نفح الطّيب - ج ٤

الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني

نفح الطّيب - ج ٤

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني


المحقق: يوسف الشيخ محمّد البقاعي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٠

ملئت مسكا وعنبرا ، إن تنسّمتها فأرجة ، أو توسّمتها فبهجة : [البسيط]

فالأرض في بزّة من يانع الزّهر

تزري إذا قستها بالوشي والحبر (١)

قد أحكمتها أكفّ المزن واكفة

وطرّزتها بما تهمي من الدّرر

تبرّجت فسبت منّا العيون هوى

وفتنة بعد طول السّتر والخفر

فأوجد لي سبيلا إلى إعمال بصري فيها ، لأجلو بصيرتي بمحاسن نواحيها ، والفصل على أن يكمل أوانه ، ويتصرّم وقته وزمانه فلا تخلني من بعض التشفي منه ، لأصدر نفسي متيقّظة عنه ، فالنفوس تصدأ كما يصدأ الحديد ، ومن سعى في جلائها فهو الرشيد السديد.

ومن شعره يصف وردا بعث به إلى أبيه (٢) : [الكامل]

يا من تأزّر بالمكارم وارتدى

بالمجد والفضل الرفيع الفائق

انظر إلى خدّ الربيع مركّبا

في وجه هذا المهرجان الرائق

ورد تقدّم إذ تأخّر واغتدى

في الحسن والإحسان أول سابق

وافاك مشتملا بثوب حيائه

خجلا لأن حيّاك آخر لاحق

وله : [الطويل]

أتى الباقلاء الباقل اللون لابسا

برود سماء من سحائبها غذي

ترى نوره يلتاح في ورقاته

كبلق جياد في جلال زمرّذ (٣)

وقال : [المتقارب]

إذا ما أدرت كؤوس الهوى

ففي شربها لست بالمرقل (٤)

مدام تعتّق بالناظرين

وتلك تعتّق بالأرجل

وكان وهو ابن سبع عشرة سنة ينظم النظم الفائق ، وينثر النثر الرائق ، وأبو جعفر بن الأبّار هو الذي صقل مرآته ، وأقام قناته ، وأطلعه شهابا ثاقبا ، وسلك به إلى فنون الآداب طريقا لاحبا (٥) ، وله كتاب سماه ب «البديع ، في فصل الربيع» جمع فيه أشعار أهل الأندلس خاصّة ،

__________________

(١) تزري : تغيب ، وتتهاون. والحبر : جمع حبرة ، وهي ثوب من الكتان أو القطن مخطط.

(٢) انظر الذخيرة ج ٢ ص ٥٠.

(٣) النّور : الزهر الأبيض. والزمرذ : الزمرد : حجر كريم شديد الخضرة.

(٤) أرقل : أشرع في سيره. والمرقل اسم فاعل من أرقل.

(٥) الطريق اللاحب : الطريق الواضح.

٢٢١

أعرب فيه عن أدب غزير ، وحظّ من الحفظ موفور ، وتوفي وهو ابن اثنتين وعشرين سنة ، واستوزره داهية الفتنة ، ورحى المحنة ، قاضي إشبيلية عبّاد (١) جدّ المعتمد ، ولم يزل يصغي إلى مقاله ، ويرضى بفعاله ، وهو ما جاوز العشرين إذ ذاك ، وأكثر نظمه ونثره في الأزاهر ، وذلك يدلّ على رقّة نفسه ، رحمه الله تعالى!

وقال الوزير الكاتب أبو الحسن علي بن حصن ، وزير المعتضد بن عباد : [المجتث]

عليّ أن أتذلّل

له وأن يتدلّل

خدّ كأنّ الثّريّا

عليه قرط مسلسل

وقال : [مخلع البسيط]

طلّ على خدّه العذار

فافتضح الآس والبهار

وابيضّ ذا واسودّ هذا

فاجتمع الليل والنهار

وقال الوزير أبو الوليد بن طريف في المعتمد بعد خلعه : [السريع]

يا آل عباد ألا عطفة

فالدهر من بعدكم مظلم

من الذي يرجى لنيل العلا

ومن إليه يفد المعدم (٢)

ما أنكر الدهر سوى أنه

بجودكم في فعله يزعم (٣)

وله : [السريع]

من حلقت لحية جار له

فليسكب الماء على لحيته

وقد أجرينا في هذا الكتاب ذكر جملة من أخبار المعتمد بن عباد ونظمه في أماكن متعدّدة فلتراجع.

ومن نظمه (٤) : [البسيط]

ثلاثة منعتها عن زيارتها

خوف الرقيب وخوف الحاسد الحنق (٥)

__________________

(١) في ه : «ابن عباد جد المعتمد».

(٢) المعدم : الفقير.

(٣) في ب : «بجودكم في فعله يرغم». وفي ه «بجوركم في فعله يرغم».

(٤) في ه : «ومن نظم المعتمد رحمه الله قوله». وانظر ديوانه ص ٢٢.

(٥) الحنق : الشديد الغضب. وفي ب : «عن زيارتنا».

٢٢٢

ضوء الجبين ، ووسواس الحليّ ، وما

تحوي معاطفها من عنبر عبق

هب الجبين بفضل الكمّ تستره

والحلي تنزعه ، ما حيلة العرق

وقال : [المنسرح]

يوم يقول الرسول قد أذنت

فأت على غير رقبة ولج

أقبلت أهوي إلى رحالهم

أهدى إليها بريحها الأرج

وقال : ويستدلّ على الملوكية بالطيب في المواطن التي يكون الناس فيها غير معروفين كالحمام ومعارك الحرب ومواسم الحجّ.

رجع إلى ما كنّا فيه :

وقال أبو العباس أحمد الخزرجي القرطبي : [الوافر]

وفي الوجنات ما في الروض لكن

لرونق زهرها معنى عجيب

وأعجب ما التعجّب منه أنّي

أرى البستان يحمله قضيب

وقال الوزير أبو سليمان (١) بن أبي أمية يخاطب رئيسا قد بلغه عن بعض أصحابه كلام فيه غضّ منه (٢) : [مجزوء الكامل]

هوّن عليك كلامه

واسمح له فيمن سمح

ما ذا يسوؤك إن هجا

ما ذا يسرّك إن مدح

أو ما علمت بلى جهل

ت بأنه غلّ طفح (٣)

وخفيّ حقد كامن

دأبوا له حتى اتّضح

هذا بمستنّ الوقا

ر فكيف لو دار القدح

فاشكر عوارف ذي الجلا

ل بما وقى وبما منح

وقال أبو علي عمر بن أبي خالد يخاطب أبا الحسن علي بن الفضل : [الوافر]

أبا حسن وما قدمت عهود

لنا بين المنارة والجزيره

أتذكر أنسنا والليل داج

بخمر في زجاجتها منيره (٤)

__________________

(١) في ب : «وقال الوزير أبو أيوب سليمان ..».

(٢) غض منه : انتقص من شأنه.

(٣) الغلّ : الحقد.

(٤) داج : مظلم.

٢٢٣

إذا الملّاح ضلّ رنا إليها

فأبصر في مناحيه مسيره

وقال الكاتب عبد الله المهيريس (١) ، وكان حلو النادرة ، لما شرب عند الوزير أبي العلاء ابن جامع وقد نظر إلى فاختة فأعجبه حسنها ولحنها : [الوافر]

ألا خذها إليك أبا العلاء

حلى الأمداح ترفل في الثناء

وهبها قينة تجلى عروسا

خضيب الكفّ قانية الرّداء

لأجعلها محلّ جليس أنسي

وأغنى بالهديل عن الغناء

وحكي أنه ناوله ليمونة وأمره بالقول فيها فقال : [الكامل]

أهدى إليّ بروضة ليمونة

وأشار بالتشبيه فعل السيد

فصمتّ حينا ثم قلت : كجلجل

من فضّة تعلوه صفرة عسجد

وقال الكاتب أبو بكر بن البناء يرثي أحد بني عبد المؤمن ، وقد عزل من بلنسية وولي إشبيلية فمات بها : [الطويل]

كأنك من جنس الكواكب كنت لم

تفارق طلوعا حالها وتواريا

تجلّيت من شرق تروق تلألؤا

فلما انتحيت الغرب أصبحت هاويا

وكان محمد بن مروان بن زهر ـ كما في المغرب والمسهب والمطرب ، وقد قدّمنا بعض أخباره ـ منشأ الدولة العبّادية وأوّل من تثنى عليه الخناصر ، وتستحسنه البواصر ، فضاقت الدولة العبادية عن مكانه ، وأخرج عن بلده ، فاستصفيت أمواله ، فلحق بشرق الأندلس ، وأقام فيه بقيّة عمره ، ونشأ ابنه الوزير أبو مروان عبد الملك بن محمد ، فما بلغ أشدّه ، حتى سدّ مسدّه ، ومال إلى التفنّن في أنواع التعليم (٢) من الطبّ وغيره ، ورحل إلى المشرق لأداء الفرض ، فملأ البلاد جلالة ، ونشأ ابنه أبو العلاء زهر بن عبد الملك ، فاخترع فضلا لم يكن في الحساب ، وشرع نبلا قصرت عنه نتائج أولى الألباب ، ونشأ بشرق الأندلس والآفاق تتهادى عجائبه ، والشام والعراق تتدارس بدائعه وغرائبه ، ومال إلى علم الأبدان فلو لا جلالة قدره ، لقلنا جاذب هاروت طرفا من سحره ، ولو لا أنّ الغلوّ آفة المديح ، لما اكتفى فيه بالكناية عن التصريح (٣) ، ولم يزل مقيما بشرق الأندلس إلى أن كان من غزاة أمير المسلمين يوسف بن تاشفين ومن

__________________

(١) انظر القدح ص ١٩٨.

(٢) انظر المغرب ج ١ ص ٢٤٩. والقدح ص ١١٩.

(٣) في ب ، ه : «ولو لا أن الغلوّ آفة المديح لتجاوزت طلق الجموح ولكنني اكتفيت بالكناية عن التصريح».

٢٢٤

انضمّ إليه من ملوك الطوائف ما علم ، وشخص أبو العلاء معهم ، فلقيه المعتمد بن عباد ، واستماله واستهواه ، وكاد يغلب على هواه ، وصرف (١) عليه أملاكه فحنّ إلى وطنه ، حنين النّيب إلى عطنه (٢) ، والكريم إلى سكنه ، ونزع إلى مقرّ سلفه ، نزوع الكوكب إلى بيت شرفه ، إلّا أنه لم يستقرّ بإشبيلية إلّا بعد خلع المعتمد ، وحلّ عند يوسف بن تاشفين محلّا لم يحلّه الماء من العطشان ، ولا الروح من جسد الجبان ، ولما كتب إليه حسام الدولة بن رزين مالك السهلة بقوله :[الكامل]

عاد اللئيم فأنت من أعدائه

ودع الحسود بغلّه وبذائه (٣)

لا كان إلّا من غدت أعداؤه

مشغولة أفواههم بجفائه

أأبا العلاء لئن حسدت لطالما

حسد الكريم بجوده ووفائه

فخر العلاء فكنت من آبائه

وزها السناء فكنت من أبنائه

كن كيف شئت مشاهدا أو غائبا

لا كان قلب لست في سودائه (٤)

أجابه بقوله : [الكامل]

يا صارما حسم العدا بمضائه

وتعبّد الأحرار حسن وفائه (٥)

ما أثّر العضب الحسام بذاته

إلّا بأن سمّيت من أسمائه

وكلّفه الحسام المذكور القول في غلام قائم على رأسه ، وقد عذّر ، فقال : [الخفيف]

محيت آية النهار فأضحى

بدر تمّ وكان شمس نهار

كان يعشي العيون نارا إلى أن

أشغل الله خدّه بالعذار

وقال : [المتقارب]

عذار ألمّ فأبدى لنا

بدائع كنّا لها في عمى

ولو لم يجنّ النهار الظلا

م لم يستبن كوكب في السّما

وقال : [البسيط]

__________________

(١) في ج : «وتصرف».

(٢) النيب : جمع ناب ، وهي الناقة المسنّة. والعطن : مبرك الإبل.

(٣) البذاء : فحش اللسان.

(٤) سوداء القلب : مهجته ، حبّته.

(٥) تعبد الأحرار : جعلهم عبيدا.

٢٢٥

يا راشقي بسهام ما لها غرض

إلّا الفؤاد وما منه له عوض

وممرضي بجفون لحظها غنج

صحّت وفي طبعها التمريض والمرض

امنن ولو بخيال منك يؤنسني

فقد يسدّ مسدّ الجوهر العرض

وهذا معنى في غاية الحسن.

وكان بينه وبين الإمام أبي بكر بن باجة ـ بسبب المشاركة ـ ما يكون بين النار والماء ، والأرض والسماء ، ولما قال فيه ابن باجة : [مخلع البسيط]

يا ملك الموت وابن زهر

جاوزتما الحدّ والنهايه

ترفّقا بالورى قليلا

في واحد منكما الكفايه

قال أبو العلاء : [السريع]

لا بد للزنديق أن يصلبا

شاء الذي يعضده أو أبى (١)

قد مهّد الجذع له نفسه

وسدّد الرمح إليه الشّبا

والذي يعضده مالك بن وهيب جليس أمير المسلمين وعالمه.

وأمّا حفيده أبو بكر محمد بن عبد الملك بن زهر فهو وزير إشبيلية وعظيمها وطبيبها وكريمها ، ومن شعره : [الطويل]

رمت كبدي أخت السماء فأقصدت

ألا بأبي رام يصيب ولا يخطي (٢)

قريبة ما بين الخلاخيل إن مشت

بعيدة ما بين القلادة والقرط

نعمت بها حتى أتيحت لنا النوى

كذا شيم الأيام تأخذ ما تعطي

وتوفي سنة خمس وتسعين وخمسمائة ، وأمر أن يكتب على قبره : [المتقارب]

تأمّل بفضلك يا واقفا

ولا حظ مكانا دفعنا إليه

تراب الضريح على صفحتي

كأني لم أمش يوما عليه

أداوي الأنام حذار المنون

فها أنا قد صرت رهنا لديه

رحمه الله تعالى ، وعفا عنه!

وفي هذه الأبيات إشارة إلى طبّه ومعالجته للناس ، رحمه الله تعالى! وقد ذكرت بعض أخباره في غير هذا الموضع.

__________________

(١) يعضده : يعينه.

(٢) أقصد السهم : أصاب.

٢٢٦

وقال أبو الوليد بن حزم : [البسيط]

مرآك مرآك لا شمس ولا قمر

وورد خدّيك لا ورد ولا زهر

في ذمة الله قلب أنت ساكنه

إن بنت بان فلا عين ولا أثر (١)

وقال : [الكامل]

لله أيام على وادي القرى

سلفت لنا والدهر ذو ألوان

إذ نجتني في ظلّه ثمر المنى

والطير ساجعة على الأغصان

والشمس تنظر من محاجر أرمد

والطّلّ يركض في النسيم الواني

فلثمت فاه والتزمت عناقه

ويد الوصال على قفا الهجران

وقال ابن عبد ربه : [البسيط]

يا قابض الكفّ لا زالت مقبّضة

فما أناملها للناس أرزاق

وغب إذا شئت حتى لا ترى أبدا

فما لفقدك في الأحشاء إقلاق

وقال في المدح : [الطويل]

وما خلقت كفّاك إلّا لأربع

عقائل لم تخلق لهنّ يدان

لتقبيل أفواه ، وإعطاء نائل

وتقليب هنديّ ، وحبس عنان

وقال الكاتب أبو عبد الله بن مصادق (٢) الرّندي الأصل : [الرمل]

صارمته إذ رأت عارضه

عاد من بعد الشباب أشيبا

قلت ما ضرّك شيب فلقد

بقيت فيه فكاهات الصّبا

هو كالعنبر غال نفحه

وشذاه أخضرا أو أشهبا

وقال : [البسيط]

ووردة وردت في غير موقتها

والسّحب قد هملت أجفانها هطلا

وإنما الروض لمّا لم يفد ثمرا

يقريكه انفتحت في خدّه خجلا

وله : [البسيط]

لم أحتفل لقدوم العيد من زمن

قد كان يبهجني إذ كنت في وطني

__________________

(١) بان : بعد.

(٢) في ه : «ابن مصادف».

٢٢٧

لم ألق أهلي ولا إلفي ولا ولدي

فليت شعري سروري واقع بمن

وقال : [السريع]

يقول لي العاذل تب عن هوى

من ليس يدنيك إلى مطلب

وكيف لي والدين دين الهوى

فلا أرى أرجح من مذهبي

أليس باب التّوب قد سدّه

طلوعه شمسا من المغرب

وله : [الكامل]

امنع كرائمك الخروج ولا

تظهر لذلك وجه منبسط

لا تعتبر منهنّ مسخطة

نيل الرضا في ذلك السخط (١)

أو لسن مثل الدّرّ في شبه

والدّرّ من صدف إلى سفط (٢)

وقال المعتمد بن عباد : [مخلع البسيط]

تمّ له الحسن بالعذار

واختلط الليل بالنهار

أخضر في أبيض تبدّى

فذاك آسي وذا بهاري

فقد حوى مجلسي تماما

إن يك من ريقه عقاري

وقال ابن فرج الجيّاني رحمه الله تعالى : [الوافر]

وطائعة الوصال صدرت عنها

وما الشيطان فيها بالمطاع (٣)

بدت في الليل سافرة فباتت

دياجي الليل سافرة القناع

وما من لحظة إلّا وفيها

إلى فتن القلوب لها دواعي

فملّكت الهوى جمحات قلبي

لأجري في العفاف على طباعي (٤)

كذاك الروض ما فيه لمثلي

سوى نظر وشمّ من متاع

ولست من السوائم مهملات

فأتّخذ الرياض من المراعي

__________________

(١) في ه : «نيل المنى في ذلك السخط».

(٢) السفط : وعاء الطيب وأدوات النساء.

(٣) في ب ، ه : «وطائعة الوصال صددت عنها».

(٤) في ب : «جمحات أمري».

٢٢٨

وقال : [الوافر]

بأيّهما أنا في الشّكر بادي

بشكر الطّيف أم شكر الرقاد

سرى فازداد لي أملي ولكن

عففت فلم أنل منه مرادي

وما في النوم من حرج ولكن

جريت مع العفاف على اعتيادي

وقال الرصافي (١) : [الكامل]

وعشيّ أنس للسرور وقد بدا

من دون قرص الشمس ما يتوقّع

سقطت فلم يملك نديمك ردّها

فوددت يا موسى لو أنّك يوشع

وقال ابن عبد ربه : [البسيط]

يراعة غرّني منها وميض سنا

حتّى مددت إليها الكفّ مقتبسا

فصادفت حجرا لو كنت تضربه

من لؤمه بعصا موسى لما انبجسا (٢)

كأنما صيغ من لؤم ومن كذب

فكان ذاك له روحا وذا نفسا

وقال ابن صارة في فروة (٣) : [الكامل]

أودت بذات يدي فريّة أرنب

كفؤاد عروة في الضّنى والرّقّة

يتجشّم الفرّاء من ترقيعها

بعد المشقّة في قريب الشّقّة (٤)

لو أنّ ما أنفقت في ترقيعها

يحصى لزاد على رمال الرّقّة

إن قلت بسم الله عند لباسها

قرأت عليّ (إذا السماء انشقّت)

وقال الغزال (٥) : [الكامل]

والمرء يعجب من صغيرة غيره

أيّ امرئ إلّا وفيه مقال

لسنا نرى من ليس فيه غميزة

أيّ الرجال القائل الفعّال (٦)

وقال أبو حيّان : [البسيط]

لا ترجونّ دوام الخير من أحد

فالشرّ طبع وفيه الخير بالعرض

ولا تظنّ امرأ أسدى إليك ندى

من أجل ذاتك بل أسداه للغرض (٧)

__________________

(١) انظر ديوان الرصافي ص ١٠٥.

(٢) انبجس الماء : انفجر.

(٣) انظر القلائد ج ١ ص ١٢٥.

(٤) يتجشّم : يتحمل.

(٥) في أ، ه : «الغزالي».

(٦) الغميزة : العيب.

(٧) في ج : «أسدى إليك يدا».

٢٢٩

وقال ابن شهيد : [الطويل]

ولمّا فشا بالدمع ما بين وجدنا

إلى كاشحينا ما القلوب كواتم (١)

أمرنا بإمساك الدموع جفوننا

ليشجى بما نطوي عذول ولائم

أبى دمعنا يجري مخافة شامت

فنظّمه بين المحاجر ناظم

وراق الهوى منّا عيون كريمة

تبسّمن حتى ما تروق المباسم (٢)

وقال في الانتحال : [الطويل]

وبلّغت أقواما تجيش صدورهم

عليّ وإني فيهم فارغ الصدر

أصاخوا إلى قولي فأسمعت معجزا

وغاصوا على سرّي فأعجزهم أمري (٣)

فقال فريق ليس ذا الشّعر شعره

وقال فريق أيمن الله ما ندري

فمن شاء فليخبر فإني حاضر

ولا شيء أجلى للشكوك من الخبر

وينظر إلى مثل هذا قصة أبي بكر بن بقي حين استهدى من بعض إخوانه أقلاما فبعث إليه بثلاث من القصب ، وكتب معها : [البسيط]

خذها إليك أبا بكر العلا قصبا

كأنما صاغها الصّوّاغ من ورقه

يزهى بها الطّرس حسنا ما نثرت بها

مسك المداد على الكافور من ورقه

فأجابه أبو بكر : [البسيط]

أرسلت نحوي ثلاثا من قنا سلب

ميّادة تطعن القرطاس في درقه (٤)

فالخطّ ينكرها والحظّ يعرفها

والرّقّ يخدمها بالرّق في عنقه

فحسده عليه بعض من سمعه ، ونسبه إلى الانتحال ، فقال أبو بكر يخاطب صاحبه الأول:[البسيط]

وجاهل نسب الدعوى إلى كلمي

لمّا رماه بمثل النّبل في حدقه

فقلت من حنق لما تعرّض لي

من ذا الذي أخرج اليربوع من نفقه (٥)

__________________

(١) الكاشح : العدو المبغض ، المضمر للعداوة.

(٢) في ب : «وراق الهوى منا عيونا كريمة».

(٣) في ه : «فأسمعت صمهم». وفيها «فأعياهم أمري».

(٤) في ه : «من قنا شلب».

(٥) اليربوع : حيوان قاضم يشبه الفأر.

٢٣٠

ما ذمّ شعري وأيم الله لي قسم

إلّا امرؤ ليست الأشعار من طرقه

والشعر يشهد أني من كواكبه

بل الصباح الذي يستنّ من أفقه

وقال ابن شهيد أيضا في ضيف (١) : [الطويل]

وما انفكّ معشوق الثناء يمدّه

ببشر وترحيب وبسط بنان

إلى أن تشهّى البين من ذات نفسه

وحنّ إلى الأهلين حنّة حاني

فأتبعته ما سدّ خلّة حاله

وأتبعني ذكرا بكلّ مكان

وقال : [الطويل]

وبتنا نراعي الليل لم يطو برده

ولم يجل شيب الصّبح في فوده وخطا (٢)

تراه كملك الزنج من فرط كبره

إذا رام مشيا في تبختره أبطا

مطلّا على الآفاق والبدر تاجه

وقد جعل الجوزاء في أذنه قرطا

وقال بعضهم في لباس أهل الأندلس البياض في الحزن ، مع أنّ أهل المشرق يلبسون فيه السواد : [الوافر]

ألا يا أهل أندلس فطنتم

بلطفكم إلى أمر عجيب

لبستم في مآتمكم بياضا

فجئتم منه في زيّ غريب

صدقتم فالبياض لباس حزن

ولا حزن أشدّ من المشيب

وقال أبو جعفر بن خاتمة : [الخفيف]

هل جسوم يوم النوى ودّعوها

باقيات لسوء ما أودعوها (٣)

يا حداة القلوب ما العدل هذا

أتبعوها أجسامها أو دعوها

وقال القسطلّي يصف هول البحر (٤) : [الطويل]

إليك ركبنا الفلك تهوي كأنها

وقد ذعرت عن مغرب الشمس غربان

على لجج خضر إذا هبّت الصّبا

ترامى بها فينا ثبير وثهلان

__________________

(١) انظر الذخيرة ص ٢٦٧. وديوان ابن شهيد ص ١٦٨.

(٢) الفود : جانب الرأس مما يلي الأذن. ووخط الشيب ، فشا في الرأس وشابه مع السواد.

(٣) في ج : «هل جسوم من النوى ودعوها».

(٤) انظر الديوان ابن دراج القسطلي ص ٨٧.

٢٣١

مواثل ترعى في ذراها مواثلا

كما عبدت في الجاهلية أوثان

مقاتل موج البحر والهمّ والدّجا

يموج بها فيها عيون وآذان

ألا هل إلى الدنيا معاد وهل لنا

سوى البحر قبر أو سوى الماء أكفان

وقال الرمادي يهنئ ابن العطار الفقيه بمولود : [البسيط]

يهنيك ما زادت الأيام في عددك

من فلذة برزت للسعد من كبدك

كأنما الدهر دهر كان مكتئبا

من انفرادك حتى زاد في عددك

لا خلّفتك الليالي تحت ظلّ ردى

حتى ترى ولدا قد شبّ من ولدك

وقال ابن صارة في النار : [الكامل]

هات التي للأيك أصل ولادها

ولها جبين الشمس في الأشماس

يتقشّع الياقوت في لبّاتها

بوساوس تشفي من الوسواس

أنس الوحيد وصبح عين المجتلي

ولباس من أمسى بغير لباس

حمراء ترفل في السواد كأنما

ضربت بعرق في بني العباس (١)

وقال فيها أيضا : [الخفيف]

لابنة الزّند في الكوانين جمر

كالدراري في الليلة الظلماء

خبروني عنها ولا تكذبوني

ألديها صناعة الكيمياء

سبكت فحمها سبائك تبر

رصّعته بالفضّة البيضاء (٢)

كلّما ولول النسيم عليها

رقصت في غلالة حمراء

سفرت عن جبينها فأرتنا

حاجب الليل طالعا بالعشاء (٣)

لو ترانا من حولها قلت قوم

يتعاطون أكؤس الصّهباء

وقال فيها الفقيه الأديب ابن لبال (٤) : [مخلع البسيط]

فحم ذكا في حشاه جمر

فقلت مسك وجلّنار

__________________

(١) إشارة إلى راية العباسيين السوداء.

(٢) في ه : «رصعتها بالفضة البيضاء».

(٣) في ه : «سفرت في عشائنا فأرتنا». وفي القلائد «سفرت في عشائها فأرتنا».

(٤) في ج : «ابن اللبان».

٢٣٢

أو خدّ من قد هويت لمّا

أطلّ من فوقه العذار

وكان أبو المطرف الزهري جالسا في باب داره مع زائر له ، فخرجت عليهما من زقاق ثان (١) جارية سافرة الوجه كالشمس الطالعة فحين نظرتهما على حين (٢) غفلة منها نفرت خجلة ، فرأى الزائر ما أبهته فكلّفه وصفها ، فقال مرتجلا : [البسيط]

يا ظبية نفرت والقلب مسكنها

خوفا لختلي بل عمدا لتعذيبي (٣)

لا تختشي فابن عبد الحقّ أنحلنا

عدلا يؤلف بين الظبي والذيب

وقال ابن شهيد : [الرمل]

أصباح لاح أم بدر بدا

أم سنا المحبوب أورى زندا

هبّ من نعسته منكسرا

مسبل للكمّ مرخ للرّدا

يمسح النعسة من عيني رشا

صائد في كلّ يوم أسدا (٤)

قلت هب لي يا حبيبي قبلة

تشف من حبّك تبريح الصّدى

فانثنى يهتزّ من منكبه

قائلا لا ثم أعطائي اليدا

كلّما كلّمني قبّلته

فهو ما قال كلاما ردّدا

قال لي يلعب صد لي طائرا

فتراني الدهر أجري بالكدى

وإذا استنجزت يوما وعده

قال لي يمطل ذكّرني غدا

شربت أعضاؤه خمر الصّبا

وسقاه الحسن حتى عربدا (٥)

رشأ بل غادة ممكورة

عمّمت صبحا بليل أسودا

أخجلت من عضّه في نهدها

ثم عضت حرّ وجهي عمدا (٦)

فأنا المجروح من عضّتها

لا شفاني الله منها أبدا

وقال محمد بن هانىء في الشيب (٧) : [الكامل]

__________________

(١) كلمة «ثان» لا توجد في ج.

(٢) كلمة «حين» غير موجودة في ب.

(٣) ختلي : خداعي.

(٤) الرشا : أصلها الرشأ : وهو ولد الغزالة الذي قوي على المشي.

(٥) في ب ، ه : «شربت أغصانه خمر الصبا».

(٦) في ب ، ه : «أححت من عضة في نهدها».

(٧) انظر ديوان ابن هانىء ص ١٩٨.

٢٣٣

بنتم فلو لا أن أغبّر لمّتي

عبثا وألقاكم عليّ غضابا

لخضبت شيبا في مفارق لمّتي

ومحوت محو النّقس عنه شبابا (١)

وخضبت مبيضّ (٢) الحداد عليكم

لو أنني أجد البياض خضابا

وإذا أردت على المشيب وفادة

فاجعل مطيّك دونه الأحقابا

فلتأخذنّ من الزمان حمامة

ولتدفعنّ إلى الزمان غرابا

وكتب ابن عمار إلى ابن رزين وقد عتب عليه أن اجتاز ببلده ولم يلقه : [البسيط]

لم تثن عنك عناني سلوة خطرت

ولا فؤادي ولا سمعي ولا بصري

لكن عدتني عنكم خجلة خطرت

كفاني العذر منها بيت معتذر

(لو اختصرتم من الإحسان زرتكم

والعذب يهجر للأفراط في الخصر)

وقال ابن الجدّ (٣) : [الطويل]

وإني لصبّ للتلاقي وإنما

يصدّ ركابي عن معاهدك العسر

أذوب حياء من زيارة صاحب

إذا لم يساعدني على برّه الوفر

وقال ابن عبد ربه : [البسيط]

يا من عليه حجاب من جلالته

وإن بدا لك يوما غير محجوب

ما أنت وحدك مكسوّا ثياب ضنى

بل كلّنا بك من مضنى ومشحوب

ألقى عليك يدا للضّرّ كاشفة

كشّاف ضرّ نبيّ الله أيوب

وقال النّحلي في مغنّية : [الوافر]

ولاعبة الوشاح كغصن بان

لها أثر بتقطيع القلوب

إذا سوّت طريق العود نقرا

وغنّت في محبّ أو حبيب

فيمناها تقدّ بها فؤادي

ويسراها تعدّ بها ذنوبي (٤)

وقال ابن شهيد : [البسيط]

كلفت بالحبّ حتى لو دنا أجلي

لما وجدت لطعم الموت من ألم

__________________

(١) النقس : الحبر

(٢) انظر الذخيرة ج ٢ ص ١٦٠.

(٣) في ج : «ابن الحداد».

(٤) تقد فؤادي : تقطعه.

٢٣٤

وعاقني كرمي عمّن ولهت به

ويلي من الحبّ أو ويلي من الكرم

وكان صوفيّ بشريش (١) حافظ للشعر ، فلا يعرض في مجلسه معنى إلّا وهو ينشد عليه ، فاتّفق أن عطس رجل بمجلسه ، فشمّته الحاضرون (٢) ، فدعا لهم ، فرأى الصوفي أنه إن شمّته قطع إنشاده بما لا يشاكله من النظم ، وإن لم يشمته كان تقصيرا في البرّ ، فرغب حين أصبح من الطلبة نظم هذا المعنى ، فقال الوزير الحسيب أبو عمرو بن أبي محمد : [السريع]

يا عاطسا يرحمك الله إذ

أعلنت بالحمد على عطستك

ادع لنا ربّك يغفر لنا

وأخلص النّيّة في دعوتك

وقل له يا سيّدي رغبتي

حضور هذا الجمع في حضرتك

وأنت يا ربّ الندى والنوى

بارك ربّ الناس في ليلتك

فإن يكن منكم لنا عودة

فأنت محمود على عودتك

وهذا الوزير المذكور كان يصرّف شعره في أوصاف الغزلان ، ومخاطبات الإخوان ، وكتب إلى الشريشي شارح المقامات يستدعي منه كتاب العقد : [الطويل]

أيا من غدا سلكا لجيد معارفه

ومن لفظه زهر أنيق لقاطفه

محبّك أضحى عاطل الجيد فلتجد

بعقد على لبّاته وسوالفه

ووعك في بعض الأعياد ، فعاده من أعيان الطلبة جملة ، فلمّا همّوا بالانصراف أنشدهم ارتجالا : [الكامل]

لله درّ أفاضل أمجاد

شرف النّديّ بقصدهم والنادي (٣)

لمّا أشاروا بالسلام وأزمعوا

أنشدتهم وصدقت في الإنشاد

في العيد عدتم وهو يوم عروبة

يا فرحتي بثلاثة الأعياد (٤)

قال الشريشي في شرح المقامات : ولقد زرته في مرضه الذي توفي فيه رحمه الله تعالى أنا وثلاثة فتيان من الطلبة ، فسألني عنهم وعن آبائهم ، فلمّا أرادوا الانصراف ناول أحدهم محبرة ، وقال له : اكتب ، وأملى عليه ارتجالا : [الطويل]

__________________

(١) في ب : «وكان بشريش صوفي حافظ ..».

(٢) تشميت العاطس أن تقول له : يرحمك الله ، وهو من السنة.

(٣) في ه : «لله درّ أفاضل أنجاد» وفي الشريش «لله در عصابة أمجاد».

(٤) يوم العروبة : يوم الجمعة في الجاهلية.

٢٣٥

ثلاثة فتيان يؤلّف بينهم

نديّ كريم لا أرى الله بينهم

تشابه خلق منهم وخليقة

فإن قلت أين الحسن فانظره أين هم

وزيّنهم أستاذهم إذ غدا لهم

معلّم آيات فتمم زينهم

فإن خفت من عين ففي الكلّ فلتقل

وقى الله ربّ الناس للكلّ عينهم

وقال الشريشي (١) : حدّثنا شيخنا أبو الحسين بن زرقون ، عن أبيه أبي عبد الله ، أنه قعد مع صهره أبي الحسن عبد الملك بن عيّاش الكاتب على بحر المجاز ، وهو مضطرب الأمواج ، فقال له أبو الحسن : أجز : [الوافر]

وملتطم الغوارب موّجته

بوارح في مناكبها غيوم

فقال أبو عبد الله : [الوافر]

تمنّع لا يعوم به سفين

ولو جذبت به الزّهر النجوم

وكان لابن عبد ربه فتى يهواه ، فأعلمه أنه يسافر غدا ، فلمّا أصبح عاقه المطر عن السفر ، فانجلى عن ابن عبد ربه همّه ، وكتب إليه (٢) : [البسيط]

هلّا ابتكرت لبين أنت مبتكر

هيهات يأبى عليك الله والقدر

ما زلت أبكي حذار البين ملتهبا

حتى رثى لي فيك الريح والمطر

يا برده من حيا مزن على كبد

نيرانها بغليل الشوق تستعر

آليت أن لا أرى شمسا ولا قمرا

حتى أراك فأنت الشمس والقمر (٣)

وقال ابن عبد ربه : [البسيط]

صل من هويت وإن أبدى معاتبة

فأطيب العيش وصل بين إلفين

واقطع حبائل خدن لا تلائمه

فقلّما تسع الدنيا بغيضين (٤)

وقال أبو محمد غانم بن الوليد المالقي : [البسيط]

صيّر فؤادك للمحبوب منزلة

سمّ الخياط مجال للمحبّين

ولا تسامح بغيضا في معاشرة

فقلّما تسع الدنيا بغيضين

وكان المتوكل صاحب بطليوس ينتظر وفود أخيه عليه من شنترين يوم الجمعة ، فأتاه يوم السبت ، فلمّا لقيه عانقه وأنشده : [الوافر]

__________________

(١) انظر الشريشي ج ١ ص ٣٦٥.

(٢) انظر المطمح ص ٥١.

(٣) آليت : أقسمت.

(٤) الخدن : الصديق.

٢٣٦

تخيّرت اليهود السبت عيدا

وقلنا في العروبة يوم عيد (١)

فلمّا أن طلعت السبت فينا

أطلت لسان محتجّ اليهود

وقال أبو بكر بن بقي : [البسيط]

أقمت فيكم على الإقتار والعدم

لو كنت حرّا أبيّ النّفس لم أقم

فلا حديقتكم يجنى لها ثمر

ولا سماؤكم تنهل بالدّيم

أنا امرؤ إن نبت بي أرض أندلس

جئت العراق فقامت بي على قدم (٢)

ما العيش بالعلم إلّا حيلة ضعفت

وحرفة وكلت بالقعدد البرم (٣)

وقال الأبيض في الفقهاء المرائين : [الكامل]

أهل الرّياء لبستم ناموسكم

كالذئب يدلج في الظلام العاتم (٤)

فملكتم الدنيا بمذهب مالك

وقسمتم الأموال بابن القاسم

وركبتم شهب البغال بأشهب

وبأصبغ صبغت لكم في العالم

وقال (٥) : [الكامل]

قل للإمام سنا الأئمة مالك

نور العيون ونزهة الأسماع

لله درّك من همام ماجد

قد كنت راعينا فنعم الراعي

فمضيت محمود النقيبة طاهرا

وتركتنا قنصا لشرّ سباع

أكلوا بك الدنيا وأنت بمعزل

طاوي الحشا متكفّت الأضلاع

تشكوك دنيا لم تزل بك برّة

ما ذا رفعت بها من الأوضاع

وقال ابن صارة : [البسيط]

يا من يعذّبني لمّا تملّكني

ما ذا تريد بتعذيبي وإضراري

تروق حسنا وفيك الموت أجمعه

كالصقل في السيف أو كالنور في النار

وقال عبدون البلنسي (٦) : [البسيط]

__________________

(١) العروبة : اسم يوم الجمعة في الجاهلية.

(٢) في ب ، ه : «فقامت لي على قدم».

(٣) القعدد : أراد القاعد عن المكارم.

(٤) في ج : «كالذئب يذبح في الظلام» وفي زاد المسافر «كالذئب يختل».

(٥) انظر زاد المسافر ص ٧١.

(٦) هو أبو محمد عبد الله بن يحيى الحضرمي المعروف بعبدون من أهل دانية وسكن بلنسية ، وتوفي سنة ٥٧٨. انظر ترجمته في التحفة ص ٦٨.

٢٣٧

يا من محيّاه جنّات مفتّحة

وهجره لي ذنب غير مغفور

لقد تناقضت في خلق وفي خلق

تناقض النار بالتدخين والنّور

وقال الوزير ابن الحكيم : [الكامل]

رسخت أصول علاكم تحت الثرى

ولكم على خطّ المجرّة دار

إنّ المكارم صورة معلومة

أنتم لها الأسماع والأبصار

تبدو شموس الدّجن من أطواقكم

وتفيض من بين البنان بحار

ذلّت لكم نسم الخلائق مثل ما

ذلّت لشعري فيكم الأشعار

فمتى مدحت ولا مدحت سواكم

فمديحكم في مدحه إضمار

وقال القاضي أبو جعفر بن برطال (١) : [الكامل]

أستودع الرحمن من لوداعهم

قلبي وروحي آذنا بوداع

بانوا وطرفي والفؤاد ومقولي

باك ومسلوب العزاء وداع

فتولّ يا مولاي حفظهم ولا

تجعل تفرّقنا فراق وداع

وقال ابن خفاجة (٢) : [الطويل]

وما هاجني إلّا تألّق بارق

لبست به برد الدّجنّة معلما (٣)

وهي طويلة :

وقال من أخرى : [الكامل]

جمعت ذوائبه ونور جبينه

بين الدّجنّة والصباح المشرق

وقال ذو الوزارتين أبو الوليد ابن الحضرمي البطليوسي في غلام للمتوكل ابن الأفطس يرثيه(٤): [المجتث]

غالته أيدي المنايا

وكنّ في مقلتيه

وكان يسقي الندامى

بطرفه ويديه

__________________

(١) هو أحمد بن محمد بن علي الأموي المعروف بابن برطال ، قاضي غرناطة ، توفي سنة ٧٥٠ ه‍. انظر ترجمته في الإحاطة ج ١ ص ١٧٧.

(٢) انظر ديوان ابن خفاجة ص ١٧٣.

(٣) الدجنّة : الظلمة.

(٤) انظر المغرب ج ٢ ص ٣٦٥.

٢٣٨

غصن ذوى وهلال

جار الكسوف عليه

وقال الفقيه العالم أبو أيوب سليمان بن محمد بن بطال البطليوسي عالمها في المذهب المالكي ، وقد تحاكم إليه وسيمان أشقر وأكحل فيمن يفضل بينهما : [البسيط]

وشادنين ألمّا بي على مقة

تنازعا الحسن في غايات مستبق

كأنّ لمّة ذا من نرجس خلقت

على بهار وذا مسك على ورق

وحكّما الصّبّ في التفضيل بينهما

ولم يخافا عليه رشوة الحدق

فقام يبدي هلال الدّجن حجّته

مبيّنا بلسان منه منطلق

فقال وجهي بدر يستضاء به

ولون شعري مقطوع من الغسق (١)

وكحل عينيّ سحر للنّهى وكذا

ك الحسن أحسن ما يعزى إلى الحدق

وقال صاحبه أحسنت وصفك ل

كن فاستمع لمقال فيّ متّفق

أنا على أفقي شمس النهار ولم

تغرب وشقرة شعري شقرة الشّفق

وفضل ما عيب في العينين من زرق

أنّ الأسنّة قد تعزى إلى الزّرق

قضيت للّمّة الشقراء حيث حكت

نورا كذا حبّها يقضي على رمقي

فقام ذو اللّمّة السوداء يرشقني

سهام أجفانه من شدّة الحنق

وقال جرت فقلت الجور منك على

قلبي ولي شاهد من دمعي الغدق

وقلت عفوك إذ أصبحت بينهما

فقال دونك هذا الحبل فاختنق

وكان فيه ظرف وأدب ، وعنوان طبقته هذه الأبيات.

وقال : [الطويل]

وغاب من الأكواس فيها ضراغم

من الراح ألباب الرجال فريسها

قرعت بها سنّ الحلوم فأقطعت

وقد كاد يسطو بالفؤاد رسيسها

وله رحمه الله تعالى «شرح البخاري» وأكثر ابن حجر من النقل عنه في «فتح الباري» وله كتاب «الأحكام» وغير ذلك ، وترجمته شهيرة.

__________________

(١) الغسق : ظلمة آخر الليل.

٢٣٩

وقال الأديب النحوي المؤرخ أبو إسحاق إبراهيم بن الأعلم (١) البطليوسي صاحب التآليف (٢) التي بلغت نحو خمسين : [المجتث]

يا حمص ، لا زلت دارا

لكلّ بؤس وساحه

ما فيك موضع راحه

إلّا وما فيه راحه (٣)

وهو شيخ أبي الحسن بن سعيد صاحب «المغرب» وأنشده هذين البيتين لما ضجر من الإقامة بإشبيلية أيام فتنة الباجي.

وقال الأديب الطبيب أبو الأصبغ عبد العزيز البطليوسي الملقب بالقلندر (٤) : [المتقارب]

جرت منّي الخمر مجرى دمي

فجلّ حياتي من سكرها

ومهما دجت ظلم للهموم

فتمزيقها بسنا بدرها (٥)

وخرج يوما وهو سكران ، فلقي قاضيا في نهاية من قبح الصورة ، فقال : سكران خذوه ، فلما أخذه الشرطة (٦) قال للقاضي : بحقّ (٧) من ولّاك على المسلمين بهذا الوجه القبيح عليك إلّا ما أفضلت عليّ وتركتني ، فقال القاضي : والله لقد ذكرتني بفضل عظيم ، ودرأ عنه الحدّ.

وقال ابن جاخ الصباغ البطليوسي (٨) ، وهو من أعاجيب الدنيا ، لا يقرأ ولا يكتب : [المتقارب]

ولمّا وقفنا غداة النّوى

وقد أسقط البين ما في يدي

__________________

(١) في ب : «ابن قاسم الأعلم» وهو إبراهيم بن قاسم البطليوسي النحوي ، ويعرف بالأعلم ، وليس بالأعلم المشهور توفي سنة اثنتين ـ وقيل ست ـ وأربعين وستمائة. وله مؤلفات كثيرة وشعر. انظر بغية الوعاة ١ / ٤٢٢.

(٢) في ب : «صاحب التواليف».

(٣) الراحة في الشطر الأول : راحة اليد. وفي الشطر الثاني : الارتياح.

(٤) انظر المغرب ١ / ٣٦٩.

(٥) دجت : أظلمت. والسنا : الضوء.

(٦) في ب : «الشرط».

(٧) في ب : «بفضل».

(٨) انظر ترجمته في الجذوة ٣٨١.

٢٤٠