تراثنا ـ العددان [ 38 و 39 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 38 و 39 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٨

تتمة

فإن قال قائل : حسبك في صحة حديث السحر وتأثيره اتفاق الأمة على تسمية السورتين بالمعوذتين منذ الصدر الأول ، ونزولهما لتعويذه واسترقائه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مما أصابه.

قلنا : لسنا ننكر نزول المعوذتين في شكوى أصابته صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله ، بل نقول به موجبة جزئية ، إلا أن الجزم بكونها عمل السحر فيه عليه وآله الصلاة والسلام مشكل ، لأن ظاهر ما جاء في شأن نزولهما أعم من ذلك ، فلا يدل عليه ـ كما لا يخفى ـ.

عن الفضيل بن يسار ، قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اشتكى شكوى شديدة ووجع وجعا شديدا ، فأتاه جبرائيل وميكائيل عليهما‌السلام فقعد جبرائيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه ، فعوذه جبرائيل ب (قل أعوذ برب الفلق) وعوذه ميكائيل ب (قل أعوذ برب الناس).

وروى أبو خديجة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : جاء جبرائيل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو شاك فرقاه بالمعوذتين وقل هو الله أحد ، وقال : باسم الله أرقيك ، والله يشفيك من كل داء يؤذيك ، خذها فلتهنيك (١٠٥).

وذكر الإمام فخر الرازي في تفسيره الكبير ٣ / ١٨٧ وجهين آخرين ـ سوى قصة السحر ـ في سبب نزول الروح الأمين بالمعوذتين على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

__________________

(١٠٥) مجمع البيان ١٠ / ٥٦٩ ، الدر المنثور ٦ / ٤١٩.

١٠١

أحدهما ما روي من أن جبرئيل عليه‌السلام أتاه وقال : إن عفريتا من الجن يكيدك فقال : إذا أويت إلى فراشك قل أعوذ برب ، السورتين.

وثانيهما أن الله تعالى أنزلهما عليه ليكونا رقية من العين ، وعن سعيد بن المسيب : أن قريشا قالوا : تعالوا نتجوع فنعين محمدا ففعلوا ، ثم أتوه وقالوا : ما أشد عضدك وأقوى ظهرك وأنضر وجهك ، فأنزل الله تعالى المعوذتين. انتهى.

ويستفاد منه أن المعوذتين مكيتان فتبطل حجة القوم وتدحض ، ولم يبق لهم متشبث بحديث السحر ولا مستمسك.

هذا ، مع مخالفة أصل الدعوى لمحكمات الكتاب المجيد ـ كما عرفت ـ والله الهادي إلى سواء السبيل ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

١٠٢

فصل

وحيث تحققت أن دعوى تأثير السحر في نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مما لا أصل له البتة ، فلا بأس بإيراد طرف من كلام أكابر علماء الفريقين وأئمتهم في ذلك كسرا لسورة الاستبعاد ، وإتماما للفائدة ، فنقول وبالله التوفيق : قال شيخ الطائفة المحقة الإمام أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي ـ رضوان الله عليه ـ في تفسيره (التبيان) (١٠٦) : ولا يجوز أن يكون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سحر ـ على ما رواه القصاص الجهال ـ لأن من يوصف بأنه مسحور فقد خبل عقله ، وقد أنكر الله تعالى ذلك في قوله : (وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا) ولكن قد يجوز أن يكون بعض اليهود اجتهد في ذلك فلم يقدر عليه ، فأطلع الله نبيه على ما فعله حتى استخرج ما فعلوه من التمويه ، وكان دلالة على صدقه ومعجزة له. انتهى.

وقال أمين الملة والدين أبو علي الفضل بن الحسن الطوسي ـ رحمه‌الله تعالى ـ في تفسير الكبير (مجمع البيان) (١٠٧) : فأما ما روي من الأخبار أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سحر فكان يرى أنه فعل ما لم يفعله ، أو أنه لم يفعل ما فعله ، فأخبار مفتعلة لا يلتفت إليها ، وقد قال الله سبحانه وتعالى حكاية عن الكفار : (إن تتبعون إلا رجلا مسحورا) فلو كان للسحر عمل فيه لكان الكفار صادقين في مقالهم ، حاشا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كل صفة نقص تنفر عن قبول قوله ، فإنه حجة الله على خليفته ، وصفوته على بريته. انتهى.

وقال أيضا (١٠٨) ـ بعد ما حكى عنهم قصة لبيد في شأن نزول المعوذتين :

__________________

(١٠٦) التبيان ١٠ / ٤٣٤.

(١٠٧) مجمع البيان ١ / ١٧٧.

(١٠٨) مجمع البيان ١٠ / ٥٦٨.

١٠٣

وهذا لا يجوز ، لأن من وصف بأنه مسحور فكأنه قد خبل عقله ، وقد أبى الله سبحانه ذلك في قوله : (وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا أنظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا) ولكن يمكن أن يكون اليهودي أو بناته ـ على ما روي ـ اجتهدوا في ذلك فلم يقدروا عليه ، وأطلع الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم على ما فعلوه من التمويه حتى استخرج ، وكان ذلك دلالة على صدقه.

قال : وكيف يجوز أن يكون المرض من فعلهم ، ولو قدروا على ذلك لقتلوه وقتلوا كثيرا من المؤمنين مع شدة عداوتهم له؟! انتهى.

وقريب من ذلك ما ذكره الشيخ أبو الفتوح الرازي في تفسيره ، وكذا الجرجاني في (المحاسن) والكاشفي في المنهج وخلاصته حاكيا اتفاق علماء الإمامية على عدم تأثير السحر فيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وقال الإمام العلامة جمال الدين ابن المطهر ـ رحمه‌الله تعالى ورضي عنه وأرضاه ـ في كتابه (منتهى المطلب) ـ بعد إيراده رواية البخاري المتقدمة ـ : وهذا القول عندي باطل ، والروايات ضعيفة ، خصوصا رواية عائشة ، لاستحالة تطرق السحر إلى الأنبياء عليهم‌السلام. انتهى.

وقال شيخ الإسلام بهاء الدين محمد بن الحسين العاملي ـ رحمه‌الله تعالى ـ في (مفتاح الفلاح) (١٠٩) : اعلم أنا معاشر الإمامية على أن السحر لم يؤثر في النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وأمره في هذه السورة ـ يعني سورة الفلق ـ بالاستعاذة من سحرهن لا يدل على تأثير السحر فيه صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم ، وهو كالدعاء في (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا).

قال : وأما ما نقله المخالفون من أن السحر أثر فيه صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم ـ كما رواه البخاري ومسلم من أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سحر حتى

__________________

(١٠٩) مفتاح الفلاح : ٩٣.

١٠٤

أنه كان يخيل إليه أنه فعل الشئ ولم يكن فعله ـ فهو من جملة الأكاذيب ، ولو صح ما نقلوه لصدق قول الكفار : (إن تتبعون إلا رجل مسحورا) انتهى.

وحكاه الشيخ فخر الدين ابن طريح ـ رحمه‌الله ـ في مادة (نفث) من (مجمع البحرين) ولم يتعقبه بشئ.

وقال شيخ الإسلام المجلسي ـ رحمه‌الله ـ في (بحار الأنوار) (١١٠) : المشهور بين الإمامية عدم تأثير السحر في الأنبياء والأئمة عليهم ا لسلام ، وأولوا بعض الأخبار الواردة في ذلك ، وطرحوا بعضها. انتهى.

وقال العلامة الفهامة الشريف السيد محمد الجواد العاملي ـ رحمه‌الله ـ في (مفتاح الكرامة) (١١١) : قد ورد في بعض أخبارنا وفاقا لروايات العامة عن عائشة أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سحره لبيد بن أعصم اليهودي ، وقد أنكره الشيخ في (الخلاف) والمصنف ـ يعني العلامة ابن المطهر رحمه‌الله ـ في (المنتهى) وجماعة ، وهو كذلك قطعا كما تقضي به أصول المذهب ، والروايات شاذة ضعيفة ، محمولة على التقية ، مخالفة للأصول والقواعد والاعتبار ، فلا يلتفت إلى ما احتمله في البحار. انتهى.

قلت : كأنه عنى قول المجلسي رحمه‌الله (١١٢) : إن السحر يندفع بالعوذ والآيات والتوكل ، وهم عليهم‌السلام معادن جميع ذلك فتأثيره فيهم مستبعد. انتهى.

لكن ظهور الأحاديث المتقدمة في تأثير السحر فيه صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم ظهورا قطعيا تدفع ما ذكره شيخ الإسلام رحمه‌الله ، على أن كل من صحح حديث السحر قد أثبت تأثيره في الجملة ، فتنبه.

هذا ، وأما جمهور أهل الخلاف فقد صححوا حديث السحر وأثبتوه

__________________

(١١٠) بحار الأنوار ١٨ / ٧٠.

(١١١) مفتاح الكرامة ٤ / ٧٣.

(١١٢) بحار الأنوار ٦٣ / ٤١.

١٠٥

متعبدين بوروده في الصحيحين ، وقد عرفت ما في ذلك ، إلا أن طائفة من متقدميهم ومتأخريهم أنكروا عمل السحر وتأثيره في النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم ، ولم يحتفلوا بالأحاديث الواردة في إثباته ، وينبغي أن نذكر هنا نبذة من كلامهم في ذلك مما وقفنا عليه على العجالة ، فنقول :

قال أبو بكر أحمد بن علي الرازي الجصاص في كتاب (أحكام القرآن) (١١٣) ـ بعد الإنكار الشديد على من أثبت للسحر حقيقة ـ : وقد أجازوا من فعل الساحر ما هو أطم من هذا وأفظع ، وذلك أنهم زعموا أن النبي عليه السلام سحر ، وأن السحر عمل فيه حتى قال فيه : إنه يتخيل لي أني أقول الشئ وأفعله ولم أقله ولم أفعله ، وأن امرأة يهودية سحرته في جف طلعة وهو تحت راعوفة البئر ، فاستخرج وزال عن النبي عليه‌السلام ذلك العارض ، وقد قال الله تعالى مكذبا للكفار فيما ادعوه من ذلك للنبي صلى الله عليه [وآله] وسلم فقال جل من قائل : (وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا).

قال : ومثل هذه الأخبار من وضع الملحدين تلعبا بالحشو الطغام ، واستجرارا لهم إلى القول بإبطال معجزات الأنبياء عليهم‌السلام والقدح فيها ، وأنه لا فرق بين معجزات الأنبياء وفعل السحرة وأن جميعه من نوع واحد.

قال : والعجب ممن يجمع بين تصديق الأنبياء عليهم‌السلام وإثبات معجزاتهم وبين التصديق بمثل هذا من فعل السحرة مع قوله تعالى : (ولا يفلح الساحر حيث أتى) فصدق هؤلاء من كذبه الله وأخبر ببطلان دعواه وانتحاله.

قال : وجائز أن تكون المرأة اليهودية بجهلها فعلت ذلك ظنا منها بأن ذلك يعمل في الأجساد وقصدت به النبي عليه‌السلام ، فأطلع الله نبيه على

__________________

(١١٣) أحكام القرآن ١ / ٦٠.

(١١٤) المشاقة ـ كثمامة ـ : ما سقط من الشعر أو الكتان عند المشط.

١٠٦

موضع سرها ، وأظهر جهلها فيما ارتكبت وظنت ، ليكون ذلك من دلائل نبوته ، لا أن ذلك ضره وخلط عليه أمره ، ولم يقل كل الرواة أنه اختلط عليه أمره ، وإنما هذا اللفظ زيد في الحديث ولا أصل له. انتهى.

وحكى الفخر الرازي في (مفاتح الغيب) (١١٥) عن القاضي قال : هذه الرواية باطلة ، وكيف يمكن القول بصحتها والله تعالى يقول : (والله يعصمك من الناس) وقال : (ولا يفلح الساحر حيث أتى)؟! ولأن تجويزه يفضي إلى القدح في النبوة ، ولأنه لو صح ذلك لكان من الواجب أن يصلوا إلى الضرر لجميع الأنبياء والصالحين ، ولقدروا على تحصيل الملك العظيم لأنفسهم ، وكل ذلك باطل ، ولأن الكفار كانوا يعيرونه بأنه مسحور ، فلو وقعت هذه الواقعة لكان الكفار صادقين في تلك الدعوة ولحصل فيه عليه‌السلام ذلك العيب ، ومعلوم أن ذلك غير جائز. انتهى.

وقال الشيخ الإمام محمد عبده بتفسير سورة الفلق من كتابه (تفسير جزء عم) (١١٦) : قد رووا هاهنا أحاديث في أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سحره لبيد بن الأعصم وأثر سحره فيه حتى كان يخيل له أنه يفعل الشئ وهو لا يفعله ، أو يأتي شيئا وهو لا يأتيه ، وأن الله أنبأه بذلك وأخرجت مواد السحر من بئر وعوفي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مما كان نزل به من ذلك ونزلت هذه السورة.

ولا يخفى أن تأثير السحر في نفسه عليه‌السلام حتى يصل به الأمر إلى أن يظن أنه يفعل شيئا وهو لا يفعله ، ليس من قبيل تأثير الأمراض في الأبدان ، ولا من قبيل عروض السهو والنسيان في بعض الأمور العادية (١١٧) بل هو ماس بالعقل آخذ بالروح ، وهو مما يصدق قول المشركين فيه : (إن تتبعون إلا رجلا

__________________

(١١٥) مفاتح الغيب ٣٢ / ١٨٧ ـ ١٨٨.

(١١٦) تفسير جزء عم : ١٨٠.

(١١٧) حاشاه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ذلك ، فإنه منزه عنه على مذهب أهل الحق ، أعلى الله كلمتهم وأنار برهانهم.

١٠٧

مسحورا) وليس المسحور عندهم إلا من خولط عقله وخيل له أن شيئا يقع وهو لا يقع فيخيل إليه أنه يوحى إليه ولا يوحى إليه ، وقد قال كثير من المقلدين الذين لا يعقلون ما هي النبوة وما يجب لها : إن الخبر بتأثير السحر في النفس الشريفة قد صح فلزم الاعتقاد به ، وعدم التصديق به من بدع المبتدعين ، لأنه ضرب من إنكار السحر وقد جاء القرآن بصحة السحر ، فانظر كيف ينقلب الدين الصحيح والحق الصريح في نظر المقلد بدعة ـ نعوذ بالله ـ ، يحتج بالقرآن على ثبوت السحر ، ويعرض عن القرآن في نفسه السحر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعده من افتراء المشركين عليه ، ويؤول في هذه ولا يؤول في تلك! مع أن الذي قصده المشركون ظاهر ، لأنهم كانوا يقولون : إن الشيطان يلابسه عليه‌السلام ، وملابسة الشيطان تعرف بالسحر عندهم وضرب من ضروبه ، وهو بعينه أثر السحر الذي نسب إلى لبيد ، فإنه خالط عقله وإدراكه في زعمهم.

قال : والذي يجب اعتقاده أن القرآن مقطوع به ، وأنه كتاب الله بالتواتر عن المعصوم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهو الذي يجب الاعتقاد بما يثبته وعدم الاعتقاد بما ينفيه ، وقد جاء ينفي السحر عنه عليه‌السلام حيث نسب القول بإثبات حصول السحر له إلى المشركين أعدائه ، ووبخهم على زعمهم هذا ، فإن هو ليس بمسحور قطعا.

قال (١١٨) : وأما الحديث ـ على فرض صحته ـ فهو آحاد ، والآحاد لا يؤخذ بها في باب العقائد ، وعصمة النبي من تأثير السحر في عقله عقيدة من العقائد لا يؤخذ في نفيها عنه إلا باليقين ، ولا يجوز أن يؤخذ فيها بالظن والمظنون ، على أن الحديث الذي يصل إلينا من طريق الآحاد إنما يحصل الظن عند من صح عنده ، أما من قامت له الأدلة على أنه غير صحيح فلا تقوم به عليه حجة.

وعلى أي حال فلنا ، بل علينا أن نفوض الأمر في الحديث ولا نحكمه

__________________

(١١٨) تفسير جزء عم : ١٨١.

١٠٨

في عقيدتنا ، ونأخذ بنص الكتاب وبدليل العقل ، فإنه إذا خولط النبي في عقله ـ كما زعموا ـ جاز عليه أن يظن أنه بلغ شيئا وهو لم يبلغه ، أو أن شيئا نزل عليه وهو لم ينزل عليه ، والأمر ظاهر لا يحتاج إلى بيان.

ثم إن نفي السحر عنه لا يستلزم نفي السحر مطلقا ، فربما جاز أن يصيب السحر غيره بالجنون نفسه ، ولكن من المحال أن يصيبه لأن الله عصمه منه.

ما أضر المحب الجاهل ، وما أشد خطره على من يظن أنه يحبه ، نعوذ بالله من الخذلان.

قال (١١٩) : ولو كان هؤلاء يقدرون الكتاب قدره ، ويعرفون من اللغة ما يكفي لعاقل أن يتكلم ، ما هذروا هذر الهذر ، ولا وصموا الإسلام بهذه الوصمة ، وكيف يصح أن تكون هذه السورة نزلت في سحر النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أنها مكية في قول عطاء والحسن وجابر وفي رواية كريب عن ابن عباس ، وما يزعمون من السحر إنما وقع بالمدينة؟! لكن من تعود القول بالمحال ، لا يمكن الكلام معه بحال ، نعوذ بالله من الخبال. انتهى كلامه.

وإنما ذكرناه بطوله لاشتماله على فوائد جمة ومطالب مهمة ، وأرباب الفضل لا يسأمون من ذلك.

وذكر تلميذه الشيخ محمد رشيد رضا في (تفسير المنار) (١٢٠) : أن كتاب البخاري لا يخلو من أحاديث قليلة في متونها نظر ، قد يصدق عليه بعض ما عدوه من علامة الوضع ، كحديث سحر بعضهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم ، الذي أنكره بعض العلماء كالإمام الجصاص من المفسرين المتقدمين والأستاذ الإمام محمد عبده من المتأخرين ، لأنه معارض بقوله تعالى : (إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا أنظر كيف ضربوا لك الأمثال

__________________

(١١٩) تفسير جزء عم : ١٨٢.

(١٢٠) تفسير المنار ٢ / ١٠٤ ـ ١٠٥.

١٠٩

فضلوا فلا يستطيعون سبيلا) (١٢١). انتهى.

وبالجملة : فمن أمعن نظر الإنصاف في ما تقدم علم أن ما اشتهر في بعض الكتب وشاع على الألسنة من عمل السحر وتأثيره في النبي صلى الله عليه وآله وسلم مما لا أصل له ، وإن وردت بذلك بعض الروايات من طرق الفريقين فإنك قد عرفت ما فيها ، ولا أقل من حمل ما جاء من طريقنا على التقية لموافقتها لأحاديث العامة ومخالفتها للاعتقاد السديد ومذهب الأئمة المحققين من أهل العلم من العصابة الناجية المفلحة ، رحمهم‌الله تعالى ، ونفعنا بعلومهم ، وأفاض علينا من بركاتهم ، آمين.

ولو تنزلنا فإنه يجوز أن يكون عليه وآله والصلاة والسلام قصد بالسحر ، لكنه لم يعمل فيه كرامة من الله تعالى له وإظهارا لمعجزته ، وهذا ليس مما نحن فيه في شئ ، إذ النزاع في تأثيره في النفس الشريفة ودونه الشم الراسيات.

فلا التفات ـ بعد ما تبين الحق الذي هو أحق بالأتباع ـ إلى إزراء المازري (١٢٢) وغيره ممن صوب القول بتأثره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالسحر ، بالطاعنين في تلك المقالة.

وهذا آخر ما قصدنا إيراده في هذه الرسالة ، والله سبحانه وتعالى أعلم ، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصفوة صحبه وسلم ، ومجد وكرم ، وشرف وعظم.

* * *

__________________

(١٢١) سورة الإسراء ١٧ : ٤٧ ـ ٤٨.

(١٢٢) كما حكاه عنه الحافظ ابن حجر في فتح الباري ١٠ / ٢٣٧ ، والقسطلاني في إرشاد الساري ٨ / ٤٠٣ ، والنووي في شرح صحيح مسلم ٩ / ١٦.

١١٠

المصادر

١ ـ الاتقان في علوم القرآن ، للحافظ جلال الدين السيوطي ـ تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم.

٢ ـ أحكام القرآن ، لأبي بكر أحمد بن علي الرازي الجصاص ـ تحقيق محمد الصادق قمحاوي ـ ط شركة مكتبة ومطبعة عبد الرحمن محمد ـ الطبعة الثانية.

٣ ـ إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري ، لشهاب الدين أحمد بن محمد القسطلاني ـ ط سنة ١٣٠٥ ه.

٤ ـ أنوار التنزيل وأسرار التأويل ، للقاضي البيضاوي ـ ط.

٥ ـ بحار الأنوار ، للعلامة المحدث المجلسي ـ ط دار الأضواء ـ بيروت.

٦ ـ تاريخ بغداد ، للخطيب البغدادي ـ ط مطبعة السعادة ـ بمصر.

٧ ـ التبيان في تفسير القرآن ، للشيخ الإمام أبي جعفر الطوسي ـ تحقيق أحمد قصير العاملي ـ ط النجف.

٨ ـ تدريب الراوي ـ شرح تقريب النواوي ، للحافظ جلال الدين السيوطي ـ تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف ـ الطبعة الأولى سنة ١٣٧٩ ه ـ القاهرة.

٩ ـ تفسير جزء عم ، للشيخ محمد عبده ـ ط محمد علي صبيح سنة ١٣٨٧ ه.

١٠ ـ تفسير الجلالين ، لجلال الدين المحلي وجلال الدين السيوطي ـ ط. المطبعة العامرة الشرفية سنة ١٣١٧ ه ـ مصر.

١١ ـ تفسير سورة الكافرون والمعوذتين ، لابن قيم الجوزية ـ تحقيق محمد حامد الفقي ـ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت.

١٢ ـ تفسير فرات إبراهيم الكوفي ـ ط النجف.

١٣ ـ تفسير المنار ، لمحمد رشيد رضا ـ ط مطبعة المنار ـ مصر.

١٤ ـ تنقيح المقال في علم الرجال ، للعلامة الجليل الشيخ عبد الله المامقاني ـ ط المطبعة المرتضوية سنة ١٣٤٢ ه.

١٥ ـ تهذيب التهذيب ، للحافظ ابن حجر العسقلاني ـ ط دار إحياء التراث العربي

١١١

سنة ١٤١٢ لا.

١٦ ـ الجواهر المضية في طبقات الحنفية ، لعبد القادر بن محمد القرشي ـ طبعة حيدر آباد سنة ١٣٣٢ ه.

١٧ ـ الخلاف في الفقه ، للشيخ الإمام أبي جعفر الطوسي.

١٨ ـ الدر المنثور في التفسير بالمأثور للحافظ جلال الدين السيوطي ـ ط الميمنية سنة ١٣١٤ ه.

١٩ ـ دعائم الإسلام ، للقاضي أبي حنيفة النعمان ـ أفسيت مؤسسة آل البيت عليهم السلام ـ قم.

٢٠ ـ دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة ، للبيهقي ـ تحقيق عبد المعطي قلعجي ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت.

٢١ ـ رجال النجاشي ، لأبي العباس النجاشي ـ ط. جماعة المدرسين بقم ـ بتحقيق آية الله السيد موسى الزنجاني.

٢٢ ـ روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني (تفسير الآلوسي) ، لشهاب الدين محمود بن عبد الله الآلوسي ـ ط دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

٢٣ ـ سنن النسائي بشرح السيوطي ، ط دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

٢٤ ـ شرح المقاصد ، لسعد الدين التفتازاني ـ تحقيق الدكتور عبد الرحمن عميرة ، أوفسيت مكتبة الشريف الرضي ـ قم ١٣٧١ ه. ش.

٢٥ ـ صحيح البخاري ، لمحمد بن إسماعيل البخاري.

٢٦ ـ صحيح مسلم ، لمسلم بن الحجاج النيسابوري.

٢٧ ـ طب الأئمة عليهم‌السلام ، لابني بسطام ـ ط المطبعة الحيدرية ـ النجف.

٢٨ ـ عناية القاضي وكفاية الراضي ، لشهاب الدين الخفاجي (حاشية البيضاوي) دار الطباعة العامرة ببولاق ـ مصر سنة ١٢٨٣ ه.

٢٩ ـ فتح الباري بشرح صحيح البخاري ، للحافظ ابن حجر العسقلاني ـ ط دار الريان للتراث ـ مصر سنة ١٤٠٧ ه.

٣٠ ـ فتح المغيث بشرح ألفية الحديث ، للحافظ زين الدين العراقي ـ تحقيق محمود

١١٢

ربيع ـ عالم الكتب ـ بيروت ـ الطبعة الثانية سنة ١٤٠٨ ه.

٣١ ـ الكشاف عن حقائق التنزيل (تفسير الزمخشري) ، لجار الله محمود بن عمر الزمخشري ، ط دار المعرفة ـ بيروت.

٣٢ ـ لسان الميزان ، للحافظ ابن حجر العسقلاني ـ ط حيدر آباد سنة ١٣٣١ ه.

٣٣ ـ مبادئ الوصول إلى علم الأصول ، للعلامة الحسن بن يوسف المطهر الحلي ـ تحقيق عبد الحسين محمد علي البقال.

٣٤ ـ مجمع البيان في تفسير القرآن ، للإمام أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي ـ أفسيت المكتبة العلمية الإسلامية ـ طهران.

٣٥ ـ مرقاة المفاتيح لمشكاة المصابيح ، لعلي بن سلطان محمد الهروي القاري ـ ط المطبعة الميمنية بمصر سنة ١٣٠٩ ه.

٣٦ ـ المصنف ، لأبي بكر بن أبي شيبة ـ ط.

٣٧ ـ مفاتح الغيب (تفسير الرازي) ، ط المطبعة البهية المصرية.

٣٨ ـ مفتاح الفلاح ، لشيخ الإسلام بهاء الدين العاملي ـ ط مصر سنة ١٣٢٤ ه.

٣٩ ـ مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة ، للفقيه المحقق السيد محمد جواد الحسيني العاملي ـ ط المطبعة الرضوية بمصر سنة ١٣٢٣ ه.

٤٠ ـ منتهى المطلب في تحقيق المذهب ، للعلامة الحلي ـ ط إيران.

٤١ ـ الميزان في تفسير القرآن ، للعلامة السيد محمد حسين الطباطبائي ـ منشورات مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

٤٢ ـ هدي الساري ـ مقدمة فتح الباري ، للحافظ ابن حجر العسقلاني ـ ط دار الريان للتراث ـ مصر سنة ١٤٠٧ ه.

* * *

١١٣

تشييد المراجعات

وتفنيد المكابرات

(٣)

السيد علي الحسيني الميلاني

قيل :

(قوله (ونقل هذه الكلمة عنه جماعة كثيرون ، أحدهم ابن حجر ...) لا يغني عنه شيئا ، فهل يتحول الكذب إلى صدق إذ كثر ناقلوه؟).

أقول :

هذا كلام باطل ، لأن الكذب لا يتحول إلى صدق إذا كثر ناقلوه ، لكن هذا الحديث حق وصدق لا (كذب). على أنه لو كان كذبا لم يخل حال ناقليه عن أحد حالين :

إما أن يكونوا جاهلين بكونه كذبا ... وهذا لا يلتزم به هذا القائل ولا غيره ، وكيف يلتزم بجهل نقلة هذا الحديث بحاله ، وهم أئمة الحديث المرجع إليهم في روايته ومعرفته؟! إذ فيهم :

محمد بن سليمان المطين.

وعبد الله بن أحمد بن حنبل.

والحسن بن عمر الفقيمي.

والحسن بن صالح بن حي.

١١٤

وأبو أحمد الزبيري الحبال.

وعمر بن شبة.

وأبو طاهر المخلص.

وابن السمرقندي.

وابن عساكر.

والسخاوي ...

وإما أن يكونوا عالمين بكونه كذبا ... وهذا أيضا لا يلتزم به القائل ولا غيره ، لأن معناه أن يتعمد هؤلاء الأئمة الثقات الفطاحل نقل حديث كذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيسقطون عن العدالة والوثاقة ، ويعدون في جملة من تعمد الكذب عليه ، ومن كذب على الرسول الأمين فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين!

* قال السيد :

(وخطب الإمام المجتبى أبو محمد الحسن السبط سيد شباب أهل الجنة فقال : اتقوا الله فينا فإنا أمراؤكم).

قال في الهامش : (فراجعها في أواخر باب وصية النبي بهم ، من الصواعق المحرقة لابن حجر ، صفحة ١٣٧.)

قيل :

(راجعناها في الصواعق ٢٢٩ ، فوجدنا المؤلف الموسوي قد سلخها من كلام الحسن لأمر ما. يقول ابن حجر : وقد صرح الحسن رضي‌الله‌عنه بذلك ، فإنه حين استخلف وثب عليه رجل من بني أسد فطعنه وهو ساجد بخنجر لم يبلغ منه مبلغا ، ولذا عاش بعده عشر سنين فقال : يا أهل العراق ، اتقوا الله فينا ، فإنا أمراؤكم وضيفاكم ، ونحن أهل البيت الذين قال الله عزوجل فيهم : (إنما

١١٥

يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا). قالوا : ولأنتم هم؟ قال : نعم.

ويكفي هذا الكلام ضعفا أن رواه الثعلبي في تفسيره كما صرح بذلك في الصواعق).

أقول :

أولا : يكفي وروده في كتب أهل السنة ، إذ يكون بذلك مورد اتفاق المسلمين ، ولا ريب في وجوب الأخذ بكل أمر حق وقع الاتفاق عليه.

وثانيا : هذا الكلام رواه الحافظ الطبراني ، ونص الحافظ نور الدين الهيثمي ـ في كتابه الذي اعتمد عليه المعترض في مواضع! ـ على أن (رجاله ثقات). وهذا نص الرواية في باب فضل أهل البيت رضي‌الله‌عنهم :

(وعن أبي جميلة : إن الحسن بن علي حين قتل علي استخلف ، فبينا هو يصلي بالناس إذ وثب إليه رجل فطعنه بخنجر في وركه ، فتمرض منها أشهرا. ثم قام فخطب على المنبر فقال : يا أهل العراق ، اتقوا الله فينا فإنا أمراؤكم وضيفانكم ، ونحن أهل البيت الذين قال الله عزوجل : (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا). فما زال يومئذ يتكلم حتى ما ترى في المسجد إلا باكيا.

رواه الطبراني. ورجاله ثقات) (١).

وفيه فوائد :

١ ـ قوله عليه‌السلام : (اتقوا الله فينا). ثم علل أمره بتقوى الله فيهم بقوله : (فإنا أمراؤكم).

٢ ـ قوله عليه‌السلام : (ونحن أهل البيت الذين ...) يفيد بكل وضوح

__________________

(١) مجمع الزوائد ٩ / ١٧٢.

١١٦

حصر الآية الكريمة فيه وفي والديه وأخيه.

٣ ـ ليس في هذه الرواية الصحيحة ـ باعتراف الحافظ الهيثمي ـ جملة : (لأنتم هم؟ قال : نعم. وعدمها في هذه الرواية الصحيحة دليل على أمور :

أحدها : إذعان المسلمين بكون (أهل البيت) في الآية ونحوها هم : الحسنان ووالداهما ، دون غيرهم ، وكون هذا المعنى مسلما مفروغا عنه بينهم.

والثاني : إن بعض النواصب لما رأوا دلالة هذا الحديث على ما ذكرنا زادوا فيه تلك الجملة ، لتفيد جهل المسلمين أو شكهم فيما قاله الإمام عليه السلام واستدل به.

والثالث : إن ابن حجر المكي اختار اللفظ المشتمل على الجملة ، وما أشار إلى رواية الطبراني! وما ذلك إلا كونه بصدد الطعن في فضائل أهل البيت والرد على شيعتهم ... اللهم إلا أن يكون مضطرا إلى الإقرار بصحة حديث منها.

وثالثا : قوله : (يكفي هذا الكلام ضعفا أن رواه الثعلبي في تفسيره كما صرح بذلك في الصواعق) مردود بوجوه :

١ ـ قد ظهر أن الكلام صحيح لا ضعيف.

٢ ـ قد ظهر أن روايته غير منحصرة بالثعلبي في تفسيره.

٣ ـ إن رواية الثعلبي لفضيلة م + ن فضائل أهل البيت عليهم‌السلام كافية لشيعتهم في مقام الاستدلال ، وذلك :

أ ـ لأن مجرد وجودها في كتب القوم كاف.

ب ـ لأن الرواية إذا صح سندها يجب الأخذ بها في أي كتاب من كتبهم كانت ، وهذا ما نص عليه المعترض.

ج ـ ولأن الثعلبي موصوف عندهم بصفات جليلة ، وتفسيره (الكشف والبيان) من التفاسير المعتمدة عندهم ، كما لا يخفى على من راجع ترجمته في المصادر التالية :

١١٧

وفيات الأعيان ١ / ٦١ ، الوافي بالوفيات ٧ / ٣٠٧ ، العبر ٣ / ١٦١ ، مرآة الجنان ٣ / ٤٦ ، تتمة المختصر ١ / ٤٧٧ ، بغية الوعاة : ١٥٤ ، طبقات المفسرين ١ / ٦٥ ، طبقات الشافعية ـ للسبكي ـ ٤ / ٥٨ ، طبقات الشافعية ـ للأسنوي ـ ١ / ٤٢٩ ، وغيرها.

قال السبكي : (وكان أوحد زمانه في علم القرآن ...).

وقال الأسنوي : (ذكره ابن الصلاح والنووي من الفقهاء الشافعية ، وكان إماما في اللغة والنحو ...).

وقال الداودي : (كان أوحد أهل زمانه في علم القرآن ، حافظ للغة ، بارعا في العربية ، واعظا ، موثقا).

لكن الثعلبي لما أكثر من نقل روايات فضائل العترة وأخبار نزول الآيات فيهم ... رماه ابن تيمية وأتباعه بالتساهل في النقل ، وحاولوا إسقاط رواياته المسندة عن الاعتبار.

بقي : قوله : (قد سلخها من كلام الحسن لأمر ما.

ولا يخفى : أنه كلام جاهل أو متجاهل ، إذ المهم هو الاستشهاد بكلام الإمام عليه‌السلام الثابت بالسند الصحيح ... أما أنه في أي مناسبة قاله؟ وما كان المورد له؟ فهذا لا علاقة له بالبحث ، ولا يخصص مدلول الكتاب البتة.

* قال السيد :

(وكان الإمام أبو محمد علي بن الحسين زين العابدين وسيد الساجدين إذا تلا قوله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) يدعو الله عزوجل دعاء طويلا ...).

قال في الهامش : (فراجعه في صفحة ٩٠ من الصواعق المحرقة لابن حجر ، في تفسير الآية الخامسة : (واعتصموا بحبل الله جميعا) من الآيات التي أوردها في الفصل الأول من الباب ١١).

١١٨

أقول :

لم يتقول المعترض بشئ حول هذا الكلام المنقول عن الإمام زين العابدين عليه‌السلام.

وفي هذه الرواية فوائد :

١ ـ إشارة إلى نزول قوله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) فيهم عليهم‌السلام.

٢ ـ إشارة إلى نزول قوله تعالى : (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) فيهم عليهم‌السلام.

٣ ـ إشارة إلى نزول قوله تعالى : (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) فيهم عليهم‌السلام.

٤ ـ إشارة إلى قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ...).

٥ ـ تصريح بانحصار (الموقوف به على إبلاغ الحجة وتأويل الحكم) فيهم.

٦ ـ تصريح بأنهم (الذين احتج الله بهم على عباده ولم يدع الخلق سدى من غير حجة).

وسكوت الرجل عن هذه الرواية ـ وهو في مقام الرد ـ دليل على إقراره بصحة سندها ، ولا مناص له من قبولها والالتزام بمضامينها.

ولا يخفى أن ذكر ابن حجر المكي هذه الرواية بتفسير قوله تعالى : (واعتصموا بحبل الله جميعا) شاهد على أن المراد من (حبل الله) فيها هم الأئمة من العترة النبوية ، وهو مروي عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام ، وبه قال بعض المفسرين (٢).

__________________

(٢) منهم : الثعلبي الذي أشرنا إلى ترجمته قريبا ، نقل ذلك عنه جماعة منهم ابن حجر في (الصواعق).

١١٩

المراجعة ـ ٨

* قال السيد رحمه‌الله :

(حيث قلنا إنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرنهم بمحكم الكتاب ، وجعلهم قدوة لأولي الألباب ، وسفن النجاة ، وأمان الأمة ، وباب حطة : إشارة إلى المأثور من هذه المضامين من السنن الصحيحة والنصوص الصريحة ...)

قيل :

(نحن مع تسليمنا بصحة بعض الأخبار الواردة في مناقب علي ـ رضي الله عنه ـ وفي بنيه ، لكننا لا نقر أن هذه الأخبار فيها حصر وجوب الاتباع لهم.

ولذلك فإن تضييق مدلولات هذه الأخبار وقصرها على فئة من الصحابة دون فئة مما يأباه منطوق هذه النصوص ، فضلا عن أن صريح الكتاب والسنة وعمل الصحابة على غير ذلك. ومعلوم أن كثيرا من احتجاجات الرافضة لا تخلو من أحد خطأين : إما خطأ في الدليل ، وإما خطأ في المدلول ، وقد يجتمع فيها الخطآن معا. أما خطؤهم في الدليل فمن مثل احتجاجهم على أهل السنة بأحاديث ضعيفة وهالكة ، من أجل إقامة الحجة عليهم. وأما خطؤهم في المدلول فكاحتجاجهم بآيات قرآنية وأحاديث صحيحة ليس فيها دليل على ما يثيرونه من قضايا. وقد يحتجون بأحاديث ضعيفة أو موضوعة على قضايا غير صحيحة).

أقول :

هذا كلامه! ثم استشهد بكلام لشيخ إسلامه ابن تيمية يفيد نفس الذي

١٢٠