تراثنا ـ العددان [ 35 و 36 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 35 و 36 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٨

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم!

ولا يكاد ينقضي العجب من الترمذي إذ أعل حديث ابن عباس بحديث حنش! فقال في كتاب العلل من الجامع الصحيح (١٠٤) : جمع ما في هذا الكتاب ـ يعني سننه ـ فهو معمول به ، وقد أخذ به بعض أهل العلم ما خلا حديثين : حديث ابن عباس أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع بين الظهر والعصر بالمدينة ، والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر ولا مطر ، وحديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : إذا شرب الخمر فاجلدوه ، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه.

قال : وقد بينا علة الحديثين جميعا في الكتاب. انتهى.

لكنه لم يبين في كتاب الصلاة علة لحديث ابن عباس ـ رضوان الله عليه ـ بل ذكر حديثا يعارضه من طريق حنش وضعفه من أجله ، مع أن حديث الجمع صحيح ، وحديث المنع ممنوع ـ كما أقر بذلك ـ فلا معارضة بين الحديثين مع صحة أحدهما وضعف الآخر ـ كما قال المعين بن الأمين السندي الحنفي في (دراسات اللبيب) (١٠٥) ـ.

* ومنها : ما رواه البيهقي في (السنن الكبرى) (١٠٦) عن أبي العالية : أن عمر كتب إلى أبي موسى الأشعري : وأعلم أن جمع ما بين الصلاتين من الكبائر إلا من عذر. انتهى.

قال البيهقي : مرسل ، أبو العالية لم يسمع من عمر ، وتعقبه ابن التركماني الحنفي في (الجوهر النقي) (١٠٧) بأنه صلى خلف عمر.

__________________

(١٠٤) سنن الترمذي ٥ / ٧٣٦ كتاب العلل.

(١٠٥) دراسات اللبيب : ٢٧٦ ط. كراتشي.

(١٠٦) السنن الكبرى ٣ / ١٦٩.

(١٠٧) الجوهر النقي ٣ / ١٦٩.

١٢١

قلت : وذكر الحافظ ابن حجر في (لسان الميزان) (١٠٨) أنه دخل على أبي بكر ، لكن شيئا من ذلك لا يقتضي السماع ـ كما لا يخفى ـ ولقد كان في الصحابة من لقي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يسمع منه ، فليس تعقب ابن التركماني بشئ.

على أن عمر لم يرفعه ، بل روي موقوفا عليه ، فجاز أن يكون من اجتهاده ، وليس يحتفل به ولا يعول عليه في مقابل النصوص المستفيضة الصريحة في فعله وترخيصه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الجمع في الحضر.

فكيف يكون من الكبائر؟!! معاذ الله!

بل فعله الحجة ، وهو القدوة ، ولنا به أسوة ، كما قال الله عزوجل :

(لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا).

ولو تنزلنا ، فالظن بعمر أنه لم يشهد جمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمدينة ولا سمع به ، وابن عباس ـ رضوان الله عليه ـ وغيره من الصحابة قد شهدوا به وأثبتوه ، والمثبت مقدم على النافي.

مع أن قول الصحابي ليس حجة على من سواه إذا عارضه نقل من هو أفقه منه وأضبط فضلا عن فعله ، وما نحن فيه من هذا القبيل ، والله يحق الحق ويهدي السبيل.

وهذا ، ومع قطع النظر عما دل على جواز الجمع بين الصلاتين من الكتاب والسنة ، فإن الأصل يقتضي جوازه ، ولا مانع من جريانه إلا ما قد يتخيل في الحضر ولو من دون عذر ، ومن حظر ذلك لم يبغ الأمة إلا العسر والعنت.

__________________

(١٠٨) لسان الميزان ٧ / ٤٧١.

١٢٢

والنجاة في اتباع هدي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتمسك بسنته والعض عليها بالنواجذ (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريض عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم).

فالدين يسر لا مشقة فيه ولا حرج ، وقد ثبت في السنة الحث على التيسير والنهي عن التشديد جدا.

أخرج الإمام أحمد ، عن الأعرج ، أنه سمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم يقول : إن خير دينكم أيسره ، إن خير دينكم أيسره.

وأخرج البزار ، عن أنس ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : يسروا ولا تعسروا ، وسكنوا ولا تنفروا.

وأخرج أيضا ، عن جابر ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن هذا الدين متين ، فأوغل فيه برفق ، فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى.

وأخرج أحمد ، عن أبي ذر ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : الإسلام ذلول لا يركب إلا ذلولا.

وأخرج الطبراني والبيهقي ، عن سهل بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ، عن أبيه ، عن جده ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : لا تشددوا على أنفسكم ، فإنما هلك من كان قبلكم بتشديدهم على أنفسهم ، وستجدون بقاياهم في الصوامع والديارات (١٠٩).

(ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين)

والحمد لله تعالى حق حمده ،

وصلى الله وسلم على من لا نبي بعد ،

محمد وعلى آله ،

وخيرة صحبه وجنده.

__________________

(١٠٩) الدر المنثور ١ / ١٩٢ ـ ١٩٣.

١٢٣

المصادر

١ ـ إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري ، لشهاب الدين القسطلاني ـ ط. المطبعة الأميرية بمصر ، سنة ١٣٠٥ ه.

٢ ـ إزالة الخطر عمن جمع بين الصلاتين في الحضر ، للعلامة الشيخ أحمد بن محمد بن الصديق الغماري المغربي ـ ط. دار النشر والتأليف ـ مصر ، سنة ١٣٦٩ ه.

٣ ـ بداية المجتهد ونهاية المقتصد ، لابن رشد القرطبي ـ ط. مصر ـ أوفسيت منشورات الشريف الرضي ـ قم.

٤ ـ تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة ، للعلامة الإمام المحدث محمد بن الحسن الحر العاملي ـ تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم‌السلام) لإحياء التراث ـ قم.

٥ ـ تلخيص المستدرك ، للحافظ شمس الدين الذهبي ـ بهامش المستدرك ـ.

٦ ـ تهذيب التهذيب ، للحافظ ابن حجر العسقلاني ، ط. دار إحياء التراث العربي ، سنة ١٤١٢ ه.

٧ ـ الجوهر النقي في الرد على البيهقي ، لعلي بن عثمان المارديني الشهير بابن التركماني ـ مطبوع بهامش سنن البيهقي ـ ط. حيدر آباد ، سنة ١٣٤٤ ه.

٨ ـ حاشية السندي على النسائي ـ بهامش سنن النسائي.

٩ ـ حلية الأولياء ، لأبي نعيم الأصبهاني ـ ط. مطبعة السعادة بمصر ، سنة ١٣٥١ ه.

١٠ ـ دراسات اللبيب في الأسوة الحسنة بالحبيب ، لمحمد معين السندي ـ ط. كراتشي.

١١ ـ الدر المنثور في التفسير بالمأثور ، للحافظ جلال الدين السيوطي ـ ط. الميمنية ، سنة ١٣١٤ ه.

١٢ ـ ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة ، للإمام الفقيه الشهيد محمد بن مكي العاملي ـ الطبعة الحجرية.

١٢٤

١٣ ـ رسالة الاجتماع والافتراق ، لتقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي ، بتحقيق محمد زاهد الكوثري ـ ط. مطبعة الترقي ، دمشق ، سنة ١٣٤٧ ه.

١٤ ـ روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني (تفسير الآلوسي) ، لشهاب الدين الآلوسي ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

١٥ ـ الروضة الندية في شرح الدرر البهية ، لصديق بن حسن بن علي القنوجي البخاري.

١٦ ـ زاد المعاد في هدي خير العباد ، لشمس الدين ابن قيم الجوزية ـ ط.

١٧ ـ سبل السلام ـ شرح بلوغ المرام ، لمحمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني اليمني ـ ط. دار المعرفة بيروت.

١٨ ـ سنن أبي داود السجستاني ـ تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ـ دار إحياء السنة النبوية ـ القاهرة.

١٩ ـ سنن الترمذي (الجامع الصحيح) ، لمحمد بن سورة الترمذي ، ط. مصر ، بتحقيق أحمد بن شاكر.

٢٠ ـ السنن الكبرى ، للبيهقي ، ط. حيدر آباد سنة ١٣٤٤ ه.

٢١ ـ سنن النسائي ـ ط. دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

٢٢ ـ شرح تراجم أبواب البخاري ، لولي الله الدهلوي ، ط. كراتشي.

٢٣ ـ شرح صحيح مسلم ، للنووي ، المطبوع بهامش إرشاد الساري ـ ط. المطبعة الأميرية بمصر ، سنة ١٣٠٥ ه.

٢٤ ـ شرح معاني الآثار ، لأبي جعفر الطحاوي ـ ط.

٢٥ ـ شرح الموطأ ، للزرقاني ، ط.

٢٦ ـ صحيح البخاري ، ـ ط. دار الجيل ـ بيروت ، بتحقيق أحمد محمد شاكر.

٢٧ ـ صحيح مسلم ، ط. مطبعة محمد على صبيح ـ القاهرة.

٢٨ ـ العروة الوثقى ، للفقيه السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي.

٢٩ ـ عون المعبود ، شرح سنن أبي داود ، لأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي ـ ط. الهند.

٣٠ ـ غرائب القرآن ورغائب الفرقان (تفسير النيسابوري) المطبوع بهامش تفسير

١٢٥

الطبري ، للحسن بن محمد النيسابوري ـ ط. المطبعة الأميرية بمصر ، سنة ١٣٢٨ ه.

٣١ ـ فتح الباري بشرح صحيح البخاري ، للحافظ ابن حجر العسقلاني ـ ط. دار الريان للتراث ـ مصر ، سنة ١٤٠٧ ه.

٣٢ ـ فتح العلام ـ شرح بلوغ المرام ، لصديق بن حسن بن علي القنوجي البخاري ـ ط. المطبعة الأميرية بمصر.

٣٣ ـ فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت ، لمحمد بن نظام الدين الأنصاري ـ المطبوع بهامش المستصفى ـ ط. المطبعة الأميرية بمصر ، سنة ١٣٢٥ ه.

٣٤ ـ فيض القدير ، شرح الجامع الصغير ، لعبد الرؤوف المناوي ـ ط. مصر ، سند ١٣٥٧ ه.

٣٥ ـ قرة العين في الجمع بين الصلاتين ، لحامد بن حسن شاكر الصنعاني ـ ط. القاهر ، سنة ١٣٤٨ ه.

٣٦ ـ كفاية الأخبار في حل غاية الاختصار ، لأبي بكر بن محمد الحصني الدمشقي الشافعي ـ أوفسيت دار الذخائر للمطبوعات ـ قم.

٣٧ ـ كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال ، لعلي بن حسام الدين المتقي الهندي ـ ط. حيدر آباد ، سنة ١٣١٢ ه.

٣٨ ـ لسان الميزان ، للحافظ ابن حجر العسقلاني ـ ط. حيدر آباد ، سنة ١٣٣١ ه.

٣٩ ـ المراجعات ، للسيد عبد الحسين شرف الدين العاملي ـ ط. مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

٤٠ ـ مرقاة المفاتيح لمشكاة المصابيح ، لعلي بن سلطان محمد الهروي القاري ـ ط. الميمنية ، سنة ١٣٠٩ ه.

٤١ ـ ميزان الاعتدال في نقد الرجال ، للحافظ شمس الدين الذهبي.

٤٢ ـ المستدرك على الصحيحين ، للحاكم النيسابوري ـ ط. حيدر آباد ، سنة ١٣٤٤ ه.

٤٣ ـ مسلم الثبوت ، لمحب الله بن عبد الشكور البهاري ـ المطبوع مع شرحه بهامش المستصفى ـ ط. المطبعة الأميرية بمصر ، سنة ١٣٢٥ ه.

٤٤ ـ مسائل فقهية خلافية ، للسيد عبد الحسين شرف الدين العاملي ـ ط.

١٢٦

٤٥ ـ المسائل النفيسة ، للسيد محمد هادي الخراساني الحائري ـ ط. مطبعة النجاح ـ بغداد.

٤٦ ـ مسند الإمام أحمد بن حنبل ـ ط. الميمنية ، سنة ١٣١٣ ه.

٤٧ ـ مسند أبي داود الطيالسي ـ ط. حيدر آباد ، سنة ١٣٢١ ه.

٤٨ ـ معالم السنن ـ شرح سنن أبي داود ، للخطابي ـ ط. المطبعة العلمية ـ حلب.

٤٩ ـ المعجم الأوسط ، للطبراني ـ ط.

٥٠ ـ مفاتيح الغيب (تفسير الرازي) لفخر الدين الرازي ـ ط.

٥١ ـ الموطأ ـ لمالك بن أنس الأصبحي ـ ط.

٥٢ ـ نيل الأوطار ، شرح منتقى الأخبار ، لمحمد بن علي الشوكاني ، ط. مكتبة مصطفى البابي الحلبي ، سنة ١٣٩١ ه.

١٢٧

تشييد المراجعات

وتفنيد المكابرات

(١)

السيد علي الحسيني الميلاني

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين.

وبعد :

فهذه بحوث وضعتها تشييدا للمراجعات ، بتوضيح أو تعليق أو تذييل ، وتفنيدا لما يكون حولها من مكابرات ، عن تعصب أو جهل أو تضليل ، والله أسأل أن ينفع بها كما نفع بأصلها ، وأن يجعلها وسيلة لهداية من كان أهلا لها ، إنه سميع مجيب.

١٢٨

تمهيد :

لا ريب في أن البحث وتبادل الآراء خير طريق لتبيين الواقع ، وكشف الحقيقة ، وتنوير الفكر ، ونشر العقيدة ... وقد كان السنة الجارية لدى الأنبياء والأولياء وسائر المصلحين والعقلاء ... وله أصول وقواعد وآداب ، كانوا ولا يزالون يلتزمون بها ويمشون عليها في كافة مجالات المناظرة والجدل.

وإن من أولى تلك القواعد والأصول ـ بعد رعاية الأدب واجتناب الهوى والتعصب ـ هو التكلم على ضوء الأدلة المقبولة عند الطرفين ، واستدلال كل منهما بما ورد عند الطرف المقابل وما جاء عن طريقه وكان مقبولا لديه ... لأن هذا أقوى حجة على الخصم ، وأمتن استدلالا في العقل السليم والمنطق الصحيح.

ولقد دأب علماؤنا الأعلام منذ قديم الأيام على اتباع هذا الأسلوب في مؤلفاتهم ومناظراتهم ، كما لا يخفى على الباحث الخبير ، وكان ذلك من أهم عوامل تقدم المذهب الحق وإقبال الأمم عليه ، كما كان من أهم أسباب عجز الآخرين عن الجواب والرد ، فما كان منهم إلا التسليم والإذعان ، أو الكذب والشتم والبهتان.

لينظر المنصف إلى استدلالات مشايخ الطائفة وأساطين المذهب ، كالشيخ المفيد البغدادي ، والسيد المرتضى الموسوي ، والشيخ الطوسي ، والعلامة الحلي ... ونظرائهم ... ليجد صدق النية ، ونزاهة البحث ، ومتانة الاحتجاج القائم على الأسس القويمة من الكتاب العزيز ، والسنة الثابتة ، والعقل السليم ...

وكانت هذه طريقة السيد شرف الدين في آثاره الخالدة ...

١٢٩

شخصية السيد شرف الدين :

وهو ـ كما هو معروف ـ علم من أعلام الأمة ، ومن كبار المجتهدين الأفذاذ ، كما تشهد بذلك آثاره في الفقه والأصول وغيرهما.

وبطل من أبطال العلم ، المرجوع إليهم في المسائل المختلفة في شتى العلوم الإسلامية ... من الفقه والأصول والتفسير والحديث والكلام ...

وزعم من زعماء الاصلاح في المجتمع الإسلامي ، كما تشهد بذلك مشاريعه الثقافية ومؤسساته الاجتماعية ، من مدارس وجوامع ...

وقائد من قواد النضال والكفاح ضد الاستعمار الأجنبي ، حتى أنه شرد عن وطنه بأهله وذويه ، ثم تفرقوا في البلدان ، ونزل هو دمشق ففلسطين فمصر ، وصودر ثقله ، وأحرقت مكتبته ، في قضايا مفصلة سجلها له التاريخ.

وأما آثاره فكثيرة ... لها المكانة المرموقة بين آثار علمائنا الأعلام في العصر الحاضر ، جمعت الدقة في البيان إلى المتانة في الأسلوب والاستيعاب الشامل ، فما تطرق إلى مسألة إلا وأشبعها بحثا وتحقيقا ، وما تعرض لمشكلة إلا وعالجها العلاج الناجع التام.

وتتجلى عظمته وإحاطته في مؤلفاته في المسائل الخلافية ، وفي تحقيقاته التاريخية والرجالية ، وفي ما كتبه في الدفاع عن الإسلام ومذهب أهل البيت عليهم‌السلام.

وقد وقوبل هذا المحقق العظيم بما قوبل به أسلافه ، فأكثر المسلمين يقدرون جهوده ، ويقرأون كتبه ، ويشكرون أياديه ، ويثمنون مساعيه ، حتى طبعت كتبه عشرات المرات ، وترجمت إلى شتى اللغات ... وأقبلت عليها الجماهير من جميع الجهات. ومن الناس من لا يتحمل رواج تلك الكتب غير القابلة للرد ، وتأثيرها في القلوب المستعدة للهداية والرشاد ، فحاولوا إطفاء ذلك النور بالسب والشتم والكذب والزور ...

١٣٠

أشهر مؤلفاته :

ومن أشهر كتبه القيمة الجامعة بين الموضوعية والدقة ، والأناقة والرقة ، والعمق والرفعة :

كتاب أبو هريرة : وهو كتاب فريد في بابه ، تناول أبا هريرة الدوسي وأحاديثه الكثيرة المروية في كتابي البخاري ومسلم وغيرهما من أسفار أهل السنة ، بالبحث والتحقيق الموضوعي. وقد أثار بعض كتاب القوم ضجة شديدة حوله ، لأنه في الحقيقة ينسف أهم أسسهم في الأصول والفروع ، أعني الأمرين المشهورين للذين لا أصل لهما ـ وكم من مشهور لا أصل له ـ وهما : مسألة عدالة الصحابة أجمعين ، ومسألة صحة أحاديث كتابي البخاري ومسلم ، الموسومين بالصحيحين.

وكتاب النص والاجتهاد : وهو كتاب فقهي ، أصولي ، حديثي ، كلامي ، تاريخي ... جمع فيه موارد كثيرة من مفارقات ومعارضات جماعة من الصحابة ـ الذين يقتدي بهم أهل السنة في الأصول والفروع ـ للكتاب والسنة الثابتة ، معتمدا على أوثق كتب القوم وأهم مصادرهم.

وكتاب الفصول المهمة في تأليف الأمة : وهو كتاب جليل من أحسن الكتب الكلامية ، استعرض فيه بعض المسائل الخلافية بين الشيعة والسنة ، موضحا أن السنة هم الذين خالفوا في معتقداتهم ما تقتضيه الأدلة ويقرره الكتاب والسنة ، وأنه إذا ما رجعوا إلى الله والرسول ، ونبذوا أتباع غير من أمروا بأتباعه ، عادت الأمة إلى الوئام واتفقت كلمة أهل الإسلام.

وكتاب المراجعات : فقد كانت للسيد ـ رحمه‌الله ـ في سنة ١٣٢٩ ه رحلة علمية إلى مصر ، اجتمع خلالها برجالات العلم ، وأصحاب الفضيلة في تلك الديار ، وعقدت بينه وبين شيخ الأزهر يومذاك الشيخ سليم البشري المالكي اجتماعات متوالية ، تداولا فيها جوانب الحديث في أمهات المسائل

١٣١

الدينية ، وكان من نتاجها (المراجعات) وطبعت سنة ١٣٥٥ ه.

كلام السيد في مقدمة المراجعات :

ويقول السيد في مقدمة هذا الكتاب :

(هذه صحف لم تكتب اليوم ، وفكر لم تولد حديثا ، وإنما هي صحف انتظمت منذ زمن يربو على ربع قرن ، وكادت يومئذ أن تبرز بروزها اليوم ، لكن الحوادث والكوارث كانت حواجز قوية عرقلت خطاها ...

أما فكرة الكتاب فقد سبقت مراجعاته سبقا بعيدا ، إذ كانت تلتمع في صدري منذ شرخ الشباب ، التماع البرق في طيات السحاب ، وتغلي في دمي غليان الغيرة ، تتطلع إلى سبيل سوي يوقف المسلمين على حد يقطع دابر الشغب بينهم ...

ضقت ذرعا بهذا ، وامتلأت بحمله هما ، فهبطت مصر أواخر سنة ١٣٢٩ مؤملا في (نيله) نيل الأمنية التي أنشدها ، وكنت ألهمت أني موفق لبعض ما أريد ...

وهناك ـ على نعمى الحال ، ورخاء البال ، وابتهاج النفس ـ جمعني الحظ السعيد بعلم من أعلامها البارزين ، بعقل واسع ، وخلق وادع ، وفؤاد حي ، وعلم عيلم ، ومنزل رفيع ، يتبوأه بزعامته الدينية ، بحق وأهلية ...

فكان مما اتفقنا عليه ... أن أعظم وقع بين الأمة : اختلافهم في الإمامة ...

ولو أن كلا من الطائفتين نظرت في بينات الأخرى ـ نظر المتفاهم لا نظر الساخط المخاصم ـ لحصحص الحق وظهر الصبح لذي عينين.

وقد فرضنا على أنفسنا أن نعالج هذا المسألة ، بالنظر في أدلة الطائفتين ، فنفهمها فهما صحيحا ، من حيث لا نحس إحساسنا المجلوب من المحيط والعادة والتقليد ، بل نتعرى من كل ما يحوطنا من العواطف والعصبيات ، ونقصد الحقيقة من طريقها المجمع على صحته ، فنلمسها لمسا ، فلعل ذلك يلفت

١٣٢

أذهان المسلمين ، ويبعث الطمأنينة في نفوسهم بما يتحرر ويتقرر عندنا من الحق ، فيكون حدا ينتهي إليه إن شاء الله تعالى.

لذلك قررنا أن يتقدم هو بالسؤال خطا عما يريد ، فأقدم له الجواب بخطي ، على الشروط الصحيحة ، مؤيدا بالعقل أو بالنقل الصحيح عند الفريقين.

وجرت بتوفيق الله عزوجل على هذا مراجعاتنا كلها ، وكنا أردنا يومئذ طبعها لنتمتع بنتيجة عملنا الخالص لوجه الله عزوجل ، لكن الأيام الجائرة ، والأقدار الغالبة اجتاحت العزم على ذلك ، ولعل الذي أبطأ عني هو خير لي.

وأنا لا أدعي أن هذه الصحف تقتصر على النصوص التي تألفت يومئذ بيننا ، ولا أن شيئا من ألفاظ هذه المراجعات خطه غير قلمي ، فإن الحوادث التي أخرت طبعها فرقت وضعها أيضا كما قلنا.

غير أن المحاكمات في المسائل التي جرت بيننا موجودة بين هاتين الدفتين بحذافيرها ، مع زيادات اقتضتها الحال ، ودعا إليها النصح والإرشاد ، وربما جر إليها السياق على نحو لا يخل بما كان بيننا من الاتفاق).

أقول :

والنقاط الأساسية في هذه المقدمة هي :

١ ـ إن هذه المراجعات وقعت بين السيد والشيخ ، وأنهما قررا أن يتقدم الشيخ بالسؤال خطا عما يريد ، فيقدم له السيد الجواب بخطه ، على الشروط الصحيحة المقررة بينهما.

٢ ـ إن هذه المراجعات كانت معدة للطبع يومذاك ، وكادت أن تبرز بروزها اليوم ، لكن الحوادث والكوارث هي التي حجزت عن ذلك.

٣ ـ إن الحوادث التي أخرت طبع هذه المراجعات فرقت وضعها أيضا ، فألفاظها كلها بقلم السيد ، حاكية للمحاكمات التي جرت بينه وبين الشيخ

١٣٣

بحذافيرها.

وذكر قدس‌سره سفره إلى مصر بترجمته لنفسه حين شرح أسفاره : (في مصر :

... كنت أحب ـ فيما أحب ـ أن أزور مصر وأقف على أعلامها لأخذ العلم عنهم ، ولأبلو ما يبلغني عن الجامع الأزهر ذلك المعهد الجليل. وظلت هذه الأمنية كامنة في نفسي حتى حفزها خالي المرحوم السيد محمد حسين في أواخر سنة ١٣٢٩ ، حين زارنا في عاملة ...

وقد بدأت هذه الجولة بالحضور في دورة الشيخ سليم البشري المالكي ـ شيخ الأزهر يومذاك ـ وكان يشرف على طلابه من منبره وهو منطلق في درسه انطلاقا يلحظ فيه توفره وضلاعته فيما هو فيه. وكان يلقي درسا في مسند الإمام الشافعي ... حضرت درسه لأول مرة ... وعرض لي أثناء الدرس ما يوجب المناقشة فناقشته ، ثم علمت بعدئذ أن المناقشة وقت المحاضرة ليست من الدراسة الأزهرية ، فكنت بعدها أفضي إليه بعد الدرس بما عندي من المسائل الجديرة بالبحث والمذاكرة.

وقد كانت مناقشتي الأولى ـ في كل حال ـ سببا في اتصال المودة بيني وبينه ، وسبيلا إلى الاحترام المتبادل ، ثم طالت الاجتماعات بيننا ، وتشاجنت الأحاديث وتشعب البحث بما سجلناه في كتابنا : المراجعات. ولو لم يكن من آثار هذه الزيارة إلا هذا الكتاب لكانت جديرة بأن تكون خالدة الأثر في حياتي على الأقل.

ولعل الكتاب يصور بعض الأجواء العلمية التي تفيأناها يومئذ مطلقين في آفاقها ، منطلقين من القيود الكثيرة التي كانت توثق الأفكار آنذاك برجعيات يضيق صدرها حتى بالمناقشة البريئة والتفكير الصحيح.

ومهما يكن من أمر ، فقد نعمنا بمصر في خدمة هذا الشيخ ، واتصلنا بغيره من أعلام مصر المبرزين ، إذ زارونا وزرناهم ، أخص منهم العلامتين :

١٣٤

الشيخ محمد السملوطي والشيخ محمد بخيت. وقد نجمت هذه الاجتماعات الكريمة عن فوائد جمة ...

وعلى كل حال ، فقد غادرت مصر وأنا أحن إليها ، وأتزيد من اللبث فيها ، ولم أغادرها قبل أن يتحفني أعلامها الثلاثة ـ البشري بخيت والسملوطي ـ بإجازات مفصلة عامة عن مشايخهم أجمع ، بطرقهم كلها المتصلة بجميع أرباب الكتب والمصنفات من أهل المذاهب الأربعة وغيرهم ، في جميع العلوم ، عقلية ونقلية ، ولا سيما الصحاح الستة وموطأ مالك ومسند أحمد ومستدرك الحاكم ، وسائر المسانيد ، وكتب تفسير والكلام والفقه ، وبقية العلوم الإسلامية مطلقا.

وممن نعمنا بخدمته في مصر ، وتبادلنا معه الزيارات ، وكانت بيننا وبينه محاضرات ومناظرات ، في مسائل فقهية وأصولية وكلامية ، دلت على غزارة فضله ورسوخ قدمه في العلم والفضيلة : شيخنا الشيخ محمد عبد الحي ابن الشيخ عبد الكريم الكتاني الإدريسي الفاسي. وقد أجازني أيضا إجازة عامة وسعت طرقي في الرواية والحديث.

واطردت المراسلة بعد العودة إلى البلاد بيني وبين شيخنا البشري زمنا ، ثم طغت عليها الشواغل وكوارث الحرب العامة الأولى (١).

وكان رجوعنا من مصر في جمادى الأولى سنة ١٣٣٠) (٢).

وقال شارحا قصة (المراجعات) حين ذكر مؤلفاته :

(كتاب المراجعات ، أو : المناظرات الأزهرية والمباحثات المصرية. مجلد واحد ، يثبت رأي الإمامية في الإمامة والخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ألفناه في مصر ، إذ أتيناها سنة ١٣٢٩ ، فجمعنا الحظ السعيد

__________________

(١) أعلنت الحرب العالمية الأولى سنة ١٣٣٢ ه ، أي بعد رجوعه بسنتين فقط.

(٢) بغية الراغبين ٢ / ١٩٩.

١٣٥

بإمامها الوحيد : الشيخ سليم البشري المالكي ، شيخ الجامع الأزهر في ذلك العهد ، حضرت درسه ، وأخذت عنه علما جما ، وكان عيلم علم ، وعلم حلم ، وكنت أختلف إلى منزله أخلو به في البحث عما لا يسعنا البحث عنه إلا في الخلوات ، وكان جل بحثنا هذا في الإمامة ، التي ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سل عليها ، وقد فرضنا على أنفسنا أن نمعن النظر في البحث عن أدلتها ، متجردين من كل عاطفة سوى انتجاع الحقيقة والوصول إلى من طريقها المجمع على صحته.

وعلى هذا جرت مناظراتنا ومراجعاتنا ، وكانت خطية تبادلنا بها المراسلة إبراما ونقضا ، فجئته بالحجج الساطعة لا تترك خليجة ولا تدع وليجة ، فقابلها بالذود عن حياضها ، لا يألو في ذلك جهدا ولا يدخر وسعا. لكن الله عزوجل بهدايته وتوفيقه يسر لي ـ وله الحمد ـ درء كل شبهة ودحض كل إشكال ، حتى ظهر الصبح لذي عينين ...

وكنت أردت يومئذ طبع تلك المراجعات ، وهي ١١٢ مراجعة ، لكن الأقدار الغالبة أرجأت ذلك ، فلما نكبنا في حوادث سنة ١٣٣٨ ـ كما سنفصله في محله ـ انتهبت مع سائر مؤلفاتي يوم صيح نهبا في دورنا.

وما أن فرج الله تعالى عنا ـ بفضله وكرمه ـ حتى استأنفت مضامينها بجميع مباحثاتها التي دارت بيننا ، فإذا هي بحذافيرها مدونة بين دفتي الكتاب ، مع زيادات لا تخل بما كان بيننا من المحاكمات ، على ما أوضحناه في مقدمة الكتاب ، والحمد لله ـ باعث من في القبور ـ على بعث هذا السفر النافع ونشره) (٣).

__________________

(٣) بغية الراغبين في سلسة آل شرف الدين ٢ / ٩٨. في ذكر مؤلفاته.

١٣٦

إهداء السيد كتاب المراجعات :

ثم إن السيد ـ رحمه‌الله ـ يهدي كتابه قائلا :

(وإني لأهدي كتابي هذا إلى أولي الألباب ، من كل علامة محقق ، وبحاثة مدقق ، لابس الحياة العلمية فمحص حقائقها ، ومن كل حافظ محدث جهبذ حجة في السنن والآثار ، وكل فيلسوف متضلع في علم الكلام ، وكل شاب حي مثقف حر قد تحلل من القيود وتملص من الأغلال ، ممن نؤملهم للحياة الجديدة والحرة.

فإن تقبله كل هؤلاء واستشعروا منه فائدة في أنفسهم ، فإني على خير وسعادة).

رجاء السيد من القراء :

وذكر السيد كتاب (المراجعات) في المورد الأول من كتاب (النص والاجتهاد) فقال :

(ومن أراد التفصيل فعليه بكتابنا (المراجعات) إذ استقصينا البحث ثمة عن تلك النصوص ، وعن كل ما هو حولها مما يقوله الفريقان في هذا الموضوع ، تبادلنا ذلك مع شيخنا شيخ الإسلام ، ومربي العلماء الأعلام ، الشيخ سليم البشري المالكي ، شيخ الجامع الأزهر يومئذ ، رحمه‌الله تعالى ، أيام كنا في خدمته ، وكان إذ ذاك شيخ الأزهر ، فعني بي عنايته بحملة العلم عنه ، وجرت بيننا وبينه حول الخلافة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونصوصها مناظرات ومراجعات خطية ، بذلنا الوسع فيها إيغالا في البحث والتمحيص ، وإمعانا فيما يوجبه الإنصاف والاعتراف بالحق ، فكانت تلك المراجعات ـ بيمن نقيبة الشيخ ـ سفرا من أنفع أسفار الحق ، يتجلى فيها الهدى بأجلى مظاهره ، والحمد لله على التوفيق.

١٣٧

وها هي تلك منتشرة في طول البلاد وعرضها ، تدعو إلى المناظرة بصدر شرحه الله للبحث ، وقلب واع لما يقوله الفريقان ، ورأي جميع ، ولب رصين ، فلا تفوتنكم أيها الباحثون.

نعم ، لي رجاء أنيطه بكم فلا تخيبوه ، أمعنوا في أهداف النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومراميه في أقواله وأفعاله ، التي هي محل البحث بيننا وبين الجمهور ، ولا تغلبنكم العاطفة على أفهامكم وعقولكم ، كالذين عاملوها معاملة المجمل أو المتشابه من القول ، لا يأبهون بشئ من صحتها ، ولا من صراحتها ، والله تعالى يقول : (إنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين * وما صاحبكم بمجنون) (فأين تذهبون) أيها المسلمون (إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى)» (٤).

أقول :

لقد حقق أبناء الأمة الإسلامية رجاء السيد رحمه‌الله ، وتقبله الذين أهدى إليهم المراجعات بقبول حسن ، وأقبلوا عليها خير إقبال ، واستضاء بنورها الكثير منهم ، ورجعوا ببركتها إلى الأصل الديني المفروض عليهم.

وها هي ـ ولا تزال ـ منتشرة في طول البلاد وعرضها ، تدعو إلى المناظرة بصدر رحب شرحه الله للبحث ، كل طالب للحق ، باحث عن الحقيقة ، يريد الخير والصلاح والفلاح لنفسه وللأمة.

لكن (السنة) التي رسمها ابن تيمية في (منهاجه) لها أتباع في كل زمان ، تعلموا منه منطق السب والشتم والبهتان ـ وإن خالفوها في بعض الجهات ، وفي بعض الأحيان ـ (٥) ولم نجد في كلامهم ـ هنا ـ كلمة تستحق الاصغاء والذكر ،

__________________

(٤) النص والاجتهاد ـ الطبعة الثانية ـ : ٥٤.

(٥) أعتقد أنه لو كان ابن تيمية في هذا العصر ، وانبرى للجواب عن (المراجعات) لأنكر قبل كل شئ سفر السيد إلى مصر! والتقائه بالشيخ هناك! بل أنكر وجود السيد والشيخ في هذا العالم!

١٣٨

إلا كلمة واحدة ، وهي : ما هي الحوادث والكوارث التي حالت دون نشر المراجعات في حياة الشيخ؟ لماذا لم يذكر السيد منها ولو واحدة؟ وهذا سؤال وجيه ، ولكن ليتهم طرحوه بأدب ووقار ...

قال قائل منهم :

يقول قائلهم مفتتحا ما كتبه بعد البسملة والحمدلة :

(وبعد ، يعتبر كتاب المراجعات من أهم كتب الرافضة التي عرض فيها مؤلفه : عبد الحسين الموسوي ، مذهبه مذهب الرفض ، بصورة توهم الكثير من أهل السنة بصدق ما جاء فيها ، لا سيما أولئك الذين لم يسبق لهم معرفة عقيدة الرافضة وأصولهم ، وأساليبهم الخبيثة الماكرة ، والتي ترتكز على الأدلة الكاذبة الموضوعة ، والتلاعب بالأدلة الصحيحة ، سواء بالزيادة فيها أو الانقاص منها ، أو بتحميلها من المعاني ما لا تحتمله ، كل هذا يفعلون نصرة لمذهبهم ، وتأييدا لباطلهم. وهذا ما درج عليه الموسوي في كتابه (المراجعات).

ولما كانت هذه المراجعات لا أصل لها من الصحة ، بل هي محض كذب وافتراء ، ولما مر على ظهور هذا الكتاب قرابة الثلاثين عاما (٦) ، ولم نجد أحدا من علماء السنة قد رد على هذه المراجعات المكذوبة جملة وتفصيلا.

ولما كان هذا الكتاب قد أثر في بسطاء المسلمين وعامتهم ، جهلا منهم بعقيدة الرافضة وأصولهم المخالفة لأصول الإسلام الثابتة في الكتاب والسنة الصحيحة ، وظنا منهم بصدق هذه المراجعات ، غير مدركين تدليس وكذب صاحبها ، حيث أظهر موافقة شيخ الأزهر على كل ما عرضه من أدلة مكذوبة ، وفي الوقت نفسه لم يجدوا من يكشف لهم كذب هذه المراجعات ، ويبين لهم

__________________

ووجود مصر على وجه الأرض!

(٦) المراجعات طبعت عام ١٣٥٥ ه ، فقد مر على ظهورها حتى تاريخ ما كتبه هذا الرجل ـ وهو سنة ١٤٠٦ ه ـ قرابة الخمسين عاما.

١٣٩

ما اشتملت عليه من زيغ وضلال.

ولما كان تحذير المسلمين من عدوهم ، وفضح كل الطوائف والفرق الخارجة على الإسلام أمرا واجبا على كل داعية ، بل هو من أعظم القربات إلى الله حتى يميزوا الخبيث من الطيب ، ويبينوا سبيل المجرمين.

لهذا كله نرى أنفسنا مضطرين لرد على كتاب المراجعات ، سائلين الله أن يجعل هذا خالصا لوجهه ، ودفاعا عن أوليائه ، ونصرة لدينه ، وغيرة على سنة نبيه).

أقول :

أولا : إننا عندما ننقل هذه المراجعات نرجو المعذرة من كل مسلم غيور متأدب بآداب الإسلام ، بل من كل إنسان متخلق بالأخلاق الفاضلة ، وخاصة من سيدنا (شرف الدين) قدس الله نفسه ، فإننا إنما أوردناها :

١ ـ ليتضح أن الذين يعادون الشيعة ، والتشيع إنما يعادون المسلمين والإسلام ، ولا يفرقون في الطعن بين أهل السنة وبين الشيعة ، وذلك لأن هذا الأسلوب من الكلام يشوه سمعة الدين والإسلام ، لدى أبناء الأديان الأخرى ، إذ يتوقعون أن هذا هو الخلق الإسلامي المحمدي ، وأن المسلمين ـ سواء الشيعة أو السنة ـ بمعزل عن الآداب الإنسانية والأخلاق الفاضلة.

على أنه ـ في نفس الوقت الذي يتهجم فيه على الشيعة ـ يطعن في علماء مذهبه ، وينسبهم إلى التهاون في أمر الدين والدفاع عن أولياء الله وسنة الرسول ، إذ لم يردوا على هذا الكتاب الذي أثر في بسطاء المسلمين وعامتهم ـ على حد تعبيره ـ ولم يكشفوا لهم كذب هذه المراجعات! كما قال ...

فهؤلاء ـ في الواقع ـ أناس يريدون الوقيعة بين المسلمين ، وإيجاد التباغض بينهم ، وضرب بعضهم ببعض ، حتى يكون الأعداء في راحة ... فكونوا على حذر من هؤلاء ، وانتبهوا أيها المسلمون!!

١٤٠