إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل - ج ٢٦

آية الله السيّد شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي

المشركين كانت مع معاوية ومع أبيه ثم لقيكم يوم أحد ويوم الأحزاب ومعه راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومعك ومع أبيك راية الشرك ، وفي كل ذلك يفتح الله له ويفلج حجته وينصر دعوته ويصدق حديثه ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في تلك المواطن كلها عنه راض وعليك وعلى أبيك ساخط ، وأنشدك الله يا معاوية ، أتذكر يوما جاء أبوك على جمل أحمر وأنت تسوقه وأخوك عتبة هذا يقوده فرآكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : اللهم العن الراكب والقائد والسائق. أتنسى يا معاوية الشعر الذي كتبته إلى أبيك لما هم أن يسلم تنهاه عن ذلك :

يا صخر لا تسلمن يوما فتفضحنا

بعد الذين ببدر أصبحوا مزقا

خالي وعمي وعم الأم ثالثهم

وحنظل الخير قد أهدى لنا الأرقا

لا تركنن إلى أمر تكلفنا

والراقصات به في مكة الخرقا

فالموت أهون من قول العداة لقد

حاد ابن حرب عن العزي إذا فرقا

والله لما أخفيت من أمرك أكبر مما أبديت. وأنشدكم الله أيها الرهط أتعلمون أن عليا حرم الشهوات على نفسه بين أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأنزل فيه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ) وأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث أكابر أصحابه إلى بني قريظة فنزلوا من حصنهم فهزموا فبعث عليا بالراية فاستنزلهم على حكم الله وحكم رسوله وفعل في خيبر مثلها.

ثم قال يا معاوية : أظنك لا تعلم أني أعلم ما دعا به عليك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما أراد أن يكتب كتابا إلى بني خزيمة فبعث إليك ونهمك إلى أن تموت. وأنتم أيها الرهط نشدتكم الله ، ألا تعلمون أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعن أبا سفيان في سبعة مواطن لا تستطيعون ردها. أولها يوم كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خارجا من مكة إلى الطائف يدعو ثقيفا إلى الدين فوقع به وسبه وسفهه وشتمه وكذبه وتوعده وهمّ أن يبطش به فلعنه الله ورسوله وصرف عنه. والثانية يوم العير إذ عرض لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهي جائية من الشام فطردها أبو سفيان وساحل بها فلم يظفر بها

٥٤١

المسلمون ولعنه رسول الله ودعا عليه فكانت وقعة بدر لأجلها. والثالثة يوم أحد حيث وقف تحت الجبل ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أعلاه وهو ينادي «أعل هبل» مرارا فلعنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عشر مرات ولعنه المسلمون. والرابعة يوم جاء بالأحزاب وغطفان واليهود فلعنه رسول الله وابتهل. والخامسة يوم جاء أبو سفيان في قريش فصدوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله ذلك يوم الحديبية ، فلعن صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبا سفيان ولعن القادة والاتباع. وقال : «ملعون كلهم وليس فيهم من يؤمن» فقيل : يا رسول الله أفما يرحب الإسلام لأحد منهم ، فكيف باللعنة؟ فقال : «لا تصيب اللعنة أحدا من الأتباع وأما القادة فلا يفلح منهم أحد». والسادسة يوم الجمل الأحمر. والسابعة يوم وقفوا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في العقبة ليستنفروا ناقته وكانوا اثني عشر رجلا منهم أبو سفيان. فهذا لك يا معاوية.

وأما أنت يا ابن العاص فإن أمرك مشترك ، وضعتك أمك مجهولا عن عهر وسفاح. فتحاكم فيك أربعة من قريش فغلب عليك جزارها. ألأمهم حسبا وأخبثهم منصبا ، ثم قام أبوك فقال : أنا شانئ محمد الأبتر ، فأنزل الله فيه ما أنزل. وقاتلت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في جميع المشاهد وهجوته وآذيته بمكة وكدته كيدك كله ، وكنت من أشد الناس له تكذيبا وعداوة ثم خرجت تريد النجاشي مع أصحاب السفينة لتأتي بجعفر وأصحابه إلى مكة. فلما أخطأك ما رجوت ورجعك الله خائبا وأكذبك واشيا ، جعلت حدك على صاحبك عمارة بن الوليد فوشيت به إلى النجاشي حسدا لما ارتكب من حليلته ففضحك الله وفضح أصحابك فأنت عدو بني هاشم في الجاهلية والإسلام. ثم إنك تعلم وكل هؤلاء الرهط يعلمون أنك هجوت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بسبعين بيتا من الشعر. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «اللهم إني لا أقول الشعر ولا ينبغي لي ، اللهم العنه بكل حرف ألف لعنة». فعليك إذن من الله ما لا يحصى من اللعن. وأما ما ذكرت من أمر عثمان فأنت سعرت عليه الدنيا نارا ثم لحقت بفلسطين. فلما أتاك

٥٤٢

قتله ، قلت أنا أبو عبد الله إذا نكأت قرحة أدميتها. ثم حبست نفسك إلى معاوية وبعت دينك بدنياه. فلسنا نلومك على بغض ولا نعاتبك على ود. وبالله ما نصرت عثمان حيا ، ولا غضبت له مقتولا. ويحك يا ابن العاص. ألست القائل في بني هاشم لما خرجت من مكة إلى النجاشي :

تقول ابنتي أين هذا الرحيل

وما السير مني بمستنكر

فقلت ذريني فإني امرؤ

أريد النجاشي في جعفر

لأكويه عنده كية

أقيم بها نخوة الأصعر

وشانئ أحمد من بينهم

وأقوالهم فيه بالمنكر

وأجر إلى عتبة جاهدا

ولو كان كالذهب الأحمر

ولا أنثني عن بني هاشم

وما استطعت في الغيب والمحضر

فإن قبل العتب مني له

وإلّا لويت له مشفري

وأما أنت يا وليد : فو الله ما ألومك على بغض علي وقد جلدك ثمانين في الخمر وقتل أباك بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنت الذي سماه الله فاسق وسمى عليا المؤمن حيث تفاخرتما فقلت له : اسكت يا علي فأنا أشجع منك جنانا وأطول لسانا. فقال لك علي : اسكت يا وليد فأنا مؤمن وأنت فاسق. فأنزل الله تعالى في موافقته قوله : (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) ثم أنزل فيك على موافقته قوله أيضا (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) ويحك يا وليد مهما نسيت قريش فلا تنس قول الشاعر فيك وفيه :

أنزل الله والكتاب عزيز

في علي وفي الوليد قرانا

فتبوأ الوليد إذ ذاك فسقا

وعلي مبوأ إيمانا

ليس من كان مؤمنا ـ عمرك الله ـ كمن كان فاسقا خوانا

سوف يدعى الوليد بعد قليل

وعلي إلى الحساب عيانا

فعلي يجزى بذلك جنانا

ووليد يجزى بذاك هوانا

٥٤٣

رب جد لعقبة بن أبان

لابس في بلادنا تبانا

وما أنت وقريش ، إنما أنت علج من أهل صفورية وأقسم بالله لأنت أكبر في الميلاد ممن تدعى إليه.

وأما أنت يا عتبة ، فو الله ما أنت بحصيف فأجيبك ولا عاقل فأحاورك وأعاتبك ، وما عندي خير يرجى ولا شر يتقى ، وما عقلك وعقل أمتك إلّا سواء ، وما يضر عليا لو سببته على رءوس الأشهاد. وأما وعيدك إياي بالقتل ، فهلا قتلت اللحياني إذ وجدته على فراشك؟ أما تستحي من قول نصر بن حجاج فيك :

يا للرجال وحادث الأزمان

ولسبة تخزي أبا سفيان

نبئت عتبة خانه في عرسه

جنس لئيم الأصل من لحيان

وبعد هذا ما أربأ بنفسي عن ذكره لفحشه ، فكيف يخاف أحد سيفك ولم تقتل فاضحك ، وكيف ألومك على بغض علي وقد قتل خالك الوليد مبارزة يوم بدر وشارك حمزة في قتل جدك عتبة وأوحدك من أخيك حنظلة في مقام واحد.

وأما أنت يا مغيرة ، فلم تكن بخليق أن تقع في هذا وشبهه ، وإنما مثلك مثل البعوضة إذ قالت للنخلة : استمسكي فإني طائرة عنك ، فقالت النخلة : وهل علمت بك واقعة علي فأعلم بك طائرة عني ، والله ما نشعر بعداوتك إيانا ولا اغتممنا إذ علمنا بها ، ولا يشق علينا كلامك ، وإن حد الله في الزنا لثابت عليك. ولقد درأ عمر عنك حقا ، الله سائله عنه. ولقد سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هل ينظر الرجل إلى المرأة يريد أن يتزوجها؟ فأجابك : لا بأس بذلك يا مغيرة ما لم ينو الزنا ، لعلمه بأنك زان. وأما فخركم علينا بالإمارة فإن الله تعالى يقول : (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً).

ثم قام الحسن فنفض ثوبه فانصرف. فتعلق عمرو بن العاص بثوبه وقال : يا أمير المؤمنين! قد شهدت قوله في ، وقذفه أمي بالزنا ، وأنا مطالب له بحد القذف. فقال معاوية : خل عنه لا جزاك الله خيرا. فتركه. فقال معاوية : قد أنبأتكم أنه ممن لا تطاق

٥٤٤

عارضته ونهيتكم أن تسبوه فعصيتموني. والله ما قام حتى أظلم علي البيت. قوموا عني فلقد فضحكم الله وأخزاكم بترككم الحزم وعدو لكم عن رأي الناصح المشفق ، والله المستعان ا ه.

ثم قال الفاضل المذكور :

هذه محاورة من أعجب ما قرأناه من المحاورات انتصر فيها الحسن انتصارا مبينا على زعماء بني أمية فتركهم لا يدرون ما ذا يقولون ، تركهم باهتين حائرين مخذولين. وقد دل الحسن برده عليهم أنه خطيب مفوه لا يتلجلج ولا يتلعثم ولا يخشى في الحق لومة لائم. ولا يرهب التهديد والوعيد. ولا يبالي بسطوة الحاكم ، بل إن رده عليهم بهذه القوة ، أعظم برهان على حدة ذهنه وحضور بديهته وقوة عارضته وشجاعته الفائقة. إن من يتكلم بهذا الكلام أمام معاوية ، لا يرمى بالجبن والكسل ، وحب الدعة كما ادعت دائرة المعارف الإسلامية في ترجمة الحسن ، ولا يقال عنه إنه ترك الخلافة لمعاوية حبا في الدعة ولإقباله على الشهوات. تلك تهم اعتدنا أن نقرأها في الصحف التي لوثتها جماعة من المستشرقين الذين دأبوا على الطعن في أبطال المسلمين تشويها لفضائلهم وحطا من مقامهم في عيون من يعظمونهم ويحترمونهم.

إن بني أمية كانت تحقد على علي وأبنائه وقد أعماهم البغض فصاروا يسبونهم في كل مناسبة. فإن أعوزتهم الظروف والمناسبات احتالوا عليها.

اجتمع هؤلاء النفر عند معاوية ، فأرادوا أن يتفكهوا بالطعن على الحسن فاستحضروه ليسبوه ويهددوه مع أنه سالمهم وسلم الأمر لمعاوية تجنبا لاراقة الدماء واعتكف بالمدينة تاركا لهم الأمر يفعلون ما يشاؤون.

ومع هذا لم يخلص من ألسنتهم ومعاكستهم. وكان عمرو بن العاص يحرض معاوية على التحكك به ، ومعاوية ينهاه ، علما منه بقوة عارضة الحسن.

فلما حضر ، أخذ عمرو يعيب عليا رضي‌الله‌عنه وصرح أنهم دعوه ليسبوه ويسبوا

٥٤٥

أباه. ثم تكلم الوليد وعتبة والمغيرة كل بدوره والحسن يسمع شتمهم وتهديدهم إياه بالقتل وهو رابط الجأش مستجمع لحواسه. فلما أفرغوا ما في جعبتهم ، دافع عن أبيه فأجمل مناقبه ، وذكر ما كان من إسلامه وحسن بلائه في سبيل نشر الدين وما كان من عداء أبي سفيان ومعاوية للإسلام. وكان الحسن عالما بالتاريخ والوقائع ، عارفا بسير الرجال ، حافظ للأشعار. ثم خاطب عمرو بن العاص وذكر نسبه ومسيره إلى الحبشة للإيقاع بجعفر والمسلمين المهاجرين ومحاربته لرسول الله. وقال للوليد إنه جلد في الخمر وإن عليا هو الذي جلده وكان ذلك في خلافة عثمان إلخ.

قال ذلك كله بصراحة متناهية وجرأة عجيبة ، وقد استحقوا ما سمعوا منه فإن الشر لا يدفعه إلّا الشر. فغضب معاوية عليهم وأمرهم بالخروج وقد كان وكانوا في غنى عن ذلك كله. وشهد معاوية للحسن بأنه ممن لا تطاق عارضته. ولا غرو في ذلك فإن جده رسول الله وأمه فاطمة الزهراء وأباه علي الذي بهر الأعداء بشجاعته وفاق الفصحاء بفصاحته وبز الحكماء بحكمه.

٥٤٦

المنظوم

من كلام الامام الحسن عليه‌السلام

روى جماعة من أعلام أهل السنة جملة مما نقل عن الامام الحسن عليه‌السلام من المنظوم قالها في شتى المناسبات نذكر ها هنا ما وجدنا منها :

فمنهم العلامة جمال الدين المعافى الشافعي الموصلي في «تفسير القرآن» (ج ٨ ص ١٦١ والنسخة مصورة من مكتبة ايرلندة) قال :

مضى امسك الماضي شهيدا معدلا

وخلفت في يوم عليك شهيد

فان كنت بالأمس اقترفت اساءة

فثن بإحسان وأنت حميد

ولا ترخ فقد الخير يوما إلى غد

لعل غدا يأتي وأنت فقيد

ومنهم أحمد بن محمد السلفي الأصفهاني في «المشيخة البغدادية» (ص ١١٧ والنسخة مصورة من مكتبة جستربيتي بايرلنده) قال :

لما توفي علي رضي‌الله‌عنه قال الحسن بن علي فيه :

أزجر العين طال فيها العناء

واصطبر إنما البلايا قضاء

أنت تبكي على أبيك وتنسى

أن ما قد أصابه لك داء

أنت ميت كمثل ما مات لا شك وقد مات قبله الأنبياء

٥٤٧

ونقل الفاضل المعاصر أحمد قبّش مدرس اللغة العربية في ثانويات دمشق في «جمع الحكم والأمثال في الشعر العربي» (ص ٣٦٩ ط دار العروبة) قال :

الموت خير من ركوب العار

والعار خير من دخول النار

ونقل علامة التاريخ صارم الدين إبراهيم بن محمد بن ايدمر بن دقماق المتولد سنة ٧٥٠ والمتوفى سنة ٨٠٩ في كتابه «الجوهر الثمين في سيرة الخلفاء والسلاطين» (ج ١ ص ٦٩ ط عالم الكتب بيروت سنة ١٤٠٥) قال :

ومن شعر الحسن ـ رضي‌الله‌عنه ـ قوله :

ومارست هذا الدهر خمسين حجة

وخمسا أرجى قابلا بعد قابل

فلا أنا في الدنيا بلغت جسيمها

ولا في الذي أهوى كدحت بطائل

وقد أسرعت فيّ المنايا أكفها

وأيقنت أني رهن موت معاجل

ونقل العلامة القاضي أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن القاسم المعروف بالباقلاني البصري المتوفى سنة ٤٠٣ ببغداد في كتابه «اعجاز القرآن» (ص ٩٧ ط بيروت سنة ١٤٠٨) قال :

فلا الجود يفني المال والجد مقبل

ولا البخل يبقي المال والجد مدبر

ونقل العلامة الشريف أبو المعالي المرتضى محمد بن علي الحسيني البغدادي في «عيون الأخبار في مناقب الأخيار» (ص ٤٨ والنسخة مصورة من مكتبة الواتيكان) قال :

أخبرنا أبو عبد الله محمد بن علي الصوري الحافظ ، نبأ أبو الحسن محمد بن العباس ابن عبد الملك ، نبا أبو الحسن محمد بن نافع بن إسحاق الخزاعي ، نبا أبو جعفر بن المؤمل العدوي ، نبا وريزة بن محمد الغساني ، نبا عبيد الله الخياط ، نبا الحرمازي ، نبا

٥٤٨

محمد بن أزهر السعدي ، قال : اجتمعت بطون قريش عند معاوية فتفاخروا والحسن ابن علي رضي‌الله‌عنهما ساكت ، فقال له معاوية : ما لك لا تتكلم ، فو الله ما أنت بمشوب الحسب ولا بكليل اللسان. فقال الحسن رضي‌الله‌عنه : والله ما ذكروا من مكرمة مونقة ولا فضيلة سابقة إلّا ولي محضها ولبابها. ثم أنشأ يقول :

فيم الكلام وقد سبقت مبرزا

سبق الجواد من المدى المتباعد

نحن الذين إذا القروم تخاطرت

صلنا على رغم العدو الحاسد

دانت لنا رغما بفضل قديمنا

مضر وقوّمنا طريق الجاحد

ونقل العلامة علي بن الحسن الشافعي الشهير بابن عساكر الدمشقي في «ترجمة الامام الحسن بن علي من تاريخ مدينة دمشق» (ص ١٤٦ ط بيروت) قال :

[وبالسند المتقدم آنفا] قال الحسين بن محمد : وأنبأنا محمد بن سعد ، أنبأنا علي بن محمد ، عن أبي عبد الرحمن العجلاني ، عن سعيد بن عبد الرحمن ، عن أبيه قال : تفاخر قوم من قريش بين يدي معاوية فذكر كل رجل منهم ما فيه ، فقال معاوية للحسن : يا أبا محمد ما يمنعك من القول؟ فما أنت بكليل اللسان. قال : ما ذكروا مكرمة ولا فضيلة إلّا ولي محضها ولبابها. ثم قال :

فيم الكلام وقد سبقت مبرزا

سبق الجياد من المدى المتنفس

٥٤٩

صبره عليه‌السلام

قد تقدم نقله منا من الأعلام في كتبهم في ج ١١ ص ١٦١ ، ونستدرك هاهنا عمن لم نرو عنهم هناك :

فمنهم العلامة أبو القاسم علي بن الحسن الشافعي الشهير بابن عساكر الدمشقي في «ترجمة الامام الحسن عليه‌السلام من تاريخ مدينة دمشق» (ص ١٩٨ ط بيروت) قال :

أخبرنا أبو محمد عبد الكريم بن حمزة ، أخبرنا أبو بكر الخطيب ، أخبرنا ابن الفضل وابن شاذان ، قالا : أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عمرويه الصفار ، أخبرنا أبو بكر بن أبي خيثمة ، أخبرنا موسى بن إسماعيل ، أخبرنا القاسم بن الفضل الحداني ، عن يوسف بن مازن قال : عرض للحسن بن علي رجل فقال : يا مشوه وجوه المسلمين. فقال : لا تعاذلني فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أراهم كذا يلمون على منبره رجلا فرجلا ، فأنزل الله تعالى (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) نهر في الجنة (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) يملكون بعدي ، يعني بني أمية.

وفي ترجمته ص ٢٠٠ قال :

أخبرنا أبو محمد ، أخبرنا أبو بكر (حيلولة) وأخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أخبرنا أبو بكر بن الطبري ، قالا : أخبرنا أبو الحسين بن الفضل ، أخبرنا عبد الله بن جعفر ، أخبرنا يعقوب بن سفيان ، أخبرنا العباس بن عبد العظيم ، أخبرنا أسود بن عامر (حيلولة) وأخبرنا أبو منصور بن زريق ، أخبرنا أبو بكر الخطيب ، أخبرنا إبراهيم بن

٥٥٠

مخلد بن جعفر ، أخبرنا محمد بن أحمد بن إبراهيم الحكيمي ، أخبرنا عباس بن محمد ، أخبرنا أسود بن عامر ، أخبرنا زهير بن معاوية ، أخبرنا أبو روق الهمداني ، أخبرنا أبو الغريف [عبيد الله بن خليفة] قال : كنا مقدمة الحسن بن علي اثنى عشر ألفا بمسكن مستميتين تقطر أسيافنا [دما] من الجد على قتال أهل الشام ، وعلينا أبو العمرطة ، فلما جاءنا صلح الحسن بن علي كأننا كسرت ظهورنا من الغيظ ، فلما قدم الحسن بن علي الكوفة قال له رجل منا يقال له أبو عامر سفيان بن ليلى. قال ابن الفضل : سفيان بن الليل السلام عليك يا مذل المؤمنين. قال : فقال : لا تقل ذاك يا أبا عامر ، لست بمذل المؤمنين ، ولكني كرهت أن أقتلكم على الملك. قال ابن عساكر : واللفظ لحديث الحكيمي.

وقال أيضا في ص ٢٠٣ :

أنبأنا أبو غالب شجاع بن فارس ، حدثنا أبو طالب محمد بن علي الحربي العشاري ، أخبرنا عبد الله بن محمد بن الحي تميمي وأبو عبد الله أحمد بن محمد بن درست (حيلولة) قال : وأخبرنا علي بن أحمد الملطي ، أخبرنا أحمد بن محمد بن درست قالا : أخبرنا الحسين بن صفوان ، أخبرنا ابن أبي الدنيا ، أخبرنا عبد الرحمن بن صالح ، أخبرنا محمد بن موسى ، عن فضيل بن مرزوق قال : أتى مالك بن ضمرة الحسن بن علي فقال : السلام عليك يا مسخِّم وجوه المؤمنين. قال : يا مالك لا تفعل ذلك ، اني لما رأيت الناس تركوا ذلك إلى أهله خشيت أن تجتثوا عن وجه الأرض ، فأردت أن يكون للدين في الأرض ناعي. فقال : بأبي أنت وأمي ذرية بعضها من بعض.

وفي ترجمته ص ٢٠٥ قال :

وأخبرنا أبو الحسين محمد بن محمد ، وأبو غالب أحمد وأبو عبد الله يحيى ، ابنا الحسن قالوا : أنبأنا محمد بن أحمد بن محمد ، أنبأنا محمد بن عبد الرحمن ، أنبأنا أحمد

٥٥١

ابن سليمان ، أنبأنا الزبير بن أبي بكر ، حدثني أحمد بن سليمان ، عن أبي داود الطيالسي ، عن شعبة ، عن يزيد بن خمير الشامي ، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير الشامي ، عن أبيه قال : قلت للحسن بن علي : ان الناس يزعمون أنك تريد الخلافة؟ قال : كانت جماجم العرب بيدي يسالمون من سالمت ، ويحاربون من حاربت ، فتركتها ابتغاء وجه الله تعالى ثم أثيرها يا تياس الحجاز.

وقال في ص ١٥٧ :

أخبرنا أبو الحسين ابن الفراء ، وأبو غالب وأبو عبد الله ابنا البناء ، قالوا : أنبأنا أبو جعفر ابن المسلمة ، أنبأنا أبو طاهر المخلص ، أنبأنا أحمد بن سليمان ، أنبأنا الزبير بن بكار ، قال : وحدثني عمي قال : وروى ابن عون ، عن عمير بن إسحاق قال : قال [معاوية] ما تكلم عندي أحد كان أحب إلي إذا تكلم أن لا يسكت من الحسن بن علي ، وما سمعت منه كلمة فحش قط إلّا مرة فإنه كان بين الحسين بن علي وعمرو بن عثمان خصومة في أرض ، فعرض الحسين أمرا لم يرضه عمرو ، فقال الحسن : ليس له عندنا إلّا ما رغم أنفه. قال : فهذه أشد كلمة فحش سمعتها منه قط.

[قال : ابن عساكر :] هذا منقطع [وقد ورد أيضا من غير انقطاع] :

وقد أخبرناه أبو بكر محمد بن عبد الباقي ، أنبأنا الحسن بن علي ، أنبأنا محمد بن العباس ، أنبأنا أحمد بن معروف ، أنبأنا الحسين بن محمد ، أنبأنا محمد بن سعد ، أنبأنا إسماعيل بن إبراهيم الأسدي ، عن ابن عون ، عن عمير بن إسحاق ، قال : ما تكلم عندي أحد كان أحب إلي إذا تكلم أن لا يسكت من الحسن بن علي ، وما سمعت منه كلمة فحش قط إلّا مرة ، فإنه كان بين الحسين بن علي وعمرو بن عثمان بن عفان خصومة في أرض فعرض حسين أمرا لم يرضه عمرو فقال الحسن : فليس له عندنا إلّا ما رغم أنفه. قال : فهذا أشد كلمة فحش سمعتها منه قط.

قال : وأنبأنا الفضل بن دكين ، أنبأنا مسافر الجصاص عن رزيق بن سوار ، قال : كان

٥٥٢

بين الحسن بن علي وبين مروان كلام فأقبل عليه مروان فجعل يغلظ له وحسن ساكت ، فامتخط مروان بيمينه فقال له الحسن : ويحك ، أما علمت أن اليمين للوجه والشمال للفرج؟ أف لك. فسكت مروان.

وقال في ص ١٤٩ :

أنبأنا أبو غالب شجاع بن فارس ، أنبأنا محمد بن علي الحربي ، أنبأنا محمد بن عبد الله الدقاق وأحمد بن محمد العلاف [حيلولة] قال : وأنبأنا علي بن أحمد الملطي ، أنبأنا أحمد بن محمد العلاف ، قالا : أنبأنا الحسين بن صفوان ، أنبأنا أبو بكر بن أبي الدنيا ، حدثني محمد بن الحسين ، أنبأنا عبيد الله بن محمد التميمي ، أنبأنا عبيد الله بن عباس ، عن شيخ من بني جمح ، عن رجل من أهل الشام قال : قدمت المدينة فرأيت رجلا جهري كحالة ، فقلت : من هذا؟ قالوا : الحسن بن علي. قال : فحسدت والله عليا أن يكون له ابن مثله. قال : فأتيته فقلت : أنت ابن أبي طالب؟ قال : اني ابنه. فقلت : بك وبأبيك وبك وأبيك. قال : وأزم لا يرد إلي شيئا ، ثم قال : أراك غريبا فلو استحملتنا حملناك ، وان استرفدتنا رفدناك ، وإن استعنت بنا اعناك. قال : فانصرفت والله عنه وما في الأرض أحد أحب إلي منه.

ومنهم العلامة أبو العباس محمد بن يزيد المعروف بالمبرد في «الكامل» (ج ١ ص ٢٣٥) قال :

وذكر ابن عائشة أن رجلا من أهل الشام قال : دخلت المدينة فرأيت رجلا راكبا على بغلة لم أر أحسن وجها ولا سمتا ولا ثوبا ولا دابة منه ، فمال قلبي إليه ، فسألت عنه فقيل لي : هذا الحسن بن علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنهما ، فامتلأ قلبي له بغضا ـ فذكر القصة باختلاف قليل في اللفظ.

٥٥٣

من عادته عليه‌السلام

أنه كان يقرأ سورة الكهف إذا آوى إلى فراشه

قد تقدم نقله منا عن بعض الأعلام في ج ١١ ص ١١٤ ، ونستدرك هاهنا عمن لم نرو عنهم هناك :

فمنهم العلامة أبو القاسم علي بن الحسن الشهير بابن عساكر الدمشقي الشافعي في «ترجمة الامام الحسن من تاريخ مدينة دمشق» (ص ١٤٤ ط بيروت) قال :

أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر ، أنبأنا أبو بكر البيهقي ، أنبأنا أبو نصر بن قتادة ، أنبأنا أبو الحسن علي بن الفضل بن محمد بن عقيل ، أنبأنا أبو شعيب الحراني ، أنبأنا علي بن المديني ، أنبأنا جرير بن عبد الحميد ، عن المغيرة ، عن أم موسى قالت : كان الحسن بن علي إذا آوى إلى فراشه بالليل أتى بلوح منقوش فيه سورة الكهف فيقرؤها. قالت : كان يطاف بذلك اللوح معه حيث طاف من نسائه.

٥٥٤

قراءته عليه‌السلام

سورة إبراهيم في خطبة يوم الجمعة

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم العلامة أبو القاسم علي بن الحسن الدمشقي الشافعي الشهير بابن عساكر في «ترجمة الامام الحسن عليه‌السلام من تاريخ مدينة دمشق» (ص ١٥٥ ط بيروت) قال :

أخبرنا أبو بكر الأنصاري ، أنبأنا أبو محمد العدل ، أنبأنا محمد بن العباس ، أنبأنا أبو الحسن الخشاب ، أنبأنا الحسين بن محمد ، أنبأنا محمد بن سعد ، أنبأنا الفضل بن دكين ، أنبأنا شريك ، عن عاصم ، عن أبي رزين قال : خطبنا الحسن بن علي يوم الجمعة فقرأ [سورة] إبراهيم على المنبر حتى ختمها.

٥٥٥

أمره عليه‌السلام

حين حضرته الوفاة بإخراج فراشه إلى الصحن

قد تقدم نقله منا عن أعلام القوم في ج ١١ ص ١٧٣ ، ونستدرك هاهنا عمن لم نرو عنهم هناك :

فمنهم العلامة أبو القاسم علي بن الحسن الشافعي الشهير بابن عساكر الدمشقي في «ترجمة الامام الحسن عليه‌السلام من تاريخ مدينه دمشق» (ص ٢١٢ ط بيروت) قال :

أنبأنا أبو علي الحداد ، أنبأنا أبو نعيم الحافظ ، أنبأنا سليمان بن أحمد ، أنبأنا محمد بن عبد الله الحضرمي ، أنبأنا عثمان بن أبي شيبة ، أنبأنا أبو أسامة ، عن سفيان بن عيينة ، عن رقبة بن مصقلة قال : لما حضر الحسن بن علي قال : أخرجوني إلى الصحراء لعلي أنظر في ملكوت السماء ـ يعني الآيات ـ فلما أخرج قال : اللهم إني احتسب نفسي عندك فإنها أعز الأنفس علي. فكان مما صنع الله له أنه احتسب نفسه.

[قال ابن عساكر :] كذا قال «إلى الصحراء» وهو تصحيف وإنما هو [إلى] الصحن.

وأخبرنا [ه] أبو القاسم إسماعيل بن أحمد ، أنبأنا أبو بكر محمد بن هبة الله ، أنبأنا أبو الحسين بن بشران ، أنبأنا أبو علي ابن صفوان ، أنبأنا أبو بكر ابن أبي الدنيا ، حدثني محمد بن عثمان العجلي ، أنبأنا أبو أسامة ، حدثني سفيان بن عيينة ، عن رقبة بن مصقلة ، قال : لما حضر الحسن بن علي قال : أخرجوا فراشي إلى الصحن حتى أنظر في

٥٥٦

ملكوت السماوات ، فأخرجوا فراشه؟ فرفع رأسه فنظر فقال : اللهم إني احتسب نفسي عندك فإنها أعز الأنفس علي. قال : فكان مما صنع الله له أن احتسب نفسه عنده.

وأخبرناه أبو القاسم أيضا ، أنبأنا أبو بكر.

حيلولة : وأخبرنا أبو محمد بن طاوس ، أنبأنا علي بن محمد بن الأخضر ، قالا : أنبانا أبو الحسين ابن بشران ، أنبأنا أبو علي ابن صفوان ، أنبأنا أبو بكر ابن أبي الدنيا ، أنبأنا إسحاق بن إسماعيل ، حدثني أحمد بن عبد الجبار ، عن سفيان بن عيينة ، عن رقبة بن مصقلة قال : لما احتضر الحسن ـ وقال : ابن طاوس لما نزل بالحسن بن علي الموت ـ قال : أخرجوا فراشي إلى صحن الدار. فأخرج فقال ـ زاد ابن السمرقندي قال : فرفع رأسه إلى السماء. ثم اتفقا فقالا : [قال :] ـ اللهم إني أحتسب نفسي عندك فإني لم أصب بمثلها ـ وفي حديث ابن السمرقندي : ـ فإنها أعز الأنفس علي.

ومنهم العلامة الشيخ أحمد بن محمد بن أحمد الحافي (الخوافي) الحسيني الشافعي في «التبر المذاب» (ص ٦٧) قال :

فقال في بعض الأيام : أخرجوا فراشي إلى صحن الدار ، فأخرج ، فقال : اللهم اني أحتسب نفسي عندك ، فاني لم أصب بمثلها ، اللهم اني أستعديك على معاوية بن أبي سفيان ، فانه صفقة يمينه فبغى علي ونكث العهد والشرط ، وقد دس إلي سما من غير [ما] جرم صدر مني ، ولا أثم بلغه عني ، إلّا أن الدنيا فتحت له حرصا عليها ولهجا بها ، فلم يستغن بما نال فيها عما لم يبلغه منها ، ومن وراء ذلك فراق ما جمع ونقض ما أبرم ، ولو اعتبر لمن مضى حفظ ما بقي. اللهم انه ليس شيء أدعى إلى تغيير نعمة وتعجيل نقمة من إقامة على ظلم ، وإنك اللهم سميع دعوة المظلومين ، وأنت للظالمين بالمرصاد.

٥٥٧

ومنهم العلامة أبو الوليد إسماعيل بن محمد الإشبيلي في «مناقل الدرر ومناقب الزهر» (ص ٦٤ مصورة مكتبة جستربيتي) قال :

لما سقي الحسن رضي‌الله‌عنه السم ، رمى كبده وتناثر شعره ، وذهبت عيناه ، فلما حضرته الوفاة قال : أخرجوني إلى صحن الدار حتى أنظر إلى ملكوت السماء ، فلما أخرج استقبل القبلة وقال : يا رب خذ مني حتى ترضى ، ولا توبخني بين يدي جدي غدا. ثم أغمي عليه فأفاق ، وقد شخص بصره وهو يقول : فاز المتقون ، وخسر الأركسون ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

ومنهم العلامة صارم الدين إبراهيم بن محمد بن ايدمر بن دقماق المتوفى سنة ٨٠٩ في «الجوهر الثمين في سيرة الخلفاء والسلاطين» (ج ١ ص ٦٨ ط عالم الكتب ـ بيروت) قال :

قيل : لما احتضر الحسن ـ عليه‌السلام ـ قال : أخرجوني أنظر إلى ملكوت السماء. فلما خرج قال : اللهم إني احتسب نفسي عندك ، فإنها أعز الأنفس علي. وكان مما صنع الله له أنه احتسب نفسه.

ومنهم العلامة جمال الدين يوسف بن عبد الرحمن الكلبي المزي في «تهذيب الكمال» (ج ٦ ص ٢٥٣ ط بيروت) قال :

وقال سفيان بن عيينة : عن رقبة بن مصقلة ـ لما حضر الحسن بن علي ـ فذكر الحديث مثل ما تقدم عن كتاب «الجوهر الثمين».

٥٥٨

بكاؤه عليه‌السلام

من هيبة لقاء الله تعالى

قد تقدم نقله منا عن أعلام القوم ج ١١ ص ١١٠ ، ونستدرك هاهنا عمن لم نرو عنهم هناك :

فمنهم العلامة أبو القاسم علي بن الحسن الشافعي الشهير بابن عساكر الدمشقي في «ترجمة الامام الحسن عليه‌السلام من تاريخ مدينة دمشق» (ص ٢١٤ ط بيروت) قال :

أخبرنا أبو العز ابن كادش فيما قرأ علي اسناده وناولني إياه وقال : اروه عني ، أنبأنا أبو علي محمد بن الحسين ، أنبأنا أبو الفرج المعافى بن زكريا ، أنبأنا محمد بن القاسم الأنباري ، أنبأنا محمد بن علي المدائني ، أنبأنا أبو الفضل الهاشمي الربعي ، حدثني أحمد بن يعقوب ، حدثني المفضل بن غسان بن المفضل أبي عبد الرحمن الغلابي ، حدثني إبراهيم بن علي المطبخي قال : سمعت أبا عبد الرحمن بن عيسى بن مسلم الحنفي أخا سليم بن عيسى قارئ أهل الكوفة ، قال : لما حضرت الحسن بن علي الوفاة كأنه جزع عند الموت فقال له الحسين كأنه يعزيه : يا أخي ما هذا الجزع؟ إنك ترد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى علي وهما أبواك ، وعلى خديجة وفاطمة وهما أماك ، وعلى القاسم والطاهر وهما خالاك ، وعلى حمزة وجعفر وهما عماك. فقال له الحسن : أي أخي إني أدخل في أمر من أمر الله لم أدخل في مثله ، وأرى خلقا من خلق الله لم أر مثله قط. قال : فبكى الحسين.

٥٥٩

وفي ص ٢١٥ قال :

أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، وأبو الحسن علي بن الحسن ، قالا : أنبأنا أبو الحسين ابن أبي نصر ، أنبأنا أبو بكر يوسف بن القاسم ، أنبأنا أبو سعيد : أحمد بن محمد ابن الأعرابي بمكة في ذي الحجة سنة تسع وثلاثمائة.

حيلولة : وأخبرنا أبو بكر وجيه بن طاهر ، أنبأنا أبو صالح أحمد بن عبد الملك ، أنبأنا علي بن محمد بن علي ، وعبد الرحمن بن محمد بن أحمد ، قالا : أنبأنا أبو العباس الأصم ، قالا : سمعنا العباس بن محمد ، يقول : سمعت يحيى بن معين ، يقول : لما ثقل الحسن بن علي دخل عليه الحسين ، فقال : يا أخي لأي شيء تجزع؟ تقدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى علي بن أبي طالب وهما أبواك ، وعلى خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وهما أماك ، وعلى حمزة بن عبد المطلب وجعفر بن أبي طالب وهما عماك. قال : يا أخي أقدم على أمر لم أقدم على مثله.

أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد ، أنبأنا محمد بن هبة الله ، أنبأنا أبو الحسين علي ابن محمد بن بشران ، أنبأنا الحسين بن صفوان ، أنبأنا أبو بكر ابن أبي الدنيا ، حدثني يوسف بن موسى ، حدثني مسلم بن أبي حية الرازي ، حدثنا جعفر بن محمد ، عن أبيه قال : لما أن حضر الحسن بن علي الموت بكى بكاء شديدا ، فقال له الحسين : ما يبكيك يا أخي وإنما تقدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى علي وفاطمة وخديجة وهم ولدوك ، وقد أجرى الله لك على لسان نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنك سيد شباب أهل الجنة. وقاسمت الله مالك ثلاث مرات ، ومشيت إلى بيت الله على قدميك خمس عشرة مرة حاجا ـ وإنما أراد أن يطيب نفسه ـ قال : فو الله ما زاده إلّا بكاء وانتحابا ، وقال : يا أخي إني أقدم على أمر عظيم مهول لم أقدم على مثله قط.

٥٦٠