله

__________________

(١) تنقدّ : تنشق ، تنقطع.

(٢) كذا في ب ، ه. وفي أ«لا تبت في كمد من كيد».

(٣) في ج «مما يحصل للنفس به».

(٤) عنوان الدراية ص ١٨٥.

(٥) في ه «وطعن فيها طاعن» وطعن عليه : عابه.

(٦) في ب «وكلّ كلام الحاسدين هراء».

(٧) في ه «منها من طريق الرواية أبي عبد الله ...».

٢٣٣

محمد بن جابر القيسي الوادي آشي عن الشيخ المقري المحدث المتبحر أبي عبد الله محمد بن حيان الأوسي الأندلسي نزيل تونس عنه ، ومن طريق والدي (١) صاحب «عنوان الدراية» عن الخطيب أبي عبد الله بن صالح عنه ، انتهى.

قلت : وسندي إليه عن العم عن التنسي عن أبيه عن ابن مرزوق عن جده الخطيب عن ابن جابر الوادي آشي به كما مر.

وقال ابن عبد ربه : [البسيط]

بادر إلى التوبة الخلصاء مجتهدا

والموت ويحك لم يمدد إليك يدا

وارقب من الله وعدا ليس يخلفه

لا بد لله من إنجاز ما وعدا

وقال الصدر أبو العلاء (٢) بن قاسم القيسي : [البسيط]

يا واقف الباب في رزق يؤمّله

لا تقنطنّ فإنّ الله فاتحه (٣)

إن قدّر الله رزقا أنت طالبه

لا تيأسن فإن الله مانحه

وقال الأعمى التّطيلي : [البسيط]

تنافس الناس في الدنيا وقد علموا

أن سوف تقتلهم لذّاتها بددا

قلّ للمحدّث عن لقمان أو لبد

لم يترك الدهر لقمانا ولا لبدا (٤)

وللّذي همّه البنيان يرفعه

إن الرّدى لم يغادر في الثّرى أحدا

ما لابن آدم لا تفنى مطامعه

يرجو غدا وعسى أن لا يعيش غدا

وقال أبو العباس التطيلي : [البسيط]

والنّاس كالنّاس إلّا أن تجرّبهم

وللبصيرة حكم ليس للبصر

كالأيك مشتبهات في منابتها

وإنّما يقع التّفضيل في الثّمر

وقال القاضي أبو العباس بن الغماز البلنسي : [الكامل]

من كان يعلم لا محالة أنّه

لا بدّ أن يودي وإن طال المدى

__________________

(١) في ه «ومن طريق ولدي» تحريف.

(٢) في ه «أبو العلى».

(٣) لا تقنطن : لا تيأسن.

(٤) لقمان : هو صاحب النسور السبعة التي عمر بطول أعمارها. ولبد : هو اسم لآخر هذه النسور.

٢٣٤

هلّا استعدّ لمشهد يجزى به

من قد أعدّ من اهتدى ومن اعتدى

وقال أيضا (١) : [الطويل]

هو الموت فاحذر أن يجيئك بغتة

وأنت على سوء من الفعل عاكف

وإيّاك أن تمضي من الدّهر ساعة

ولا لحظة إلا وقلبك واجف

فبادر بأعمال يسرّك أن ترى

إذا طويت يوم الحساب الصّحائف

ولا تيأسن من رحمة الله إنّه

لربّ العباد بالعباد لطائف

ولما استوزر باديس صاحب غرناطة اليهودي الشهير بابن نغدلة (٢) ، وأعضل داؤه المسلمين ، قال زاهد البيرة وغرناطة أبو إسحاق الإلبيري قصيدته النونية المشهورة التي منها في إغراء صنهاجة باليهود : [المتقارب]

ألا قل لصنهاجة أجمعين

بدور الزمان وأسد العرين

مقالة ذي مقة مشفق

صحيح النّصيحة دنيا ودين

لقد زلّ سيدكم زلّة

أقرّ بها أعين الشّامتين

تخيّر كاتبه كافرا

ولو شاء كان من المؤمنين

فعزّ اليهود به وانتموا

وسادوا وتاهوا على المسلمين (٣)

وهي قصيدة طويلة ، فثارت إذ ذاك صنهاجة على اليهود ، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة ، وفيهم الوزير المذكور ، وعادة أهل الأندلس أن الوزير هو الكاتب ، فأراح الله العباد والبلاد (٤) ، ببركة هذا الشيخ الذي نور الحق على كلامه باد.

وقال أبو الطاهر الجياني المشهور بابن أبي ركب بفتح الراء وسكون الكاف : [مجزوء الوافر]

يقول النّاس في مثل

تذكّر غائبا تره

فما لي لا أرى سكنى

ولا أنسى تذكّره

وكان أبو الطاهر هذا في جملة من الطلبة ، فمر بهم رجل معه محبرة آبنوس تأنّق في

__________________

(١) مضت هذه الأبيات ص (٢٣٠).

(٢) كاذ في أ، ب ، ه. وقد كثر في هذا الاسم التصحيف.

(٣) تاه : تكبّر.

(٤) في ، ب ه «فأراح الله البلاد والعباد».

٢٣٥

حليتها واحتفل في عملها ، فأراهم إياها ، وقال : أريد أن أقصد بها بعض الأكابر ، وأريد أن تتمموا احتفالي بأن تصنعوا لي بينكم أبيات شعر أقدمها معها ، فأطرق الجماعة ، وقال أبو الطاهر: [الكامل]

وافتك من عدد العلا زنجيّة

في حلّة من حلية تتبختر

صفراء سوداء الحليّ كأنّها

ليل تطرزه نجوم تزهر

فلم يغب الرجل عنهم إلا يسيرا ، وإذ به قد عاد إليهم ، وفي يده قلم نحاس مذهب ، فقال لهم : وهذا [مما] أعددته للدفع مع هذه المحبرة ، فتفضلوا بإكمال الصنيعة عندي بذكره ، فبدر. أبو الطاهر وقال : [الكامل]

حملت بأصفر من نجار حليها

تخفيه أحيانا وحينا تظهر (١)

خرسان إلّا حين يرضع ثديها

فتراه ينطق ما يشاء ويذكر (٢)

قال ابن الأبار في «تحفة القادم» وحضر يوما في جماعة من أصحابه وفيهم أبو عبد الله ابن زرقون في (٣) شعبان في مكان ، فلما تملّئوا (٤) من الطعام قال أبو الطاهر لابن زرقون : أجز يا أبا عبد الله ، وأنشد : [الطويل]

حمدت لشعبان المبارك شبعة

تسهل عندي الجوع في رمضان

كما حمد الصبّ المتيم زورة

تحمل فيها الهجر طول زمان (٥)

فقال :

دعوها بشعبانيّة ولو انهم

دعوها بشبعانيّة لكفاني

وقال أبو عبد الله بن خميس الجزائري (٦) : [الوافر]

تحفّظ من لسانك ، ليس شيء

أحقّ بطول سجن من لسان

وكن للصمت ملتزما إذا ما

أردت سلامة في ذا الزّمان

وقال أيضا : [البسيط]

__________________

(١) في ب «وحينا يظهر».

(٢) في نسخة عند ج «غرثان إلا حين يرضع ثديها».

(٣) في ب «في عقب شعبان».

(٤) في ه «فلما ثملوا من الطعام» تحريف.

(٥) الصب : العاشق المشتاق. والمتيم : العاشق المغرم.

(٦) في ه «الجزيري».

٢٣٦

كن حلس بيتك مهما فتنة ظهرت

تخلص بدينك وافعل دائما حسنا (١)

وإن ظلمت فلا تحقد على أحد

إن الضّغائن فاعلم تنشىء الفتنا

وقال : [الوافر]

بدا لي أن خير النّاس عيشا

من امّنه الإله من الأنام

فليس لخائف عيش لذيذ

ولو ملك العراق مع الشآم

وله : [الكامل]

جانب جميع الناس تسلم منهم

إن السلامة في مجانبة الورى (٢)

وإذا رأيت من امرئ يوما أذى

لا تجزه أبدا بما منه ترى

وله : [مخلع البسيط]

من أدّب ابنا له صغيرا

قرّت به عينه كبيرا

وأرغم الأنف من عدوّ

يحسد نعماءه كثيرا

وقال أبو محمد بن هارون القرطبي : [الكامل]

بيد الإله مفاتح الرّزق الذي

أبوابه مفتوحة لم تغلق

عجبا لذي فقر يكلّف مثله

في الوقت شيئا عنده لم يخلق

وقال أيضا : [الطويل]

لعمرك ما الإنسان يرزق نفسه

ولكنّما الرّبّ الكريم يسخّره

وما بيد المخلوق في الرّزق حيلة

تقدّمه عن وقته أو تؤخّره

وقال الأديب الأستاذ أبو محمد بن صارة رحمه الله تعالى : [البسيط]

يا من يصيخ إلى داعي السّفاه وقد

نادى به النّاعيان الشّيب والكبر (٣)

إن كنت لا تسمع الذّكرى ففيم ثوى

في رأسك الواعيان السّمع والبصر (٤)

ليس الأصمّ ولا الأعمى سوى رجل

لم يهده الهاديان العين والأثر

__________________

(١) كن حلس بيتك : أي ملازما له. والضغائن : جمع ضغينة ، وهي الحقد.

(٢) في ه «سالم جميع الناس» والورى : الناس.

(٣) يصيخ إليه : يستمع إليه.

(٤) ثوى : أقام.

٢٣٧

لا الدهر يبقى ولا الدنيا ولا الفلك الأعل

ى ولا النّيّران الشمس والقمر

ليرحلنّ عن الدنيا وإن كرها

فراقها الثاويان البدو والحضر (١)

وقال رحمه الله تعالى في ابنة ماتت له : [الوافر]

ألا يا موت كنت بنا رؤوفا

فجدّدت الحياة لنا بزوره

حماد لفعلك المشكور لمّا

كفيت مؤنة وسترت عوره (٢)

فأنكحنا الضّريح بلا صداق

وجهزنا الفتاة بغير شوره (٣)

وأنشد أبو عبد الله بن الحاج البكري الغرناطي في بعض مجالسه قوله : [الرجز]

يا غاديا في غفلة ورائحا

إلى متى تستحسن القبائحا

وكم إلى كم لا تخاف موقفا

يستنطق الله به الجوارحا

يا عجبا منك وكنت مبصرا

كيف تجنبت الطريق الواضحا

كيف تكون حين تقرا في غد

صحيفة قد ملئت فضائحا

أم كيف ترضى أن تكون خاسرا

يوم يفوز من يكون رابحا

وممن روي عنه هذه الأبيات الكاتب الرئيس أبو الحسن بن الجياب ، وتوفي ابن الحاج المذكور سنة ٧١٥ رحمه الله تعالى :

وقال حافظ الأندلس ومحدثها أبو الربيع سليمان بن موسى بن سالم الكلاعي رحمه الله تعالى : [الطويل]

إلهي مضت للعمر سبعون حجّة

ولي حركات بعدها وسكون (٤)

فيا ليت شعري أين أو كيف أو متى

يكون الذي لابدّ أن سيكون

والصواب أنهما لغيره كما ذكرته في غير هذا الموضع ، وبالجملة فهما من كلام الأندلسيين ، وإن لم يحقق ناظمهما بالتعيين (٥).

__________________

(١) الألف في «كرها» علامة التثنية مع أن الفعل مسند للاسم الظاهر ، ووقع في ه «كرهت».

(٢) في نسخة عند ه «حمدنا فعلك المشكور». وقد لحظ في هذه الأبيات قوله عليه الصلاة والسلام «نعم الصهر القبر».

(٣) الضريح : القبر ، والصداق : المهر. والشورة : الخجل.

(٤) الحجه ـ بكسر الحاء : السنة.

(٥) نسب البيتان في التكملة (ص ٤٩٦) إلى أبي بكر بن منخل الشلبي.

٢٣٨

وقال أبو بكر يحيى التطيلي رحمه الله تعالى : [الطويل]

إليك بسطت الكفّ في فحمة الدّجى

نداء غريق في الذّنوب عريق

رجاك ضميري كي تخلّص جملتي

وكم من فريق شافع لفريق

وحكي أن بعض المغاربة كتب إلى الملك الكامل بن العادل بن أيوب رقعة في ورقة بيضاء ، إن قرئت في ضوء السراج كانت فضية ، وإن قرئت في الشمس كانت ذهبية ، وإن قرئت في الظل كانت حبرا أسود ، وفيها هذه الأبيات : [الطويل]

لئن صدّني البحر عن موطني

وعيني بأشواقها زاهره

فقد زخرف الله لي مكة

بأنوار كعبته الزّاهره

وزخرف لي بالنبي يثربا

وبالملك الكامل القاهره

فقال الملك الكامل قل :

وطيّب لي بالنّبي طيبة

وبالملك الكامل القاهره

وأظن أن المغربي أندلسي لقوله لئن صدني البحر عن موطني فلذلك أدخلته في أخبار الأندلسيين على غير تحقيق في ذلك (١) ، والله أعلم.

وأنشد أبو الوليد (٢) المعروف بابن الخليع قال : أنشدنا أبو عمر بن عبد البر النمري الحافظ: [الطويل]

تذكّرت من يبكي عليّ مداوما

فلم ألف إلا العلم بالدّين والخبر

علوم كتاب الله والسّنن التي

أتت عن رسول الله مع صحة الأثر

وعلم الألى من ناقديه وفهم ما

له اختلفوا في العلم بالرّأي والنّظر

وأنشد له أيضا : [الطويل]

مقالة ذي نصح وذات فوائد

إذا من ذوي الألباب كان استماعها

عليكم بآثار النّبيّ فإنّه

من افضل أعمال الرّشاد اتّباعها

وقال أبو الحسن عبد الملك بن عياش الكاتب الأزدي اليابري ، وسكن أبوه قرطبة (٣) : [الطويل]

__________________

(١) في ب «ولست على تحقيق ويقين». وفي ه «ولست على تحقيق في ذلك».

(٢) في ب ، ه «وأنشد ابن الوليد».

(٣) الذيل والتكملة ٥ / ٢٨.

٢٣٩

عصيت هوى نفسي صغيرا وعندما

رمتني الليالي بالمشيب وبالكبر (١)

أطعت الهوى عكس القضية ليتني

خلقت كبيرا وانتقلت إلى الصّغر

وقيل : إن ابنه أبا الحسن علي بن عبد الملك قال بيتا مفردا في معنى ذلك ، وهو :

هنيئا له إذ لم يكن كابنه الذي

أطاع الهوى في حالتيه وما اعتبر (٢)

وقيل : إن هذا البيت رابع أربعة أبيات (٣).

وقال أبو إسحاق بن خفاجة لما اجتمع به أبو العرب وسأله عن حاله وقد بلغ في عمره إحدى وثمانين سنة ، فأنشده لنفسه : [الرمل]

أي عيش أو غذاء أو سنه

لابن إحدى وثمانين سنه (٤)

قلّص الشّيب به ظلّ امرئ

طالما جرّ صباه رسنه

تارة تسطو به سيئة

تسخن العين وأخرى حسنه

وقال أبو محمد عبد الوهاب بن محمد القيسي المالقي : [السريع]

الموت حصاد بلا منجل

يسطو على القاطن والمنجلي (٥)

لا يقبل العذر على حالة

ما كان من مشكل او من جلي

وقال الشيخ عبد الحق الإشبيلي الأزدي صاحب كتاب العاقبة والإحكام وغيرهما :

إن في الموت والمعاد لشغلا

وادّكارا لذي النّهى وبلاغا

فاغتنم خطّتين قبل المنايا

صحّة الجسم يا أخي والفراغا

وقال أبو الفضل عبد المنعم بن عمر بن عبد الله بن حسان الغساني من أهل جليانة من عمل وادي آش : [الطويل]

ألا إنما الدنيا بحار تلاطمت

فما أكثر الغرقى على الجنبات

وأكثر من صاحبت يغرق إلفه

وقلّ فتى ينجى من الغمرات

__________________

(١) في ه «عصيت هوى نفسي صغيرا وبعدما».

(٢) في ه «أطاع الهوى في حاليته وما اعتذر» وفي الذيل «وما ائتمر».

(٣) ورد في الذيل والتكملة قبل البيت ثلاثة أبيات.

(٤) السنة ـ بكسر السين وفتح النون : النوم.

(٥) القاطن : الساكن ، والمنجلي : أراد الراحل.

٢٤٠