نفح الطّيب - ج ٤

الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني

نفح الطّيب - ج ٤

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني


المحقق: يوسف الشيخ محمّد البقاعي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٠

وأما التآليف (١) المقصّرة عن مراتب غيرها فلم نلتفت إلى ذكرها ، وهي عندنا من تأليف أهل بلدنا أكثر من أن نحيط بعلمها.

وأما علم الكلام فإن بلادنا وإن كانت لم تتجاذب فيها الخصوم ، ولا اختلفت فيها النحل ، فقلّ لذلك تصرّفهم في هذا الباب ، فهي على كل حال غير عريّة عنه ، وقد كان فيهم قوم يذهبون إلى الاعتزال ، نظار على أصوله ، ولهم فيه تآليف : منهم خليل بن إسحاق ، ويحيى بن السمينة ، والحاجب موسى بن حدير وأخوه الوزير صاحب المظالم أحمد ، وكان داعية إلى الاعتزال لا يستتر بذلك. ولنا على مذهبنا الذي تخيّرناه من مذاهب أصحاب الحديث (٢) كتاب في هذا المعنى ، وهو وإن كان صغير الجرم قليل عدد الورق يزيد على المائتين زيادة يسيرة فعظيم الفائدة لأنّا أسقطنا فيه المشاغب كلّها ، وأضربنا عن التطويل جملة ، واقتصرنا على البراهين المنتخبة من المقدّمات الصحاح الراجعة إلى شهادة الحسّ وبديهة العقل لها بالصحة. ولنا فيما تحقّقنا به تآليف جمّة (٣) ، منها ما قد تمّ ، ومنها ما شارف التمام ، ومنها ما قد مضى منه صدر ويعين الله تعالى على باقيه ، لم نقصد به قصد مباهاة فنذكرها ، ولا أردنا السمعة فنسمّيها ، والمراد بها ربّنا جلّ وجهه ، وهو ولي العون فيها ، والمليّ بالمجازاة عليها ، وما كان لله تعالى فسيبدو ، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

وبلدنا هذا ـ على بعده من ينبوع العلم ، ونأيه من محلّة العلماء ـ فقد ذكرنا من تآليف أهله ما إن طلب مثلها بفارس والأهواز وديار مضر وديار ربيعة واليمن والشام أعوز وجود ذلك على قرب المسافة في هذه البلاد من العراق التي هي دار هجرة الفهم وذويه ومراد المعارف وأربابها.

ونحن إذا ذكرنا أبا الأجرب جعونة بن الصمّة الكلابي (٤) في الشعر لم نباه به إلّا جريرا والفرزدق ، لكونه في عصرهما ، ولو أنصف لاستشهد بشعره ، فهو جار على مذهب الأوائل ، لا على طريقة المحدثين ، وإذا سمّينا بقي بن مخلد لم نسابق به إلّا محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج النيسابوري وسليمان بن الأشعث السجستاني وأحمد بن شعيب النسائي. وإذا ذكرنا قاسم بن محمد لم نباه به إلّا القفّال ومحمد بن عقيل الفريابي ، وهو

__________________

(١) في ب : «التواليف».

(٢) في ه : «من مذاهب أهل الحديث».

(٣) في ه : «تآليف جملة».

(٤) انظر ترجمته في الجذوة : ١٧٧ والمغرب ١ : ١٣١.

٢١

شريكهما في صحبة المزني أبي (١) إبراهيم والتتلمذ له (٢) ، وإذا نعتنا عبد الله بن قاسم بن هلال ومنذر بن سعيد لم نجار بهما إلا أبا الحسن بن المفلس والخلال والديباجي ورويم بن أحمد. وقد شاركهم عبد الله في أبي سليمان وصحبته ، وإذا أشرنا إلى محمد بن عمر بن لبابة وعمّه محمد بن عيسى وفضل بن سلمة لم نناطح بهم إلّا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ومحمد بن سحنون ومحمد بن عبدوس ، وإذا صرحنا بذكر محمد بن يحيى الرياحي (٣) وأبي عبد الله محمد بن عاصم لم يقصّرا عن أكابر أصحاب محمد بن يزيد المبرد.

ولو لم يكن لنا من فحول الشعراء إلّا أحمد بن محمد بن دراج القسطلّي لما تأخّر عن شأو بشار بن برد وحبيب (٤) والمتنبي ، فكيف ولنا معه جعفر بن عثمان الحاجب ، وأحمد بن عبد الملك بن مروان ، وأغلب بن شعيب ، ومحمد بن شخيص ، وأحمد بن فرج ، وعبد الملك بن سعيد المرادي ، وكلّ هؤلاء فحل يهاب جانبه ، وحصان ممسوح الغرّة.

ولنا من البلغاء أحمد بن عبد الملك بن شهيد صديقنا وصاحبنا ، وهو حيّ بعد لم يبلغ سنّ الاكتهال ، وله من التصرّف في وجوه البلاغة وشعابها مقدار يكاد ينطق فيه بلسان مركب من لساني عمرو وسهل (٥) ومحمد بن عبد الله بن مسرة في طريقه التي سلك فيها ، وإن كنّا لا نرضى مذهبه ، في جماعة يكثر تعدادهم.

وقد انتهى ما اقتضاه خطاب الكاتب رحمه الله تعالى من البيان ، ولم نتزيد فيما رغب فيه إلّا ما دعت الضرورة إلى ذكره لتعلّقه بجوابه ، والحمد لله الموفق لعلمه ، والهادي إلى الشريعة المزلفة منه والموصلة ، وصلّى الله على محمد عبده ورسوله وعلى آله وصحبه وسلّم ، وشرّف وكرّم ، انتهت الرسالة.

وكتب الحافظ ابن حجر على هامش قوله فيها «وإنما سكن على الكوفة خمسة أعوام وأشهرا» ما نصّه : صوابه أربعة أعوام ، انتهى.

وقال ابن سعيد ، بعد ذكره هذه الرسالة ما صورته : رأيت أن أذيّل ما ذكره الوزير الحافظ أبو محمد بن حزم من مفاخر أهل الأندلس بما حضرني والله تعالى ولي الإعانة.

__________________

(١) في ج «المزني بن إبراهيم».

(٢) في ب ، ه : «والتلمذة له».

(٣) في ب : «الرباحي».

(٤) هو أبو تمام الطائي.

(٥) أراد عمرو بن بحر الجاحظ وسهل بن هارون.

٢٢

أما القرآن فمن أجلّ ما صنّف في تفسيره كتاب «الهداية ، إلى بلوغ النهاية» في نحو عشرة أسفار ، صنّفه الإمام العالم الزاهد أبو محمد مكي بن أبي طالب القرطبي (١) ، وله كتاب «تفسير إعراب القرآن» ، وعدّ ابن غالب في كتاب «فرحة الأنفس» تآليف مكّي المذكور ، فبلغ بها ٧٧ تأليفا ، وكانت وفاته سنة ٤٣٧ ، ولأبي محمد بن عطية الغرناطي في تفسير القرآن الكتاب الكبير الذي اشتهر وطار في الغرب والشرق ، وصاحبه من فضلاء المائة السادسة.

وأما القراءات فلمكي المذكور فيها كتاب «التبصرة» وكتاب «التيسير» لأبي عمرو الداني مشهور في أيدي الناس.

وأما الحديث فكان بعصرنا في المائة السابعة الإمام أبو الحسن علي بن القطان القرطبي الساكن بحضرة مراكش ، وله في تفسير غريبه (٢) وفي رجاله مصنّفات ، وإليه كانت النهاية والإشارة في عصرنا ، وسمعت أنه كان اشتغل بجمع أمهات كتب الحديث المشهورة ، وحذف المكرّر ، وكتاب رزين بن عمار الأندلسي في جمع ما يتضمّنه كتاب مسلم والبخاري والموطأ والسنن والنسائي والترمذي كتاب جليل مشهور في أيدي الناس بالمشرق والمغرب ، وكتاب الأحكام» لأبي محمد عبد الحق الإشبيلي مشهور متداول القراءة ، وهي أحكام كبرى ، وأحكام صغرى ، قيل : ووسطى ، وكتاب «الجمع بين الصحيحين» للحميدي مشهور.

وأما الفقه فالكتاب المعتمد عليه الآن الذي ينطلق عليه اسم الكتاب عند المالكية حتى بالإسكندرية فكتاب «التهذيب» للبراذعي السرقسطي ، وكتاب «النهاية» لأبي الوليد بن رشد ، كتاب جليل معظم معتمد عليه عند المالكية ، وكذلك كتاب «المنتقى» للباجي.

وأما أصول الدين وأصول الفقه فللإمام أبي بكر بن العربي الإشبيلي من ذلك ما منه كتاب «العواصم والقواصم» المشهور بأيدي الناس ، وله تصانيف (٣) غير هذا ، ولأبي الوليد بن رشد في أصول الفقه ما منه «مختصر المستصفى».

وأما التواريخ فكتاب ابن حيان الكبير المعروف «بالمتين» في نحو ستين مجلّدة وإنما ذكر ابن حزم كتاب «المقتبس» وهو في عشر مجلّدات ، والمتين يذكر فيه أخبار عصره ، ويمعن فيها ممّا شاهده ، ومنه ينقل صاحب الذخيرة ، وقد ذيل عليه أبو الحجاج البيّاسي أحد معاصرينا ،

__________________

(١) انظر غاية النهاية في طبقات القراء ج ٢ ص ٣٠٧.

(٢) في ب ، ه : «غرائبه».

(٣) في ب ، ه : «وله تآليف في غير هذا».

٢٣

وهو الآن بإفريقية في حضرتها تونس عند سلطانها تحت إحسانه الغمر ، وكتاب المظفر بن الأفطس ملك بطليوس المعروف «بالمظفري» نحو كتاب «المتين» في الكبر ، وفيه تاريخ على السنين ، وفنون آداب كثيرة ، وتاريخ ابن صاحب الصلاة في الدولة اللمتونية ، وذكر ابن غالب أن ابن الصيرفي الغرناطي له كتاب في أخبار دولة لمتونة ، وأن أبا الحسن السالمي له كتاب «في أخبار الفتنة الثانية بالأندلس» ، بدأ من سنة ٥٣٩ ، ورتّبه على السنين وبلغ به سنة ٥٤٧ ، وأبو القاسم خلف بن بشكوال له كتاب في «تاريخ أصحاب الأندلس» من فتحها إلى زمانه ، وأضاف إلى ذلك من أخبار قرطبة وغيرها ما جاء في خاطره (١) ، وله كتاب «الصلة» في تاريخ العلماء ، وللحميدي قبله «جذوة المقتبس» وقد ذيّل كتاب الصلة في عصرنا هذا أبو عبد الله بن الأبّار البلنسي صاحب كتاب سلطان إفريقية (٢). وذكر ابن غالب أنّ الفقيه أبا جعفر بن عبد الحق الخزرجي القرطبي له كتاب كبير بدأ فيه من بدء الخليقة إلى أن انتهى في أخبار الأندلس إلى دولة عبد المؤمن ، قال : وفارقته سنة ٥٦٥ ، وأبو محمد بن حزم صاحب الرسالة المتقدّمة الذكر له كتب جمّة في التواريخ ، مثل كتاب «نقط العروس ، في تواريخ الخلفاء» وقد صنّف أبو الوليد بن زيدون كتاب «التبيين في خلفاء بني أمية بالأندلس» على منزع كتاب «التعيين في خلفاء المشرق» للمسعودي. وللقاضي أبي القاسم صاعد بن أحمد الطليطلي كتاب «التعريف ، بأخبار علماء الأمم من العرب والعجم» وكتاب «جامع أخبار الأمم». وأبو عمر بن عبد البر له كتاب «القصد والأمم ، في معرفة أخبار العرب والعجم». وعريب بن سعد القرطبي (٣) له كتاب «اختصار تاريخ الطبري» قد سعد باغتباط الناس به ، وأضاف إليه تاريخ إفريقية والأندلس ، ولأحمد بن سعيد بن محمد بن عبد الله بن الفياض كتاب «العبر» وكتاب أبي بكر الحسين بن محمد الزبيدي (٤) في أخبار النحويين واللغويين بالمشرق والأندلس» ، وكتاب القاضي أبي الوليد بن الفرضي في «أخبار العلماء والشعراء» وما يتعلّق بذلك ، وليحيى بن حكم الغزال تاريخ ألّفه كلّه منظوما ، كما صنع أيضا بعده أبو طالب المتنبي من جزيرة شقر في التاريخ الذي أورد منه صاحب الذخيرة ما أورد (٥) ، وكتاب «الذخيرة» لابن بسام في جزيرة الأندلس ليس هذا مكان الإطناب في تفصيلها (٦) وهي كالذيل على حدائق ابن فرج ، وفي عصرها صنّف الفتح كتاب «القلائد» وهو مملوء بلاغة ، والمحاكمة بين الكتابين ذكرت بمكان آخر ، ولصاحب القلائد كتاب «المطمح» وهو ثلاث نسخ : كبرى ، ووسطى ، وصغرى ، يذكر فيها من الذين

__________________

(١) كذا في أ، ب. وفي ه : «ما جاء لخاطره».

(٢) في ب ، ه «كاتب سلطان إفريقية».

(٣) في ج «عريب بن سعيد».

(٤) في ب : «الحسن بن محمد الزبيدي».

(٥) راجع الذخيرة ١ / ٢ : ٤٠٥.

(٦) في أ«تفضيلها».

٢٤

ذكرهم في القلائد ومن غيرهم الذين كانوا قبل عصرهم ، وكتاب «سمط الجمان ، وسقط المرجان»(١) لأبي عمرو بن الإمام بعد الكتابين المذكورين ، ذكر من أخلّا بتوفيته حقّه من الفضلاء ، واستدرك من أدركه بعصره في بقية المائة السادسة ، وذيّل عليه ـ وإن كان ذيلا قصيرا ـ أبو بحر صفوان بن إدريس المرسي بكتاب «زاد المسافر» ذكر فيه جماعة ممّن أدرك المائة السابعة ، وكتاب أبي محمد عبد الله بن إبراهيم الحجاري المسمى ب «المسهب ، في فضائل المغرب» صنّفه بعد «الذخيرة» و «القلائد» من أوّل ما عمرت الأندلس إلى عصره ، وخرج فيه عن مقصد الكتابين إلى ذكر البلاد وخواصّها ممّا يختصّ بعلم الجغرافيا ، وخلطه بالتاريخ وتفنّن الأدب على ما هو مذكور في غير هذا المكان ، ولم يصنّف في الأندلس مثل كتابه ، ولذلك فضّله المصنّف له عبد الملك بن سعيد ، وذيّل عليه ، ثم ذيّل على ذلك ابناه أحمد ومحمد ثم موسى بن محمد ثم علي بن موسى كاتب هذه النسخة ومكمّل كتاب «فلك الأدب (٢) ، المحيط بحلى لسان العرب» المحتوي على كتابي «المشرق ، في حلى المشرق» و «المغرب ، في حلى المغرب» ؛ فيكفي الأندلس في هذا الشأن تصنيف هذا الكتاب بين ستة أشخاص في ١١٥ سنة آخرها سنة ٦٤٥ ، وقد احتوى على جميع ما يذاكر به ويحاضر بحلاه من فنون الأدب المختارة على جهد الطاقة في شرق وغرب على النوع الذي هو مذكور في غير هذا الموضع ، ومن أغفلت التنبيه على عصره ، وغير ذلك من المصنّفين المتقدّمي الذكر ، فيطلب الملتمس منهم في مكانه المنسوب إليه كابن بسام في شنترين ، والفتح في إشبيلية ، وابن الإمام في إستجة ، والحجاري في وادي الحجارة.

وأمّا ما جاء منثورا من فنون الأدب فكتاب «سراج الأدب» لأبي عبد الله بن أبي الخصال الشقوري رئيس كتّاب الأندلس ، صنّفه على منزع كتاب «النوادر» لأبي علي ، و «زهر الآداب» للحصري ، وكتاب «واجب الأدب» لوالدي موسى بن محمد بن سعيد ، واسمه يغني عن المراد به ، وكتاب «اللآلئ» لأبي عبيد البكري على كتاب «الأمالي» لأبي على البغدادي مفيد في الأدب ، وكذلك كتاب «الاقتضاب ، في شرح أدب الكتّاب» لأبي محمد بن السيّد البطليوسي ، وأما شرح «سقط الزند» له فهو الغاية ، ويكفي ذكره عند أرباب هذا الشأن وثناؤهم عليه ، وشروح أبي الحجّاج الأعلم لشعر المتنبي والحماسة وغير ذلك مشهورة.

وأما (٣) «كتب» النحو فلأهل الأندلس من الشروح على «الجمل» ما يطول ذكره ، فمنها

__________________

(١) في ه : «سمط الجمان ، وسقيط المرجان» وعن هذا الكتاب ينقل ابن سعيد في المغرب.

(٢) كذا في أ، ب ، ج. وفي ه : «فلك الأرب».

(٣) في ب : «وأما النحو».

٢٥

شرح ابن خروف ، ومنها شرح الرّندي ، ومنها شرح شيخنا أبي الحسن بن عصفور الإشبيلي ، وإليه انتهت علوم النحو ، وعليه الإحالة الآن من المشرق والمغرب ، وقد أتيت له من إفريقية بكتاب «المقرب» في النحو فتلقّي باليمين من كل جهة ، وطار بجناح الاغتباط ، ولشيخنا أبي علي الشلوبين كتاب «التوطئة» على الجزولية وهو مشهور ، ولابن السيّد وابن الطراوة والسّهيلي من التقييدات في النحو ما هو مشهور عند أصحاب هذا الشأن معتمد عليه ، ولأبي الحسن بن خروف شرح مشهور على كتاب سيبويه.

وأما (١) علم الجغرافيا فيكفي في ذلك كتاب «المسالك والممالك» لأبي عبيد البكري الأونبي وكتاب «معجم ما استعجم من البقاع والأماكن» ، وفي كتاب «المسهب» للحجاري في هذا الشأن وتذييلنا عليه في هذا الكتاب الجامع ما جمع زبد الأولين والآخرين في ذلك.

وأما «كتب علم» (٢) الموسيقى فكتاب أبي بكر بن باجة الغرناطي في ذلك فيه كفاية وهو في المغرب بمنزلة أبي نصر الفارابي بالمشرق ، وإليه تنسب الألحان المطربة بالأندلس التي عليها الاعتماد ، وليحيى الخدجّ (٣) المرسي كتاب «الأغاني الأندلسية» على منزع «الأغاني» لأبي الفرج ، وهو ممّن أدرك المائة السابعة.

وأما «كتب» (٤) الطب فالمشهور بأيدي الناس الآن في المغرب ، وقد سار أيضا في المشرق لنبله ، كتاب «التيسير» لعبد الملك بن أبي العلاء بن زهر ، وله كتاب «الأغذية» أيضا مشهور مغتبط به في المغرب والمشرق ، ولأبي العباس بن الرومية الإشبيلي من علماء عصرنا بهذا الشأن كتاب في الأدوية المفردة ، وقد جمع أبو محمد المالقي الساكن الآن بقاهرة مصر كتابا في هذا الشأن حشر عليه ما سمع به فقدر عليه من تصانيف الأدوية المفردة ككتاب الغافقي وكتاب الزهراوي وكتاب الشريف الإدريسي الصقلي وغيرها وضبطه على حروف المعجم ، وهو النهاية في مقصده.

وأما «كتب» (٥) الفلسفة فإمامها في عصرنا أبو الوليد بن رشد القرطبي ، وله فيها تصانيف جحدها لمّا رأى انحراف منصور بني عبد المؤمن عن هذا العلم ، وسجنه بسببها ، وكذلك ابن

__________________

(١) في ب : «وأما علم الجغرافية».

(٢) في ب : «وأما الموسيقى».

(٣) كذا في الأصول ، وقد ضبطه الرعيني في برنامجه فقال «الخذوج». وهو يحيى بن إبراهيم الأصبحي الحكيم.

(٤) في ب : «وأما الطب».

(٥) «وأما الفلسفة».

٢٦

حبيب الذي قتله المأمون بن المنصور المذكور على هذا العلم بإشبيلية ، وهو علم ممقوت بالأندلس لا يستطيع صاحبه إظهاره ، فلذلك تخفى تصانيفه.

وأما «كتب» (١) التنجيم فلابن زيد الأسقف القرطبي فيه تصانيف ، وكان مختصّا بالمستنصر بن الناصر المرواني ، وله ألّف كتاب «تفصيل الأزمان ، ومصالح الأبدان» وفيه من ذكر منازل القمر ، وما يتعلّق بذلك ما يستحسن مقصده وتقريبه ، وكان مطرف الإشبيلي في عصرنا قد اشتغل بالتصنيف في هذا الشأن ، إلّا أنّ أهل بلده كانوا ينسبونه إلى الزندقة (٢) بسبب اعتكافه على هذا الشأن فكان لا يظهر شيئا مما يصنّف.

ثم قال ابن سعيد : أخبرني والدي قال : كنت يوما في مجلس صاحب سبتة أبي يحيى بن أبي زكريا صهر ناصر بني عبد المؤمن ، فجرى بين أبي الوليد الشّقندي وبين أبي يحيى بن المعلم الطنجي نزاع في التفضيل بين البرّين ، فقال الشقندي : لو لا الأندلس لم يذكر برّ العدوة ، ولا سارت عنه فضيلة ، ولو لا التوقير للمجلس لقلت ما تعلم ، فقال الأمير أبو يحيى : أتريد أن تقول كون أهل برّنا عربا وأهل برّكم بربر؟ فقال : حاش لله! فقال الأمير : والله ما أردت غير هذا ، فظهر في وجهه أنه أراد ذلك ، فقال ابن المعلم : أتقول هذا وما الملك والفضل إلّا من برّ العدوة ، فقال الأمير : الرأي عندي أن يعمل كل واحد منكما رسالة في تفضيل برّه ، فالكلام هنا يطول ويمرّ ضياعا ، وأرجو إذا أخليتما له فكر كما يصدر عنكما ما يحسن تخليده ، ففعلا ذلك.

فكانت رسالة الشقندي ، الحمد لله الذي جعل لمن يفخر بالأندلس (٣) أن يتكلّم ملء فيه ، ويطنب ما شاء فلا يجد من يعترض عليه ولا من يثنيه ، إذ لا يقال للنهار : يا مظلم ، ولا لوجه النعيم : يا قبيح : [البسيط]

وقد وجدت مكان القول ذا سعة

فإن وجدت لسانا قائلا فقل

أحمده على أن جعلني ممّن أنشأته ، وحباني بأن كنت ممّن أظهرته ، فامتدّ في الفخر باعي ، وأعانني على الفضل (٤) كرم طباعي ، وأصلّي على سيّدنا محمد نبيّه الكريم ، وعلى آله وصحبه الأكرمين (٥) ، وأسلّم تسليما.

__________________

(١) «وأما التنجيم».

(٢) في ب ، ه : «ينسبونه للزندقة».

(٣) في ب ، ه : «يفخر بجزيرة الأندلس».

(٤) في ب : «على الفضائل».

(٥) كذا في أ، ب ، ج. وفي ه «وعلى آله وصحبه الطاهرين».

٢٧

أمّا بعد ؛ فإنه حرّك منّي ساكنا ، وملأ مني فارغا ، فخرجت عن سجيتي في الإغضاء ، مكرها إلى الحميّة والإباء ، منازع (١) في فضل الأندلس أراد أن يخرق الإجماع ، ويأتي بما لم تقبله (٢) النواظر والأسماع ، إذ من رأى ومن سمع لا يجوز عنده ذلك ، ولا يضلّه من تاه في تلك المسالك ، رام أن يفضل برّ العدوة على برّ الأندلس فرام أن يفضل على اليمين اليسار ، ويقول: الليل أضوأ من النهار ، فيا عجبا كيف قابل العوالي بالزّجاج (٣) ، وصادم الصّفاة بالزّجاج ، فيا من نفخ في غير ضرم ، ورام صيد البزاة بالرخم ، وكيف تتكثر بما جعله الله قليلا ، وتتعزّز بما حكم الله أن يكون ذليلا؟ ما هذه المباهتة التي لا تجوز؟ وكيف تبدي أمام الفتاة العجوز؟ سل العيون إلى وجه من تميل؟ واستخبر الأسماع إلى حديث من تصغي (٤)؟ : [الطويل]

لشتّان ما بين اليزيدين في الندى

يزيد سليم والأغرّ بن حاتم

اقن حياءك أيها المغرّد بالنحيب (٥) ، المتزيّن بالخلف المتحبّب إلى الغواني بالمشيب الخضيب ، أين عزب عقلك؟ وكيف نكص (٦) على عقبه فهمك ولبّك؟ أبلغت العصبية من قلبك ، أن تطمس على نوري بصرك ولبّك؟ أما قولك «الملوك منّا» فقد كان الملوك منّا أيضا ، وما نحن إلّا كما قال الشاعر : [المتقارب]

فيوم علينا ويوم لنا

ويوم نساء ويوم نسرّ

إن كان الآن كرسيّ جميع بلاد المغرب عندكم بخلافة بني عبد المؤمن ـ أدامها الله تعالى! ـ فقد كان عندنا بخلافة القرشيين الذين يقول فيهم (٧) مشرقيهم : [الطويل]

وإنّي من قوم كرام أعزّة

لأقدامهم صيغت رؤوس المنابر

خلائف في الإسلام في الشّرك قادة

بهم وإليهم فخر كلّ مفاخر

ويقول مغربيهم :

ألسنا بني مروان كيف تبدّلت

بنا الحال أو دارت علينا الدوائر

__________________

(١) «منازع» بالرفع لأنه فاعل حرك في قوله : «حرك مني ساكنا».

(٢) في ب ، ه : «لا تقبله».

(٣) العوالي : جمع عالية ، وهي أعلى القناة من الرمح. والزجاج : جمع زج ، وهو الحديدة التي في أسفل الرمح.

(٤) البيت لربيعة بن ثابت الرقي يهجو يزيد السلمي ويفضل يزيد الأزدي. انظر الأغاني ج ١٦ ص ١٨٩.

(٥) في ه : «أيها المفرد بالنحيب».

(٦) نكص : رجع إلى خلف ، وأحجم عن الأمر.

(٧) «فيهم» ساقطة من ب.

٢٨

إذا ولد المولود منّا تهلّلت

له الأرض واهتزّت إليه المنابر

وقد نشأ في مدّتهم من الفضلاء والشعراء ما اشتهر في الآفاق ، وصار أثبت في صحائف (١) الأيام ، من الأطواق في أعناق الحمام : [الطويل]

وسار مسير الشمس في كلّ بلدة

وهبّ هبوب الريح في البرّ والبحر

ولم تزل ملوكهم في الاتساق كما قيل : [البسيط]

إنّ الخلافة فيكم لم تزل نسقا

كالعقد منظومة فيه فرائده (٢)

إلى أن حكم الله بنثر سلكهم (٣) ، وذهاب ملكهم ، فذهبوا وذهبت أخبارهم ، ودرسوا ودرست آثارهم : [البسيط]

جمال ذي الأرض كانوا في الحياة وهم

بعد الممات جمال الكتب والسّير

فكم مكرمة أنالوها ، وكم عثرة أقالوها : [الرجز]

وإنّما المرء حديث بعده

فكن حديثا حسنا لمن وعى

وكان من حسنات ملكهم المنصور بن أبي عامر ، وما أدراك الذي بلغ في بلاد النصارى غازيا إلى البحر الأخضر ، ولم يترك أسيرا في بلادهم من المسلمين ، ولم يبرح في جيش الهرقل وعزمة الإسكندر ، ولمّا قضى نحبه (٤) كتب على قبره : [الكامل]

آثاره تنبيك عن أوصافه

حتى كأنّك بالعيان تراه

تالله لا يأتي الزمان بمثله

أبدا ولا يحمي الثغور سواه

وقد قيل فيه من الأمداح ، وألّف له من الكتب ، ما سمعت وعلمت ، حتى قصد من بغداد ، وعمّ خيره وشرّه أقاصي البلاد ، ولمّا ثار بعد انتثار (٥) هذا النظام ملوك الطوائف وتفرّقوا في البلاد ، وكان (٦) في تفرّقهم اجتماع على النعم لفضلاء العباد ، إذ نفّقوا سوق العلوم ، وتباروا في المثوبة على المنثور والمنظوم ، فما كان أعظم مباهاتهم إلّا قول : العالم الفلاني عند

__________________

(١) في ه : «أثبت إلى صحائف الأيام».

(٢) فرائده : جمع فريدة ، وهي الحب من فضة وغيرها يفصل بين حبات الذهب واللؤلؤ في العقد. وكذلك الفريدة : الجوهرة النفيسة.

(٣) نثر سلكهم : تفرق شملهم.

(٤) قضى نحبه : مات.

(٥) في ج : «بعد انتشار» وهو تصحيف.

(٦) في ب : «كان في ...» بإسقاط الواو.

٢٩

الملك الفلاني ، والشاعر الفلاني مختصّ بالملك الفلاني ، وليس منهم إلّا من بذل وسعه في المكارم ، ونبهت الأمداح من مآثره ما ليس طول الدهر بنائم ، وقد سمعت ما كان من الفتيان العامريّة مجاهد ومنذر وخيران ، وسمعت عن الملوك العربية : بنو عباد وبنو صمادح وبنو الأفطس وبنو ذي النون وبنو هود ، كلّ منهم قد خلّد فيه من الأمداح ، ما لو مدح به الليل لصار أضوأ من الصباح ، ولم تزل الشعراء تتهادى بينهم تهادي النّواسم بين الرّياض ، وتفتك في أموالهم فتكة البرّاض (١) ، حتى إنّ أحد شعرائهم بلغ به ما رآه من منافستهم في أمداحه أن حلف أن لا يمدح أحدا منهم بقصيدة إلّا بمائة دينار ، وأنّ المعتضد بن عباد على ما اشتهر من سطوته وإفراط هيبته كلّفه أن يمدحه بقصيدة فأبى حتى يعطيه ما شرطه في قسمه ، ومن أعظم ما يحكى من المكارم التي لم نسمع لها أختا أنّ أبا غالب اللغوي ألّف كتابا ، فبذل له مجاهد العامري ملك دانية ألف دينار ومركوبا وكسا على أن يجعل الكتاب باسمه ، فلم يقبل ذلك أبو غالب ، وقال : كتاب ألّفته لينتفع به الناس ، وأخلّد فيه همّتي ، أجعل في صدره اسم غيري ، وأصرف الفخر له ، لا أفعل ذلك ، فلمّا بلغ هذا مجاهدا استحسن أنفته وهمّته ، وأضعف له العطاء ، وقال : هو في حلّ من أن يذكرني فيه ، لا نصدّه عن غرضه. وإن كان كلّ ملوك الأندلس المعروفين بملوك الطوائف قد تنازعوا في ملاءة الحضر (٢) ، فإني أخصّ منهم بني عباد ، كما قال الله تعالى : (فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (٦٨)) [سورة الرحمن ، الآية : ٦٨] فإنّ الأيام لم تزل بهم كأعياد ، وكان لهم من الحنو على الأدب ، ما لم يقم (٣) به بنو حمدان في حلب ، وكانوا هم وبنوهم ووزراؤهم صدورا في بلاغتي النظم والنثر ، مشاركين في فنون العلم ، وآثارهم مذكورة ، وأخبارهم مشهورة ، وقد خلّدوا من المكارم التامّة ، ما هو متردّد في ألسن الخاصّة والعامّة ، وبالله إلّا سمّيت لي بمن تفخرون قبل هذه الدعوة المهدية ، أبسقوت (٤) الحاجب؟ أم بصالح البرغواطي؟ أم بيوسف بن تاشفين الذي لولا توسّط ابن عباد لشعراء الأندلس في مدحه ما أجروا له ذكرا ، ولا رفعوا لملكه قدرا؟ وبعد ما ذكروه بوساطة المعتمد بن عباد فإنّ المعتمد قال له ، وقد أنشدوه : أيعلم أمير المسلمين ما قالوه؟ قال : لا أعلم ولكنهم يطلبون الخبز ، ولمّا انصرف عن المعتمد إلى حضرة ملكه كتب له المعتمد رسالة فيها : [البسيط]

__________________

(١) البرّاض : الذي يتلف ماله.

(٢) أخذ هذا من قول الخنساء تمدح أباها وأخاها :

جاري أباه فأقبلا وهما

يتعاوران ملاءة الحضر

(٣) في ب : «ما لم تقم».

(٤) في ب ، ه : «أبسقمون» وهو سقوت البرغواطي المتغلب على مدينة سبتة ، ومنه أخذها يوسف بن تاشفين.

٣٠

بنتم وبنّا فما ابتلّت جوانحنا

شوقا إليكم ولا جفّت مآقينا

حالت لفقدكم أيامنا فغدت

سودا وكانت بكم بيضا ليالينا (١)

فلمّا قرىء عليه هذان البيتان قال للقارىء : يطلب منّا جواري سودا وبيضا ، قال : لا يا مولانا ، ما أراد إلّا أنّ ليله كان بقرب أمير المسلمين نهارا ؛ لأنّ ليالي السرور بيض ، فعاد نهاره ببعده ليلا لأنّ أيام الحزن ليال سود (٢) ، فقال : والله جيد ، أكتب له في جوابه : إنّ دموعنا تجري عليه ، ورؤوسنا توجعنا من بعده ، فليت العباس بن الأحنف قد عاش حتى يتعلم من هذا الفاضل رقة الشوق : [الطويل]

ولا تنكرن مهما رأيت مقدّما

على حمر بغلا فثمّ تناسب

فاسكتوا ، فلو لا هذه الدولة ، لما كان لكم على الناس صولة : [الوافر]

وإنّ الورد يقطف من قتاد

وإنّ النار تقبس من رماد (٣)

وإنك إن تعرّضت للمفاضلة بالعلماء فأخبرني : هل لكم في الفقه مثل عبد الملك بن حبيب الذي يعمل بأقواله إلى الآن ، ومثل أبي الوليد الباجي ، ومثل أبي بكر بن العربي ، ومثل أبي الوليد بن رشد الأكبر ، ومثل أبي الوليد بن رشد الأصغر؟ وهو ابن ابن الأكبر ، نجوم الإسلام ، ومصابيح شريعة محمد عليه السلام ، وهل لكم في الحفظ مثل أبي محمد بن حزم الذي زهد في الوزارة والمال ومال إلى رتبة العلم ، ورآها فوق كل رتبة ، وقال وقد احترقت (٤) كتبه : [الطويل]

دعوني من إحراق رقّ وكاغد

وقولوا بعلم كي يرى الناس من يدري (٥)

فإن تحرقوا القرطاس لا تحرقوا الذي

تضمّنه القرطاس ، إذ هو في صدري

ومثل أبي عمر بن عبد البر صاحب «الاستيعاب» (٦) و «التمهيد» ومثل أبي بكر بن الجد حافظ الأندلس في هذه الدولة ، وهل لكم في حفّاظ اللغة كابن سيده صاحب كتاب «المحكم»

__________________

(١) حالت : تغيرت ، وتحولت.

(٢) في أ : «لأن ليالي الحزن ليالي سود».

(٣) القتاد : نبات ذو شوك.

(٤) في ب ، ه : «وقال وقد أحرقت كتبه».

(٥) الرق : جلد كان يستعمل للكتابة. والكاغد : القرطاس.

(٦) الاستيعاب في أسماء الأصحاب لابن عبد البر ، وقد طبع على هامش كتاب الإصابة في تمييز الصحابة بدار الفكر ببيروت. وورد في ب : «الاستذكار».

٣١

وكتاب «السماء والعالم» الذي إن أعمى الله بصره فما أعمى بصيرته ، وهل لكم في النحو مثل أبي محمد بن السّيد وتصانيفه؟ ومثل ابن الطراوة ، ومثل أبي علي الشلوبين الذي بين أظهرنا الآن ، وقد سار في المغارب والمشارق ذكره ، وهل لكم في علوم اللحون والفلسفة كابن باجة. وهل لكم في علم النجوم والهندسة والفلسفة (١) ملك كالمقتدر بن هود صاحب سرقسطة ، فإنه كان في ذلك آية؟ وهل لكم في الطب مثل ابن طفيل صاحب رسالة «حي بن يقظان» المقدم في علم الفلسفة ، ومثل بني زهر أبي العلاء ثم ابنه عبد الملك ثم ابنه أبي بكر ثلاثة على نسق؟ وهل لكم في علم التاريخ كابن حيّان صاحب «المتين» و «المقتبس»؟ وهل عندكم في رؤساء علم الأدب مثل أبي عمر بن عبد ربه صاحب «العقد»؟ وهل لكم في الاعتناء بتخليد مآثر فضلاء إقليمه والاجتهاد في حشد محاسنهم مثل ابن بسّام صاحب «الذخيرة»؟ وهب أنه كان يكون لكم مثله فما تصنع الكيّسة في البيت الفارغ؟ وهل لكم في بلاغة النثر كالفتح بن عبيد الله الذي إن مدح رفع ، وإن ذمّ وضع ، وقد ظهر له من ذلك في كتاب «القلائد» ما هو أعدل شاهد ، ومثل ابن أبي الخصال في ترسّله (٢) ، ومثل أبي الحسن سهل بن مالك الذي بين أظهرنا الآن في خطبه ، وهل لكم في الشعر ملك مثل المعتمد بن عباد في قوله : [الطويل]

وليل بسدّ النهر أنسا قطعته

بذات سوار مثل منعطف النهر

نضت بردها عن غصن بان منعّم

فيا حسن ما انشقّ الكمام عن الزهر

وقوله في أبيه : [البسيط]

سميدع يهب الآلاف مبتدئا

وبعد ذلك يلفى وهو يعتذر (٣)

له يد كلّ جبّار يقبّلها

لو لا نداها لقلنا إنها الحجر

ومثل ابنه الراضي في قوله : [البسيط]

مرّوا بنا أصلا من غير ميعاد

فأوقدوا نار قلبي أيّ إيقاد

لا غرو أن زاد في وجدي مرورهم

فرؤية الماء تذكي غلّة الصادي (٤)

وهل لكم ملك ألّف في فنون الأدب (٥) كتابا في نحو مائة مجلّدة مثل المظفر بن

__________________

(١) في ب : «والفلسفة والهندسة».

(٢) في ب ، ه : «في ترسيله».

(٣) في ه : «يلفى وهو معتذر». والسميدع : السيد الكريم.

(٤) الغلة : شدة العطش. والصادي : العطشان.

(٥) في ب ، ه : «في فنون الآداب».

٣٢

الأفطس ملك بطليوس ولم تشغله الحروب ولا المملكة عن همّة الأدب؟ وهل لكم من الوزراء مثل ابن عمار في قصيدته التي سارت أشرد من مثل ، وأحبّ إلى الأسماع من لقاء حبيب وصل؟ التي منها : [الكامل]

أثمرت رمحك من رؤوس ملوكهم

لمّا رأيت الغصن يعشق مثمرا

وصبغت درعك من دماء كماتهم

لمّا رأيت الحسن يلبس أحمرا

ومثل ابن زيدون في قصيدته التي لم يقل مع طولها في التشبيب (١) أرقّ منها ، وهي التي يقول فيها : [البسيط]

كأنّنا لم نبت والوصل ثالثنا

والسعد قد غضّ من أجفان واشينا

سرّان في خاطر الظّلماء يكتمنا

حتى يكاد لسان الصبح يفشينا

وهل لكم من الشعراء مثل ابن وهبون في بديهته بين يدي المعتمد بن عباد وإصابته الغرض حين استحسن المعتمد قول المتنبي : [الطويل]

إذا ظفرت منك المطيّ بنظرة

أثاب بها معيي المطيّ ورازمه (٢)

فارتجل : [الطويل]

لئن جاد شعر ابن الحسين فإنما

تجيد العطايا ، واللها تفتح اللها (٣)

تنبّأ عجبا بالقريض ولو درى

بأنك تروي شعره لتألّها (٤)

وهل لكم مثل شاعر الأندلس ابن درّاج (٥) الذي قال فيه الثعالبي «هو بالصقع الأندلسي كالمتنبي بصقع الشام الذي إن مدح الملوك قال مثل (٦) قوله : [الطويل]

ألم تعلمي أنّ الثواء هو التّوى

وأنّ بيوت العاجزين قبور (٧)

__________________

(١) في ب ، ه : «في النسيب».

(٢) رازمه : مهلكه ، من الفعل رزم : سقط من الإعياء والهزال.

(٣) ابن الحسين هو أحمد بن الحسين المتنبي. واللها ـ بضم اللام : جمع لهوة وهو أفضل العطاء. واللها ـ بفتح اللام : جمع لهاة وهي اللحمة المشرفة على الحلق في أقصى سقف الفم.

(٤) تألّه : ادعى الألوهية.

(٥) انظر ابن خلكان تحقيق محيي الدين عبد الحميد ج ١ ص ١١٦ ترجمة ابن دراج.

(٦) انظر ديوان ابن دراج ص ٢٩٨.

(٧) التوى : الضياع ، الخسارة.

٣٣

وأنّ خطيرات المهالك ضمّن

لراكبها أنّ الجزاء خطير

تخوّفني طول السّفار وإنّه

بتقبيل كفّ العامريّ جدير

مجير الهدى والدين من كلّ ملحد

وليس عليه للضلال مجير

تلاقت عليه من تميم ويعرب

شموس تلاقت في العلا وبدور

هم يستقلّون الحياة لراغب

ويستصغرون الخطب وهو كبير

ولمّا توافوا للسّلام ورفّعت

عن الشمس في أفق الشروق ستور

وقد قام من زرق الأسنّة دونها

صفوف ومن بيض السيوف سطور

رأوا طاعة الرحمن كيف اعتزازها

وآيات صنع الله كيف تنير (١)

وكيف استوى بالبر والبحر مجلس

وقام بعبء الراسيات سرير

فجاؤوا عجالا والقلوب خوافق

وولّوا بطاء والنواظر صور

يقولون والإجلال يخرس ألسنا

وحازت عيون ملأها وصدور

لقد حاط أعلام الهدى بك حائط

وقدّر فيك المكرمات قدير

وأنا أقسم بما حازته هذه الأبيات ، من غرائب الآيات ، لو سمع هذا المدح سيد بني حمدان (٢) لسلا به عن مدح شاعره الذي ساد كل شاعر ، ورأى أن هذه الطريقة أولى بمدح الملوك من كل ما تفنّن فيه كل ناظم وناثر (٣).

[الكامل]

قالت وقد مزج الفراق مدامعا

بمدامع وترائبا بترائب

أتفرّق حتى بمنزل غربة؟

كم نحن للأيام نهبة ناهب

ولئن جنيت عليك ترحة راحل

فأنا الزعيم لها بفرحة آئب (٤)

هل أبصرت عيناك بدرا طالعا

في الأفق إلّا من هلال غارب

وإن شبّه قال (٥) : [الكامل]

__________________

(١) في ب : «رأوا ساعة الرحمن».

(٢) سيد بني حمدان : هو سيف الدولة الحمداني ملك حلب وممدوح المتنبي.

(٣) انظر ديوان ابن دراج ص ١١٠ ، ١١٢.

(٤) الزعيم : الكفيل والضامن.

(٥) ديوان ابن دراج ص ٣٦.

٣٤

كمعاقل من سوسن قد شيّدت

أيدي الربيع بناءها فوق القضب

شرفاتها من فضّة وحماتها

حول الأمير لهم سيوف من ذهب

وهل من شعرائكم من تعرّض لذكر العفّة فاستنبط ما يسحر به السحر ، ويطيب به الزهر ، وهو أبو عمر بن فرج (١) في قوله : [الوافر]

وطائعة الوصال عففت عنها

وما الشيطان فيها بالمطاع

بدت في الليل سافرة فباتت

دياجي الليل سافرة القناع

وما من لحظة إلّا وفيها

إلى فتن القلوب لها دواعي

فملّكت النّهى جمحات شوقي

لأجري في العفاف على طباعي (٢)

وبتّ بها مبيت السّقب يظما

فيمنعه الكعام من الرضاع (٣)

كذاك الروض ما فيه لمثلي

سوى نظر وشمّ من متاع

ولست من السوائم مهملات

فأتّخذ الرياض من المراعي

وهل بلغ أحد من مشبّهي شعرائكم أن يقول مثل قول أبي جعفر اللمائي : [الرمل]

عارض أقبل في جنح الدّجا

يتهادى كتهادي ذي الوجى (٤)

بدّدت ريح الصّبا لؤلؤه

فانبرى يوقد عنها سرجا

ومثل قول أبي حفص بن برد : [المديد]

وكأنّ الليل حين لوى

ذاهبا والصبح قد لاحا

كلّة سوداء أحرقها

عامد أسرج مصباحا (٥)

وهل منكم من وصف ما تحدثه الخمرة من الحمرة على الوجنة بمثل قول الشريف الطليق : [الرمل]

أصبحت شمسا وفوه مغربا

ويد الساقي المحييّ مشرقا

__________________

(١) هو أبو عمر بن محمد بن فرج الجياني (انظر الجذوة : ٩٧ ـ ٩٨).

(٢) النهى : الحلم والعقل.

(٣) السقب : ولد الناقة ساعة ولادته. والكعام : حبل يشد به فم الجمل فيمنعه من الأكل.

(٤) ذو الوجى : الذي حفيت قدمه أو رقّت.

(٥) الكلة : الستارة.

٣٥

وإذا ما غربت في فمه

تركت في الخدّ منه شفقا

بمثل هذا الشعر فليطلق اللسان ، ويفخر كل إنسان (١).

وهل منكم من عمد إلى قول امرئ القيس : [الطويل]

سموت إليها بعد ما نام أهلها

سموّ حباب الماء حالا على حال (٢)

فاختلسه اختلاس النسيم لنفحة الأزهار ، واستلبه (٣) بلطف استلاب الشمس لرضاب طلّ الأسحار ، فلطفه تلطيفا يمتزج بالأرواح ، ويغني في الارتياح عن شرب الراح ، وهو ابن شهيد في قوله : [المتقارب]

ولمّا تملّأ من سكره

ونام ونامت عيون الحرس (٤)

دنوت إليه على رقبة

دنوّ رفيق درى ما التمس

أدبّ إليه دبيب الكرى

وأسمو إليه سموّ النّفس

أقبّل منه بياض الطّلى

وأرشف منه سواد اللّعس (٥)

فبتّ به ليلتي ناعما

إلى أن تبسّم ثغر الغلس (٦)

وقد تناول هذا المعنى ابن أبي ربيعة على عظم قدره وتقدّمه فعارض الصّهيل بالنّهاق ، وقابل العذب بالزّعاق ، فقال وليته سكت : [الطويل]

ونفّضت عنّي العين أقبلت مشية ال

حباب وركني خيفة القوم أزور (٧)

وأنا أقسم لو زار جمل محبوبة له لكان ألطف في الزيارة من هذا الأزور الركن المنفض للعيون ، لكنه إن أساء هنا فقد أحسن في قوله : [السريع]

قالت لقد أعييتنا حجّة

فأت إذا ما هجع الساهر

واسقط علينا كسقوط الندى

ليلة لا ناه ولا زاجر

__________________

(١) كذا في أ، ب ، ج. وفي ه : «ويفخر على كل إنسان».

(٢) الحباب : الفقاقيع على وجه الماء.

(٣) في أ : «وسلبه».

(٤) في ه : «في عيون العسس».

(٥) اللعس : سواد مستحسن في باطن الشفة.

(٦) الغلس : ظلمة آخر الليل.

(٧) كذا في الأصول وفي ديوان عمر «وخفض عني الصوت أقبلت مشية ... الخ».

٣٦

ولله درّ محمد بن سفر أحد شعرائنا المتأخّرين عصرا ، المتقدّمين قدرا ، حيث نقل السعي إلى محبوبته فقال وليته لم يزل يقول مثل هذا ، فبمثله ينبغي أن يتكلّم ، ومثله يليق أن يدوّن : [الطويل]

وواعدتها والشمس تجنح للنوى

بزورتها شمسا وبدر الدجى يسري

فجاءت كما يمشي سنا الصبح في الدجى

وطورا كما مرّ النسيم على النهر

عطّرت الآفاق حولي فأشعرت

بمقدمها والعرف يشعر بالزهر

فتابعت بالتقبيل آثار سعيها

كما يتقصّى قارىء أحرف السطر

فبتّ بها والليل قد نام والهوى

تنبّه بين الغصن والحقف والبدر (١)

أعانقها طورا وألثم تارة

إلى أن دعتنا للنوى راية الفجر

ففضّت عقودا للتعانق بيننا

فيا ليلة القدر اتركي ساعة النفر (٢)

وهل منكم من قيّد بالإحسان فأطلق لسانه الشكر ، فقال وهو ابن اللّبّانة : [الطويل]

بنفسي وأهلي جيرة ما استعنتهم

على الدهر إلّا وانثنيت معانا

أراشوا جناحي ثم بلّوه بالندى

فلم أستطع من أرضهم طيرانا

ومن يقول وقد قطع عنه ممدوحه ما كان يعتاده منه من الإحسان ، فقابل ذلك بقطع مدحه له ، فبلغه أنه عتبه على ذلك ، وهو ابن وضّاح : [الكامل]

هل كنت إلّا طائرا بثنائكم

في دوح مجدكم أقوم وأقعد

إن تسلبوني ريشكم وتقلّصوا

عنّي ظلالكم فكيف أغرّد

وهل منكم شاعر رأى الناس قد ضجّوا من سماع تشبيه الثغر بالأقاح ، وتشبيه الزهر بالنجوم ، وتشبيه الخدود بالشقائق ، فتلطّف لذلك في أن يأتي به في منزع يصيّر خلقه في الأسماع جديدا ، وكليله في الأفكار حديدا ، فأغرب أحسن إغراب ، وأعرب عن فهمه بحسن تخيّله أنبل إعراب ، وهو ابن الزقاق : [المنسرح]

وأغيد طاف بالكؤوس ضحى

وحثّها والصباح قد وضحا

والروض أهدى لنا شقائقه

وآسه العنبريّ قد نفحا

__________________

(١) الحقف : ما استطال واعوجّ من الرمل.

(٢) النّفر : الإسراع إلى أمر ، وهو الهجران.

٣٧

قلنا : وأين الأقاح؟ قال لنا :

أودعته ثغر من سقى القدحا

فظلّ ساقي المدام يجحد ما

قال فلمّا تبسّم افتضحا

وقال : [الوافر]

أديراها على الروض المندّى

وحكم الصبح في الظّلماء ماضي

وكأس الريح تنظر عن حباب

ينوب لنا عن الحدق المراض

وما غربت نجوم الأفق لكن

نقلن من السماء إلى الرياض

وقال : [الخفيف]

ورياض من الشقائق أضحت

يتهادى بها نسيم الرياح

زرتها والغمام يجلد منها

زهرات تروق لون الراح

قل ما ذنبها؟ فقال مجيبا

سرقت حمرة الخدود الملاح

فانظر كيف زاحم بهذا الاختيال المخترعين؟ وكيف سابق بهذا المبتدعين؟

وهل منكم من برع في أوصاف الرياض والمياه وما يتعلّق بذلك فانتهى إلى غاية (١) السباق ، وفضح كل من طمع بعده في اللحاق ، وهو أبو إسحاق بن خفاجة القائل : [الكامل]

وعشيّ أنس أضجعتني (٢) نشوة

فيها يمهّد مضجعي ويدمّث (٣)

خلعت عليّ بها الأراكة ظلّها

والغصن يصغي والحمام يحدّث

والشمس تجنح للغروب مريضة

والرعد يرقي والغمامة تنفث

والقائل : [الكامل]

لله نهر سال في بطحاء

أشهى ورودا من لمى الحسناء

متعطّف مثل السّوار كأنه

والزهر يكنفه مجرّ سماء

قد رقّ حتى ظنّ قرصا مفرغا

من فضّة في بردة خضراء

__________________

(١) في ب : «إلى راية السباق».

(٢) ورد هذا البيت في ه هكذا :

وعشيّ أنس أضجعتنا نشوة

فيه تمهد مضجعي وتدمّت

(٣) وفي ب :

وعشي أنس أضجعتنا نشوة

فيها يمهد مضجعي ويدمّت

٣٨

وغدت تحفّ به الغصون كأنها

هدب تحفّ بمقلة زرقاء

ولطالما عاطيت فيه مدامة

صفراء تخضب أيدي النّدماء

والريح تعبث بالغصون وقد جرى

ذهب الأصيل على لجين الماء

والقائل : [الكامل]

حثّ المدامة والنسيم عليل

والظّلّ خفّاق الرّواق ظليل

والروض مهتزّ المعاطف نعمة

نشوان تعطفه الصّبا فيميل

ريّان فضّضه الندى ثم انجلى

عنه فذهّب صفحتيه أصيل

والقائل : [الكامل]

أذن الغمام بديمة وعقار

فامزج لجينا منهما بنضار

واربع على حكم الربيع بأجرع

هزج الندامى مفصح الأطيار (١)

متقسّم الألحاظ بين محاسن

من ردف رابية وخصر قرار

نثرت بحجر الروض فيه يد الصّبا

درر الندى ودراهم الأنوار

وهفت بتغريد هنالك أيكة

خفّاقة بمهبّ ريح عرار

هزّت له أعطافها ولربما

خلعت عليه ملاءة النوّار

والقائل : [المنسرح]

سقيا لها من بطاح خزّ

ودوح نهر بها مطلّ

إذ لا ترى غير وجه شمس

أطلّ فيه عذار ظلّ

والقائل : [الكامل]

نهر كما سال اللّمى سلسال

وصبا بليل ذيلها مكسال

ومهبّ نفحة روضة مطلولة

في جانبيها للنسيم مجال

غازلتها والأقحوانة مبسم

والآس صدغ والبنفسج خال

والقائل : [الطويل]

__________________

(١) اربع : احبس نفسك ، والأجرع : أصله رملة لا تنبت ، وأراد روضة ليصح المعنى. وهزج الندامى : أراد أنهم يغنون على الشراب.

٣٩

وساق كحيل اللحظ في شأو حسنه

جماح وبالصبر الجميل حران

ترى للصّبا نارا بخدّيه لم يثر

لها من سوادي عارضيه دخان

سقاها وقد لاح الهلال عشية

كما اعوجّ في درع الكميّ سنان

عقارا نماها الكرم فهي كريمة

ولم تزن بابن المزن فهي حصان (١)

وقد جال من جون الغمامة أدهم

له البرق سوط والشّمال عنان (٢)

وصمّخ درع الشمس نحر حديقة

عليه من الطلّ السقيط جمان

ونمّت بأسرار الرياض خميلة

لها النّور ثغر والنسيم لسان (٣)

والقائل في وصف فرس ولم يخرج عن طريقته : [السريع]

وأشقر تضرم منه الوغى

بشعلة من شعل الباس

من جلّنار ناضر لونه

وأذنه من ورق الآس

يطلع للغرّة في شقرة

حبابة تضحك في كاس

وهل منكم من يقول منادما لنديمه وقد باكر روضا بمحبوب وكأس ، فألفاه قد غطّى محاسنه ضباب ، فخاف أن يكسل نديمه عن الوصول إذا رأى ذلك ، وهو أبو الحسن بن بسّام: [الوافر]

ألا بادر فما ثان سوى ما

عهدت الكأس والبدر التمام

ولا تكسل برؤيته ضبابا

تغصّ به الحديقة والمدام (٤)

فإنّ الروض ملتثم إلى أن

توافيه فينحطّ اللثام

وهل منكم من تغزّل في غلام حائك بمثل قول الرصافي (٥) : [البسيط]

قالوا وقد أكثروا في حبّه عذلي

لو لم تهم بمذال القدر مبتذل

فقلت لو كان أمري في الصّبابة لي

لاخترت ذاك ولكن ليس ذلك لي

علّقته حببيّ الثّغر عاطره

حلو اللّمى ساحر الأجفان والمقل

__________________

(١) حصان ـ بفتح الحاء والصاد : عفيفة طاهرة.

(٢) الجون ـ بفتح الجيم وسكون الواو : الأسود. والغمامة : السحابة. والشمال : ريح الصّبا.

(٣) النّور : الزهر ، أو الأبيض منه.

(٤) في ه. «تغض به الحديقة».

(٥) ديوان الرصافي ص ١٢١.

٤٠