إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل - ج ٢٩

آية الله السيّد شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي

١
٢

مستدرك

فضائل الإمام محمد بن علي الجواد عليه‌السلام

نسبه وولادته ووفاته

عليه‌السلام

قد تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج ١٢ ص ٤١٤ وج ١٩ ص ٥٨٥ ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما مضى :

فمنهم الدكتور عبد السلام الترمانيني في «أحداث التاريخ الإسلامي بترتيب السنين» (ج ٢ ص ١٢٥٩ ط الكويت) قال :

هو محمد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط بن علي بن أبي طالب ، أبو جعفر الملقب بالجواد. ثامن الأئمة الإثني عشر عند الإمامية. كان ذكيا طلق اللسان ، حاضر البديهة ، ولد في المدينة وانتقل مع أبيه إلى بغداد وحين توفي أبوه كفله المأمون. توفي في بغداد عن ٢٥ سنة.

٣

ومنهم الفاضل المعاصر الشريف علي فكري الحسيني القاهري في «أحسن القصص» (ج ٤ ص ٢٩٤ ط بيروت) قال :

نسبه : هو ابن علي الرضا ، بن موسى الكاظم ، بن جعفر الصادق ، بن محمد الباقر ، ابن علي زين العابدين ، بن الحسين ، بن عليّ بن أبي طالب رضي‌الله‌عنهم ، وأمه أم ولد يقال لها : سكينة المريسية.

إلى أن قال :

مولده : ولد بالمدينة تاسع عشر شهر رمضان المعظم سنة خمس وتسعين ومائة من الهجرة.

إلى أن قال في ص ٢٩٦ :

وفاته : توفي أبو جعفر محمد الجواد ببغداد ، وكان سبب وصوله إليها إشخاص المعتصم له من المدينة فقدم بغداد ومعه زوجته أم الفضل بنت المأمون لليلتين بقيتا من المحرم سنة عشرين ومائتين.

وكانت وفاته في آخر ذي القعدة من السنة المذكورة ودفن في مقابر قريش في قبر جده أبي الحسن موسى الكاظم ودخلت امرأته أم الفضل في قصر المعتصم.

وكان له من العمر يومئذ خمس وعشرون سنة وأشهر ، ويقال : إنه مات مسموما ، وإن زوجته أم الفضل سقته السم بأمر أبيها.

ومنهم الفاضل المعاصر خير الدين الزركلي في «الأعلام» (ج ٧ ص ١٥٥ الطبعة الثالثة) قال :

محمد بن علي الرضا بن موسى الكاظم الطالبي الهاشمي القرشي ، أبو جعفر الملقب بالجواد ، تاسع الأئمة الإثني عشر عند الإمامية. كان رفيع القدر كأسلافه ذكيا ،

٤

طلق اللسان ، قوي البديهة. ولد بالمدينة وانتقل مع أبيه إلى بغداد ، وتوفي والده فكفله المأمون العباسي ورباه ، وزوجه ابنته أم الفضل ، وقدم المدينة ثم عاد إلى بغداد وتوفي فيها ، وللدبيلي محمد بن وهبان كتاب في سيرته سماه «أخبار أبي جعفر الثاني» ويعني بالأول الباقر.

ومنهم الشيخ الفاضل أبو الفوز محمد بن أمين البغدادي المشتهر بالسويدي في «سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب» (ص ٣٣٨ ط دار الكتب العلمية ، بيروت) قال :

ولد بالمدينة المنورة تاسع شهر رمضان سنة تسع وتسعين ومائة ، وأمه أم ولد ، وكنيته أبو جعفر ، ولقبه الجواد ، وكان أبيض اللون ، معتدل القامة.

إلى أن قال :

توفي رضي‌الله‌عنه ببغداد لأن المعتصم استقدمه مع زوجته أم الفضل ، ودفن في مقابر قريش بالقرب من جده موسى الكاظم رضي‌الله‌عنهم أجمعين.

ومنهم الفاضل الأمير أحمد حسين بهادر خان الحنفي البريانوي الهندي في كتابه «تاريخ الأحمدي» (ص ٣٤٤ ط بيروت سنة ١٤٠٨) قال :

قال ابن خلكان : وفي سنة خمس وتسعين ومائة ولد أبو جعفر محمد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بالمدينة يوم الجمعة.

وقال في ص ٣٥٠ :

ودر وسيلة النجاة است كه چون در سال دويست وسيزده مأمون مرد ومعتصم برادر او خليفه گرديد از استماع وفور فضائل امام محمد تقى نائرة در سينه اش مشتعل شد ودر صدد دفع آن حضرت درآمده از مدينه به بغداد طلبيد حضرت محمد تقى هنگام اراده بغداد حضرت على النقي را وصى وخليفه خود گردانيده وكتب علوم

٥

الهى واسلحه وآثار حضرت رسالت پناه به فرزند پسنديده خود تسليم كرد (الى ان قال) وروانه بغداد گرديد وروز بيست ونهم محرم كه سنه دويست وبيستم داخل بغداد شد ومعتصم در همين سال آن حضرت را شهيد كرده.

وفي الصواعق قال : دفن في مقابر قريش ظهر جده الكاظم وعمره خمس وعشرون سنة ويقال : إنه سمّ أيضا.

ايضا علامه صديق حسن خان در كتاب الفرع النامي نوشته كه معتصم عباسي او را به زهر كشت واو در روضه جد خود موسى الكاظم مدفون گرديد.

ومنهم العلامة أبو الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي المتوفى سنة ١٠٨٩ في «شذرات الذهب» (ج ٢ ص ٤٨ ط دار إحياء التراث العربي) قال :

وفيها [أي عشرين ومائتين توفي] الشريف أبو جعفر محمد الجواد بن علي بن موسى الرضا الحسيني أحد الإثني عشر إماما الذين تدعى فيهم الرافضة العصمة. وله خمس وعشرون سنة وكان المأمون قد نوه بذكره وزوجه بابنته وسكن بها بالمدينة.

إلى أن قال :

وتوفي ببغداد آخر السنة ودفن عند جده موسى ومشهدهما ينتابه العامة بالزيارة.

ومنهم العلامة اليافعي في «مرآة الجنان» (ج ٢ ص ٨٠ ط حيدرآباد الدكن) قال في وقائع سنة عشرين ومائتين :

وفيها توفي الشريف أبو جعفر محمد الجواد ـ فذكر مثل ما تقدم عن ابن العماد بزيادة قليلة. وفيه : قد تقدم أن المأمون زوج ابنته من أبيه علي الرضا وكان زوج الأب والابن بنتيه. كل واحد بنتا.

٦

ألقابه عليه‌السلام وكنيته

ذكرها جماعة من الأعلام في كتبهم :

فمنهم الفاضل المعاصر الشريف علي بن الدكتور محمد عبد الله فكري الحسيني القاهري المولود بها سنة ١٢٩٦ والمتوفى بها أيضا ١٣٧٢ في «أحسن القصص» (ج ٤ ص ٢٨٤ ط دار الكتب العلمية في بيروت) قال :

ألقابه كثيرة : منها الجواد والقانع والمرتضى ، وأشهرها الجواد.

ومنهم الشيخ أبو الفوز محمد بن أمين البغدادي المشتهر بالسويدي في «سبائك الذهب» (ص ٣٣٨ ط دار الكتب العلمية ، بيروت) قال :

ولقبه : الجواد.

ومنهم الفاضل الأمير أحمد حسين بهادر خان الحنفي البريانوي الهندي في كتابه «تاريخ الأحمدي» (ص ٣٤٩ ط بيروت سنة ١٤٠٨) قال :

ودر روضة الأحباب است كه أشهر القاب (محمد بن على الرضا) تقى وجواد است.

كنيته عليه‌السلام

ذكرها جماعة من الأعلام في كتبهم :

فمنهم الفاضل المعاصر الشريف علي بن الدكتور محمد عبد الله فكري الحسيني القاهري المولود بها سنة ١٢٩٦ والمتوفى بها أيضا ١٣٧٢ في «أحسن القصص» (ج ٤ ص ٢٨٤ ط دار الكتب العلمية في بيروت) قال :

٧

كنيته : أبو جعفر ، وكنية جده محمد الباقر ، ولذا يقال له أبو جعفر الثاني.

ومنهم الشيخ الفاضل أبو الفوز محمد بن أمين البغدادي المشتهر بالسويدي في «سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب» (ص ٣٣٨ ط دار الكتب العلمية ، بيروت) قال:

وكنيته : أبو جعفر.

نقش خاتمه عليه‌السلام

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم الفاضل المعاصر الشريف علي بن الدكتور محمد عبد الله فكري الحسيني القاهري المولود بها سنة ١٢٩٦ والمتوفى بها أيضا ١٣٧٢ في «أحسن القصص» (ج ٤ ص ٢٩٤ ط دار الكتب العلمية في بيروت) قال :

ونقش خاتمه : (نعم القادر الله).

ومنهم الشيخ الفاضل أبو الفوز محمد بن أمين البغدادي المشتهر بالسويدي في «سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب» (ص ٣٣٨ ط دار الكتب العلمية ، بيروت) قال:

نقش خاتمه : القدرة لله.

٨

اختبار المأمون له

عليه‌السلام

قد نقلناه عن أعلام العامة في ج ١٢ ص ٤٢٠ وج ١٩ ص ٥٨٦ ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق :

فمنهم الشيخ الفاضل أبو الفوز محمد بن أمين البغدادي المشتهر بالسويدي في «سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب» (ص ٣٣٨ ط دار الكتب العلمية ، بيروت) قال:

ومن مناقبه : أن المأمون لما قدم بغداد خرج يوما في موكبه متصيدا ، فمر بصبيان يلعبون وفيهم محمد الجواد رضي‌الله‌عنه ، ففر الصبيان هيبة للمأمون إلا محمد الجواد رضي‌الله‌عنه وهو إذ ذاك ابن تسع سنين ، فلما رآه المأمون قال له : ألا فررت مع الصبيان؟ فقال : يا أمير المؤمنين لم يكن بالطريق ضيق فأوسعه لك ، وليس لي جرم فأخشاك ، والظن بك حسن أنك لا تضر من لا ذنب له ، فأعجب كلامه وترحم على أبيه وتركه ومضى ، فلما بعد عن العمارة أرسل بازاله على دراجة فغاب الباز ساعة في الجو وعاد وفي منقاره سمكة صغيرة وفيها بقية روح ، فتعجب من ذلك ، ورجع عن الصيد ، فمر بالصبيان الذين فيهم محمد الجواد ، فلما دنا منه قال : يا محمد ما بيدي؟ فألهمه الله تعالى أن قال له : إن الله خلق في بحر القدرة سمكا صغارا يصيدها باز الخليفة فيختبر بها سلالة أهل بيت المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فتعجب المأمون منه وقال

٩

للحاضرين : إن شككتم في أمره فجربوه وناظروه ، فأجمع أمرهم أن يكون الناظر له يحيى بن أكثم ، فأحضروه وسأله يحيى عن مسائل أجاب عنها بأحسن جواب ، وأبان عن علم كثير وفضل غزير ، فقال المأمون ليحيى : أحب أن يسألك كما سألته ولو مسألة واحدة. فقال يحيى : يسأل فإن حضرني الجواب أجبته وإلا أستفيد منه ، فقال محمد الجواد : ما تقول في رجل نظر إلى امرأة في أول النهار بشهوة فكان نظره إليها حراما عليه ، فلما ارتفع النهار حلت له ، فلما زالت الشمس حرمت عليه ، فلما دخل الليل حلت له ، فلما انتصف الليل حرمت عليه ، فلما طلع الفجر حلت له ، فلما طلعت الشمس حرمت عليه ، فلما ارتفع النهار حلت له. فبما ذا حلت وبما ذا حرمت؟

فقال يحيى : لا أدري.

فقال ـ أي محمد الجواد رضي‌الله‌عنه : إن هذه أمة لرجل من الناس نظر إليها أجنبي في أول النهار بشهوة وذلك حرام عليه ، فلما ارتفع النهار ابتاعها من مولاها فحلت له ، فلما زالت الشمس أعتقها فحرمت عليه ، فلما دخل الليل تزوجها فحلت له ، فلما انتصف الليل ظاهرها فحرمت عليه ، فلما طلع الفجر كفّر عن الظهار فحلت له ، فلما طلعت الشمس طلقها واحدة رجعية فحرمت عليه فلما ارتفع النهار راجعها فحلت له.

فصاح المأمون : أعذرتموني؟ قالوا : نعم ، فالتفت المأمون إلى جواد وزوجه ابنته أم الفضل ، وسيره إلى المدينة المنورة.

ومنهم الفاضل المعاصر الشريف علي بن الدكتور محمد عبد الله فكري الحسيني القاهري المولود بها سنة ١٢٩٦ والمتوفى بها أيضا ١٣٧٢ في «أحسن القصص» (ج ٤ ص ٢٩٤ ط دار الكتب العلمية في بيروت) قال :

اتفق أن المأمون خرج يوما يتصيد ـ فذكر مثل ما تقدم عن «سبائك الذهب» إلى فترحم على أبيه وساق جواده إلى مقصده.

١٠

ومنهم الفاضل الأمير أحمد حسين بهادر خان الحنفي البريانوي الهندي في كتابه «تاريخ الأحمدي» (ط بيروت سنة ١٤٠٨) قال في قصة ملاقاة الجواد عليه‌السلام للمأمون في صباه :

ومما اتفق أنه بعد موت أبيه بسنة واقف والصبيان يلعبون في أزقة بغداد إذ مر المأمون ففروا ـ فذكر مثل ما تقدم عن «سبائك الذهب» إلى قوله عليه‌السلام : فيختبر بها سلالة أهل بيت المصطفى. فقال له المأمون : أنت ابن الرضا حقا ، وأخذه معه وأحسن إليه وبالغ في إكرامه ، ثم زوجه بنته أم الفضل ، ثم توجه بها إلى المدينة.

١١

جملة من كلماته الشريفة

أوردها الفاضل المعاصر الشريف علي بن الدكتور محمد عبد الله فكري الحسيني القاهري المولود بها سنة ١٢٩٦ والمتوفى بها أيضا ١٣٧٢ في «أحسن القصص» (ج ٤ ص ٢٩٦ ط دار الكتب العلمية في بيروت) قال :

من كلامه رضي‌الله‌عنه : إن لله عبادا يخصهم بدوام النعم ، فلا تزال فيهم ما بذلوها ، فإن منعوها نزعها الله عنهم وحوّلها إلى غيرهم.

وقال رضي‌الله‌عنه : ما عظمت نعمة الله على أحد إلا عظمت إليه حوائج الناس ، فمن لم يتحمل تلك المئونة عرّض تلك النعمة للزوال.

وقال رضي‌الله‌عنه : أهل المعروف إلى اصطناعه أحوج من أهل الحاجة إليه ، لأن لهم أجره وفخره وذكره ، فمهما اصطنع الرجل من معروف فإنما يبتدئ فيه بنفسه.

وقال رضي‌الله‌عنه : من أجلّ إنسانا هابه ، ومن جهل شيئا عابه ، والفرصة خلسة ، ومن كثر همه سقم جسمه ، وعنوان صحيفة المسلم حسن خلقه ، وفي رواية أخرى : عنوان صحيفة المسلم السعيد حسن الثناء عليه.

وقال : من استغنى بالله افتقر الناس إليه ، ومن اتقى الله أحبه الناس.

وقال : الجمال في اللسان ، والكمال في العقل.

وقال : العفاف زينة الفقر ، والشكر زينة البلاء ، والتواضع زينة الحسب ،

١٢

والفصاحة زينة الكلام ، والحفظ زينة الرواية ، وخفض الجناح زينة العلم ، وحسن الأدب زينة الورع ، وبسط الوجه زينة القناعة ، وترك ما لا يعنى زينة الورع.

وقال : حسب المرء من كمال المروءة ألّا يلقى أحدا بما يكره ، ومن حسن خلق الرجل كفّه أذاه ، ومن سخائه بره بمن يجب حقه عليه ، ومن كرمه إيثاره على نفسه ، ومن إنصافه قبول الحق إذا بان له ، ومن نصحه نهيه عما لا يرضاه لنفسه ، ومن حفظه لجوارك تركه توبيخك عند ذنب أصابك مع علمه بعيوبك ، ومن رفقه تركه عذلك بحضرة من تكره ، ومن حسن صحبته لك إسقاطه عنك مؤنة التحفظ ، ومن علامة صداقته كثرة موافقته ، وقلة مخالفته ، ومن شكره معرفة إحسان من أحسن إليه ، ومن تواضعه معرفته بقدره ، ومن سلامته قلة حفظه لعيوب غيره ، وعنايته بصلاح عيوبه.

وقال رضي‌الله‌عنه : العالم بالظلم ، والمعين عليه ، والراضي به ، شركاء.

وقال رضي‌الله‌عنه : من أخطأ وجوه المطالب خذلته الحيل ، والطامع في وثاق الذل ، ومن طلب البقاء فليعد للمصائب قلبا صبورا.

وقال رضي‌الله‌عنه : العلماء غرباء لكثرة الجهال بينهم.

وقال رضي‌الله‌عنه : الصبر على المصيبة مصيبة على الشامت.

وقال رضي‌الله‌عنه : ثلاث يبلغن بالعبد رضوان الله : كثرة الاستغفار ، ولين الجانب ، وكثرة الصدقة.

وقال رضي‌الله‌عنه : ثلاث من كن فيه لم يندم : ترك العجلة ، والمشورة ، والتوكل على الله عند العزم.

وله حكم وأقوال كثيرة نكتفي بما ذكر منها. والله أعلم.

١٣

كلمات العلماء في شأنه

عليه‌السلام

فمنهم الفاضل المعاصر الهادي حمّو في «أضواء على الشيعة» (ص ١٣٦ ط دار التركي) قال :

هو أبو جعفر محمد الجواد بن علي الرضا ، مات فخلفه في الإمامة وهو ابن سبع أو تسع سنين ، وقد شغف به المأمون لما رأى من فضله مع صغر سنه ونبوغه في العلم والحكمة والأدب وكمال العقل ما لم يساوه أحد في ذلك من أهل زمانه فزوجه ابنته أم الفضل كما زوج أباه من قبل من أخته أم حبيب.

وتولى الجواد للإمامة أثار شكوكا في الناس فتساءلوا : كيف يكون إماما من لم يبلغ سن الرشد؟ كيف يكلف الآخرون بطاعته وهو غير مكلف؟ وأين لهذا الفتى اليافع ذلكم العلم الواسع الواجب للإمام؟

وحاول متكلموا الشيعة الإجابة عن هذا الأسئلة فذكروا الآية النازلة في حق زكريا عليه‌السلام : (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) (١٢ ـ مريم : ١٩) وذكروا معجزة المسيح في نطقه بالمهد ، وإخباره أن الله آتاه الكتاب (فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) (٣٠ ـ مريم : ١٩) وحكوا موقف المأمون مع من استنكر عليه تزويجه بنته الجواد وهو صغير السن إذ قال لهم :

١٤

ويحكم أنا أعرف به منكم ، إنه من أهل بيت علمهم من الله ، ولم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين والأدب عن الرعايا ، وإن شئتم فامتحنوه حتى يتبين لكم ذلك فجمع الجواد بقاضي القضاة يحيى بن أكثم في مجلس من مجالس المأمون وسأل وامتحن الإمام الفتى. سأله ابن أكثم عن محرم قتل صيدا. فقال الجواد : هل قتله في حل أو حرم؟ عالما كان أو جاهلا؟ عمدا كان أو خطأ ، حرا كان المحرم أو عبدا ، صغيرا كان أو كبيرا ، مبتدأ كان أو معيدا؟ من ذوات الطير كان الصيد أو من غيرها؟ من صغار الطير أم من كباره؟ مصرّا كان على ما فعل أو نادما؟ في الليل كان الصيد أو في النهار؟ وفي عمرة كان ذلك أو في حجة؟ فتحير قاضي القضاة ابن أكثم وبان عليه العجز والانقطاع حتى عرف أهل المجلس أمره.

فقال المأمون : الحمد لله على هذه النعمة والتوفيق ، إن أهل البيت خصوا من دون الخلق بما ترون من الفضل ، وإن صغر السن فيهم لا يمنعهم من الكمال.

وأما العلم الواجب له كإمام معصوم فإن فريقا من الشيعة يرى أن ذلك قد حصل له بعد البلوغ (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) (٢٢ ـ يوسف : ١٢) علم لدني حصل له دون تعليم ، إلهام كالنكت في القلب ، والنقر في الآذان! والرؤيا الصادقة في المنام! وفريق آخر ينكر هذه المصادر للمعرفة ويرى أن علمه كان مستمدا من الكتب التي ورثها من أبيه.

ومنهم الشريف علي الحسيني فكري القاهري في «أحسن القصص» (ج ٤ ص ٢٩٥ ط بيروت) قال :

لقد أحسن المأمون إليه ، وقربه وبالغ في إكرامه ، ولم يزل مشغوفا به لما ظهر له من فضله وعلمه ، وكمال عقله ، وظهور برهانه ، مع صغر سنه ، وعزم على تزويجه بابنته أم الفضل وصمم على ذلك فمنعه العباسيون من ذلك خوفا من أن يعهد إليه كما عهد إلى أبيه من قبل.

١٥

فلما ذكر لهم أنه إنما اختاره لتميزه عن كافة أهل الفضل علما ومعرفة وحلما مع صغر سنه نازعوه في اتصاف محمد الجواد بذلك ، وطلبوا منه اختباره بمعرفة يحيى ابن أكثم. فلما امتحنه أجابه إجابات سديدة فقالوا : ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

فقال المأمون : قد عرفتم الآن ما تنكرون عليه ، والحمد لله على ما منّ به عليّ من السداد في الأمر والتوفيق في الرأي ، وأقبل على أبي جعفر وقال له : إني مزوجك ابنتي أم الفضل رغم أنوف القوم ، فاخطب لنفسك فقد رضيتك لنفسي وابنتي.

فقال أبو جعفر : الحمد لله إقرارا بنعمته ، ولا إله إلا الله إخلاصا بوحدانيته ، وصلّى الله على سيدنا محمد سيد بريته ، والأصفياء من عترته. أما بعد فقد كان من فضل الله على الأنام أن أغناهم بالحلال عن الحرام ، فقال تعالى : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ).

ثم إن محمد بن علي بن موسى خطب إلى أمير المؤمنين عبد الله المأمون ابنته أم الفضل وقد بذل لها من الصداق مهر جدته فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهو خمسمائة درهم جياد ـ فهل زوجتني يا أمير المؤمنين إياها على هذا الصداق؟

قال المأمون : زوجتك ابنتي أم الفضل على هذا الصداق المذكور. فقال أبو جعفر : قبلت نكاحها لنفسي على هذا الصداق المذكور.

وبعد أن انصرف الناس تقدم المأمون بالصدقة على الفقراء والمساكين ، ولم يزل عنده محمد الجواد معظما مكرما إلى أن توجه بزوجته أم الفضل إلى المدينة المشرفة.

ومنهم الفاضل الدكتور دوايت. رونلدسن في «عقيدة الشيعة» تعريب ع. م. (ص ١٩٧ ط مؤسسة المفيد ، بيروت) قال :

والأهم لحياة الإمام محمد التقي هو أن المأمون بقي يميل إلى التشيع حتى بعد أن

١٦

أبدل الخضرة بالسواد. وقد فعل ذلك لضرورة سياسية ضد رغبته الشخصية. فإنه لم يكتف بتعيين الشيعة البارزين من الفرس في الوظائف المهمة بل أظهر عطفا شديدا نحو بيت الإمام الرضا المتوفى. فاختار أحد أخوته ليحج بالناس. ولم تمض مدة طويلة حتى زوج ابنته أم الفضل إلى محمد التقي بن علي الرضا ، ويقول اليعقوبي : إنه أمر له بألفي ألف درهم ، وقال : إني أحببت أن أكون جدا لمرء ولده رسول الله وعلي ابن أبي طالب.

وكان عمر محمد التقي ـ ويلقب حينا بالجواد ـ تسع سنين (أو سبعا على قول آخرين) عند وفاة أبيه ، وكان بالمدينة آنئذ ، وكان صغر سنه سببا في شك كثيرين من الشيعة بإمامته ، فلما جاء موسم الحج ذهب عدد من رجالهم البارزين وعلمائهم من مختلف البلاد إلى الحج ، فلما رأوه زال الشك عن قلوبهم. ويروي الكليني أن المتولي سأله ثلاثين ألف مسألة يمتحنه بها فأجاب عنها جميعا ودام ذلك ثلاثة أيام.

وأمه ليست أم حبيب بنت المأمون بل أم ولد مشكوكا في أصلها ، ويقول الكليني :

إنها نوبية واسمها سبيكة. وقيل أيضا : إن اسمها كان خيزران وهي رومية. وروي أنها كانت من أهل بيت مارية أم إبراهيم بن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ويروى الشيعة قصة طريفة عن أول لقاء بين الخليفة المأمون ومحمد التقي وهو صبي. فيظهر أنه جاء إلى بغداد بعد وفاة أبيه بمدة قصيرة.

وصادف أن خرج المأمون يوما إلى الصيد ومعه بزاته ، فاجتاز بطرف البلد في طريقه والصبيان يلعبون ومحمد التقي واقف معهم وعمره إذ ذاك نحو ١١ سنة. فلما أقبل الخليفة انصرف الصبيان هاربين ووقف محمد فلم يبرح مكانه ، فنظر إليه المأمون ثم سأله : يا غلام ما منعك من الانصراف؟ فقال : يا أمير المؤمنين لم يكن الطريق ضيقة فأوسعه لك بذهابي ولم يكن لي جريمة فأخشاها ، وظني بك حسن أنك لا تضر من لا ذنب له فوقفت. فأعجب المأمون كلامه وساق جواده إلى وجهته. فلما بعد من العمارة أخذ بازيا فأرسله على دراجة فعاد وفي منقاره سمكة صغيرة ،

١٧

فأخذها المأمون في يده فسأل الغلام وهو لا يزال في مكانه : ما في يدي؟ قال : يا أمير المؤمنين ، الله تعالى خلق بمشيئته في بحر قدرته سمكا صغارا يصيدها بزاة الملوك والخلفاء ، وهم يأخذونها في أيديهم فيختبرون بها سلالة أهل بيت النبوة.

وجمع المأمون بعد ذلك بقليل مجلسا ليمتحن الإمام ، ودام المجلس أياما عديدة ، وقد أجاب الإمام على كل المسائل ، فاندهش الناس من ذلك ، فزوجه المأمون بابنته وأمر له بمال كثير. ويروى أن الإمام أطرق عند ذلك برأسه ومات بنو العباس غيظا وكمدا.

وبذلك أظهر المأمون اهتمامه المستمر وعطفه على الشيعة ، وجعل ابن الإمام الرضا المتوفى تحت رعايته ، وكان الإمام الفتى يأتي قصر المأمون بين آن وآخر للدرس ومحادثة العلماء الذين يجتمعون هناك ، غير أن من سوء الحظ أن الرواة قد أكدوا الإعجاز في ما قد بلغه من العلم ، بصرف النظر عن الحوادث التي قد تظهر دراسته. فمما يخيب الأمل مثلا أن نقرأ شهادة يحيى بن أكثم ، وهو من الناس الذين أرادوا امتحان الإمام ، فسأله مسائل كثيرة قبل أن يعترف بإمامته ، فنجد أن كل ما ذكره هو أنه سأله : من الإمام؟ قال : أنا. قال : وما برهانك؟ فتكلمت عصى محمد التقي وقالت : إن صاحبي هذا هو إمام العصر وحجة الله.

وبعد سنة أو نحوها من زواج الإمام سمح له الخليفة أن يأخذ زوجته الصغيرة ويذهب إلى المدينة ، وقد سر بنو العباس بذلك لكراهتهم أن يروا تفضيله عليهم في بغداد. فعاش في المدينة عيشة بسيطة كمن تقدمه من الأئمة مدة ثلاث سنوات ، يقابل من يأتي لزيارته ويكرم الفقراء ويتحاشى التدخل في القضايا العامة. وقد صنع معجزات عدة تشبه تلك المعجزات التي صنعها باقي الأئمة كإخباره بأن جارية معينة ستحمل بغلام لرجل ، وجعل شجرة تحمل فاكهة ، بينما صلّى عدة ركعات عند قبر النبي ، وأفرح عجوزا بإحيائه بقرة ميتة لها.

أما حياته مع زوجته زينب بنت الخليفة ـ وتعرف بأم الفضل ـ فيقال : إنها لم تكن

١٨

حياة سعيدة ، لأن سلوك هذه الزوجة الشرعية لم يكن يتفق والصداقة والحب المتبادل الذي يجب أن يكون بين الزوج وزوجه ، فكانت تكتب إلى أبيها تتهم زوجها وتذكر أنه يعاشر الجواري ، وذلك لتخلق العداء ضده. وقد نبهها لهذه الأقوال ولأنها تحرم ما أحل الله.

وعادت زوجته من المدينة إلى بغداد بعد سبع سنوات من زواجها لحضور زواج الخليفة المأمون ببوران بنت الحسن بن سهل ، البالغة من العمر ثمان عشرة سنة ، ذلك الزواج الذي لم تشهد بغداد مثله. وكانت فرصة جميلة يشهدها الإمام ، فقد نثر على العريس اللؤلؤ بدل الرز ، فيجمع ويعطى إلى العروس ، وقد ألبستها زبيدة زوج الرشيد ثوبا من الجواهر واللؤلؤ ، وأوقدت غرفة العروس بشموع العنبر ، وبذل أبو العروس وهو من أغنى الفرس وأعظمهم شأنا ، اعترافا بامتنانه لهذا الشرف العظيم ، مبالغ لا تعد ولا تحصى ، وأعطى من الهدايا ما لا يوصف ، فنثر على الناس بنادق مسك فيها أسماء ضياع وأسماء جوار وصفات دواب وغير ذلك ، فكانت البندقة إذا وقعت بيد الرجل فتحها فقرأ ما فيها وقبضها ، وخلعت على الناس خلع سنية.

وهكذا انتهى العرس الذي لم يسبق له مثيل.

ونشأ خلاف واحد في بغداد بين الإمام التقي وأم الفضل سبب للأسرة المالكة انزعاجا كبيرا. فيروى عن حكيمة أخت الإمام الرضا أن أم الفضل أخبرتها بأن امرأة أتتها كأنها قضيب بان أو غصن خيزران ، وقالت : أنا زوج الإمام التقي. فدخل على أم الفضل من الغيرة ما لم تملك نفسها ، فنهضت من ساعتها وصارت إلى المأمون ، وقد كان ثملا من الشراب وقد مضى من الليل ساعات ، فأخبرته بحالها وقالت له : يشتمني ويشتمك ويشتم العباس وولده. قالت : فغاظه ذلك مني جدا ولم يملك نفسه من السكر وقام مسرعا وضرب بيده إلى السيف وحلف أنه يقطعه بهذا السيف ما بقي في يده ، وصار إليه .. فدخل إليه وهو نائم فوضع فيه السيف فقطعه قطعة قطعة .. فلما أفاق من السكر ندم ندما شديدا وأرسل من يأتيه بخبره ، فعاد وأخبره أنه وجده

١٩

يصلي صلاة الصبح وقد استوهبه ثوبه الذي عليه ليرى آثار الجرح فلم يجد. فأرسل الخليفة إلى الإمام يسأله الركوب إليه. قالت أم الفضل : ووبخني وحلف إن شكوت زوجي إليه مرة أخرى لا يرى وجهي ما دام حيا.

واشتغل الإمام مدة بقائه في بغداد ، وهي ثمان سنوات بالتدريس. ويذكر ابن خلكان : إنه كان يروي مسندا عن آبائه آل علي بن أبي طالب (ر ض) أنه قال : بعثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إلى اليمن فقال لي وهو يوصيني : يا علي ما خاب من استخار الله ولا ندم من استشار ، يا علي عليك بالدلجة فإن الأرض تطوى بالليل ما لا تطوى بالنهار. يا علي اغد باسم الله فإن الله بارك لأمتي في بكورها. وكان يقول : من استفاد أخا في الله فقد استفاد بيتا في الجنة.

إلى أن قال في ص ٢٠٢ :

وبعد وفاة المأمون عاد الإمام محمد التقي مع أهله إلى المدينة وبقي ما يزيد على السنة حتى دعاه المعتصم الخليفة الجديد ، وهو أخ المأمون ، إلى بغداد ، وكان ذلك في أول السنة التي مات فيها الإمام وهي سنة ٢٢٠ (٨٣٥) وليس هناك دليل على أن العلاقة مع الخليفة الجديد كانت غير حبية ، إلا أن بعض الروايات المذكورة في الكتب التي يقرأها الشيعة تقول إنه مات مسموما سمته زوجته أم الفضل بتحريض المعتصم. ولا تتفق هذه الروايات على تفاصيل هذه التهمة ، فيقول بعضها : إنها سمته بمنديل يتمسح به في الفراش ، وتقول الروايات الأخرى : إنها أعطته عنبا مسموما ، وأخرى تذكر أن المعتصم أرسل له شرابا مسموما بيد خادم ، أو يقال : إنه دعاه إلى قصره ووضع له السم بالطعام. ويروى مصنف كتاب بحار الأنوار عن بعض الكتب المعتبرة المتقدمة لكتاب إرشاد المفيد وكشف الغمة فيقول : وقيل إنه مضى مسموما ، ولم يثبت عندي بذلك خبر فأشهد به.

قال الكليني : ودفن بمقابر قريش في ظهر جده أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما

٢٠