نفح الطّيب - ج ٤

الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني

نفح الطّيب - ج ٤

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني


المحقق: يوسف الشيخ محمّد البقاعي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٠

يا هلالا تتراءا

ه نفوس لا عيون

عجبا للقلب يقسو

منك والعطف يلين

ما الذي ضرّك لو سرّ

بمرآك الحزين

وتلطّفت بصبّ

حينه فيك يحين (١)

فوجوه اللطف شتّى

والمعاذير فنون (٢)

وقال أيضا (٣) : [الوافر]

إليك من الأنام غدا ارتياحي

وأنت من الزمان مدى اقتراحي

وما اعترضت هموم النّفس إلّا

ومن ذكراك ريحاني وراحي

فديتك ، إنّ صبري عنك صبري ،

لدى عطشي عن الماء القراح

ولي أمل لو الواشون كفّوا

لأطلع غرسه ثمر النّجاح

وأعجب كيف يغلبني عدو

رضاك عليه من أمضى سلاح

ولمّا أن جلتك لي اختلاسا

أكفّ الدهر للحين المتاح (٤)

رأيت الشمس تطلع في نقاب

وغصن البان يرفل في وشاح

فلو أسطيع طرت إليك شوقا

وكيف يطير مقصوص الجناح

على حالي وصال واجتناب

وفي يومي دنوّ وانتزاح

وحسبي أن تطالعك الأماني

بأفقك في مساء أو صباح

فؤادي من أسى بك غير خال

وقلبي من هوى لك غير صاح

وأن تهدي السلام إليّ شوقا

ولو في بعض أنفاس الرياح

وقال (٥) : [مجزوء الكامل]

كم ذا أريد ولا أراد؟

لله ما لقي الفؤاد

أصفي الوداد إلى الذي

لم يصف لي منه الوداد

__________________

(١) الحين ، بفتح الحاء وسكون الياء : الموت والهلاك.

(٢) فنون : أي أنواع.

(٣) ديوان ابن زيدون ص ١٤٨.

(٤) الحين المتاح : الهلاك المقدر.

(٥) ديوان ابن زيدون ص ١٧٨.

١٠١

كيف السّلوّ عن الذي

مثواه من قلبي السواد (١)

يقضي عليّ دلاله

في كلّ حين أو يكاد

ملك القلوب بحسنه

فلها إذا أمر انقياد

يا هاجري كم أستفي

د الصبر عنك فلا أفاد

أفلا رثيت لمن يبي

ت وحشو مقلته السّهاد

إن أجن ذنبا في الهوى

خطأ فقد يكبو الجواد

كان الرضا وأعيذه

أن يعقب الكون الفساد (٢)

وقال (٣) : [المجتث]

متى أنبّيك ما بي

يا راحتي وعذابي

متى ينوب لساني

في شرحه عن كتابي

الله يعلم أني

أصبحت فيك لما بي

فما يلذّ منامي

ولا يسوغ شرابي

يا فتنة المتعزّي

وحجّة المتصابي

الشمس أنت توارت

عن ناظري بالحجاب

ما النور شفّ سناه

على رقيق السّحاب

إلّا كوجهك لمّا

أضاء تحت النّقاب

وقال (٤) : [مجزوء الرمل]

هل لداعيك مجيب؟

أم لشاكيك طبيب

يا قريبا حين ينأى

حاضرا حين يغيب

كيف يسلوك محبّ

زانه منك حبيب

إنّما أنت نسيم

تتلقّاه القلوب

__________________

(١) سواد القلب : مهجته ، حبته.

(٢) الكون والفساد : من اصطلاح الفلاسفة ، يساوي الوجود والعدم ونحوهما.

(٣) ديوان ابن زيدون ص ١٤٩.

(٤) ديوان ابن زيدون ص ١٦٤.

١٠٢

قد علمنا علم ظنّ

هو لا شكّ مصيب

إنّ سرّ الحسن ممّا

أضمرت تلك القلوب

وقال (١) :

أنّى تضيّع عهدك؟

أم كيف تخلف وعدك

وقد رأتك الأماني

رضا فعلم تتعدّك

يا ليت شعري وعندي

ما ليس في الحب عندك

هل طال ليلك بعدي

كطول ليلي بعدك

سلني حياتي أهبها

فلست أملك ردّك

الدهر عبدي لمّا

أصبحت في الحبّ عبدك

وقال رحمه الله تعالى ، وقد أمره السلطان أن يعارض قطعا كان يغنّى بها واستحسن ألحانها(٢): [المتقارب]

يقصّر قربك ليلي الطويلا

ويشفي وصالك قلبي العليلا

وإن عصفت منك ريح الصّدود

فقدت نسيم الحياة البليلا

كما أنني إن أطلت العثار

ولم يبد عذري وجها جميلا

وجدت أبا القاسم الظّافر الم

ؤيّد بالله مولى مقيلا (٣)

لأقلامه فعل أسيافه

يظلّ الصّرير يباري الصّليلا

وقال يهنّيه بالقدوم من السفر (٤) : [الرمل]

أيها الظافر أبشر بالظّفر

واجتل التأييد في أبهى الصّور

وتفيّأ ظلّ سعد يجتنى

فيه من غرس المنى أحلى الثمر

ورد النّجح فكم مستوحش

شائق منك إلى أنس الصّدر

كان من قربك في عيش ند

عاطر الآصال وضّاح البكر

__________________

(١) ديوان ابن زيدون ص ١٦٥.

(٢) ديوان ابن زيدون ص ٥١٢.

(٣) أقال عثرته : أنهضه من سقوطه ، ومقيل اسم فاعل من أقال.

(٤) ديوان ابن زيدون ص ٥١٤.

١٠٣

فثوى دونك مثوى قلق

يشتكي من ليله مطل السّحر

قل لساقينا يجد أكؤسه

ولشادينا يطل قطع الوتر

ومنها :

لي فيه المثل السائر في

جالب التّمر إلى أرض هجر

ثم قد وفّق عبد عظمت

نعمة المولى عليه فشكر

لا عدا حظّك إقبال يرى

قاضيا أبناءه كلّ وطر (١)

واصطبح كأس الرّضا من ملك

سرت في إرضائه أزكى السّير

حين صمّمت إلى أعدائه

فانتحتهم منك صمّاء الغير (٢)

فاض غمر للندى من فوقهم

كان يروي شربهم منه العمر

سبق الناس فصلّى سابق

إذ رأى آثاره مثل الزّهر

وهي طويلة.

وقال رحمه الله تعالى (٣) : [الرمل]

لم يكن هجر حبيبي عن قلا

لا ولا ذاك التّجنّي مللا (٤)

سرّه دعوى ادعائي ثم لم

يدر ما غاية صبري فابتلى

أنا راض بالذي يرضى به

لي من لو قال مت ما قلت لا

مثل في كلّ حسن مثل ما

صار حالي في هواه مثلا

يا فتيت المسك يا شمس الضحى

يا قضيب البان يا ظبي الفلا

إن يكن لي أمل غير الرّضا

منك لا بلّغت ذاك الأملا

وقال رحمه الله تعالى (٥) : [البسيط]

أذكرتني سالف العيش الذي طابا

يا ليت غائب ذاك الوقت قد آبا (٦)

إذ نحن في روضة للوصل أنعمها

من السرور غمام فوقها صابا

__________________

(١) الوطر : الحاجة.

(٢) في ب : «صماء الغبر».

(٣) ديوان ابن زيدون ص ١٦٥.

(٤) القلا : البغض

(٥) ديوان ابن زيدون ص ١٢٣.

(٦) في الديوان : «يا ليت غائب ذاك العهد ...».

١٠٤

إني لأعجب من شوق يطالبني

فكلّما قيل فيه قد قضى ثابا (١)

كم نظرة لك عندي قد علمت بها

يوم الزيارة أنّ القلب قد ذابا

قلب يطيل معاصاتي لطاعتكم

فإن أكلّفه يوما سلوة يابى (٢)

وقال رحمه الله تعالى (٣) : [البسيط]

عاودت ذكر الهوى من بعد نسياني

واستحدث القلب بعد العشق سلواني

من حبّ جارية يبدو بها صنم

من اللّجين عليها تاج عقيان (٤)

غريرة لم تفارقها تمائمها

تسبي القلوب بساجي الطّرف وسنان

لأستجدّنّ في عشقي لها زمنا

يحيي سوالف أيامي وأزماني

حتّى يكون لمن أحببت خاتمة

نسخت في حبّها كفرا بإيمان

وقال رحمه الله تعالى (٥) : [الخفيف]

أنت معنى الهوى وسرّ الدموع

وسبيل الهوى وقصد الولوع

أنت والشمس ضرّتان ولكن

لك عند الغروب فضل الطّلوع

ليس يا مؤنسي نكلّفك العت

ب دلالا من الرّضا الممنوع (٦)

إنما أنت والحسود معنّى

كوكب يستقيم بعد الرجوع

وقال رحمه الله تعالى (٧) : [مجزوء الكامل]

يا ليل ، طل لا أشتهي

إلا كعهدي قصرك

لو بات عندي قمري

ما بتّ أرعى قمرك

يا ليل ، خبّر أنني

ألتذّ عنه خبرك

بالله قل لي هل وفى؟

فقال : لا بل غدرك

وقال رحمه الله تعالى (٨) : [المتقارب]

لئن فاتني منك حظّ النّظر

لأكتفين بسماع الخبر

__________________

(١) ثاب : رجع.

(٢) يابى : يأبى ، خففه لضرورة القافية.

(٣) ديوان ابن زيدون ص ١٩٢.

(٤) اللجين : الفضة ، والعقيان : الذهب.

(٥) ديوان ابن زيدون ص ١٦٦.

(٦) في الديوان «ليس يا مؤنسي تكلّفك العتب ..».

(٧) ديوان ابن زيدون ص ١٨٢.

(٨) ديوان ابن زيدون ص ١٦٨.

١٠٥

وإن عرضت غفلة للرقيب

فحسبي بتسليمة تختصر (١)

أحاذر أن يتجنّى الوشاة

وقد يستدام الهوى بالحذر

فأصبر مستيقنا أنه

سيحظى بليل المنى من صبر

وقال أيضا رحمه الله تعالى (٢) : [مجزوء الرمل]

أيها البدر الذي يم

لأ عيني من تأمّل

حمّل القلب تباري

ح التّجنّي فتحمّل

ثم لا تيأس فكم قد

نيل أمر لم يؤمّل

وقال أيضا رحمه الله تعالى (٣) : [الطويل]

أجدّ ومن أهواه في الحبّ عابث

وأوفي له بالعهد إذ هو ناكث

حبيب نأى عنّي مع القرب والأسى

مقيم له في مضمر القلب ماكث

جفاني بألطاف العدا وأزاله

عن الوصل رأي في القطيعة حادث

تغيّرت عن عهدي وما زلت واثقا

بعهدك لكن غيّرتك الحوادث

وما كنت إذ ملّكتك القلب عالما

بأني عن حتفي بكفّي باحث

ستبلى الليالي والوداد بحاله

مقيم وغضّ وهو للأرض وارث

فلو أنني أقسمت أنك قاتلي

وأني مقتول لما قيل حانث (٤)

وقال رحمه الله تعالى (٥) : [مجزوء الخفيف]

يا غزالا أصارني

موثقا في يد المحن

إنني مذ هجرتني

لم أذق لذّة الوسن

ليت حظّي إشارة

منك أو لحظة تعنّ

شافعي يا معذّبي

في الهوى وجهك الحسن

كنت خلوا من الهوى

وأنا اليوم مرتهن

__________________

(١) في ج وفي الديوان «محسبي تسليمة تختصر».

(٢) ديوان ابن زيدون ص ١٨٢.

(٣) ديوان ابن زيدون ص ١٨٣.

(٤) في ه : «وإني لمقتول لما قيل حانث». وحنث في يمينه : لم يف به.

(٥) ديوان ابن زيدون ص ١٨٦.

١٠٦

كان سرّي مكتّما

وهو الآن قد علن

ليس لي عنك مذهب

فكما شئت لي فكن

وقال رحمه الله تعالى (١) : [الوافر]

أيوحش لي الزمان وأنت أنسي

ويظلم لي النهار وأنت شمسي

وأغرس في محبّتك الأماني

وأجني الموت من ثمرات غرسي

لقد جازيت غدرا عن وفائي

وبعت مودّتي ظلما ببخس

ولو أنّ الزمان أطاع حكمي

فديتك من مكارهه بنفسي

ومحاسن ابن زيدون كثيرة ، وقد ذكرنا منها في غير هذا المحلّ جملة.

وسألت جارية من جواري الأندلس ذا الوزارتين أبا الوليد بن زيدون أن يزيد على بيت أنشدته إيّاه ، وهو (٢) : [البسيط]

يا معطشي من وصال كنت وارده

هل منك لي غلّة إن صحت : واعطشي (٣)

قال : وكانت الجارية المذكورة تتعشّق فتّى قرشيّا ، والوزير يعلم ذلك ، وهي لا تعلم أنه يعلم ، فقال : [البسيط]

كسوتني من ثياب السّقم أسبغها

ظلما وصيّرت من لحف الضّنى فرشي

أنّى بصرف الهوى عن مقلة كحلت

بالسّحر منك وخدّ بالجمال وشي

لمّا بدا الصّدغ مسودّا بأحمره

أرى التشاكل بين الروم والحبش

أوفى إلى الخدّ ثم انصاع منعطفا

كالعقربان انثنى من خوف محترش

لو شئت زرت وسلك الليل منتظم

والأفق يختال في ثوب من الغبش (٤)

جفا إذا التذّت الأجفان طيب كرى

جفني المنام وصاح الليل : يا قرشي (٥)

هذا وإن تلفت نفسي فلا عجب

قد كان قتلي في تلك الجفون حشي

وكان لابن الحاج صاحب قرطبة ثلاثة أولاد من أجمل الناس صورة : رحمون ، وعزّون ، وحسون ، فأولع بهم الحافظ الشهير أبو محمد بن السيد البطليوسي صاحب «شرح أدب الكاتب» وغيره وقال فيهم : [البسيط]

__________________

(١) ديوان ابن زيدون ص ١٨٥.

(٢) ديوان ابن زيدون ص ١٧٠.

(٣) في ه : «يا معطشي عن وصال».

(٤) في الديوان : «لو شئت زرت وسلك النجم».

(٥) في الديوان «طعم كرى». وفي ه : «طيف كرى».

١٠٧

أخفيت سقمي حتى كاد يحفيني

وهمت في حبّ عزّون فعزّوني

ثم ارحموني برحمون وإن ظمئت

نفسي إلى ريق حسّون فحسّوني

قال : ثم خاف على نفسه ، فخرج عن قرطبة ، وهو القائل : [الكامل]

نفسي الفداء لجؤذر حلو اللّمى

مستحسن بصدوده أفناني (١)

في فيه سمطا جوهر يروي الظما

لو علّني ببروده أحياني (٢)

وهذان البيتان تخرج منهما عدة مقطعات كما لا يخفى.

وقال أبو بكر محمد بن أحمد الأنصاري الإشبيلي المعروف بالأبيض ، في تهنئة بمولود ، قال ابن دحية : وهذا أبدع ما قيل في هذا المعنى : [البسيط]

أصاخت الخيل آذانا لصرخته

واهتزّ كلّ هزبر عندما عطسا (٣)

تعشّق الدّرع مذ شدّت لفائفه

وأبغض المهد لمّا أبصر الفرسا

تعلّم الركض أيام المخاض به

فما امتطى الخيل إلّا وهو قد فرسا (٤)

وقال الوزير الكاتب أبو عامر السالمي في غلام يرشّ الماء على خدّيه فتزداد حمرتهما : [البسيط]

لقد نعمت بحمّام تطلّع في

أرجائه قمر والحسن يكمله

أبصرته كلّما راقت محاسنه

ونعمة الجسم والأرداف تخجله

يرشّ بالماء خدّيه فقلت له

صف لي لما أحمر الياقوت تصقله

فقال طرفي سفّاك بصارمه

دماء قوم على خدّي فأغسله

وقال أيضا : [مجزوء الرمل]

أوقد النار بقلبي

ثم هبّت ريح صدّه

فشرار النار طارت

فانطفت في ماء خدّه

وهو تخييل عجيب.

__________________

(١) الجؤذر : ولد البقرة الوحشية ، واللمى : سمرة مستحسنة في باطن الشفة.

(٢) السمط : القلادة.

(٣) الهزبر : الأسد.

(٤) فرس : افترس.

١٠٨

وقال ابن الحنّاط (١) المكفوف الأندلسي في المعنى المشهور : [الكامل]

لم يخل من نوب الزمان أديب

كلّا فشأن النائبات عجيب

وغضارة الأيام تأبى أن يرى

فيها لأبناء الذكاء نصيب

وكذاك من صحب الليالي طالبا

جدّا وفهما فاته المطلوب

وكان ابن الزّقاق الأندلسي الشاعر المشهور ـ وقد تكرّر ذكره في هذا الكتاب (٢) مرات كثيرة ـ يسهر في الليل ، ويشتغل بالأدب ، وكان أبوه فقيرا جدا ، فلامه ، وقال له : نحن فقراء ، ولا طاقة لنا بالزيت الذي تسهر عليه ، فاتّفق أن برع في الأدب والعلم ونظم الشعر ، فقال في أبي بكر بن عبد العزيز صاحب بلنسية قصيدة أوّلها : [السريع]

يا شمس خدر ما لها مغرب

أرامة خدرك أم يثرب (٣)

ذهبت فاستعبر طرفي دما

مفضّض الدّمع به مذهب

ومنها :

ناشدتك الله نسيم الصّبا

أنّى استقرّت بعدنا زينب

لم نسر إلّا بشذا عرفها

أو لا فماذا النّفس الطّيّب

إيه وإن عذّبني حبّها

فمن عذاب النّفس ما يعذب

فأطلق له ثلاثمائة دينار ، فجاء بها إلى أبيه وهو جالس في حانوته مكبّ على صنعته ، فوضعها في حجره ، وقال : خذها فاشتر بها زيتا.

وقال رحمه الله تعالى في غلام يرمي حجرا فشدخ وجهه : [المتقارب]

وأحوى رمى عن قسيّ الحور

سهاما يفوّقهنّ النظر (٤)

يقولون وجنته قسّمت

ورسم محاسنه قد دثر

وما شقّ وجنته عابثا

ولكنّها آية للبشر

جلاها لنا الله كيما نرى

بها كيف كان انشقاق القمر

__________________

(١) في أ«ابن الخياط». والتصويب من الذخيرة ١ / ١ : ٣٩٢.

(٢) في ب ، ه : «في هذا التأليف».

(٣) في أ : «حزوك».

(٤) فوّق السهم : صوبه وجعل له فوقا أي سوطا.

١٠٩

وقال أيضا : [الكامل]

بأبي وغير أبي أغنّ مهفهف

مهضوم ما خلف الوشاح خميصه

لبس السواد ومزّقته جفونه

فأتى كيوسف حين قدّ قميصه

وقال أيضا : [الطويل]

سقتني بيمناها وفيها فلم أزل

يجاذبني من ذا ومن هذه سكر

ترشّفت فاها إذ ترشّفت كأسها

فلا والهوى لم أدر أيّهما الخمر (١)

وقال : [البسيط]

رقّ النسيم وراق الروض بالزّهر

فنبّه الكأس والإبريق بالوتر

ما العيش إلّا اصطباح الراح أو شنب

يغني عن الراح من سلسال ذي أشر (٢)

قل للكواعب غضّي للكرى مقلا

فأعين الزّهر أولى منك بالسّهر

وللصباح ألا فانشر رداء سنا

هذا الدّجى قد طوته راحة السّحر

وقام بالقهوة الصهباء ذو هيف

يكاد معطفه ينقدّ بالنّظر

يطفو عليها إذا ما شجّها درر

تخالها اختلست من ثغره الخصر (٣)

والكأس من كفّه بالراح محدقة

كهالة أحدقت في الأفق بالقمر

وقال : [الطويل]

تضوّعن أنفاسا وأشرقن أوجها

فهنّ منيرات الصباح بواسم

لئن كنّ زهرا فالجوانح أبرج

وإن كنّ زهرا فالقلوب كمائم (٤)

وهو من بديع التقسيم.

وقال السميسر : [الوافر]

تحفّظ من ثيابك ثم صنها

وإلّا سوف تلبسها حدادا

__________________

(١) ترشّفت فاها : تمصصت فمها.

(٢) الشنب : صفاء الأسنان وابيضاضها.

(٣) شجها : مزجها بالماء. وأراد بالدرر : الحبب الطافي على سطح الخمر. والثغر الخصر : الثغر البارد.

(٤) الزّهر : أراد النجوم. والأبرج : جمع برج ، وهو منزلة الكواكب. والكمائم : جمع كمامة ، وهي غلاف الزهر.

١١٠

وميّز في زمانك كلّ حبر

وناظر أهله تسد العبادا

وظنّ بسائر الأجناس خيرا

وأمّا جنس آدم فالبعادا

أرادوني بجمعهم فردّوا

على الأعقاب قد نكصوا فرادى

وعادوا بعد ذا إخوان صدق

كبعض عقارب رجعت جرادا

وقال ابن رزين ، وهو من رجال الذخيرة (١) : [مجزوء الكامل]

لأسرّحنّ نواظري

في ذلك الروض النضير

ولآكلنّك بالمنى

ولأشربنّك بالضمير

وقال سلطان بلنسية عبد الملك بن مروان بن عبد الله بن عبد العزيز (٢) : [الطويل]

ولا غرو بعدي أن يسوّد معشر

فيضحي لهم يوم وليس لهم أمس

كذاك نجوم الجوّ تبدو زواهرا

إذا ما توارت في مغاربها الشمس

وتحاكم إلى أبي أيوب سليمان بن محمد بن بطال البطليوسي المعروف بالمتلمس غلامان جميلان لأحدهما وفرة (٣) شقراء ، وللآخر سوداء : أيهما أحسن؟ والمتلمس المذكور هو صاحب كتاب «الأحكام ، فيما لا يستغني عنه الحكام» فقال : [البسيط]

وشادنين ألمّا بي على مقة

تنازعا الحسن في غايات مستبق

كأنّ لمّة ذا من نرجس خلقت

على بهار وذا مسك على ورق

وحكّما الصّبّ في التفضيل بينهما

ولم يخافا عليه رشوة الحدق

فقام يدلي إليه الرّيم حجّته

مبيّنا بلسان منه منطلق

فقال : وجهي بدر يستضاء به

ولون شعري مصبوغ من الغسق

وكحل عيني سحر للنّهى وكذا

والسحر أحسن ما يعزى إلى الحدق

فقال صاحبه : أحسنت وصفك ل

كن فاستمع لمقال فيّ متّفق

أنا على أفقي شمس النهار ، ولم

تغرب وشقرة شعري حمرة الشفق

وفضل ما عيب في عينيّ من زرق

أنّ الأسنّة قد تعزى إلى الزّرق

__________________

(١) انظر الذخيرة ج ٣ ص ٣٣.

(٢) انظر المغرب ج ٢ ص ٣٠٠.

(٣) الوفرة : الشعر المجتمع على الرأس ، أو ما جاوز شحمة الأذن.

١١١

قضيت للّمّة الشقراء حيث حكت

نورا كذا حبّها يقضي على رمقي

فقام ذو اللّمّة السوداء يرشقني

سهام أجفانه من شدّة الحنق

وقال جرت فقلت الجور منك على

قلبي ولي شاهد من دمعي الغدق

فقلت عفوك إذ أصبحت متّهما

فقال دونك هذا الحبل فاختنق

وقال أبو محمد عبد الله بن غالب : [الكامل]

ومهفهف خنث الجفون كأنما

من أرجل النمل استفاد عذارا (١)

فتخاله ليلا إذا استقبلته

وتخال ما يجري عليه نهارا

وقال أبو القاسم خلف بن فرج السميسر المتقدّم : [المجتث]

الناس مثل حباب

والدّهر لجّة ماء (٢)

فعالم في طفوّ

وعالم في انطفاء

وقال أحمد بن برد الأندلسي في النرجس ، وهو البهار عند الأندلسيين ، ويسمّى العبهر:[الطويل]

تنبّه فقد شقّ البهار مغلّسا

كمائمه عن نوره الخضل النّدي

مداهن تبر في أنامل فضّة

على أذرع مخروطة من زبرجد

وقال الوزير عبد المجيد بن عبدون في دار أنزله بها المتوكل بن الأفطس وسقفها قديم ، فهطل عليه المطر منه : [الطويل]

أيا ساميا من جانبيه إلى العلا

(سموّ حباب الماء حالا إلى حال)

لعبدك دار حلّ فيها كأنها

(ديار لسلمى عافيات بذي الخال)

يقول لها لمّا رأى من دثورها

(ألا عم صباحا أيها الطلل البالي)

فقالت ولم تعبأ بردّ جوابه

(وهل يعمن من كان في العصر الخالي) (٣)

فمر صاحب الإنزال فيها بفاصل

(فإنّ الفتى يهذي وليس بفعّال)

قيل : وهو أبو عذرة (٤) تضمين لامية امرئ القيس ، وقد أولع الناس بعده بتضمينها.

__________________

(١) خنث الجفون : تشبه جفونه جفون المخنث.

(٢) الحباب ، بفتح الحاء : الفقاقيع التي تظهر على سطح الماء.

(٣) في ب : «فقالت وما عيّت جوابا بردّها».

(٤) يقال : هو أبو عذرة كذا ، أي هو أول من فعله. وهو أبو عذرة تضمين لامية امرئ القيس ، أي هو أول من ضمنها.

١١٢

وقال أبو الفضل بن حسداي ، وكان يهوديّا فأسلم ، ويقال : إنه من ولد موسى على نبيّنا وعليه وعلى سائر الأنبياء الصلاة والسلام : [البسيط]

توريد خدّك للأحداق لذّات

عليه من عنبر الأصداغ لامات

نيران هجرك للعشّاق نار لظى

لكن وصالك إن واصلت جنّات

كأنما الراح والراحات تحملها

بدور تمّ وأيدي الشّرب هالات (١)

حشاشة ما تركنا الماء يقتلها

إلّا لتحيا بها منّا حشاشات

قد كان من قبلها في كأسها ثقل

فخفّ إذ ملئت منها الزجاجات

وقد تبارى المشارقة والمغاربة من المتقدّمين والمتأخّرين في هذا الوزن والقافية ، ولو لا خوف السآمة لذكرت من ذلك الجملة الشافية الكافية.

ومن سرعة جواب أهل الأندلس أنّ ابن عبد ربه كان صديقا لأبي محمد يحيى القلفاط الشاعر ، ففسد ما بينهما بسبب أنّ ابن عبد ربه صاحب العقد مرّ به يوما وكان في مشيه اضطراب ، فقال : أبا عمر ما علمت أنك آدر (٢) إلّا اليوم لمّا رأيت مشيك ، فقال له ابن عبد ربه : كذبتك عرسك (٣) أبا محمد ، فعزّ على القلفاط كلامه ، وقال له : أتتعرّض للحرم؟ والله لأرينّك كيف الهجاء ، ثم صنع فيه قصيدة أوّلها : [البسيط]

يا عرس أحمد ، أني مزمع سفرا

فودّعيني سرّا من أبي عمرا

ثم تهاجيا بعد ذلك. وكان القلفاط يلقبه بطلاس لأنه كان أطلس اللحية ، ويسمّي كتاب «العقد» حبل الثوم ، فاتّفق اجتماعهما يوما عند بعض الوزراء ، فقال الوزير للقلفاط : كيف حالك اليوم مع أبي عمر؟ فقال مرتجلا : [السريع]

حال طلاس لي عن رائه

وكنت في قعدد أبنائه (٤)

فبدر ابن عبد ربه وقال : [السريع]

إن كنت في قعدد أبنائه

فقد سقى أمّك من مائه

فانقطع القلفاط خجلا. وعاش ابن عبد ربه ٨٢ سنة ، رحمه الله تعالى!

ومن الحكايات في مروءة أهل الأندلس ما ذكره صاحب «الملتمس» في ترجمة الكاتب

__________________

(١) الشّرب : الجماعة الشاربون.

(٢) الآدر : منتفخ الخصية.

(٣) العرس ، بكسر العين وسكون الراء : الزوجة.

(٤) في ه : «مال طلاس لي عن رأيه».

١١٣

الأديب الشهير أبي الحسين بن جبير صاحب الرحلة ، وقد قدّمنا ترجمته في الباب الخامس من هذا الكتاب ، وذكرنا هنالك أنه كان من أهل المروءات عاشقا في قضاء الحوائج والسعي في حقوق الإخوان ، وأنشدنا هنالك قوله :

يحسب الناس بأني متعب

إلى آخره (١).

وقد ذكر ذلك كلّه صاحب «الملتمس» ثم قال ـ أعني صاحب الملتمس ـ :

ومن أغرب ما يحكى أني كنت أحرص الناس على أن أصاهر قاضي غرناطة أبا محمد عبد المنعم بن الفرس (٢) ، فجعلته ـ يعني ابن جبير ـ الواسطة حتى تيسّر ذلك ، فلم يوفّق الله ما بيني وبين الزوجة ، فجئته وشكوت له ذلك ، فقال : أنا ما كان القصد لي في اجتماعكما ، ولكن سعيت جهدي في غرضك ، وها أنا أسعى أيضا في افتراقكا (٣) ، إذ هو من غرضك ، وخرج في الحين ففصل القضية ، ولم أر في وجهه أولا ولا آخرا عنوانا لامتنان ولا تصعيب ، ثم إنه طرق بابي ، ففتحت له ، ودخل وفي يده محفظة فيها مائة دينار مؤمنية ، ثم قال : يا ابن أخي ، اعلم أني كنت السبب في هذه القضية ، ولم أشكّ أنك خسرت فيها ما يقارب هذا القدر الذي وجدته الآن عند عمّك ، فبالله إلّا ما سررتني بقبوله ، فقلت له : أنا ما أستحيي منك في هذا الأمر ، والله إن أخذت هذا المال لأتلفنّه فيما أتلفت فيه مال والدي من أمور الشباب ، ولا يحلّ لك أن تمكنني منه (٤) بعد أن شرحت لك أمري ، فتبسّم وقال : لقد احتلت في الخروج عن المنّة بحيلة ، وانصرف بماله ، انتهى.

ثم قال صاحب «الملتمس» : وتذاكرنا يوما معه حالة الزاهد أبي عمران المارتلي ، فقال: صحبته مدّة فما رأيت مثله ، وأنشدني شعرين ما نسيتهما ، ولا أنساهما ما استطعت ، فالأول قوله : [المتقارب]

إلى كم أقول فلا أفعل

وكم ذا أحوم ولا أنزل

وأزجر عيني فلا ترعوي

وأنصح نفسي فلا تقبل (٥)

وكم ذا تعلّل لي ويحها

بعلّ وسوف وكم تمطل

__________________

(١) «إلى آخره» ساقطة من ب.

(٢) في ب ، ه : «ابن الفرس».

(٣) في ب : «افتراقكما».

(٤) في ه : «أن تمكنني به».

(٥) ترعوي : ترجع ، تمتنع.

١١٤

وكم ذا أؤمّل طول البقا

وأغفل والموت لا يغفل

وفي كلّ يوم ينادي بنا

منادي الرحيل ألا فارحلوا

أمن بعد سبعين أرجو البقا

وسبع أتت بعدها تعجل

كأن بي وشيكا إلى مصرعي

يساق بنعشي ولا أمهل

فيا ليت شعري بعد السؤال

وطول المقام لما أنقل

والثاني قوله : [مجزوء الكامل]

اسمع أخيّ نصيحتي

والنّصح من محض الديانه

لا تقربنّ إلى الشها

دة والوساطة والأمانه

تسلم من ان تعزى لزو

ر أو فضول أو خيانه

قال : فقلت له : أراك لم تعمل بوصيّته في الوساطة ، فقال : ما ساعدتني رقة وجهي على ذلك ، انتهى.

رجع إلى نظم الأندلسيين :

وقال أبو الصلت (١) أمية بن عبد العزيز : [المنسرح]

أفضل ما استصحب النبيل فلا

تعدل به في المقام والسّفر

جرم إذا ما التمست قيمته

جلّ عن التّبر وهو من صفر (٢)

مختصر وهو إذ تفتّشه

عن ملح العلم غير مختصر

ذو مقلة تستبين ما رمقت

عن صائب اللحظ صادق الخبر (٣)

تحمله وهو حامل فلكا

لو لم يدر بالبنان لم يدر

مسكنه الأرض وهو ينبئنا

عن كلّ ما في السماء من خبر

أبدعه ربّ فكرة بعدت

في اللطف عن أن تقاس بالفكر

فاستوجب الشكر والثناء به

من كلّ ذي فطنة من البشر

فهو لذي اللّبّ شاهد عجب

على اختلاف العقول والصّور

__________________

(١) في ج : «وقال ابن أبي الصلت أمية .. الخ» وليس بشيء.

(٢) التبر : الذهب ، والصفر : النحاس الأصفر.

(٣) في ه : «صادق النظر».

١١٥

قلت : وهي من أحسن ما سمعت في الاصطرلاب.

وأمر رحمه الله تعالى أن يكتب على قبره : [الطويل]

سكنتك يا دار الفناء مصدّقا

بأني إلى دار البقاء أصير

وأعظم ما في الأمر أني صائر

إلى عادل في الحكم ليس يجور

فيا ليت شعري كيف ألقاه عندها

وزادي قليل والذنوب كثير

فإن أك مجزيّا بذنبي فإنني

بشرّ عقاب المذنبين جدير

وإن يك عفو من غنيّ ومفضل

فثمّ نعيم دائم وسرور

وقال ابن خفاجة (١) ، وهو مما أورده له صاحب الذخيرة : [الطويل]

لقد زار من أهوى على غير موعد

فعاينت بدر التّمّ ذاك التلاقيا

وعاتبته والعتب يحلو حديثه

وقد بلغت روحي لديه التراقيا

فلمّا اجتمعنا قلت من فرحي به

من الشّعر بيتا والدموع سواقيا

(وقد يجمع الله الشتيتين بعدما

يظنّان كلّ الظنّ أن لا تلاقيا)

ومن مجون الأندلسيين هذه القصيدة المنسوبة لسيدي أبي عبد الله بن الأزرق ، وهي : [الرجز]

عم باتّصال الزمن

ولا تبالي بمن

وهو يواسي بالرضا

من سمج أو حسن

أو من عجوز تحتظي

والظهر منها منحني (٢)

أو من مليح مسعد

موافق في الزمن

مهما تبدّى خدّه

يبدو لك الورد الجني

والغصن في أثوابه

إذا تمشّى ينثني

لا أمّ لي لا أمّ لي

إن لم أبرّد شجني

وأخلعنّ في المجو

ن والتصابي رسني

وأجعل الصبر على

هجر الملاح ديدني (٣)

__________________

(١) ديوان ابن خفاجة ص ٣٦٥.

(٢) في ه : «عجوز تختطي».

(٣) ديدني : عادتي ودأبي.

١١٦

يا عاذلي في مذهبي

أرداك شرب اللّبن

أعطيت في البطن سنا

نا إن تخالف سنني

أيّ فتى خالفني

يوما ولمّا يلقني

فإنني لناصح

وإنني وإنني

فلا تكن لي لاحيا

وفي الأمور استفتني

فلم أزل أعرب عن

نصحي لمن لم يلحني

وإن تسفّه نظري

ومذهبي وتنهني

فالصفع تستوجبه

نعم ونتف الذّقن

والزبل في وجهك يع

لو باتّصال الزمن

وبعد هذا أشتفي

منك ويبرا شجني

وأضرب الكفّ أما

م ذلك الوجه الدني

طقطق طق طقطق طق

أصخ بسمع الأذن

قحقح قح قحقح قح

الضحك يغلبنّني (١)

قد كان أولى بك عن

هذي المخازي تنثني

النّفي تستوجبه

لواسط أو عدن

عرضت بالنفس كذا

إلى ارتكاب المحن

أفدي صديقا كان لي

بنفسه يسعدني

فتارة أنصحه

وتارة ينصحني

وتارة ألعنه

وتارة يلعنني

وربّما أصفعه

وربما يصفعني

أستغفر الله فه

ذا القول لا يعجبني

يا ليت هذا كلّه

فيما مضى لم يكن

أضحكت والله بذا ال

حديث من يسمعني

__________________

(١) في ب : «الضحك يغلبني» ولا يتم به الوزن. وفي ب ، ه : «الضحك يغلبنني».

١١٧

دهر تولّى وانقضى

عنّي كطيف الوسن (١)

يا ليتني لم أره

وليته لم يرني

دنّست فيه جانبي

وملبسي بالدّرن (٢)

وبعت فيه عيشتي

لكن ببخس الثمن

كأنني ولست أد

ري الآن ما كأنني

والله ما التشبيه عن

د شاعر بهيّن

لكنه أنطقني

بالقول ضيق العطن

وا حسرتي وا أسفي

زلت وضاعت فطني

لو أنصف الدهر لما

أخرجني من وطني

وليس لي من جنّة

وليس لي من مسكن

أسرّح الطّرف وما

لي دمنة في الدمن (٣)

وليس لي من فرس

وليس لي من سكن

يا ليت شعري وعسى

يا ليت أن تنفعني

هل أمتطي يوما إلى ال

شرق ظهور السّفن

وأجتلي ما شئته

في المنزل المؤتمن (٤)

حينئذ أخلع في

هذي القوافي رسني

وتحسن الفكرة بال

عدوس والسمنسني (٥)

واللحم مع شحم ومع

طوابق الكبش الثني (٦)

والبيض في المقلاة بالز

يت اللذيذ الدهن

وجلدة الفروج مش

ويّا كثير السمن

من منقذي أفديه من

ذا الجوع والتمسكن

وعلة قد استوى

فيها الفقير والغني (٧)

__________________

(١) الوسن : النعاس.

(٢) الدرن : الوسخ.

(٣) الدمنة : آثار الدار ، وجمعها دمن.

(٤) في ه : «في المنزل المؤمن».

(٥) في ج : «الفكرة بالفدوش» محرفا.

(٦) في ج «واللحم مع شحم كذا ..».

(٧) في ه : «وقلة قد استوى».

١١٨

هل للثريد عودة

إليّ قد شوقني

تغوص فيه أنملي

غوص الأكول المحسن

ولي إلى الأسفنج شو

ق دائم يطربني

وللأرزّ الفضل إذ

تطبخه باللبن

وللشواء والرقا

ق من هيام أنثني

واسكت عن الجبن فإنّ

بنته يذهلني

ظاهرها كالورد أو

باطنها كالسوسن

أيّ امرئ أبصرها

يوما ولم يفتتن

تهيم فيها فكر الأس

تاذ والمؤذن

لو كان عندي معدن

لبعت فيها معدني

لكنني عزمت أن

أبيع كمّ البدن

والكمّ قد أكسبه

بعد ولا يكسبني

لا تنسبوا لي سفها

فالجوع قد أرشدني

وهات ذكر الكسكسو

فهو شريف وسني (١)

لا سيما إن كان مص

نوعا بفتل حسن (٢)

أرفع منه كورا

بهنّ تدوي أذني

وإن ذكرت غير ذا

أطعمة في الوطن

فابدأ من المثوّما

ت بالجبنّ الممكن

من فوقها الفرّوج قد

أنهي في التسمّن

وثنّ بالعصيدة ال

تي بها تطربني (٣)

لا سيما إن صنعت

على يدي ممركن

كذلك البلياط بالز

يت الذي يقنعني

تطبخه حتى يرى

يحمرّ في التّلوّن

__________________

(١) الكسكسو : طعام مشهور في بلاد المغرب.

(٢) في ج : «بفعل حسن».

(٣) العصيدة : طحين يلت بالسمن ويطبخ ، جمعها عصائد.

١١٩

والزبزبنّ في الصحا

ف حسب أهل البطن

فاسمع قضايا ناصح

يأتي بنصح بيّن (١)

من اقتنى النقي مني

فهو نعم المقتني (٢)

وإنّ في شاشية ال

فقير أنسا للغني

تبعدني عن وصلها

عن وصلها تبعدني

تؤنسني عن اللقا

عن اللقا تؤنسني (٣)

فأضلعي إن ذكرت

تهفو كمثل الغصن

كم رمت تقريبا لها

لكنه لم يهن

وصدّني عن ذاك ق

لة الوفا بالثمن

إيه خليلي هذه

مطاعم لكنني

أعجب من ريقك إذ

يسيل فوق الذقن

هل نلت منها شبعا؟

فذكرها أشبعني

وإن تكن جوعان يا

صاح فكل بالأذن

فليس عند شاعر

غير كلام الألسن (٤)

يصوّر الأشياء وه

ي أبدا لم تكن

فقوله يريك ما

ليس يرى بالممكن

فاسمح وسامح واقتنع

واطوحشاك واسكن

ولننصرف فقصدنا

إطراف هذا الموطن

وقال ابن خفاجة رحمه الله تعالى (٥) : [الكامل]

درسوا العلوم ليملكوا بجدالهم

فيها صدور مراتب ومجالس

__________________

(١) في ب ، ه : «فاسمع قضاء ناصح».

(٢) ورد هذا البيت في ب ، ه هكذا :

من اقتنى التفني

فهو الآن نعم المقتني

(٣) في ه : «تؤيسني» في الموضعين.

(٤) في ه : «سوى كلام الألسن».

(٥) ديوان ابن خفاجة ص ٣٦٦.

١٢٠