نفح الطّيب - ج ٤

الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني

نفح الطّيب - ج ٤

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني


المحقق: يوسف الشيخ محمّد البقاعي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٠

وقال في المطمح فيه : إمام من أئمه الكتابة ومفجّر ينبوعها ، والظاهر على مصنوعها بمطبوعها ، إذا كتب نثر الدّرّ في المهارق (١) ، ونمّت فيه أنفاسه كالمسك في المفارق ، وانطوى ذكره على انتشار إحسانه ، مع امتداد لسانه (٢) ، فلم تطل لدوحته فروع ، ولا اتّصل لها من نهر الإحسان كروع ، فاندفنت محاسنه من الإهمال في قبر ، وانكسرت الآمال بعدم بدائعه كسرا بعد جبر ، وكان كاتب علي بن حمود العلوي وذكر أنه كان يرتجل بين يديه ولا يروّي ، فيأتي على البديه ، بما يتقبّله المروّي (٣) ويبديه ، فمن ذلك ما كتب به متفننا من ضمن رسالة (٤) : روض القلم (٥) في فنائك مونق ، وغصن الأدب بمائك مورق ، وقد قذف بحر الهند درره ، وبعث روض نجد زهره ، فأهدى ذلك على يدي فلان الجاري في جهده ، على مباني قصده (٦).

وقال الوزير حسان بن مالك بن أبي عبدة في المهرجان : [المتقارب]

أرى المهرجان قد استبشرا

غداة بكى المزن واستعبرا

وسربلت الأرض أمواجها

وجللت السندس الأخضرا (٧)

وهزّ الرياح صنابيرها

فضوّعت المسك والعنبرا

تهادى به الناس ألطافه

وسامى المقلّ به المكثرا

وقال في حقّه في المطمح : من بيت جلالة ، وعترة أصالة (٨) ، كانوا مع عبد الرحمن الداخل ، وتوغّلوا معه في متشعبات تلك المداخل ، وسعوا في الخلافة حتى حضر مبايعها وكثر مشايعها ، وجدّوا في الهدنة وانعقادها ، وأخمدوا نار الفتنة عند اتّقادها ، فانبرمت عراها (٩) ، وارتبطت أولاها وأخراها ، فظهرت البيعة واتّضحت ، وأعلنت الطاعة وأفصحت ، وصاروا تاج مفرقها ، ومنهاج طرقها ، وهو ممّن بلغ الوزارة [من](١٠) بعد ذلك وأدركها ، وحلّ مطلعها

__________________

(١) المهارق : جمع مهرق : وهو الصحيفة البيضاء ، أو ثوب حرير أبيض يسقى الصمغ ويصقل ثم يكتب فيه.

(٢) في ب ، ه : «وقصر أمره على امتداد لسانه».

(٣) كذا في أ، ب. وفي ج : «بما يفعله المروي».

(٤) في ب ، ه : «ما كتب به معتنيا من بعض رسالة».

(٥) في ه : «روض العلم».

(٦) في ه : «الجاري في حمده ، على مثاني قصده» وفي ب : «الجاري في حمده ، على مباني قصده».

(٧) في ه : «وسربلت الأرض أفواهها».

(٨) في ج : «وفخر أصالة» والعترة : نسل الرجل.

(٩) انبرمت عراها : انعقدت.

(١٠) ما بين حاصرتين ساقط من ب ، ه.

٣٢١

وفلكها ، مع اشتهار في اللغة والآداب ، وانخراط في سلك الشعراء والكتّاب ، وإبداع لما ألّف ، وانتهاض بما تكلّف ، ودخل على المنصور وبين يديه كتاب ابن السري وهو به كلف ، وعليه معتكف ، فخرج وعمل على مثاله كتابا سماه ربيعة وعقيل» جرّد له من ذهنه أيّ سيف صقيل ، وأتى به منتسخا مصوّرا في ذلك اليوم من الجمعة الأخرى ، وأبرزه والحسن يتبسّم عنه ويتفرّى (١) ، فسرّ به المنصور وأعجب ، ولم يغب عن بصره ساعة ولا حجب ، وكان له بعد هذه المدة حين أدجت الفتنة ليلها وأزجت إبلها وخيلها ، اغتراب كاغتراب الحارث بن مضاض ، واضطراب بين القواني والمواضي (٢) ، كالحيّة النضناض (٣) ، ثم اشتهر بعد ، وافترّ له السعد ، وفي تلك المدة يقول يتشوّق إلى أهله : [الطويل]

سقى بلدا أهلي به وأقاربي

غواد بأثقال الحيا وروائح (٤)

وهبّت عليهم بالعشي وبالضحى

نواسم برد والظّلال فوائح

تذكرتهم والنأي قد حال دونهم

ولم أنس لكن أوقد القلب لافح (٥)

وممّا شجاني هاتف فوق أيكة

ينوح ولم يعلم بما هو نائح

فقلت اتّئد يكفيك أني نازح

وأنّ الذي أهواه عني نازح (٦)

ولي صبية مثل الفراخ بقفرة

مضى حاضناها فاطّحتها الطوائح (٧)

إذا عصفت ريح أقامت رؤوسها

فلم يلقها إلّا طيور بوارح

فمن لصغار بعد فقد أبيهم

سوى سانح في الدهر لو عنّ سانح

واستوزره المستظهر عبد الرحمن بن هشام أيام الفتنة فلم يرض بالحال ، ولم يمض في ذلك الانتحال ، وتثاقل عن الحضور في كل وقت ، وتغافل في ترك الغرور بذلك المقت ، وكان المستظهر يستبدّ بأكثر تلك الأمور دونه ، وينفرد مغيّبا عنه شؤونه ، فكتب إليه : [الطويل]

إذا غبت لم أحضر وإن جئت لم أسل

فسيّان منّي مشهد ومغيب

__________________

(١) تفرّى الليل عن صبحه : انشقّ وبدا الصبح ، وفيه استعارة.

(٢) في ب : «بين القواني والمواضي». والقواني جمع قناة على غير القياس.

(٣) الحية النضناض التي تحرك لسانها ولا تستقر بمكان.

(٤) الغوادي : الغيوم. والحيا : المطر.

(٥) لافح : هنا النار.

(٦) اتئد : تمهّل. والنازح : البعيد.

(٧) كذا في أ، ب ، ه. وفي ج «متى خاضتا فيها طحتها الطوائح» وفي المطمح «حتى حضناها طوّحتها الطوائح».

٣٢٢

فأصبحت تيميا وما كنت قبلها

لتيم ولكنّ الشبيه نسيب (١)

وله : [الطويل]

رأت طالعا للشيب بين ذوائبي

فباحت بأسرار الدموع السواكب

وقالت أشيب؟ قلت : صبح تجاربي

أنار على أعقاب ليل نوائبي (٢)

ولمّا مات رثاه الوزير أبو عامر ابن شهيد بقوله : [الطويل]

أفي كلّ عام مصرع لعظيم؟

أصاب المنايا حادثي وقديمي

وكيف اهتدائي في الخطوب إذا دجت

وقد فقدت عيناي ضوء نجوم

مضى السّلف الوضّاح إلّا بقيّة

كغرّة مسودّ القميص بهيم

فإن ركبت منّي الليالي هضيمة

فقبلي ما كان اهتضام تميم

أبا عبدة إنّا غدرناك عندما

رجعنا وغادرناك غير ذميم (٣)

أنخذل من كنّا نرود بأرضه

ونكرع منه في إناء علوم

ويجلو العمى عنّا بأنوار رأيه

إذا أظلمت ظلماء ذات غيوم

كأنك لم تلقح بريح من الحجا

عقائم أفكار بغير عقيم

ولم نعتمر مغناك غدوا ولم نزر

رواحا لفصل الحكم دار حكيم (٤)

وقال الوزير الفقيه أبو أيوب ابن أبي أمية (٥) : [البسيط]

أمسك دارين حيّاك النسيم به

أم عنبر الشّحر أم هذي البساتين (٦)

بشاطئ النهر حيث النّور مؤتلق

والراح تعبق أم تلك الرياحين

وحلاه في المطمح بقوله : واحد الأندلس الذي طوّقها فخارا ، وطبّقها بأوانه افتخارا ، ما شئت من وقار لا تحيل الحركة سكونه ، ومقدار يتمنّى مخبر أن يكونه ، إذا لاح رأيت المجد

__________________

(١) إشارة إلى قول الشاعر :

ويقضى الأمر حين تغيب تيم

ولا يستأمرون وهم شهود

(٢) النوائب : المصائب والنوازل.

(٣) في ه : «أباة عبدة إنا عذرناك» محرفا.

(٤) في ب ونسخة عنده «ولم نعتمد مغناك». وفي المطمح «ولم نزل نؤم لفصل الحكم دار حكيم».

(٥) انظر المطمح ص ٢٨ ، ٢٩.

(٦) الشّحر : الشط.

٣٢٣

مجتمعا ، وإذا فاه أضحى كلّ شيء مستمعا ، تكتحل منه مقل المجد ، وتنتحل المعالي أفعاله انتحال ذي كلف بها ووجد ، لو تفرّقت في الخلق سجاياه لحمدت الشّيم ، ولو استسقيت بمحيّاه لما استمسكت الديم ، ودعي للقضاء فما رضي ، وأعفي عنه فكأنه ما استقضي ، لديه تثبت الحقائق ، وتنبت العلائق ، وبين يديه يسلك عين الجدد (١) ، ويدع اللّدد اللّدد (٢) ، وله أدب إذا حاضر به فلا البحر إذا عصف ، ولا أبو عثمان (٣) إذا وصف ، مع حلاوة مؤانسة تستهوي الجليس ، وتهوي حيث شاءت بالنفوس ، وأمّا تحبيره وإنشاؤه ، ففيهما للسامع تحييره وانتشاؤه ، وقد أثبتّ له بدعا ، يثني إليها الإحسان جيدا وأخدعا ، فمن ذلك قوله في منزل حلّه متنزها : [البسيط]

يا منزل الحسن أهواه وآلفه

حقا لقد جمعت في صحنك البدع

لله ما اصطنعت نعماك عندي في

يوم نعمت به والشمل مجتمع

وحلّ منية صهره الوزير أبي مروان بن الدب بعدوة إشبيلية المطلّة على النهر ، المشتملة على بدائع الزهر ، وهو معرّس ببنته ، فأقام بها أياما متأنّسا ، ولجذوة السرور مقتبسا ، فوالى عليه من التّحف ، وأهدى إليه من الطّرف ، ما غمر كثرة ، وبهر نفاسة وأثرة ، فلمّا ارتحل وقد اكتحل من حسن ذلك الموضع بما اكتحل ، كتب إليه : [البسيط]

قل للوزير وأين الشكر من منن

جاءت على سنن تترى وتتّصل (٤)

غشيت مغناك والروض الأنيق به

يندى وصوب الحيا يهمي وينهمل

وجال طرفي في أرجائه مرحا

وفق اجتيازي يستعلي ويستفل

ندعو بلفتته حيث ارتمى زهر

عليه من منثني أفنانه كلل (٥)

محلّ أنس نعمنا فيه آونة

من الزمان وواتانا به الأمل

وحلّ بعد ذلك متنزها بها على عادته ، فاحتفل في موالاة ذلك البرّ وإعادته ، فلمّا رحل كتب إليه : [مجزوء الكامل]

__________________

(١) في ه : «يسلك من الحق الجدد» والجدد ، الأرض المستوية.

(٢) في ه : «ويدع الألد اللدد» واللدد : الخصومة.

(٣) أبو عثمان : أراد به الجاحظ عمرو بن بحر أمير النثر في العربية.

(٤) تترى : من الفعل : وتر : أي قتل حميمه ، أدركه بمكروه.

(٥) الكلل : الستائر.

٣٢٤

يا دار ، أمّنك الزما

ن صروفه ونوائبه (١)

وجرت سعودك بالذي

يهوى نزيلك آيبه (٢)

فلنعم مأوى الضيف أن

ت إذا تحاموا جانبه

خطر شأوت به الديا

ر وأذعنت لك قاطبه (٣)

وصنع له (٤) ابن عبد الغفور رسالة سماها ب «الساجعة» حذا بها حذو أبي العلاء المعري في «الصاهل والساجح» (٥) وبعث بها إليه ، فعرضها عليه ، فأقامت عنده أياما ثم استدعاها منه فصرفها إليه ، وكتب معها : بكر زففتها أعزّك الله تعالى نحوك ، وهززت بمقدمها سناك وسروك ، فلم ألفظها عن شبع ، ولا جهلت ارتفاعها عمّا يجتلى من نوعها ويستمع ، ولكن لما أنسته (٦) من أنسك بانتجاعها ، وحرصك على ارتجاعها ، دفعت في صدر الولوع ، وتركت بينها وبين مجاثمها بتلك الربوع (٧) ، حيث الأدب غضّ ، وماء البلاغة مرفضّ ، فأسعد أعزّك الله بكرتها ، وسلّها عن أفانين معرّتها (٨) ، بما تقطفه من ثمارك ، وتغرفه من بحارك ، وترتاح له ولإخوانه من نتائج أفكارك ، وإنها لشنشنة أعرفها فيكم من أخزم ، وموهبة حزتموها وأحرزتم السبق فيها منذ كم. انتهى.

وابن عبد الغفور هو الوزير أبو القاسم الذي قال فيه الفتح (٩) : فتى زكا فرعا وأصلا ، وأحكم البلاغة معنى وفصلا ، وجرّد من ذهنه على الأعراض نصلا ، قدّها به وفراها ، وقدح زند المعالي حتى أوراها ، مع صون يرتديه ، ولا يكاد يبديه ، وشبيبة ألحقته بالكهول ، فأقفرت منه ربعها المأهول ، وشرف ارتداه ، وسلف اقتفى أثره الكريم واقتداه ، وله شعر بديع السّرد ، مفوّف البرد ، وقد أثبتّ له منه ما ألفيت ، وبالدلالة عليه اكتفيت ، فمن ذلك قوله : [الطويل]

تركت التصابي للصواب وأهله

وبيض الطّلى للبيض والسّمر للسّمر

مدامي مدادي والكؤوس محابري

وندماي أقلامي ومنقلتي سفري

__________________

(١) صروف الزمان : مصائبه.

(٢) في المطمح : «ودنت سعودك بالذي». وآب : رجع.

(٣) شأوت : سبقت.

(٤) في ب ، ه : «وصنع له ولد ابن عبد الغفور».

(٥) في ب : «الصاهل والشاجح».

(٦) في ج : «لما أنست».

(٧) في ب ، ج : «تلك الربوع».

(٨) المعرّة : الأذى ، المساءة.

(٩) انظر المطمح ص ٢٩ ـ ٣٠.

٣٢٥

وله : [البسيط]

لا تنكروا أنّنا في رحلة أبدا

نحثّ في نفنف طورا وفي هدف (١)

فدهرنا سدفة ونحن أنجمها

وليس ينكر مجرى النّجم في السّدف (٢)

لو أسفر الدهر لي أقصرت عن سفري

وملت عن كلفي بهذه الكلف

وله من قصيدة : [الطويل]

رويدك يا بدر التمّام فإنني

أرى العيس حسرى والكواكب ظلّعا (٣)

كأنّ أديم الصبح قد قدّ أنجما

وغودر درع الليل فيها مرقّعا

فإني وإن كان الشباب محبّبا

إليّ وفي قلبي أجلّ وأوقعا

لآنف من حسن بشعري مفترى

وآنف من حسن بشعري قنّعا (٤)

وقال الوزير أبو الوليد بن حزم (٥) : [الطويل]

إليك أبا حفص وما عن ملالة

ثنيت عناني والحبيب حبيب

مقالا يطير الجمر عن جنباته

ومن تحته قلب عليك يذوب

مضت لك في أفياء ظلّي صولة

لها بين أحناء الضّلوع دبيب (٦)

ولكن أبى إلّا إليك التفاته

فزاد عليه من هواك رقيب

وكم بيننا لو كنت تحمد ما مضى

إذ العيش غضّ والزمان قشيب (٧)

وتحت جناح الغيم أحشاء روضة

بها لخفوق العاصفات وجيب

وللزهر في ظلّ الرياض تبسّم

وللطير منها في الغصون نحيب

وقال في الزهد : [المتقارب]

ثلاث وستون قد جزتها

فماذا تؤمّل أو تنتظر

وحلّ عليك نذير المشيب

فما ترعوي أو فما تزدجر

__________________

(١) النفنف : كل مهواة بين جبلين ، أو الأرض الخالية البعيدة.

(٢) السدفة : الظلمة.

(٣) العيس : النوق.

(٤) آنف : أبى وأرفض.

(٥) انظر المطمح ص ٣١ ـ ٣٤.

(٦) في ب : «مضت لك في أفياء ظلي قولة».

(٧) القشيب الجديد.

٣٢٦

تمرّ لياليك مرا حثيثا

وأنت على ما أرى مستمر

فلو كنت تعقل ما ينقضي

من العمر لاعتضت خيرا بشر

فما لك لا تستعدّ إذن

لدار المقام ودار المقر

أترغب عن فجأة للمنون

وتعلم أن ليس منها مفرّ

فإمّا إلى جنّة أزلفت

وإمّا إلى سقر تستعر

وقال ابن أبي زمنين (١) : [البسيط]

الموت في كلّ حين ينشر الكفنا

ونحن في غفلة عمّا يراد بنا

لا تطمئنّ إلى الدنيا وبهجتها

وإن توشّحت من أثوابها الحسنا

أين الأحبة والجيران؟ ما فعلوا؟

أين الذين هم كانوا لنا سكنا

سقاهم الموت كأسا غير صافية

فصيّرتهم لأطباق الثرى رهنا

تبكي المنازل منهم كلّ منسجم

بالمكرمات وترثي البرّ والمننا

حسب الحمام لو ابقاهم وأمهلهم

أن لا يظنّ على معلوّة حسنا (٢)

وقال في المطمح : الفقيه أبو عبد الله محمد بن أبي زمنين فقيه متبتّل ، وزاهد لا منحرف إلى الدنيا ولا منفتل ، هجرها هجر المنحرف ، وحلّ أوطانه فيها محلّ المعترف ، لعلمه بارتحاله عنها وتفويضه (٣) ، وإبداله منها وتعويضه ، فنظر بقلبه لا بعينه ، وانتظر يوم فراقه وبينه ، ولم يكن له بعد ذلك بها اشتغال ، ولا في شعاب تلك المسالك إيغال ، وله تآليف (٤) في الوعظ والزهد وأخبار الصالحين تدلّ على تخليته عن الدنيا واتّراكه ، والتفلّت من حبائل الاغترار وأشراكه ، والتنقّل من حال إلى حال ، والتأهّب للارتحال ، ويستدلّ به على ذلك الانتحال ، فمنها قوله : [البسيط]

الموت في كلّ حين ينشر الكفنا

فذكر الأبيات ، انتهى.

وقال خلف بن هارون يمدح الحافظ أبا محمد بن حزم (٥) : [المتقارب]

__________________

(١) انظر المطمح ص ٤٩ ـ ٥٠.

(٢) في ج : «ألا يظن على معلومة حسنا».

(٣) في ب ، ه : «وتقويضه».

(٤) في ب : «وله تواليف».

(٥) انظر المطمح ص ٥٥ ـ ٥٦.

٣٢٧

يخوض إلى المجد والمكرمات

بحار الخطوب وأهوالها

وإن ذكرت للعلا غاية

ترقّى إليها وأهوى لها

وقال في المطمح فيه (١) : فقيه مستنبط ، ونبيه بقياسه مرتبط ، ما تكلّم تقليدا ، ولا عدا اختراعا (٢) وتوليدا ، ما تمنّت به الأندلس أن تكون كالعراق ، ولا حنّت الأنفس معه إلى تلك الآفاق ، أقام بوطنه ، وما برح عن عطفه (٣) ، فلم يشرب ماء الفرات ، ولم يقف عيشة الثمرات (٤) ، ولكنه أربى على من من ذلك غذي ، وأزرى على من هنالك نعل وحذي ، تفرّد بالقياس ، واقتبس نار المعارف أيّ اقتباس ، فناظر بها أهل فاس ، وصنّف وحبّر حتى أفنى الأنقاس (٥) ، ونابذ الدنيا ، وقد تصدّت له بأفتن محيّا ، وأهدت إليه أعبق عرف وريّا ، وخلع الوزارة وقد كسته ملاها ، وألبسته حلاها ، وتجرّد للعلم وطلبه ، وجدّ في اقتناء نخبه ، وله تآليف كثيرة ، وتصانيف أثيرة ، منها «الإيصال ، إلى فهم كتاب الخصال» وكتاب «الإحكام ، لأصول الأحكام» وكتاب «الفصل (٦) في الأهواء والملل والنّحل» وكتاب «مراتب العلوم» وغير ذلك ممّا لم يظهر مثله من هنالك ، مع سرعة الحفظ ، وعفاف اللسان واللحظ ، وفيه يقول خلف بن هارون : [المتقارب]

يخوض إلى المجد والمكرمات

ولابن حزم في الأدب سبق لا ينكر ، وبديهة لا يعلم أنه روّى فيها ولا فكّر ، وقد أثبتّ من شعره ما يعلم أنه أوحد ، وما مثله فيه أحد ، ثم ذكر جملة من نظمه ذكرناها في غير هذا الموضع.

وكتب أبو عبد الله بن مسرة (٧) إلى أبي بكر اللؤلؤي يستدعيه في يوم طين ومطر ، لقضاء أرب من الأنس ووطر : [الرجز]

أقبل فإنّ اليوم يوم دجن

إلى مكان كالضمير مكني (٨)

__________________

(١) انظر المطمح ص ٥٥ ـ ٥٦.

(٢) في ه ، وفي المطمح : «ولا تعدى اختراعا».

(٣) في ب : «عن عطنه».

(٤) لعله «عيشة المسرات». أو «عشية المسرات» أو «عشية السمرات».

(٥) الأنقاس : جمع نقس ، وهو الحبر.

(٦) في ج ، ه : «القصد في الملل والنحل» محرفا. والكتاب مطبوع.

(٧) انظر المطمح ص ٥٨.

(٨) يوم دجن : يوم غيم كثيف ومطر غزير.

٣٢٨

لعلّنا نحكم أشهى فنّ

فأنت في ذا اليوم أمشى منّي

وقال في المطمح : إنّ ابن مسرّة كان على طريق من الزهد والعبادة سبق فيها ، وانتسق في سلك مقتفيها ، وكانت له إشارات غامضة ، وعبارة عن منازل الملحدين غير داحضة ، ووجدت له مقالات ردية ، واستنباطات مردية ، نسب بها إليه رهق (١) ، وظهر له فيها مزحل عن الرشد ومزهق ، فتتبّعت مصنّفاته بالحرق ، واتّسع في استباحتها الخرق ، وغدت مهجورة ، على التالين محجورة ، وكان له تنميق في البلاغة وتدقيق لمعانيها ، وتزويق لأغراضها وتشييد لمبانيها ، انتهى. وهو من نمط الصوفية الذين تكلّم فيهم ، والتسليم أسلم ، والله تعالى بأمرهم أعلم.

ومن حكايات أهل الأندلس في الانقباض عن السلطان ، والفرار من المناصب ، مع العذر اللطيف : ما حكاه في المطمح في ترجمة الفقيه أبي عبد الله الخشني (٢) إذ قال : كان فصيح اللسان ، جزيل البيان ، وكان أنوفا منقبضا عن السلطان ، لم يتشبّث بدنيا ، ولم ينكث له مبرم عليا ، دعاه الأمير محمد إلى القضاء فلم يجب ، ولم يظهر رجاءه المحتجب ، وقال : أبيت عن إمامة هذه الديانة (٣) ، كما أبت السماوات والأرض عن حمل الأمانة ، إباية إشفاق ، لا إباية عصيان ونفاق ، وكان الأمير قد أمر الوزراء بإجباره ، أو حمل السيف إن تمادى على تأبّيه وإصراره ، فلمّا بلغه قوله هذا أعفاه ، قال : وكان الغالب عليه علم النسب ، واللغة والأدب ، ورواية الحديث ، وكان مأمونا ثقة ، وكانت القلوب على حبّه متّفقة ، وله رحلة دخل فيها العراق ، ثم عاد إلى هذه الآفاق ، وعندما اطمأنّت داره ، وبلغ أقصى مناه مداره ، قال : [الطويل]

كأن لم يكن بين ولم تك فرقة

الأبيات ، انتهى.

وهذه الأبيات قدّمناها في الباب الخامس في ترجمة القاضي ابن أبي عيسى.

فأنت ترى كلام الفتح قد اضطرب في نسبتها ، فمرة نسبها إلى هذا ، ومرة نسبها إلى ذاك ، وهي قطعة عرفها ذاك (٤).

ومن دعابات أهل الأندلس وملحهم : ما يحكى عن ابن أبي حلّى (٥) ، وهو علي ابن أبي

__________________

(١) الرهق : التهمة ، والخطيئة ، والجهل.

(٢) انظر المطمح ص ٥٦ ـ ٥٧.

(٣) في ب ، ه : «أبيت عن أمانة هذه الديانة».

(٤) العرف : الرائحة الطيبة ، وذاك : عطر.

(٥) في ج : «عن ابن أبي الحلى».

٣٢٩

حلّى المكناسي (١) أبو الحسن ، قال لسان الدين : كان شيخا مليح الحديث ، حافظا للمسائل الفقهية ، قائما على المدوّنة (٢) ، مضطلعا بمشكلاتها ، كثير الحكايات ، يحكي أنه شاهد غرائب وملحا (٣) فينمقها عليه بعض الطلبة ، ويتعدون ذلك إلى الافتعال والمداعبة ، حتى جمعوا من ذلك جزءا سمّوه «السالك والمحلّى ، في أخبار ابن أبي حلّى» فمن ذلك أنه كانت له هرة فدخل البيت يوما فوجدها قد بلت إحدى يديها وجعلتها في الدقيق حتى علق بها ونصبتها بإزاء كوّة فأر ورفعت اليد الأخرى لصيده ، فناداها باسمها ، فزوت (٤) رأسها ، وجعلت إصبعها على فمها ، على هيئة المشير بالصمت ، وأشباه ذلك ، وتوفي المذكور سنة ٤٠٦ ، قاله في الإحاطة.

ومن أجوبة ملوك الأندلس : أنّ نزارا العبيدي صاحب مصر ، كتب إلى المرواني صاحب الأندلس كتابا يسبّه فيه ويهجوه ، فكتب إليه المرواني : أمّا بعد ، فإنك عرفتنا فهجوتنا ، ولو عرفناك لأجبناك ، والسلام ، فاشتدّ ذلك على نزار وأفحمه عن الجواب ، وحكي أنه كتب إلى العبيدي ملك مصر مفتخرا : [الطويل]

ألسنا بني مروان كيف تبدّلت

بنا الحال أو دارت علينا الدوائر

إذا ولد المولود منّا تهلّلت

له الأرض واهتزّت إليه المنابر

ومن غريب ما يحكى من قوة أهل الأندلس وشجاعتهم : أنّ الأمير حريز بن عكاشة (٥) من ذرّيّة عكاشة بن محصن صاحب رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، لمّا نزل بساحة أذفونش ملك [ملوك] الروم ، فبدأهم بخراب ضياعها (٦) وقطع الشجر ، فكتب إليه حريز : ليس من أخلاق القدير ، الفساد والتدمير ، فإن قدرت على البلاد أفسدت ملكك ، ولو كان الملك في عشرة أمثال عددي لم ينزل لي بساحة ، ولا تمكن منها براحة ، فلمّا وصلته الرسالة عفّ ، وأمر بالكفّ ، وبعث الملك يرغبه في الاجتماع به ، فاسترهنه في نفسه عدة من ملوك الروم ، فأجاب إلى ما ارتهن ، ولمّا ساروا إلى المدينة (٧) البيضاء ـ وهي قلعة رباح غربي طليطلة ـ خرج حريز لابسا لأمة حربه (٨) ، يرمق الروم منه شخصا أوتي بسطة في الجسم والبسالة يتحدثون بآلات حربه ، ويتعجّبون من شجاعة قلبه (٩). ولمّا وصل فسطاط الملك تلقته الملوك بالرحب والسعة ، ولمّا أراد النزول عن فرسه ركز رمحه ، فأبصر الملك منه هيئة تشهد له بما عنه حدّث ، وهيبة يجزع

__________________

(١) في ج : «الكناني».

(٢) في ج : «قائما على الدولة».

(٣) في ب ، ه : «شاهد غرائب تملحا».

(٤) في ب ، ه : «فردت رأسها».

(٥) انظر الحلّة ج ١٢ ص ١٧٦.

(٦) في ه : «غراب ضياعهم».

(٧) في ب ، ه : «ولما صاروا بالمدينة ـ الخ».

(٨) لأمة الحرب : الدرع.

(٩) انظر المطمح ص ٣٠.

٣٣٠

للقائها الشجاع ويكترث ، فدعاه إلى البراز عظيم أبطالهم ، فقال له الملك : يا حريز ، أريد أن أنظر إلى مبارزتك هذا البطل ، فقال له حريز : المبارز لا يبارز إلّا أكفاءه ، وإنّ لي بيّنة على صدق قولي أن ليس لي فيهم كفء ، هذا رمحي قد ركزته ، فمن ركب واقتلعه بارزته ، كان واحدا أو عشرة ، فركب عظيمهم فلم يهزّ الرمح من مكانه حين رامه ، ثم فعل ذلك مرارا ، فقال له الملك : أرني يا حريز كيف تقلعه ، فركب وأشار بيده واقتلعه ، فعجب القوم ، ووصله الملك وأكرمه ، انتهى.

وكان حريز هذا شاعرا ، ولمّا اجتاز به كاتب ابن ذي النون الوزير أبو المطرف ابن المثنى كتب إليه : [مجزوء الرمل]

يا فريدا دون ثان

وهلالا في العيان

عدم الراح فصارت

مثل دهن البلّسان (١)

فجاوبه حريز ، وهو يومئذ أمير قلعته : [مجزوء الرمل]

يا فريدا لا يجارى

بين أبناء الزمان

جاء من شعرك روض

جاده صوب البيان

فبعثناها سلافا

كسجاياك الحسان (٢)

وكان لحريز كاتب يقال له عبد الحميد بن لاطون فيه تغفل شديد ، فأمره أن يكتب إلى المأمون بن ذي النون في شأن حصن دخله النصارى ، فكتب : وقد بلغني أنّ الحصن الفلاني دخله النصارى إن شاء الله تعالى ، فهذه الواقعة التي ذكرها الله تعالى في القرآن ، بل هي الحادثة الشاهدة بأشراط الزمان ، فإنّا لله على هذه المصيبة التي هدّت قواعد المسلمين ، وأبقت في قلوبهم حسرة إلى يوم الدين. فلمّا وصل الكتاب للمأمون ضحك حتى وقع للأرض ، وكتب لابن عكاشة جوابه ، وفيه : وقد عهدناك منتقيا لأمورك ، نقّادا لصغيرك وكبيرك ، فكيف جاز عليك أمر هذا الكاتب الأبله الجلف (٣) ، وأسندت إليه الكتب عنك دون أن تطّلع عليه ، وقد علمت أن عنوان الرجل كتابه ، ورائد عقله خطابه ، وما أدري من أيّ شيء يتعجّب منه ، هل من تعليقه إن شاء الله تعالى بالماضي؟ أم من حسن تفسيره للقرآن ووضعه مواضعه؟ أم من تورّعه عن تأويله إلّا بتوقيف من سماع عن إمام (٤)؟ أم من تهويله لما طرأ على من يخاطبه؟ أم

__________________

(١) البلسان : البيلسان ، شجر أبيض الزهر يزرع للزينة.

(٢) السلاف : الخمر.

(٣) الجلف : الكز ، الغليظ ، الجافي.

(٤) في ه : «يتوقف عند سماع عن إمام».

٣٣١

من علمه بشأن هذا الحصن الذي لو أنه القسطنطينية العظمى ما زاد عن عظمه (١) وهوله شيئا؟ ولو أنّ حقيرا يخفى عن علم الله تعالى لخفي عنه هذا الحصن! ناهيك عن صخرة حيث لا ماء ولا مرعى ، منقطع عن بلاد الإسلام ، خارج عن سلك النظام ، لا يعبره إلّا لصّ فاجر ، أو قاطع طريق غير متظاهر ، حرّاسه لا يتجاوزون الخمسين ، ولا يرون خبز البر عندهم إلّا في بعض السنين ، باعه أحدهم بعشرين دينارا ، ولعمري إنه لم يغبن في بيعه ولا ربح أرباب ابتياعه ، وأراح من الشين بنسبته والنظر في خداعه ، فليت شعري ما الذي عظمه في عين هذا الجاهل ، حتى خطب في أمره بما لم يخطب به في حرب وائل (٢)؟

فلمّا وقف حريز على الكتاب كتب لابن ذي النون جوابا منه : وإنّ المذكور ممّن له حرمة قديمة ، تغنيه عن أن يمتّ بسواها ، وخدمة محمود أولاها وأخراها ، ولسنا ممّن اتّسعت مملكته ، وعظمت حضرته ، فنحتاج إلى انتقاء الكتّاب ، والتحفّظ في الخطاب ، وإنما نحن أحلاس ثغور (٣) ، وكتّاب كتائب (٤) لا سطور ، وإن كان الكاتب المذكور لا يحسن فيما يلقيه على القلم ، فإنه يحسن كيف يصنع في مواطن الكرم ، وله الوفاء الذي تحدّث به فلان وفلان ، بل سارت بشأنه في أقصى البلاد الرّكبان ، وليس ذلك يقدح عندنا فيه ، بل زاده لكونه دالّا على صحّة الباطن والسذاجة في الإكرام والتنويه ، انتهى.

ولهذا الكاتب شعر يسقط فيه سقوط الأغبياء ، وقد يتنبّه فيه تنبّه الأذكياء ، فمنه قوله من قصيدة يمدح حريزا المذكور مطلعها : [المتقارب]

يذكّرني بهم العنبر

وظلم ثناياهم سكّر

إلى أن قال :

ولو لا معاليك يا ذا النّدى

لما كان في الأرض من يشعر

فلا تنكرنّ زحاما على

ذراك وفي كفّك الكوثر

ومشى في موكبه وهم في سفر ، وكان في فصل المطر والطين ، فجعل فرسه في ذنب فرس ابن عكّاشة ، فلمّا أثارت يدا فرسه طينا جاء في عنق أميره ، ففطن لذلك الأمير ، فقال له :

__________________

(١) في ه : «ما زاد على عظمه».

(٢) أراد حرب البسوس التي دارت رحاها بين بكر وتغلب في الجاهلية وبقيت زمنا طويلا.

(٣) أحلاس ثغور : أحلاس : جمع حلس وهو الملازم للشيء والشجاع ، وكلام المعنيين وارد هنا. والثغور :

جمع ثغر وهو المدينة المحصنة على الحدود يرابط بها الجيش تجاه العدو.

(٤) الكتائب : جمع كتيبة ، وهي الفرقة من الجيش.

٣٣٢

يا أبا محمد ، تقدّم ، فقال : معاذ الله أن أسيء الأدب بالتقدّم على أميري ، فقال : فإن كان كذلك فتأخّر مع الخيل ، فقال : مثلي لا يزال على (١) ركابك في مثل هذه المواضع ، فقال له : فقد والله أهلكتني بما ترمي يدا فرسك عليّ من الطين ، فقال : أعزّ الله الأمير (٢)! فو الله ما علمت أنّ يد فرسي تصل إلى عنقك ، فضحك ابن عكاشة حتى كاد يسقط عن مركوبه.

وكان بسرقسطة غلام اسمه يحيى بن يطفت من بني يفرن ، قد نشأ عند ملكها المقتدر بن هود ، وتخلّق بالركوب والأدب ، وكان في غاية الجمال والحلاوة والظّرف فعلق بقلب ابن هود ، وكتم حبّه زمانا فلم ينكتم ، فكتب له : [المجتث]

يا ظبي ، بالله قل لي

متى ترى في حبالي

يمرّ عمري وحالي

من خيبتي منك خالي (٣)

فكتب له الغلام في ظهر الرقعة : [المجتث]

إن كنت ظبيا فأنت ال

هزبر تبغي اغتيالي

وليس يخطر يوما

حلول غيل ببالي (٤)

ثم كتب بعدهما : هذا ما اقتضاه حكم الجواب في النظم ، وأنا بعد قد جعلت رسني بيد سيدي ، فعسى أن يقودني إلى ما أحبّ ، لا ما أكره ، والذي أحبّه أن يكون بيننا من المحبة ما يقضي بدوام الإخلاص ، ونأمن في مغبّته من العار والقصاص ، فتركه مدة ، ثم كتب له يوما على الصورة التي ذكرها : [الكامل]

ما ذا ترى في يوم أمن طرّزت

حلل السّحاب به البروق المذهبه

وأنا وكاسي لا جليس غيره

ملآن لا يخلو إلى أن تشربه

والأنس إن يسّرته متيسّر

ومتى تصعّبه فيا ما أصعبه

فأجابه : [الكامل]

يا مالكا بذّ الملوك بعلمه

وخلاله وعلوّه في المرتبه (٥)

وافى نداك فحرت عند جوابه

إذ ما تضمّن ريبة مستغربه

إنّا إذا نخلو ، تقوّل حاسد

وغدا بهذا الأمر ينصر مذهبه

__________________

(١) في ب ، ه : «لا يزال عن ركابك».

(٢) في ب ، ه : «أعز الله الأمير ، يعذرني».

(٣) في ب : «في خيبتي منك خالي».

(٤) الغيل : موضع الأسد.

(٥) بذّ : تفوق وغلب.

٣٣٣

هبني إلى يوم تطيش به النّهى

والبيض تنضى والقنا متأشبه (١)

وهناك فانظرني بعين بصيرة

فالشّبل يعرف أصله من جرّبه

ثم أعلاه إلى درجة الوزارة والقيادة ، إلى أن قتل في جيش كان قدّمه عليه ، فقال فيه من قصيدة : [المجتث]

يا صارما أغمدته

عن ناظريّ الصوارم

وزهرة غيّبتها

من الطيور كمائم

يا كوكبا خرّ من أن

جمي وأنفي راغم (٢)

بكت عليّ وشقّت

جيوبهنّ الغمائم

قل للحمائم إنّي

أصبحت أحكي الحمائم

وأنثر الدمع مهما

رأيت للزهر باسم

تالله لا لذّ عيش

لمترف لك عادم

ولمّا رحل الوزير عبد البر بن فرسان من وادي آش إلى علي الميورقي صاحب فتنة إفريقية أقبل عليه ، ثم ولي أخوه يحيى الإمارة بعده ، فأسند جميع أموره إليه ، فقال يخاطبه : [الطويل]

أجبنا ورمحي ناصري وحسامي

وعجزا وعزمي قائدي وإمامي

ولي منك بطّاش اليدين غضنفر

يحارب عن أشباله ويحامي (٣)

ألا غنّياني بالصّهيل فإنه

سماعي ورقراق الدماء مدامي

وحطّا على الرمضاء رحلي فإنها

مهادي وخفّاق البنود خيامي (٤)

وكان الأمير أبو عبد الله ابن مردنيش ملك شرق الأندلس من أبطال عصره ، وكان يدفع في المواكب ، ويشقّها يمينا وشمالا منشدا : [الوافر]

أكرّ على الكتيبة لا أبالي

أحتفي كان فيها أم سواها (٥)

__________________

(١) متأشبة : مجتمعة.

(٢) وأنفي راغم : أراد : كرها.

(٣) الغضنفر : من أسماء الأسد. والأشبال : جمع شبل ، وهو ابن الأسد.

(٤) الرمضاء : شدة الحر. والبنود : جمع بند وهو العلم الكبير.

(٥) الحتف : الموت.

٣٣٤

حتى إنه دفع مرة في موكب النصارى ، فصرع منهم وقتل ، وظهر منه ما أعجبت به نفسه ، فقال لشخص من خواصّه عالم بأمور الحرب : كيف رأيت؟ فقال : لو رآك السلطان لزاد فيما لك في بيت المال ، وأعلى مرتبتك ، أمن يكون رأس جيش يقدم هذا الإقدام ، ويتعرّض بهلاك نفسه إلى هلاك من معه ، فقال له : دعني فإني لا أموت مرتين ، وإذا متّ أنا فلا عاش من بعدي.

ومن حكاياتهم في الظرف (١) : أنّ القاضي أبا عبد الله محمد بن عيسى من بني يحيى بن يحيى خرج إلى حضور جنازة ، وكان لرجل من إخوانه منزل بقرب مقبرة قريش ، فعزم عليه في الميل إليه ، فنزل وأحضر له طعاما ، وغنّت جارية : [الكامل]

طابت بطيب لثاتك الأقداح

وزها بحمرة وجهك التفاح (٢)

وإذا الربيع تنسّمت أرواحه

نمّت بعرف نسيمك الأرواح

وإذا الحنادس ألبست ظلماءها

فضياء وجهك في الدّجى مصباح (٣)

فكتبها القاضي طربا على ظهر يده.

قال الراوي : فلقد رأيته يكبّر على الجنازة والأبيات على ظهر يده.

ومن حكاياتهم في البلاغة : ما ذكره في «المطمح» أن أبا الوليد بن عيال (٤) لمّا انصرف من الحجّ اجتمع مع أبي الطيب في مسجد عمرو بن العاص بمصر ، ففاوضه قليلا ، ثم قال له : أنشدني لمليح الأندلس ، يعني ابن عبد ربه ، فأنشده : [الكامل]

يا لؤلؤا يسبي العقول أنيقا

ورشا بتعذيب القلوب رفيقا

ما إن رأيت ولا سمعت بمثله

درّا يعود من الحياء عقيقا

وإذا نظرت إلى محاسن وجهه

أبصرت وجهك في سناه غريقا (٥)

يا من تقطّع خصره من رقّة

ما بال قلبك لا يكون رقيقا

فلما كمل إنشادها استعادها ، ثم صفّق بيديه وقال : يا ابن عبد ربه ، لقد تأتيك العراق حبوا ، انتهى.

__________________

(١) انظر الجذوة ص ٧٠.

(٢) في ب : «وزهت بحمرة وجهك التفاح».

(٣) الحنادس : جمع حندس ، وهو الليل الشديد الظلمة.

(٤) في ج : «أن الوليد بن عقال» وفي المطمح «أن الوليد بن عباد».

(٥) سناه : ضوؤه.

٣٣٥

وقال مؤلف كتاب «واجب الأدب» : مما يجب حفظه من مخترعات الأندلسيين قول ابن عبد ربه (١) : [الكامل]

يا ذا الذي خطّ العذار بخدّه

خطّين هاجا لوعة وبلابلا

ما كنت أقطع أنّ لحظك صارم

حتى حملت من العذار حمائلا

وحكي أنّ الوزير أبا الوليد بن زيدون (٢) توفيت ابنته ، وبعد الفراغ من دفنها وقف للناس عند منصرفهم من الجنازة ليتشكّر لهم ، فقيل : إنه ما أعاد في ذلك الوقت عبارة قالها لأحد ، قال الصّفدي : وهذا من التوسّع في العبارة ، والقدرة على التفنّن في أساليب الكلام ، وهو أمر صعب إلى الغاية ، وأرى أنه أشقّ ممّا يحكى عن واصل بن عطاء أنه ما سمعت منه كلمة فيها راء ؛ لأنه كان يلثغ بحرف الراء لثغة قبيحة ، والسبب في تهوين هذا الأمر وعدم تهويله أنّ واصل بن عطاء كان يعدل إلى ما يرادف تلك الكلمة ممّا ليس فيه راء ، وهذا كثير في كلام العرب ، فإذا أراد العدول (٣) عن لفظ فرس قال جواد أو ساع أو صافن ، أو العدول عن رمح قال قناة أو صعدة أو يزني أو غير ذلك ، أو العدول عن لفظ صارم قال حسام أو لهذم أو غير ذلك ، وأمّا ابن زيدون فأقول في حقّه إنه أقلّ مما كان في تلك الجنازة ، وهو وزير ، ألف رئيس ممّن يتعيّن عليه أن يتشكّر له ، ويضطر إلى ذلك ، فيحتاج في هذا المقام إلى ألف عبارة مضمونها الشكر (٤) ، وهذا كثير إلى الغاية ، لا سيما من محزون ، فقد قطعة من كبده : [الطويل]

ولكنه صوب العقول إذا انبرت

سحائب منه أعقبت بسحائب

وقد استعمل الحريري هذا في مقاماته عندما يذكر طلوع الفجر ، وهو من القدرة على الكلام ، وأرى الخطيب بن نباتة ممن لا يلحق في هذا الباب ، فإنه أملى مجلدة معناها من أوّلها إلى آخرها «يا أيها الناس اتّقوا الله واحذروه فإنكم إليه راجعون» ، وهذا أمر بارع معجز ، والناس يذهلون عن هذه النكتة فيه ، انتهى كلام الصّفدي ملخّصا.

وقال في الوافي ، بعد ذكره جملة من أحوال ابن زيدون ما نصّه : وقال بعض الأدباء : من

__________________

(١) انظر المطمح ص ٥٢.

(٢) انظر الذخيرة ١ / ١ : ٢٠٠.

(٣) ومن ذلك قوله في بشار بن برد : «أما لهذا الزنديق الملقب أبا معاذ من يقتص منه؟ أما والله لو لا أن الغيلة من أخلاق الغالية لبعثت إليه من يبعج بطنه .. إلخ».

(٤) في ه : «مضمونها التشكّر».

٣٣٦

لبس البياض ، وتختّم بالعقيق ، وقرأ لأبي عمرو ، وتفقّه للشافعي ، وروى شعر ابن زيدون ، فقد استكمل الظّرف. وكان يسمّى بحتريّ المغرب (١) لحسن ديباجة نظمه ، وسهولة معانيه ، انتهى.

رجع إلى كلام أهل الأندلس :

وكان الأديب المحدّث أبو الربيع سليمان بن علي الشلبي الشهير بكثير يهوى من يتجنّى عليه ويقول : إنه أبرد من الثلج ، فخاطبه كثير بقوله : [الخفيف]

يا حبيبا له كلام خلوب

قلّبت في لظى هواه القلوب (٢)

كيف تعزو إلى محبّك بردا

ومن الحبّ في حشاه لهيب

أنت شمس وقلت إني ثلج

فلهذا إذا طلعت أذوب

وقال ابن مهران ممّا يشتمل على أربعة أمثال (٣) : [الكامل]

المال زين ، والحياة شهيّة ،

والجود يفقر ، والشجاعة تقتل

والبخل عيب ، والجبان مذمّم ،

والقصد أحكم ، والتوسّط أجمل (٤)

وقال ابن السّيد البطليوسي متغزّلا : [الكامل]

نفسي الفداء لجؤذر حلو اللّمى

مستحسن بصدوده أضناني (٥)

في فيه سمطا جوهر يروي الظما

لو علّني ببروده أحياني

ويخرج من هذه القطعة عدة قطع (٦).

وقال ابن صارة مضمّنا : [الوافر]

إلى كم ينفد الدينار مني

ويطلب كفّ من عنه يحيد (٧)

__________________

(١) في ه : «بحتري الغرب».

(٢) كلام خلوب : كلام خلاب.

(٣) انظر الذخيرة ج ٣ ص ١٥٧. وانظر سليمان بن مهران السرقسطي في الجذوة : ٢٠٩.

(٤) القصد : استقامة الطريق ، ويقال : هو على قصد ، أي على رشد ، وعلى الله قصد السبيل ، أي بيان الطريق المستقيم المؤدي إلى الحق ، وهو قصدك : أي اتجاهك.

(٥) الجؤذر : ولد البقرة الوحشية ، وهنا الفتاة الجميلة الناعمة تشبه بالجؤذر على عادة العرب.

(٦) انظر الذخيرة ج ٢ ص ٣٢٧.

(٧) في الأصول «إلى كم ينفد» كما أثبتناه. والأفضل منه ما ورد في الذخيرة «إلى كم ينفر الدينار مني».

٣٣٧

ألم أنشده في وادي هيامي

به لو كان يعطفه النشيد

حبيبي أنت تعلم ما أريد

ولكن لا ترقّ ولا تجود

وكم غنّيت حين تنكّبتني

منى شيطانها أبدا مريد

(يريد المرء أن يؤتى مناه

ويأبي الله إلّا ما يريد)

وقال ذو الرياستين أبو مروان عبد الملك بن رزين : [مجزوء الكامل]

بالله إن لم تزدجر

يا مشبه البدر المنير

لأسرّحنّ نواظري

في ذلك الورد النضير

ولآكلنّك بالمنى

ولأشربنّك بالضمير

وقال ابن عبد ربه (١) : [مخلع البسيط]

اشرب على المنظر الأنيق

وامزج بريق الحبيب ريقي

واحلل وشاح الكعاب رفقا

خوفا على خصرها الرقيق (٢)

وقل لمن لام في التصابي

خلّ قليلا عن الطريق (٣)

وسيأتي إن شاء الله تعالى قريبا من بلاغة أهل الأندلس في الجدّ والهزل ما فيه مقنع لمن اقتصر عليه.

ومن حكاياتهم في عدم احتمال الضيم والذلّ والوصف بالأنفة : أنه لمّا ثار أيوب بن مطروح في المائة الخامسة في الفتنة على ملك غرناطة عبد الله بن بلقين بن حبّوس وخاض بحار الفتنة حتى رماه موجها فيمن رمى على الساحل ، وحصل فيما بثّ عليهم يوسف بن تاشفين من الحبائل ، وكانت له همّة وأنفة عظيمة ، وخلع عن إمارته ، وحصل في حبالته ، أدخل رأسه تحته ، فانتظر من حضر معه أن يتكلّم أو يخرج رأسه ، فلم يكن إلّا قليل حتى وقع ميتا ، رحمه الله تعالى!.

ولمّا ثار الميورقي بإفريقية على بني عبد المؤمن الثورة المشهورة ، وخدمه جملة من أعيان أهل الأندلس ، وكان من جملتهم مالك بن محمد بن سعيد العنسي (٤) ، كتب عنه من رسالة : وبعد ، فإنّا لا نحتاج لك إلى برهان على أمير لسانه الحسام ، وأيّده التأييد الرباني الذي

__________________

(١) انظر العقد الفريد ج ٦ ص ٢٨٥.

(٢) الكعاب : الفتاة التي نهد ثدياها.

(٣) في أ : «خذوا قليلا عن الطريق».

(٤) انظر ترجمته في المغرب ج ٢ ص ١٧١.

٣٣٨

لا يرام ، قد نصب خيامه بالبراح ، ولم يتّخذ سورا غير سمر القنا وبيض الصّفاح ، له من العزم ردء ومن الحزم كمين (١) : [الوافر]

إذا صدق الحسام ومنتضيه

فكلّ قرارة حصن حصين (٢)

وهو من القوم الذين لا يجورون على جار ، ولا يرحلون بخزية ولا يتركون من عار ، دينهم دين التقوى ، وإن كنت من ذلك في شكّ فأقدم علينا حتى يصحّ لك اختبار الذهب بالسّبك ، وأنت بالخيار في الظعن والإقامة ، فإن حللت نزلت خير منزل ، وإن رحلت ودّعت أفضل وداع ، وسرت في كنف السلامة ، إذ قد شهرنا بأنّا لا نقيّد إلّا بالإحسان ، وأن ندع لاختياره كل إنسان.

ومن حكايات أهل الأندلس في الجود والفضل ومكارم الأخلاق (٣) : أنّ أبا العرب الصقلي حضر مجلس المعتمد بن عباد ، فأدخلت عليه جملة من دنانير السّكّة ، فيمر له بخريطتين منها ، وبين يديه تصاوير عنبر من جملتها صورة جمل مرصّع بنفيس الدّرّ ، فقال أبو العرب : ما يحمل هذه الدنانير إلّا جمل ، فتبسّم المعتمد وأمر له به ، فقال : [البسيط]

أعطيتني جملا جونا شفعت به

حملا من الفضّة البيضاء لو حملا (٤)

نتاج جودك في أعطان مكرمة

لا قدّ تعرف من منع ولا عقلا (٥)

فاعجب لشأني فشأني كلّه عجب

رفّهتني فحملت الحمل والجملا

ومن نظم أبي العرب المذكور : [الطويل]

إلام اتّباعي للأماني الكواذب

وهذا طريق المجد بادي المذاهب

أهمّ ولي عزمان : عزم مشرّق

وآخر يثني همّتي للمغارب

ولا بدّ لي أن أسأل العيس حاجة

تشقّ على أخفافها والغوارب (٦)

إذا كان أصلي من تراب فكلّها

بلادي وكلّ العالمين أقاربي

وذكر الحافظ الحجاري في «المسهب» أنه سأل عمّه أبا محمد عبد الله بن إبراهيم (٧) عن

__________________

(١) في ب : «له من العزم ردء ، ومن الرأي كمين». وفي ه : «له من الحزم رداء ، ومن الرأي كمين».

(٢) منتضيه : اسم فاعل من انتضى. وانتضى السيف : أخرجه من غمده.

(٣) انظر بدائع البداءة ج ٢ ص ١٣٦.

(٤) في البدائع «أجديتني جملا».

(٥) في ج : «لا قد تصرّف من منع ولا عقلا».

(٦) العيس : النوق.

(٧) انظر ترجمته في المغرب ج ٢ ص ٣٤.

٣٣٩

أفضل من لقي من أجواد تلك الحلبة ، فقال : يا ابن أخي ، لم يقدر أن يقضى لي الاصطحاب (١) بهم ، في شباب أمرهم ، وعنفوان رغبتهم في المكارم ، ولكن اجتمعت بهم وأمرهم قد هرم ، وساءت بتغير الأحوال ظنونهم ، وملّوا الشكر ، وضجروا من المروءة ، وشغلتهم المحن والفتن ، فلم يبق فيهم فضل للإفضال وكانوا كما قال أبو الطيب : [البسيط]

أتى الزمان بنوه في شبيبته

فسرّهم وأتيناه على الهرم

فإن يكن أتاه على الهرم فإنّا أتيناه وهو في سياق الموت ، ثم قال : ومع هذا فإن الوزير أبا بكر بن عبد العزيز ـ رحمه الله تعالى ـ! كان يحمّل نفسه ما لا يحمله الزمان ، ويبسم في موضع القطوب ، ويظهر الرضا في حال الغضب ، ويجهد ألّا ينصرف عنه أحد غير راض ، فإن لم يستطع الفعل عوّض عنه القول.

قلت له : فالمعتمد بن عباد كيف رأيته؟ فقال : قصدته وهو مع أمير المؤمنين (٢) يوسف بن تاشفين في غزوته للنصارى المشهورة ، فرفعت له قصيدة منها : [البسيط]

لا روّع الله سربا في رحابهم

وإن رموني بترويع وإبعاد (٣)

ولا سقاهم على ما كان من عطش

إلّا ببعض ندى كفّ ابن عباد

ذي المكرمات التي ما زلت تسمعها

أنس المقيم وفي الأسفار كالزاد

يا ليت شعري ما ذا يرتضيه لمن

ناداه يا موئلي في جحفل النادي

فلما انتهيت إلى هذا البيت قال : أما أرتضيه لك فلست أقدر في هذا الوقت عليه ، ولكن خذ ما ارتضى لك الزمان ، وأمر خادما له فأعطاني ما أعيش في فائدته إلى الآن ، فإني انصرفت به إلى المرية ، وكان يعجبني سكناها والتجارة بها ، لكونها مينا لمراكب التجار من مسلم وكافر ، فتجرت فيها فكان إبقاء ماء وجهي على يديه ، رحمة الله تعالى عليه! ثم أخذ البطاقة وجعل يجيل النظر والفكر في القصيدة ، وأنا مترقّب لنقده ، لكونه في هذا الشأن من أئمته ، وكثيرا ما كان الشعراء يتحامونه لذلك إلّا من عرف من نفسه التبريز ، ووثق بها ، إلى أن انتهى إلى قولي : [البسيط]

ولا سقاهم على ما كان من عطش

إلّا ببعض ندى كفّ ابن عبّاد

__________________

(١) في ب ، ه : «الاستمطار لهم».

(٢) في ب ، ه : «أمير المسلمين».

(٣) في ه : «لا روح الله سربا» محرفا. والصواب ما أثبتناه من أ، ب.

٣٤٠