تراثنا ـ العددان [ 38 و 39 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 38 و 39 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٨

سأبكي على ذنبي وأوقات غفلتي

ويحدث لي بعد النحيب نحيب

سأبكي على ما قد جنيت تأسفا

إذا ما شدا فوق الغصون طروب

إذا جن ليل المذنبين رأيتني

تفيض به من مقلتي غروب (١٨)

أناجي إلهي في الذي اجترحت يدي

وإني منه مشفق ومريب

وأدعوه بالأطهار آل محمد

ومن بهم يدعو عليه يتوب

* * *

أولاك الهداة الطيبون من الورى

وفرع نماه الطيبون يطيب

من القوم أزكى العالمين ومن هم

سليل نجيب قد نماه نجيب

وإن كانت الأيام أخنت عليهم

ونالهم منها عنا وكروب

وأمست شرار قد جنت في دمائهم

فحسبهم أن الإله حسيب

إلى أن يقول :

ولهفي على السبط الشهيد بكربلا

بيوم على آل النبي عصيب

وحول ركاب السبط كل غضنفر

له دون أشبال العرين وثوب

يسيرون في ظل السيوف إلى الوغى

كما قد مشى نحو الحبيب حبيب

ولهفي لهم فوق الصعيد كأنهم

بدور لها أرض الطفوف مغيب

ولهفي على السبط الشهيد عقيب ما

قضوا وهو فرد ما لديه صحيب

__________________

(١٨) غروب ـ جمع غرب ـ : وهو عرق في العين يسقي لا ينقطع ، أو الدمع ، أو مسيل الدمع ، والمراد هنا : الدموع.

٣٨١

ولهفي له يحمي الحريم ويحتمي

وفي الكف منه ذابل وقضيب (١٩)

له من أبيه في الحروب بسالة

يهاب بها المقدام وهو مهيب

ولا عيب فيه غير أن قناته

يقصد منها في الطعان كعوب (٢٠)

وذا دأبه حتى أتى السهم غادرا

إليه ، وما غير الفؤاد يصيب

فخر على وجه الثرى فتساقطت

نجوم سماء بالدموع تصوب

وزلزلت الأرض الفضاء بأهلها

وأجدب منها الروض وهو خصيب

ثم يقول عن لسان السيدة العقيلة زينب الكبرى عليها‌السلام :

سأبكيك في أرض الطفوف مجدلا

وشيبك من جاري الدماء خضيب

سأبكيك محزوز الكريم من القفا

وخدك من عفر التراب تريب

ثالثا ولم تدفن فلهفي على الذي

تكفنه مور الرغام هبوب

تجر عليه الأربع الهوج ذيلها (٢١)

وتكسوه من بعد الشمال جنوب

أخي لو رأت عيناك ما صنعوا بنا

لأبصرت صنعا للرضيع يشيب

يسار بنا من مهمة بعد مهمة (٢٢)

ومنزلنا سامي المحل رحيب

عزيز علينا أن نروح ونغتدي

وأنت على الربع الوبيل غريب

وفي آخرها يقول :

بني المصطفى إن فاتني نصركم فما

يفوت رجا لي فيكم ونحيب

__________________

(١٩) الذابل : الرمح ، والقضيب : السيف القاطع.

(٢٠) يقصد : بمعنى يكسر ـ من قصد ، أي : كسر ـ والكعوب : الرماح.

(٢١) الهوج ـ جمع : هوجاء ـ : وهي الريح الشديدة المضطربة ، وأراد بالأربع الهوج الرياح الشديدة من الجهات الأربع.

(٢٢) المهمة : المفازة البعيدة ، أو البلد المقفر.

٣٨٢

ودونكم مني نظام غ ريبة

بها منكم نشر يفوح وطيب

ويقصر في مضمارها عن لحاقها

(طحا بك قلب في الحسان طروب) (٢٣)

يروم بها (السبعي) في نشر مدحكم

يثيب له يوم الجزاء مثيب

وما المدح إلا في علاكم فإن روى

له مادح في غيركم فكذوب

يكون أجاجا دونكم فإذا انتهى

إليكم تلقى طيبكم فيطيب

ولكن درا فيكم أنا ناظم

أسفت له إذ لا يراه أديب

أسفت له فهو الذي في زمانه

غريب وفي نظم البديع غريب

وما عابه جهل الورى بنظامه

إذا لم يعبه في النظام معيب

فلو شاهدا نظمي (حبيب) و (دعبل)

لهام اشتياقا (دعبل) و (حبيب)

عليكم سلام الله ما اغدودق الحيا

وما اهتز غصن في الرياض رطيب

وله أيضا في رثاء الإمام الحسين عليه‌السلام :

مصائب عاشورا أطلت بها العشر

تذكر للأحزان إن نفع الذكر

فتح في لياليها إذا ما تبركت

بها أمة ضلت وتاه بها الفكر

لعمر سواها كيف في يوم ذبحت

به عترة الهادي يطيب لها النحر

أقول لصحبي في ليالي محرم

قفوا نبك رزءا فيه ما بقي الشهر

ولا تسأموا طول النياحة إنما

على قدر من نبكيه يأتي لنا أجر

تعالوا بنا نبك القتيل الذي مضى

على عطش والماء يقذفه النهر

تعالوا بنا نبك المعفر في الثرى

وقد طاب من تعفيره ذلك العفر

__________________

(٢٣) هذا شطر من مطلع معلقة علقمة الفحل بن عبدة التميمي ، و (طحا بك قلب) أي : ذهب بك قلبك بعيدا.

٣٨٣

تعالوا بنا نبك الشهيد الذي بكى

له الدين والإسلام والبيت والحجر

تعالوا بنا نبك الذي قد بكى له

علي وجبريل وأحمد الطهر

وفاطمة الزهراء في لحد قبرها

تساعدها في نوحها حورها الزهر

فوالله لا أنسى وإن بعد المدى

قتيل الضبابي الذي دينه الكفر

ألا إن خير الناس جدا ووالدا

وخيرهم أما قتيلك يا شمر

قتيلك يا نسل الضبابي هاج لي

جوى وأسى ما امتد لي في الدنا عمر

قتيلك أبقى في فؤادي كآبة

يزيد على حر الجحيم لها حر

لأنت وإن كنت الأخس قتلت من

بمفخره يا ويك يفتخر الفخر

تنح عن الصدر الذي قد علوته

لقطع وريد ، إنه للهدى صدر

وفي آخرها يقول :

بني صفوة الباري رثيت لرزئكم

بدرة فكر لا يقاس بها الدر

ولم يجلها (السبعي) إلا عليكم

وفي زعمه أن القبول لها مهر

رضيتكم لي سادة وأئمة

وما لي سوى حبي لكم في غد ذخر

ولي مهجة تزداد فيكم محبة

وقلب على ما نالكم خانه الصبر

على رزئكم أبكي وأبكي محبكم

بنظم مراث لا يساجلها النشر (٢٤)

إذا سئم الباكون قلت لسلوتي

أيا سلوة الأيام موعدك الحشر

ولا قلت إلا في ادكاري لرزئكم

(كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر) (٢٥)

عليكم سلام الله ما فاه ناطق

يصلي عليكم حين يتلا لكم ذكر

__________________

(٢٤) يساجل : من ساجله أي : باراه وفاخره ، والنشر : الريح الطيبة ، والمراد : أن تأثير مراثيه ونظمه على مشاعر المحبين أقوى وأبلغ من تأثير النشر (الريح الطيبة) فالنشر لا يباهي نظمه في إثارة المشاعر والتأثير عليها.

(٢٥) ما بين القوسين من مطلع قصيدة أخرى للشاعر.

٣٨٤

المصادر

١ ـ أدب الطف ٥ / ٢٦ ـ ٣٢.

٢ ـ أعيان الشيعة ٩ / ٣٨٣.

٣ ـ الأحسائيات في المدائح والمراثي ، للأديب الحاج جواد حسين آل الشيخ علي الرمضان الأحسائي ، مخطوط.

٤ ـ شعراء الحلة ٤ / ٤٠٥ ـ ٤١٠ ، للخاقاني.

٥ ـ معجم شعراء الحسين عليه‌السلام ، للشيخ جعفر الهلالي ، مخطوط.

٦ ـ أعلام هجر ، لهاشم محمد الشخص ، القسم المخطوط.

٧ ـ منتظم الدرين ، ج ١ ، مخطوط ، للحاج محمد علي التاجر البحراني.

* * *

٣٨٥

مصطلحات نحوية

(٢)

السيد علي حسن مطر

ثالثا : مصطلح الفعل

١ ـ الفعل لغة :

معنى الفعل في اللغة هو (نفي الحدث الذي يحدثه الفاعل من قيام أو قعود أو نحوهما) (١) قال ابن منظور : (الفعل كناية عن كل عمل متعد أو غير متعد. فعل يفعل فعلا وفعلا ... والاسم : الفعل ، والجمع : الفعال ...

والفعل ـ بالفتح ـ مصدر) (٢).

* * *

٢ ـ الفعل اصطلاحا :

الفعل من المصطلحات التي وجدت بوجود النحو ، فقد روي أن الإمام

__________________

(١) شرح شذور الذهب ، ابن هشام ، تحقيق محيي الدين عبد الحميد ، ص ١٤.

(٢) لسان العرب ، ابن منظور ، مادة (فعل).

٣٨٦

عليا عليه‌السلام ألقى إلى أبي الأسود الدؤلي صحيفة قسم فيها الكلام كله إلى اسم وفعل وحرف (٣) ، وأمره أن يتم عليه (٤) ، وينحو نحوه (٥).

وقد سلك النحاة في تعريف الفعل مسلكين :

الأول : تعريفه بذكر صفاته وعلاماته.

قال ابن السراج (ت ٣١٦ ه) : (الفعل ما كان خبرا ولا يجوز أن يخبر عنه ، وما أمرت به. فالخبر نحو : يذهب عمرو ، فيذهب حديث عن عمرو ، ولا يجوز أن تقول : جاء يذهب ، والأمر نحو قولك : إذهب) (٦).

وقال أبو علي الفارسي (ت ٣٧٧ ه) : (وأما الفعل فما كان مستندا إلى شئ ، ولم يسند إليه شئ) (٧).

وإنما عدل من الأخبار إلى الإسناد ، لأن (من الأفعال ما لا يصح إطلاق الأخبار عليه ، كفعل الأمر ، نحو : ليضرب ، إذ الخبر ... ما دخله الصدق والكذب ، ويصح أن يطلق عليه الإسناد) (٨) ، فيكون هذا التعريف شاملا لفعل الأمر بلا حاجة لإلحاقه بعبارة (وما أمرت به) ، ولكنه عرضة للإشكال عليه بدخول أسماء الأفعال ، لأنها تسند ولا يسند إليها.

وعرفه ابن جني (ت ٣٩٢ ه) بأنه (ما حسن فيه (قد) أو كان أمرا) (٩).

__________________

(٣) أ ـ إنباه الرواة على أنباه النحاة ، علي بن يوسف القفطي ، تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم ١ / ٣٩ ـ ٤٠.

ب ـ معجم الأدباء ، لياقوت ، ١ / ٣٩.

ج ـ الأشباه والنظائر في النحو ، للسيوطي ، تحقيق عبد العال سالم مكرم ، ١ / ١٢ ـ ١٣.

(٤) وفيات الأعيان ، ابن خلكان ، تحقيق إحسان عباس ، ٢٠ / ٥٣٥.

(٥) نزهة الألباء في طبقات الأدباء ، الأنباري ، ٤ / ٥.

(٦) الموجز في النحو ، ابن السراج ، ص ٢٧.

(٧) المقت ، صد في شرح الايضاح ، عبد القاهر الجرجاني ، تحقيق كاظم بحر المرجان ، ١ / ٧٦.

(٨) المقت ، صد في شرح الايضاح ١ / ٧٦ ـ ٧٧.

(٩) اللمع في علم العربية ، ابن جني ، تحقيق فائز فارس ، ص ٧.

٣٨٧

وقال الحريري (ت ٥١٦ ه) : الفعل (ما يدخل عليه (قد) و (السين) ، أو تلحقه تاء الفاعل ، أو كان أمرا) (١٠).

ويلاحظ على هذين التعريفين أنه كان يمكن الاستغناء عن عبارة (أو كان أمرا) فيهما ، بذكر بعض من علامات فعل الأمر.

وعرفه عبد القاهر الجرجاني (ت ٤٧١ ه) بقوله : (الفعل ما دخله قد وسوف والسين ... وتاء الضمير وألفه وواوه .. وتاء التأنيث الساكنة ...

وحرف الجزم) (١١) ، وتابعه عليه المطرزي (ت ٦١٠ ه) (١٢).

ويؤخذ عليه عدم شموله لفعل الأمر.

وسجل ابن فارس عددا من تعريفات الفعل بالعلامة دون أن يعزوها لقائليها ، وأورد إشكالات عليها ، فقال :

(وقال قوم : الفعل ما امتنع من التثنية والجمع.

وللرد على أصحاب هذه المقالة أن يقال : إن الحروف كلها ممتنعة من التثنية والجمع ، وليست أفعالا.

وقال قوم : الفعل ما حسن فيه أمس وغدا ، وهذا على مذهب البصريين غير مستقيم ، لأنهم يقولون : أنا قائم غدا ، كما يقولون : أنا قائم أمس.

وقال قوم : الفعل ما حسنت فيه التاء ، نحو : قمت وذهبت ، وهذا عندنا غلط ، لأنا قد نسميه فعلا قبل دخول التاء عليه) (١٣).

أقول : اعتراضه الأخير ليس واردا ، لأن صاحب القول المذكور ، لم يشترط في (الفعل) دخول التاء عليه فعلا ، وإنما اشترط صلاحيته لدخولها عليه ، وهذه الصلاحية متحققة قبل دخول التاء عليه ، هذا مع الإشارة إلى أنه

__________________

(١٠) ملحة الإعراب ، القاسم بن علي الحريري ، ص ٣.

(١١) الجمل ، عبد القاهر الجرجاني ، تحقيق علي حيدر ، ص ٥.

(١٢) المصباح في علم النحو ، المطرزي ، تحقيق الدكتور عبد الحميد السيد طلب ، ص ٣٩.

(١٣) الصاحبي في فقه اللغة ، ابن فارس ، تحقيق مصطفى الشويمي ، ص ٨٥ ـ ٨٦.

٣٨٨

لا وجه لاستعماله (قد) في قوله : (لأنا قد نسميه فعلا) ، لأن تسميته بالفعل حينئذ مقطوع بها. نعم ، يصح الاعتراض على التعريف بعدم شموله فعل الأمر.

وعرفه ابن مالك (ت ٦٧٢ ه) بقوله : (الفعل كلمة تسند أبدا ، قابلة لعلامة فرعية المسند إليه) (١٤).

وقال السلسيلي في شرحه : خرج بقوله (تسند) (الحرف وبعض الأسماء كياء الضمير في (غلامي). قوله : (أبدا) احترز به من بعض الأسماء التي تسند وقتا دون وقت ، نحو قولك : زيد القائم ، ثم تقول : القائم زيد. قوله : (قابلة ..

إلى آخره) كتاء التأنيث وتاء الخطاب والألف والواو والنون. وتحرز ب (قابلة) من أسماء الأفعال ، فإنها تسند أبدا ، وليست أفعالا ، لأنها لا تقبل علامة فرعية المسند إليه) (١٥).

وعرفه ابن مالك أيضا بعلاماته في أرجوزته الألفية ، فقال :

بتا فعلت وأتت ويا افعلي

ونون أقبلن فعل ينجلي

وقوله (يا افعلي) أفضل من قول بعضهم (الياء أو ياء الضمير) : لأنها تكون في الاسم نحو : غلامي ، وفي الحرف نحو : كأني (١٦).

وعرفه أبو حيان (ت ٧٤٥ ه) بقوله : (ويعرف الفعل بتاء التأنيث الساكنة ، وبالياء وبلم ، نحو : قامت وقومي ولم يضرب) (١٧).

ويؤخذ عليه ما ذكرناه توا من دخول الياء على كل من الاسم والحرف أيضا.

__________________

(١٤) تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد ، ابن مالك ، تحقيق محمد كامل بركات ، ص ٣.

(١٥) شفاء العليل في إيضاح التسهيل ، السلسيلي ، تحقيق عبد الله البركاتي ، ١ / ٩٧.

(١٦) حاشية الملوي على شرح المكودي على الألفية ، ص ٧.

(١٧) شرح اللمحة البدرية في علم العربية ، ابن هشام ، تحقيق الدكتور هادي نهر ، ١ / ٢٢٣.

٣٨٩

المسلك الثاني : تعريف الفعل ببيان حده وحقيقته.

قال سيبويه (ت ١٨٠ ه) : (وأما الفعل فأمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء وبنيت لما مضى ، ولما يكون ولم يقع ، وما هو كائن لم ينقطع ..

والأحداث نحو : الضرب والحمد والقتل) (١٨).

وواضح أنه: أن (المراد بأحداث الأسماء ما كان فيها عبارة عن الحدث وهو المصدر) (١٩).

أي أن الأفعال أبنية أو صيغ مأخوذة من المصادر ، فهي تدل بمادتها على المصدر أو الحدث ، وبصيغتها على زمان وقوعه ، من ماض أو حاضر أو مستقبل.

وعرفه ابن السراج (ت ٣١٦ ه) بقوله : (الفعل ما دل على معنى وزمان ، وذلك الزمان إما ماض وإما حاضر وإما مستقبل ، وقلنا : (وزمان) لنفرق بينه وبين الاسم الذي يدل على معنى فقط) (٢٠)

وأما إشارته إلى أن المراد بالزمن أقسامه الثلاثة ، فالظاهر أنها لمجرد البيان ، وسيأتي أن بعض النحاة عدوا ذلك قيدا احترازيا مما دل على حدث وزمان مبهم كالمصدر.

وقد أشكل أبو علي الفارسي على مثل هذا الحد ، بأن من الأفعال ما هو عند النحويين دال على زمن غير مقترن بحدث ، نحو (كان) المفتقرة إلى الاسم المنصوب [أي الناقصة] ، وهو عندهم فعل ، ومع ذلك فهو دال على الزمان المجرد من الحدث) (٢١).

__________________

(١٨) الكتاب ، سيبويه ، تحقيق عبد السلام هارون ، ١ / ١٢.

(١٩) مسائل خلافية في النحو ، أبو البقاء العكبري ، تحقيق محمد خير الحلواني ، ص ٦٩.

(٢٠) الأصول في النحو ، ابن السراج ، تحقيق عبد الحسين الفتلي ، ١ / ٤١.

(٢١) المسائل العسكريات ، أبو علي الفارسي ، تحقيق علي جابر المنصوري ، ص ٧٦.

٣٩٠

وقد تصدى بعض النحاة لرد هذه الدعوى ، وأثبتوا بأدلة تجاوزت العشرة دلالة (كان) على الحدث ، وأورد بعضا من هذه الأدلة الشيخ محمد الأمير في حاشيته على المغني (٢٢).

وقال الزجاجي (ت ٣٣٧ ه) : (الفعل ما دل على حدث وزمان ماض أو مستقبل .. والحدث : المصدر ، فكل شئ دل على ما ذكرناه معا فهو فعل ، فإن دل على حدث وحده فهو مصدر ، نحو : الضرب والحمد والقتل ، وإن دل على زمان فقط ، فهو ظرف زمان) (٢٣).

ويلاحظ فيه :

أولا : تعبيره بكلمة (حدث) بدلا من (معنى) ، التفاتا منه إلى أن المعنى يشمل الحدث وغيره كالذوات.

ثانيا : أنه لم يشر إلى دلالة الفعل على الزمن الحاضر ، ومرد ذلك إلى عدم أخذه في تقسيم الزمن ما هو المعهود لدى العرف العام ، بل عمد إلى الدقة العقلية ، وانتهى إلى إنكار فعل الحال بقوله : (إنه في الحقيقة مستقبل ، لأنه يكون أولا أولا ، فكل جزء خرج منه إلى الوجود صار في حيز المضي ، فلهذه العلة جاء فعل الحال بلفظ المستقبل نحو قولك : ... يقوم غدا) (٢٤).

ويلاحظ على كل من تعريفي ابن السراج والزجاجي :

أولا : أخذهما (ما) جنسا في الحد ، وهي جنس بعيد.

ثانيا : أنهما قد يوهمان وضع الفعل للدلالة على شيئين مستقلين ، مع أنه موضوع لمعنى واحد مركب هو الحدث المقترن بزمان معين.

ولتلافي هذين النقصين عمد الرماني (ت ٣٨٤ ه) إلى تعريفه بأنه (كلمة

__________________

(٢٢) حاشية الأمير على المغني ، ٢ / ٧٦.

(٢٣) الايضاح في علل النحو ، أبو إسحاق الزجاجي ، تحقيق مازن المبارك ، ص ٥٢ ـ ٥٣.

(٢٤) أ ـ الايضاح في علل النحو ، الزجاجي ، ص ٨٧.

ب ـ شرح جمل الزجاجي ، ابن هشام ، تحقيق الدكتور علي محسن مال الله ، ص ٨٥.

٣٩١

تدل على معنى مختص بزمان ، دلالة الإفادة) (٢٥).

وقوله : (دلالة الإفادة) للفرق بينه وبين (الأسماء التي تدل دلالة إشارة) (٢٦).

ولعل أخذه لكلمة (معنى) راجع إلى أنه لم يجد ضرورة لاستعمال كلمة (حدث) ، إذ ليس ثمة لفظ موضوع لذات متلبسة بزمن ، ليجب الاحتراز منها.

وقال ابن بابشاذ (ت ٤٦٩ ه) : (الفعل ما دل على حدث وزمان محصل) (٢٧).

وترد عليه الملاحظتان اللتان سجلناهما على تعريفي ابن السراج والزجاجي ، وإن كان يمتاز بالاختصار ، إذ عبر عن الزمان الماضي والحاضر والمستقبل ، بالزمان المحصل.

وعرفه الزمخشري (ت ٥٣٨ ه) بقوله : (الفعل ما دل على اقتران حدث بزمان) (٢٨).

ولاحظ عليه ابن يعيش أنه ردئ من وجهين : أولهما استعماله للجنس البعيد (ما) ، (والآخر قوله : (على اقتران حدث بزمان) ، لأن الفعل لم يوضع دليلا على الاقتران نفسه ، وإنما وضع دليلا على الحدث المقترن بالزمان ...

ثم هذا يبطل بقولهم : القتال اليوم ، فهذا حدث مقترن بزمان ، وليس فعلا ، فوجب أن يؤخذ في الحد (كلمة) حتى يندفع هذا الإشكال) (٢٩).

وقد يشكل عليه أيضا بعدم تقييده للزمان بكونه محصلا ، ولكن يمكن

__________________

(٢٥) الحدود في النحو ، علي بن عيسى الرماني ، تحقيق مصطفى جواد ويوسف مسكوني ، ص ٣٨.

(٢٦) شرح المقدمة المحسبة ، ابن بابشاذ ، تحقيق خالد عبد الكريم ، ١ / ١٩٢.

(٢٧) شرح المقدمة المحسبة ، ابن بابشاذ ، ١ / ١٩٢.

(٢٨) المفصل في علم العربية ، جار الله الزمخشري ، ص ٢٤٣.

(٢٩) شرح المفصل ، ابن يعيش ، ٧ / ٣.

٣٩٢

دفعه بأنه قد يكون من رأي الزمخشري أن هذا مجرد قيد بياني يذكر في شرح التعريف ، وليس قيدا احترازيا ليجب إثباته ، إذ ليس لدينا كلمة تدل على حدث وزمان غير معين ، وما ادعي من دلالة المصدر على ذلك ستأتي مناقشته.

وتقدم ابن الخشاب (ت ٥٦٧ ه) بصياغة جديدة للتعريف قائلا : الفعل (لفظة تدل على معنى في نفسها مقترن بزمان محصل ، فقولنا : (تدل على معنى في نفسها احتراز من الحرف ، لأن الحرف يدل على معنى في غيره ... والفرق بينه وبين الاسم أن الاسم لا يدل مع معناه على زمان ذلك المعنى ، إلا المصادر ، فإنها تدل على أزمنة مبهمة ، فزادوا في حد الفعل لفظة (محصل) ، ليقع الفرق بين الأفعال ومصادرها) (٣٠).

وتمتاز هذه الصياغة عما سبقها بإضافة قيد (في نفسه) لدلالة الفعل على معناه ، ولكن يلاحظ عليها :

أولا : أخذه (اللفظ) جنسا للفعل دون (الكلمة) التي هي جنسه القريب.

ثانيا : إن المصادر ـ كما سيتضح قريبا) لا تدل بأصل وضعها على الزمان ، وإنما دلالتها عليه عقلية التزامية ، فلا ضرورة للاحتراز بقيد (المحصل) للتفرقة بين الأفعال والمصادر.

وعرفه ابن الأنباري (ت ٥٧٧ ه) بأنه (كل لفظة دلت على معنى تحتها مقترن بزمان محصل) (٣١).

ويلاحظ عليه : أخذه اللفظ جنسا للفعل ، وعدم احترازه من الحرف بقيد (في نفسه) ، وعدم فائدة إيراده لفظة (تحتها) ، وعدم ضرورة تقييد الزمان بكونه (محصلا).

__________________

(٣٠) المرتجل ، ابن الخشاب ، تحقيق علي حيدر ، ص ١٤.

(٣١) أسرار العربية ، ابن الأنباري ، تحقيق محمد بهجة البيطار ، ص ١١.

٣٩٣

وحدة ابن يعيش (ت ٦٤٣ ه) بقوله : (الفعل كلمة تدل على معنى في نفسها مقترن بزمان) (٣٢).

هي أكمل صيغة بلغها تعريف الفعل ، وقد قال في شرحه معللا عدم زيادة قيد (محصل) إلى الزمان : إنهم (يرومون بذلك الفرق بينه وبين المصدر ... والحق أنه لا يحتاج إلى هذا القيد ... (لأن) الفعل وضع للدلالة على الحدث وزمان وجوده ـ ولولا ذلك لكان المصدر كافيا ـ فدلالته عليهما من جهة اللفظة وهي دلالة مطابقة ... وليست دلالة المصدر على الزمان كذلك ، بل هي من خارج ، لأن المصدر تعقل حقيقته بدون الزمان ، وإنما الزمان من لوازمه ، وليس من مقوماته ، بخلاف الفعل ، فصارت دلالة المصدر على الزمان التزاما وليست من اللفظ ، فلا اعتداد بها ، فلذلك لا يحتاج إلى الاحتراز عنه) (٣٣).

وعرفه ابن الحاجب (ت ٦٤٦ ه) بقوله : (الفعل ما دل على معنى في نفسه مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة) (٣٤).

ويؤخذ عليه استعماله للجنس البعيد ، وتقييده للزمن بأحد الثلاثة ، أي بكونه محصلا ومعينا ، وقد علمنا عدم ضرورته.

وقال ابن معطي (ت ٦٦٨ ه) في حد الفعل : إنه (كلمة على معنى في نفسها دلالة مقترنة بزمان ذلك المعنى) (٣٥).

ويؤخذ عليه عدم الدقة في التعبير ، لعدم اقتران دلالة الفعل بزمان المعنى ، بل المعنى المدلول للفعل هو المقترن بالزمن.

__________________

(٣٢) شرح المفصل ، ابن يعيش ، ٧ / ٢.

(٣٣) شرح المفصل ، ابن يعيش ، ٧ / ٢.

(٣٤) أ ـ شرح الرضي على الكافية ، تحقيق يوسف حسن عمر ، ١ / ٣٨.

ب ـ مسائل خلافية في النحو ، ص ٤٥.

(٣٥) الفصول الخمسون ، ابن معطي ، تحقيق محمود محمد الطناحي ، ص ١٥٢.

٣٩٤

وعرفه ابن عصفور (ت ٦٦٩ ه) بقوله : (الفعل لفظ يدل على معنى في نفسه ، ويتعرض ببنيته للزمان) (٣٦).

وإلى مثله ذهب الرضي (ت ٦٨٨ ه) بقوله : (الفعل ما دل على معنى في نفسه مقترن بزمان من حيث الوزن) (٣٧).

يريدان أن دلالة الفعل على الزمان حاصلة من صيغته. وإنما أضافا هذا القيد لكي لا يرد أصلا الإشكال على التعريف بلفظ الماضي والمستقبل والحال ، وبمثل (الصبوح والغبوق) (٣٨) والسري ، ولا الاسم الموضوع دالا بتركيبه على أحد الأزمنة الثلاثة ، كالغبور مثلا ، بمعنى كون الشئ في الماضي أو في المستقبل ، فإن دلالته على أحد الأزمنة الثلاثة بالحروف المرتبة لا بالوزن) (٣٩).

ولا أرى هذه الإضافة قيدا احترازيا ، بل هي إضافة بيانية ينبغي ذكرها في شرح الحد ، وذلك لعدم دخول الأمور المذكورة في التعريف ، إذ أن المراد بالمعنى في التعريف خصوص الحدث (المصدر) لا كل معنى ولو كان اسم ذات ، وعليه لا يكون التعريف شاملا للشئ أو للزمن بأنواعه ، إذ كل منهما ليس حدثا ولا مقترنا بزمان.

وأما الصبوح والغبوق فهما اسمان لما يشرب صباحا ومساء ، فهما من أسماء الذوات والأعيان ، وقد يستعملان في الشرب صباحا ومساء ، أي في الحدث ، لكن لا ينطبق عليهما تعريف الفعل ، لعدم دلالتهما على وقوع الحدث وكذلك القول في السرى ، وهو : السير ليلا.

وأما (الغبور) فليس معناه كون الشئ في الماضي أو المستقبل ، بل هو

__________________

(٣٦) المقرب ، ابن عصفور ، تحقيق الجواري والجبوري ، ١ / ٤٥.

(٣٧) شرح الرضي على الكافية ، تحقيق يوسف حسن عمر ، ١ / ٤٠.

(٣٨) أي ما يشرب في الصباح والمساء.

(٣٩) شرح الرضي على الكافية ، ١ / ٣٩ ـ ٤٠.

٣٩٥

مصدر للفعل (غبر) بمعنى مكث وذهب وبقي ومضى ، فمعناه : المكث والذهاب والبقاء والمضي (٤٠) ، أي أن معناه هو الحدث وحده ، غير مقترن بزمان معين ، وقد اعترف بذلك الرضي نفسه بقوله : (والحق إنه بمعنى المضي أو البقاء في المكان أو الزمان) (٤١).

ولعله لأجل هذا لم يلتزم بقية النحاة بإثبات هذين القيدين اللذين ذكرهما ابن عصفور والرضي.

وعرفه ابن هشام (ت ٧٦١ ه) (٤٢) بالتعريف المتقدم لابن الحاجب ، ولكنه تابع جمهور النحاة ، ولم يذهب إلى ما صرح به ابن الحاجب من عود الضمير في (نفسه) إلى المعنى.

وقال السرمري (ت ٧٧٦ ه) : الكلمة (إن استقلت في نفسها واقترنت بأحد الأزمان فهي الفعل) (٤٣).

وترد عليه الملاحظة المتقدمة من أن الاقتران ليس حاصلا بين الكلمة وبين أحد الأزمان ، بل بين مدلول الكلمة الذي هو الحدث ، وبين الزمن المعين.

وعرفه السيوطي (ت ٩١١ ه) بقوله : (الفعل ما دل على معنى في نفسه واقترن (بزمان)) (٤٤).

وهو عين التعريف المتقدم لابن يعيش ، إلا أنه لم يأخذ (الكلمة) جنسا للحد ، ولم يعلل في شرحه التعريف عدم تقييده الزمان بالمحصل بما ذكره ابن

__________________

(٤٠) لسان العرب لابن منظور ، ومختار الصحاح للرازي ، مادة : صبح وغبق وسرا وغبر.

(٤١) شرح الرضي على الكافية ، ١ / ٤٠.

(٤٢) شروح شذور الذهب ، ابن هشام ، تحقيق محيي الدين عبد الحميد ، ص ١٤.

(٤٣) شرح اللؤلؤة ، السرمري (مخطوط ، مصورته بحوزتي) ٧ / أ.

(٤٤) همع الهوامع في شرح جمع الجوامع ، جلال الدين السيوطي ، تحقيق عبد السلام هارون وعبد العال سالم مكرم ، ١ / ٧.

٣٩٦

يعيش ، بل قال : (المراد بالزمان حيث أطلق المعين المعبر عنه بالماضي والحال والاستقبال ، لشهرتها في هذا المعنى) (٤٥).

للبحث صلة ...

__________________

(٤٥) همع الهوامع ، ١ / ٨.

٣٩٧

تنبيهان

سقطت قطعة من متن الحلقة السابقة من (تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات) المنشورة في العدد السابق ٣٧ ، من الصفحة ١٤٩ بعد السطر ١١ ، ندرجها أدناه مع الاعتذار للقراء الكرام :

* وأحمد بن عبد الله بن سيف السجستاني ، ترجم له الذهبي في تاريخ الإسلام ، حوادث سنة ٣١٦ ه ، والخطيب في تاريخه ٤ / ٢٢٥ ، والأسنوي في طبقات الشافعية ٢ / ٢٣ ، وابن قاضي شهبة ١ / ٨٩ ، وقد أثنى عليه جميعهم.

* وعمر بن شبة ، قال الذهبي : (عمر بن شبة بن عبدة بن زيد بن رائطة ، العلامة الأخباري ، الحافظ الحجة ، صاحب التصانيف ...) ونقل ثقته عن جماعة ، وأرخ وفاته بسنة ٢٦٢ ه ، عن ٨٩ سنة إلا أياما (٧٤).

* أبو أحمد الزبيري ، قال الذهبي :(أبو أحمد الزبيري ، محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمر بن درهم، الحافظ الكبير المجود ...) ثم نقل ثقته والثناء عليه ، وأرخ وفاته بسنة ٢٠٣ ه (٧٥).

* * *

كما طبعت عدة أسطر من الهامش ١٩ من مقال : (نهج البلاغة عبر القرون) المنشور في العددين ٣٥ ـ ٣٦ طبعت مكررة ملحقة خطأ في آخر الهامش رقم ١٨ ص ١٧٢ من نفس العدد ، فيرجى حذفها ابتداء من السطر الثالث منه وحتى نهاية الهامش.

٣٩٨

من ذخائر التراث

٣٩٩
٤٠٠