إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل - ج ٢٩

آية الله السيّد شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي

إلا بقريش فلا يأخذ منها إلا السيف ، ولا يعطيها إلا السيف حتى يقول كثير من الناس : ما هذا من آل محمد ، لو كان من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم لرحم.

ومنهم العلامة محيي الدين محمد بن علي المالكي المتوفى سنة ٦٣٨ في «الملحمة» (ق ١٢٠ نسخة مكتبة جستربيتي بايرلندة) قال :

قال أبو جعفر رضي‌الله‌عنه قال : آيتان يكونان قبل خروج المهدي : كسوف الشمس في النصف من شهر رمضان ، والقمر في آخره. قال : قلت : يا ابن رسول الله تكسف الشمس في آخر الشهر والقمر في النصف؟ فقال أبو جعفر : أنا أعلم بما قلت ، إنهما آيتان لم يكونا منذ هبوط آدم عليه‌السلام.

ومنهم الحافظ أبو عبد الله نعيم بن حماد في «الفتن والملاحم» (ج ١ ص ٣٤٥ ط مكتبة التوحيد بالقاهرة) قال :

حدثنا سعيد ؛ أبو عثمان ، عن جابر ، عن أبي جعفر قال : ثم يظهر المهدي بمكة عند العشاء ومعه راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقميصه وسيفه وعلامات ونور وبيان ، فإذا صلّى العشاء نادى بأعلى صوته يقول : أذكركم الله أيها الناس ومقامكم بين يدي ربكم ، فقد اتخذ الحجة وبعث الأنبياء وأنزل الكتاب وأمركم أن لا تشركوا به شيئا وأن تحافظوا على طاعته وطاعة رسوله وأن تحيوا ما أحيا القرآن وتميتوا ما أمات وتكونوا أعوانا على الهدى ووزرا على التقوى ، فإن الدنيا قد دنا فناؤها وزوالها وأذنت بالوداع ، فإني أدعوكم إلى الله وإلى رسوله والعمل بكتابه وإماتة الباطل وإحياء سنته. فيظهر في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا عدة أهل بدر على غير ميعاد وقزعا كقزع الخريف ، رهبان بالليل أسد بالنهار.

فيفتح الله تعالى للمهدي أرض الحجاز ويستخرج من كان في السجن من بني هاشم ، وتنزل الرايات السود الكوفة فيبعث بالبيعة إلى المهدي ويبعث المهدي

٦٠١

جنوده في الآفاق ويميت الجور وأهله وتستقيم له البلدان ويفتح الله على يديه القسطنطنية.

ومنهم العلامة المولى علي المتقي الهندي في «البرهان في علامات مهدي آخر الزمان» (ص ٧٤ ط قم) قال :

وأخرج أيضا عن أبي جعفر قال : ينادي مناد من السماء : ان الحق في آل محمد ، وينادي مناد من الأرض : ان الحق في آل عيسى ـ أو قال : آل عباس ـ فشك فيه ، وإنما الصوت الأسفل كلمة الشيطان والصوت الأعلى كلمة الله العليا.

وعن محمد بن علي قال : إذا كان الصوت في شهر رمضان في ليلة جمعة فاسمعوا وأطيعوا وفي آخر النهار صوت اللعين ينادي : ألا إن فلانا قد قتل مظلوما ، ليشكك [الناس] ويفتنهم ، فكم في اليوم من شاك متحير ، فإذا سمعتم الصوت في رمضان ـ يعني الأول ـ فلا تشكوا إنه صوت جبريل ، وعلامة ذلك أنه ينادي باسم المهدي واسم أبيه.

وقال أيضا في ص ١٠٤ :

وأخرج الداني ، عن الحكم بن عيينة قال : قلت لمحمد بن علي : سمعت أنه سيخرج منكم رجل يعدل في هذه الأمة. قال : إنا نرجو ما يرجو الناس وإنا نرجو لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يكون ما ترجوه هذه الأمة وقبل ذلك فتن شر ، فتنة يمسي الرجل مؤمنا ويصبح كافرا ويصبح مؤمنا ويمسي كافرا. فمن أدرك ذلك منكم فليتق الله وليكن من أحلاس بيته.

وقال أيضا في ص ١٠٧ :

وأخرج الدار قطني في «سننه» عن محمد بن علي قال : لمهدينا آيتان لم تكونا منذ

٦٠٢

خلق الله السموات والأرض : ينخسف القمر لأول ليلة من رمضان وتنكسف الشمس في النصف منه ولم تكونا منذ خلق الله السموات والأرض.

وقال أيضا في ص ١٠٨ :

وعن أبي جعفر محمد بن علي رضي الله تعالى عنه قال : إذا بلغ العباسي خراسان طلع بالمشرق القرن ذو السنين ، وكان أول ما طلع بهلاك قوم نوح حين أغرقهم الله تعالى بالطوفان ، وطلع في زمان إبراهيم حين ألقي في نار نمرود ، وطلع حين أهلك الله تعالى قوم فرعون ومن معه ونجى موسى ومن معه ، وطلع حين قتل يحيى بن زكريا ، فإذ رأيتم ذلك فاستعيذوا بالله من شر الفتن ، ويكون طلوعه قبل انكساف الشمس والقمر ، ثم لا يلبثون حتى يظهر الأبقع بمصر.

أخرجه الإمام نعيم بن حماد في كتاب «الفتن».

وقال أيضا في ص ١٢٠ :

وأخرج أيضا عن أبي جعفر قال : بعث السفياني جنوده في الآفاق بعد دخوله الكوفة وبغداد فيبلغه فزعة من وراء النهر من أرض خراسان ، عليهم رجل من بني أمية فيكون لهم وقعة بتونس ، ووقعة بدولاب الري ، ووقعة بتخوم زرنيخ ، فعند ذلك تقبل الرايات السود من خراسان على جميع الناس شاب من بني هاشم بكتفه اليمنى خال سهّل الله أمره وطريقه ، ثم تكون لهم وقعة بتخوم خراسان ويسير الهاشمي في طريق الري فيبرح رجل من بني تميم من الموالي يقال له شعيب بن صالح إلى إصطخر إلى الأموي ، فيلتقي هو والمهدي والهاشمي ببيضاء إصطخر ، فيكون بينهما ملحمة عظيمة حتى تطأ الخيل الدماء إلى أرساغها ، ثم يأتيه جنود من سجستان عظيمة عليهم رجل من بني عدي ، فيظهر الله أنصاره وجنوده ، ثم تكون وقعة بالمدائن بعد وقعة الري ، وفي عقرقوفا وقعة صلمية يخبر عنها كل ناج [منها] ، ثم يكون بعده ذبح

٦٠٣

عظيم [ببابل] ووقعة في أرض من أرض نصيبين ، ثم يخرج على الأحوص قوم من سوادهم وهم العصب ، عامتهم من الكوفة والبصرة حتى يستنقذوا ما في يديه من سبي كوفان.

وقال أيضا في ص ١٤١ :

وأخرج أيضا عن أبي جعفر قال : يظهر المهدي بمكة عند العشاء معه راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقميصه وسيفه وعلامات ونور وبيان ، فإذا صلّى العشاء نادى بأعلى صوته يقول :

أذكركم الله أيها الناس ومقامكم بين يدي ربكم ، فقد اتخذ الحج وبعث الأنبياء وأنزل الكتاب وآمركم أن لا تشركوا به شيئا ، وأن تحافظوا على طاعته وطاعة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأن تحيوا ما أحيا القرآن وتميتوا ما أمات ، وتكونوا أعوانا للهدى ، ووزراء على التقوى ، فان الدنيا قد آن فناؤها وزوالها ، وآذنت بانصرام ، فإني أدعوكم إلى الله وإلى رسوله والعمل بكتابه ، وإماتة الباطل وإحياء سنته ، فيظهر في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا عدد أهل بدر على غير ميعاد قزعا كقزع الخريف ، رهبان بالليل أسد بالنهار.

فيفتح الله للمهدي أرض الحجاز ، ويستخرج من كان في السجن من بني هاشم ، وينزل الرايات السود الكوفة ، فيبعث بالبيعة إلى المهدي ويبعث المهدي جنوده في الآفاق ، ويميت الجور وأهله وتستقيم له البلدان ويفتح الله على يديه القسطنطينية.

وقال أيضا في ص ١٤٥ :

وعن أبي جعفر عليه‌السلام قال : يظهر المهدي في يوم عاشوراء وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين بن علي عليهما‌السلام وكأني به في يوم السبت العاشر من المحرم ،

٦٠٤

قائم بين الركن والمقام ، وجبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن يساره وتسير إليه شيعته من أطراف الأرض تطوى لهم طيا حتى يبايعوه فيملأ بهم الأرض عدلا كما ملئت جورا وظلما.

وقال أيضا في ص ١٥٠ :

وأخرج أيضا عن أبي جعفر قال : تنزل الرايات السود التي تخرج من خراسان الكوفة فإذا ظهر المهدي بمكة بعث [به] إليهم بالبيعة.

وقال أيضا في ص ١٥١ :

وأخرج نعيم بن حماد عن أبي جعفر قال : يخرج شاب من بني هاشم بكفه اليمنى خال من خراسان برايات سود ، بين يديه شعيب بن صالح ، يقاتل أصحاب السفياني فيهزمهم.

وقال أيضا في ص ١٧١ :

وعن أبي جعفر محمد بن علي عليه‌السلام قال : يكون لصاحب هذا الأمر غيبة في بعض هذه الشعاب ـ وأومأ بيده إلى ناحية ذي طوى ـ حتى إذا كان قبل خروجه انتهى المولى الذي يكون معه حتى يخرج فيلقى بعض أصحابه فيقول : كم أنتم هاهنا؟ فيقولون : نحوا من الأربعين رجلا. فيقول : كيف أنتم لو رأيتم صاحبكم؟ فيقولون : والله لو ناوى بنا الجبال لناوينا معه بها. ثم يأتيهم من القابلة فيقول : أشيروا إلي من رؤسائكم عشرة ، فيشيرون له فينطلق بهم حتى يلقوا صاحبهم ويعدهم الليلة التي تليها.

وقال أيضا في ص ١٧٤ :

وأخرج المحاملي في «أماليه» عن جعفر بن محمد بن علي بن حسين قال : يزعمون أني أنا المهدي وأني إلى أجلي أدنى مني إلى ما يدعون.

٦٠٥

ومنها

ما ورد عن الإمام الصادق عليه‌السلام

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم العلامة محيي الدين محمد بن علي المالكي المتوفى سنة ٦٣٨ في «الملحمة» (ص ١٢٢ نسخة مكتبة جستربيتي بايرلندة) قال :

وعن جعفر الصادق رضي‌الله‌عنه قال : إذا قام القائم عليه‌السلام سار إلى الكوفة ، فهدم بها أربع مساجد ، ولم يبق مسجد على وجه الأرض له شرف إلا هدمها وجعلها موطية ، ووسع الطريق الأعظم ، وكسر كل جناح خارج في الطريق ، وأبطل الكنف والمزاريب إلى الطرقات ، ولم يترك بدعة إلا أزالها ولا سنة إلا أقامها ، ويفتح القسطنطينية ، والصين وجبال الديلم ، فيمكث على ذلك سبع سنين مقدار كل سنة عشر سنين من سنينكم هذه ، ثم يفعل الله ما يشاء. قال : قلت له : جعلت فداك فكيف تطول سنين؟ قال : يأمر الله تعالى الفلك بالثبوت وقلة الحركة ، فتطول لذلك الأيام والسنون. قال : قلت له : أنتم تقولون : إن الفلك إن تغير فسد. قال : ذلك [قول] الزنادقة ، وقد شق الله القمر لنبيه عليه‌السلام ورد الشمس من قبله ليوشع بن نون ، وأخبر بطول يوم القيامة وأنه كألف سنة مما تعدون.

ومنهم العلامة الشيخ محمد السفاريني في «أهوال يوم القيامة وعلاماتها الكبرى» (ص ٢٤ ط دار المنار بالقاهرة) قال :

وقال جعفر الصادق بن محمد الباقر : لا يظهر المهدي إلا على خوف شديد من الناس ، وزلزال وفتنة وبلاء يصيب الناس ، والطاعون قبل ذلك ، وسيف قاطع بين العرب ، واختلاف شديد في الناس ، وتشتت في دينهم ، وتغيير في حالهم ، حتى

٦٠٦

يتمنى المتمني الموت صباحا ومساء من عظيم ما يرى من كلب الناس وأكل بعضهم بعضا ، فحينئذ يخرج ، فيا طوبى لمن أدركه وكان من أنصاره ، والويل كل الويل لمن خالفه وخالف أمره.

لا يخرج المهدي عليه‌السلام إلا في وتر من السنين

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم العلامة محيي الدين محمد بن علي المالكي المتوفى سنة ٦٣٨ في «الملحمة» (ق ١٢١ نسخة مكتبة جستربيتي بايرلندة) قال :

وروى عن أبي الحسن بن محبوب ، عن علي بن حمزة ، عن أبي نصر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : لا يخرج المهدي عليه‌السلام إلا في وتر من السنين ، كسنة أحد وثلاث أو خمس أو سبع أو تسع.

٦٠٧

نبذة

من كلمات علماء العامة في المهدي عليه‌السلام

فمنهم العلامة محمد السفاريني في «أهوال يوم القيامة وعلاماتها الكبرى» (ص ١٨ ط دار المنار بالقاهرة) قال :

فوائد في شأن المهدي

الأولى ـ حليته وصفته :

(منها) في حليته وصفته ، قال ابن عباس رضي‌الله‌عنهما : المهدي اسمه محمد بن عبد الله ، وهو رجل ربعة مشرب بحمرة ، يفرح الله به عن هذه الأمة كل كرب ويصرف بعدله كل جور.

إلى أن قال في ص ٢٠ :

وقال كعب الأحبار : إني لأجد المهدي مكتوبا في أسفار الأنبياء ما في حكمه ظلم ولا عيب.

أخرجه أبو عمرو المقري في «سننه» ونعيم بن حماد.

وأخرج أبو نعيم عن طاوس قال : علامة المهدي أنه يكون شديدا على العمال

٦٠٨

جوادا بالمال رحيما بالمساكين.

ورأيتني قد وصفته في كتابي البحار الزاخرة بأنه آدم أي أسمر ، ضرب من الرجال أي خفيف اللحم ، ممشوق مستدق ، ربعة أي لا بالطويل ولا بالقصير ، أجلى الجبهة أي خفيف شعر النزعتين عن الصدغين وهو الذي انحسر الشعر عن جبهته ، أقنى الأنف أي طويله مع دقة أرنبته ، أشم أي رفيع العرنين ، أزج أي حاجبه فيه تقويس مع طول في طرفه أو امتداده ، أبلج أعين أكحل العينين واسع العين والكحل بفتحتين سواد في أجفان العين خلقة من غير اكتحال ، براق الثنايا أي لثناياه بريق ولمعان ، أفرقها أي ليست متلاصقة ، أزيل الفخذين أي منفرج الفخذين متباعدهما.

وفي رواية : في لسانه ثقل وإذا أبطأ عليه ضرب فخذه الأيسر بيده اليمنى (١) ، ابن

__________________

(١) قوله : وفي رواية : في لسانه ثقل وإذا أبطأ عليه ضرب فخذه الأيسر بيده اليمنى.

أقول : هذه الرواية كأخواتها من أن المهدي من بني أمية ، أو من بني العباس ، أو من بني الحسن عليه‌السلام ، أو ليس المهدي إلا عيسى بن مريم عليه‌السلام ، من موضوعات بعض مخالفي أهل البيت عليهم‌السلام الذين يتجسسون في وادي الضلالة دليلا يقام في تضعيف مقامهم السامي عليهم‌السلام. وهم مع ذلك يدعون في الظاهر مودتهم ويظهرون محبتهم في لسانهم.

ومن هذا القبيل قولهم في أبيه أبي طالب أنه لم يؤمن برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومات كافرا ، وهو في ضحضاح من النار ، بخلاف قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيه. روي لما ماتت فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ألبسها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قميصه واضطجع معها في قبرها. فقالوا : ما رأيناك يا رسول الله صنعت هذا؟ فقال : إنه لم يكن أحد بعد أبي طالب أبرّ بي منها ، إنما ألبستها قميصي لتكسى من حلل الجنة واضطجعت معها لتهون عليها وحشة القبر.

وكان أبو طالب بارّا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وناصرا له وذابا عنه من كفرة قريش وعبدة الأصنام. وأهل البيت ـ وهم أدرى بما في البيت ـ كلهم قالوا بإيمان أبي طالب. هذا زعيمهم وعظيمهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآلهقال لجابر : يا جابر فلما أسري بي وانتهيت

٦٠٩

__________________

إلى العرش فرأيت أربعة أنوار. فقلت : يا إلهي ما هذه الأنوار؟ فقال : يا محمد هذا عبد المطلب ، وهذا أبو طالب ، وهذا أبوك عبد الله ، وهذا أخوك طالب. فقلت : إلهي وسيدي فبما نالوا هذه الدرجة؟ قال : بكتمانهم الإيمان وإظهارهم الكفر وصبرهم على ذلك حتى ماتوا.

وهذا علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه‌السلام في رواية ميثم التمار عنه عليه‌السلام قال : تبع أبو طالب عبد المطلب في أحواله حتى خرج من الدنيا وهو على ملته وأوصاني أن أدفنه في قبره فأخبرت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك. فقال : اذهب فواره وأنفذ لما أمرك فغسّلته وكفّنته وحملته إلى الحجون ونبشت قبر عبد المطلب فرفعت الصفيح عن لحده ، فإذا هو موجّه إلى القبلة فحمدت الله تعالى على ذلك ووجّهت الشيخ وأطبقت الصفيح عليهما. فأنا وصي الأوصياء وورثة خير الأنبياء.

قال ميثم : فو الله ما عبد علي ولا عبد أحد من آبائه غير الله تعالى إلى أن توفاهم الله تعالى.

وكان أمير المؤمنين علي عليه‌السلام رثى لموته فقال :

أبا طالب عصمة المستجير

وغيث المحول ونور

الظلم

لقد هدّ فقدك أهل الحافظ

فصلّى عليك وليّ النعم

ولقّاك ربك رضوانه

فقد كنت للطهر خير عمّ وهذا الإمام محمد الباقر عليه‌السلام قال : مات أبو طالب بن عبد المطلب مسلما مؤمنا.

وهذا الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام قال : إن إيمان أبي طالب لو وضع في كفة ميزان وإيمان هذا الخلق في كفة ميزان لرجح إيمان أبي طالب على إيمانهم.

وقال عليه‌السلام بعد تكذيب رواية ضحضاح : كذب أعداء الله ، إن أبا طالب من رفقاء النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

وهذا الإمام علي الرضا ابن الإمام موسى الكاظم كتب في جواب عبد العظيم بن عبد الله العلوي الحسني : بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإنك إن شككت في إيمان أبي طالب كان مصيرك إلى النار.

وذكر العلامة السيد أحمد بن زيني دحلان شيخ العلماء ببلد الله الحرام مفتي الشافعية

٦١٠

__________________

وشيخ الخطباء في كتابه «أسنى المطالب في نجاة أبي طالب» ص ٦٠ :

وقد ذكر الإمام أحمد بن الحسين الموصلي الحنفي المشهور بابن وحشي في شرحه على الكتاب المسمى بشهاب الأخبار للعلامة ابن سلامة القضاعي المتوفى سنة ٤٥٤ ه‍ أن بغض أبي طالب كفر ، ونص على ذلك أيضا من أئمة المالكية العلامة علي الأجهوري في «فتاويه» والتلمساني في حاشيته على الشفا. فقال عند ذكر أبي طالب : لا ينبغي أن يذكر إلا بحماية النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأنه حماه ونصره بقوله وفعله وفي ذكره بمكروه أذية للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومؤذي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كافر والكافر يقتل وقال أبو الطاهر : من أبغض أبا طالب فهو كافر.

والحاصل : إن إيذاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كفر يقتل فاعله إن لم يتب وعند المالكية يقتل وإن تاب.

ثم روى عن الطبراني والبيهقي خبر ابنة أبي لهب أنه قيل لها : لا تغني عنك هجرتك وأنت بنت حطب النار فتأذت من ذلك فذكرته للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاشتد غضبه ثم قام على المنبر فقال : ما بال أقوام يؤذونني في نسبي وذوي رحمي فمن آذى نسبي وذوي رحمي فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله تعالى.

وأخرج ابن عساكر عن علي كرم الله وجهه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من آذى شعرة مني فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ، فبغض أبي طالب والتكلم فيه يؤذي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويؤذي أولاده الموجودين في كل عصر وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا تؤذوا الأحياء بسبب الأموات.

ومما يؤيد هذا التحقيق الذي حققه العلامة البرزنجي في «نجاة أبي طالب» أن كثيرا من العلماء المحققين وكثيرا من الأولياء العارفين أرباب الكشف قالوا بنجاة أبي طالب منهم القرطبي والسبكي والشعراني وخلائق كثيرون ، وقالوا : هذا الذي نعتقده وندين الله به.

إلى أن قال :

وقد ذكر البرزنجي أحاديث كثيرة تدل على نجاة أبي طالب ، ثم قال : وإن كان بعضها ضعيفا لكن لكثرتها يقوى بعضها بعضا لا سيما وأكثرها صحيح لا ضعف فيه. ثم ذكر بعض

٦١١

__________________

هذه الأحاديث ونحن أعرضنا عن ذكرها خوفا من الإطالة.

وهذا غير خفي أن آباء النبي كانوا موحدين مؤمنين معتقدين للمبدإ والمعاد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما ولدت من بغي قط منذ خرجت من صلب آدم ولم تزل تتنازعني الأمم كابرا عن كابر حتى خرجت من أفضل حيين من العرب : هاشم وزهرة.

وكان جده عبد المطلب على التوحيد وعلى أكمل الصفات وانتهت إليه الرياسة وكان يأمر أولاده بترك الظلم والبغي ويحثهم على مكارم الأخلاق وينهاهم عن الدنيات والصفات السيئات. وكان يقول : لن يخرج من الدنيا ظلوم حتى ينتقم الله منه وتصيبه عقوبة إلى أن هلك رجل ظلوم من أرض الشام ولم تصبه عقوبة. فقيل لعبد المطلب في ذلك ففكر وقال : والله إن وراء هذه الدار دار يجزى فيها المحسن بإحسانه ويعاقب المسيء بإساءته.

قلت : روى ابن أبي الحديد في شرح النهج مثل ذلك عن ولده الشريف زبير بن عبد المطلب عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذكر عنده رجل ظلوم من بني أمية مات. قال : كيف؟ قيل : حتف أنفه. فقال الزبير : وفي هذا دلالة أن لله دارا غير هذه الدار ـ فذكر مثل قول أبيه عبد المطلب.

ويروى أن عبد المطلب يعطى نور الأنبياء وجمال الملوك ويبعث أمة واحدة لأنه كان على التوحيد ، وروى عن أبي طالب قال : ولقد كان أبي يقرأ الكتاب جميعا. ولقد قال : إن من صلبي لنبيا لوددت أني أدركت ذلك الزمان فآمنت به فمن أدركه من ولدي فليؤمن به.

وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال : والله ما عبد أبي ولا جدي ولا هاشم ولا عبد مناف صنما قط. قيل : فما كانوا يعبدون؟ قال : كانوا يصلون إلى البيت على دين إبراهيم عليه‌السلام متمسكين به.

وروى أن عبد المطلب كان يعتكف شهر رمضان كل سنة في الحراء من أول الشهر إلى آخره وكان هو كآبائه الطاهرين موحدين وما قيل في آزر إنه كان يتخذ الأصنام آلهة فهو لم يكن أبا لإبراهيم عليه‌السلام بل كان عمه كما حقق في محله.

لم ينقل عن أحد من أسرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وبني هاشم أن يقول للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حين نهى قريش عن عبادة الأصنام : لم تسب آباءنا وتشتم آلهتنا وتسفه أحلامنا.

٦١٢

__________________

كما قالته قريش فلو عرفوا من آبائهم ذلك لقالوا : أتذكر آباءك بسوء.

وأما عداوة أبي لهب فكانت بسبب مصاهرة أبي سفيان الأموي لأنه كان متزوجا أخت أبي سفيان أم جميل حمالة الحطب وكان أبو لهب يهوي هواهم.

وأبو طالب كان على ملة آبائه ولو عبد أبو طالب صنما يلزم أن يكون أول من أشرك من هذه الأسرة الشريفة والسلسلة الكريمة ولم يثبت بطريق ثابت أن أبا طالب أول من أحدث الشرك وعبادة الأصنام من هذا النسب الطاهر والسلسلة المباركة ، والأصل عدم ذلك فهو تبع لعبد المطلب في أحواله كلها من مكارم الأخلاق وحماية الذمار والرياسة حتى خرج من الدنيا وهو على ملة أبيه عبد المطلب ، وكان أبو طالب ملجأ في الشدائد يلوذون به ويلتمسون منه في حل مشكلاتهم.

أصاب أهل مكة قحط شديد فأتوا أبا طالب وقالوا له : قد أقحط الوادي وأجدب العيال فهلم فاستسق فخرج أبو طالب ومعه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو غلام فأخذه أبو طالب فألصقه بالكعبة ولاذ الغلام أي أشار بإصبعه إلى السماء كالملتجئ وما في السماء قزعة فأقبل السحاب من هاهنا ومن هاهنا وأمطرت السماء واغدودق الوادي وكثر قطره وأخصب النادي والبادي ، وفي هذه يقول أبو طالب بعد بعثة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يذكر قريشا يده وبركته صلى‌الله‌عليه‌وآله عليهم من صغره :

وأبيض يستسقي الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأرامل

يلوذ به الهلاك من آل هاشم

فهم عنده في نعمة وفواضل

وروى البيهقي عن أنس أن أعرابيا جاء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وشكا الجدب والقحط وأنشد أبياتا. فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى صعد المنبر فرفع يديه إلى السماء ودعا فما رد يديه حتى التقت السماء بأبراقها ثم بعد ذلك جاءوا يضجون من المطر خوف الغرق ، فضحك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى بدت نواجذه ثم قال : لله در أبي طالب لو كان حيا لقرت عيناه من ينشدنا قوله؟ فقال علي كرم الله وجهه : كأنك تريد قوله :

وأبيض يستسقي الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأرامل

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أجل. وفي هذا أيضا دلالة واضحة على إيمان أبي طالب

٦١٣

__________________

وأنه ليس بكافر لأنه لو كان كافرا لم يدعو له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يقل : لله در أبي طالب.

ومات أبو طالب في النصف من شوال في السنة العاشرة من البعثة ، وقال جبرئيل للنبي : أخرج من مكة مات ناصرك فليس لك فيها ناصر ومعين. فهاجر صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة الطيبة.

ويظهر من هذه كلها أن أبا طالب ما كان كافرا وكان على دين آبائه الحنيف الإبراهيمي وإصرار هؤلاء الحمقاء على تكفيره ناش من أفكار عمال بني أمية وبني مروان وبني العباس الفسقة الفجرة تجار الحديث الذين باعوا دينهم بدنياهم وخسروا خسرانا مبينا.

وكانوا يبغضون أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي بغضه بغض رسول الله وبغض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بغض الله تعالى ، وذلك البغض يحثهم إلى جعل هذه الأكاذيب الفاحشة. قيل لبعضهم لم لا تحب عليا؟ قال : لأنه قتل آبائي وأجدادي. وقال أتباعهم الخبيثة يوم عاشوراء للحسين الشهيد سيد شباب أهل الجنة : إنما نقتلك على بغض أبيك علي بن أبي طالب. وقالوا : إنما قتل الحسين بسيف جده. وأفتى قاضيهم بأن الحسين خرج عن دين جده فدمه هدر. وأخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، من آذاهما فقد آذاني. ولعن قتلته. هؤلاء الكذبة الفجرة قالوا ما قالوا وفعلوا ما فعلوا وجعلوا ما جعلوا بخلاف قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في علي وأبيه وأولاده حتى المهدي عليه‌السلام قالوا إنه من بني أمية أو من بني العباس أو من بني الحسن. وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيه : المهدي من عترتي ، وفي بعضها : هو مني من ابنتي فاطمة من ولد الحسين اسمه اسمي ، يملأ الأرض عدلا وقسطا بعد ما ملئت جورا وظلما ، وهؤلاء زادوا في بعضها ونقصوا في بعض آخر وحرفوا الكلم عن مواضعه.

ومما زادوا هذه الرواية : إن في لسان المهدي عليه‌السلام ثقلا ويحتبس عليه الكلام حتى يضرب بيده على فخذه. وعلى الإعتقاد الحق فليكن الإمام كالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بريئا عن العيوب البدنية والنفسانية وجامعا للكمالات بأجمعها وكاملا في نفسه ومكملا لغيره ومقدّما على أهل زمانه في الفضائل والفواضل بحكم العقل لأن المفضول لا يكون إماما مع

٦١٤

أربعين سنة ـ وفي رواية ما بين ثلاثين إلى أربعين ـ خاشع لله خشوع النسر بجناحيه عليه عباءتان قطوانيتان.

قال في «النهاية» : هي عباءة بيضاء قصيرة الخمل ، والنون زائدة.

الثانية ـ سيرته :

قال أهل العلم : يعمل بسنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يوقظ نائما ويقاتل على السنة لا يترك سنة إلا أقامها ولا بدعة إلا رفعها ، يقوم بالدين آخر الزمان كما قام به النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أوله ، يملك الدنيا كلها كما ملك ذو القرنين وسليمان بن داود عليهما‌السلام ، يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويرد إلى المسلمين ألفتهم ونعمتهم ، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ، يحثو المال حثوا ولا يعده عدا ، يقسم المال صحاحا بالسوية ، يرضى عنه الطير في الجو والوحش في القفر والحيتان في البحر ، يملأ قلوب أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم غنى حتى أنه يأمر مناديا ينادي : ألا من له حاجة في المال؟ فلا يأتيه إلا رجل واحد. فيقول : أنا. فيقول : ائت السادن ـ أي الخازن ـ فقل له المهدي يأمرك أن تعطيني مالا. فيقول له : احث حتى إذا جعله في حجره وأبرزه ندم. فيقول : كنت أشجع أي أحرص أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعجز عني ما وسعهم؟ قال : فيرده فلا يقبل منه. فقال له : إنا لا نأخذ شيئا أعطيناه الأمة.

تنعم أمة محمد برها وفاجرها في زمانه نعمة لم يسمعوا بمثلها قط وترسل السماء عليهم مدرارا لا تدخر شيئا من قطرها ، وتؤتى الأرض أكلها لا تدخر عنهم شيئا من بذرها ، تجري على يديه الملاحم ، يستخرج الكنوز ويفتح المدائن ما بين الخافقين ، يؤتى إليه بملوك الهند مغللين وتجعل خزائنهم لبيت المقدس حليا ، يأوي إليه الناس

__________________

وجود الفاضل يقبح تقدم المفضول على الفاضل عند العقل ، والثقل في اللسان هو أيضا من العيوب المنفرة المنزجرة للنفوس فلا يجوز ذلك للإمام عليه‌السلام.

٦١٥

كما يأوي النحل إلى يعسوبه حتى يكون الناس على مثل أمرهم الأول ، يمده الله بثلاثة آلاف من الملائكة يضربون وجوه مخالفيه وأدبارهم ، جبريل على مقدمته وميكائيل على ساقته ، ترعى الشاة والذئب في زمانه في مكان واحد ، وتلعب الصبيان بالحيات والعقارب لا تضرهم شيئا ، ويزرع الإنسان مدا فيخرج له سبعمائة مد ، ويرفع الربا والزنا وشرب الخمر ، وتطول الأعمار وتؤدى الأمانة وتهلك الأشرار ولا يبقى من يبغض آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، محبوب ـ يعني المهدي ـ في الخلائق ، يطفئ الله به الفتنة العمياء وتأمن الأرض حتى أن المرأة تحج في خمس نسوة ما معهن رجل ولا يخفن شيئا إلا الله ، مكتوب في شعائر الأنبياء ما في حكمه ظلم ولا عيب.

الثالثة ـ علامات ظهوره :

قال العلامة الشيخ مرعي في كتابه «فوائد الفكر في المهدي المنتظر» : اعلم أن لظهور المهدي علامات جاءت بها الآثار ودلت عليها الأحاديث والأخبار ، فمن علامات ظهوره على ما ورد كسوف الشمس والقمر ونجم الذنب والظلمة وسماع الصوت برمضان وتحارب القبائل بذي القعدة وظهور الخسف والفتن ، ومعه قميص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وسيفه ورايته من مرط مخملة معلمة سوداء فيها حجر لم تنشر منذ توفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا تنشر حتى يخرج المهدي مكتوب على رأسها «البيعة لله» كذا في «الإشاعة» للعلامة السيد محمد البرزنجي المدني ، ويغرس قضيبا يابسا في أرض يابسة فيخضر ويورق ، ويطلب منه آية فيومي إلى طير في الهواء بيده فيسقط على يده وينادي مناد من السماء : أيها الناس إن الله قطع عنكم الجبارين والمنافقين وأشياعهم وولاكم خير أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فالحقوه بمكة فإنه المهدي واسمه محمد بن عبد الله ، وتخرج الأرض أفلاذ كبدها مثل الأسطوانات من الذهب ويخرج كنز الكعبة المدفون

٦١٦

فيها فيقسمه في سبيل الله.

رواه أبو نعيم عن علي رضي‌الله‌عنه.

ويستخرج تابوت السكينة من غار أنطاكية أو من بحيرة طبرية فيخرج حتى يحمل فيوضع بين يديه ببيت المقدس فإذا نظر إليه اليهود أسلموا إلا قليل منهم ، وتأتيه الرايات السود من خراسان فيرسلون إليه البيعة ، وتنشف الفرات عن جبل من ذهب.

وذكروا أنه ينكسف القمر أول ليلة من رمضان والشمس ليلة النصف.

ونظر هذا الشيخ مرعي بأن العادة انكساف القمر ليالي الأبدار والشمس أيام الإسرار ، ولكن من الممكن أن يكون ذلك آية لظهوره وفيها خرق للعادة.

وروى أبو نعيم في «الفتن» قال شريك : بلغني أن القمر قبل خروجه ينكسف مرتين برمضان.

وذكر الكسائي عن كعب الأحبار أن القمر ينكسف ثلاث ليال متواليات.

وروي عن كعب الأحبار : يطلع نجم بالمشرق وله ذنب يضيء كما يضيء القمر ينعطف حتى يلتقي طرفاه أو يكاد.

وفي الديلمي مرفوعا تكون هذه في رمضان توقظ النائم وتفزع اليقظان.

ومن علامات المهدي أيضا خسف قرية ببلاد الشام يقال لها حرستا ، كما في «الإشاعة» وغيرها.

الرابعة ـ بعض ما يسبقه من الفتن :

(في الإشارة إلى بعض الفتن الواقعة قبل خروج المهدي وخروج خوارج قبل ذلك).

(منها) ما ذكره في «الإشاعة» أنه يحسر الفرات عن جبل من ذهب كما تقدم ، فإذا سمع به الناس ساروا إليه واجتمع عليه ثلاثة كلهم ابن خليفة يقتتلون عنده ثم لا يصير إلى أحد منهم. فيقول كل واحد : والله لئن تركت الناس يأخذون منه ليذهبن بكله

٦١٧

فيقتتلون عليه حتى يقتل من كل مائة تسعة وتسعون ، وفي رواية : فيقتل تسعة أعشارهم ، وفي رواية : من كل تسعة سبعة ، فيقول كل رجل : لعلي أكون أنا أنجو.

وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من حضر فلا يأخذ منه شيئا.

وعن عبد الله بن عمر رضي‌الله‌عنهما قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا تقوم الساعة حتى يخرج المهدي من ولدي ، ولا يخرج المهدي حتى يخرج ستون كذابا كلهم يقول : أنا نبي.

وعن أبي هريرة رضي‌الله‌عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريبا من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله. رواه مسلم في صحيحه ورواه البخاري بمعناه.

وتمام الحديث في مسلم «وحتى يقبض العلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان وتظهر الفتن ويكثر الهرج» وهو القتل (الحديث).

وهو في صحيح البخاري إلا أن قوله : وتكثر الزلازل ، في البخاري دون مسلم.

وفي مسلم عن جابر بن سمرة رضي‌الله‌عنه قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : إن بين يدي الساعة كذابين. زاد في طريق أخرى : قال جابر : فاحذروهم.

إلى أن قال في ص ٢٧ :

الفائدة الخامسة في أحوال المهدي :

أخرج نعيم بن حماد عن علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه قال : المهدي مولده بالمدينة من أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم واسمه اسم نبي ومهاجره بيت المقدس.

وفي مرفوع عبد الله بن عمرو بن العاص رضي‌الله‌عنهما عند أبي نعيم وأبي بكر بن المقري في «معجمه» : يخرج المهدي من قرية يقال لها كريمة.

٦١٨

بيعته وما يتصل بها :

وأما بيعته فيبايع بمكة المشرفة بين الركن والمقام ليلة عاشوراء ، وإذا هاجر المهدي من المدينة إلى بيت المقدس تخرب المدينة بعد هجرته وتصير مأوى للوحوش ، وقد ورد : عمران بيت المقدس خراب يثرب.

وفي حديث قتادة : يخرج المهدي من المدينة إلى مكة.

وفي حديث ابن عباس : يستخرجوه من بطن مكة من دار عند الصفا.

وفي خبر أبي جعفر : يظهر المهدي بمكة عند العشاء.

وفي الخبر : يبعث السفياني جيشا إلى مكة فيأمر بقتل من كان فيها من بني هاشم فيقتلون ويتفرقون هاربين إلى البراري والجبال حتى يظهر أمر المهدي بمكة فإذا ظهر اجتمع كل من شذ منهم إليه بمكة ويأتي سبعة علماء من آفاق شتى على غير ميعاد قد بايع لكل منهم ثلاثمائة وبضعة عشر فيجتمعون بمكة ويقول بعضهم لبعض : ما جاء بكم؟ فيقولون : جئنا في طلب هذا الرجل الذي ينبغي أن تهدأ على يديه الفتن وتفتح له قسطنطينية قد عرفناه باسمه واسم أبيه وأمه ـ ولم نقف على اسم أم المهدي بعد الفحص والتتبع ولعلهم يعرفون اسم أمه بالكشف كما ذكره في «الإشاعة» فيقف السبعة على ذلك ـ فيطلبونه فيصيبونه بمكة. فيقولون : أنت فلان؟ فيقول : بل أنا رجل من الأنصار. فينفلت منهم فيصفونه لأهل الخبرة والمعرفة به. فيقولون : هو صاحبكم الذي تطلبونه ولحق بالمدينة ، فيطلبونه بالمدينة فيخالفهم إلى مكة ، وهكذا ثلاث مرات ، فيصيبونه بمكة في الثالثة عند الركن. فيقولون : إثمنا عليك ودماؤنا في عنقك إن لم تمد يدك نبايعك ، وقد أقبل عسكر السفياني في طلبنا ، فيجلس بين الركن والمقام فيمد يده فيبايع له فيلقي الله محبته في قلوب الخلق فيصير مع قوم أسد بالنهار رهبان بالليل.

أخرجه نعيم بن حماد عن عبد الله بن مسعود رضي‌الله‌عنه.

وأخرج أيضا عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما قال : يبعث المهدي بعد أياس حتى

٦١٩

يقول الناس : لا مهدي ، وأنصاره من أهل الشام عددهم ثلاثمائة وخمسة عشر رجلا عدد أصحاب بدر يسيرون إليه من الشام حتى يستخرجوه من بطن مكة من دار عند الصفا فيبايعوه كرها فيصلي بهم ركعتين عند المقام.

وأخرج عن أبي هريرة رضي‌الله‌عنه قال : يبايع المهدي بين الركن والمقام لا يوقظ نائما ولا يهرق دما. والله أعلم.

وقد تكاثرت الروايات والآثار بأمر المهدي وقد ذكر العلماء أن أول ظهوره يكون شابا ثم يخاف على نفسه من القتل فيفر إلى مكة مختفيا ثم يرجع إلى مكة فيرونه بالمطاف عند الركن فيقهرونه على المبايعة بالإمامة ثم يتوجه إلى المدينة ومعه المؤمنون ثم يسيرون إلى جهة الكوفة ثم يعود منهزما من جيش السفياني ، فيخرج الله على السفياني من أهل المشرق وزير المهدي فيهزم السفياني إلى الشام فيقصده المهدي فيذبحه عند عتبة بيت المقدس كما تذبح الشاة ويغنمه ومن معه من أخواله الذين هم جنده من بني كلب ولا أكثر من تلك الغنيمة.

وفي رواية أنه يخرج رجل من كلب يقال له كنانة بعينه كوكب في رهط من قومه حتى يأتي الصخري يعني السفياني فيبعث إليه المهدي راية وأعظم راية في زمانه مائة رجل فتصف كلب خيلها ورجلها وإبلها وغنمها ، فإذا تسامتت الخيلان ولت كلب أدبارها فيقتلونهم ويسبونهم حتى تباع العذراء منهم بثمانية دراهم ويؤخذ الصخري فيؤتى به أسيرا إلى المهدي فيذبح على الصخرة المعترضة على وجه الأرض عند الكنيسة التي ببطن الوادي على درج طور زيتا المقنطرة التي على الوادي كما تذبح الشاة.

وفي رواية : ثم يؤخذ عروة السفياني على أعلى شجرة على بحيرة طبرية ، قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : والخائب يومئذ من خاب من قتال كلب ولو بكلمة أو بتكبيرة أو بصيحة والخائب من خاب يومئذ من غنيمة كلب ولو بعقال.

فقال حذيفة : يا رسول الله كيف يحل قتلهم وتغنم أموالهم وهم مسلمون؟

٦٢٠