نفح الطّيب - ج ٥

الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني

نفح الطّيب - ج ٥

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني


المحقق: يوسف الشيخ محمّد البقاعي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٤

وأخبرني ابن إقبال الدولة [بن مجاهد](١) أنه كان عنده في يوم قد نشر من غيمه رداء ندّ (٢) ، وأسكب من قطره ماء ورد ، وأبدى من برقه لسان نار ، وأظهر من [قوس] قزحه حنايا قوس (٣) آس حفت بنرجس وجلّنار ، والروض قد بعث ريّاه ، وبث الشكر لسقياه ، فكتب إلى الطبيب الأديب أبي محمد المصري : [الخفيف]

أيها الصاحب الذي فارقت عي

ني ونفسي منه السّنا والسناء

نحن في المجلس الذي يهب الرا

حة والمسمع الغنى والغناء

نتعاطى التي تنسّي من الرّقّ

ة واللذة الهوى والهواء

فأته تلف راحة ومحيا

قد أعدّا لك الحيا والحياء

فوافاه وألفى مجلسه وقد أتلعت فيه الأباريق أجيادها (٤) ، وأقامت فيه خيل السرور طرادها ، وأعطته الأماني انطباعها وانقيادها ، وأهدت الدنيا ليومه مواسمها وأعيادها ، وخلعت عليه الشمس شعاعها ، ونشرت فيه الحدائق إيناعها ، فأديرت الراح ، وتعوطيت الأقداح ، وخامر النفوس الابتهاج والارتياح ، وأظهر المعتمد من إيناسه ، ما استرق به نفوس جلّاسه ، ثم دعا بكبير ، فشربه كما غربت الشمس في ثبير (٥) ، وعندما تناولها ، قام المصري ينشد أبياتا تمثلها : [البسيط]

اشرب هنيئا عليك التّاج مرتفقا

بشاذمهر ودع غمدان لليمن (٦)

فأنت أولى بتاج الملك تلبسه

من هوذة بن عليّ وابن ذي يزن

فطرب حتى زحف عن مجلسه ، وأسرف في تأنسه ، وأمر فخلعت عليه خلع لا تصلح إلا للخلفاء ، وأدناه حتى أجلسه مجلس الأكفاء ، وأمر له بدنانير عددا ، وملأ له بالمواهب يدا.

__________________

(١) ما بين حاصرتين زيادة من القلائد.

(٢) الند : عود يتبخّر به.

(٣) في ه «جناء آس حف» وفي نسخة «خبايا آس حفت»

(٤) في ب «أتلعت فيه أباريقه أجيادها» وأتلعت : دفعت ونصبت.

(٥) في ب ، ه «فشربه كالشمس غربت في ثبير» وثبير : اسم جبل. انظر معجم البلدان.

(٦) في ج ، ه «عليك التاج مرتفعا». هذا صدر بيت هو بتمامه :

اشرب هنيئا عليك التاج مرتفعا

في رأس غمدان دارا منك محلالا

وشاذمهر : مدينة أو موضع بنيسابور انظر معجم البلدان لياقوت.

٢٠١

وله في غلام رآه يوم العروبة من ثنيّات الوغى طالعا ، ولطلى (١) الأبطال قارعا ، وفي الدماء والغا ، ولمستبشع كؤوس المنايا سائغا ، وهو ظبي قد فارق كناسه ، وعاد أسدا [قد](٢) صارت القنا أخياسه (٣) ، ومتكاثف العجاج قد مزقه إشراقه ، وقلوب الدارعين قد شكتها أحداقه ، فقال : [الكامل]

أبصرت طرفك بين مشتجر القنا

فبدا لطرفي أنه فلك

أو ليس وجهك فوقه قمرا

يجلى بنير نوره الحلك

وقال فيه : [المتقارب]

ولما اقتحمت الوغى دارعا

وقنّعت وجهك بالمغفر

حسبنا محيّاك شمس الضحى

عليها سحاب من العنبر

وقد جمح بنا القلم في ترجمة المعتمد بن عباد بعض جموح ، وما ذلك إلا لما علمنا أن نفوس الأدباء إلى أخباره رحمه الله تعالى شديدة الطموح ، وقد جعل الله تعالى له كما قال ابن الأبار في «الحلة السيراء» رقة في القلوب وخصوصا بالمغرب فإن أخباره وأخبار الرميكية إلى الآن متداولة بينهم ، وإن فيها لأعظم عبرة ، رحم الله تعالى الجميع!.

رجع إلى أخبار النساء.

ومنهن العبادية جارية المعتضد عباد (٤) ، والد المعتمد ، أهداها إليه مجاهد العامري من دانية ، وكانت أديبة ، ظريفة ، كاتبة ، شاعرة ، ذاكرة لكثير من اللغة ، قال ابن عليم في شرحه لأدب الكاتب (٥) لابن قتيبة ، وذكر الموسعة وهي خشبة بين حمالين يجعل كل واحد منهما طرفها على عنقه ، ما صورته : وبذكر الموسعة أغربت جارية لمجاهد أهداها إلى عباد كاتبة شاعرة على علماء إشبيلية وبالغرمة (٦) التي تظهر في أذقان بعض الأحداث ، وتعتري بعضهم في الخدين عند الضحك ، فأما التي في الذقن فهي النونة ، ومنه قول عثمان رضي الله تعالى عنه : رسموا (٧) نونته لتدفع العين ، وأما التي في الخدين عند الضحك فهي الفحصة ، فما كان في ذلك الوقت في إشبيلية من عرف منها واحدة.

__________________

(١) الطّلى : جمع طلية ، وهي العنق.

(٢) «قد» ساقطة من ب.

(٣) الأخياس : الشجر الكثير الملتف. مفرده خيس.

(٤) انظر الذيل والتكملة (آخر جزء الغرباء).

(٥) في ب «أدب الكتاب» وفي ه «آداب الكتاب».

(٦) في ب «وبالهزيمة التي تظهر».

(٧) كذا في ب ، والذيل. وفي أ«رسموا» وفي ه «وسموا».

٢٠٢

وسهر عباد ليلة لأمر حزبه وهي نائمة ، فقال : [المتقارب]

تنام ومدنفها يسهر

وتصبر عنه ولا يصبر (١)

فأجابته بديهة بقولها :

لئن دام هذا وهذا له

سيهلك وجدا ولا يشعر

ويكفيك هذا شاهدا على فضلها رحمها الله تعالى [وسامحها].

ومنهن : بثينة بنت المعتمد بن عباد ، وأمها الرميكية السابقة الذكر ، وكانت بثينة هذه نحوا من أمها في الجمال والنادرة ونظم الشعر ، ولما أحيط بأبيها ووقع النهب في قصره كانت في جملة (٢) من سبي ، ولم يزل المعتمد والرميكية عليها في وله دائم لا يعلمان ما آل إليه أمرها إلى أن كتبت إليهما بالشعر المشهور المتداول بين الناس بالمغرب ، وكان أحد تجار إشبيلية اشتراها على أنها جارية سرّيّة ووهبها لابنه ، فنظر من شأنها وهيّئت له ، فلما أراد الدخول عليها امتنعت ، وأظهرت نسبها ، وقالت : لا أحل لك إلا بعقد النكاح إن رضي أبي بذلك ، وأشارت عليهم بتوجيه كتاب من قبلها لأبيها ، وانتظار جوابه ، فكان الذي كتبته بخطها من نظمها ما صورته : [الكامل]

اسمع كلامي واستمع لمقالتي

فهي السلوك بدت من الأجياد

لا تنكروا أني سبيت وأنني

بنت لملك من بني عباد

ملك عظيم قد تولّى عصره

وكذا الزمان يؤول للإفساد

لما أراد الله فرقة شملنا

وأذاقنا طعم الأسى من زاد (٣)

قام النّفاق على أبي في ملكه

فدنا الفراق ولم يكن بمراد

فخرجت هاربة فحازني امرؤ

لم يأت في إعجاله بسداد (٤)

إذا باعني بيع العبيد فضمّني

من صانني إلا من الأنكاد

وأرادني لنكاح نجل طاهر

حسن الخلائق من بني الأنجاد

ومضى إليك يسوم رأيك في الرضا

ولأنت تنظر في طريق رشادي

__________________

(١) المدنف : الذي اشتد عرضه وأشرف على الموت.

(٢) في ب «كانت من جملة».

(٣) في ب ، ه «طعم الأسى عن زاد».

(٤) في أصل ه «لم يؤت في أفعاله بسداد».

٢٠٣

فعساك يا أبتي تعرّفني به

إن كان ممن يرتجى لوداد

وعسى رميكية الملوك بفضلها

تدعو لنا باليمن والأسعاد

فلما وصل شعرها لأبيها وهو بأغمات ، واقع في شراك الكروب والأزمات ، سرّ هو وأمها بحياتها ، ورأيا أن ذلك للنفس من أحسن أمنياتها ، إذ علما مآل أمرها ، وجبر كسرها ، إذ ذاك أخف الضررين ، وإن كان الكرب قد ستر القلب منه حجاب رين (١) ، وأشهد على نفسه بعقد نكاحها من الصبي المذكور ، وكتب إليها أثناء كتابه ما يدل (٢) على حسن صبره المشكور : [السريع]

بنيتي كوني به برّة

فقد قضى الدّهر بإسعافه (٣)

وأخبار المعتمد بن عباد ، تذيب الأكباد ، فلنرجع إلى ذكر نساء الأندلس فنقول :

ومنهنّ حفصة بنت حمدون (٤) من وادي الحجارة ، ذكرها في «المغرب» وقال : إنها من أهل المائة الرابعة ، ومن شعرها :

رأى ابن جميل أن يرى الدهر مجملا

فكلّ الورى قد عمهم سيب نعمته

له خلق كالخمر بعد امتزاجها

وحسن فما أحلاه من حين خلقته

بوجه كمثل الشمس يدعو ببشره

عيونا ويعشيها بإفراط هيبته

ولها أيضا (٥) : [الخفيف]

لي حبيب لا ينثني لعتاب

وإذا ما تركته زاد تيها

قال لي هل رأيت لي من شبيه

قلت أيضا وهل ترى لي شبيها

ولها تذم عبيدها : [السريع]

يا ربّ إني من عبيدي على

جمر الغضا ، ما فيهم من نجيب

إما جهول أبله متعب

أو فطن من كيده لا يجيب

وقال ابن الأبار : إنها كانت أديبة عالمة شاعرة ، وذكرها ابن فرج صاحب «الحدائق» وأنشد لها أشعارا منها قولها : [مجزوء الكامل]

__________________

(١) الرين : هنا الحزن.

(٢) في ب ، ه «مما يدل على صبره المشكور».

(٣) في أ«فقد قضى الوقت بإسعافه».

(٤) انظر ترجمة حفصة بنت حمدون في المغرب ٢ : ٣٧.

(٥) «أيضا» ساقطة من ب.

٢٠٤

يا وحشتي لأحبّتي

يا وحشة متماديه

يا ليلة ودعتهم

يا ليلة هي ماهيه

ومنهن زينب المرية (١) ، كانت أديبة شاعرة ، وهي القائلة : [البسيط]

يا أيها الراكب الغادي لطيّته

عرّج أنبئك عن بعض الذي أجد (٢)

ما عالج الناس من وجد تضمّنهم

إلا ووجدي بهم فوق الذي وجدوا

حسبي رضاه وأنّي في مسرته

ووده آخر الأيّام أجتهد

ومنهن غاية المنى ، وهي جارية أندلسية متأدبة ، قدمت إلى المعتصم بن صمادح ، فأراد اختبارها فقال لها : ما اسمك؟ فقالت : غاية المنى ، فقال لها : أجيزي. [مجزور الخفيف]

اسألوا غاية المنى

فقالت :

من كسا جسمي الضّنا

وأراني مولها

سيقول الهوى أنا

هكذا أورد السالمي هذه الحكاية في تاريخه.

قال ابن الأبار : وقرأت بخطّ الثقة حاكيا عن القاضي أبي القاسم بن حبيش قال : سيقت لابن صمادح جارية لبيبة (٣) تقول الشعر وتحسن المحاضرة ، فقال : تحمل إلى الأستاذ ابن الفراء الخطيب ليختبرها ، وكان كفيفا ، فلما وصلته قال : ما اسمك؟ فقالت : غاية المنى ، فقال : أجيزي :

سل هوى غاية المنى

من كسا جسمي الضنا (٤)

فقالت تجيزه :

وأراني متيّما

سيقول الهوى أنا

فحكى ذلك لابن صمادح ، فاشتراها ، انتهى.

__________________

(١) في ه «زينب المربية». وانظر ترجمة زينب المرية في الذيل والتكملة.

(٢) طيته ، بكسر الطاء : نيته. ووقع في ه «الغادي لطيبته».

(٣) في ب ، ه «جارية نبيلة».

(٤) الضنا : شدة التعب والإعياء.

٢٠٥

ومنهن حمدة ، ويقال حمدونة بنت زياد المؤدب من وادي آش (١) ، وهي خنساء المغرب ، وشاعرة الأندلس ، ذكرها الملاحي وغيره ، وممن روى عنها أبو القاسم بن البراق.

ومن عجيب شعرها قولها : [الطويل]

ولمّا أبى الواشون إلّا فراقنا

وما لهم عندي وعندك من ثار

وشنّوا على أسماعنا كلّ غارة

قلّ حماتي عند ذاك وأنصاري

غزوتهم من مقلتيك وأدمعي

ومن نفسي بالسّيف والسّيل والنّار

وبعض يزعم أن هذه الأبيات لمهجة بنت عبد الرزاق الغرناطية ، وكونها لحمدة أشهر ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

وخرجت حمدة مرة للوادي مع صبية ، فلما نضت عنها ثيابها (٢) وعامت قالت : [الوافر]

أباح الدمع أسراري بوادي

له للحسن آثار بوادي (٣)

فمن نهر يطوف بكلّ روض

ومن روض يرفّ بكلّ وادي

ومن بين الظّباء مهاة أنس

سبت لبّي وقد ملكت فؤادي (٤)

لها لحظ ترقّده لأمر

وذاك الأمر يمنعني رقادي

إذا سدلت ذوائبها عليها

رأيت البدر في أفق السّواد (٥)

كأن الصبح مات له شقيق

فمن حزن تسربل بالحداد

وقال ابن البراق في سوق هذه الحكاية : أنشدتنا حمدة العوفية لنفسها ، وقد خرجت متنزهة بالرملة من نواحي وادي آش فرأت ذات وجه وسيم أعجبها ، فقالت : ـ وبين الروايتين خلاف ـ أباح الدمع ، إلى آخره ونسب بعضهم إلى حمدة هذه الأبيات الشهيرة بهذه البلاد المشرقية ، وهي : [الوافر]

وقانا لفحة الرمضاء واد

سقاه مضاعف الغيث العميم (٦)

__________________

(١) انظر ترجمتها في الإحاطة ١ : ٤٩٨. وتحفة القادم ١٦٢ ، والمطرب ١١.

(٢) نضّت ثيابها : خلعتها.

(٣) آثار بوادي : أي ظاهرة.

(٤) في ب ، ه «لها لبي وقد ملكت فؤادي».

(٥) في ب «رأيت البدر في جنح الدآدي». وفي المطرب «رأيت البدر أشرق في الدآدي». والدآدي : ثلاث ليال من آخر الشهر.

(٦) الرمضاء : شدة الحر.

٢٠٦

حللنا دوحه فحنا علينا

حنوّ المرضعات على الفطيم

وأرشفنا على ظمإ زلالا

ألذ من المدامة للنّديم

يصد الشّمس أنّى واجهتنا

فيحجبها ويأذن للنّسيم

يروع حصاه حالية العذارى

فتلمس جانب العقد النظيم

وممن جزم بذلك الرعيني ، وقال : إن مؤرخي بلاد الأندلس (١) نسبوها لحمدة من قبل أن يوجد المنازي الذي ينسبها له أهل المشرق ، وقد رأيت أن أذكر كلامه برمته ونصه : كانت من ذوي الألباب ، وفحول أهل الآداب ، حتى إن بعض المنتحلين تعلق بهذه الأهداب ، وادعى نظم هذين البيتين ـ يعني ولما أبى الواشون ـ إلى آخره لما فيهما من المعاني والألفاظ العذاب ، وما غره في ذلك إلا بعد دارها ، وخلو هذه البلاد المشرقية من أخبارها ، وقد تلبس بعضهم أيضا بشعارها ، وادعى غير هذا من أشعارها ، وهو قولها وقانا لفحة الرمضاء واد إلى آخره ، وإن هذه الأبيات نسبها أهل البلاد للمنازي من شعرائهم (٢) ، وركبوا التعصب في جادة ادعائهم ، وهي أبيات لم يخلبها (٣) غير لسانها ، ولا رقم برديها غير إحسانها ، ولقد رأيت المؤرخين من أهل بلادنا وهي الأندلس أثبتوها لها قبل أن يخرج المنازي من العدم إلى الوجود ، ويتصف بلفظة الموجود ، انتهى.

وهو أبو جعفر الأندلسي الغرناطي ، نزيل حلب.

وحكى ابن العديم في تاريخ حلب ما نصه : وبلغني أن المنازي عمل هذه الأبيات ليعرضها على أبي العلاء المعري ، فلما وصل إليه أنشده الأبيات ، فجعل المنازي كلما أنشد (٤) المصراع الأوّل من كل بيت سبقه أبو العلاء إلى المصراع الثاني الذي هو تمام البيت كما نظمه ، ولما أنشده قوله :

نزلنا دوحه فحنا علينا

قال أبو العلاء :

حنوّ الوالدات على الفطيم

فقال المنازي : إنما قلت «على اليتيم» فقال أبو العلاء : الفطيم أحسن. انتهى.

وهذا يدل على أن الرواية عنده «حنوّ الوالدات» وقد تقدّم المرضعات ، والله تعالى أعلم.

__________________

(١) في ب ، ه «مؤرخي بلادنا».

(٢) في ه «في شعرائهم».

(٣) لم يخلبها : أراد : لم يزينها.

(٤) في ج ، ه «أنشده».

٢٠٧

وقال ابن سعيد : يقال لنساء غرناطة المشهورات بالحسب والجلالة «العربيات» لمحافظتهنّ على المعاني العربية ، ومن أشهرهن زينب بنت زياد الوادي آشى ، وأختها حمدة ، وحمدة هذه هي القائلة وقد خرجت إلى نهر منقسم الجداول بين الرياض مع نسائها فسبحن في الماء وتلاعبن :

أباح الدمع أسراري بوادي

الأبيات ، انتهى

ومنهن عائشة بنت أحمد القرطبية.

قال ابن حيان في «المقتبس» لم يكن في زمانها من حرائر الأندلس من يعدلها علما وفهما وأدبا وشعرا وفصاحة ، تمدح ملوك الأندلس وتخاطبهم بما يعرض لها من حاجة ، وكانت حسنة الخط ، تكتب المصاحف ، وماتت عذراء لم تنكح سنة أربعمائة.

وقال في «المغرب» إنها من عجائب زمانها ، وغرائب أوانها ، وأبو عبد الله الطبيب عمها ، ولو قيل : «إنها أشعر منه» لجاز ، ودخلت على المظفر بن المنصور بن أبي عامر وبين يديه ولد ، فارتجلت : [الوافر]

أراك الله فيه ما تريد

ولا برحت معاليه تزيد

فقد دلّت مخايله على ما

تؤمّله وطالعه السّعيد

تشوّقت الجياد له وهزّ ال

حسام هوى وأشرقت البنود

وكيف يخيب شبل قد نمته

إلى العليا ضراغمة أسود (١)

فسوف تراه بدرا في سماء

من العليا كواكبه الجنود

فأنتم آل عامر خير آل

زكا الأبناء منكم والجدود (٢)

وليدكم لدى رأي كشيخ

وشيخكم لدى حرب وليد

وخطبها بعض الشعراء ممن لم ترضه فكتبت إليه : [الكامل]

أنا لبوة لكنّني لا أرتضي

نفسي مناخا طول دهري من أحد

ولو انّني أختار ذلك لم أجب

كلبا وكم غلّقت سمعي عن أسد

__________________

(١) يقع هذا البيت في ب ، ه تاليا لتاليه هنا.

(٢) في نسخة عند ه «زكا الإنبات منكم والجدود».

٢٠٨

ومنهنّ مريم بنت أبي يعقوب الأنصاري (١).

سكنت إشبيلية ، وأصلها والله أعلم من شلب.

وذكرها ابن دحية في «المطرب» وقال : إنها أديبة شاعرة مشهورة (٢) ، وكانت تعلم النساء الأدب (٣) ، وتحتشم لدينها وفضلها ، وعمرت عمرا طويلا ، سكنت إشبيلية ، واشتهرت بها بعد الأربعمائة ، وذكرها الحميدي ، وأنشد لها جوابها لما بعث المهدي إليها بدنانير ، وكتب إليها : [البسيط]

ما لي بشكر الذي أوليت من قبل

لو أنّني حزت نطق اللّسن في الحلل

يا فذّة الظّرف في هذا الزّمان ويا

وحيدة العصر في الإخلاص في العمل

أشبهت مريما العذراء في ورع

وفقت خنساء في الأشعار والمثل

ونص الجواب منها : [البسيط]

من ذا يجاريك في قول وفي عمل

وقد بدرت إلى فضل ولم تسل

ما لي بشكر الذي نظّمت في عنقي

من اللآلي وما أوليت من قبل

حلّيتني بحلى أصبحت زاهية

بها على كلّ أنثى من حلى عطل

لله أخلاقك الغرّ التي سقيت

ماء الفرات فرقّت رقّة الغزل (٤)

أشبهت مروان من غارت بدائعه

وأنجدت وغدت من أحسن المثل

من كان والده العضب المهنّد لم

يلد من النّسل غير البيض والأسل (٥)

ومن شعرها وقد كبرت : [الطويل]

وما يرتجى من بنت سبعين حجّة

وسبع كنسج العنكبوت المهلهل (٦)

تدبّ دبيب الطّفل تسعى إلى العصا

وتمشي بها مشي الأسير المكبّل

ومنهنّ أسماء العامرية (٧) ، من أهل إشبيلية ، كتبت إلى عبد المؤمن بن علي رسالة نمت فيها إليه بنسبها العامري ، وتسأله في رفع (٨) الإنزال عن دارها ، والاعتقال عن مالها ، وفي آخرها قصيدة أولها : [الوافر]

__________________

(١) انظر ترجمتها في الصلة ٦٥٦ والجذوة ٣٨٩.

(٢) في ب «إنها أديبة شاعرة [جزلة] مشهورة».

(٣) في نسخة عند ه «تعلم الناس الأدب».

(٤) في أصل ه «التي سبقت* ماء الفرات».

تحريف.

(٥) العضب والمهند والأبيض : السيف. والأسل : الرماح.

(٦) الحجّة : السنة.

(٧) انظر ترجمتها في الذيل والتكملة.

(٨) في نسخة عند ه «دفع الإنزال».

٢٠٩

عرفنا النّصر والفتح المبينا

لسيّدنا أمير المؤمنينا

إذا كان الحديث عن المعالي

رأيت حديثكم فينا شجونا

ومنها :

رويتم علمه فعلمتموه

وصنتم عهده فغدا مصونا

ومنهن أم الهناء بنت القاضي أبي محمد عبد الحق بن عطية ، سمعت أباها ، وكانت حاضرة النادرة ، سريعة التمثل ، من أهل العلم والفهم والعقل ، ولها تأليف في القبور ، ولما ولي أبوها قضاء المرية دخل داره وعيناه تذرفان وجدا لمفارقة وطنه ، فأنشدته متمثلة : [الكامل]

يا عين صار الدمع عندك عادة

تبكين في فرح وفي أحزان

وهذا البيت من جملة أبيات هي : [الكامل]

جاء الكتاب من الحبيب بأنّه

سيزورني فاستعبرت أجفاني (١)

غلب السرور عليّ حتى إنّه

من عظم فرط مسرّتي أبكاني (٢)

وبعده البيت ، وبعده :

فاستقبلي بالبشر يوم لقائه

ودعي الدموع لليلة الهجران

ومنهن مهجة القرطبية صاحبة ولّادة رحمهما الله تعالى (٣) ، وكانت من أجمل (٤) نساء زمانها ، وعلقت بها ولادة ، ولازمت تأديبها ، وكانت من أخف الناس روحا ، ووقع بينها وبين ولادة ما اقتضى أن قالت : [السريع]

ولادة قد صرت ولادة

من غير بعل ، فضح الكاتم

حكت لنا مريم لكنّه

نخلة هذي ذكر قائم

قال بعض الأكابر : لو سمع ابن الرومي هذا لأقر لها بالتقدم (٥).

ومن شعرها : [الطويل]

لئن قد حمى عن ثغرها كلّ حائم

فما زال يحمى عن مطالبه الثّغر

فذلك تحميه القواضب والقنا

وهذا حماه من لواحظها السّحر

__________________

(١) استعبرت : أسالت العبرات.

(٢) في ه «من فرط عظم مسرتي أبكاني».

(٣) انظر المغرب ١ : ١٤٣.

(٤) في ب ، ه «أجلّ نساء زمانها».

(٥) في ب ، ه «لأقر لها بالتقديم».

٢١٠

وأهدى إليها من كان يهيم (١) بها خوخا ، فكتبت إليه : [السريع]

يا متحفا بالخوخ أحبابه

أهلا به من مثلج للصدور

حكى ثديّ الغيد تفليكه

لكنّه أخزى رؤوس الأيور (٢)

ومنهن هند جارية أبي محمد عبد الله بن مسلمة الشاطبي ، وكانت أديبة شاعرة ، كتب إليها أبو عامر بن ينّق (٣) يدعوها للحضور عنده بعودها : [الكامل]

يا هند هل لك في زيارة فتية

نبذوا المحارم غير شرب السّلسل

سمعوا البلابل قد شدوا فتذكّروا

نغمات عودك في الثّقيل الأوّل

فكتبت إليه في ظهر رقعته : [الكامل]

يا سيّدا حاز العلا عن سادة

شمّ الأنوف من الطّراز الأوّل

حسبي من الإسراع نحوك أنني

كنت الجواب مع الرسول المقبل

ومنهن الشلبية ، قال ابن الأبار : ولم أقف على اسمها ، وكتبت إلى السلطان يعقوب المنصور تتظلم من ولاة بلدها وصاحب خراجها (٤) : [الكامل]

قد آن أن تبكي العيون الآبي

ولقد أرى أنّ الحجارة باكيه

يا قاصد المصر الذي يرجى به

إن قدر الرحمن رفع كراهيه

ناد الأمير إذا وقفت ببابه

يا راعيا إن الرعية فانيه

أرسلتها هملا ولا مرعى لها

وتركتها نهب السّباع العاديه

شلب كلا شلب ، وكانت جنّة

فأعادها الطّاغون نارا حاميه

حافوا وما خافوا عقوبة ربهم

والله لا تخفى عليه خافيه (٥)

فيقال : إنها ألقيت يوم جمعة على مصلى المنصور ، فلما قضى الصلاة وتصفحها بحث عن القضية (٦) فوقف على حقيقتها ، وأمر للمرأة بصلة.

وحكي أن بعض قضاة لوشة كانت له زوجة فاقت العلماء في معرفة الأحكام والنوازل ، وكان قبل أن يتزوّجها ذكر له وصفها فتزوّجها ، وكان في مجلس قضائه تنزل به النوازل ، فيقوم

__________________

(١) في نسخة «ويهتم بها».

(٢) الثّدي : جمع ثدي. وتفليكه : استدارته.

(٣) في ج «بن نيق». وفي ب «أبو عامر بن ينّق».

(٤) في ب ، ه «وصاحب خراجه».

(٥) حاف يحيف حيفا : عليه ظلمه.

(٦) في ب ، ه «عن القصة».

٢١١

إليها فتشير إليه بما يحكم به ، فكتب إليه بعض أصحابه مداعبا بقوله : [المتقارب]

بخلوشة قاض له زوجة

وأحكامها في الورى ماضيه

فيا ليته لم يكن قاضيا

ويا ليتها كانت القاضيه

فأطلع زوجته عليه حين قرأه فقالت : ناولني القلم ، فناولها ، فكتبت بديهة : [مجزوء الكامل]

هو شيخ سوء مزدرى

له شيوب عاصيه

كلّا لئن لم ينته

لنسفعا بالنّاصيه (١)

وسمعت بعض أشياخنا يحكي القضية عن لسان الدين بن الخطيب ، وأنه هو الذي كتب يداعب زوج المرأة فكتبت إليه : [مجزوء الكامل]

إنّ الإمام ابن الخطيب

له شيوب عاصيه

إلى آخره ، فالله أعلم.

ومنهن نزهون الغرناطية (٢).

قال في «المغرب» : من أهل المائة الخامسة ذكرها الحجاري في «المسهب» ووصفها بخفة الروح ، والانطباع الزائد ، والحلاوة ، وحفظ الشعر ، والمعرفة بضرب الأمثال ، مع جمال فائق ، وحسن رائق ، وكان الوزير أبو بكر بن سعيد أولع الناس بمحاضرتها ومذاكرتها ومراسلتها ، فكتب لها مرة : [المجتث]

يا من له ألف خلّ

من عاشق وصديق

أراك خلّيت للنّا

س منزلا في الطّريق

فأجابته : [الطويل]

حللت أبا بكر محلّا منعته

سواك ، وهل غير الحبيب له صدري

وإن كان لي كم من حبيب فإنّما

يقدّم أهل الحقّ حب أبي بكر

قيل : لو قالت «وإن كان خلاني كثيرا ـ الخ» لكان أجود.

ولما قال فيها المخزومي : [الطويل]

__________________

(١) هذا البيت صدره وعجزه هو الآية ١٥ من سورة العلق.

(٢) انظر ترجمتها في المغرب ٢ : ١٢١ والتحفة ١٦٤.

٢١٢

على وجه نزهون من الحسن مسحة

وتحت الثّياب العار لو كان باديا (١)

قواصد نزهون توارك غيرها

ومن قصد البحر استقلّ السّواقيا (٢)

قالت : [المجتث]

إن كان ما قلت حقّا

من بعض عهد كريم

فصار ذكري ذميما

يعزى إلى كلّ لوم

وصرت أقبح شيء

في صورة المخزومي

وقد تقدمت حكايتها في «الباب الأوّل» من هذا فلتراجع.

وقال لها بعض الثقلاء : ما على من أكل معك خمسمائة سوط؟! فقالت : [الطويل]

وذي شقوة لمّا رآني رأى له

تمنّيه أن يصلى معي جاحم الضّرب (٣)

فقلت له كلها هنيئا فإنّما

خلقت إلى لبس المطارف والشّرب

وقال ابن سعيد في طالعه لما وصف وصول ابن قزمان إلى غرناطة واجتماعه بجنته بقرية الزاوية من خارجها بنزهون القلاعية الأدبية ، وما جرى بينهما ، وأنها قالت له بعقب ارتجال بديع ـ وكان يلبس غفارة صفراء على زي الفقهاء حينئذ ـ أحسنت يا بقرة بني إسرائيل ، إلا أنك لا تسر الناظرين ، فقال لها : [إن لم أسر الناظرين](٤) فأنا أسر السامعين ، وإنما يطلب سرور الناظرين منك يا فاعلة يا صانعة ، وتمكن السكر من ابن قزمان ، وآل الأمر إلى أن تدافعوا معه حتى رموه في البركة ، فما خرج إلا وهو قد شرب كثيرا من الماء ، وثيابه تهطل ، فقال : اسمع يا وزير ، ثم أنشد : [السريع]

إيه أبا بكر ولا حول لي

بدفع أعيان وأنذال

وذات فرج واسع دافق

بالماء يحكي حال أذيالي

غرّقتني في الماء يا سيّدي

كفّره بالتّغريق في المال

__________________

(١) أخذ هذا البيت بأكثر ألفاظه من قول ذي الرمة ، ويقال : بل هو قول كنزة أم ذي الرمة :

على وجه ميّ مسحة من ملاحة

وتحت الثياب العار لو كان باديا

(٢) أخذ هذا البيت بأكثر ألفاظه من قول المتنبي يمدح كافورا الإخشيدي :

قواصد كافور ، توارك غيره

ومن قصد البحر استقلّ السواقيا

(٣) يصلى : هنا يذوق. وجاحم الضرب : أراد أشده وأقساه.

(٤) ما بين حاصرتين ساقط من ه.

٢١٣

فأمر بتجريد ثيابه ، وخلع عليه ما يليق به ، ومرّ لهم يوم بعد عهدهم بمثله ، ولم ينتقل ابن قزمان من غرناطة إلا من بعد ما أجزل له الإحسان ، ومدحه بما هو ثابت له في ديوان أزجاله (١) ، وحكى عنه فيما أظن ـ أعني ابن قزمان ـ ويحتمل أنه غيره أنه تبع إحدى الماجنات ، وكان أحول ، فأطمعته في نفسها ، وأشارت إليه أن يتبعها ، فاتبعها حتى أتت به سوق الصاغة بإشبيلية ، فوقفت على صائغ من صيّاغها ، وقالت له : يا معلم مثل هذا يكون فص الخاتم الذي قلت لك عنه ، تشير إلى عين ذلك الأحول الذي تبعها ، وكانت قد كلفت ذلك الصائغ أن يعمل لها خاتما يكون فصه عين إبليس ، فقال لها الصائغ : جئيني بمثال (٢) ، فإني لم أر هذا ولا سمعت به (٣) قط [فجاءته به عن مثال](٤) ، وحكاها بعضهم على وجه آخر وأنها ذهبت إلى الصائغ وقالت له : صور لي صورة الشيطان ، فقال لها : ائتيني بمثال ، فلما تبعها ابن قزمان جاءته به ، وقالت له : مثل هذا ، فسأل ابن قزمان الصائغ فأعلمه فخجل ولعنها.

وكتب [أبو بكر](٥) بن قزمان على باب جنته (٦) : [السريع]

وقائل يا حسنها جنّة

لا يدخل الحزن على بابها

فقلت والحقّ له صولة

أحسن منها مجد أربابها

وله : [الوافر]

كثير المال تمسكه فيفنى

وقد يبقى مع الجود القليل

ومن غرست يداه ثمار جود

ففي ظلّ الثناء له مقيل

رجع إلى أخبار نزهون [بنت القليعي] حكي أنها كانت تقرأ على أبي بكر المخزومي الأعمى ، فدخل عليهما أبو بكر الكتندي (٧) ، فقال يخاطب المخزومي : [الكامل]

لو كنت تبصر من تجالسه

فأفحم ، وأطال الفكر فما وجد شيئا ، فقالت نزهون :

لغدوت أخرس من خلاخله

__________________

(١) في أصل ه «ديوان أجزاله».

(٢) في ب ، ه «جيئني بالمثال».

(٣) في ب ، ه «ولا سمعته».

(٤) ما بين حاصرتين في ب ، ه وحدهما.

(٥) في نسخة عند ه «الكندي».

(٦) في ه «باب جنة».

(٧) في نسخة عند ه «الكندي».

٢١٤

البدر يطلع من أزرّته

والغصن يمرح في غلائله (١)

وكانت ماجنة (٢) ، ومن شعرها قولها : [البسيط]

لله درّ الليالي ما أحيسنها

وما أحيسن منها ليلة الأحد

لو كنت حاضرنا فيها وقد غفلت

عين الرقيب فلم تنظر إلى أحد

أبصرت شمس الضّحى في ساعدي قمر

بل ريم خازمة في ساعدي أسد

وهذا المعنى متفق مع قول ابن الزقاق : [الطويل]

ومرتجّة الأرداف أمّا قوامها

فلدن وأما ردفها فرداح (٣)

ألمّت فبات الليل من قصر بها

يطير ، ولا غير السرور جناح (٤)

فبتّ وقد زارت بأنعم ليلة

يعانقني حتّى الصّباح صباح

على عاتقي من ساعديها حمائل

وفي خصرها من ساعديّ وشاح

وابن الزقاق هذا له في النظم والغوص على المعاني الباع المديد ، ومن نظمه قوله : [الوافر]

رئيس الشّرق محمود السّجايا

يقصّر عن مدائحه البليغ

نسمّيه بيحيى وهو ميت

كما أنّ السّليم هو اللّديغ

يعاف الورد إن ظمئت حشاه

وفي مال اليتيم له ولوغ (٥)

وقوله : [المتقارب]

كتبت ولو أنّني أستطيع

لإجلال قدرك بين البشر (٦)

قددت اليراعة من أنملي

وكان المداد سواد البصر (٧)

وقوله : [الطويل]

غرير يباري الصبح إشراق خدّه

وفي مفرق الظلماء منه نصيب

ترفّ بفيه ضاحكا أقحوانة

ويهتزّ في برديه منه قضيب

__________________

(١) في ه «من علائله».

(٢) في أ«وكانت ناجية».

(٣) لدن : طري ، مرن. ورداح : ضخمة.

(٤) لا يوجد هذا البيت في ه.

(٥) في ه «وفي دمع اليتيم له ولوغ».

(٦) في ه «لإجلال قدرك دون البشر».

(٧) قددت : قطّعت ، واليراع واليراعة : القلم.

٢١٥

وقوله : [الكامل]

ومهفهف نبت الشقيق بخدّه

واهتزّ أملود النقا في برده

ماء الشبيبة والغرام أرقّ من

صقل الحسام المنتقى وفرنده

يحيى الورى بتحية من وصله

من بعد ما وردوا الحمام بصدّه (١)

إن كنت أهديت الفؤاد له فقل

أيّ الجوى بجوانح لم يهده

وقوله : [المتقارب]

أرقّ نسيم الصّبا عرفه

وراق قضيب النّقا عطفه

ومرّ بنا يتهادى وقد

نضا سيف أجفانه طرفه (٢)

ومدّ لمبسمه راحة

فخلت الأقاح دنا قطفه

أشارت بتقبيلها للسلام

فقال فمي ليتني كفه

وقوله : [الرمل]

بأبي من لم يدع لي لحظه

في الهوى من رمق حين رمق (٣)

جمعت نكهته في ثغره

عبقا في نسق يسبي الحدق

وبدت خجلته في خدّه

شفقا في فلق تحت غسق

وقال : [الكامل]

وعشيّة لبست ملاء شقيق

تزهى بلون للخدود أنيق

أبقت بها الشمس المنيرة مثل ما

أبقى الحياء بوجنتي معشوق

لو أستطيع شربتها كلفا بها

وعدلت فيها عن كؤوس رحيق (٤)

وقال في مسامرة كتاب زعماء : [الكامل]

لله ليلتنا التي استجدى بها

فلق الصّباح لسدفة الإظلام (٥)

__________________

(١) الورى : الناس ، والحمام : الموت.

(٢) نضا : استلّ.

(٣) الرمق ، بالتحريك : بقية النفس. ورمق : نظر ، وبأبي : أي أفديه بأبي.

(٤) كلفا بها : تعلقا بها ، والرحيق : الخمر.

(٥) في ب «لله ليلتنا التي استخذى بها».

٢١٦

طرأت عليّ مع النجوم بأنجم

من فتية بيض الوجوه كرام

إن حوربوا فزعوا إلى بيض الظّبا

أو خوطبوا فزعوا إلى الأقلام

فترى البلاغة إن نظرت إليهم

والبأس بين يراعة وحسام (١)

وقال : [الخفيف]

ومجدّين في السرى قد تعاطوا

غفوات الهوى بغير كؤوس

جنحوا وانحنوا على العيس حتى

خلتهم يعتبون أيدي العيس

نبذوا الغمض وهو حلو إلى أن

وجدوه سلافة في الرءوس

وقال : [الطويل]

وحبّب يوم السبت عندي أنّني

ينادمني فيه الّذي أنا أحببت

ومن أعجب الأشياء أنّي مسلم

حنيف ولكن خير أيامي السّبت

ولنقتصر من نساء الأندلس على هذا المقدار ، ونعد إلى ما كنا فيه من جلب كلام بلغاء الأندلس ذوي الأقدار ، فنقول :

قال الخفاجي رحمه الله تعالى (٢) : [الطويل]

وهاتفة في البان تملي غرامها

علينا وتتلو من صبابتها صحفا

عجبت لها تشكو الفراق جهالة

وقد جاوبت من كلّ ناحية إلفا

ويشجي قلوب العاشقين أنينها

وما فهموا مما تغنّت به حرفا

ولو صدّقت فيما تقول من الأسى

لما لبست طوقا ولا خضبت كفّا

وقال الأستاذ أبو محمد بن صارة [الطويل] :

متى تلتقي عيناي بدر مكارم

تودّ الثريّا أنّها من مواطئه

ولمّا أهلّ المدلجون بذكره

وفاح تراب البيد مسكا لواطئه

عرفنا بحسن الذّكر حسن صنيعه

كما عرف الوادي بخضرة شاطئه

وقال يتغزل [الكامل] :

__________________

(١) في ه «والناس بين يراعة». واليراعة : القلم. والحسام : السيف.

(٢) انظر ديوان ابن خفاجة ٣٧٠.

٢١٧

يا من تعرّض دونه شحط النّوى

فاستشرفت لحديثه أسماعي

إني لمن يحظى بقربك حاسد

ونواظري يحسدن فيك رقاعي (١)

لم تطوك الأيام عنّي إنّما

نقلتك من عيني إلى أضلاعي

وقال الأديب أبو القاسم بن العطار : [الطويل]

عبرنا سماء الجو والنهر مشرق

وليس لنا إلا الحباب نجوم (٢)

وقد ألبسته الأيك برد ظلالها

وللشمس في تلك البرود رقوم

وله أيضا : [الكامل]

لله بهجة نزهة ضربت به

فوق الغدير رواقها الأنسام (٣)

فمع الأصيل النّهر درع سابغ

ومع الضّحى يلتاح فيه حسام

وقال أيضا [الخفيف] :

هبت الريح بالعشيّ فحاكت

زردا للغدير ناهيك جنّه (٤)

وانجلى البدر بعد هدء فحاكت

كفه للقتال منه أسنّه (٥)

وقال أيضا : [الكامل]

لله حسن حديقة بسطت لنا

منها النفوس سوالف ومعاطف

تختال في حلل الربيع وحليه

ومن الربيع قلائد ومطارف

وله : [المنسرح]

وسنان ما إن يزال عارضه

يعطف قلبي بعطفة اللام (٦)

أسلمني للهوى فواحزني

أن بزّنى عفّتي وإسلامي (٧)

__________________

(١) الرقاع : جمع رقعة ، وهي القطعة من الورق أو القماش يكتب عليها.

(٢) في ه «عبرنا سماء النهر والجو مشرق».

(٣) في أ«لله بهجة منزه» وفي نسخة ه «طربت به». وفي ب «الأنشام». والأنشام : نوع من الشجر.

(٤) الجنّة ـ بضم الجيم ـ الدرع.

(٥) في ج «وانجلى البدر بعد هذا».

(٦) الوسنان : من أخذه النعاس.

(٧) في ج ونسخة عند ه «أن سرني عفتي وإسلامي».

٢١٨

لحاظه أسهم ، وحاجبه

قوس ، وإنسان عينه رامي

وارتجل أبو جعفر بن خاتمة رحمه الله تعالى لما بات في قرية بيّش : [الكامل]

لله منزلنا بقرية بيّش

كاد الهوى فيها ادّكارا بي يشي

رحنا إليها والبطاح كأنها

صحف مذهبة بإبريز العشي

فأجازه الوزير ابن جزى بقوله : [الكامل]

في فتية هزّت حميّا الأنس من

أعطافهم فالكل منها منتشي

يأتى علاهم بالصحيح ، ولفظهم

بالمنتقى ، وجمالهم بالمدهش

وقال السلطان أبو الحجاج النصري مرتجلا أيام مقامه بظاهر جبل الفتح سنة ٨٢٥ (١) : [الطويل]

ولم يتركوا أوطانهم بمرادهم

ولكن لأحوال أشابت مفارقي

أقام بها ليل التّهاني تقلّبا

وقد سكنت جهلا نفوس الخلائق (٢)

فعوّضتها ليل الصبابة بالسّرى

وأنس التلاقي بالحبيب المفارق

ولم يثنني طرف من النور ناعس

ولا معطف للبان وسط الحدائق (٣)

ولا منهض الأشبال في عقر غيرهم

ولا ملعب الغزلان فوق النّمارق

وعاطيتها صبح الدّياجي مدامة

تميل بها الركبان فوق الأيانق

إذا ما قطعنا بالمطيّ تنوفة

دلجنا لأخرى بالجياد السّوابق (٤)

بحيث التقى موسى مع الخضر آية

عسى ترجع العقبى كموسى وطارق

وله : [البسيط]

من عاذري من غزال زانه حور

قد هام لمّا بدا في حسنه البشر

ألحاظه كسيوف الهند ماضية

لها بقلبي وإن سالمتها أثر

__________________

(١) في ب «سنة ٨١٥».

(٢) في نسخة عند ه «أقام بها ليل التصابي».

(٣) الأيانق : البان : نوع من الأشجار ، طويل.

(٤) التنوفة : الأرض الواسعة التي لا ماء فيها ولا إنسان.

٢١٩

وقال القاضي أبو القاسم بن حاتم : [الوافر]

شكوت بما دهاك وكان سرّا

لمن ليست مودّته صحيحه

فتلك مصيبة عادت ثلاثا

لصحبتها الشماتة والفضيحه

وقال الفقيه محمد بن سعيد الأندلسي مخاطبا للفقيه الفخار : [البسيط]

خفّف علينا قليلا أيها العلم

فربّما كان فينا من به ألم

لا يستطيع نهوضا من تألّمه

وإن تمادى قليلا خانت القدم

كفى وصية مولانا وسيدنا

محمد فاسمعوا ما قال والتزموا

وقال ابن جبير اليحصبي فيمن أهدى إليه تفاحا : [الوافر]

خليل لم يزل قلبي قديما

يميل بفرط صاغية إليه

أتاني مقبلا والبشر يبدي

وسائل برصة كرمت لديه

وجاء بعرف تفّاح ذكيّ

فقلت أتى الخليل بسيبويه

فأهدى من جناه بكلّ شكل

يلوح جمال مهديها عليه

وقال قاضي مالقة سيدي إبراهيم البدوي : [مخلع البسيط]

قطعت يأسي فصنت وجهي

عن الوقوف لذي وجاهه (١)

قصدت ربّي فكان حسبي

ألبسني فضله وجاهه

فلا يرى ينثنى عناني

مدى حياتي إلا تجاهه

وقال ابن خليل السكوني في فهرسته : شاهدت بجامع العدبس (٢) بإشبيلية ربعة مصحف في أسفار ينحى به لنحو خطوط الكوفة إلا أنه أحسن خطا وأبينه وأبرعه وأتقنه ، فقال لي الشيخ الأستاذ أبو الحسين (٣) بن الطفيل بن عظيمة : هذا خط ابن مقلة ، وأنشد : [البسيط]

خطّ ابن مقلة من أرعاه مقلته

ودّت جوارحه لو أنّها مقل

ثم قسنا حروفه بالضابط فوجدنا أنواعها تتماثل في القدر والوضع ، فالألفات على قدر واحد ، واللامات كذلك ، والكافات والواوات وغيرها بهذه النسبة ، انتهى.

قلت : رأيت بالمدينة المنوّرة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام مصحفا بخط ياقوت

__________________

(١) في ب ، ه «قطعت يأسي فضنت نفسي».

(٢) كذا في ب ، ه. وفي أ«العديس».

(٣) كذا في أ، وفي ب «أبو الحسن».

٢٢٠