الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني
المحقق: يوسف الشيخ محمّد البقاعي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٠
يا هلالا تتراءا |
|
ه نفوس لا عيون |
عجبا للقلب يقسو |
|
منك والعطف يلين |
ما الذي ضرّك لو سرّ |
|
بمرآك الحزين |
وتلطّفت بصبّ |
|
حينه فيك يحين (١) |
فوجوه اللطف شتّى |
|
والمعاذير فنون (٢) |
وقال أيضا (٣) : [الوافر]
إليك من الأنام غدا ارتياحي |
|
وأنت من الزمان مدى اقتراحي |
وما اعترضت هموم النّفس إلّا |
|
ومن ذكراك ريحاني وراحي |
فديتك ، إنّ صبري عنك صبري ، |
|
لدى عطشي عن الماء القراح |
ولي أمل لو الواشون كفّوا |
|
لأطلع غرسه ثمر النّجاح |
وأعجب كيف يغلبني عدو |
|
رضاك عليه من أمضى سلاح |
ولمّا أن جلتك لي اختلاسا |
|
أكفّ الدهر للحين المتاح (٤) |
رأيت الشمس تطلع في نقاب |
|
وغصن البان يرفل في وشاح |
فلو أسطيع طرت إليك شوقا |
|
وكيف يطير مقصوص الجناح |
على حالي وصال واجتناب |
|
وفي يومي دنوّ وانتزاح |
وحسبي أن تطالعك الأماني |
|
بأفقك في مساء أو صباح |
فؤادي من أسى بك غير خال |
|
وقلبي من هوى لك غير صاح |
وأن تهدي السلام إليّ شوقا |
|
ولو في بعض أنفاس الرياح |
وقال (٥) : [مجزوء الكامل]
كم ذا أريد ولا أراد؟ |
|
لله ما لقي الفؤاد |
أصفي الوداد إلى الذي |
|
لم يصف لي منه الوداد |
__________________
(١) الحين ، بفتح الحاء وسكون الياء : الموت والهلاك.
(٢) فنون : أي أنواع.
(٣) ديوان ابن زيدون ص ١٤٨.
(٤) الحين المتاح : الهلاك المقدر.
(٥) ديوان ابن زيدون ص ١٧٨.
كيف السّلوّ عن الذي |
|
مثواه من قلبي السواد (١) |
يقضي عليّ دلاله |
|
في كلّ حين أو يكاد |
ملك القلوب بحسنه |
|
فلها إذا أمر انقياد |
يا هاجري كم أستفي |
|
د الصبر عنك فلا أفاد |
أفلا رثيت لمن يبي |
|
ت وحشو مقلته السّهاد |
إن أجن ذنبا في الهوى |
|
خطأ فقد يكبو الجواد |
كان الرضا وأعيذه |
|
أن يعقب الكون الفساد (٢) |
وقال (٣) : [المجتث]
متى أنبّيك ما بي |
|
يا راحتي وعذابي |
متى ينوب لساني |
|
في شرحه عن كتابي |
الله يعلم أني |
|
أصبحت فيك لما بي |
فما يلذّ منامي |
|
ولا يسوغ شرابي |
يا فتنة المتعزّي |
|
وحجّة المتصابي |
الشمس أنت توارت |
|
عن ناظري بالحجاب |
ما النور شفّ سناه |
|
على رقيق السّحاب |
إلّا كوجهك لمّا |
|
أضاء تحت النّقاب |
وقال (٤) : [مجزوء الرمل]
هل لداعيك مجيب؟ |
|
أم لشاكيك طبيب |
يا قريبا حين ينأى |
|
حاضرا حين يغيب |
كيف يسلوك محبّ |
|
زانه منك حبيب |
إنّما أنت نسيم |
|
تتلقّاه القلوب |
__________________
(١) سواد القلب : مهجته ، حبته.
(٢) الكون والفساد : من اصطلاح الفلاسفة ، يساوي الوجود والعدم ونحوهما.
(٣) ديوان ابن زيدون ص ١٤٩.
(٤) ديوان ابن زيدون ص ١٦٤.
قد علمنا علم ظنّ |
|
هو لا شكّ مصيب |
إنّ سرّ الحسن ممّا |
|
أضمرت تلك القلوب |
وقال (١) :
أنّى تضيّع عهدك؟ |
|
أم كيف تخلف وعدك |
وقد رأتك الأماني |
|
رضا فعلم تتعدّك |
يا ليت شعري وعندي |
|
ما ليس في الحب عندك |
هل طال ليلك بعدي |
|
كطول ليلي بعدك |
سلني حياتي أهبها |
|
فلست أملك ردّك |
الدهر عبدي لمّا |
|
أصبحت في الحبّ عبدك |
وقال رحمه الله تعالى ، وقد أمره السلطان أن يعارض قطعا كان يغنّى بها واستحسن ألحانها(٢): [المتقارب]
يقصّر قربك ليلي الطويلا |
|
ويشفي وصالك قلبي العليلا |
وإن عصفت منك ريح الصّدود |
|
فقدت نسيم الحياة البليلا |
كما أنني إن أطلت العثار |
|
ولم يبد عذري وجها جميلا |
وجدت أبا القاسم الظّافر الم |
|
ؤيّد بالله مولى مقيلا (٣) |
لأقلامه فعل أسيافه |
|
يظلّ الصّرير يباري الصّليلا |
وقال يهنّيه بالقدوم من السفر (٤) : [الرمل]
أيها الظافر أبشر بالظّفر |
|
واجتل التأييد في أبهى الصّور |
وتفيّأ ظلّ سعد يجتنى |
|
فيه من غرس المنى أحلى الثمر |
ورد النّجح فكم مستوحش |
|
شائق منك إلى أنس الصّدر |
كان من قربك في عيش ند |
|
عاطر الآصال وضّاح البكر |
__________________
(١) ديوان ابن زيدون ص ١٦٥.
(٢) ديوان ابن زيدون ص ٥١٢.
(٣) أقال عثرته : أنهضه من سقوطه ، ومقيل اسم فاعل من أقال.
(٤) ديوان ابن زيدون ص ٥١٤.
فثوى دونك مثوى قلق |
|
يشتكي من ليله مطل السّحر |
قل لساقينا يجد أكؤسه |
|
ولشادينا يطل قطع الوتر |
ومنها :
لي فيه المثل السائر في |
|
جالب التّمر إلى أرض هجر |
ثم قد وفّق عبد عظمت |
|
نعمة المولى عليه فشكر |
لا عدا حظّك إقبال يرى |
|
قاضيا أبناءه كلّ وطر (١) |
واصطبح كأس الرّضا من ملك |
|
سرت في إرضائه أزكى السّير |
حين صمّمت إلى أعدائه |
|
فانتحتهم منك صمّاء الغير (٢) |
فاض غمر للندى من فوقهم |
|
كان يروي شربهم منه العمر |
سبق الناس فصلّى سابق |
|
إذ رأى آثاره مثل الزّهر |
وهي طويلة.
وقال رحمه الله تعالى (٣) : [الرمل]
لم يكن هجر حبيبي عن قلا |
|
لا ولا ذاك التّجنّي مللا (٤) |
سرّه دعوى ادعائي ثم لم |
|
يدر ما غاية صبري فابتلى |
أنا راض بالذي يرضى به |
|
لي من لو قال مت ما قلت لا |
مثل في كلّ حسن مثل ما |
|
صار حالي في هواه مثلا |
يا فتيت المسك يا شمس الضحى |
|
يا قضيب البان يا ظبي الفلا |
إن يكن لي أمل غير الرّضا |
|
منك لا بلّغت ذاك الأملا |
وقال رحمه الله تعالى (٥) : [البسيط]
أذكرتني سالف العيش الذي طابا |
|
يا ليت غائب ذاك الوقت قد آبا (٦) |
إذ نحن في روضة للوصل أنعمها |
|
من السرور غمام فوقها صابا |
__________________
(١) الوطر : الحاجة.
(٢) في ب : «صماء الغبر».
(٣) ديوان ابن زيدون ص ١٦٥.
(٤) القلا : البغض
(٥) ديوان ابن زيدون ص ١٢٣.
(٦) في الديوان : «يا ليت غائب ذاك العهد ...».
إني لأعجب من شوق يطالبني |
|
فكلّما قيل فيه قد قضى ثابا (١) |
كم نظرة لك عندي قد علمت بها |
|
يوم الزيارة أنّ القلب قد ذابا |
قلب يطيل معاصاتي لطاعتكم |
|
فإن أكلّفه يوما سلوة يابى (٢) |
وقال رحمه الله تعالى (٣) : [البسيط]
عاودت ذكر الهوى من بعد نسياني |
|
واستحدث القلب بعد العشق سلواني |
من حبّ جارية يبدو بها صنم |
|
من اللّجين عليها تاج عقيان (٤) |
غريرة لم تفارقها تمائمها |
|
تسبي القلوب بساجي الطّرف وسنان |
لأستجدّنّ في عشقي لها زمنا |
|
يحيي سوالف أيامي وأزماني |
حتّى يكون لمن أحببت خاتمة |
|
نسخت في حبّها كفرا بإيمان |
وقال رحمه الله تعالى (٥) : [الخفيف]
أنت معنى الهوى وسرّ الدموع |
|
وسبيل الهوى وقصد الولوع |
أنت والشمس ضرّتان ولكن |
|
لك عند الغروب فضل الطّلوع |
ليس يا مؤنسي نكلّفك العت |
|
ب دلالا من الرّضا الممنوع (٦) |
إنما أنت والحسود معنّى |
|
كوكب يستقيم بعد الرجوع |
وقال رحمه الله تعالى (٧) : [مجزوء الكامل]
يا ليل ، طل لا أشتهي |
|
إلا كعهدي قصرك |
لو بات عندي قمري |
|
ما بتّ أرعى قمرك |
يا ليل ، خبّر أنني |
|
ألتذّ عنه خبرك |
بالله قل لي هل وفى؟ |
|
فقال : لا بل غدرك |
وقال رحمه الله تعالى (٨) : [المتقارب]
لئن فاتني منك حظّ النّظر |
|
لأكتفين بسماع الخبر |
__________________
(١) ثاب : رجع.
(٢) يابى : يأبى ، خففه لضرورة القافية.
(٣) ديوان ابن زيدون ص ١٩٢.
(٤) اللجين : الفضة ، والعقيان : الذهب.
(٥) ديوان ابن زيدون ص ١٦٦.
(٦) في الديوان «ليس يا مؤنسي تكلّفك العتب ..».
(٧) ديوان ابن زيدون ص ١٨٢.
(٨) ديوان ابن زيدون ص ١٦٨.
وإن عرضت غفلة للرقيب |
|
فحسبي بتسليمة تختصر (١) |
أحاذر أن يتجنّى الوشاة |
|
وقد يستدام الهوى بالحذر |
فأصبر مستيقنا أنه |
|
سيحظى بليل المنى من صبر |
وقال أيضا رحمه الله تعالى (٢) : [مجزوء الرمل]
أيها البدر الذي يم |
|
لأ عيني من تأمّل |
حمّل القلب تباري |
|
ح التّجنّي فتحمّل |
ثم لا تيأس فكم قد |
|
نيل أمر لم يؤمّل |
وقال أيضا رحمه الله تعالى (٣) : [الطويل]
أجدّ ومن أهواه في الحبّ عابث |
|
وأوفي له بالعهد إذ هو ناكث |
حبيب نأى عنّي مع القرب والأسى |
|
مقيم له في مضمر القلب ماكث |
جفاني بألطاف العدا وأزاله |
|
عن الوصل رأي في القطيعة حادث |
تغيّرت عن عهدي وما زلت واثقا |
|
بعهدك لكن غيّرتك الحوادث |
وما كنت إذ ملّكتك القلب عالما |
|
بأني عن حتفي بكفّي باحث |
ستبلى الليالي والوداد بحاله |
|
مقيم وغضّ وهو للأرض وارث |
فلو أنني أقسمت أنك قاتلي |
|
وأني مقتول لما قيل حانث (٤) |
وقال رحمه الله تعالى (٥) : [مجزوء الخفيف]
يا غزالا أصارني |
|
موثقا في يد المحن |
إنني مذ هجرتني |
|
لم أذق لذّة الوسن |
ليت حظّي إشارة |
|
منك أو لحظة تعنّ |
شافعي يا معذّبي |
|
في الهوى وجهك الحسن |
كنت خلوا من الهوى |
|
وأنا اليوم مرتهن |
__________________
(١) في ج وفي الديوان «محسبي تسليمة تختصر».
(٢) ديوان ابن زيدون ص ١٨٢.
(٣) ديوان ابن زيدون ص ١٨٣.
(٤) في ه : «وإني لمقتول لما قيل حانث». وحنث في يمينه : لم يف به.
(٥) ديوان ابن زيدون ص ١٨٦.
كان سرّي مكتّما |
|
وهو الآن قد علن |
ليس لي عنك مذهب |
|
فكما شئت لي فكن |
وقال رحمه الله تعالى (١) : [الوافر]
أيوحش لي الزمان وأنت أنسي |
|
ويظلم لي النهار وأنت شمسي |
وأغرس في محبّتك الأماني |
|
وأجني الموت من ثمرات غرسي |
لقد جازيت غدرا عن وفائي |
|
وبعت مودّتي ظلما ببخس |
ولو أنّ الزمان أطاع حكمي |
|
فديتك من مكارهه بنفسي |
ومحاسن ابن زيدون كثيرة ، وقد ذكرنا منها في غير هذا المحلّ جملة.
وسألت جارية من جواري الأندلس ذا الوزارتين أبا الوليد بن زيدون أن يزيد على بيت أنشدته إيّاه ، وهو (٢) : [البسيط]
يا معطشي من وصال كنت وارده |
|
هل منك لي غلّة إن صحت : واعطشي (٣) |
قال : وكانت الجارية المذكورة تتعشّق فتّى قرشيّا ، والوزير يعلم ذلك ، وهي لا تعلم أنه يعلم ، فقال : [البسيط]
كسوتني من ثياب السّقم أسبغها |
|
ظلما وصيّرت من لحف الضّنى فرشي |
أنّى بصرف الهوى عن مقلة كحلت |
|
بالسّحر منك وخدّ بالجمال وشي |
لمّا بدا الصّدغ مسودّا بأحمره |
|
أرى التشاكل بين الروم والحبش |
أوفى إلى الخدّ ثم انصاع منعطفا |
|
كالعقربان انثنى من خوف محترش |
لو شئت زرت وسلك الليل منتظم |
|
والأفق يختال في ثوب من الغبش (٤) |
جفا إذا التذّت الأجفان طيب كرى |
|
جفني المنام وصاح الليل : يا قرشي (٥) |
هذا وإن تلفت نفسي فلا عجب |
|
قد كان قتلي في تلك الجفون حشي |
وكان لابن الحاج صاحب قرطبة ثلاثة أولاد من أجمل الناس صورة : رحمون ، وعزّون ، وحسون ، فأولع بهم الحافظ الشهير أبو محمد بن السيد البطليوسي صاحب «شرح أدب الكاتب» وغيره وقال فيهم : [البسيط]
__________________
(١) ديوان ابن زيدون ص ١٨٥.
(٢) ديوان ابن زيدون ص ١٧٠.
(٣) في ه : «يا معطشي عن وصال».
(٤) في الديوان : «لو شئت زرت وسلك النجم».
(٥) في الديوان «طعم كرى». وفي ه : «طيف كرى».
أخفيت سقمي حتى كاد يحفيني |
|
وهمت في حبّ عزّون فعزّوني |
ثم ارحموني برحمون وإن ظمئت |
|
نفسي إلى ريق حسّون فحسّوني |
قال : ثم خاف على نفسه ، فخرج عن قرطبة ، وهو القائل : [الكامل]
نفسي الفداء لجؤذر حلو اللّمى |
|
مستحسن بصدوده أفناني (١) |
في فيه سمطا جوهر يروي الظما |
|
لو علّني ببروده أحياني (٢) |
وهذان البيتان تخرج منهما عدة مقطعات كما لا يخفى.
وقال أبو بكر محمد بن أحمد الأنصاري الإشبيلي المعروف بالأبيض ، في تهنئة بمولود ، قال ابن دحية : وهذا أبدع ما قيل في هذا المعنى : [البسيط]
أصاخت الخيل آذانا لصرخته |
|
واهتزّ كلّ هزبر عندما عطسا (٣) |
تعشّق الدّرع مذ شدّت لفائفه |
|
وأبغض المهد لمّا أبصر الفرسا |
تعلّم الركض أيام المخاض به |
|
فما امتطى الخيل إلّا وهو قد فرسا (٤) |
وقال الوزير الكاتب أبو عامر السالمي في غلام يرشّ الماء على خدّيه فتزداد حمرتهما : [البسيط]
لقد نعمت بحمّام تطلّع في |
|
أرجائه قمر والحسن يكمله |
أبصرته كلّما راقت محاسنه |
|
ونعمة الجسم والأرداف تخجله |
يرشّ بالماء خدّيه فقلت له |
|
صف لي لما أحمر الياقوت تصقله |
فقال طرفي سفّاك بصارمه |
|
دماء قوم على خدّي فأغسله |
وقال أيضا : [مجزوء الرمل]
أوقد النار بقلبي |
|
ثم هبّت ريح صدّه |
فشرار النار طارت |
|
فانطفت في ماء خدّه |
وهو تخييل عجيب.
__________________
(١) الجؤذر : ولد البقرة الوحشية ، واللمى : سمرة مستحسنة في باطن الشفة.
(٢) السمط : القلادة.
(٣) الهزبر : الأسد.
(٤) فرس : افترس.
وقال ابن الحنّاط (١) المكفوف الأندلسي في المعنى المشهور : [الكامل]
لم يخل من نوب الزمان أديب |
|
كلّا فشأن النائبات عجيب |
وغضارة الأيام تأبى أن يرى |
|
فيها لأبناء الذكاء نصيب |
وكذاك من صحب الليالي طالبا |
|
جدّا وفهما فاته المطلوب |
وكان ابن الزّقاق الأندلسي الشاعر المشهور ـ وقد تكرّر ذكره في هذا الكتاب (٢) مرات كثيرة ـ يسهر في الليل ، ويشتغل بالأدب ، وكان أبوه فقيرا جدا ، فلامه ، وقال له : نحن فقراء ، ولا طاقة لنا بالزيت الذي تسهر عليه ، فاتّفق أن برع في الأدب والعلم ونظم الشعر ، فقال في أبي بكر بن عبد العزيز صاحب بلنسية قصيدة أوّلها : [السريع]
يا شمس خدر ما لها مغرب |
|
أرامة خدرك أم يثرب (٣) |
ذهبت فاستعبر طرفي دما |
|
مفضّض الدّمع به مذهب |
ومنها :
ناشدتك الله نسيم الصّبا |
|
أنّى استقرّت بعدنا زينب |
لم نسر إلّا بشذا عرفها |
|
أو لا فماذا النّفس الطّيّب |
إيه وإن عذّبني حبّها |
|
فمن عذاب النّفس ما يعذب |
فأطلق له ثلاثمائة دينار ، فجاء بها إلى أبيه وهو جالس في حانوته مكبّ على صنعته ، فوضعها في حجره ، وقال : خذها فاشتر بها زيتا.
وقال رحمه الله تعالى في غلام يرمي حجرا فشدخ وجهه : [المتقارب]
وأحوى رمى عن قسيّ الحور |
|
سهاما يفوّقهنّ النظر (٤) |
يقولون وجنته قسّمت |
|
ورسم محاسنه قد دثر |
وما شقّ وجنته عابثا |
|
ولكنّها آية للبشر |
جلاها لنا الله كيما نرى |
|
بها كيف كان انشقاق القمر |
__________________
(١) في أ«ابن الخياط». والتصويب من الذخيرة ١ / ١ : ٣٩٢.
(٢) في ب ، ه : «في هذا التأليف».
(٣) في أ : «حزوك».
(٤) فوّق السهم : صوبه وجعل له فوقا أي سوطا.
وقال أيضا : [الكامل]
بأبي وغير أبي أغنّ مهفهف |
|
مهضوم ما خلف الوشاح خميصه |
لبس السواد ومزّقته جفونه |
|
فأتى كيوسف حين قدّ قميصه |
وقال أيضا : [الطويل]
سقتني بيمناها وفيها فلم أزل |
|
يجاذبني من ذا ومن هذه سكر |
ترشّفت فاها إذ ترشّفت كأسها |
|
فلا والهوى لم أدر أيّهما الخمر (١) |
وقال : [البسيط]
رقّ النسيم وراق الروض بالزّهر |
|
فنبّه الكأس والإبريق بالوتر |
ما العيش إلّا اصطباح الراح أو شنب |
|
يغني عن الراح من سلسال ذي أشر (٢) |
قل للكواعب غضّي للكرى مقلا |
|
فأعين الزّهر أولى منك بالسّهر |
وللصباح ألا فانشر رداء سنا |
|
هذا الدّجى قد طوته راحة السّحر |
وقام بالقهوة الصهباء ذو هيف |
|
يكاد معطفه ينقدّ بالنّظر |
يطفو عليها إذا ما شجّها درر |
|
تخالها اختلست من ثغره الخصر (٣) |
والكأس من كفّه بالراح محدقة |
|
كهالة أحدقت في الأفق بالقمر |
وقال : [الطويل]
تضوّعن أنفاسا وأشرقن أوجها |
|
فهنّ منيرات الصباح بواسم |
لئن كنّ زهرا فالجوانح أبرج |
|
وإن كنّ زهرا فالقلوب كمائم (٤) |
وهو من بديع التقسيم.
وقال السميسر : [الوافر]
تحفّظ من ثيابك ثم صنها |
|
وإلّا سوف تلبسها حدادا |
__________________
(١) ترشّفت فاها : تمصصت فمها.
(٢) الشنب : صفاء الأسنان وابيضاضها.
(٣) شجها : مزجها بالماء. وأراد بالدرر : الحبب الطافي على سطح الخمر. والثغر الخصر : الثغر البارد.
(٤) الزّهر : أراد النجوم. والأبرج : جمع برج ، وهو منزلة الكواكب. والكمائم : جمع كمامة ، وهي غلاف الزهر.
وميّز في زمانك كلّ حبر |
|
وناظر أهله تسد العبادا |
وظنّ بسائر الأجناس خيرا |
|
وأمّا جنس آدم فالبعادا |
أرادوني بجمعهم فردّوا |
|
على الأعقاب قد نكصوا فرادى |
وعادوا بعد ذا إخوان صدق |
|
كبعض عقارب رجعت جرادا |
وقال ابن رزين ، وهو من رجال الذخيرة (١) : [مجزوء الكامل]
لأسرّحنّ نواظري |
|
في ذلك الروض النضير |
ولآكلنّك بالمنى |
|
ولأشربنّك بالضمير |
وقال سلطان بلنسية عبد الملك بن مروان بن عبد الله بن عبد العزيز (٢) : [الطويل]
ولا غرو بعدي أن يسوّد معشر |
|
فيضحي لهم يوم وليس لهم أمس |
كذاك نجوم الجوّ تبدو زواهرا |
|
إذا ما توارت في مغاربها الشمس |
وتحاكم إلى أبي أيوب سليمان بن محمد بن بطال البطليوسي المعروف بالمتلمس غلامان جميلان لأحدهما وفرة (٣) شقراء ، وللآخر سوداء : أيهما أحسن؟ والمتلمس المذكور هو صاحب كتاب «الأحكام ، فيما لا يستغني عنه الحكام» فقال : [البسيط]
وشادنين ألمّا بي على مقة |
|
تنازعا الحسن في غايات مستبق |
كأنّ لمّة ذا من نرجس خلقت |
|
على بهار وذا مسك على ورق |
وحكّما الصّبّ في التفضيل بينهما |
|
ولم يخافا عليه رشوة الحدق |
فقام يدلي إليه الرّيم حجّته |
|
مبيّنا بلسان منه منطلق |
فقال : وجهي بدر يستضاء به |
|
ولون شعري مصبوغ من الغسق |
وكحل عيني سحر للنّهى وكذا |
|
والسحر أحسن ما يعزى إلى الحدق |
فقال صاحبه : أحسنت وصفك ل |
|
كن فاستمع لمقال فيّ متّفق |
أنا على أفقي شمس النهار ، ولم |
|
تغرب وشقرة شعري حمرة الشفق |
وفضل ما عيب في عينيّ من زرق |
|
أنّ الأسنّة قد تعزى إلى الزّرق |
__________________
(١) انظر الذخيرة ج ٣ ص ٣٣.
(٢) انظر المغرب ج ٢ ص ٣٠٠.
(٣) الوفرة : الشعر المجتمع على الرأس ، أو ما جاوز شحمة الأذن.
قضيت للّمّة الشقراء حيث حكت |
|
نورا كذا حبّها يقضي على رمقي |
فقام ذو اللّمّة السوداء يرشقني |
|
سهام أجفانه من شدّة الحنق |
وقال جرت فقلت الجور منك على |
|
قلبي ولي شاهد من دمعي الغدق |
فقلت عفوك إذ أصبحت متّهما |
|
فقال دونك هذا الحبل فاختنق |
وقال أبو محمد عبد الله بن غالب : [الكامل]
ومهفهف خنث الجفون كأنما |
|
من أرجل النمل استفاد عذارا (١) |
فتخاله ليلا إذا استقبلته |
|
وتخال ما يجري عليه نهارا |
وقال أبو القاسم خلف بن فرج السميسر المتقدّم : [المجتث]
الناس مثل حباب |
|
والدّهر لجّة ماء (٢) |
فعالم في طفوّ |
|
وعالم في انطفاء |
وقال أحمد بن برد الأندلسي في النرجس ، وهو البهار عند الأندلسيين ، ويسمّى العبهر:[الطويل]
تنبّه فقد شقّ البهار مغلّسا |
|
كمائمه عن نوره الخضل النّدي |
مداهن تبر في أنامل فضّة |
|
على أذرع مخروطة من زبرجد |
وقال الوزير عبد المجيد بن عبدون في دار أنزله بها المتوكل بن الأفطس وسقفها قديم ، فهطل عليه المطر منه : [الطويل]
أيا ساميا من جانبيه إلى العلا |
|
(سموّ حباب الماء حالا إلى حال) |
لعبدك دار حلّ فيها كأنها |
|
(ديار لسلمى عافيات بذي الخال) |
يقول لها لمّا رأى من دثورها |
|
(ألا عم صباحا أيها الطلل البالي) |
فقالت ولم تعبأ بردّ جوابه |
|
(وهل يعمن من كان في العصر الخالي) (٣) |
فمر صاحب الإنزال فيها بفاصل |
|
(فإنّ الفتى يهذي وليس بفعّال) |
قيل : وهو أبو عذرة (٤) تضمين لامية امرئ القيس ، وقد أولع الناس بعده بتضمينها.
__________________
(١) خنث الجفون : تشبه جفونه جفون المخنث.
(٢) الحباب ، بفتح الحاء : الفقاقيع التي تظهر على سطح الماء.
(٣) في ب : «فقالت وما عيّت جوابا بردّها».
(٤) يقال : هو أبو عذرة كذا ، أي هو أول من فعله. وهو أبو عذرة تضمين لامية امرئ القيس ، أي هو أول من ضمنها.
وقال أبو الفضل بن حسداي ، وكان يهوديّا فأسلم ، ويقال : إنه من ولد موسى على نبيّنا وعليه وعلى سائر الأنبياء الصلاة والسلام : [البسيط]
توريد خدّك للأحداق لذّات |
|
عليه من عنبر الأصداغ لامات |
نيران هجرك للعشّاق نار لظى |
|
لكن وصالك إن واصلت جنّات |
كأنما الراح والراحات تحملها |
|
بدور تمّ وأيدي الشّرب هالات (١) |
حشاشة ما تركنا الماء يقتلها |
|
إلّا لتحيا بها منّا حشاشات |
قد كان من قبلها في كأسها ثقل |
|
فخفّ إذ ملئت منها الزجاجات |
وقد تبارى المشارقة والمغاربة من المتقدّمين والمتأخّرين في هذا الوزن والقافية ، ولو لا خوف السآمة لذكرت من ذلك الجملة الشافية الكافية.
ومن سرعة جواب أهل الأندلس أنّ ابن عبد ربه كان صديقا لأبي محمد يحيى القلفاط الشاعر ، ففسد ما بينهما بسبب أنّ ابن عبد ربه صاحب العقد مرّ به يوما وكان في مشيه اضطراب ، فقال : أبا عمر ما علمت أنك آدر (٢) إلّا اليوم لمّا رأيت مشيك ، فقال له ابن عبد ربه : كذبتك عرسك (٣) أبا محمد ، فعزّ على القلفاط كلامه ، وقال له : أتتعرّض للحرم؟ والله لأرينّك كيف الهجاء ، ثم صنع فيه قصيدة أوّلها : [البسيط]
يا عرس أحمد ، أني مزمع سفرا |
|
فودّعيني سرّا من أبي عمرا |
ثم تهاجيا بعد ذلك. وكان القلفاط يلقبه بطلاس لأنه كان أطلس اللحية ، ويسمّي كتاب «العقد» حبل الثوم ، فاتّفق اجتماعهما يوما عند بعض الوزراء ، فقال الوزير للقلفاط : كيف حالك اليوم مع أبي عمر؟ فقال مرتجلا : [السريع]
حال طلاس لي عن رائه |
|
وكنت في قعدد أبنائه (٤) |
فبدر ابن عبد ربه وقال : [السريع]
إن كنت في قعدد أبنائه |
|
فقد سقى أمّك من مائه |
فانقطع القلفاط خجلا. وعاش ابن عبد ربه ٨٢ سنة ، رحمه الله تعالى!
ومن الحكايات في مروءة أهل الأندلس ما ذكره صاحب «الملتمس» في ترجمة الكاتب
__________________
(١) الشّرب : الجماعة الشاربون.
(٢) الآدر : منتفخ الخصية.
(٣) العرس ، بكسر العين وسكون الراء : الزوجة.
(٤) في ه : «مال طلاس لي عن رأيه».
الأديب الشهير أبي الحسين بن جبير صاحب الرحلة ، وقد قدّمنا ترجمته في الباب الخامس من هذا الكتاب ، وذكرنا هنالك أنه كان من أهل المروءات عاشقا في قضاء الحوائج والسعي في حقوق الإخوان ، وأنشدنا هنالك قوله :
يحسب الناس بأني متعب
إلى آخره (١).
وقد ذكر ذلك كلّه صاحب «الملتمس» ثم قال ـ أعني صاحب الملتمس ـ :
ومن أغرب ما يحكى أني كنت أحرص الناس على أن أصاهر قاضي غرناطة أبا محمد عبد المنعم بن الفرس (٢) ، فجعلته ـ يعني ابن جبير ـ الواسطة حتى تيسّر ذلك ، فلم يوفّق الله ما بيني وبين الزوجة ، فجئته وشكوت له ذلك ، فقال : أنا ما كان القصد لي في اجتماعكما ، ولكن سعيت جهدي في غرضك ، وها أنا أسعى أيضا في افتراقكا (٣) ، إذ هو من غرضك ، وخرج في الحين ففصل القضية ، ولم أر في وجهه أولا ولا آخرا عنوانا لامتنان ولا تصعيب ، ثم إنه طرق بابي ، ففتحت له ، ودخل وفي يده محفظة فيها مائة دينار مؤمنية ، ثم قال : يا ابن أخي ، اعلم أني كنت السبب في هذه القضية ، ولم أشكّ أنك خسرت فيها ما يقارب هذا القدر الذي وجدته الآن عند عمّك ، فبالله إلّا ما سررتني بقبوله ، فقلت له : أنا ما أستحيي منك في هذا الأمر ، والله إن أخذت هذا المال لأتلفنّه فيما أتلفت فيه مال والدي من أمور الشباب ، ولا يحلّ لك أن تمكنني منه (٤) بعد أن شرحت لك أمري ، فتبسّم وقال : لقد احتلت في الخروج عن المنّة بحيلة ، وانصرف بماله ، انتهى.
ثم قال صاحب «الملتمس» : وتذاكرنا يوما معه حالة الزاهد أبي عمران المارتلي ، فقال: صحبته مدّة فما رأيت مثله ، وأنشدني شعرين ما نسيتهما ، ولا أنساهما ما استطعت ، فالأول قوله : [المتقارب]
إلى كم أقول فلا أفعل |
|
وكم ذا أحوم ولا أنزل |
وأزجر عيني فلا ترعوي |
|
وأنصح نفسي فلا تقبل (٥) |
وكم ذا تعلّل لي ويحها |
|
بعلّ وسوف وكم تمطل |
__________________
(١) «إلى آخره» ساقطة من ب.
(٢) في ب ، ه : «ابن الفرس».
(٣) في ب : «افتراقكما».
(٤) في ه : «أن تمكنني به».
(٥) ترعوي : ترجع ، تمتنع.
وكم ذا أؤمّل طول البقا |
|
وأغفل والموت لا يغفل |
وفي كلّ يوم ينادي بنا |
|
منادي الرحيل ألا فارحلوا |
أمن بعد سبعين أرجو البقا |
|
وسبع أتت بعدها تعجل |
كأن بي وشيكا إلى مصرعي |
|
يساق بنعشي ولا أمهل |
فيا ليت شعري بعد السؤال |
|
وطول المقام لما أنقل |
والثاني قوله : [مجزوء الكامل]
اسمع أخيّ نصيحتي |
|
والنّصح من محض الديانه |
لا تقربنّ إلى الشها |
|
دة والوساطة والأمانه |
تسلم من ان تعزى لزو |
|
ر أو فضول أو خيانه |
قال : فقلت له : أراك لم تعمل بوصيّته في الوساطة ، فقال : ما ساعدتني رقة وجهي على ذلك ، انتهى.
رجع إلى نظم الأندلسيين :
وقال أبو الصلت (١) أمية بن عبد العزيز : [المنسرح]
أفضل ما استصحب النبيل فلا |
|
تعدل به في المقام والسّفر |
جرم إذا ما التمست قيمته |
|
جلّ عن التّبر وهو من صفر (٢) |
مختصر وهو إذ تفتّشه |
|
عن ملح العلم غير مختصر |
ذو مقلة تستبين ما رمقت |
|
عن صائب اللحظ صادق الخبر (٣) |
تحمله وهو حامل فلكا |
|
لو لم يدر بالبنان لم يدر |
مسكنه الأرض وهو ينبئنا |
|
عن كلّ ما في السماء من خبر |
أبدعه ربّ فكرة بعدت |
|
في اللطف عن أن تقاس بالفكر |
فاستوجب الشكر والثناء به |
|
من كلّ ذي فطنة من البشر |
فهو لذي اللّبّ شاهد عجب |
|
على اختلاف العقول والصّور |
__________________
(١) في ج : «وقال ابن أبي الصلت أمية .. الخ» وليس بشيء.
(٢) التبر : الذهب ، والصفر : النحاس الأصفر.
(٣) في ه : «صادق النظر».
قلت : وهي من أحسن ما سمعت في الاصطرلاب.
وأمر رحمه الله تعالى أن يكتب على قبره : [الطويل]
سكنتك يا دار الفناء مصدّقا |
|
بأني إلى دار البقاء أصير |
وأعظم ما في الأمر أني صائر |
|
إلى عادل في الحكم ليس يجور |
فيا ليت شعري كيف ألقاه عندها |
|
وزادي قليل والذنوب كثير |
فإن أك مجزيّا بذنبي فإنني |
|
بشرّ عقاب المذنبين جدير |
وإن يك عفو من غنيّ ومفضل |
|
فثمّ نعيم دائم وسرور |
وقال ابن خفاجة (١) ، وهو مما أورده له صاحب الذخيرة : [الطويل]
لقد زار من أهوى على غير موعد |
|
فعاينت بدر التّمّ ذاك التلاقيا |
وعاتبته والعتب يحلو حديثه |
|
وقد بلغت روحي لديه التراقيا |
فلمّا اجتمعنا قلت من فرحي به |
|
من الشّعر بيتا والدموع سواقيا |
(وقد يجمع الله الشتيتين بعدما |
|
يظنّان كلّ الظنّ أن لا تلاقيا) |
ومن مجون الأندلسيين هذه القصيدة المنسوبة لسيدي أبي عبد الله بن الأزرق ، وهي : [الرجز]
عم باتّصال الزمن |
|
ولا تبالي بمن |
وهو يواسي بالرضا |
|
من سمج أو حسن |
أو من عجوز تحتظي |
|
والظهر منها منحني (٢) |
أو من مليح مسعد |
|
موافق في الزمن |
مهما تبدّى خدّه |
|
يبدو لك الورد الجني |
والغصن في أثوابه |
|
إذا تمشّى ينثني |
لا أمّ لي لا أمّ لي |
|
إن لم أبرّد شجني |
وأخلعنّ في المجو |
|
ن والتصابي رسني |
وأجعل الصبر على |
|
هجر الملاح ديدني (٣) |
__________________
(١) ديوان ابن خفاجة ص ٣٦٥.
(٢) في ه : «عجوز تختطي».
(٣) ديدني : عادتي ودأبي.
يا عاذلي في مذهبي |
|
أرداك شرب اللّبن |
أعطيت في البطن سنا |
|
نا إن تخالف سنني |
أيّ فتى خالفني |
|
يوما ولمّا يلقني |
فإنني لناصح |
|
وإنني وإنني |
فلا تكن لي لاحيا |
|
وفي الأمور استفتني |
فلم أزل أعرب عن |
|
نصحي لمن لم يلحني |
وإن تسفّه نظري |
|
ومذهبي وتنهني |
فالصفع تستوجبه |
|
نعم ونتف الذّقن |
والزبل في وجهك يع |
|
لو باتّصال الزمن |
وبعد هذا أشتفي |
|
منك ويبرا شجني |
وأضرب الكفّ أما |
|
م ذلك الوجه الدني |
طقطق طق طقطق طق |
|
أصخ بسمع الأذن |
قحقح قح قحقح قح |
|
الضحك يغلبنّني (١) |
قد كان أولى بك عن |
|
هذي المخازي تنثني |
النّفي تستوجبه |
|
لواسط أو عدن |
عرضت بالنفس كذا |
|
إلى ارتكاب المحن |
أفدي صديقا كان لي |
|
بنفسه يسعدني |
فتارة أنصحه |
|
وتارة ينصحني |
وتارة ألعنه |
|
وتارة يلعنني |
وربّما أصفعه |
|
وربما يصفعني |
أستغفر الله فه |
|
ذا القول لا يعجبني |
يا ليت هذا كلّه |
|
فيما مضى لم يكن |
أضحكت والله بذا ال |
|
حديث من يسمعني |
__________________
(١) في ب : «الضحك يغلبني» ولا يتم به الوزن. وفي ب ، ه : «الضحك يغلبنني».
دهر تولّى وانقضى |
|
عنّي كطيف الوسن (١) |
يا ليتني لم أره |
|
وليته لم يرني |
دنّست فيه جانبي |
|
وملبسي بالدّرن (٢) |
وبعت فيه عيشتي |
|
لكن ببخس الثمن |
كأنني ولست أد |
|
ري الآن ما كأنني |
والله ما التشبيه عن |
|
د شاعر بهيّن |
لكنه أنطقني |
|
بالقول ضيق العطن |
وا حسرتي وا أسفي |
|
زلت وضاعت فطني |
لو أنصف الدهر لما |
|
أخرجني من وطني |
وليس لي من جنّة |
|
وليس لي من مسكن |
أسرّح الطّرف وما |
|
لي دمنة في الدمن (٣) |
وليس لي من فرس |
|
وليس لي من سكن |
يا ليت شعري وعسى |
|
يا ليت أن تنفعني |
هل أمتطي يوما إلى ال |
|
شرق ظهور السّفن |
وأجتلي ما شئته |
|
في المنزل المؤتمن (٤) |
حينئذ أخلع في |
|
هذي القوافي رسني |
وتحسن الفكرة بال |
|
عدوس والسمنسني (٥) |
واللحم مع شحم ومع |
|
طوابق الكبش الثني (٦) |
والبيض في المقلاة بالز |
|
يت اللذيذ الدهن |
وجلدة الفروج مش |
|
ويّا كثير السمن |
من منقذي أفديه من |
|
ذا الجوع والتمسكن |
وعلة قد استوى |
|
فيها الفقير والغني (٧) |
__________________
(١) الوسن : النعاس.
(٢) الدرن : الوسخ.
(٣) الدمنة : آثار الدار ، وجمعها دمن.
(٤) في ه : «في المنزل المؤمن».
(٥) في ج : «الفكرة بالفدوش» محرفا.
(٦) في ج «واللحم مع شحم كذا ..».
(٧) في ه : «وقلة قد استوى».
هل للثريد عودة |
|
إليّ قد شوقني |
تغوص فيه أنملي |
|
غوص الأكول المحسن |
ولي إلى الأسفنج شو |
|
ق دائم يطربني |
وللأرزّ الفضل إذ |
|
تطبخه باللبن |
وللشواء والرقا |
|
ق من هيام أنثني |
واسكت عن الجبن فإنّ |
|
بنته يذهلني |
ظاهرها كالورد أو |
|
باطنها كالسوسن |
أيّ امرئ أبصرها |
|
يوما ولم يفتتن |
تهيم فيها فكر الأس |
|
تاذ والمؤذن |
لو كان عندي معدن |
|
لبعت فيها معدني |
لكنني عزمت أن |
|
أبيع كمّ البدن |
والكمّ قد أكسبه |
|
بعد ولا يكسبني |
لا تنسبوا لي سفها |
|
فالجوع قد أرشدني |
وهات ذكر الكسكسو |
|
فهو شريف وسني (١) |
لا سيما إن كان مص |
|
نوعا بفتل حسن (٢) |
أرفع منه كورا |
|
بهنّ تدوي أذني |
وإن ذكرت غير ذا |
|
أطعمة في الوطن |
فابدأ من المثوّما |
|
ت بالجبنّ الممكن |
من فوقها الفرّوج قد |
|
أنهي في التسمّن |
وثنّ بالعصيدة ال |
|
تي بها تطربني (٣) |
لا سيما إن صنعت |
|
على يدي ممركن |
كذلك البلياط بالز |
|
يت الذي يقنعني |
تطبخه حتى يرى |
|
يحمرّ في التّلوّن |
__________________
(١) الكسكسو : طعام مشهور في بلاد المغرب.
(٢) في ج : «بفعل حسن».
(٣) العصيدة : طحين يلت بالسمن ويطبخ ، جمعها عصائد.
والزبزبنّ في الصحا |
|
ف حسب أهل البطن |
فاسمع قضايا ناصح |
|
يأتي بنصح بيّن (١) |
من اقتنى النقي مني |
|
فهو نعم المقتني (٢) |
وإنّ في شاشية ال |
|
فقير أنسا للغني |
تبعدني عن وصلها |
|
عن وصلها تبعدني |
تؤنسني عن اللقا |
|
عن اللقا تؤنسني (٣) |
فأضلعي إن ذكرت |
|
تهفو كمثل الغصن |
كم رمت تقريبا لها |
|
لكنه لم يهن |
وصدّني عن ذاك ق |
|
لة الوفا بالثمن |
إيه خليلي هذه |
|
مطاعم لكنني |
أعجب من ريقك إذ |
|
يسيل فوق الذقن |
هل نلت منها شبعا؟ |
|
فذكرها أشبعني |
وإن تكن جوعان يا |
|
صاح فكل بالأذن |
فليس عند شاعر |
|
غير كلام الألسن (٤) |
يصوّر الأشياء وه |
|
ي أبدا لم تكن |
فقوله يريك ما |
|
ليس يرى بالممكن |
فاسمح وسامح واقتنع |
|
واطوحشاك واسكن |
ولننصرف فقصدنا |
|
إطراف هذا الموطن |
وقال ابن خفاجة رحمه الله تعالى (٥) : [الكامل]
درسوا العلوم ليملكوا بجدالهم |
|
فيها صدور مراتب ومجالس |
__________________
(١) في ب ، ه : «فاسمع قضاء ناصح».
(٢) ورد هذا البيت في ب ، ه هكذا :
من اقتنى التفني |
|
فهو الآن نعم المقتني |
(٣) في ه : «تؤيسني» في الموضعين.
(٤) في ه : «سوى كلام الألسن».
(٥) ديوان ابن خفاجة ص ٣٦٦.