الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني
المحقق: يوسف الشيخ محمّد البقاعي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨
فقال له العادل : هذا الضمير الذي في البيت الأول على ما ذا يعود؟ قال : بحسب مكارم السلطان ، إن شئت على الدراهم ، وإن شئت على الدنانير! فضحك وقال : هات كيسك ، فأخرج له كيسا يسع قدر مائة دينار ، فملأه له ، وقال : أظنه كان معدّا عندك ، فقال : مثل السلطان من يكون جوده مظنونا.
وكتب إليه مرة وقد أملق (١) : [بحر الكامل]
انظر إليّ بعين جودك مرة |
|
فلعلّ محروم المطالب يرزق |
طير الرجاء على علاك محلّق |
|
وأظنّه سيعود وهو مخلق |
فأعطاه جملة دنانير ، وقال له : اشتر بهذه ما تخلق به طير رجائك ، انتهى.
وأنشد ابن سعيد رحمه الله تعالى لبعض المغاربة ، وهو أبو الحسن علي بن مروان الرباطي (٢) الكاتب : [بحر الخفيف]
أنس أخي الفضل كتاب أنيق |
|
أو صاحب يعنى بود وثيق |
فإن تعره دون رهن به |
|
تخسره أو تخسر وداد الصديق |
وربّما تخسر هذا وذا |
|
فاسمع رعاك الله نصح الشفيق |
قال : وأجابه المخاطب بهذه الأبيات ، وهو ابن الرّبيب ، بنثر نصه : مثلك يفيد تجربة قد نفق عليها عمر ، وضل عن فوائدها غرّ غمر ، وقد أنفذت رهنا لا يسمح بإخراجه من اليد إلا ليدك ، فتفضل بتوجيه الجزء الأول ، فأنا أعلم أنه عندك مثل ولدك ، قال : فوجهه ومعه بطاقة صغيرة فيها : يا أخي ، إن عرضت بولدي فكذلك كنت مع والدي وقد توارثنا العقوق كابرا عن كابر ، فكن شاكرا فإني صابر.
ثم قال ابن سعيد : وتفاقم أمر ولده فقيّده بقيد حديد وقال فيه : [بحر السريع]
لي ولد يا ليته |
|
لم يك عندي يخلق |
يجهد في كل الذي |
|
يرغم وهو يعشق |
وإن أكن قيّدته |
|
دمعي عليه مطلق |
وذكر ابن سعيد أن الكاتب أبا الحسن المذكور كان كثيرا ما يستعير الكتب ، فإذا طلبت
__________________
(١) أملق : افتقر.
(٢) في ب : «الزناطي».
منه فكأنها ما كانت ، فذكر لبعض أصحابه ـ وهو ابن الربيب المؤرخ ـ أن عنده نسخة جليلة من تاريخ عريب الذي لخص فيه تاريخ الطبري واستدرك عليه ما هو من شرطه وذيل ما حدث بعده ، فأرسل إليه في استعارتها ، فكتب إليه : يا أخي ، سدّد الله آراءك ، وجعل عقلك أمامك لا وراءك ، ما يلزمني من كونك مضيّعا أن أكون كذلك ، والنسخة التي رمت إعارتها هي مؤنسي إذا أوحشني الناس ، وكاتم سري إذا خانوني ، فما أعيرها إلا بشيء أعلم أنك تتأذّى بفقده إذا فقد جزء من النسخة ، وأنا الذي أقول :
أنس أخي الفضل كتاب أنيق إلى آخره :
وأنشد للكاتب أبي الحسن المذكور : [بحر الخفيف]
إنّ ذاك العذار (١) قام بعذري |
|
وفشا فيه للعواذل سرّي |
ما رأينا من قبل ذلك مسكا |
|
صاغ منه الإله هالة بدر |
|
||
أيّ آس (٢) من حول جنة ورد |
|
ليس منه آس (٣) مدى الدهر يبري |
ولما اشتد مرضه بين تلمسان وفاس قال هذه الأبيات ، وأوصى أن تكتب على قبره : [بحر المتقارب]
ألا رحم الله حيّا دعا |
|
لميت قضى بالفلا نحبه |
تمر السّوافي (٤) على قبره |
|
فتهدي لأحبابه تربه |
وليس له عمل يرتجى |
|
ولكنه يرتجي ربّه |
رجع إلى نظم ابن سعيد المترجم به ، فنقول : [بحر الكامل]
وقال لما سار المعظم من حصن كيفا ، وآل أمره إلى الملك ، ثم القتل والهلك : [بحر الكامل]
ليت المعظم لم يسر من حصنه |
|
يوما ولا وافى إلى أملاكه |
__________________
(١) العذار.
(٢) آس في أول البيت اسم لنوع من الريحان ، وآس في النصف الثاني اسم فاعل من أسا الطبيب المريض يأسوه فهو آس إذا عالجه ، ويبري : أصله يبرئ قلبت الهمزة ياء لتطرفها إثر كسرة.
(٣) آس في أول البيت اسم لنوع من الريحان ، وآس في النصف الثاني اسم فاعل من أسا الطبيب المريض يأسوه فهو آس إذا عالجه ، ويبري : أصله يبرئ قلبت الهمزة ياء لتطرفها إثر كسرة.
(٤) السافية : الريح التي تحمل التراب وتنثره.
إن العناصر إذ رأته مكمّلا |
|
حسدته فاجتمعت على إهلاكه |
ومما نقلته من ديوانه الذي رتبه على حروف المعجم قوله ـ رحمه الله تعالى! ـ وقلت بالقاهرة على لسان من كلفني ذلك : [بحر الرمل]
شرف الدين أبن لي ما السبب |
|
في انقلاب الدهر لي عند الغضب |
فلتدم غضبان أظفر بالمنى |
|
ليس لي في غير هذا من أرب |
إنما ظهرك عندي قبلة |
|
ووضوئي الدهر من ذاك الشّنب (١) |
وأستغفر الله من قول الكذب ، قال : وقلت بإشبيلية : [بحر السريع]
قد جاء نصر الله والفتح |
|
والصبح لما رضيت صبح |
فهنّئوني بارتجاع المنى |
|
لولا الرضا (٢) ما برح البرح(٣) |
يا أورقا يا غصنا يانقا |
|
يا ظبية بالليل يا صبح |
يصحو جميع الناس من سكرهم |
|
ولست من سكركم أصحو |
بلغت فيه غاية لم يبن |
|
غايتها التفسير والشرح |
وينصح العذال ، من لي بأن |
|
يعذلني عن غيك النصح(٤) |
وقلت بإشبيلية : [بحر الرمل]
وضح الصبح فأين القدح |
|
يعرف اللذات من يصطبح (٥) |
ما ترى الليل كطرف أدهم (٦) |
|
وضياء الفجر فيه وضح(٧) |
والثرى دبّجه درّ الندى |
|
وعلى الأغصان منه وشح |
ومدير الراح لم يعد المنى |
|
كل ما يأتي به مقترح |
في بطاح المرج قد نادمني |
|
رشا من سكره ينبطح |
__________________
(١) الشنب : صفاء الأسنان وابيضاضها.
(٢) في ب : «الرضى».
(٣) البرح : الشدة.
(٤) اصطبح : تناول الصبوح ، وأراد هنا الخمر.
(٥) الطرف ـ بكسر الطاء وسكون الراء ـ الفرس.
(٦) والأدهم : الأسود.
(٧) والوضح : البياض في قوائم الفرس.
جعل المسواك سترا للمنى |
|
فكأن قبّل فاه قزح |
كلما شئت الذي قد شاءه |
|
فحثى (١) لي كاسه أفتتح |
ما أبالي أن رآني كاشح (٢) |
|
أم رآني من لديه نصح |
هكذا العيش ودع عيش الذي |
|
خاف من نقد إذا يفتضح |
وقلت بشريش : [بحر مجزوء الكامل]
طاب الشراب لمعشر |
|
سلبوا المروءة فاستراحوا |
لا يعرفون تسترا |
|
السكر عندهم مباح |
متهتكون لدى المنى |
|
وفسادهم فيها صلاح |
ساقيهم متبذّل |
|
هل يمنع الماء القراح |
غصن يميل به الصّبا |
|
ردته طوع الراح راح |
طوع الأماني كل ما |
|
يأتي به فهو اقتراح |
ما إن نبالي إن بدا |
|
أن لا يلوح لنا الصباح |
ما زلت أرشف ثغره |
|
وعليه من عضدي وشاح |
والقلب يهفو طائرا |
|
ولعا ولا يخشى افتضاح |
ولو اننا نخشاه كا |
|
ن لنا من الظّلما جناح |
لكننا في عصبة |
|
ما في تهتكهم جناح |
لا ينكرون سوى ثقي |
|
ل لا يميل به مزاح |
أفنى الذي قد جمّعو |
|
ه الكأس والحدق الملاح |
وقلت بمراكش (٣) : [بحر مجزوء الكامل]
قم هاتها لاح الصباح |
|
ما العيش إلا الاصطباح |
مع فتية ما دأبهم |
|
إلا المروءة والسماح |
جربتهم فوجدتهم |
|
ما للمنى عنهم براح |
__________________
(١) في ب : «فحنى».
(٢) الكاشح : العدو الظاهر العداوة.
(٣) في ب : «وقلت بأركش» وأركش : حصن بالقرب من قرطبة.
يثنيهم نحو الصّبا |
|
نقر المثاني (١) والمراح(٢) |
ما نادموا شخصا فكا |
|
ن لهم بخدمته استراح |
بل يعرفون مكانه |
|
فله إذا شاء اقتراح |
هم يتعبون وضيفهم |
|
ما دام عندهم يراح |
ما إن يملّون النزي |
|
ل وبالرضا (٣) منه السراح |
يدعونه بأجل ما |
|
يدعى به الحر الصّراح (٤) |
حتى إذا ما بان كدّ |
|
رعيشهم منه انتزاح |
فعلى مثالهم يبا |
|
ح لي المدامع والنواح |
كرها فقدتهم فحا (٥) |
|
لي بعد بعدهم ارتياح |
لله شوقي إن هفت |
|
من نحو أرضهم الرياح |
فهناك قلبي طائر |
|
لهم ومن شوقي جناح |
قال : وقلت بمدينة ابن السليم (٦) في وصف كلب صيد أسود في عنقه بياض : [بحر الوافر]
وأدهم دون حلي ظل حالي |
|
كأن ليلا يقلده صباح |
يطير وما له ريش ولكن |
|
متى يهفو فأربعه جناح |
تكلّ الطير مهما نازعته |
|
وتحسده إذا مرق الرياح |
له الألحاظ مهما جاء سلك |
|
ومهما سار فهي له وشاح |
وقلت في نيل (٧) مصر : [بحر الكامل]
يا نيل مصر أين حمص ونهرها |
|
حيث المناظر أنجم تلتاح |
في كل شط للنواظر مسرح |
|
تدعو إليه منازح (٨) وبطاح |
__________________
(١) المثاني : آلات الطرب.
(٢) المراح : الخفة والنشاط.
(٣) في ب : «وبالرضى».
(٤) الصراح : الخالص النسب.
(٥) في ب : «فما».
(٦) مدينة ابن السليم : هي مدينة شذونة بالأندلس ، وسميت بمدينة ابن السليم لأن بني السليم انصرفوا إليها عند خراب مدينة قلشانة وبين قلشانة وبينها خمسة وعشرون ميلا (صفة جزيرة الأندلس ص ١٦٢).
(٧) في ب : «قال : وقلت بنيل».
(٨) المنازح : الدلاء.
وإذا سبحت فلست أسبح خائفا |
|
ما فيه تيار ولا تمساح |
قال : وقلت وقد حضرت مع إخوان لي بموضع يعرف بالسلطانية على نهر إشبيلية وقد مالت الشمس للغروب : [بحر الكامل]
رقّ الأصيل فواصل الأقداحا |
|
واشرب إلى وقت الصباح صباحا |
وانظر لشمس الأفق طائرة وقد |
|
ألقت على صفح الخليج جناحا |
فاظفر بصفو الأفق قبل غروبها |
|
واستنطق المثنى (١) وحثّ الراحا |
متع جفونك في الحديقة قبل أن |
|
يكسو الظلام جمالها أمساحا |
وقلت بمرسية : [بحر مخلع البسيط]
أقلقه وجده فباحا |
|
وزاد تبريحه (٢) فناحا |
ورام يثني الدموع لما |
|
جرت فزادت له جماحا |
يا من جفا فارفقن عليه |
|
مستعبدا لا يرى السراحا |
يكابد الموت كل حين |
|
لو أنه مات لاستراحا |
ينزو (٣) إذا ما الرياح هبت |
|
كأنه يعشق الرياحا |
يسألها عن ربوع حمص |
|
لما نما عرفها وفاحا |
كم قد بكى للحمام كيما |
|
يعيره نحوها جناحا |
قال : وخرجت مرة مع أبي إسحاق إبراهيم بن سهل الإسرائيلي (٤) إلى مرج الفضة بنهر إشبيلية فتشاركنا في هذا الشعر : [بحر الكامل]
غيري يميل إلى كلام اللاحي |
|
ويمدّ راحته لغير الراح |
لا سيما والغصن يزهو زهره |
|
ويميل عطف الشارب المرتاح |
وقد استطار القلب ساجع أيكه (٥) |
|
من كل ما أشكوه ليس بصاح |
__________________
(١) المثنّى : وتر من أوتار العود.
(٢) التبريح : الألم.
(٣) ينزو : يثب.
(٤) إبراهيم بن سهل الإسرائيلي شاعر من شعراء الأندلس زمن الموحدين. وكان صديق ابن سعيد وزميله أيام الدراسة.
(٥) في ب : «أيكة».
قد بان عنه جناحه عجبا له |
|
من جانح للعجز حلف جناح |
بين الرياض وقد غدا في مأتم |
|
وتخاله قد ظل في أفراح |
الغصن يمرح تحته والنهر في |
|
قصف تزجّيه (١) يد الأرواح(٢) |
وكأنما الأنسام (٣) فوق جنانه |
|
أعلام خزّ فوق سمر رماح |
لا غرو أن قامت عليه أسطر |
|
لما رأته مدرّعا لكفاح |
فإذا تتابع موجه لدفاعه |
|
مالت عليه فظل حلف صياح |
قال : وقلت بمالقة متشوّقا إلى الجزيرة الخضراء : [بحر الخفيف]
يا نسيما من نحو تلك النواحي |
|
كيف بالله نور تلك البطاح |
أسقتها الغمام ريّا فلاحت |
|
في رداء ومئزر ووشاح |
أم جفته فصيرته هشيما |
|
تركته تذروه هوج الرياح |
يا زماني بالحاجبية إني |
|
لست من سكر ما سقيت بصاحي |
آه مما لقيت بعدك من ه |
|
مّ وشوق وغربة وانتزاح |
أين قوم ألفتهم فيك لما |
|
قرّب الدهر آذنوا بالرواح |
تركوني أسير وجد وشوق |
|
ما لقلبي من الجوى من سراح(٤) |
أسلموني للويل حتى تولوا |
|
وأصاخوا ظلما لقول اللواحي(٥) |
أعرضوا ثم عرّضوني لشوق |
|
ترك القلب مثخنا بجراح |
أسهر الليل لست أغفى لصبح |
|
أترى النوم ذاهبا بالصباح |
قد بدا يظهر النجوم حليّا |
|
وهو من لبسة الصبا في براح |
مسبلا ستره منعّم بال |
|
وجفوني من سهده في كفاح |
أيها الليل لا تؤمل خلودا |
|
عن قريب يمحو ظلامك ماح |
ويلوح الصباح مشرق نور |
|
فيه للمستهام بدء نجاح |
__________________
(١) تزجيه : تسوقه.
(٢) الأرواح : جمع ريح.
(٣) في ب : «الأنشام».
(٤) الجوى : شدة الوجد والاحتراق من عشق أو حزن.
(٥) اللواخي : جمع لاح ، وهو اللائم.
إن يوم الفراق بدّد شملي |
|
طائرا ليته بغير جناح |
حالك اللون شبه لونك فاعرف (١) |
|
عن عياني يا شبه طير النّزاح (٢) |
وإذا ما بدا الصباح فما يش |
|
به إلّا لون الخدود الملاح |
وقلت بالجزيرة الخضراء : [بحر البسيط]
قد رفعت راية الصباح |
|
تدعو الندامى للاصطباح |
فبادروا للصّبوح إني |
|
قد بعت في غيه صلاحي |
ولا تميلوا عن رشف ثغر |
|
وسمع شدو وشرب راح |
وأنت يا من يروم نصحي |
|
قد يئس القوم من فلاحي |
فلست أصغي إلى نصيح |
|
ما نهضت بالكؤوس راحي |
قال : وقلت أمدح ملك إفريقية وأهنئه بقتل ثائر من زناتة (٣) يدّعي أنه من نسل يعقوب المنصور : [بحر السريع]
برّح بي (٤) من ليس عنه براح(٥) |
|
ومن رأى قتلي حلالا مباح |
من صرّح الدمع بحبّي له |
|
وما لقلبي عن هواه سراح |
ظبي عدمت الصبح مذ صدّني |
|
وكيف لا يعدم وهو الصباح |
مورد الخدّ شهي اللّمى (٦) |
|
منعم الردف (٧) جديب الوشاح (٨) |
تظنه من قلبه جلمدا |
|
ومنه للماء بجفني انسياح |
لردفه أضعف من صبه |
|
ولم أزل من لحظه في كفاح |
نشوان من ريقته عربدت |
|
أجفانه بالمرهفات الصّفاح |
فها أنيني خافت مثل ما |
|
أنا أسير مثخن بالجراح |
__________________
(١) في ب : «فاعزب».
(٢) في ب : «انتزاح». أما النزاح فهو : الفراق والبعد.
(٣) زناتة : اسم قبيلة كانت تقطن في شمالي إفريقية.
(٤) برّح بي : أتعبني وآذاني.
(٥) البراح : الابتعاد.
(٦) اللمى : سمرة مستملحة في الشفاه.
(٧) منعّم الردف : ممتلئ الأرداف.
(٨) جديب الوشاح : نحيل الخصر وكلها صفات تستملحها العرب.
يا قاتلي صدّا أما تستحي |
|
أن تلزم البخل بأرض السماح |
من ذا الذي يبخل في تونس |
|
والملح فيها صار عذبا قراح |
وأصبحت أرجاؤها جنة |
|
مبيضة الأبراج خضر البطاح |
لو لا ندى (١) يحيى وتدبيره |
|
ما برحت تغبر منها النّواح |
لكن يداه سحب كلما |
|
حلت بأرض حل فيها النجاح |
هذا وقد آمن من حلها |
|
وحفها من غربة وانتزاح |
كم شتّتوا من قبل تأميره |
|
وحكمت فيهم عوالي الرماح |
يا سائرا يرجو بلوغ المنى |
|
باكر ذرى (٢) يحيى وقل لا رواح |
وحيّه بالمدح فهو الذي |
|
يهتز كالهنديّ حين امتداح |
بالشرق والغرب غدا ذكره |
|
يحثّ من حمد وشكر جناح |
ساعده السعد وأضحت له ال |
|
آمال لا تجري بغير اقتراح |
ويسر الله له ملكه |
|
من غير أن يشهر فيه السلاح |
وكل من كان على غيره |
|
ذا منعة أمسى به مستباح |
وكم جموح عند ما قام بالأم |
|
ر رأى القهر فخلى الجماح |
كفّ بكف للنّدى والردى |
|
بها معان وهي خرس فصاح |
حتى لقد أحسب من سعده |
|
تجري على ما يرتضيه الرياح |
قولوا ليعقوب فماذا جنى |
|
وابن أبي حمزة ما ذا استباح |
قد أصبحا من فوق جذعين لا |
|
تؤنسهم (٣) غير هبوب الرياح |
واسأل عن الداعي الدعي الذي |
|
حاول أمرا كان عنه انضراح(٤) |
أكان من صيره والدا |
|
بزعمه أمل فيه فلاح |
شكرا لسعد لم يدع فرقة |
|
قد صير الملك كضرب القداح |
راموا بلا جاه ولا محتد (٥) |
|
ما حزت بالحق فكان افتضاح |
زنانة يهنيكم فعلكم |
|
عاجلكم ثائركم باجتياح |
__________________
(١) ندى : كرم.
(٢) في ب : «ذرا».
(٣) في ب : «يؤنسهم».
(٤) انضراح : ابتعاد.
(٥) المحتد : الأصل.
كفّر ما قدّمتم آخر |
|
والخير لن يبرح للشر ماح |
عهدي به في موكب الملك ما |
|
بينكم نشوان من غير راح |
يحسب أن الأرض ملك له |
|
وروحه ملك لسمر الرماح |
غدا بعز الملك لكنه |
|
أهون مملوك على الأرض راح |
جاؤوا به يمرح في عزه |
|
وهم أزالوا عنه ذاك المراح |
توقّعوا في القرب منه الردى |
|
من صحبة الأجرب يخشى الصّحاح |
فأسرعوا نحوك يبغون ما |
|
عوّدتهم من عطفة والتماح |
فغادروه جانيا غدره |
|
لطائر البين عليه نياح |
فالحمد لله على كل ما |
|
سنّى لك السعد برغم اللواح (١) |
مثلك لا ينفد ما شاده (٢) |
|
فلست تأتي الدهر إلّا صلاح |
لا زلت في عز وفي مكنة |
|
وفي سرور دائم وانفساح |
قال : وقلت بنيونش موضع الفرجة بسبتة : [بحر مجزوء الكامل]
اشرب على بنيونش |
|
بين السواني (٣) والبطاح |
مع فتية مثل النجو |
|
م لهم إذا مروا جماح |
ساقيهم متبذل |
|
لا يمنع الماء القراح |
كل يمد يمينه |
|
ما في الذي يأتي جناح (٤) |
هبّوا عليه كلما |
|
هبت على الروض الرياح |
طوع الأماني كل ما |
|
يأتي به فهو اقتراح |
عانقته حتى ترك |
|
ت بخصره أثر الوشاح |
وقلت بإشبيلية : [بحر مخلع البسيط]
أوجه صبح أم الصباح |
|
ولحظها أم ظبا (٥) الصفاح |
__________________
(١) اللواح : أصلها اللواهي. وهي جمع اللاهية وهي اللائمة ، المبغضة.
(٢) في ج : لا ينفد ما شاءه.
(٣) السواني : جمع سانية ، وهي الساقية ، أو الناعورة.
(٤) جناح : إثم.
(٥) في ب : «ظبى».
وثغرها أم نظيم در |
|
وريقها أم سلاف راح |
وقدّها أم قوام غصن |
|
وعرفها أم شذا البطاح |
يا حبذا زورة تأتت |
|
منها على غفلة اللواح |
فلم أصدق بها سرورا |
|
وظلت نشوان دون راح |
أما منعت السلام دهرا |
|
ولا رسول سوى الرياح |
قالت ألا فانس ما تقضّى |
|
فمن يدع ما مضى استراح |
يا حبذاها وقد تأتّت |
|
من دون وعد ولا اقتراح |
زارت ومن نورها دليل |
|
والليل قد أسبل الجناح |
أخفت سراها (١) فباح نشر |
|
لها بعرف فشا وفاح |
وافت فأمسى فمي مداما |
|
وساعداي لها وشاح |
كأنما بتّ بين روض |
|
والغصن والورد والأفاح(٢) |
فبينما الشمل في انتظام |
|
إذ سمعت داعي الفلاح(٣) |
فغادرتني فقلت غدرا؟ |
|
قالت أما تحذر افتضاح |
ولّت وما خلت من صباح |
|
يبدو على إثره صباح |
قال : وقلت بتونس : [بحر السريع]
لا مرحبا بالتين (٤) لما بدا |
|
يسحب من ليل عليه الوشاح |
ممزق الجلباب يحكي ضحى |
|
هامة زنجي عليها جراح |
وإن تصحّفه فلا حبذا |
|
ما قد أتى تصحيفه بانتزاح |
وقلت بالجزيرة الخضراء ، وقد كلّفت ذلك : [بحر الطويل]
غرامي بأقوال العدا كيف ينسخ |
|
وعهدي وقد أحكمته كيف يفسخ |
كلامكم لا يدخل السمع نصحه |
|
ولكن إذا حرضتم (٥) فهو يرسخ |
__________________
(١) السّرى : السير ليلا.
(٢) الأقاح : ضرب من الزهور.
(٣) سمعت داعي الفلاح : أي أذان الصبح.
(٤) تصحيف تين : «بين» وهو الفراق.
(٥) حرض : ذاب من الهم. تعب.
وبي بدر تمّ قد ذللت لحسنه |
|
فمن ذا الذي فيما أتيت يوبخ؟ |
إذا خاصموني في هواه خصمتهم |
|
ويبغون تنقيصي بذاك فأشمخ |
أرى أن لي فضلا على كل عاشق |
|
فقصتنا في الدهر مما يؤرخ |
فما بشر مثل له في جماله |
|
ووجدي به في العشق ليس له أخ |
وقلت بالإسكندرية ، وقد تعذّر علي الحج عند وصولي إليها سنة تسع وثلاثين وستمائة : [بحر الكامل]
قرب المزار ولا زمان يسعد |
|
كم ذا أقرّب ما أراه يبعد |
وا رحمة لمتيّم ذي غربة |
|
ومع التغرّب فاته ما يقصد |
قد سار من أقصى المغارب قاصدا |
|
من لذّ فيه مسيره إذ يجهد |
فلكم بحار مع فقار جبتها (١) |
|
تلقى بها الصمصام (٢) ذعرا يرعد (٣) |
كابدتها عربا وروما ، ليتني |
|
إذ جزت صعب صراطها لا أطرد |
يا سائرين ليثرب بلّغتم |
|
قد عاقني عنها الزمان الأنكد |
أعلمتم أن طرت دون محلها |
|
سبقا وها أنا إذ تدانى مقعد |
يا عاذلي فيما أكابد قلّ في |
|
ما أبتغيه صبابة وتسهد |
لم تلق ما لقيته فعذلتني |
|
لا يعذر المشتاق إلا مكمد |
لو كنت تعلم ما أروم (٤) دنوّه |
|
ما كنت في هذا الغرام تفنّد (٥) |
لا طاب عيشي أو أحل بطيبة |
|
أفق به خير الأنام محمد |
صلّى عليه من براه خيرة |
|
من خلقه فهو الجميع المفرد |
يا ليتني بلغت لثم ترابه |
|
فيزاد سعدا من بنعمى يسعد |
فهناك لو أعطي مناي محلة |
|
من دونها حل السّها والفرقد |
عيني شكت رمدا وأنت شفاؤها |
|
من دائها ذاك الثرى لا الإثمد |
__________________
(١) جبتها : قطعتها.
(٢) الصمصام : السيف.
(٣) يرعد : يرتجف من شدة الخوف أو المرض.
(٤) أروم : أتمنى ، أرغب.
(٥) فنده : خطّأ رأيه. كذّبه.
يا خير خلق الله مهما غبت عن |
|
عليا مشاهدها فقلبي يشهد |
ما باختيار القلب يترك جسمه |
|
غير الزمان (١) له بذلك تشهد |
يا جنة الخلد التي قد جئتها |
|
من دون بابك للجحيم توقد |
صرم التواصل ذبّل (٢) وصوارم |
|
ما للجليد (٣) على تقحّمها (٤) يد |
فلئن حرمت بلوغ ما أملته |
|
فلديّ ذكرى لا تزال تردد |
فلتنعشوا مني الذّماء (٥) بذكره |
|
ما دمت عن تلك المعالم أبعد |
لو لاه ما بقيت حياتي ساعة |
|
هو لي إذا مت اشتياقا مولد |
ذكر يليه من الثناء سحائب |
|
أبدا على مرّ الزمان يجدّد |
من ذا الذي نرجوه لليوم الذي |
|
يقصى الظماء به ويحمى المورد |
يا لهف من وافى هناك وما له |
|
من حبه ذخر به يتزود |
ما أرتجي عملا ولكن أرتجي |
|
ثقتي به ولحسب من يتزود |
ما صحّ إيمان خلا من حبه |
|
أبلا رياش يستعدّ (٦) مهنّد؟! |
عن ذكره لا حلت عنه لحظة |
|
ومديحه في كل حفل أسرد |
يا ما دحي يبغي ثوابا زائلا |
|
فثواب مدحي في الجنان أخلّد |
لو لا رسول الله لم ندر الهدى |
|
وبه غدا نرجو النّجاة ونسعد |
يا رحمة للعالمين بعثت والدني |
|
ا بجنح الكفر ليل أربد (٧) |
أطلعت صبحا ساطعا فهديت للإيم |
|
ان إلّا من يحيد ويجحد |
لم تخش في مولاك لومة لائم |
|
حتى أقر به الكفور (٨) الملحد(٩) |
ونصرت دين الله غير محاذر |
|
ودعوت في الأخرى الألى قد أصعدوا |
ولقيت من حرب الأعادي شدّة |
|
لو كابدوها ساعة لتبدّدوا |
أيّان لا أحد عليهم عاضد |
|
إلا الإله ولم يخن من يعضد |
__________________
(١) غير الزمان : نوازله وكوارثه.
(٢) ذبّل : رماح.
(٣) الجليد : ذو الجلد والقوة.
(٤) تقحّم : خاض.
(٥) الذماء : بقية الروح في الجسد.
(٦) في ب : «يستعدّ».
(٧) الليل الأربد : الأسود المظلم.
(٨) الكفور : الشديد الكفر. صيغة مبالغة من اسم الفاعل : كافر.
(٩) الملحد : الكافر.
فحماك بالغار الذي هو من أدلّ |
|
المعجزات وخاب من يترصّد |
ووقاك من سمّ الذراع بلطفه |
|
كيما يغاظ بك العدا والحسّد |
والجذع حنّ إليك والماء انهمى |
|
ما بين خمسك والصحابة شهّد |
والذئب أنطق للذي أضحى به |
|
يهدي إلى سبل النجاح ويرشد |
وبليلة الإسرا حباك وسمي الص |
|
دّيق من أضحى لقولك يسعد |
وحباك (١) بالخلق العظيم ومعجز الك |
|
لم الذي يهدي به إذ يورد |
وبعثت بالقرآن غير معارض |
|
فيه وأمسى من نحاه يعرّد (٢) |
فتوالت الأحقاب وهو مبرّأ |
|
من أن يكون له مثال يوجد (٣) |
ولكم بليغ جال فصل خطابه |
|
والسرج في ضوء الغزالة تمهد (٤) |
زويت لك الأرض التي لا زال |
|
حتى الحشر ربك في ذراها يعبد (٥) |
ونصرت بالرعب الذي لما يزل |
|
يترى كأن ما عين شخصك تفقد (٦) |
فمتى تعرّض طاعن أو حاد عن |
|
حرم الهداية فالحسام مجرد |
يا من تخيّر من ذؤابة هاشم |
|
نعم الفخار لها ونعم المحتد |
لسناك حين بدا بآدم أقبلت |
|
رعيا لأخراه الملائك تسجد |
لم أستطع حصرا لما أعطيته |
|
فذكرت بعضا واعتذاري منشد |
ما ذا أقول إذا وصفت محمدا |
|
نفد الكلام ووصفه لا ينفد |
فعليك يا خير الخلائق كلها |
|
مني التحية والسلام السرمد (٧) |
قال : وقلت بإشبيلية : [الرجز]
هل تمنع النهود |
|
ما أبدت الخدود |
__________________
(١) حباك : أعطاك.
(٢) نحاه : قصده. يعرّد : يفر ويهرب ويحجم وينكل ويسرع في الهزيمة.
(٣) الأحقاب : جمع حقبة ، وهي الفترة من الزمن.
(٤) الغزالة : الشمس.
(٥) زويت لك الأرض : قبضت وجمعت.
(٦) يترى : يتتابع.
(٧) السلام السرمد : الدائم.
نعم وكم طعين |
|
بطعنها شهيد |
يا ربّة المحيا |
|
حفت به السعود |
لم تسكر الحميا |
|
بل ريقك البرود (١) |
لله يا عذولي |
|
ما تكتم البرود |
ما زلت فيه أفني |
|
والوجد مستزيد |
يا هل ترى زمانا |
|
مضى لنا يعود |
لدى الغروس سقّت |
|
جنابها العهود |
حيث الغصون مالت |
|
كأنها قدود |
وزهرها نظيم |
|
كأنه عقود |
حمامها تغني |
|
أعطافها تميد |
وبالنسيم شقّت |
|
لنهرها برود (٢) |
فروعه سيوف |
|
وسوره بنود (٣) |
هناك كم دعتني |
|
إلى الورود رود (٤) |
فنلت كل سؤل |
|
يفنى به الحسود |
قضيت فيه عيشا |
|
ما بعده مزيد |
أضحي به وأمسي |
|
مرنحا أميد |
كأنني يزيد |
|
كأنني الوليد |
يجري الزمان طوعي |
|
بكل ما أريد |
الخمر ملّكتني |
|
فالخلق لي عبيد |
يحق لي إذا ما |
|
أبصرتها تجود (٥) |
فها أنا إذا ما |
|
فقدتها فقيد |
__________________
(١) الحميّا : الخمرة.
(٢) البرود : الثياب.
(٣) البنود : جمع بند ، وهو العلم.
(٤) الرّود : بضم الراء ـ الشابة الحديثة السن ذات الدل والخفر.
(٥) في ه : «إذا ما أبصرتها سجود».
يا من يلوم بغيا |
|
العذل لا يفيد |
إذا عدمت كأسي |
|
فليس لي وجود |
قال : وقلت بإشبيلية : [بحر الكامل]
أو ما نظرت إلى الحمامة تنشد |
|
والغصن من طرب بها يتأوّد (١) |
ونثاره تلقاه (٢) جائزة لها |
|
لما يزل بيد النسيم يبدد |
ألقى عليها الطل بردا سابغا (٣) |
|
فثناؤه طول الزمان يردد |
أترى الحمامة من محبّ مخلص |
|
أولى بشكر حين تغمره يد |
فلأثنين عليك ما أثني بأع |
|
لى الغصن حنّان الهديل (٤) مغرد |
كم نعمة لي في جنابك؟ كم أكا |
|
بد جهدها؟ أيان برك يجهد؟ |
وقال : [بحر الطويل]
أرى العين مني تحسد الأذن كلما |
|
جرت مدحة للعلم والفضل والمجد |
أحقق أنباء ولم أر صورة |
|
كتحقيقي الأخبار عن جنة الخلد |
فمنّ على عيني بلقياك إنني |
|
أخذت لها أمنا بذاك من السهد |
قال : وقلت أمدح ابن عمي وأشكره ، على ما أذكره : [بحر الخفيف]
آه مما تكنّ (٥) فيك الجوانح |
|
ودموعي على نواك سوافح |
واشتفاء من العدوّ ببين |
|
كدّر العيش ، أيّ عيش لنازح؟ |
يا أتم الأنام حسنا أما تحس |
|
ن حتى يتمّ إطراء مادح |
يا زمان الوصال عودا فإني |
|
طوّحت (٦) بي لما غدرت الطوائح(٧) |
أين عيش العروس إذ يبطح الس (٨) |
|
كر حبيبي ما بين تلك الأباطح (٩) |
__________________
(١) يتأود : يتلوى ويتمايل.
(٢) في ب : «ألقاه».
(٣) سابغا : طويلا واسعا.
(٤) حنّان الهديل : أراد الحمام.
(٥) تكنّ : تستر ، تغطي.
(٦) طوّح : ذهب به هنا وهناك وبعّده في الأرض.
(٧) الطوائح : جمع طائحة وهي المهلكة.
(٨) في ب : «السكر».
(٩) الأباطح : جمع بطحاء ، وهي مكان متسع منبسط يسيل فيه الماء فيخلف فيه التراب والحصى والصغار ، وجمعها : بطاح وبطائح وبطحاوات.
والأماني تترى (١) ولا أحد ين |
|
صح إذ لا يصغى إلى قول ناصح |
وزمان السرور سمح مطيع |
|
ورسول الحبيب غاد ورائح |
ولكم ليلة أتاني بلا طي |
|
ب ولكن يزري بأذكى الروائح |
هو ظبي فليس يحتاج طيبا |
|
قد كفاه عرف من المسك فائح |
مثل عليا محمد لم تكن كس |
|
با وما لا يكون في الطبع فاضح |
يا كريما أتى من الجود مالا |
|
كان يدري فأوجدته المدائح |
وعلا كل ذي علاء وأضحى |
|
نحو ما لا يرومه الناس طامح |
قد أتاني إحسانك الغمر (٢) في إث |
|
ر سواه فكنت أكمل مادح |
فاض بحر النوال منك ولا سا |
|
حل يبدو ولم أزل فيه سابح |
حلل مثل ما كسوتك في المد |
|
ح تميت العدا ومال وسائح (٣) |
أورد الورد (٤) منطقي كلّ شكر |
|
حين أضحى طوع البنان مسامح |
لون خد الحبيب حين كسوه |
|
حلة الحسن بالعيون اللوامح |
شفق سال بين عينيه صبح |
|
حسنه قيّد اللحاظ السوارح |
لم أجد فيه من جماح ولكنّ |
|
ثنائي عليك ما زال جامح |
لك يا ابن الحسين ذكر جميل |
|
صير الكل نحو بابك جانح |
قد هدى نحوك الثناء كما يه |
|
دي إلى الروض باسمات النوافح |
فاعذر الناس أن أتوا لك أفوا |
|
جا فكلّ بقصد فضلك رابح |
ما هدتهم إليك إلا الأماني |
|
لم تحلهم إلا عليك القرائح |
قل لذي المفخر الحديث تأخّر |
|
ليس مهر في شأوه مثل قارح |
أي أصل وأي فرع أقاما |
|
شرفا ظلّ للنجوم يناطح |
قد حوت مذحج من الفجر لما |
|
كنت منها ما ليس يحويه شارح |
أفق مجد قد زانه منك بدر |
|
في ظلام الخطوب ما زال لائح |
__________________
(١) تترى :
(٢) الغمر : الغزير.
(٣) في ب : «وسابح» وسائح وسابح صفتان للفرس.
(٤) الورد من الخيل : ما كان لونه بين الكميت والأشقر.
بدر تم حفت به هالة من |
|
بيت مجد علاؤها الدهر واضح |
يا سماكا بمسكه القلم الأع (١) |
|
لى بدا بين أنجم الملك رامح |
رفع الله للكتابة قدرا |
|
بعد ما كابدت توالي الفضائح |
يا أعزّ الأنام نفسا وأعلا |
|
هم محلّا لا زال أمرك راجح |
أين أعداؤك الذين رعى سي |
|
فك فيهم فأشبهوا قوم صالح (٢) |
أفسد الدهر حالهم ليرى حا |
|
لك رغما بمن يناويك (٣) صالح(٤) |
دمت في عزة وسعد مدى الده |
|
ر ولا زال طائر منك سانح (٥) |
وابن عمه المذكور قال في حقه في «المغرب» ما ملخصه : إنه الرئيس الأعلى ، ذو الفضائل الجمة ، أبو عبد الله محمد بن الحسين بن أبي الحسين سعيد بن الحسين بن سعيد بن خلف بن سعيد ، قال : واجتماع نسبنا مع هذا الرئيس في سعيد بن خلف ، وهو الآن قد اشتمل عليه ملك إفريقية اشتمال المقلة على إنسانها ، وقدمه في مهماته تقديم الصّعدة (٦) لسنانها (٧) ، وأقام لنفسه مدينة حذاء حضرة تونس ، واعتزل فيها بعسكر الأندلس الذين صيّرهم الملك المنصور إلى نظره ، وهو كما قال الفتح صاحب القلائد «فقد جاء آخرهم ، فجدد مفاخرهم» ومن نظمه وقد نزل على من قدم له مشروبا أسود اللون غليظا وخروبا وزبيبا [أسود ، وزبيبا] كثير الغصون جاءت به عجوز في طبق ، فقال : [بحر المتقارب]
ويوم نزلنا بعبد العزيز |
|
فلا قدس الله عبد العزيز |
سقانا شرابا كلون الهناء (٨) |
|
ونقّلنا بقرون العنوز(٩) |
وجاءت عجوز فأهدت لنا |
|
زبيبا كخيلان خدّ العجوز |
__________________
(١) في ه : «يا سماكا بملكه القلم الأعلى».
(٢) يقصد أنهم أشبهوا قوم النبي صالح في الهلاك.
(٣) يناويك : يخاصمك ويعاديك.
(٤) في ه : «صائح» وفي ه : «طائح» وكلاهما تحريف.
(٥) الطير السانح والسنيح : الذي يتيمن به.
(٦) الصعدة ـ بالفتح ـ القناة المستوية التي لا تحتاج إلى تثقيف.
(٧) السنان : رأس الرمح العدني.
(٨) الهناء : ـ بالكسر ـ القطران.
(٩) العنوز : جمع عنز.
ونزل السلطان أبو يحيى في بعض حركاته لموضع فيه نهر ، وعلى شطه نور (١) ، فقال الرئيس أبو عبد الله بن الحسين يصفه أو أمر بذلك : [بحر الطويل]
ونهر يرفّ الزهر في جنباته |
|
ويثني النسيم قضبه ويقنطر (٢) |
يسيل كما عنّ الصباح بأفقه |
|
وإلا كما شيم الحسام المجوهر |
عليه ليحيى قبة ، هل سمعتم |
|
بقرصه شمس حل فيها غضنفر؟ |
فإن قلت هذي قبة لعفاتها |
|
فقل ذلك الوادي الذي سال كوثر |
وقال أبو عمرو أحمد بن مالك بن سعيد المير اللخمي النشابي (٣) في ذلك : [بحر الطويل]
وأرض من الحصباء بيضاء قد جرت |
|
جداول ماء دونها (٤) تتفجر |
كما سبحت تبغي الحياة أراقم |
|
على روضة فيها الأقاح المنوّر |
وإلا كما شقّت سبائك فضة |
|
بساطا على حافاته الدر ينثر |
وقال أبو علي يونس : [بحر البسيط]
انظر إلى منظر يسبيك منظره |
|
ويزدهيك (٥) بإذن الله مخبره |
ومعجب معجب لا شيء يشبهه |
|
خرير ماء نمير ثمّ منهره |
كأنما فرشت بالدر صفحته |
|
فالماء ينظمه طورا وينثره |
كأن خلجانه قدّت على قدر |
|
بمائها قسم يجري مفجّره |
أحلّ سيدنا المأمون (٦) قبته |
|
بحوزه فغدا يزدان جعفره |
رجع إلى ما كنا فيه من أخبار الرئيس ابن الحسين ، فنقول :
رأيت بالمغرب آخر كتاب «روح السحر» من نسخة ملوكية كتبت له أبياتا علق بحفظي منها الآن ما نصه : [بحر الرمل]
__________________
(١) النور ـ بفتح النون وسكون الواو ـ الزهر.
(٢) في ب ، ه : «فتأطر».
(٣) في ب ، ه : «أحمد بن مالك بن سيد أمير اللخمي الشابي.
(٤) في ب ، ه : «جداول ماء فوقها تتفجر».
(٥) يزدهيك : يعجبك ويأخذ بحواسك.
(٦) في ب ، ه : «أحلّ سيدنا الميمون قبته».
تمّ روح السّحر نسحا (١) فأتى |
|
مصحبا باليمن والفخر البعيد |
لأبي عبد الإله المرتقى |
|
في ذرا المجد الرئيس ابن سعيد |
ولم أحفظ تمام الأبيات :
وقال أبو الحسن علي بن سعيد : كتبت إليه من أبيات بحضرة تونس وقد نقل إليه بعض الحساد ما أوجب تغيره : [بحر الطويل]
ومن بعد هذا قد أتيت بزلّة |
|
أما حسن أن لا تضيق بها صدرا |
وعلمك حسبي بالأمور فإنني |
|
عهدتك تدري سر أمري والجهرا |
وقد أصلح الله الأمور بسعيكم |
|
ونيتكم صلحا على البشر (٢) والبشرى)(٣) |
ولم يبق لي إلا رضاك فإن به |
|
كتبت ولو حرفا أطبت به (٤) العمرا |
فبقّيت كهفا للجميع وموئلا |
|
ولا زلت ما دام الزمان لنا سترا |
فكتب إلي هذه الأبيات ، وكان متمرضا ، وبعث إلي بما يذكر : [بحر الطويل]
أكفّ الصبا حفت جنى زهر الربا (٥) |
|
سؤالك عن مضنى (٦) يسامي بك الزهرا |
بعثت بمثل الزهر في مثل صفحة |
|
لذلك ما قلدتها الشذر (٧) والدرا |
معان لها أعنو وأعني بها فكم |
|
وقفت عليها العين والسمع والفكرا |
فلو عرضت للبحر لم يلفظ الدرا |
|
ولو عارضت هاروت لم ينفث السحرا |
أبا حسن هنئت ما قد منحته |
|
ضروبا من الآداب تحلي بها الدهرا |
ودونك بحرا من ودادي تلاطمت |
|
به زاخرات المدّ لا يعرف الجزرا |
فإن خطرت في جانب منك هفوة |
|
فلا تحسبن أني أضيق بها صدرا |
يزلّ الجواد عند ما يبلغ المدى |
|
ويعثر بالرّمث (٨) النسيم إذا أسرى |
__________________
(١) في ب : «نسخا».
(٢) البشر : الابتسام وطلاقة الوجه.
(٣) البشرى : الخبر السعيد.
(٤) في ب ، ه : «أطبت لي العمرا».
(٥) في ب : «الربى».
(٦) في ب ، ه : «سؤالك عن نضو».
(٧) الشذر : قطع من الذهب تلتقط من معدنه ، أو خرز يفصل به بين حبات العقد.
(٨) الرمث : بكسر الراء وسكون الميم : مرعى للإبل من الحمض.