إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل - ج ٢٧

آية الله السيّد شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي

مسح الرسول جبينه

فله بريق في الخدود

أبواه من عليا قري

ش ، جدّه خير الجدود

سماع أهل الكوفة

نوح الجن للحسين عليه‌السلام

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم العلامة الشيخ أحمد بن محمد بن أحمد الحافي [الخوافي] الحسيني الشافعي في «التبر المذاب» (ص ٩٢) قال :

قال الشعبي : سمع أهل الكوفة قائلا يقول في جوف الليل :

أبكي قتيلا بكربلا

مضرج الجسم بالدماء

أبكي قتيل الطغاة ظلما

بغير جرم سوى الوفاء

أبكي قتيلا بكى عليه

من ساكني الأرض والسماء

سبوا أهاليه واستحلوا

ما حرم الله في الإماء

فجسمه بالعراء معرى

إلّا من الدين والحياء

كل الرزايا لها عزاء

وما لذا الرزء من عزاء

سماع أهل المدينة الطيبة

نوح الجن للحسين عليه‌السلام

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب «جواهر المطالب في مناقب الامام أبي الحسنين علي بن أبي طالب» (ص ١٤٠ والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بالمشهد) قال :

وسمع أهل المدينة ليلة قتل الحسين مناديا ينادي :

٥٠١

أيها القاتلون جهلا حسينا

ابشروا بالعذاب والتنكيل

كل أهل السماء يدعو عليكم

من نبي ومرسل وقتيل

قد لعنتم على لسان ابن داو

د وموسى وصاحب الإنجيل

قال : ومكث الناس ثلاثة أشهر كأنما تلطّخ الحوائط بالدماء ساعة تطلع الشمس.

حديث الزهري في نوح الجن للحسين عليه‌السلام

رواه جماعة من أعلام القوم في كتبهم :

فمنهم العلامة الشريف أحمد بن محمد الخوافي [الحافي] الحسيني في «التبر المذاب» (ص ٩٢ نسخة مكتبتنا بقم) قال :

قال الزهري : وممّا حفظ من نوح الجن على الحسين :

مسح النبي جبينه

فله بريق في الخدود

أبوه من عليا قريش

وجده خير الجدود

قتلوك يا ابن الرسول

فأسكنوا نار الخلود

وقال أيضا : وذكر هشام بن محمد قال : لمّا قتل الحسين سمع قائلا يقول من السماء:

أيّها القاتلون جهلا حسينا

أبشروا بالعذاب والتنكيل

كل من في السماء يبكي عليه

من نبي ومرسل وقبيل

قد لعنتم على لسان ابن داو

د وموسى وصاحب الإنجيل

حديث الجصاصين

في نوح الجن له عليه‌السلام

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

٥٠٢

فمنهم العلامة كمال الدين عمر بن أحمد ابن أبي جرادة الحلبي المولود سنة ٥٨٨ والمتوفى ٦٦٠ في «بغية الطلب في تاريخ حلب» (ج ٦ ص ٢٦٥١ ط دمشق) قال :

أخبرنا أبو القاسم عبد الغني بن سليمان بالقاهرة ، قال : أخبرنا أبو عبد الله محمد بن حمد الأرتاحي ، قال : أخبرنا أبو الحسن بن الفراء إجازة لي ، قال : أنبأنا أبو اسحق الحبال وست الموفق خديجة المرابطة. قال أبو اسحق : أخبرنا أبو القاسم عبد الجبار ابن أحمد الطرسوسي قراءة عليه وأنا أسمع ، قال : أخبرنا أبو بكر الحسن بن الحسين بن بندار قراءة عليه. وقالت خديجة : قرئ على أبي القاسم يحيى بن أحمد بن علي بن الحسين بن بندار وأنا شاهدة أسمع ، قال : أخبرني جدي أبو الحسن علي بن الحسين ، قالا : أخبرنا محمود ـ يعني ابن محمد الأديب ـ قال : حدثنا الحنفي ، قال : حدثنا صلت بن مسعود ، عن سفيان قال : أخبرنا أبو جناب قال : حدثنا الجصاصون أنهم سمعوا الجن تنوح على الحسينرضي‌الله‌عنه :

مسح النبي جبينه

فله بياض في الخدود

أبواه من عليا معد

جدّه خير الجدود

أنبأنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد ، عن عمه علي بن الحسن ، قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن شجاع ، قال : أخبرنا عبد الوهاب بن محمد ، قال : أخبرنا الحسن بن محمد ، قال : أخبرنا أحمد بن محمد ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثني أبو عبد الله التيمي ، قال : حدثنا علي بن عبد الحميد السمعاني ، عن أبي مزيد الفقيمي قال : كان الجصاصون إذا خرجوا في السحر سمعوا نوح الجن على الحسين ـ فذكر البيتين ثم قال : فأجبتهم :

خرجوا به وفدا إليه

فهم له شر الوفود

قتلوا ابن بنت نبيهم

سكنوا به نار الخلود

٥٠٣

ومنها

حديث أبي قبيل

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة ٧١١ في «مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر» (ج ٧ ص ١٥٥ ط دار الفكر) قال :

وعن أبي قبيل قال : لما قتل الحسين بن علي احتزوا رأسه ، وقعدوا في أول مرحلة يشربون النبيذ وينحتون الرأس ، فخرج عليهم قلم من حديد ، فكتب بسطر دم :

أترجو أمة قتلت حسينا

شفاعة جده يوم الحساب؟

فهربوا وتركوا الرأس ، ثم رجعوا.

ورواه أيضا عن امام مسجد بني سليم قال : غزا أشياخ لنا الروم فوجدوا في كنيسة من كنائسهم :

أترجو أمة قتلت حسينا

شفاعة جده يوم الحساب؟

فقالوا : منذ كم وجدتم هذا الكتاب في هذه الكنيسة؟ قالوا : قبل أن يخرج نبيكم بستمائة عام.

٥٠٤

بعض

كلمات العلماء المؤلفين

في حق الامام الحسين الشهيد صلوات الله عليه

ننقل هنا جملة من الكلمات التي قالها بعض المؤلفين حول استشهاد الامام الحسينعليه‌السلام :

فمنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب «جواهر المطالب في مناقب الامام أبي الحسنين علي بن أبي طالب» (ص ١٤٤ والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان) قال :

ورأيت في تاريخ ابن خلّكان رحمه‌الله قضية غريبة فأحببت ذكرها هاهنا ، وهي : قال مشارف الخزانة الصلاحية : ذكرت الله وقد آويت الى فراشي فيما عامل به آل سفيان لأهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي قضية الحسين وقتله وقتل أهل بيته وأسر بنات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحملهم على الأقتاب سبايا ووقوفهم على درج دمشق سبايا عرايا ، فبكيت بكاء شديدا وأرقت ثم نمت ، فرأيت أمير المؤمنين عليا رضي‌الله‌عنه ، فحين رأيته بادرت اليه وقبلت يديه وبكيت ، فقال : ما يبكيك؟ فقلت : يا أمير المؤمنين تفتحون مكة فتقولون من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ، ثم يفعل بولدك الحسين وأهل بيتك بالطف ما فعل. فتبسّم وقال : ألم تسمع أبيات ابن الصيفي؟ قلت :

٥٠٥

لا. قال : اسمعها فهي الجواب.

قال : فطالت ليلتي حتى برق الفجر ، فجئت بيت ابن الصيفي فطرقت بابه سحرا ، فخرج الي حاسرا حافي القدمين وقال : ما الذي جاء بك هذه الساعة؟ فقصصت عليه قصتي ، فأجهش بالبكاء وقال : والله ما قلتها الّا ليلتي هذه ولم يسمعها بشر :

ملكنا وكان العفو منا سجيّة

فلما ملكتم سال بالدم أبطح

وحللتم قتل الأسارى وطالما

غدونا عن الأسرى نعف ونصفح

وحسبكم هذا التفاوت بيننا

وكل إناء بالذي فيه ينضح

وقد أكثر الناس من الرثاء والبكاء على ما أصاب أهل البيت ، وقالوا ما لا يحصى من المقالات نظما ونثرا ، وذكروا في قتل الحسين عليه‌السلام وما كان من أمره ما أضربت عن ذكره صفحا ولم اروّ له سفحا ، ولا يحتمل هذا المختصر أكثر من ذلك ، وفيه كفاية.

وبالجملة والتفصيل فما وقع في الإسلام قضية أفضع منها ، وهي مما تنبو الأسماع عنها وتتفطر القلوب عند ذكرها حزنا وأسى وتأسفا وتنهل لها المدامع كالسحب الهوامع. هذا والعهد بالنبي قريب ، وروض الايمان خصيب ، وغصن دوحه غض جديد ، وظله وافر مديد ، ولكن الله يفعل ما يريد. وما أظن أن من استحل ذلك وسلك مع أهل النبيّ هذه المسالك شم ريحة الإسلام ولا آمن بمحمد عليه الصلاة والسلام ولا خالط الايمان مشاشة قلبه ولا آمن طرفه بربه ، والقيامة تجمعهم والى ربهم مرجعهم.

ولقد قرأ قارئ بين يدي الشيخ العالم العلامة أبي الوفاء ابن عقيل رحمه‌الله : (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) فبكى وقال : يا سبحان الله غاية ما كان طمعه فيما قال (فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ) جاوزوا والله الحد الذي طمع فيه ، ضحوا بأشمط عنوان السجود به قطع الليل تسبيحا وقرآنا ، أي والله عمدوا الى علي بن أبي طالب بين ضفتيه فقتلوه ، ثم قتلوا ابنه الحسين بن فاطمة الزهراء

٥٠٦

وأهل بيته الطيبين الطاهرين بعد أن منعوهم الماء ، هذا والعهد بينهم قريب وهم القرن الذين رأوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورأوا تقبيل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فمه وترشفه ثناياه ، فنكثوا على ثناياه وفمه بالقضيب ، تذاكروا والله أحقاد يوم بدر وما كان فيه ، أين هذا من طمع الشيطان وغاية أمله تبتك آذان الانعام. هذا مع قرب العهد وسماع كلام رب الأرباب (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) ، تروا والله حقائدهم في عصره مخافة السيف ، فلما صار الأمر إليهم كشفوا قناع الغي والحيف ، سيجزيهم وصفهم أنه حكيم عليم.

وشعره وحكمه كثيرة ، وقد اقتصرت على هذا القدر ، فان مناقبه ومناقب أخيه وأبيه لا تحصر ، نسأل الله أن يحشرنا في زمرتهم وأن يعيد علينا من بركتهم ويحيينا ويميتنا على محبتهم ، آمين بمنّه وكرمه.

ومنهم العلامة كمال الدين عمر بن أحمد ابن أبي جرادة الحلبي المولود سنة ٥٨٨ والمتوفى ٦٦٠ في «بغية الطلب في تاريخ حلب» (ج ٦ ص ٢٦٤٦ ط دمشق) قال :

أخبرنا أبو القاسم عبد الغني بن سلمان بن بنين المصري بالقاهرة ، قال :

أخبرنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن حامد الأرتاحي ، قال : أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسين ابن عمر الموصلي الفراء إجازة لي ، قال : أنبأنا أبو أسحق ابراهيم بن سعيد الحبال وست الموفق خديجة مولاة أبي حفص عمر بن الحسن الطرسوسي أبو اسحق ، أخبرنا أبو القاسم عبد الجبار بن أحمد بن عمر بن الحسن الطرسوسي قراءة عليه وأنا أسمع ، قال : أخبرنا أبو بكر الحسن بن الحسين بن بندار الأنطاكي قراءة عليه. وقالت خديجة : قرئ على أبي القاسم يحيى بن أحمد بن علي بن الحسين بن بندار الأذني الأنطاكي وأنا شاهدة أسمع ، قال : أخبرني جدي القاضي أبو الحسن علي بن الحسين بن بندار. قالا : حدثنا أبو العباس محمود بن محمد بن الفضل الأديب بأنطاكية ، قال : حدثنا أبو فروة ، قال : حدثنا أبو الجواب ، قال : حدثنا يونس بن أبي اسحق ، عن أبي اسحق ،

٥٠٧

عن عمرو بن نعجة قال : أول ذل دخل على الإسلام قتل الحسين وادعاء معاوية زيادا.

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور عمر فروخ في «تجديد في المسلمين لا في الإسلام» (ص ١٥٢ ط دار الكتاب العربي ـ بيروت) قال :

يقول ابن خلدون في هذه القضية :

«ولما حدث في يزيد ما حدث من الفسق اختلف الصحابة حينئذ في شأنه : فمنهم من رأى الخروج عليه ونقض بيعته من أجل ذلك ، كما فعل الحسين وعبد الله بن الزبير ـ رضي‌الله‌عنهما ـ ومن اتبعهما في ذلك».

ثم يتابع القول فيقول : «وأما الحسين فإنه لما ظهر فسق يزيد عند الكافة من أهل عصره ، بعثت شيعة أهل البيت بالكوفة الى الحسين أن يأتيهم فيقوموا بأمره. فرأى الحسين أن الخروج على يزيد متعيّن من أجل فسقه ، ولا سيما (عند) من له القدرة على ذلك ، وظنها من نفسه وأهليته وشوكته (أي قوته وسلاحه). فأما الأهلية فكانت كما ظن وزيادة ... ومن أعدل من الحسين في زمانه في إمامته وعدالته في قتال أهل الآراء (الفاسدة)؟».

وقال أيضا في ص ١٥٤ :

نحن المسلمين اليوم في جميع بقاع الأرض بحاجة الى أن ينهض فينا «حسين» يدلنا على الطريق السوي في الدفاع عن الحق ، عن الحق الذي لا يتجزأ ، عن الحق الذي لا يتبدى في صور مختلفات ، عن الحق الذي لا يكون في يوم ذات اليمين وفي يوم آخر ذات الشمال. لسنا نحن الذين نجعل الحق هو الحقّ ، بل نحن الذين يجب علينا أن نقرّ بالحق حين نرى الحق ملء أعيننا. والحق لا يكون اثنين ، والحقّ لا يفرق بين المتفقين ولكنه يوحد المختلفين.

وقال أيضا في ص ١٦١ :

٥٠٨

ولا شك في أن الحسين رضي‌الله‌عنه كان يفكر في رفع الظلم الذي رآه في زمانه : أيقدم على رفع الظلم بالكلمة اللينة أو بالنصيحة القاسية أو بالجدال أو بالحرب. إن السكوت على الظلم لا يجوز بحال.

ومنهم العلامة العارف الشيخ أحمد بن علي بن يحيى الرفاعي المتوفى سنة ٥٧٨ في «البرهان المؤيدي» (ص ١٤٧ ط دار الكتاب النفيس ـ بيروت) قال :

الحسين عليه‌السلام طلبت بشريته حقها الشرعي ، الذي لا نزاع فيه ، فغارت الربوبية فرفعت روحه الى مقعد صدق ، فلما قرت الروح في مقامها حنت لقالبها المبارك (فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا) ، وتحكم سيف العدل في الأمرين ، فكانت شهادة الامام رفعة له ، وكان ظفر أعداء الله خزيا لهم! وإنما الغارة الالهية فعلت في بشرية الامام ما فعلت ، وكأنها تقول لها : طلبت قود الرقاب إليّ ، وأنا أريد قودك بالكلية إليّ ، فطلبك إليّ اضمحل عند إرادتي إياك إليّ ، فبارزتك إرادتي بأكف من قطعتهم عني ، فأدنيتك بمن قطعتهم عني ، وعرفتك أني أريد فأفعل ، ويراد لي قبل تعلق إرادتي فلا أفعل ، ولك ثواب الطلب ، لأنك طلبت قود الرقاب إليّ لا إليك ؛ ولو أنك طلبت قود الرقاب إليك لما قدتك إليّ.

فإن من طلب قود الرقاب إليه ، بين خطر القهر والاستدراج ، فإن قهرته قهرته بأكف عباد وصلتهم بي ، فقطعت الآخر بهم عني ، وإن فتكت به وبنفسه ومراده عساكر : (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) فقد ضلّ!.

أي سادة ، طلب القود الى الله ، قبل تعلق إرادته ، جرّأ أعداء الله على ابن ولي الله ، وسبط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومحبوب الله ، وابن أحباب الله ، الذي قام منار بشريته الكريم يدعو الى الله ، وطار طائر روحه النوراني الى حضرة قدس الله ، فكيف بمن يدعو الى نفسه بنفسه؟ بشريته مقتولة ، وروحه مبعودة ، وحاله شاهد عليه.

٥٠٩

ومنهم الفاضل المعاصر الشريف علي بن الدكتور محمد بن عبد الله فكري الحسيني القاهري المولود بها سنة ١٢٩٦ والمتوفى بها أيضا ١٣٧٢ في «أحسن القصص» (ج ٤ ص ٢٦١ ط دار الكتب العلمية في بيروت) قال :

كما أن حياة الحسين رضي‌الله‌عنه منار المهتدين ، فمصرعه عظة المعتبرين ، وقدوة المستبسلين.

١ ـ ألم تر كيف اضطره نكد الدنيا الى إيثار الموت على الحياة ، وهو أعظم رجل في وقته لا نظير له في شرقها ولا في غربها.

٢ ـ وأبت نفسه الكريمة الضيم واختار السلّة على الذلة ، فكان كما قال فيه أبو نصر ابن نباتة :

والحسين الذي رأى الموت في العز

حياة والعيش في الذل قتلا

٣ ـ مع التفاوت الذي بلغ أقصى ما يتصوره بين فئته القليلة وجيش ابن زياد في العدد والعدد والمدد ، قد كان ثباته ورباطة جأشه وشجاعته تحير الألباب ، ولا عهد للبشر بمثلها ؛ كما كانت دناءة أخصامه لا شبيه لها.

٤ ـ وما سمع منذ خلق ، ولن يسمع حتى يفنى أفظع من ضرب (ابن مرجانة) من ابن سمية بقضيب ثغر ابن بنت رسول الله ، ورأسه بين يديه بعد أن كان سيد الخلق عليه الصلاة والسلام يلثمه.

٥ ـ ومن آثار العدل الالهي قتل عبيد الله بن زياد (يوم عاشوراء) كما قتل الحسين رضي‌الله‌عنه يوم عاشوراء ، وأن يبعث برأسه الى علي بن الحسين كما بعث برأس الحسين الى ابن زياد.

٦ ـ وهل أمهل يزيد بن معاوية بعد الحسين إلّا ثلاث سنين أو أقل ، فقد روى ابن جرير الطبري في تاريخه عن هشام بن محمد الكلبي أنه ولى سنتين وثمانية أشهر.

٧ ـ وأي موعظة أبلغ من أن كل من اشترك في دم الحسين اقتص الله تعالى منه فقتل أو نكب.

٥١٠

٨ ـ وأي عبرة لأولي الأبصار أعظم من كون ضريح الحسين حرما معظما ، وقبر يزيد بن معاوية مزبلة أو (مبولة).

٩ ـ وتأمل عناية الله بالبيت النبوي الكريم بقتل أبناء الحسين ولا يترك منهم إلّا صبي مريض مشرف على الهلاك ، فيبارك الله في أولاده فيكثر عددهم ويعظم شأنهم.

١٠ ـ والذين قتلوا مع الحسين من أهل بيته رجال ما على وجه الأرض يومئذ لهم شبه ، كما قال الحسن البصري ، وكانوا عنوان الشهامة والشمم والقدوة في الصبر والحرب والكرم.

وإنّ الأولى بالطف من آل هاشم

تآسوا فسنوا للكرام التأسيا

١١ ـ وكل من أصابته الشدائد جعل رئيس هؤلاء الكرام أسوة كمصعب بن الزبير وبني المهلب وغيرهم كما اقتدى أصحاب نجدة بن عامر ، والمختار بن أبي عبيد ، وعبد الله بن الزبير وأخيه مصعب وغيرهم في خذلان أمرائهم بأهل العراق حين خذلوا إمامهم الحسين.

١٢ ـ ومقتل الحسين بغّض بني أمية الى الناس وأيد حجة أعدائهم وزعزع أوتاد ملكهم ، وكان أكبر أسباب زوال دولتهم.

١٣ ـ والحسين هو الذي عبّد للأمم طريق الخروج على ولاة الفسق والجور ، ودعا الى جهاد الظلم من استطاع اليه سبيلا ، فجاد بنفسه ، وبذل مهجته لإقامة الحق والعدل والسنة مقام الباطل ، والاستبداد والأهواء.

١٤ ـ ولو قدرت ولاية الحسين لكان خيرا للأمة في حكومتها وحياتها ، وأخلاقها وجهادها ، وشتان ما بين السبط الزكي ، والظالم السكير (يزيد القرود والطنابير) وهل يستوي الفاسق الجائر ، والعادل الإمام؟ وأين الذهب من الرغام؟

ولكن اقتضت الحكمة الإلهية سير الحوادث بخلاف ذلك ، وإذا أراد الله أمرا فلا مرد له.

واقتضت إرادة الله أيضا أن يبقى أثر جهاد الحسين على ممر الدهور كلما

٥١١

أرهق الناس الظلم تذكرة لمن ندب نفسه لخدمة الأمة ، فلم يحجم عن بذل حياته متى كانت فيه مصلحة أحوالها.

٥١٢

قول ابراهيم النخعي

«لو كنت في قتلة الحسين وأمرت بدخول الجنة لما فعلت

حياء من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله»

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم علامة التأريخ واللغة ابن منظور الافريقي في «مختصر تاريخ دمشق» (ج ٧ ص ١٥٢) قال :

وعن محمد بن خالد قال : قال ابراهيم : لو كنت فيمن قتل الحسين ثم أدخلت الجنة لاستحييت أن أنظر الى وجه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ومنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب «جواهر المطالب في مناقب الامام أبي الحسنين علي بن أبي طالب» (ص ١٣٤ والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان) قال :

وقال محمد بن خالد : قال ابراهيم النخعي : لو كنت فيمن ـ فذكر الكلام مثل ما تقدم عن ابن منظور.

٥١٣

ومنهم الحافظ جمال الدين أبو الحجاج يوسف المزي المتوفى سنة ٧٤٢ في «تهذيب الكمال» (ج ٦ ص ٤٣٨ ط مؤسسة الرسالة ـ بيروت) قال :

وقال محمد بن الصلت الأسدي : حدثنا سعيد بن خثيم ، عن محمد بن خالد ، قال : قال ابراهيم ـ يعني النخعي ـ لو كنت ممن ـ فذكر مثل ما تقدم عن ابن منظور.

ومنهم العلامة الخطاط ياقوت المستعصمي في «رسالة آداب وحكم وأخبار وآثار وفقه وأشعار» (ص ٥٧ ط دار المدينة ـ بيروت بضميمة رسائل أخرى) قال :

وقال عمر؟ رحمة الله عليه : لو كنت في قتلة الحسين وأمرت بدخول الجنة لما فعلت حياء من أن تقع عليّ عين محمد صلوات الله عليه وسلامه.

ومنهم العلامة الشريف أحمد بن محمد بن أحمد الحسيني الخوافي [الحافي] الشافعي في «التبر المذاب» (ص ٩١ المخطوط) قال :

قال الزهري : ولما بلغ الربيع بن خثيم قتل الحسين بكى وقال : لقد قتلوا فتية لو رآهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأحبهم وأطعمهم بيده وأجلسهم فخذه.

وقال أيضا :

وذكر ابن سعد في الطبقات ، عن أم سلمة زوجة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لمّا بلغها قتل الحسين قالت : أوقد فعلوها ، ملأ الله قلوبهم وبيوتهم وقبورهم نارا ، ثم بكت حتى غشي عليها.

ومنهم الحافظ جمال الدين أبو الحجاج يوسف المزي المتوفى سنة ٧٤٢ في «تهذيب الكمال» (ج ٦ ص ٤١٢ ط مؤسسة الرسالة ـ بيروت) قال :

قال محمد بن سعد : أخبرنا محمد بن عمر ، قال : حدثنا ابن أبي ذئب ، قال :

٥١٤

حدثني عبد الله بن عمير مولى أم الفضل.

قال محمد بن عمر : وأخبرنا عبد الله بن محمد بن عمر بن علي ، عن أبيه.

قال : وأخبرنا يحيى بن سعيد بن دينار السعدي عن أبيه.

قال : وحدثني عبد الرحمن بن علي بن حسين.

قال أبي الزناد ، عن أبي وجزة السعدي ، عن محمد بن عمر : وغير هؤلاء أيضا قد حدثني.

قال محمد بن سعد : وأخبرنا علي بن محمد ، عن يحيى بن اسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر ، عن أبيه وعن لوط بن يحيى الغامدي ، عن محمد بن نشر الهمذاني ، وغيره ، وعن محمد بن الحجاج عن عبد الملك بن عمير ، وعن هارون بن عيسى عن يونس بن أبي إسحاق عن أبيه ، وعن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن مجالد عن الشعبي.

قال محمد بن سعد : وغير هؤلاء أيضا قد حدثني في هذا الحديث مطابقة فكتبت جوامع حديثهم في مقتل الحسين رحمة الله عليه ورضوانه وصلواته وبركاته.

قال : لما بايع الناس ليزيد بن معاوية ، كان حسين بن عليّ بن أبي طالب ممن لم يبايع له ، وكان أهل الكوفة يكتبون الى حسين يدعونه الى الخروج إليهم في خلافة معاوية ، كل ذلك يأبى ، فقدم منهم قوم الى محمد بن الحنفية فطلبوا اليه أن يخرج معهم فأبى ، وجاء الى الحسين فأخبره بما عرضوا عليه ، وقال : إن القوم إنما يريدون أن يأكلوا بنا ويشيطوا دماءنا ، فأقام حسين على ما هو عليه من الهموم ؛ مرة يريد أن يسير إليهم ومرة يجمع الإقامة ، فجاءه أبو سعيد الخدري فقال : يا أبا عبد الله إني لك ناصح ، وإني عليك مشفق وقد بلغني أنه كاتبك قوم من شيعتكم بالكوفة يدعونك الى الخروج إليهم ، فلا تخرج فاني سمعت أباك يقول بالكوفة : والله لقد مللتهم وأبغضتهم وملوني وأبغضوني وما بلوت منهم وفاء ومن فاز بهم فاز بالسهم الأخيب ، والله ما لهم ثبات ولا عزم أمر ولا صبر على السيف.

٥١٥

قال : وقدم المسيب بن نجبة الفزاري وعدة معه الى الحسين بعد وفاة الحسن ، فدعوه الى خلع معاوية ، وقالوا : قد علمنا رأيك ورأي أخيك. فقال : إني لأرجو أن يعطي الله أخي على نيته في حبه الكف وأن يعطيني على نيتي في حبي جهاد الظالمين.

وكتب مروان بن الحكم الى معاوية : إني لست آمن أن يكون حسين مرصدا للفتنة وأظن يومكم من حسين طويلا.

فكتب معاوية الى الحسين : إن من أعطى الله صفقة يمينه وعهده لجدير بالوفاء ، وقد أنبئت أن قوما من أهل الكوفة قد دعوك الى الشقاق ، واهل العراق من قد جربت ، قد أفسدوا على أبيك وأخيك ، فاتق الله واذكر الميثاق وانك متى تكدني أكدك.

فكتب اليه الحسين : أتاني كتابك ، وأنا بغير الذي بلغك عني جدير ، والحسنات لا يهدي لها إلا الله ، وما أردت لك محاربة ولا عليك خلافا ، وما أظن لي عند الله عذرا في ترك جهادك ، وما أعلم فتنة أعظم من ولايتك أمر هذه الأمة.

فقال معاوية : إن أثرنا بأبي عبد الله إلّا أسدا.

وكتب اليه معاوية أيضا في بعض ما بلغه عنه : إني لأظن أن في رأسك نزوة ، فوددت أني أدركها وأغفرها لك.

قالوا : ولما حضر معاوية دعا يزيد بن معاوية فأوصاه بما أوصاه به ، وقال له : انظر حسين بن علي ابن فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فانه أحب الناس الى الناس فصل رحمه وارفق به يصلح لك أمره ، فان يك منه شيء فإني أرجو أن يكفيكه الله بمن قتل أباه وخذل أخاه.

وتوفي معاوية ليلة النصف من رجب سنة ستين ، وبايع الناس ليزيد ، فكتب يزيد مع عبد الله بن عمرو بن أويس العامري ـ عامر بن لؤي ـ الى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وهو على المدينة أن ادع الناس فبايعهم وابدأ بوجوه قريش ، وليكن أول من تبدأ به الحسين بن علي ، فإن أمير المؤمنين ـ رحمه‌الله ـ عهد إليّ في أمره الرفق به واستصلاحه ، فبعث الوليد من ساعته نصف الليل الى الحسين بن علي ، وعبد الله بن

٥١٦

الزبير ، وأخبرهما بوفاة معاوية ، ودعاهما الى البيعة ليزيد فقالا : نصبح وننظر ما يصنع الناس. ووثب الحسين فخرج وخرج معه ابن الزبير ، وهو يقول : هو يزيد الذي تعرف ، والله ما حدث له حزم ولا مروءة. وقد كان الوليد أغلظ للحسين ، فشتمه الحسين وأخذ بعمامته فنزعها من رأسه ، فقال الوليد : ان هجنا بأبي عبد الله إلّا أسدا ، فقال له مروان أو بعض جلسائه : اقتله ، قال : إن ذلك لدم مضنون في بني عبد مناف. فلما صار الوليد الى منزله ، قالت له امرأته أسماء ابنة عبد الرحمن بن الحارث بن هشام : أسببت حسينا؟ قال : هو بدأني فسبني ، قالت : وان سبك حسين تسبه وان سب أباك تسب أباه؟ قال : لا.

وخرج الحسين وعبد الله بن الزبير من ليلتهما الى مكة ، وأصبح الناس فغدوا على البيعة ليزيد وطلب الحسين وابن الزبير فلم يوجدا ، فقال المسور بن مخرمة : عجل أبو عبد الله ، وابن الزبير الآن يلفته ويزجيه الى العراق ليخلوا بمكة.

فقدما مكة فنزل الحسين دار العباس بن عبد المطلب ولزم ابن الزبير الحجر ولبس المعافري ، وجعل يحرض الناس على بني أمية ، وكان يغدو ويروح الى الحسين ويشير عليه أن يقدم العراق ويقول : هم شيعتك وشيعة أبيك.

الى أن قال :

وبعث اهل العراق الى الحسين الرسل والكتب يدعونه إليهم ، فخرج متوجها الى العراق في أهل بيته وستين شيخا من أهل الكوفة ، وذلك يوم الاثنين في عشر ذي الحجة سنة ستين.

فكتب مروان الى عبيد الله بن زياد : أما بعد ؛ فإن الحسين بن علي قد توجه إليك ، وهو الحسين بن فاطمة ، وفاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتالله ما أحد يسلمه الله أحب إلينا من الحسين وإياك أن تهيج على نفسك ما لا يسده شيء ، ولا ينساه العامة ، ولا يدع ذكره ، والسلام عليك.

وكتب اليه عمرو بن سعيد بن العاص : أما بعد فقد توجه إليك الحسين وفي مثلها

٥١٧

تعتق أو تكون عبدا تسترق كما تسترق العبيد.

وقال أبو الوليد أحمد بن جناب المصيصي : حدثنا خالد بن يزيد بن أسد بن عبد الله القسري ، قال : حدثنا عمار بن أبي معاوية الدهني ، قال : قلت لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين عليه‌السلام : حدثني بقتل الحسين عليه‌السلام حتى كأني حضرته ، قال : مات معاوية ، والوليد بن عتبة بن أبي سفيان على المدينة ، فأرسل الى الحسين بن علي ليأخذ بيعته فقال : أخرني ، ورفق به فأخره ، فخرج الى مكة فأتاه رسل أهل الكوفة : إنا قد حبسنا أنفسنا عليك ولسنا نحضر الجمعة مع الوالي فاقدم علينا ـ قال : وكان النعمان بن بشير الأنصاري على الكوفة ـ فبعث الحسين بن علي الى مسلم بن عقيل بن أبي طالب ابن عمه ، فقال له : سر الى الكوفة فانظر ما كتبوا به إليّ فان كان حقا قدمت إليهم ، فخرج مسلم حتى أتى المدينة ، فأخذ منها دليلين ، فمرّا به في البرية فأصابهم عطش ، فمات أحد الدليلين ، وكتب مسلم الى الحسين ـ عليه‌السلام ـ يستعفيه ، فأبى أن يعفيه ، وكتب إليه : أن امض الى الكوفة ، فخرج حتى قدمها فنزل على رجل من أهلها يقال له : عوسجة ، فلما تحدث أهل الكوفة بقدومه دبوا اليه فبايعه منهم اثنا عشر ألفا ، فقام رجل ممن يهوى يزيد بن معاوية يقال له : عبيد الله بن مسلم ابن شعبة الحضرمي الى النعمان بن بشير ، فقال له : إنك لضعيف أو مستضعف قد فسد البلاد ، فقال له النعمان : لأن أكون ضعيفا في طاعة الله أحب إليّ من أكون قويا في معصية وما كنت لأهتك سترا ستره الله ، فكتب بقوله الى يزيد بن معاوية ، فدعا يزيد مولى له يقال له : سرجون ـ قد كان يستشيره ـ فأخبره الخبر ، فقال له : أكنت قابلا من معاوية لو كان حيا؟ قال : نعم. قال : فاقبل مني ، إنه ليس للكوفة إلّا عبيد الله بن زياد ، فولّها إياه ـ وكان يزيد عليه ساخطا ، وكان قد هم بعزله ، وكان على البصرة ـ فكتب اليه برضاه عنه ، وأنه قد ولاه الكوفة مع البصرة وكتب اليه أن يطلب مسلم بن عقيل فيقتله ان وجده.

فأقبل عبيد الله بن زياد في وجوه أهل البصرة حتى قدم الكوفة متلثما ، فلا يمر على

٥١٨

مجلس من مجالسهم فيسلم عليهم إلّا وقالوا : وعليك السلام يا ابن رسول الله ، وهم يظنون أنه الحسين بن علي ـ عليه‌السلام ـ حتى نزل القصر فدعا مولى له فأعطاه ثلاثة آلاف درهم ، وقال : اذهب حتى تسأل عن الرجل الذي يبايع أهل الكوفة فأعلمه أنك رجل من أهل حمص جئت لهذا الأمر ، وهذا مال تدفعه اليه ليقوى به ، فخرج الرجل فلم يزل يتلطف ويرفق حتى دل على شيخ يلي البيعة ، فلقيه فأخبره الخبر فقال له الشيخ : لقد سرني لقاؤك إياي ولقد ساءني ذلك ، فأما ما سرني من ذلك فما هداك الله له ، وأما ما ساءني فان أمرنا لم يستحكم بعد. فأدخله على مسلم ، فأخذ منه المال وبايعه ورجع الى عبيد الله فأخبره.

وتحول مسلم حين قدم عبيد الله من الدار التي كان فيها الى دار هانئ بن عروة المرادي ، وكتب مسلم بن عقيل الى الحسين ـ عليه‌السلام ـ يخبره ببيعة اثني عشر ألفا من أهل الكوفة ويأمره بالقدوم. قال : وقال عبيد الله لوجوه أهل الكوفة : ما بال هانئ ابن عروة لم يأتني فيمن أتى؟ قال : فخرج اليه محمد بن الأشعث في أناس منهم ، فأتوه وهو على باب داره ، فقالوا له : ان الأمير قد ذكرك واستبطأك ، فانطلق به ، فلم يزالوا به حتى ركب معهم ، فدخل على عبيد الله بن زياد وعنده شريح القاضي ، فلما نظر اليه قال لشريح : «أتتك بحائن رجلاه» ، فلما سلم عليه قال له : يا هانئ أين مسلم؟ قال : ما أدري ، قال : فأمر عبيد الله صاحب الدراهم فخرج اليه فلما فظع به ، فقال : أصلح الله الأمير ، والله ما دعوته الى منزلي ، ولكنه جاء فطرح نفسه عليّ. فقال : ائتني به ، قال : والله لو كان تحت قدمي ما رفعتها عنه. قال : ادنوه إليّ ، قال : فأدني فضربه بالقضيب ، فشجه على حاجبه وأهوى هانئ الى سيف شرطي ليستله ، فدفع عن ذلك ، وقال له : قد أحل الله دمك ، وأمر به فحبس في جانب القصر ، فخرج الخبر الى مذحج ، فإذا على باب القصر جلبة فسمعها عبيد الله ، فقال : ما هذا؟ قالوا : مذحج. فقال لشريح : اخرج إليهم فأعلمهم أني إنما حبسته لأسائله ؛ وبعث عينا عليه من مواليه يسمع ما يقول ، فمر بهانئ ، فقال له هانئ : يا شريح اتق الله ، فإنه قاتلي.

٥١٩

فخرج شريح حتى قام على باب القصر ، فقال : لا بأس عليه إنما حبسه الأمير ليسائله ، فقالوا : صدق ، ليس على صاحبكم بأس ، قال : فتفرقوا ، وأتى مسلما الخبر ، فنادى بشعاره ، فاجتمع اليه أربعون ألفا من أهل الكوفة ، فقدم مقدمة ، وهيأ ميمنة ، وهيأ ميسرة ، وسار في القلب الى عبيد الله ، وبعث عبيد الله الى وجوه أهل الكوفة ، فجمعهم عنده في القصر ، فلما سار اليه مسلم وانتهى الى باب القصر أشرفوا من فوقه على عشائرهم ، فجعلوا يكلمونهم ويردونهم فجعل أصحاب مسلم يتسللون حتى أمسى في خمس مائة ، فلما اختلط الظلام ، ذهب أولئك أيضا.

فلما رأى مسلم أنه قد بقي وحده ، تردد في الطريق ، فأتى باب منزل فخرجت اليه إمرأة ، فقال لها : اسقيني ماء ، فسقته ، ثم دخلت ، فمكثت ما شاء الله ، ثم خرجت فإذا هو على الباب ، قالت : يا عبد الله ان مجلسك مجلس ريبة ، فقم ، فقال لها : إني مسلم بن عقيل فهل عندك مأوى؟ قالت : نعم ، فادخل ، فدخل ، وكان ابنها مولى لمحمد بن الأشعث ، فلما علم به الغلام ، انطلق الى محمد بن الأشعث فأخبره ، فبعث عبيد الله عمرو بن حريث المخزومي صاحب شرطته اليه ومعه محمد بن الأشعث فلم يعلم مسلم حتى أحيط بالدار ، فلما رأى ذلك مسلم خرج بسيفه فقاتلهم ، فأعطاه محمد بن الأشعث الأمان ، فأمكن من يده ، فجاء به الى عبيد الله فأمر به فأصعد الى أعلى القصر فضرب عنقه وألقى جثته الى الناس ، وأمر بهانئ فسحب الى الكناسة ، فصلب هناك ، فقال شاعرهم :

فان كنت لا تدرين ما الموت فانظري

الى هانئ في السوق وابن عقيل

أصابهما أمر الأمير فأصبحا

أحاديث من يسعى بكل سبيل

أيركب أسماء الهماليج آمنا

وقد طلبته مذحج بقتيل

وأقبل الحسين عليه‌السلام بكتاب مسلم بن عقيل اليه ، حتى إذا كان بينه وبين القادسية ثلاثة أميال لقيه الحر بن يزيد التميمي ، فقال له : أين تريد؟ فقال : أريد هذا المصر. قال له : ارجع ، فإني لم أدع لك خلفي خيرا أرجوه ، فهمّ أن يرجع ، وكان معه

٥٢٠