تراثنا ـ العددان [ 35 و 36 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 35 و 36 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٨

وليس بالسهل أن نظفر بها جميعا ، كما أنه لم يتوفر ضبط ببليوغرافي للإنتاج الفكري الصادر باللغة العربية في إيران ، كي يمكن الاعتماد عليه في مثل هذا العمل ، ولذا نؤكد أن هذه خطوة على الطريق نرجو أن تتممها خطوات أخرى ، وقديما قيل : مسافة الألف ميل تبدأ بخطوة.

رتبت القائمة ألفبائيا ، تبعا لعنوان الكتاب أو الرسالة المحققة ، ثم ذكرت البيانات الأخرى بعد ذلك ، من المؤلف ، والمحقق ، والمراجع ، والمشرف ، وبيانات الناشر ، وفي حالة تعدد مرات تحقيق الكتاب من أكثر من محقق ، ذكرنا اسم كل محقق بين هلالين ، بعد الناشر وبيانات الطبعة.

واستوعبت عملية الاستقراء ما نشر من رسائل تراثية محققة في بعض الدوريات التي دأبت على نشرها مثل : (تراثنا) التي تصدرها مؤسسة آل البيت في قم ، و (تحقيقات إسلامي) التي تصدرها دائرة المعارف إسلامي ، و (نور علم) التي تصدرها جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم ... وغيرها.

وألحقنا القائمة بكشاف للمحققين ، يشير إلى ما أنجزه كل محقق من أعمال ، حتى يتم التعرف على إسهام كل محقق في حركة إحياء التراث في إيران ، وإن كان هذا المقياس العددي ، لا يمكن أن يكون معبرا بوضوح عن دقة وكفاءة المحقق ، لأنه ربما كان أدق المحققين مقلا في إنتاجه ، وبالعكس ، فقد يستهين البعض بهذا العمل العلمي الدقيق ، فيصدر عشرات المجلدات في سنوات معدودة ، وهذه من مشكلات إحياء التراث في العصر الحديث في كل مكان.

وعلى أية حال ، فإنه يظل لبعض المحققين في إيران دورا متميزا ، يتمثل في ريادتهم ومشاركتهم في وضع اللبنات الأولى لمشروح إحياء التراث ، مع ما كابدوه من ظروف ومتاعب جسيمة في القيام بعملهم كرواد ، ومن أبرز هؤلاء : محمد القزويني ، وعباس إقبال ، والسيد جلال الدين المحدث الأرموي ،

٢٦١

والسيد محمد المشكاة ، ومحمد تقي دانش بژوه ، والدكتور السيد حسين نصر ، والسيد جلال الدين الآشتياني ، والسيد عبد العزيز الطباطبائي ، والدكتور مهدي محقق ، والدكتور محمد غفراني ، وعلي أكبر الغفاري ، والدكتور أبو القاسم كرجي ، والدكتور محمد جواد مشكور ... وغيرهم.

لقد مهد هؤلاء الدرب للجيل الثاني من المحققين في إيران ، الذين برزت فيهم كفاءات علمية متميزة ، توفرت على وعي وفهم عميق للتراث ، وقدرة عالية على ضبطه وتصحيحه وتحليله.

وما توفيقي إلا بالله ، عليه توكلت وإليه أنيب.

للبحث صلة ...

٢٦٢

مصطلحات نحوية

(١)

السيد علي حسن مطر

أولا : مصطلح اللفظ

١ ـ اللفظ لغة :

اللفظ في اللغة يعني الطرح والرمي والنبذ مطلقا ، أي سواء أكان الطرح من الفم أم غيره ، وسواء أكان المطروح من الفم صوتا أم غيره.

قال ابن فارس : (اللام والفاء والظاء كلمة صحيحة تدل على طرح الشئ ، وغالب ذلك أن يكون من الفم ، تقول : لفظ بالكلام يلفظ لفظا ، ولفظت الشئ من فمي) (١).

وقال ابن منظور : (اللفظ أن ترمي بشئ كان في فيك ... والبحر يلفظ الشئ : يرمي به إلى الساحل ... ولفظت بالكلام وتلفظت به ، أي : تكلمت به ... وهو في الأصل مصدر) (٢) ، استعمل بعد ذلك (بمعنى الملفوظ به ... كما استعمل القول بمعنى المقول ، وهذا كما يقال : الدينار ضرب الأمير ، أي : مضروبه) (٣) ، ولا بد من ملاحظة أن استعماله بهذا المعنى خاص بما

__________________

(١) معجم مقاييس اللغة ، أحمد بن فارس ، تحقيق عبدالسلام هارون ، مادّة (لفظ).

(٢) لسان العرب ، ابن منظور ، مادّة (لفظ).

(٣) شرح الرضي على الكافية ، الرضي الاسترابادي ، تحقيق يوسف حسن عمر ١ / ٢٠.



٢٦٣

يطرحه الفم من الأصوات ، (وسمي ذلك لفظا ، لأنه هواء مرمي من داخل الرئة إلى خارجها ، فهو مصدر أريد به المفعول ، كالخلق بمعنى المخلوق) (٤).

فاللفظ بهذا المعنى (يطلق على كل حرف ، من حروف المعجم كان أو من حروف المعاني ، وعلى أكثر منه ، مفيدا كان أو لا) (٥).

٢ ـ اللفظ اصطلاحا :

استعمل النحاة (اللفظ) اصطلاحا ، بمعناه اللغوي الأخير ، أي بمعنى اسم المفعول ، وأرادوا به خصوص ما كان أصواتا بلفظها الفم (٦).

وأول ما وجدته من تعاريف اللفظ ـ في حدود ما توفر لدي من المصادر ـ ما نسبه ابن يعيش (ت ٦٤٣ ه) إلى سيبويه من أن اللفظ (جماعة حروف ملفوظ بها) (٧).

ويؤخذ عليه أن اللفظ قد يكون حرفا واحدا كفاء العطف ولام التملك.

ويلي تعريف الرماني (ت ٣٨٤ ه) : (اللفظ كلام يخرج من الفم) (٨) ، ويريد بذلك الكلام بمعناه اللغوي لا الاصطلاحي ، وإلا ورد عليه أن اللفظ في الاصطلاح أعم من الكلام ، إذ يشمله ويشمل الكلمة والكلم والقول.

وعرفه ابن هشام (ت ٧٦١ ه) بتعريفين :

أولهما : (الصوت المشتمل على بعض الحروف ، سواء دل على معنى

__________________

(٤) أ ـ حاشية الخضري على شرح ابن عقيل ١ / ١٤.

ب ـ حاشية الصبان على شرح الأشموني ١ / ٢١.

(٥) شرح الرضي على الكافية ١ / ٢٠.

(٦) شرح الأزهرية في علم العربية ، خالد الأزهري ، ص ١١.

(٧) شرح المفصل ، ابن يعيش ١ / ١٩.

(٨) الحدود في النحو ، الرماني ، ضمن كتاب (رسائل في النحو واللغة) تحقيق مصطفى جواد ويوسف مسكوني ، ص ٤٢.

٢٦٤

كزيد ، أم لم يدل كديز مقلوب زيد) (٩).

وثانيهما : (الصوت المشتمل على بعض الحروف تحقيقا أو تقديرا) (١٠) ولم يذكرها هنا دلالة الصوت على معنى وعدم دلالته ، ولعله استغنى عن ذلك بإطلاق عبارته الشامل لكل منهما.

والأقرب أنه يريد أن قولنا (قم) مثلا ، يشتمل تحقيقا على حرفين ، وتقديرا على حروف (أنت) ، وليس مراده أن الضمير المستتر هو صوت مشتمل على بعض الحروف تقديرا.

وعرفه السيوطي (ت ٩١١ ه) بأنه : (الصوت المعتمد على مقطع) (١١) أي : على مخرج في الفم ، واكتفى أيضا بإطلاق العبارة في الدلالة على الشمول لما كان مستعملا أو مهملا من الألفاظ ، ولما كان مكونا من حرف واحد أو أكثر.

وعرفه الخضري بأنه (صوت معتمد على مخرج من مخارج الفم ، محقق كاللسان أو مقدر كالجوف) وفضله على تعريف ابن هشام والأشموني ، إذ قال : (وهذا التعريف للفظ أولى من قولهم : صوت مشتمل على بعض الحروف ، لأنه يرد على ما هو حرف واحد كواو العطف ، إذ الشئ لا يشتمل على نفسه) (١٢).

ويبدو أن هذه الإشكال غير وارد ، إذ ليس هناك اثنينية بين الصوت وبين الحرف أو الحروف ، لكي يكون الصوت وعاء للحرف ، بل هما في الواقع شئ

__________________

(٩) شرح قطر الندى ، ابن هشام ، تحقيق محيي الدين عبد الحميد ، ص ١١.

(١٠) أوضح المسالك في شرح ألفية ابن مالك ، ابن هشام ، تحقيق محيي الدين عبد الحميد ١ / ١١.

(١١) أ ـ همع الهوامع في شرح جمع الجوامع ، السيوطي ، تحقيق عبد السلام هارون وعبد العال سالم مكرم ١ / ٣٩.

ب ـ البهجة المرضية ، السيوطي ، تحقيق مصطفى الحسيني ، ص ٧.

(١٢) حاشية الخضري على شرح ابن عقيل ١ / ١٤.

٢٦٥

واحد ، ومعنى اشتمال الصوت على بعض الحروف هو تكونه منها ، ولا شك في أن (بعض الحروف) يصدق على الحرف الواحد ، كصدقه على ما زاد عليه.

٢٦٦

ثانيا : مصطلح القول

١ ـ القول لغة :

المستفاد من كلمات اللغويين والنحاة أن القول يستعمل لغة في المعاني التالية :

أولا : كل لفظ نطق به اللسان تاما كان أو ناقصا (١٣) ، أي ما كان مستعملا من الألفاظ المفردة والمركبة سواء حسن السكوت عليه أم لا ، (فالتام هو المفيد ، أعني الجملة وما كان في معناها من نحو صه وأيه ، والنقص ما كان بضد ذلك نحو زيد ... وكان أخوك) (١٤) إذا أريد بها كان الناقصة.

ثانيا : إحداث اللفظ المستعمل وإيجاده ، قال ابن هشام : (فأما القول فهو في الأصل مصدر (قال) إذا نطق بلفظ مستعمل ، فمسماه الحقيقي نفس إيجاد اللفظ المستعمل) (١٥).

ثالثا : (كل حرف ، من حروف المعجم كان ، أو من حروف المعاني ، وعلى أكثر منه ، مفيدا كان أو لا) (١٦).

رابعا : الرأي والاعتقاد ، وإطلاق القول عليه مجاز ، (لأن الاعتقاد يخفى فلا يعرف إلا بالقول ... كما يسمى الشئ باسم غيره إذا كان ملابسا له (١٧).

__________________

(١٣) أ ـ لسان العرب ، ابن منظور ، مادة (قول).

ب ـ الخصائص ، ابن جني ، تحقيق محمد علي النجار ١ / ١٧.

(١٤) الخصائص ، ابن جني ١ / ١٧.

(١٥) شرح اللمحة البدرية في علم اللغة العربية ، ابن هشام ، تحقيق هادي نهر ١ / ٢٠٣.

(١٦) شرح الرضي على الكافية ، تحقيق يوسف حسن عمر ١ / ٢٠.

(١٧) أ ـ الخصائص ، ابن جني ١ / ١٩.

ب ـ لسان العرب ، مادة (قول).

٢٦٧

٢ ـ القول اصطلاحا :

وأما النحاة فقد استعملوا (القول) في خصوص معناه الأول ، وأقدم من وجدته يستعمله بمعناه الاصطلاحي ـ في حدود ما لدي من المصادر ـ هو ابن معطي (ت ٦٢٨ ه) (١٨).

وقد عرفوا (القول) بما ينطبق على المعنى المذكور ، فقال ابن هشام (ت ٧٦١ ه) : هو (اللفظ المستعمل) (١٩) أو (اللفظ الدال على معنى) (٢٠).

وتابعه عليه من جاء بعده وقالوا في شرحه : إن المراد من (اللفظ) هو الأعم من المفرد والمركب ، والمراد من (الدال على معنى) هو ما يصح السكوت عليه وما لا يصح (٢١).

ثم عمدوا إلى بيان النسبة بين القول ، وبين كل من الكلمة والكلام والكلم بمعانيها الاصطلاحية ، وأنها نسبة العموم ، قال ابن معطي : (والقول يعم الجميع) (٢٢) ، وقال ابن مالك (ت ٦٧٢ ه) في أرجوزته الألفية : (والقول عم).

وقال بعض شراحها : أي أن (القول) يطلق على كل من الكلمة والكلام والكلم (٢٣).

__________________

(١٨) الفصول الخمسون ، ابن معطي ، تحقيق محمود الطناحي ، ص ١٤٩.

(١٩) شرح اللمحة البدرية ، ابن هشام ١ / ٢٠٣.

(٢٠) أ ـ أوضح المسالك إلى ألفيه ابن مالك ١ / ١٢.

ب ـ شرح شذور الذهب ، ص ١١.

ج ـ شرح قطر الندى ، ص ١١ ، وكلها لابن هشام ، وتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد.

(٢١) شرح التصريح على التوضيح ، خالد الأزهري ١ / ٢٧.

(٢٢) الفصول الخمسون ، ص ١٤٩.

(٢٣) شرح ابن عقيل على الألفية ، تحقيق محيي الدين عبد الحميد ١ / ١٦.

٢٦٨

وقام آخرون ببيان نوع هذا العموم ، وأنه عموم مطلق وليس عموما من وجه ، أي أنه يصدق على هذه الثلاثة ، ويصدق على غيرها أيضا ، (فهو أعم من الكلام ، لانطلاقه على المفيد وغيره ، وأعم من الكلم ، لانطلاقه على المركب من كلمتين فأكثر ، ومن الكلمة ، لانطلاقه على المفرد والمركب ، عموما مطلقا ، لصدقه على الكلام والكلم والكلمة ، وانفراده في مثل : غلام زيد ، فإنه ليس كلاما ، لعدم الفائدة ، ولا كلما ، لعدم الثلاثة ، ولا كلمة ، لأنه ثنتان ، لا عموما من وجه دون وجه ، إذ لا يوجد شئ من الكلام والكلم والكلمة بدون القول) (٢٤).

للبحث صلة ...

__________________

(٢٤) أ ـ شرح التصريح على التوضيح ، خالد الأزهري ١ / ٢٨.

ب ـ حاشية الصبان على شرح الأشموني ١ / ٢٦ ـ ٢٧.

٢٦٩

ديوان

الإجازات المنظومة

صنعة :

السيد محمد رضا الحسيني الجلالي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين ، محمد الأمين ، والأئمة الأطهار المعصومين ، من آله الأكرمين.

وبعد :

فإن الحديث الشريف هو ثاني مصادر المعرفة الإسلامية ، بعد القرآن الكريم في الحجية والاعتبار وأوسعها في كثرة الموارد ، ووفرة الآثار.

وقد أكد الله جل وعلا في كتابه الكريم على طاعة الرسول وقرنها بطاعته حيث قال : (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) النساء / ٥٩ ، وقال : (ما آتاكم الرسول فخذوه ، وما نهاكم عنه فانتهوا) الحشر / ٧.

كما إن الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ نفسه ـ أكد على الاهتمام بالحديث الشريف ، بالعلم والعمل ، والحفظ والحمل ، والفهم والتفهيم ، والأداء والتبليغ.

وكذلك أكد الأئمة الأطهار عليهم‌السلام على أهمية الحديث ووجوب اتباعه.

٢٧٠

فمن الأحاديث الشريفة :

(نضر الله امرءا سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه ...).

(من أدى حديثا يعلم به سنة ، أو يثلم به بدعة ، فله الجنة).

(ليبلغ الشاهد الغائب ...).

والحديث المشهور : (من حفظ على أمتي أربعين حديثا ... بعثه الله فقهيا ...).

(اكتب وبث علمك في إخوانك ...).

اهتمام العلماء بالحديث الشريف :

ولذا اهتم علماء المسلمين بالحديث الشريف أيما اهتمام ، وأحاطوه بكل وسائل الحيطة والحذر ، للحفاظ عليه ورعايته ، متبعين أساليب علمية رصينة ، فحددوا لمصطلحاته وأصوله مرسومة ، وخططوا لمناهجه خططا مدروسة ، وأسسوا علوما عديدة لتجميع قواعده ، وضبط نصوصه ، واستيعاب معناه وتفسيره ، وهي :

١ ـ علم الحديث ، المتكفل بتدوينه ، وضبط نصوصه وروايته ، وتفسيره وشرحه.

٢ ـ علم المصطلح والدراية ، المتكفل بتاريخه ، ومناهج تأليفه ، وشؤون أدائه وروايته وآداب حمله ونقله ، وما يرتبط بحامليه من آداب وأوصاف ، وما له من أقسام وأحكام من حيث المتن والسند ، وما يدور في فلكه من تراث.

٣ ـ علم الرجال ، المتكفل بأحوال رواته ، ورجال أسانيده من حيث الاعتماد والوثاقة ، والسداد والضبط ، أو ما يخالف ذلك ، وكذلك تراجم حياتهم وشؤون نشاطهم العلمي.

وتعد الثروة العلمية ، والجهد المبذول في سبيل الحديث الشريف من خلال هذه العلوم ، ثروة هائلة كما وكيفا ، بل تشكل القسم الأكبر من تراث

٢٧١

الإسلام العلمي ، ومن أهم مصادر الفكر والمعرفة الإسلامية الخالدة.

الطرق العلمية لتحمل الحديث وأدائه وصيانته :

ومما قرره علماء الحديث في باب (دراية الحديث ومصطلحه) هو : تحديد (الطرق) التي يتم عبرها نقل الحديث وتداوله ، والتي بها يتحمله الشيوخ ، وبها يؤدونه إلى الرواة.

وقد حصروها ـ بالاستقراء والحصر العقلي الدقيق ـ في (ثمان طرق) اتفق على بعضها ، واختلف في البعض الآخر.

كما وقع بينهم بحث في ترتيبها ، وتقديم بعضها على الآخر ، وفي شروط كل منها ، وما يرتبط بكل واحد من شؤون وخصوصيات إلا أن الأكثرين جروا على أنها (ثمان) وبالترتيب الآتي :

١ ـ السماع ، ومنه الاملاء.

٢ ـ القراءة ، وهي العرض.

٣ ـ الإجازة ـ وسنبحث عنها

٤ ـ المناولة.

٥ ـ المكاتبة.

٦ ـ الإعلام.

٧ ـ الوصية بالحديث وكتبه.

٨ ـ الوجادة.

والمهمة الأساسية لهذه الطرق هي (البلوغ) بالحديث إلى الرواة ، ليكونوا متلقين له بوثوق واطمئنان ، وضبط ، وتأكد من صحته ، وعدم تحريف أو تصحيف في نصه (١).

__________________

(١) ولعلماء الحديث بحوث مفصلة حول هذه الطرق.

وقد وفقنا الله عز ذكره لجمع أهم ما يرتبط بها من بحوث في كتاب (الطرق الثمان لتحمل الحديث وأدائه) فصلنا في القول عن : حقيقتها ، ووجه الحاجة إليها ، وسبب حصرها في الثمان ، وبحثنا عن شروطها ، وأقسامها ، ورتبة كل طريق ، والدليل على اعتباره ، وما إلى ذلك من شؤون ، ونسأل الله جل اسمه أن يوفقنا لإتمامه وتقديمه إلى المجتمع العلمي.

٢٧٢

وكذلك استفادوا من هذه الطرق ، للتأكد من نقل كل المعارف عبر الأجيال ، والمحافظة على النصوص وتوثيقها ، وحمايتها من التعرض لأشكال التحريف والتصحيف ، سواء المعتمدة كالوضع والتزوير ، أم العارضة لنسيان ، أو غفلة ، أو ذهول.

وتعد هذه المحاولة من أدق طرق التوثيق للنصوص ، وأكثر أساليب الحماية لها ، من بين طرقه المعروفة في الحضارات البشرية ، قديما وحديثا ، بل علماء الإسلام هم المثل في اختراع هذه المحاولة بين علماء سائر الأديان والمذاهب ، بل الحضارات كلها.

(الإجازة) وموقعها بين الطرق الثمان :

وقد كانت (الإجازة) في ترتيب الطرق ، ثالثتها عند الأكثرين ، كما سبق ، وهذا يدل على ما للإجازة من أهمية عندهم ، لأن كونها بعد (السماع) و (القراءة) مباشرة ، وهما أقوى الطرق ، حيث لم يقع اختلاف في حجيتهما واعتبارهما والأكثر تداولا في الرواية ، فلا بد أن تكون (الإجازة) تالية تلوهما وشريكة لهما في وجود عناصر القوة والحجية والتداول ، بما يمكن معه اعتماد هذا الترتيب وهذا الالتزام.

ولذلك ـ أيضا ـ نجد علماء الحديث قد أولوا (الإجازة) اهتماما بليغا ، فبذلوا حولها جهودا كبيرة ، سواء في مجال التطبيق والتداول ، أم في مجال البحث عنها والتأليف حولها (٢) أو في مجال جمع نصوصها ، وتنظيم كتب خاصة

__________________

(٢) لقد تعددت المؤلفات التي تحدثت عن (الإجازة) في التراث الإسلامي ، وقد أسهمنا في ذلك بتأليف كتاب حافل ، في فصول عديدة ، شملت : تاريخ الإجازة ، وحقيقتها ، وفائدتها ، ومشايخها ، وما إلى ذلك ، وقدمنا أمام البحث قائمة بالتراث الذي سبق تأليفه حولها.

٢٧٣

لذكر مشايخها بعناوين ، مثل : (المشيخة) و (الفهرست) و (الثبت) و (المعجم) و (البرنامج) و (الإجازة) وهذا العنوان الأخير أكثرها تداولا في الحواضر العلمية للشيعة الإمامية ، وخاصة في الأعصر الأخيرة (٣).

دور الإجازة العلمي ، قديما وحديثا :

ولقد كانت (الإجازة) تؤدي ذلك الدور العلمي المهم ، بصورة دقيقة ، ومنتظمة ، وواسعة ، إلى جنب طرق التحمل الأخرى ، في أوج نضارة العلم ، عند ازدهار الحضارة الإسلامية المجيدة ، وحتى نهايات القرن السادس.

ولما آلت شمس تلك الحضارة إلى الغروب ، وضعفت الهمم عن اتباع الآثار الحميدة ، وخبت أنوار المعرفة وأضواؤها في المعاهد العلمية والمدارس الدينية ، وتهاوت أعمدة العلم والمكتبات ، كان نصيب تلك الطرق من تلك النكسة الحضارية : قلة الاهتمام ، وعدم التداول ، فلحق الإجازة مثل ما لحق أخواتها من الاهمال ، أو الانحراف عن الأهداف الصحيحة!

ومن الملاحظ ، أنه على الرغم من أن الطرق الأخرى آل أمر أكثرها إلى الهجران والتعطل النهائي ، وإلى الترك المطلق ـ في عصرنا الحاضر ـ فلا نجد لحلقات السماع أثرا ، ولا لمجالس الاملاء ذكرا ، ولا لقراءة الحديث دورا ، فضلا عن المناولة والكتابة وغيرهما من الطرق التي كان الاختلاف واقعا فيها

__________________

(٣) جمع المحدث المغربي محمد عبد الحي الكتاني ، أسماء ما يريد على ١٢٠٠ كتاب مما هو حول أحد هذه العناوين في كتابه (فهرس الفهارس والأثبات) المطبوع ، وبما أنه أغفل ذكر أي واحد من مؤلفات الشيعة الإمامية في هذا المضمار فقد استدركنا عليه بذكر ١١٠ منها ، في مقال بعنوان (فوات فهرس الفهارس والأثبات) نشرناه في هذه المجلة (تراثنا) العدد ٢٩.

وقد جمع شيخنا المحدث اليماني السيد محمد بن حسين الحلال الصنعاني ـ دام عمره ـ في إجازته لنا المسماة ب (الأنوار السنية) أسماء ١٧٧ منها ، وفيها عدد مما يستدرك على الكتاني ، ولا تزال محفوظة.

٢٧٤

منذ البداية.

فعلى الرغم من ذلك ، فإنا نجد (الإجازة) لا تزال تذكر ، بل نجدها تتداول ، وتتعاطى ، ويستعملها ثلة من العلماء ، ويصدرها آخرون ، ويطلبها جماعة ، وتبحث عنها أخرى ، ويناقش فيها البعض.

بل ، لم ينقطع علماء الإسلام من استعمال الإجازة على طول التاريخ ، وإن ماتت الطرق الأخرى ، أو بارت!

وهذا مؤشر كبير إلى أن للإجازة شأنا آخر ، حيث بقيت مقاومة للاندثار والاضمحلال ، ولو بشكلها الحاضر ، البعيد عن واقعها العلمي ، مما يكشف عن وجود مكانة لها في أنظار العلماء!

فلا يزال العلماء حريصين على الاحتفاظ بعملية الإجازة والاستجارة ، ومهتمين بها غاية الاهتمام ، فهم ، بكل فرقهم وانتماءاتهم المذهبية ، ومع اختلاف ألسنتهم ولغاتهم ، ملتزمون بما يسمى (إجازة الحديث).

ومع القطع بأن الإجازة فقدت أهدافها المنشودة من وضعها ، حيث كانت أداة ـ مقبولة ـ لتحمل الحديث وأدائه ، وضبطه والتوثق من نصه ، إلى جانب الطرق الأخرى المؤدية إلى صحة نسبة النص إلى قائله ومؤلفه ، وبلوغه إلى ناقله وراويه ، فإن بالإمكان تحديد أهداف العلماء ـ في العصور المتأخرة ـ من عملية الإجازة بما يلي :

أولا : إن الإجازة ـ بصورتها الحالية ـ تعبير رمزي عما سار عليه العلماء من أجل الحفاظ على العلم ونصوصه ، والتوثق منها ، في عملية التبادل والتعاطي ، بل هي كما عرفنا صورة وحيدة متبقية من الطرق المعتمدة لتحمل الحديث وأدائه.

فيمكن الاستناد إلى سيرتهم المستمرة على عد أصل عملية (الإجازة) أمرا مستحسنا ذا أثر واضح في دعم المعرفة الإسلامية بالتوثق من نصوصها ، والارتباط بمصادرها ، والاتصال بحملتها ، وكل ذلك كان حرصا على استمرار

٢٧٥

الحضارة الإسلامية في الجانب الثقافي.

وثانيا : إن الإجازات المتأخرة ـ وإن فقدت بعض عناصرها الأصلية ـ إلا أنها اعتمدت على احتواء الطرق المؤثرة في معرفة طبقات العلماء ، ونسبة أسماء الكتب المؤثرة في الفهرسة ، والتحقق من الأقوال والآراء المؤثرة في تاريخ العلوم ، ومعرفة الاتفاق ، أو الاجماع ، أو الاختلاف أو الانفراد.

وأما أوضح آثار هذه الإجازات المتأخرة فهي الفوائد التاريخية التي تحتويها من تراجم العلماء ونشاطاتهم العلمية ، وتخصصاتهم وانتماءاتهم ، وأخبارهم ، وما إلى ذلك مما يدخل في فرع الترجمة والبيوغرافية.

ثالثا : إن الإجازة ـ ولو بشكلها الصوري المتداول ـ هي الأوفق بالاحتياط ، عندما يشترط في الفقيه أن تكون الرواية قد بلغته ، ليصح أن يكون (راويا لها) لأن صدق اسم الراوي لا يتم إلا بعد (البلوغ والتحمل).

وبما أن الطرق كلها مفقودة ، ولم يبق إلا (الوجادة) التي هي أضعف الطرق ، مع أن (الوجادة) الفعلية أيضا فاقدة للعناصر المهمة اللازمة فيها ، فيكون اللجوء إلى الإجازة ـ ولو الاسمية ـ أقرب إلى الاحتياط لتحقيق البلوغ ، وصدق الاسم.

وهذا معنى ما يقال : إن فائدة الإجازة ـ في عصرنا ـ هو : الانسلاك والاندراج في سلسلة رواة الحديث.

وبهذا يمكن القول بأن الإجازة ـ ولو بصورتها الفعلية ـ أهم مما قد يتراءى من بعضهم ، حيث عدوها عملية (تبرك وتيمن) فحسب! لأن الفوائد التي عرضناها ، هي التي جعلت العلماء الأعلام يهتمون بأمرها ، ويصرفون أوقاتهم الغالية في تأليفها وجمعها وتنظيمها وإدراجها في أعمالهم وتصانيفهم.

وإذا أعطى أولئك الذين يستهينون بأمر الإجازة ـ ولو بشكلها المتأخر ـ

٢٧٦

النصف من أنفسهم ، لأمكنهم الاقتناع بأن الجهود المبذولة في الإجازة تعد من أغنى فروع المعرفة الإسلامية من حيث التراث والكتب : ثراءا وسعة واهتماما.

فهل يمكن القول ، أو التصور ، بأن كل ذلك الذي قاموا به ، وحصل ، كان لا لثمرة شرعية ، ولا علمية ، ولا من أجل عائدة عملية تعود على الإسلام والأمة ، إلا مجرد التبرك؟!

ولأن الإجازات المتأخرة ، لبعدها عن أهدافها العلمية الأصيلة أصبحت صورية وشكلية ، أدى ذلك بالمحققين من العلماء المتأخرين ، وخاصة المعتمدين للمناهج العقلية ، والمعتادين للتفكير بطريقتها ، إلى أن لا يجدوا ما يقنعهم بضرورتها أو حجيتها ، وقد يصل الأمر عند بعضهم إلى تزييفها ورفضها كليا.

وتعدوا ـ بالاستصحاب العكسي ـ إلى الإجازة في عصرها الأول ، وقد كانت ـ وبلا ريب ـ من الطرق المعتمدة المتسالم عليها ، بل ثالثة الطرق ، كما ذكرنا في بداية هذه الكلمة وقد أشرنا إلى سر الاعتماد عليها وكونها طريقا مقبولة للتحمل والأداء.

فخلط بعض العلماء والباحثين بين الإجازة في عصرها الأول ، وبين الإجازة في حالتها المعاصرة ، وأطلق الحكم عليهما بمعيار واحد ، من دون تمييز للأبعاد والفوائد المترتبة عليها في كلك حالة ، أو أدائها للمراد منها في كل من العصرين!

وهذا أمر يستبعده لزوم التثبت ، والتحقيق ، والدقة ، والنظر إلى الأمر من جوانب وأبعاد متعددة.

وللحديث عن كل هذه الأمور مجال أنسب ، لعلنا نوفق له مستقبلا بعون الله تعالى.

٢٧٧

الإجازة في الأدب الإسلامي :

ولقد فرضت (الإجازة) نفسها على الأدب ، لكونها واحدا مما كثر تداوله وشاع القيام به بين العلماء والذين يمسك كثير منهم بأزمة الأدب (٤) فقد قام من أوتي موهبة الشعر وملك سليقته بنظم الإجازة ، في مقطوعة شعرية جميلة.

بل تكلف بعضهم بنظم ما أراد إسهاما منه في تخليد إجازة شعرية.

فتكون من ذلك نوع جديد من الأدب ، يجمع بين جمال الشعر وروعته ، وبين قيمة العلم وعظمته ، وبين مجد الحديث وقدسيته.

ولقد وجدت في جمع (الإجازات المنظومة) وعرضها إثارة لموضوع (الإجازة) بلغة جميلة ، يستذوقها المتأدبون ، يرتاح لها المحدثون.

كما أن العرض يحتوي على الدلالة الواضحة لتأثير الإجازة في نفوس العلماء ، بحيث كان لها من حبهم وعاطفتهم نصيب كبير هز قرائحهم ودعاهم إلى نظمها!

وقبل أن ننتهي من هذا التقديم ، نود أن نشير إلى أن هناك اصطلاحا يستعمل في باب الشعر من الأدب العربي ، بلفظ (الإجازة) ، وهي كما ذكره الأنصاري : أن تتم مصراع غيرك (٥) ويقال لها : (التمليط) أو (الإملاط) أيضا.

وقال الفيروزآبادي : الإجازة في الشعر ، مخالفة حركات الحرف الذي يلي حرف الروي (٦).

__________________

(٤) إن علماء الإسلام ، لا بد أن يتوفروا على علوم الأدب ، باعتبار أن النصوص الإسلامية المقدسة  ـ كلها ـ هي باللغة العربية ، وفي قمة الأعمال الأدبية ، فالقرآن المصدر الأساسي الأول للمعرفة الإسلامية ، وهو معجزة البلاغة العربية ، وكذلك السنة الشريفة ، وبعد ذلك فإن أكثر التراث الإسلامي مكتوب بهذه اللغة المجيدة ، بل تنافس المتنافسون في تميزها بأجمل محسنات الأدب.

(٥) لسان العرب ٧ / ١٩٥.

(٦) القاموس المحيط ٢ / ١٧٠.

٢٧٨

وبعضهم خص الإجازة ، بأن تكون قافية طاءا ، والأخرى دالا ، وقيل : هذا هو (الاكتفاء) وسماه بعضهم (الإجازة) بالراء المهملة (٧).

ومهما كان أمر هذا المصطلح الشعري ، فإنا لا نبحث عن ذلك هنا ولا نقصده.

بل الذي نقصده هو (إجازة الحديث) ـ التي هي بمعنى الإذن في الرواية تحميلا لها من الشيخ للراوي ، وهي من الطرق الثمان للتحمل والأداء ـ إذا وردت مكتوبة في مقطوعة شعرية موزونة ، سواء في شكل قصيدة ، أو أرجوزة مزدوجة ، والحديث عنها في نظم.

ثم إن جمعنا لها لم يكن عن قصد إليها ، وإنما تم جمع ما وقع في طريق المطالعة أو الصدقة ، فلذلك لا ندعي الاستيعاب لكل ما قيل في ذلك ، ومن المتصور أن تكون مجموعة كبيرة منها قد فاتنا تسجيلها ونقلها هنا ، ولم نجد الفرصة للاستقراء التام لجمعها.

وأما ترتيب هذه المجموعة :

فقد كان من المناسب إيرادها على التسلسل الزمني ، حسب تواريخ صدورها ، أو وفيات المجيزين ، أو المجازين.

وأقدم ما وفقنا عليه هي اللامية التي نظمها محمد بن الجهم السمري ـ من أعلام القرن الثاني ـ ثم اللامية التي نظمها أحمد بن أبي المقدام العجلي (ت ٢٤١) ثم الدالية التي نظمها الرامهرمزي (ت ٣٦٠) ثم ما تلا ذلك.

إلا أن كثيرا منها لم نهتد إلى تاريخ محدد له ، فرأينا من الأفضل أن نرتبها على المتعارف في الدواوين الشعرية من وضعها وفق حروف المعجم في الروي من القافية ، وهو الأسهل تناولا ، والأكثر تداولا.

__________________

وقد فصلنا البحث عن حقيقة هذا المصطلح في كتابنا (إجازة الحديث).

٢٧٩

وأما الأراجيز المزدوجة ، فقد جمعناها في آخر الديوان.

ثم إني ذيلت كل مقطوعة بالمصدر الذي اعتمدته في نقلها ، وفهرست للمصادر وكذلك للأعلام المجيزين ، والمجازين ، تسهيلا للمراجعين.

والحمد لله رب العالمين.

وكتب

السيد محمد رضا الحسيني الجلالي

٢٨٠