إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل - ج ٢٨

آية الله السيّد شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي

أردت النهوض قال لي : لا أظنك تقدر على العودة هذه الليلة. فقلت : نعم. أظن ذلك. قال : لا ، ومن الخير أن تبيت الليلة هنا وعند الصباح اذهب على بركة الله. وأمر جاريته أن تفرش لي فراشه. فبت في وسادته وكسائه وملحفته. فأصابني زهو في نفسي ، فإذا به يقول : يا أحمد ، إن أمير المؤمنين أتى زيد (صعصعة) بن صوحان عائدا له ، فلما أراد أن يقوم من عنده قال : يا زيد (صعصعة) بن صوحان ، لا تفتخر بعيادتي إياك وتواضع لله وتوكل عليه.

وقال أبو محمد الغفاري : لزمني دين ثقيل فقلت : ما لقضائه غير الرضا. فلما أصبحت أتيت منزله فاستأذنت عليه ، فأذن لي. فلما دخلت قال لي ابتداء : يا أبا محمد قد عرفنا حاجتك وعلينا قضاء دينك. فلما أمسينا أتى بطعام للإفطار ، فأكلنا. فقال : يا أبا محمد ، تبيت أو تنصرف؟ فقلت : يا سيدي ، إن قضيت حاجتي فالانصراف أحب إلي. قال : فتناول من تحت البساط قبضة فدفعها إلي. فخرجت فدنوت من السراج فإذا هي دنانير حمر وصفر ، فأول دينار وقع في يدي رأيت نقشه كان عليه : يا أبا محمد الدنانير خمسون ، ستة وعشرون منها لقضاء دينك ، وأربعة وعشرون لنفقة عيالك. فلما أصبحت فتشت الدنانير فلم أجد ذلك الدينار ، وإذا هي لا تنقص شيئا.

وحج الإمام عند خروجه من المدينة إلى مرو حجة وداع ، ثم توجه من المدينة إلى البصرة ولم يصل الكوفة. ومن بغداد توجه شمالا قاطعا الجبال إلى قرمسين وهمدان ثم سار بمراحل قصيرة إلى الري ، وهي مدينةRhages عند اليونان وخرائبها قرب طهران اليوم. وتوجهت القافلة المنهوكة القوى شرقا وهي تحمل نور محمد حتى بلغت مدينة طوس بعد شهر ، ومنها سارت إلى مرو في تركستان الحديثة. وقد يكون البطء في سفر الإمام لطول الوقت الذي تقطع به القوافل ذلك الطريق بين بغداد ومرو ، فالمسافة تتراوح بين شهرين وثلاثة أشهر ، وقد يكون ذلك لاستقبال الناس له في كل مكان استقبالا فخما.

وعند وصوله إلى مرو كان الخليفة المأمون لا يزال مصرا على رأيه ، وقد أكرمه

٦٤١

إكراما عظيما وأسكنه دارا فخمة.

ويتمسك كتاب الشيعة بقولهم : إنه اضطر إلى قبول رأي المأمون. وقد أبدى رأيه بصراحة في تفضيله الحياة الطليقة على قيود الحكم.

ويقول اليعقوبي : إن المأمون بايع له بولاية العهد لسبع وعشرين خلون من شهر رمضان سنة ٢٠١ ه‍. وضربت الدنانير والدراهم باسمه. وقد نقش عليها : ملك الله والدين ، المأمون أمير وخليفة المؤمنين والرضا إمام المسلمين. ولم يكتف المأمون بذلك بل جمع ولد العباس في مرو ، نساء ورجالا ، صغيرهم وكبيرهم ، فكان عددهم ثلاثة وثلاثين ألفا (والصحيح أنه أمر بإحصائهم فقط وأنه أمر بجمع خواص الأولياء ـ المعرب) وقدم على الرضا وأجلسه بأعلى المراتب ثم أخبرهم أنه نظر في ولد العباس وولد علي فلم يجد في وقته أحدا أفضل ولا أحق بالأمر من علي بن موسى الرضا. وأخذ بيده وبايعه بولاية العهد ، وزوجه بابنته أم حبيب ، وأمر بإزالة السواد من اللباس والاعلام ولبس الخضرة ، وهي شعار العلويين ، بينما كان السواد شعار العباسيين.

وانتهى ذلك إلى الحزب العربي في بغداد ، وكان لا يميل إلى المأمون ، كما أعظمه من بالعراق من ولد العباس ، إذ علموا أن فيه خروج الأمر عنهم ، فأجمعوا على خلع المأمون ومبايعة إبراهيم بن المهدي عم المأمون. فبويع له لخمس خلون من المحرم سنة اثنتين ومائتين.

وجمع الفضل بن سهل أثناء وجود الرضا مع المأمون في مرو مجلسا دعا إليه رؤساء الأديان من اليهود والنصارى والمجوس ليسمع المأمون كلامه وكلامهم ، وفي الاجتماع الأول جلس الإمام مع المأمون وأعقبته اجتماعات أخرى ، وجرت في أحدها مناظرة في علم الكلام والتوحيد اشترك فيها سليمان المروزي في بغداد (الفصل ١٣) وجرت مناظرة أخرى في العصمة بين الإمام وعلي بن محمد بن الجهم (الفصل ١٤) أعقبه مجلس آخر لإتمام البحث (الفصل ١٥). وقد اشترك المأمون

٦٤٢

في الموضوع اشتراكا كبيرا.

ومن المؤسف أن أخبار هذه المجادلات في المصادر الشيعية لم تكتب إلا بعد مأتي سنة من الحادث ، فكان من السهل طبعا على الكاتب وهو ابن بابويه (المتوفى سنة ٤٣١ ه‍) أن ينسب أقوالا مناسبة للإمام عن أن يخترع أجوبة وافية لخصومه ، اليهودي منهم أو النصراني أو المجوسي على السواء.

ويجوز أن يكون ثيودور أبو قرة أسقف حران هو الجاثليق المجهول الوارد ذكره في عدة مجالس ، وان ذكره لمجادلة أمام المأمون صحيح ، غير أن أخباره مثل أخبار ابن بابويه ضعيفة جدا فيما يختص بالجانب الآخر ، إذ بينما يذكر أحدهما بعض المعلومات غير الصحيحة عن التوراة والإنجيل يذكر الآخر معلومات مثلها عن القرآن.

وبقي الإمام الرضا في مرو مدة لا تزيد على السنة ، إذ أن المأمون عند ما سمع بمبايعة عمه إبراهيم بالخلافة في بغداد قرر مغادرة خراسان وإثبات حقه بنفسه. فخرج في السنة نفسها (سنة ٢٠٢ ه‍) إلى العراق ومعه ، كما قال اليعقوبي. الرضا عليه‌السلام وهو ولي عهده وذو الرياستين الفضل بن سهل وزيره. فلما صار في سرخس (قومس) نزل الوزير مع المأمون فقتل وهو في الحمام ، قتله غالب الرومي وسراج الخادم ، فقتلهما المأمون جميعا وقتل قوما معهما. يرجح الرأي القائل بأن القتل كان بسبب حقد أعضاء الحزب العربي ، على رأي أن المأمون هو الذي دبر قتله لشكه في أن الفضل كان يخفى عليه معلوماته عن سوء الوضع العسكري في العراق ولما صار الجيش بعد يوم أو يومين إلى طوس توفي الرضا بقرية يقال لها النوقان أول سنة ٢٠٣.

ويقول اليعقوبي الذي يمثل الرأي الشيعي : إن علته لم تكن غير ثلاثة أيام. فقيل إن علي بن هشام أطعمه رمانا فيه سم ، وأظهر المأمون عليه جزعا شديدا.

إلى أن قال :

٦٤٣

وقيل : إنه كان مسموما ، والرواية المعروفة هي أنه أكل عنبا مسموما.

ويذكر ابن بابويه عدة أسباب جعلت المأمون يسم الإمام الرضا ، ويبين الظروف التي نصب فيها الرضا ابنه محمدا للإمامة بعده.

فمات الرضا ودفن بعيدا عن المدينة ، بلد آبائه من أهل البيت ، فدفن في سناباذ على ميل من القرية التي مات فيها ، ودفن في القبر الذي دفن فيه أشهر خلفاء بني العباس ، ففي البستان نفسه دفن المأمون أباه هارون الرشيد قبل تسع سنوات ، فوقف هذه المرة في سفره الذي تأجل طويلا إلى بغداد ، بنفس المكان ، وصلى على الإمام الذي أراد أن يجعله خليفة.

وقال في ص ١٧٨ :

كان لدفن الإمام علي الرضا في مكان ناء مثل طوس ، نصيبه الكبير من الاهتمام في الأحاديث الشيعية. فيقال : إن الرسول نفسه قال : ستدفن بضعة مني بأرض خراسان لا يزورها مؤمن إلا أوجب الله له الجنة وحرم جسده على النار ، وما زارها مكروب إلا نفس الله كربته.

ويروى عن علي أمير المؤمنين أنه كان عالما حق العلم بما سيكون ، حتى أنه قال مرة: سيسم أحد أولادي ظلما بأرض خراسان ، اسمه كاسمي واسم أبيه موسى. وللتعويض عما سيناله هذا الولد المعين من أولاده من الأذى أردف مؤكدا : من زار قبره غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ولو كانت بعدد النجوم والقطر وأوراق الشجر.

ويقال إن موسى أبا علي الرضا قال : سيقتل ولدي علي مسموما ظلما وعدوانا ويدفن بجانب قبر هارون الرشيد. ثم قال : ومن زار ولدي عليا كان له عند الله كسبعين ألف حجة ومن زاره وبات عنده كان كمن زار الله في عرشه. فقال له أحدهم : كمن زار الله في عرشه؟! قال : نعم. إذا كان يوم القيامة كان على عرش الله أربعة من الأولين

٦٤٤

وأربعة من الآخرين ، فأما الأربعة الذين هم من الأولين فنوح وإبراهيم وموسى وعيسى. وأما الأربعة الذين هم من الآخرين فمحمد وعلي والحسن والحسين عليهم‌السلام. ثم يمد المضمار فيقف معنا من زار قبور الأئمة ، إلا أن أعلاهم درجة وأوفرهم حياة زوار قبر ولدي علي. ونرى كثيرا من هذه الأحاديث منقوشة في الحضرة الرضوية في الوقت الحاضر ، ويرى الحديث الأخير على إفريز تجاه بوابة نادر الذهبية.

صورة تاريخية مشهد

توفي الإمام الرضا في طوس في أوائل القرن التاسع الميلادي ، وللذي كتبه اليعقوبي خلال النصف الأخير من القرن نفسه ، يعود الفضل في تعريفنا أن اسم طوس كان يطلق حينئذ على المقاطعة أكثر مما يطلق على مدينة معينة. وأشهر مدينتين كانتا في هذه المقاطعة هما نوقان وطابران ، ونوقان هي مدينة طوس العظمى ، ويطلق عليها اسم طوس في أكثر الأحيان. وبطوس قوم من العرب من طيء وغيرهم ، وأكثر أهلها عجم. وفي نوقان مات هارون الرشيد والإمام الرضا. ثم أصبحت طابران بعدها مدينة طوس العظمى. ويؤيد كلام اليعقوبي المراحل التي ذكرها ابن رستة من نيسابور إلى طوس ، وكانت نوقان منزلا من المنازل بدلا من طابران.

ولما قدم هارون الرشيد طوس نزل دار حميد بن قحطبة الطائي عامله هناك. وله دار وبستان في سناباذ على ميل من نوقان ، فمات ودفن حسب وصيته في حجرة من الدار ، وأمر المأمون بن هارون ببناء قبة فوق قبره. فلما مات الرضا في نوقان دفن بنفس الحجرة ، فقيل فيه : دخل دار حميد بن قحطبة الطائي فدخل قبر هارون الرشيد.

ونسمع في القرن العاشر بوجود قلعة إلى جوار طابران ، وهي بناء عظيم يرى من مسافات بعيدة ، كما يقول المقدسي : وأسواق هذا النصف من المدينة عامرة. ونلاحظ أيضا بالعصر ذاته أن القبور المجاورة لسناباذ كانت محاطة بسور في القرن

٦٤٥

الرابع (العاشر). ويذكر ابن حوقل وجود مشهد يزوره كثير من الناس. وبنى مسجد عند قبر الإمام الرضا بأمر الأمير فائق عميد الدولة ، ولا يوجد أجمل منه في خراسان كلها ، على قول المقدسي. وبنى قبر هارون الرشيد إلى جانب قبر الإمام ، وشيدت دور دور وسور في جوار ذلك البستان ، وقد تخرب هذا البناء الجميل الذي وصفه كل من ابن حوقل والمقدسي ، بعد مدة قصيرة من إتمامه بأمر الأمير سبكتكين تشديدا في مقاومة الشيعة. وظل البناء خرابا سنين عديدة لم يجسر أحد على عمارته خوفا من الاضطهاد.

وفي أوائل القرن الحادي عشر أمر السلطان محمود بن سبكتكين بتعمير مشهد الرضا وإقامة بناء فخم عليه قبة عالية. ويقال إنه رأى أمير المؤمنين في المنام فعاتبه وقال له : إلى كم يدوم هذا الحال؟ فعلم أنه يشير إلى قبر الرضا. وتم البناء بإشراف حاكم نيسابور سنة ١٠٠٩ م. ولكن هذا البناء تخرب أيضا بعد مدة قصيرة على يد القبائل التركية واللصوص. وكان الخراب كاملا ، فلا توجد اليوم كتابة على بناء المشهد الحالي يرجع تاريخها إلى ما قبل ذلك الدور.

وفي القرن الثاني عشر أعاد أبو طاهر القمي في زمن السلطان سنجر السلجوقي تشييد البناء على نفقته الخاصة أو نفقة السلطان. وبقي هذا البناء الجديد نحو مائة سنة حتى تخرب معظمه على يد المغول ، ففي سنة ١٢٢٠ بعد أن ذبح تلكوخان سكان مدينة نيسابور فعل بطوس ما فعل بنيسابور ، فخربت مدينة طوس (طابران القديمة) ونهب المشهد الذي كان فيه قبرا الإمام علي الرضا وهارون الرشيد. ولم يتخرب المشهد كله ، إذ لا تزال بعض الكتابات عند الضريح يرجع تاريخها إلى سنة ٦١٢ ه‍ (١٢١٥) إلى قبل غزو المغول بخمس سنوات.

وأعيد بناء المشهد في أوائل القرن الرابع عشر على زمن السلطان محمد الجايتو ، وهو أول من تشيع من المغول ، فيذكر هوارث في كتابه تاريخ المغول أن أم الجايتو نشأت ابنها نشأة مسيحية ، فعمدته باسم نقولا. فلما ماتت أمه أقنعته زوجه بالدخول في

٦٤٦

الإسلام. وكان متمسكا بقواعد الدين الحنيف مع مراعاة أحكام ياسا غازان. وكانت الأموال التي تأتي إلى المشهد تصرف حسب شروط الوقف لأصحابها. فلما تيسرت الأموال للمشهد أعيد بناء قبر علي الرضا. وكان الجايتو كثير التنقل من مذهب إلى مذهب ، وقد أساءه كثيرا الجدال بين الحنفية والشافعية حول قواعد النكاح ، غير أننا نرى على السكة التي ضربت في أواخر أيامه نقش اسم علي وذكر الأئمة الإثني عشر.

وزار ابن بطوطة في القرن الرابع عشر المشهد بعد تجديد بنائه بسنوات (١٣٣٣ م) فيذكر أنه وجد المشهد مدينة كبيرة ضخمة كثيرة الفواكه والمشهد عليه قبة عظيمة على بابها ستر حرير. وعلى القبة قناديل فضة معلقة وإزاء هذا القبر قبر هارون الرشيد. وعليه دكانة يضعون عليها الشمعدانات. وإذا دخل الرافضي للزيارة ضرب قبر الرشيد برجله وسلم على الرضا. ويشير المستوفي ، وهو معاصر لابن بطوطة ، إلى سناباذ باسم المشهد ويقول عنها : إنها مدينة صغيرة ، ويذكر حب أهلها للغرباء وكثرة الفواكه بها.

ولم يمض زمن طويل على ذلك حتى أخذ تيمور لنك يشن غاراته على خراسان سنة ١٣٨٠ م. فأصاب طوس والمشهد الكثير من الضرر. ومن حسن الحظ أن شاهرخ ابن تيمور عين حاكما لخراسان فأعاد تعميرها. وكان يفكر ، بعد وفاة تيمور ، وعلى الأخص في زمن ثورة سمرقند ، بضرورة تعمير البلاد التي تم له الاستيلاء عليها. فقرر في سنة ١٤٠٥ إعادة بناء طوس أولا ، غير أنه وجد أن الذين نجوا من السيف منها قد انتقلوا إلى سناباذ وبنوا لهم بيوتا من الطين فيها ، وقد حاول عماله إقناعهم بالرجوع فلم ينجحوا لأنهم لاذوا بالإمام ، واستأذنوا من شاهرخ في بناء سور وحصون حول بيوتهم ، فصار هذا المكان مدينة المشهد الشهيرة. وأهملت طوس ، وهي التي كانت مكان طابران القديمة ، إهمالا تاما.

وتبرعت زوجة الشاهرخ بالمال اللازم لبناء مسجد فخم لا زال يعرف باسمها ، وهو مسجد جوهر شاه ، و «أفخم مسجد في أسيا الوسطى». ولا زال اسمها موجودا على الكتابات على البناء ، ونرى كتابات أخرى تنسب إكمال البناء والتزيين إلى الشاه

٦٤٧

سلطان حسين الصفوي ، ونقرأ في بعض الكتابات التي يرجع عهدها إلى سنة ٨٢١ ه‍ ، وهو عصر جوهر شاه ، حديثا ينسب إلى الرسول وهو : المؤمن في المسجد كالسمكة في الماء أما الكافر فهو كالدجاجة في الكن.

وليس ما يدل على حدوث تلف آخر في مشهد الرضا بعد ذلك. اللهم إلا ما حدث من الزلازل ، فانشق جدار البناء الرئيس على زمن الشاه سليمان الأول الصفوي. وكان السيرجون جادرين في أصفهان عند ما وردت الأخبار بحدوث الزلازل فكتب في مذكراته ليوم ١١ آب ١٦٧٣ م. ما يلي : وجاء خبران سيئان مترادفان يوم ١١ وهو أن ثلثي مدينة المشهد عاصمة خراسان وهي بنفس المقاطعة ، ونصف نيسابور وهي مدينة عظيمة بنفس المقاطعة ، ومدينة أخرى صغيرة قربها قد تهدمت بالزلزال. وكان ما أحزن قلوب الإيرانيين عموما والمتدينين منهم خصوصا هو التخريب الذي حدث في حضرة المشهد حيث قبر الإمام الرضا ، وهو مسجد جميل مشهور في الشرق قاطبة ، فقد تصدعت القبة ، وسلمت وجهة البناء نوعا ما. فأرسل الشاه معتمدا من قبله ليرى بنفسه مقدار ما تخرب ، ثم أعقبه بشخصين آخرين وزودهما بأوامر إلى عمال المقاطعة ، لملافاة هذه المصيبة الكبرى.

وكتب جادرين أيضا بعد ذلك بشهرين : وفي اليوم التاسع من شهر تشرين الأول ذهبت إلى دار صاغة الملك في القصر الملكي لأشاهد صنع الصفائح الذهبية على شكل طوابيق يغطى بها سطح قبة حضرة الإمام الرضا بالمشهد ، وهي القبة التي هدمتها الزلازل كما ذكرت آنفا. وقد استخدم ألف رجل كما قلنا في ترميم بناء المسجد. وهم يعملون بهمة ونشاط. فلا ينتهي شهر كانون الأول حتى ينتهي معه عملهم. وهذه الصفائح هي من النحاس مربعة الشكل عرضها ١٠ عقد وطولها ١٦ وثخنها بثخن كراونين (العملة الأنكليزية المعروفة) وتحتها قضيبان عرض كل منهما ٣ عقد ، متصلان بعضهما ببعض على شكل صليب فيغرسا بالتسييع لتمسك بالطوابيق ، وقد ذهب وجه الطابوقة بطبقة من الذهب ذات كثافة تظهر بها كأنها قطعة مصمتة من

٦٤٨

الذهب. واستهلكت كل طابوقة ما وزنه ٣ دوقات وربع كلدنك وكلفت ما قيمته ١٠ كراونات. وأخبرني رئيس الصاغة وهو الناظر على العمل ، بأنهم أمروا بصنع ٣٠٠٠ طابوقة.

ورممت القبة الذهبية بأمر الشاه سليمان وفي زمنه كما يظهر من الكتابات على القبة نفسها ، وقد جاء في آخر هذه الكتابة : «إن الشاه سليمان الحسيني قد تمكن من كسوة هذه القبة السماوية بالذهب وزينها وعمرها بعد ما أصابها من الضرر بزلزال عظيم في هذا المكان المقدس سنة ١٠٨٦ ـ ١٦٧٣». وتذكر الكتابة على الباب المؤدية إلى المسجد من البوابة الذهبية أن الشاه سليمان أمر بترميم مسجد جوهر شاه بالوقت نفسه.

وعلى الافريز في داخل البوابة الذهبية كتابة تخلد أن الشاه عباس الكبير أذن له أن يمشي على قدميه من أصفهان دار السلطنة زائرا المشهد وقد أسعده الحظ في الاشتراك بتزيين هذه القبة من ماله الحلال سنة ١٠١٠ ـ ١٠٦١ وتم العمل سنة ١٠١٦ ـ ١٠٦٧. وفي القرن الثامن عشر أمر نادر شاه بترميم القبة الذهبية وأهدى هدايا كثيرة إلى المشهد.

وأهم ما أهداه الشاهات القاجاريون هو قاعة الاستقبال والبوابة الذهبية ، وقد أهداها فتح علي شاه ، ثم حسنها وزينها ناصر الدين شاه سنة ١٢٥٠ ـ ١٨٤٨.

وآخر تلف مهم حدث في المشهد هو ما كان نتيجة القصف الروسي سنة ١٩١١. فقد أغار على المدينة جماعة من اللصوص فنهبوها والتجئوا إلى حرم المشهد وأعلنوا عصيانهم على الحكومة الدستورية ، ولما كانت الحكومة الإيرانية ضعيفة آنئذ فيقال إنها خولت الروس الذين كانت لهم قوات كبيرة في خراسان أن يعيدوا الأمن إلى نصابه ، فقصف الروس الحضرة الرضوية ، حيث التجأ الثوار ، بالمدافع من موضع مناسب خارج المدينة. ولم تمض دقائق معدودات حتى تلف قسم كبير من القبة والأبنية العالية وقتل نحو مائة من الأبرياء العزل ، وتمكن اللصوص من التسرب إلى

٦٤٩

خارج المدينة والخلاص. واستاء الإيرانيون من هذا العمل استياء كبيرا. فهم يقيمون له ذكرى سنوية. ويذكرون ما أصاب روسيا منذ ١٩١١ من العقاب الإلهي لإهانتهم حرمة الإمام الرضا ، فلم يكتفوا بإطلاق النار عليه بل شغلوه عدة أيام ، فكانوا يدخلون إلى الحرم بأحذيتهم ومعهم كلابهم.

حب الناس للإمام الرضا

إن المصائب التي مرت بالمشهد قد زادت في الحب الذي يظهره الناس عامة للإمام الرضا. ولا عجب في مدينة مقدسة هي أبعد المدن عن التأثير السني أن تتجسم فيها الأخبار بعد سنوات طويلة وتتخذ أشكالا وصورا غريبة ، وأن تنسب للإمام أعمال عجيبة كثيرة ، فقد أمطرت السماء إجابة لدعائه ، وكان يذكر وجهة كل غمامة ومسقطها ، وأخرج قطعة ذهبية من النقود من صخرة بعد أن حكها بخشبة ، وأنه أخبر عبد الله بن المغيرة عن دعاء دعا به في مكة ، وأنه كان يعلم ما بقلوب الناس فأخبر الكثيرين منهم. وكان يعلم بساعة موت كل إنسان. وأنبت الخضرة في وسط الشتاء في بستان أحدهم وأنضج العنب. والساعة الثالثة من النهار عنده ساعة مقدسة. وهم يستعينون به على الأسفار بالبر والبحر وعلى ما يقاسونه من آلام التغرب ، ذلك إلى أن هذا المشهد هو أبعد المشاهد عن مركز الثقافة الإسلامية ، ولا يمكن بلوغه إلا بعد سفر طويل مضن يقطع فيه المسافر نحو ٨٠٠ أو ٩٠٠ ميل. وما في هذه المشقة من الأجر في زيارة الإمام الرضا في المشهد البعيد.

وصف المشهد المقدس

يمتد شارع مركزي من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي على طول المدينة فيدخل الزائر إلى الحضرة من البابين العلوي والسفلى لهذا الشارع ، أو من طريق

٦٥٠

السوق المسقف. وتجري ساقية ماء في وسط الشارع الرئيس. وقد نمت أشجار الدلب التي غرست هنا قبل سنوات كثيرة عند ما رآها فريزر سنة ١٣٨٥. ووصفها بأنها نمت «بعض الأشجار المكافحة الباقية» نموا هائلا حتى سقط كثير منها. وفتح شارع يدور بالحضرة لتسهيل المرور. وأزال فتح النصف الجنوبي من هذا الشارع أبنية مزدحمة قذرة كحمامات وخانات ، كانت مصدر خطر على صحة المدينة ، وشق النصف الشمالي من هذا الشارع وسط مقبرة واسعة تضم أجداث أجيال عديدة من الشيعة ، وهم يعتقدون اعتقادا جازما بأنهم سيقومون يوم القيامة مع الإمام خالصين من الذنوب كما ولدتهم أمهاتهم ، بفضل شفاعته ، وقد حفرت الحفر التي على جانبي الشارع لغرس الأشجار خلال ٦ أو ٨ طبقات من القبور ، وقد أخذت أحجارها لرصف الشارع ، وتجري إحالة المقبرة التي تبلغ مساحتها نحو عشر أفدنة في الشمال ، إلى حديقة يخترقها شارع الطبسي الجديد الذي يمتد من الحضرة إلى قلب المدينة الذي هو نوقان القديمة.

وعند بلوغ الحاجز في الشارع الأعلى الذي لا يجوز للعجلات أو غير المؤمنين اجتيازه ، يرى الناظر نقوشا كاشانية دقيقة على قوس الباب المؤدية إلى السجن القديم الذي تبلغ مساحته ٣٧٧% ١٠٥ أقدام. وخلف هذا المدخل برج ساعة يكاد أن يكون خاليا من الفن ، وتدق الساعات وأنصاف الساعات حسب التوقيت العربي. وعبر الصحن القديم مدخل مشابه آخر يؤدي إلى الشارع الأسفل ويعلوه برج آخر دون ساعة ، يستعمله النقارون لقرع النقارات ونفخ الأبواق عند طلوع الشمس وغروبها ويسمى هذا المكان بالنقارخانه ، وقرع النقارات لطلوع الشمس وغروبها وللسلام الملكي من العادات القديمة جدا في إيران. ويندهش الزائر عند دخول الصحن القديم لرؤية الذهب الساطع فوق القبة العالية. ويزداد التأثر بمنظر المنائر البراقة الكائنة فوق البوابة الذهبية ، والمنائر المقابلة لها الكائنة فوق بوابة عباس.

وفي منتصف وسط الصحن منحرفا إلى الغرب حوض ماء تجري إليه المياه من

٦٥١

خزان نظيف يقع في الجانب الغربي من المدينة ، وليس من الساقية التي تمر بالشارع.

وتتصل الساحة الكبيرة وراء الصحن القديم بالبناء الأصلي للحضرة الذي يحتوي على ١٥ غرفة وحجرات عدة وأروقة. أما غرفة الضريح فمربعة ، طول ضلعها ٣٤ قدما ترتفع فوقها القبة الذهبية إلى علو ٨٢ قدما.

إلى آخر ما قال.

ومنهم الفاضل المعاصر الشريف علي بن الدكتور محمد عبد الله فكري الحسيني القاهري المولود بها سنة ١٢٩٦ والمتوفى بها أيضا ١٣٧٢ في «أحسن القصص» (ج ٤ ص ٢٩١ ط دار الكتب العلمية في بيروت) قال :

ذكر جماعة من أصحاب السير ورواة الأخبار بأيام الخلفاء أن المأمون لما أراد ولاية العهد للرضا وحدث نفسه بذلك ، وعزم عليه أحضر الفضل بن سهل وأخبره بما عزم عليه وأمره بمشاورة أخيه الحسن في ذلك ، فاجتمعا وحضرا عند المأمون فجعل الحسن يعظم ذلك عليه ويعرفه ما في خروج الأمر عن أهل بيته ، فقال المأمون : إني عاهدت الله تعالى أني إن ظفرت بالمخلوع سلمت الخلافة إلى أفضل بني طالب وهو أفضلهم ولا بد من ذلك.

فلما رأيا تصميمه وعزيمته على ذلك أمسكا عن معارضته فقال :

تذهبان الآن إليه ، وتخبرانه بذلك عني ، وتلزمانه به ، فذهبا إلى علي الرضا وأخبراه بذلك وألزماه. فامتنع فلم يزالا به حتى أجاب على أنه لا يأمر ولا ينهى ولا يعزل ولا يولي ، ولا يتكلم بين اثنين في حكومة ولا يغير شيئا مما هو قائم على أصله ، فأجابه المأمون إلى ذلك.

ثم إن المأمون جلس مجلسا خاصا لخواص أهل دولته من الأمراء والوزراء والحجاب والكتاب وأهل الحل والعقد ، وكان ذلك في يوم الخميس لخمس خلون من شهر رمضان سنة إحدى ومائتين وأحضرهم.

٦٥٢

فلما حضروا قال للمفضل بن سهل : أخبر الجماعة الحاضرين برأي أمير المؤمنين في الرضا علي بن موسى وأنه ولاه عهده ، وأمرهم بلبس الخضرة والعودة لبيعته في الخميس.

فحضروا وجلسوا على حسب طبقاتهم ومنازلهم كل في موضعه ، وجلس المأمون ثم جيء بالرضا فجلس بين وسادتين عظيمتين وضعتا له ، وهو لابس الخضرة وعلى رأسه عمامة متقلد بسيف.

فأمر المأمون ابنه العباس بالقيام إليه ومبايعته أول الناس ، فرفع الرضا يده وجعلها من فوق. فقال المأمون : ابسط يدك ، فقال له الرضا : هكذا كان يبايع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويده فوق أيديهم. فقال : افعل ما ترى.

ثم وضعت بدر الدراهم والدنانير ، وبقج الثياب والخلع ، وقام الخطباء والشعراء وذكروا ما كان من أمر المأمون من ولاية عهده للرضا وذكروا فضل الرضا ، وفرقت الصلات والجوائز على الحاضرين على قدر مراتبهم. وأول من بدئ به العلويون ثم العباسيون ثم باقي الناس على قدر منازلهم ومراتبهم. ثم إن المأمون قال للرضا : قم فاخطب الناس ، فقام فحمد الله وأثنى عليه وثنى بذكر نبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فصلى عليه وقال : أيها الناس إن لنا عليكم حقا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولكم علينا حق به ، فإذا أديتم ذلك ، وجب لكم علينا الحكم والسلام.

ولم يسمع منه في هذا المجلس غير هذا وخطب للرضا بولاية العهد في كل بلد. وصورة كتاب العهد الذي كتبه المأمون بخطه للرضا مذكورة في كتاب «نور الأبصار في مناقب آل بيت النبي المختار» فمن شاء فليطلع عليها لأنها طويلة جدا ولا محل لذكرها هنا.

وهذا نص العهد الذي كتبه المأمون للرضا عليه‌السلام :

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

٦٥٣

فمنهم الفاضل المعاصر أحمد زكي صفوت وكيل كلية دار العلوم جامعة القاهرة سابقا في «جمهرة رسائل العرب في العصور العربية الزاهرة» (ج ٣ ص ٣٤٠ ط المكتبة العلمية ، بيروت) قال نقلا عن صبح الأعشى :

وفي سنة ٢٠١ ه‍ جعل المأمون ـ وهو بخراسان ـ علي بن موسى بن جعفر بن محمد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ولي عهد المسلمين والخليفة من بعده وسماه الرضا من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكتب له كتابا بخطه ، وذلك أنه نظر في بني العباس وبني علي ، فلم يجد أحدا هو أفضل ولا أورع ولا أعلم منه ، وأمر الناس بطرح السواد ولبس ثياب الخضرة ، وكتب بذلك إلى الآفاق.

وهذه نسخة عهده علي بن موسى :

هذا كتاب كتبه عبد الله بن هارون الرشيد أمير المؤمنين بيده لعلي بن موسى بن جعفر ولي عهده.

أما بعد : فإن الله عزوجل اصطفى الإسلام دينا ، واصطفى له من عباده رسلا دالين عليه ، وهادين إليه ، يبشر أولهم بآخرهم ويصدق تاليهم ماضيهم ، حتى انتهت نبوة الله إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، على فترة من الرسل ، ودروس من العلم ، وانقطاع من الوحي ، واقتراب من الساعة ، فختم الله به النبيين ، وجعله شاهدا لهم ومهيمنا عليهم ، وأنزل عليه كتابه العزيز الذي (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) فأحل وحرّم ، ووعد وأوعد ، وحذّر وأنذر ، وأمر ونهى ، لتكون له الحجة البالغة على خلقه ، و (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) فبلغ عن الله رسالته ، ودعا إلى سبيله بما أمره به من الحكمة والموعظة الحسنة ، والمجادلة بالتي هي أحسن ، ثم بالجهاد والغلظة حتى قبضه الله إليه واختار له ما عنده صلى الله عليه.

فلما انقضت النبوة وختم الله بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم الوحي والرسالة جعل قوام الدين ونظام أمر المسلمين بالخلافة وإتمامها وعزها والقيام بحق الله فيها ،

٦٥٤

بالطاعة التي تقام بها فرائض الله وحدوده ، وشرائع الإسلام وسننه ، ويجاهد بها عدوه ، فعلى خلفاء الله طاعته فيما استحفظهم واسترعاهم من دينه وعباده ، وعلى المسلمين طاعة خلفائهم ومعاونتهم على إقامة حق الله وعدله ، وأمن السبل ، وحقن الدماء ، وصلاح ذات البين وجمع الألفة ، وفي إخلال ذلك اضطراب حبل المسلمين واختلالهم ، واختلاف ملتهم ، وقهر دينهم ، واستعلاء عدوهم ، وتفرق الكلمة ، وخسران الدنيا والآخرة. فحق على من استخلفه الله في أرضه وأتمنه على خلقه ، أن يؤثر ما فيه رضا الله وطاعته ، ويعدل فيما الله واقفه عليه ، وسائله عنه ، ويحكم بالحق ويعمل بالعدل فيما حمّله الله وقلّده ، فإن الله عزوجل يقول لنبيه داود عليه‌السلام : (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ) وقال عزوجل : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) وبلغنا أن عمر بن الخطاب قال : لو ضاعت سخلة بجانب الفرات لتخوفت أن يسألني الله عنها. وايم الله إن المسئول عن خاصة نفسه ، الموقوف على عمله ، فيما بين الله وبينه ، لمتعرض لأمر كبير ، وعلى خطر عظيم ، فكيف بالمسؤول عن رعاية الأمة؟ وبالله الثقة ، وإليه المفزع والرغبة في التوفيق مع العصمة ، والتسديد والهداية إلى ما فيه ثبوت الحجة ، والفوز من الله بالرضوان والرحمة.

وأنظر الأئمة لنفسه ، وأنصحهم في دينه وعباده وخلافته في أرضه من عمل بطاعة الله وكتابه وسنة نبيه عليه‌السلام في مدة أيامه ، واجتهد وأجهد رأيه ونظره فيمن يوليه عهده ، ويختاره لإمامة المسلمين ورعايتهم بعده ، وينصبه علما لهم ، ومفزعا في جمع ألفتهم ، ولمّ شعثهم ، وحقن دمائهم ، والأمن بإذن الله من فرقتهم ، وفساد ذات بينهم واختلافهم ، ورفع نزغ الشيطان وكيده عنهم ، فإن الله عزوجل جعل العهد بالخلافة من تمام أمر الإسلام وكماله وعزه وصلاح أهله ، وألهم خلفاءه من توسيده لمن يختارونه له من بعدهم ، ما عظمت به النعمة ، وشملت منه العافية ،

٦٥٥

ونقض الله بذلك مرّ أهل الشقاق والعداوة ، والسعي في الفرقة والرفض للفتنة.

ولم يزل أمير المؤمنين منذ أفضت إليه الخلافة فاختبر بشاعة مذاقتها ، وثقل محملها وشدة مئونتها ، وما يجب على من تقلدها من ارتباط طاعة الله ومراقبته فيما حمله منها ، فأنصب بدنه ، وأسهر عينه ، وأطال فكره فيما فيه عز الدين ، وقمع المشركين ، وصلاح الأمة ونشر العدل ، وإقامة الكتاب والسنة ، ومنعه ذلك من الخفض والدعة بهنيّ العيش ، علما بما الله سائله عنه ، ومحبة أن يلقى الله مناصحة في دينه وعباده ، ومختارا لولاية عهده ، ورعاية الأمة من بعده أفضل من يقدر عليه في دينه وورعه وعلمه ، وأرجاهم للقيام بأمر الله وحقه ، مناحيا لله بالاستخارة في ذلك ، ويسأله إلهامه ما فيه رضاه وطاعته في ليله ونهاره ، ومعملا في طلبه والتماسه من أهل بيته من ولد عبد الله بن العباس وعلي بن أبي طالب فكره ونظره ، ومقتصرا فيمن علم حاله ومذهبه منهم على علمه مبالغا في المسألة عمن خفي أمره جهده وطاقته حتى أقصى أمورهم بمعرفته ، وابتلى أخبارهم مشاهدة ، وكشف ما عندهم مساءلة ، فكانت خيرته بعد استخارته لله وإجهاده نفسه في قضاء حقه وبلاده ، من البيتين جميعا : علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب لما رأى من فضله البارع وعلمه الناصع وورعه الظاهر وزهده الخالص وتخليه من الدنيا وتسلمه من الناس ، وقد استبان له ما لم تزل الأخبار عليه متواطئة ، والألسن عليه متفقة ، والكلمة فيه جامعة ، ولما لم يزل يعرفه به من الفضل يافعا وناشئا وحدثا ومكتهلا ، فعقد له بالعقد والخلافة إيثارا لله والدين ، ونظرا للمسلمين ، وطلبا للسلامة وثبات الحجة والنجاة في اليوم الذي يقوم الناس فيه لرب العالمين.

ودعا أمير المؤمنين ولده وأهل بيته وخاصته وقواده وخدمه ، فبايعوه مسرعين مسرورين ، عالمين بإيثار أمير المؤمنين طاعة الله على الهوى في ولده وغيرهم ، ممن هو أشبك به رحما ، وأقرب قرابة ، وسماه الرّضيّ إذ كان رضيّا عند أمير المؤمنين.

فبايعوا معشر بيت أمير المؤمنين ومن بالمدينة المحروسة من قواده وجنده وعامة

٦٥٦

المسلمين الرضيّ من بعده على اسم الله وبركته وحسن قضائه لدينه وعباده ، بيعة مبسوطة إليها أيديكم ، منشرحة لها صدوركم ، عالمين بما أراد أمير المؤمنين بها ، وآثر طاعة الله والنظر لنفسه ولكم فيها ، شاكرين لله على ما ألهم أمير المؤمنين من نصاحته في رعايتكم ، وحرصه على رشدكم وصلاحكم ، راجين عائده في ذلك في جمع ألفتكم ، وحقن دمائكم ، ولمّ شعثكم ، وسدّ ثغوركم ، وقوة دينكم ، ورغم عدوكم ، واستقامة أموركم ، وسارعوا إلى طاعة الله وطاعة أمير المؤمنين ، فإنه الأمر إن سارعتم إليه ، وحمدتم الله عليه ، عرفتم الحظ فيه إن شاء الله تعالى.

ومنهم العلامة العارف الشيخ محيي الدين ابن العربي في «المناقب» المطبوع في آخر «وسيلة الخادم إلى المخدوم» للشيخ فضل الله بن روزبهان الاصفهاني (ص ٢٩٦ ط قم) قال :

وعلى السر الإلهي والرائي للحقائق كما هي النور اللاهوتي والإنسان الجبروتي والأصل الملكوتي والعالم الناسوتي مصداق معلم المطلق والشاهد الغيبي المحقق ، روح الأرواح وحياة الأشباح ، هندسة الموجود الطيار في المنشئات الوجود كهف النفوس القدسية ، غوث الأقطاب الإنسية ، الحجة القاطعة الربانية ، محقق الحقائق الإمكانية ، أزل الأبديات وأبد الأزليات ، الكنز الغيبي والكتاب اللاريبي ، قرآن المجملات الأحدية وفرقان المفصلات الواحدية ، إمام الورى ، بدر الدجى أبي محمد علي بن موسى الرضا عليه‌السلام.

ومنهم العلامة فضل الله بن روزبهان الخنجي الأصفهاني المتوفى سنة ٩٢٧ في «مهماننامه بخارا» (ص ٢٣٦ ط طهران) قال :

٦٥٧

ذكر فضيلت زيارت امام علي بن موسى سلام الله عليه وتحيته ورضوانه

وصف ومدح امام الثامن الضامن على بن موسى الرضا

سلام الله عليه وذكر قبر مبارك او

واما زيارت قبر مكرم ومرقد معظم حضرت امام أئمة الهدى سلطان الانس والجن امام على بن موسى الرضا الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن على زين العابدين بن الحسين الشهيد بن على المرتضى صلوات الله وسلامه على سيدنا محمد وآله الكرام سيما الآية النظام ستة آبائه كلهم أفضل من يشرب صوب الغمام ، ترياق اكبر محبان است وموجب حيات دل وجان است مرادات همه عالم از آن درگاه با بركات حاصل وفي الواقع ربع ميمونش توان گفت كه از اشرف منازل است آن مقام مبارك تمامى اوقات مقرون به تلاوت كلام مجيد است وتوان گفت كه معبديست از معابد اسلام. هرگز آن مرقد عالى از طاعت نيازمندان خالى نيست وچگونه چنين نباشد وحال آنكه تربت حضرت امامى است كه اوست مظهر علوم نبوي ووارث صفات مصطفوى وامام بر حق ورهنماى مطلق وصاحب زمان امامت خود ووارث نبوت بحق استقامت خود.

بيت

هزار دفتر اگر در مناقبش گويند

هنوز ره به كمال على نشايد برد

وسابقا كه عزم زيارت مشهد مقدس حضرت امام بود اين قصيده صورت نظم يافته بود ودر اين مقام ادراج او مناسب است زيرا كه ملايم زيارت آن صاحب مناقب است.

٦٥٨

قصيده در منقبت امام ثامن ولى ضامن امام ابو الحسن

على بن موسى الرضا صلوات الله عليه وسلامه

ز گل نسيم تو جويد دل چو غنچه من

كه يوسف است مرادم ز بوى پيراهن

تو نو گلى ومنم جانگداز كوره غم

تو يوسفى ومنم مبتلاى چاه حزن

رواست با رخ تو ترك ديدن خورشيد

خطاست بى خط تو ياد آهويان ختن

به قصد كشتن احباب زلف را مگشا

پى شكست دل خسته طره را مشكن

سرم چو حق تو شد در ره وفادارى

بيا وحق خود آخر ز گردنم بفكن

ز زلف كج كه رخت راست مى كند چوگان

دلم فتاده چو گويى درون چاه ذقن

ز جور چين سر زلف كافرت شايد

كه من بدرگه سلطان دين كنم مأمن

امام روضه رضوان على بن موسى

رضا وراضى ومرضى ومرتضاى زمن

همام وهادى ومهدى وهاشمى هيئت

امام وآمر ومشكور ومكه مسكن

بزرگ اهل هدايت بعلم وحلم وكرم

حبيب اهل روايت به اتفاق حسن

٦٥٩

مرا دليست بسوى وصال او مايل

مرا رخيست بخال رهش نهاده ذقن

اگر ز خار ره وصل او كشم خوارى

بديده خار رهش را نهم بجاى سمن

چو شمع آتش شوقش مرا برافروزد

تنم بود دل مشتاق را بجاى لگن

ز دست قدرت وبازوى شاه عالى قدر

روايتى دهمت در سخن چو درّ عدن

چو زهر قاتل اعدا گرفت حضرت را

براه موت ببايست پيشكى رفتن

ز محرمان در خويش بنده اى را گفت

كه من چو روح روان را جدا كنم ز بدن

براى مدفن من اين محلّ قبرم را

شكاف ونيك نظر كن كه هست منزل تن

در او ببين كه يكى چشمه ايست روح فزا

كه هست منبع او جنت اله منن

نهاده تخت وز سندس لباس من پيدا

روان بيار ومرا ساز از آن لباس كفن

پسم بيار در اين روضه بهشت برين

ز قبر ساز تن اشرف مرا مكمن

روايتى است كه بعد از وفات شاه رضا

ز بهر قبر گشودند منزل احسن

٦٦٠