نفح الطّيب - ج ٤

الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني

نفح الطّيب - ج ٤

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني


المحقق: يوسف الشيخ محمّد البقاعي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٠

رأيت الهوادج فيها البدور

عليها البراقع من عسجد

وتحت البراقع مقلوبها (١)

تدبّ على ورد خدّ ندي

تسالم من وطئت خدّه

وتلدغ قلب الشّجي المكمد

وقال في المتوكل ، وقد سقط عن فرس : [البسيط]

لا عتب للطّرف (٢) إن زلت قوائمه

ولا يدنّسه من عائب دنس

حمّلت جودا وبأسا فوقه ونهى

وكيف يحمل هذا كلّه الفرس (٣)

وقال الشاعر المشهور بالكميت البطليوسي : [الرمل]

لا تلوموني فإني عالم

بالذي تأتيه نفسي وتدع

بالحميّا والمحيّا صبوتي

وسوى حبّهما عندي بدع

فضّل الجمعة يوما وأنا

كلّ أيامي بأفراحي جمع

وقال أبو عبد الله محمد بن البين البطليوسي ، وهو ممن يميل إلى طريقة ابن هانىء : [الكامل]

غصبوا الصباح فقسّموه خدودا

واستنهبوا قضب الأراك قدودا

ورأوا حصا الياقوت دون محلّهم

فاستبدلوا منه النجوم عقودا

واستودعوا حدق المها أجفانهم

فسبوا بهنّ ضراغما وأسودا (٤)

لم يكفهم حمل الأسنّة والظّبا

حتى استعاروا أعينا وقدودا (٥)

وتضافروا بضفائر أبدوا لنا

ضوء النهار بليلها معقودا

صاغوا الثغور من الأقاحي بينها

ماء الحياة لو اغتدى مورودا

__________________

(١) مقلوب البراقع : العقارب. وأراد بالعقارب هنا واوات الأصداغ.

(٢) الطّرف ـ بكسر الطاء وسكون الراء : الفرس.

(٣) النهى : العقل.

(٤) الضراغم : جمع ضرغام وهو الأسد.

(٥) الظّبا : جمع ظبة ، السيوف.

٢٤١

وكان عند المتوكل مضحك يقال له الخطّارة ، فشرب ليلة مع المتوكل ، وكان في السقاة وسيم ، فوضع عينه عليه ، فلمّا كان وقت السحر دبّ إليه ، وكان بالقرب من المتوكل ، فأحسّ به ، فقال له : ما هذا يا خطارة؟ فقال له : يا مولاي ، هذا وقت تفريغ (١) الخطارة الماء في الرياض ، فقال له : لا تعد لئلّا يكون ماء أحمر (٢) ، فرجع إلى نومه ، ولم يعد في ذلك كلمة بقيّة عمره معه ، ولا أنكر منه شيئا ، ولم يحدّث بها الخطارة حتى قتل المتوكل ، رحمه الله تعالى!

والخطارة : صنف من الدواليب الخفاف يستقي به أهل الأندلس من (٣) الأودية ، وهو كثير على وادي إشبيلية ، وأكثر ما يباكرون العمل في السحر.

وقال الوزير أبو زيد عبد الرحمن بن مولود : [مجزوء الرمل]

أرني يوما من الده

ر على وفق الأماني

ثم دعني بعد هذا

كيفما شئت تراني

وقال أديب الأندلس وحافظها أبو محمد عبد المجيد بن عبدون الفهري اليابري ، وهو من رجال الذخيرة والقلائد ، وشهرته مغنية عن الزيادة ، يخاطب المتوكل وقد أنزله في دار وكفت عليه : [الطويل]

أيا ساميا من جانبيه كليهما

(سموّ حباب الماء حالا على حال)

لعبدك دار حلّ فيها كأنها

(ديار لسلمى عافيات بذي خال)

يقول لها لمّا رأى من دثورها

(ألا عم صباحا أيها الطّلل البالي)

فقالت وما عيّت جوابا بردّها

(وهل يعمن من كان في العصر الخالي)

فمر صاحب الإنزال فيها بعاجل

(فإنّ الفتى يهذي وليس بفعّال) (٤)

وقال في جمع حروف الزيادة حسبما ذكره عنه في «المغرب» : [الطويل]

سألت الحروف الزائدات عن اسمها

فقالت ولم تكذب : أمان وتسهيل (٥)

__________________

(١) في ب ، ه : «تفرغ».

(٢) كناية عن القتل.

(٣) «من» ساقطة في ه.

(٤) في ه «فمر صاحب الإنزال فيها بفاصل».

(٥) «أمان وتسهيل» هي أحرف الزيادة المجموعة في «سألتمونيها» وقد كثرت الضوابط لأحرف الزيادة حتى زادت على المائة.

٢٤٢

قلت : وعلى ذكر حروف الزيادة فقد أكثر الناس في انتقاء الكلمات الضابطة لها ، وقد كنت جمعت فيها نحو مائة ضابط ، ولنذكر الآن بعضها ، فنقول : منها «أهوى تلمسانا» ونظمتها فقلت : [البسيط]

قالت حروف زيادات لسائلها

هل هويت بلدة : أهوى تلمسانا

وجمعها ابن مالك في بيت واحد بأربعة أمثلة من غير حشو ، وهو : [الطويل]

هناء وتسليم ، تلا يوم أنسه ،

نهاية مسئول ، أمان وتسهيل

ومنها «هويت السمان» وحكي أن أبا عثمان المازني سئل عنه فأنشد : [المتقارب]

هويت السّمان فشيّبنني

وقد كنت قدما هويت السّمانا

فقيل له : أجبنا ، فقال : أجبتكم مرتين ، ويروى أنه قال : سألتمونيها ، فأعطيتكم ثلاثة أجوبة ، هكذا حكاه بعض المحققين ، وهو أرقّ ممّا حكاه غير واحد على غير هذا الوجه ، ومنها : «سألتمونيها» ، ومنها : اليوم تنساه ، الموت ينساه ، أسلمني وتاه ، هم يتساءلون ، التناهي سموّ ، تنمي وسائله ، أسلمي تهاون ، تهاوني أسلم ، التمس هواني ، ما سألت يهون ، مؤنس التياه ، لم يأتنا سهو ، يا أويس هل نمت ، نويت سؤالهم ، نويت مسائله ، سألتم هواني ، تأمّلها يونس ، أتاني وسهيل ، هوني مسألتها ، سألت ما يهون ، وسليمان أتاه ، تسأل من يهوى ، استملاني هو ، أسلمت وهناي ، هو استمالني ، سايل وأنت هم ، يا هول استنم ، أتاه وسليمان.

قلت : وليس هذا تكرارا مع السابق الذي هو «وسليمان أتاه» ؛ لأنّ التقديم والتأخير يصيرهما شيئين.

ومنها : الوسمي هتّان ، أوليتم سناه ، واليتم أنسه ، أمسيت وناله ، أنله توسيما ، أملتني سهوا ، أتوسّل يمنها ، سألتهنّ يوما ، سألت يومنها ، سألت ما يوهن ، نهوي ما سألت ، يهون ما سألت ، وقد سبق «سألت ما يهون» وعدّهما شيئين من أجل التقديم والتأخير كما مرّ نظيره ، ألا تنس يومه ، ليتأس ماؤه ، سله موتي أنا ، أنسته اليوم ، سألتم هوينا ، آوي من تسأله ، وهين ما سألت ، وهني ما سألت ، مسألتي نواه.

ومنها : مسألتي هاون ، سهوان يتألّم ، أيلتم سهوان ، أو يلتم ناسه ، مسألتي أهون ، أو ميت تنساه ، سموتن إليها ، أمليت سهوان ، وسألتم هينا ، يهون ما تسأل ، أتلومن سهيا ، أسلم وانتهى ، يتأمّل سهوان ، يتأمّل ناسوه ، يتأملن سواه ، أيتأمل نسوه ، الهوى أتنسّم ، وليت ماه آسن ، تولين أسهما ، أتلوا سهمين ، أول ساهمتني ، أسماؤه تنيل ، يتأمّلنه سوا ، أو لم يتسنّاه ،

٢٤٣

آمن ويتساهل ، أمسيتن لهوا ، توسميه لناء ، هو ما تسألين ، لأيها نتوسم ، أيهما نتوسّل (١) ، أتاني لسموه ، سميتهن أولا ، أولاهن سميت ، سلمتني أهوا ، أسلمتني هوا ، أو نستميلها ، أيستمهلونا ، هنأت الموسى ، سليم انتهوا ، وأنت سائلهم ، ساءلته ينمو ، تهنأ لا يسمو ، اسألي مؤنته ، سألتني موهنا ، التمسي هونا ، استملي أهون ، التناه موسى ، الهواء يتسنّم ، نهوى ما تسأل ، ماؤه ليتأسن ، تنسمي الهواء ، تلومي إن سها ، ألمتني سهوا ، ستولينا أمه ، يتمهّلون أسا ، أمهلتني سوا ، التناسي وهم ، أهويت سلمان ، هويت المأنس ، المأنس تهوي ، هويت أم ناسل ، أو ليس تم هنا ، استوهن أملي ، استهون ألمي ، استملن (٢) وهيّأ ، أتسلمونيها ، أيتسلمونها ، ألا يتسمونه ، أليس توهمنا ، ألا يتسنموه.

فهذه (٣) مائة وأربعة وثلاثون تركيبا ، منها ما هو متين (٤) ، ومنها ما هو غير متين ، وقد جمع ابن خروف فيها اثنين وعشرين تركيبا محكيا وغير محكيّ ، وأحسنها بيت ابن عبدون السابق ، ويليه بيت ابن مالك ، وقال الطغمي جامعا لها أربع مرات : [الكامل] :

آلمتني سهوا ، تلومي إن سها

أو ليس تمّ هنا ، الهوا يتسنّم

هكذا بخطّه يتسنّم ، ولو قال يتنسّم لكان أنسب ، وقال أيضا : [الكامل]

وليت ما سناه والتمسي هنا

ما تسألين هو الهنا يتوسّم (٥)

قلت : وقد جمعت في المغرب زيادة على ما تقدّم ، وكنت قدرت رسالة فيها أسميها «إتحاف أهل السيادة ، بضوابط حروف الزيادة».

وقال أبو محمد عبد الله بن الليث يستدعي الوزير أبا الحسن اليابري في يوم غيم : [الكامل]

رقم الربيع بروضنا أزهاره

فجرى على صفحاته أنهاره

__________________

(١) نتوسل : نتوسل الشيء نتخذه وسيلة.

(٢) في ب : «استلمنا».

(٣) لم يذكر في ه بعد ما حكى عن أبي عثمان المازني غير سطر واحد من هذه الضوابط كلها ، ثم قال : «الخ ـ فهذه مائة وأربعة وثلاثون ، الخ» وأثبتنا ما في بقية النسخ.

(٤) في ه «فيها ما هو متين وفيها ما هو غير متين» وقد أثبتنا ما في أ، ب.

(٥) ورد هذا البيت في ه هكذا :

وأنست ما لهنى والتمسي هنا

ما تسألين هو النها يتوسم

٢٤٤

فعسى تشرفنا ببهجة سيّد

ألقى على ليل الخطوب نهاره

تتمتّع الآداب من نفحاته

فيشمّ منها ورده وبهاره

يا سيّدا بهر البرية سؤددا

أبدى إلينا سرّه وجهاره

يوم أظلّ الغيم وجه ضيائه

فعليك يا شمس العلا إظهاره

وقال أبو القاسم بن الأبرش (١) : [الوافر]

أدر كاس المدام فقد تغنّى

بفرع الأيك طائره الصّدوح (٢)

وهبّ على الرياض نسيم صبح

يمرّ كما دنا سار طليح (٣)

ومال النهر يشكو من حصاه

جراحات كما أنّ الجريح

وقال : [المتقارب]

حلفت ويشهد دمعي بما

أقاسيه من هجرك الزّائد

فإن كنت تجحد ما أدّعي

وحاشاك تعرف بالجاحد

فإنّ النبيّ عليه السّلام

قضى باليمين مع الشاهد

وقال أبو الحسن علي بن بسّام الشنتريني صاحب الذخيرة ، وشهرته تغني عن ذكره ، ونظمه دون نثره ، يخاطب أبا بكر بن عبد العزيز : [المتقارب]

أبا بكر المجتبى للأدب

رفيع العماد قريع الحسب

أيلحن فيك الزمان الخؤون

ويعرب عنك لسان العرب

وإن لم يكن أفقنا واحدا

فينظمنا شمل هذا الأدب

وقد ذكرنا له في غير هذا المحلّ قوله : [الوافر]

ألا بادر فلا ثان سوى ما

عهدت الكأس والبدر التمام

الأبيات.

وتأخّرت وفاته إلى سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة ، وهو منسوب إلى «شنترين» من الكور الغربية البحرية من أعمال بطليوس.

__________________

(١) أبو القاسم الأبرش : هو أبو القاسم بن فرتون الأبرش النحوي توفي سنة ٥٣٢. انظر بغية الوعاة ٢٤٣ وبغية الملتمس ٧٢٢.

(٢) الأيك : الشجر الكثير الملتف. والصدوح : الطائر المغنّي.

(٣) الساري : الماشي ليلا. والطليح : المتعب.

٢٤٥

وقال أبو عمر يوسف بن كوثر : [الطويل]

مررت به يوما يغازل مثله

وهذا على ذا بالملاحة يمتنّ

فقلت اجمعا في الوصل رأيكما فما

لمثلكما كان التغزّل والمجن

عسى الصّبّ يقضي الله بينكما له

بخير فقالا لي اشتهى العسل السّمن

وقال أبو محمد بن سارة : [الطويل]

أعندك أنّ البدر بات ضجيعي

فقضّيت أوطاري بغير شفيع

جعلت ابنة العنقود بيني وبينه

فكانت لنا أمّا وكان رضيعي (١)

وقال : [الوافر]

أيا من حارت الأفكار فيه

فلم تعلم له الأقدار كنها (٢)

بجيد النيل (٣) منّا عقد أنس

أقام بغير واسطة فكنها (٤)

وقال أبو الحسن بن منذر الأشبوني : [الطويل]

فديتك إني عن جنابك راحل

فهل لي يوما من لقائك زاد

وحسبك والأيام خون غوادر

فراق كما شاء العدا وبعاد

وقال خلف بن هارون القطيني : [البسيط]

من أنبت الورد في خدّيك يا قمر

ومن حمى قطفه إذ ليس مصطبر

الزهر في الروض مقرون بأزمنة

وروض خدّك موصول به الزّهر

وكان لابن الحاج صاحب قرطبة ثلاثة أولاد من أجمل الناس ؛ حسّون وعزّون ورحمون ، فأولع بهنّ الإمام أبو محمد بن السّيد النحوي ، وقال فيهم : [البسيط]

أخفيت سقمي حتّى كاد يخفيني

وهمت في حبّ عزّون فعزّوني

ثم ارحموني برحمون فإن ظمئت

نفسي إلى ريق حسّون فحسّوني

ثم خاف على نفسه فخرج من قرطبة ، هكذا رأيته بخطّ بعض المؤرخين انتهى ، والله أعلم.

__________________

(١) ابنة العنقود : الخمرة.

(٢) في ب ، ه : «أبا من حارت الأوهام فيه» وكنه الشيء : حقيقته.

(٣) في ب : «بجيد النبل».

(٤) فكنها : الفاء : حرف. كن فعل أمر ناقص. وها : خبر كن. أي فكن واسطة العقد.

٢٤٦

وقال ابن خفاجة يداعب من بقل عذاره (١) : [مجزوء الرمل]

أيها التائه مهلا

ساءني أن تهت جهلا

هل ترى فيما ترى

إلّا شبابا قد تولّى

وغراما قد تسرّى

وفؤادا قد تسلّى

أين دمع فيك يجري

أين جنب يتقلّى

أين نفس بك تهذي

وضلوع فيك تصلى

أيّ باك كان لو لا

عارض وافى فولّى

وتخلّى عنك إلّا

أسفا لا يتخلّى

وانطوى الحسن فهلّا

أجمل الحسن وهلّا

أمّا بعد ، أيها النبيل النبيه ، فإنه لا يجتمع العذار والتيه ، قد كان ذلك وغصن تلك الشبيبة رطب ، ومنهل ذلك المقبّل عذب ، وأما والعذار قد بقل ، والزمان قد انتقل ، والصّبّ قد صحا فعقل ، فقد ركدت رياح الأشواق ، ورقدت عيون العشّاق ، فدع عنك من نظرة التجنّي (٢) ، ومشية التثنّي ، وغضّ من عنانك ، وخذ في تراضي (٣) إخوانك ، وهشّ عند اللقاء هشّة أريحيّة ، واقنع بالإيماء رجع تحيّة ، فكأني بفنائك مهجورا ، وبزائرك مأجورا ، والسلام.

وقال الرصافي لمّا بعث إليه من يهواه سكينا (٤) : [الطويل]

تفاءلت بالسكين لمّا بعثته

لقد صدقت مني العيافة والزّجر

فكان من السكين سكناك في الحشا

وكان من القطع القطيعة والهجر

وحضر الفقيه أبو بكر بن حبيش ليلة مع بعض الجلّة وطفىء السراج ، فقال ارتجالأ :[البسيط]

أذك السراج يرينا غرّة سفرت

فباتت الشمس تستحيي وتستتر

أو خلّه فكفانا وجه سيدنا

لا يطلب النجم من في بيته قمر (٥)

__________________

(١) انظر ديوان ابن خفاجة ١٢٩. وبقل عذار الغلام : نبت شطر لحيته.

(٢) في ه : «التحنّي».

(٣) في ب ، ه : «في ترضي إخوانك».

(٤) انظر ديوان الرصافي ٩٩.

(٥) في ب : «القمر».

٢٤٧

وقصد أحد الأدباء بمرسية أحد السادة من بني عبد المؤمن ، فأمر له بصلة خرجت على يد ابن له صغير ، فقال المذكور ارتجالا : [الطويل]

تبرّك بنجل جاء باليمن والسّعد

يبشّر بالتأييد طائفة المهدي

تكلّم روح الله في المهد قبله

وهذا براء بدّل اللام في المهد (١)

وخرج الأستاذ أبو الحسن بن جابر الدباج يوما مع طلبته للنزهة بخارج إشبيلية ، وأحضرت مجبّنات (٢) ما خبا نارها ، ولا هدأ أوارها ، فما حاد (٣) عنها ولا كفّ ، ولا صرف حرّها عن اقتضابها (٤) البنان ولا الكفّ ، فقال : [الكامل]

أحلى مواقعها إذا قرّبتها

وبخارها فوق الموائد سام

إن أحرقت لمسا فإنّ أوارها

في داخل الأحشاء برد سلام

وقال أبو بكر أحمد بن محمد الأبيض الإشبيلي يتهكّم برجل زعم أنه ينال الخلافة : [الوافر]

أمير المؤمنين ، نداء شيخ

أفادك من نصائحه اللطيفه

تحفّظ أن يكون الجذع يوما

سريرا من أسرّتك المنيفه

أفكّر فيك مصلوبا (٥) فأبكي

وتضحكني أمانيك السّخيفه

وقال صفوان : [الكامل]

ونهار أنس لو سألنا دهرنا

في أن يعود بمثله لم يقدر

خرق الزمان لنا به عاداته

فلو اقترحنا النجم لم يتعذر

في فتية علمت ذكاء بحسنهم

فتلفّعت من غيمها في مئزر (٦)

والسرحة الغنّاء قد قبضت بها

كفّ النسيم على لواء أخضر

وكأنّ شكل الغيم منخل فضّة

يلقي على الآفاق رطب الجوهر

__________________

(١) «وهذا براء بدل اللام» أراد تكرّم هذا بينما تكلم ذاك بإبدال اللام في تكلم راء.

(٢) المجبنات : نوع من الطعام المصنوع بالجبن.

(٣) في ب ه : «فما خام عنها».

(٤) في ب ، ه : «عن اختضابها».

(٥) في ب : «مطويّا».

(٦) ذكاء : الشمس.

٢٤٨

واجتاز بعض الغلمان على أبي بكر بن يوسف ، فسلّم عليه بأصبعه ، فقال أبو بكر في ذلك وأشار في البيت الثالث إلى أنّ والد الغلام كان خطيب البلد : [الكامل]

مرّ الغزال بنا مروعا نافرا

كشبيهه في القفر ريع بصائده

لثم السّلامى في السلام تسترا

ثم انثنى حذر الرقيب لراصده

هلّا تكلّف وقفة لمحبّه

ولو انها قصرا كجلسة والده

وقال أبو القاسم القبتوري (١) : [البسيط]

وا حسرتا لأمور ليس يبلغها

مالي وهنّ منى نفسي وآمالي

أصبحت كالآل لا جدوى لديّ وما

آليت جدّا ولكن جدّي الآلي

وقال أبو الحسن بن الحاج : [الطويل]

كفى حزنا أنّ المشارع جمّة

وعندي إليها غلّة وأوام (٢)

ومن نكد الأيام أن يعدم الغنى

كريم وأنّ المكثرين لئام

وقال أحمد بن أمية البلنسي : [السريع]

قال رئيسي حين فاوضته

وما درى أنّ مقامي عسير

أقم فقلت الحال لا تقتضي

فقال سر قلت جناحي كسير

وقال ابن برطلة : [السريع]

لله ما ألقاه من همّة

لا ترتضي إلّا السّها منزلا

ومن خمول كلّما رمت أن

أسمو به بين الورى قال لا

وكتب ابن خروف لبعض الرؤساء : [المجتث]

يا من حوى كلّ مجد

بجدّه وبجدّه (٣)

أتاك نجل خروف

فامنن عليه بجدّه (٤)

__________________

(١) في ب : جاء قول أبي الحسن بن الحاج قبل قول أبي القاسم القبتوري.

(٢) الغلة : شدة العطش. والأوام : حرارة العطش.

(٣) الجدّ : الاجتهاد. والجدّ : الحظ.

(٤) الجدّ : الخروف. ولعله طلب هنا فروة يلبسها في الشتاء.

٢٤٩

وكتب أيضا لبعضهم يستدعي فروة : [مجزوء الوافر]

بهاء الدين والدنيا

ونور المجد والحسب

طلبت مخافة الأنوا

ء من جدواك جلد أبي (١)

وفضلك عالم أني

خروف بارع الأدب

حلبت الدهر أشطره

وفي حلب صفا حلبي

وبعد كتبي لما ذكر خشيت أن يكون لابن خروف المشرقي لا الأندلسي ، والله تعالى أعلم.

وركب محبوب أبي بكر ابن مالك كاتب ابن سعد بغلة رديف رجل يعرف بالدب ، فقال أبو بكر في ذلك : [مخلع البسيط]

وبغلة ما لها مثال

يركبها الدّبّ والغزال

كأنّ هذا وذا عليها

سحابة خلفها هلال

وخرج محبوب لأبي الحسن بن حريق يوما لنزهة وعرض سيل عاقه عن دخول البلد ، فبات ليلة عند أبي الحسن ، فقال في ذلك : [مخلع البسيط]

يا ليلة جادت الأماني

بها على رغم أنف دهري

تسيل فيها عليّ نعمى

يقصر عنها لسان شكري

أبات في منزلي حبيبي

وقام في أهله بعذر

وبتّ لا حالة كحالي

صريع سكر ضجيع بدر (٢)

يا ليلة القدر في الليالي

لأنت خير من الف شهر

وقال أبو الحسن بن الزقاق (٣) : [الوافر]

عذيري من هضيم الكشح أحوى

رخيم الدّلّ قد لبس الشّبابا (٤)

أعدّ الهجر هاجرة لقلبي

وصيّر وعده فيها سرابا

__________________

(١) في ه : «طلبت مخافة اللأواء».

(٢) صريع سكر : أي طرحه السكر أرضا.

(٣) ديوان ابن الزقاق ص ٩٨.

(٤) الأحوى : ما كان لونه لون صدأ الحديد.

٢٥٠

وقال أبو بكر بن الجزار السرقسطي : [الطويل]

ثناء الفتى يبقى ويفنى ثراؤه

فلا تكتسب بالمال شيئا سوى الذكر

فقد أبلت الأيام كعبا وحاتما

وذكرهما غضّ جديد إلى الحشر (١)

وقال الأديب أبو عبد الله الجذامي : كان لشخص من أصحابنا قينة ، فبينما هو ذات يوم قد رام تقبيلها على أثر سواك أبصره بمبسمها إذ مرّ فوّال ينادي على فول يبيعه ، قال : فكلّفني أن أقول في ذلك شيئا ، فقلت : [الطويل]

ولم أنس يوم الأنس حين سمحت لي

وأهديت لي من فيك فول سواك

ومرّ بنا الفوّال للفول مادحا

وما قصده في المدح فول سواك

وشرب يوما أبو عبد الله المذكور عند بعض الأجلّة وذرعه القيء ، فارتجل في العذر : [الطويل]

لا تؤاخذ من أخلّ به

قهوة في الكاس كالقبس

كيف يلحى في المدام فتى

أخذته أخذ مفترس (٢)

دخلت في الحلق مكرهة

ضاق عنها موضع النّفس

خرجت من موضع دخلت

أنفت من مخرج النجس

وجلس سلمة بن أحمد إلى جنب وسيم يكتب من محبرة فانصبّ الحبر منها على ثوب سلمة ، فخجل الغلام ، فقال سلمة : [الكامل]

صبّ المداد وما تعمّد صبّه

فتورّد الخدّ المليح الأزهر

يا من يؤثّر حبره في ثوبنا

تأثير لحظك في فؤادي أكبر

وكان لأبي الحسن بن حزمون (٣) بمرسية محبوب يدعى أبا عامر ، وسافر أبو الحسن ، فبينما هو بخارج ألمرية إذ لقي فتى يشبه محبوبه ، وسأله عن اسمه ، فأخبره بأنه يدعى أبا عامر ، فقال أبو الحسن في ذلك : [المتقارب]

إلى كم أفرّ أمام الهوى

وليس لذا الحبّ من آخر

وكيف أفرّ أمام الهوى

وفي كلّ واد أبو عامر (٤)

__________________

(١) إلى الحشر : أراد إلى يوم القيامة والحساب.

(٢) يلحى : يلام.

(٣) انظر زاد المسافر ص ٦٤.

(٤) لعله أخذ الشطر الثاني من البيت من قولهم «في كل واد أثر من ثعلبة».

٢٥١

وحضر أبو بكر ابن مالك كاتب ابن سعد مع محبوبه لارتقاب هلال شوّال ، فأغمي على الناس ورآه محبوبه ، فقال أبو بكر في ذلك : [الطويل]

توارى هلال الأفق عن أعين الورى

ولاح لمن أهواه منه وحيّاه (١)

فقلت لهم لم تفهموا كنه سرّه

ولكن خذوا عني حقيقة معناه (٢)

بدا الأفق كالمرآة راق صفاؤه

فأبصر دون الناس فيه محيّاه (٣)

وكتب أبو بكر بن حبيش لمن يهواه بقوله : [الطويل]

متى ما ترم شرحا لحالي وتبيينا

فصحّف على قلبي «علومك تحيينا» (٤)

أرادني «إنّي بحبّك مولع».

وكتب القاضي ابن السليم إلى الحكم المستنصر بالله : [البسيط]

لو أنّ أعضاء جسمي ألسن نطقت

بشكر نعماك عندي قلّ شكري لك

أو كان ملّكني الرحمن من أجلي

شيئا وصلت به يا سيدي أجلك

ومن تكن في الورى آماله كثرت

فإنما أملي في أن ترى أملك

وقال الوزير ابن أبي الخصال : [الطويل]

وكيف أؤدّي شكر من إن شكرته

على برّ يوم زادني مثله غدا

فإن رمت أقضي اليوم بعض الذي مضى

رأيت له فضلا عليّ مجدّدا (٥)

وقال الرصافي (٦) : [الكامل]

قلّدت جيد الفكر من تلك الحلى

ما شاءه المنثور والمنظوم

وأشرت قدّامي كأنّي لاثم

وكأنّ كفّي ذلك الملثوم

__________________

(١) في ب ، ه : «فحيّاه». ولاح : ظهر.

(٢) كنه سره : حقيقته.

(٣) محياه : وجهه.

(٤) فصحّف : صحّف الكلمة : كتبها أو قرأها على غير صحتها لاشتباه الحروف.

(٥) في ه : «بعض الذي قضى».

(٦) انظر ديوانه ص ١٣١.

٢٥٢

وقال : [الوافر]

ويا لك نعمة رمنا مداها

فما وصل اللسان ولا الضمير

عجزنا أن نقوم لها بشكر

على أنّ الشّكور لها كثير (١)

وقال ابن باجة : [الكامل]

قوم إذا انتقبوا رأيت أهلّة

وإذا هم سفروا رأيت بدورا (٢)

لا يسألون عن النّوال عفاتهم

شكرا ولا يحمون منه نقيرا (٣)

لو أنهم مسحوا على جدب الرّبا

بأكفّهم نبت الأقاح نضيرا (٤)

وقال ابن الأبار يمدح أبا زكريا سلطان إفريقية : [الطويل]

تحلّت بعلياك الليالي العواطل

ودانت لسقياك السحاب الهواطل (٥)

وما زينة الأيام إلّا مناقب

يفرّعها أصلان : بأس ونائل

إذ الطّول والصّول استقلّا براحة

ترقّت لها نحو النجوم أنامل (٦)

وقال أيضا في سعيد بن حكم رئيس منرقة (٧) : [الخفيف]

سيّد أيّد رئيس بئيس

في أساريره صفات الصباح

قمر في أفق المعالي تجلّى

وتحلّى بالسؤدد الوضّاح

سلم البحر في السماحة منه

لجواد سمّوه بحر السماح

وقال أبو العباس أحمد الإشبيلي : [البسيط]

يا أفضل الناس إجماعا ومعرفتي

تغني وما الحسن في ريب ولا ريب

ورثت عن سلف ما شئت من شرف

فقد بهرت بموروث ومكتسب (٨)

__________________

(١) أراد ب : «الشكور» الشاكرين. لكثرة كرمه ونعمه.

(٢) انتقبت المرآة : شدت على وجهها النقاب.

(٣) النقير ـ بفتح النون ـ النكتة في ظهر النواة. وهو مضرب المثل في التفاهة.

(٤) جدب الربا : الأرض القاحلة ، اليابسة.

(٥) الليالي العواطل : أراد التي لا حلي لها فتحلى «بعليائك».

(٦) ذا الطّول ، بفتح الطاء مشددة : من طال طولا أفضل وأنعم. وفي ب : «إذا الطول ..».

(٧) في أ : «رئيس مزقة».

(٨) في ه : «ورثت من سلف».

٢٥٣

وقال ابن زهر الحفيد : [الكامل]

يا من يذكّرني بعهد أحبّتي

طاب الحديث بذكرهم ويطيب

أعد الحديث عليّ من جنباته

إنّ الحديث عن الحبيب حبيب

ملأ الضلوع وفاض عن أحنائها

قلب إذا ذكر الحبيب يذوب (١)

ما زال يخفق ضاربا بجناحه

يا ليت شعري هل تطير قلوب (٢)

وقال في زهر الكتاب : [الكامل]

أهلا بزهر اللّازورد ومرحبا

في روضة الكتّان تعطفه الصّبا

لو كنت ذا جهل لخلتك لجّة

وكشفت عن ساق كما فعلت سبا (٣)

ولما قال الموشحة المشهورة التي أولها :

صادني ولم يدر ما صادا قال أبو بكر بن الجدّ : لو سئل عمّا صاد لقال : تيس بلحية حمراء!.

ولمّا قال الموشحة التي أوّلها :

هات بنت العنب واشرب (٤)

إلى قوله :

وفدّه بأبي ثم بي

سمعها أبوه فقال : يفديه بالعجوز السّواء (٥) ، وأما أنا فلا.

وهنالك أبو بكر بن زهر الأصغر ، وهو ابن عمّ هذا الأكبر.

ومن نظم الأصغر (٦) : [الكامل]

والله ما أدري بما أتوسّل

إذ ليس لي ذات بها أتوصّل

__________________

(١) الأحناء : جمع حنو وهو كل ما فيه اعوجاج من البدن كالضلع.

(٢) في ب : «ما زال يضرب خافقا بجناحه».

(٣) اللّجة : معظم الماء. وجمعها لجج ، ولجّ ولجاج وأراد ب : «سبا» بلقيس ملكة سبأ ، وقد ذكر قصتها القرآن الكريم (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ).

(٤) في ب : «هات ابنة العنب واشرب».

(٥) في ب : «بالعجوز السوء».

(٦) انظر ترجمته في القدح ص ١٥٠.

٢٥٤

لكن جعلت مودّتي مع خدمتي

لعلاك أحظى شافع يتقبّل

إن كنت من أدوات زهر عاطلا

فالزّهر منهنّ السّماك الأعزل

وهذه الأبيات خاطب بها المأمون بن المنصور صاحب المغرب.

وقال الأديب أبو جعفر عمر ابن صاحب الصلاة : [الطويل]

وما زالت الدنيا طريقا لهالك

تباين في أحوالها وتخالف

ففي جانب منها تقوم مآتم

وفي جانب منها تقوم معازف

فمن كان فيها قاطنا فهو ظاعن

ومن كان فيها آمنا فهو خائف

وقال أبو بكر محمد ابن صاحب الصلاة يخاطب أخيل لمّا انتقل إلى العدوة : [المجتث]

لا تنكرنّ زمانا

رماك منه بسهم

وأنت غاية مجد

في كلّ علم وفهم

هذي دموعي حتى

يراك طرفي تهمي (١)

يا ليت ما كنت أخشى

عليك عدوان همّ (٢)

وإنما الدهر يبدي

ما لا يجوز بوهم (٣)

ما زال شيهم مسّ

لكلّ يقظان شهم (٤)

ولمّا وفد أهل الأندلس على عبد المؤمن قام خطيبا ناثرا وناظما ، فأتى بالعجب ، وباهى به أهل الأندلس في ذلك الوقت.

وله في عبد المؤمن : [البسيط]

هم الألى وهبوا للحرب أنفسهم

وأنهبوا ما حوت أيديهم الصّفدا (٥)

ما إن يغبّون كحل الشمس من رهج

كأنما عينها تشكو لهم رمدا (٦)

__________________

(١) تهمي : تنهمر.

(٢) في ه : «عدوان بهم».

(٣) في ه : «ما لا يجول بوهم».

(٤) الشيهم : ما عظم شوكه من ذكور القنافذ.

(٥) الصفد : العطاء.

(٦) يغبّون : من الفعل أغبّ : أي يأتي الأمر مرة ويتركه مرة. والرمد : مرض في العين.

٢٥٥

وقال ابن السيّد البطليوسي في أبي الحكم عمرو بن مذحج بن حزم ، وقد غلب على لبّه ، وأخذ بمجامع قلبه : [الطويل]

رأى صاحبي عمرا فكلّف وصفه

وحمّلني من ذاك ما ليس في الطّوق (١)

فقلت له : عمرو كعمرو فقال لي :

صدقت ، ولكن ذاك شبّ عن الطّوق (٢)

وفيه يقول ابن عبدون : [الكامل]

يا عمرو ، ردّ على الصّدور قلوبها

من غير تقطيع ولا تحريق

وأدر علينا من خلالك أكؤسا

لم تأل تسكرنا بغير رحيق (٣)

وفيه يقول أحدهم : [مجزوء الخفيف]

قل لعمرو بن مذحج

جاء ما كنت أرتجي

شارب من زبرجد

ولمى من بنفسج

وكتب إليه ابن عبدون : [الطويل]

سلام كما هبّت من المزن نفحة

تنفّس عند الفجر من وجهها الزّهر (٤)

ومنها :

أبا حسن أبلغ سلام فمي يدي

أبي حسن وارفق فكلتاهما بحر

ولا تنس يمناك التي هي والندى

رضيعا لبان لا اللّجين ولا التّبر (٥)

فأجابه من أبيات : [الطويل]

تحيّر ذهني في مجاري صفاته

فلم أدر شعر ما به فهت أم سحر

أرى الدهر أعطاك التقدّم في العلى

وإن كان قد وافى أخيرا بك الدّهر

لئن حازت الدنيا لك الفضل آخرا

ففي أخريات الليل ينبلج الفجر (٦)

__________________

(١) الطوق هنا : الاستطاعة.

(٢) في ه : «ولكن ذا أشب عن الطوق». وقد أخذه الشاعر من المثل القائل «شبّ عمرو عن الطوق».

(٣) ألى يألو : حلف.

(٤) في ب ، ه : «تنفس عند الفجر في وجهها الفجر».

(٥) الندى : الجود والعطاء. واللجين : الفضة. والتبر : الذهب.

(٦) في ب : «لئن حازت الدنيا بك الفضل آخرا».

٢٥٦

ولعمرو في أبي العلاء بن زهر (١) : [الطويل]

قدمت علينا والزمان جديد

وما زلت تبدي في الندى وتعيد

وحقّ العلا لو لا مراتبك العلا

لما اخضرّ في أفق المكارم عود

فلوحوا بني زهر فإنّ وجوهكم

نجوم بأفلاك العلاء سعود (٢)

وقوله لأبي الوليد ابن عمّه : [البسيط]

إنّي لأعجب أن يدنو بنا وطن

ولا يقضّى من اللّقيا لنا وطر

لا غرو إن بعدت دار مصاقبة

بنا وجدّ بنا للحضرة السّفر (٣)

فمحجر العين لا يلقاه ناظرها

وقد توسّع في الدنيا به النظر

وقال ابن عمّه أبو بكر محمد بن مذحج يخاطب ابن عمّه أبا الوليد (٤) : [الطويل]

ولمّا رأى حمص استخفّت بقدره

على أنها كانت به ليلة القدر

تحمّل عنها والبلاد عريضة

كما سلّ من غمد الدّجى صارم الفجر (٥)

وقال أبو الوليد المذكور : [الطويل]

أتجزع من دمعي وأنت أسلته

ومن نار أحشائي وأنت لهيبها

وتزعم أنّ النّفس غيرك علّقت

وأنت ولا منّ عليك حبيبها

إذا طلعت شمس عليّ بسلوة

أثار الهوى بين الضلوع غروبها (٦)

وله أيضا : [الكامل]

لمّا استمالك معشر لم أرضهم

والقول فيك ، كما علمت ، كثير

داريت دونك مهجتي فتماسكت

من بعد ما كادت إليك تطير

فاذهب فغير جوانحي لك منزل

واسمع فغير وفائك المشكور

وقال : [المتقارب]

يقول وقد لمته في هوى

فلان وعرّضت شيئا قليلا

أتحسدني؟ قلت : لا والذي

أحلّك في الحبّ مرعى وبيلا (٧)

__________________

(١) انظر الذخيرة ج ٢ ٢٣٤.

(٢) فلوحوا : من الفعل لاح : أي ظهر.

(٣) دار مصاقبة : مقاربة ، مواجهة.

(٤) انظر الذخيرة ج ٢ ص ٢٤٣.

(٥) الدجى : الليل. والصارم : السيف.

(٦) الغروب : الدمع.

(٧) وبل المرعى : وخم وثقل.

٢٥٧

وكيف وقد حلّ ذاك الجناب

وقد سلك الناس ذاك السبيلا (١)

وله مما يكتب على قوس : [الكامل]

إنّا إذا رفعت سماء عجاجة

والحرب تقعد بالرّدى وتقوم (٢)

وتمرّد الأبطال في جنباتها

والموت من فوق النفوس يحوم

مرقت لهم منّا الحتوف كأنما

نحن الأهلّة والسّهام نجوم (٣)

وقال أبو الحسين بن فندلة (٤) في كلب صيد : [الطويل]

فجعت بمن لو رمت تعبير وصفه

لقلّ ولو أني غرفت من البحر

بأخطل وثّاب طموح مؤدّب

ثبوت يصيد النّسر لو حلّ في النسر

كلون الشباب الغضّ في وجهه سنى

كأنّ ظلاما ليس فيه سوى البدر

إذا سار والبازي أقول تعجّبا

ألا ليت شعري يسبق الطير من يجري

ولا يلتفت إلى قول أبي العباس بن سيد (٥) فيه : [السريع]

الموت لا يبقي على مهجة

لا أسدا يبقي ولا نعثله (٦)

ولا شريفا لبني هاشم

ولا وضيعا لبني فندله

وكان ابن سيد مسلّطا على هذا البيت ، قال ابن سعيد : وإنما ينبح الكلب القمر.

قال أبو العباس النجار : كان أبو الحسين يلقّب بالوزغة ، فوصلت إلى بابه يوما ، فتحجّب عني ، فكتبت على الباب : [مخلع البسيط]

تحجّب الفندليّ عني

فساء من فعله ضميري

ينفر من رؤيتي كأني

مضمّخ الجيب بالعبير

قال : ومن عادة الوزغة أن تكره رائحة الزعفران وتهرب منه.

وقال أبو القاسم بن حسان (٧) : [الطويل]

ألا ليتني ما كنت يوما معظّما

ولا عرفوا شخصي ولا علموا قصري

__________________

(١) في ه : «فكيف وقد حل الحمى».

(٢) العجاج : الغبار.

(٣) الحتوف : جمع الحتف ، وهو : الموت.

(٤) انظر ترجمته في المغرب ج ١ ص ٢٤١.

(٥) انظر ترجمته في المغرب ج ١ ص ٢٥٢.

(٦) في ح : «لا أسد أبقى ولا تنفله».

(٧) انظر ترجمته في القدح ص ١٤٨.

٢٥٨

أكلّف في حال المشيب بمثل ما

تحمّلته والغصن في ورق نضر

فما عاش في الأيام في حرّ عيشة

سوى رجل ناء عن النّهي والأمر

وقال أبو بكر بن مرتين (١) : [البسيط]

صحبت منك العلا والفضل والكرما

وشيمة في الندى لا ترتضي السأما

مودّة في ثرى الإنصاف راسخة

وسمكها فوق أعناق السماء سما

وقال : [الكامل]

أنصفتني فمحضتك الودّ الذي

يجزى بصفوته الخليل المنصف (٢)

لا تشكرنّ سوى خلالك إنها

جلبت إليك من الثنا ما يعرف (٣)

وقال : [مجزوء الرمل]

يا هلالا يتجلّى

وقضيبا يتثنّى

كلّ أنس لم تكنه

فهو لفظ دون معنى

وقال القاضي أبو عبد الله محمد بن زرقون : [الخفيف]

ذكر العهد والديار غريب

فجرى دمعه ولجّ النّحيب (٤)

ذكر العهد والنوى من حبيب

حبّذا العهد والنوى والحبيب

إذ صفاء الوداد غير مشوب

بتجنّ وودّنا مشبوب

وإذا الدهر دهرنا وإذا الدا

ر قريب وإذ يقول الرقيب

ومنها :

أسأل الله عفوه فلئن سا

ء مقالي لقد تعفّ القلوب

قد ينال الفتى الصغائر ظرفا

لا سواها وللذّنوب ذنوب

وأخو الشّعر لا جناح عليه

وسواء صدوقه والكذوب (٥)

وقال (٦) : [السريع]

__________________

(١) انظر المغرب ج ١ ص ٢٤٣.

(٢) محضتك الود : أعطيتكه خالصا.

(٣) الخلال : الخصال.

(٤) لجّ النحيب : ألحّ.

(٥) لا جناح ـ بضم الجيم ـ أي لا إثم عليه.

(٦) هكذا وقع في أ، ج. وفي ب ، ه ، ذكر هذين البيتين بعد البيتين الآتيين مما يفهم أنهما للخطيب أبي عبد الله محمد بن عمر الإشبيلي.

٢٥٩

يا معدن الفضل وطوى الحجا

لا زلت من بحر العلا تغترف

عبدك بالباب فقل منعما

يدخل أو يصبر أو ينصرف

وقال الخطيب أبو عبد الله محمد بن عمر الإشبيلي : [المتقارب]

وكلّ إلى طبعه عائد

وإن صدّه المنع عن قصده

كذا الماء من بعد إسخانه

يعود سريعا إلى برده

وقال إمام اللغة أبو بكر محمد بن الحسن الزبيدي الإشبيلي : [الخفيف]

ما طلبت العلوم إلّا لأني

لم أزل من فنونها في رياض

ما سواها له بقلبي حظّ

غير ما كان للعيون المراض

وقال : [مجزوء الرمل]

أشعرن قلبك ياسا

ليس هذا الناس ناسا

ذهب الإبريز منهم

فبقوا بعد نحاسا (١)

سامرييّن يقولو

ن جميعا لا مساسا (٢)

وكان كتاب «العين» للخليل مختلّ القواعد ، فامتعض له هذا الإمام ، وصقل صدأه كما يصقل الحسام ، وأبرزه في أجمل منزع ، حتى قيل : هذا ممّا أبدع واخترع ، وله كتاب في النحو يسمّى «الواضح» وصيّره الحكم المستنصر مؤدّبا لولده هشام المؤيد ، وبالجملة فهو في المغرب بمنزلة ابن دريد في المشرق.

وقال النحوي أبو بكر محمد بن طلحة الإشبيلي (٣) ، وشعره رقيق خارج عن شعر النحاة ، ومنه : [الطويل]

إلى أيّ يوم بعده يرفع الخمر

وللورق تغريد وقد خفق النّهر (٤)

وقد صقلت كفّ الغزالة أفقها

وفوق متون الروض أردية خضر

وكم قد بكت عين السماء بدمعها

عليها ولو لا ذاك ما بسم الزهر

__________________

(١) الإبريز : الذهب الخالص الصافي.

(٢) سامريين : جمع سامري ، وأخذ هذا من قوله تعالى قصة السامري (فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ).

(٣) هو محمد بن طلحة بن محمد بن عبد الله بن خلف بن أحمد الأموي الإشبيلي أبو بكر المعروف بابن طلحة (بغية الوعاة ١ / ١٢١).

(٤) الورق : الحمام.

٢٦٠