نفح الطّيب - ج ٢

الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني

نفح الطّيب - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني


المحقق: يوسف الشيخ محمّد البقاعي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

فقال له العادل : هذا الضمير الذي في البيت الأول على ما ذا يعود؟ قال : بحسب مكارم السلطان ، إن شئت على الدراهم ، وإن شئت على الدنانير! فضحك وقال : هات كيسك ، فأخرج له كيسا يسع قدر مائة دينار ، فملأه له ، وقال : أظنه كان معدّا عندك ، فقال : مثل السلطان من يكون جوده مظنونا.

وكتب إليه مرة وقد أملق (١) : [بحر الكامل]

انظر إليّ بعين جودك مرة

فلعلّ محروم المطالب يرزق

طير الرجاء على علاك محلّق

وأظنّه سيعود وهو مخلق

فأعطاه جملة دنانير ، وقال له : اشتر بهذه ما تخلق به طير رجائك ، انتهى.

وأنشد ابن سعيد رحمه الله تعالى لبعض المغاربة ، وهو أبو الحسن علي بن مروان الرباطي (٢) الكاتب : [بحر الخفيف]

أنس أخي الفضل كتاب أنيق

أو صاحب يعنى بود وثيق

فإن تعره دون رهن به

تخسره أو تخسر وداد الصديق

وربّما تخسر هذا وذا

فاسمع رعاك الله نصح الشفيق

قال : وأجابه المخاطب بهذه الأبيات ، وهو ابن الرّبيب ، بنثر نصه : مثلك يفيد تجربة قد نفق عليها عمر ، وضل عن فوائدها غرّ غمر ، وقد أنفذت رهنا لا يسمح بإخراجه من اليد إلا ليدك ، فتفضل بتوجيه الجزء الأول ، فأنا أعلم أنه عندك مثل ولدك ، قال : فوجهه ومعه بطاقة صغيرة فيها : يا أخي ، إن عرضت بولدي فكذلك كنت مع والدي وقد توارثنا العقوق كابرا عن كابر ، فكن شاكرا فإني صابر.

ثم قال ابن سعيد : وتفاقم أمر ولده فقيّده بقيد حديد وقال فيه : [بحر السريع]

لي ولد يا ليته

لم يك عندي يخلق

يجهد في كل الذي

يرغم وهو يعشق

وإن أكن قيّدته

دمعي عليه مطلق

وذكر ابن سعيد أن الكاتب أبا الحسن المذكور كان كثيرا ما يستعير الكتب ، فإذا طلبت

__________________

(١) أملق : افتقر.

(٢) في ب : «الزناطي».

٤٢١

منه فكأنها ما كانت ، فذكر لبعض أصحابه ـ وهو ابن الربيب المؤرخ ـ أن عنده نسخة جليلة من تاريخ عريب الذي لخص فيه تاريخ الطبري واستدرك عليه ما هو من شرطه وذيل ما حدث بعده ، فأرسل إليه في استعارتها ، فكتب إليه : يا أخي ، سدّد الله آراءك ، وجعل عقلك أمامك لا وراءك ، ما يلزمني من كونك مضيّعا أن أكون كذلك ، والنسخة التي رمت إعارتها هي مؤنسي إذا أوحشني الناس ، وكاتم سري إذا خانوني ، فما أعيرها إلا بشيء أعلم أنك تتأذّى بفقده إذا فقد جزء من النسخة ، وأنا الذي أقول :

أنس أخي الفضل كتاب أنيق إلى آخره :

وأنشد للكاتب أبي الحسن المذكور : [بحر الخفيف]

إنّ ذاك العذار (١) قام بعذري

وفشا فيه للعواذل سرّي

ما رأينا من قبل ذلك مسكا

صاغ منه الإله هالة بدر

أيّ آس (٢) من حول جنة ورد

ليس منه آس (٣) مدى الدهر يبري

ولما اشتد مرضه بين تلمسان وفاس قال هذه الأبيات ، وأوصى أن تكتب على قبره : [بحر المتقارب]

ألا رحم الله حيّا دعا

لميت قضى بالفلا نحبه

تمر السّوافي (٤) على قبره

فتهدي لأحبابه تربه

وليس له عمل يرتجى

ولكنه يرتجي ربّه

رجع إلى نظم ابن سعيد المترجم به ، فنقول : [بحر الكامل]

وقال لما سار المعظم من حصن كيفا ، وآل أمره إلى الملك ، ثم القتل والهلك : [بحر الكامل]

ليت المعظم لم يسر من حصنه

يوما ولا وافى إلى أملاكه

__________________

(١) العذار.

(٢) آس في أول البيت اسم لنوع من الريحان ، وآس في النصف الثاني اسم فاعل من أسا الطبيب المريض يأسوه فهو آس إذا عالجه ، ويبري : أصله يبرئ قلبت الهمزة ياء لتطرفها إثر كسرة.

(٣) آس في أول البيت اسم لنوع من الريحان ، وآس في النصف الثاني اسم فاعل من أسا الطبيب المريض يأسوه فهو آس إذا عالجه ، ويبري : أصله يبرئ قلبت الهمزة ياء لتطرفها إثر كسرة.

(٤) السافية : الريح التي تحمل التراب وتنثره.

٤٢٢

إن العناصر إذ رأته مكمّلا

حسدته فاجتمعت على إهلاكه

ومما نقلته من ديوانه الذي رتبه على حروف المعجم قوله ـ رحمه الله تعالى! ـ وقلت بالقاهرة على لسان من كلفني ذلك : [بحر الرمل]

شرف الدين أبن لي ما السبب

في انقلاب الدهر لي عند الغضب

فلتدم غضبان أظفر بالمنى

ليس لي في غير هذا من أرب

إنما ظهرك عندي قبلة

ووضوئي الدهر من ذاك الشّنب (١)

وأستغفر الله من قول الكذب ، قال : وقلت بإشبيلية : [بحر السريع]

قد جاء نصر الله والفتح

والصبح لما رضيت صبح

فهنّئوني بارتجاع المنى

لولا الرضا (٢) ما برح البرح(٣)

يا أورقا يا غصنا يانقا

يا ظبية بالليل يا صبح

يصحو جميع الناس من سكرهم

ولست من سكركم أصحو

بلغت فيه غاية لم يبن

غايتها التفسير والشرح

وينصح العذال ، من لي بأن

يعذلني عن غيك النصح(٤)

وقلت بإشبيلية : [بحر الرمل]

وضح الصبح فأين القدح

يعرف اللذات من يصطبح (٥)

ما ترى الليل كطرف أدهم (٦)

وضياء الفجر فيه وضح(٧)

والثرى دبّجه درّ الندى

وعلى الأغصان منه وشح

ومدير الراح لم يعد المنى

كل ما يأتي به مقترح

في بطاح المرج قد نادمني

رشا من سكره ينبطح

__________________

(١) الشنب : صفاء الأسنان وابيضاضها.

(٢) في ب : «الرضى».

(٣) البرح : الشدة.

(٤) اصطبح : تناول الصبوح ، وأراد هنا الخمر.

(٥) الطرف ـ بكسر الطاء وسكون الراء ـ الفرس.

(٦) والأدهم : الأسود.

(٧) والوضح : البياض في قوائم الفرس.

٤٢٣

جعل المسواك سترا للمنى

فكأن قبّل فاه قزح

كلما شئت الذي قد شاءه

فحثى (١) لي كاسه أفتتح

ما أبالي أن رآني كاشح (٢)

أم رآني من لديه نصح

هكذا العيش ودع عيش الذي

خاف من نقد إذا يفتضح

وقلت بشريش : [بحر مجزوء الكامل]

طاب الشراب لمعشر

سلبوا المروءة فاستراحوا

لا يعرفون تسترا

السكر عندهم مباح

متهتكون لدى المنى

وفسادهم فيها صلاح

ساقيهم متبذّل

هل يمنع الماء القراح

غصن يميل به الصّبا

ردته طوع الراح راح

طوع الأماني كل ما

يأتي به فهو اقتراح

ما إن نبالي إن بدا

أن لا يلوح لنا الصباح

ما زلت أرشف ثغره

وعليه من عضدي وشاح

والقلب يهفو طائرا

ولعا ولا يخشى افتضاح

ولو اننا نخشاه كا

ن لنا من الظّلما جناح

لكننا في عصبة

ما في تهتكهم جناح

لا ينكرون سوى ثقي

ل لا يميل به مزاح

أفنى الذي قد جمّعو

ه الكأس والحدق الملاح

وقلت بمراكش (٣) : [بحر مجزوء الكامل]

قم هاتها لاح الصباح

ما العيش إلا الاصطباح

مع فتية ما دأبهم

إلا المروءة والسماح

جربتهم فوجدتهم

ما للمنى عنهم براح

__________________

(١) في ب : «فحنى».

(٢) الكاشح : العدو الظاهر العداوة.

(٣) في ب : «وقلت بأركش» وأركش : حصن بالقرب من قرطبة.

٤٢٤

يثنيهم نحو الصّبا

نقر المثاني (١) والمراح(٢)

ما نادموا شخصا فكا

ن لهم بخدمته استراح

بل يعرفون مكانه

فله إذا شاء اقتراح

هم يتعبون وضيفهم

ما دام عندهم يراح

ما إن يملّون النزي

ل وبالرضا (٣) منه السراح

يدعونه بأجل ما

يدعى به الحر الصّراح (٤)

حتى إذا ما بان كدّ

رعيشهم منه انتزاح

فعلى مثالهم يبا

ح لي المدامع والنواح

كرها فقدتهم فحا (٥)

لي بعد بعدهم ارتياح

لله شوقي إن هفت

من نحو أرضهم الرياح

فهناك قلبي طائر

لهم ومن شوقي جناح

قال : وقلت بمدينة ابن السليم (٦) في وصف كلب صيد أسود في عنقه بياض : [بحر الوافر]

وأدهم دون حلي ظل حالي

كأن ليلا يقلده صباح

يطير وما له ريش ولكن

متى يهفو فأربعه جناح

تكلّ الطير مهما نازعته

وتحسده إذا مرق الرياح

له الألحاظ مهما جاء سلك

ومهما سار فهي له وشاح

وقلت في نيل (٧) مصر : [بحر الكامل]

يا نيل مصر أين حمص ونهرها

حيث المناظر أنجم تلتاح

في كل شط للنواظر مسرح

تدعو إليه منازح (٨) وبطاح

__________________

(١) المثاني : آلات الطرب.

(٢) المراح : الخفة والنشاط.

(٣) في ب : «وبالرضى».

(٤) الصراح : الخالص النسب.

(٥) في ب : «فما».

(٦) مدينة ابن السليم : هي مدينة شذونة بالأندلس ، وسميت بمدينة ابن السليم لأن بني السليم انصرفوا إليها عند خراب مدينة قلشانة وبين قلشانة وبينها خمسة وعشرون ميلا (صفة جزيرة الأندلس ص ١٦٢).

(٧) في ب : «قال : وقلت بنيل».

(٨) المنازح : الدلاء.

٤٢٥

وإذا سبحت فلست أسبح خائفا

ما فيه تيار ولا تمساح

قال : وقلت وقد حضرت مع إخوان لي بموضع يعرف بالسلطانية على نهر إشبيلية وقد مالت الشمس للغروب : [بحر الكامل]

رقّ الأصيل فواصل الأقداحا

واشرب إلى وقت الصباح صباحا

وانظر لشمس الأفق طائرة وقد

ألقت على صفح الخليج جناحا

فاظفر بصفو الأفق قبل غروبها

واستنطق المثنى (١) وحثّ الراحا

متع جفونك في الحديقة قبل أن

يكسو الظلام جمالها أمساحا

وقلت بمرسية : [بحر مخلع البسيط]

أقلقه وجده فباحا

وزاد تبريحه (٢) فناحا

ورام يثني الدموع لما

جرت فزادت له جماحا

يا من جفا فارفقن عليه

مستعبدا لا يرى السراحا

يكابد الموت كل حين

لو أنه مات لاستراحا

ينزو (٣) إذا ما الرياح هبت

كأنه يعشق الرياحا

يسألها عن ربوع حمص

لما نما عرفها وفاحا

كم قد بكى للحمام كيما

يعيره نحوها جناحا

قال : وخرجت مرة مع أبي إسحاق إبراهيم بن سهل الإسرائيلي (٤) إلى مرج الفضة بنهر إشبيلية فتشاركنا في هذا الشعر : [بحر الكامل]

غيري يميل إلى كلام اللاحي

ويمدّ راحته لغير الراح

لا سيما والغصن يزهو زهره

ويميل عطف الشارب المرتاح

وقد استطار القلب ساجع أيكه (٥)

من كل ما أشكوه ليس بصاح

__________________

(١) المثنّى : وتر من أوتار العود.

(٢) التبريح : الألم.

(٣) ينزو : يثب.

(٤) إبراهيم بن سهل الإسرائيلي شاعر من شعراء الأندلس زمن الموحدين. وكان صديق ابن سعيد وزميله أيام الدراسة.

(٥) في ب : «أيكة».

٤٢٦

قد بان عنه جناحه عجبا له

من جانح للعجز حلف جناح

بين الرياض وقد غدا في مأتم

وتخاله قد ظل في أفراح

الغصن يمرح تحته والنهر في

قصف تزجّيه (١) يد الأرواح(٢)

وكأنما الأنسام (٣) فوق جنانه

أعلام خزّ فوق سمر رماح

لا غرو أن قامت عليه أسطر

لما رأته مدرّعا لكفاح

فإذا تتابع موجه لدفاعه

مالت عليه فظل حلف صياح

قال : وقلت بمالقة متشوّقا إلى الجزيرة الخضراء : [بحر الخفيف]

يا نسيما من نحو تلك النواحي

كيف بالله نور تلك البطاح

أسقتها الغمام ريّا فلاحت

في رداء ومئزر ووشاح

أم جفته فصيرته هشيما

تركته تذروه هوج الرياح

يا زماني بالحاجبية إني

لست من سكر ما سقيت بصاحي

آه مما لقيت بعدك من ه

مّ وشوق وغربة وانتزاح

أين قوم ألفتهم فيك لما

قرّب الدهر آذنوا بالرواح

تركوني أسير وجد وشوق

ما لقلبي من الجوى من سراح(٤)

أسلموني للويل حتى تولوا

وأصاخوا ظلما لقول اللواحي(٥)

أعرضوا ثم عرّضوني لشوق

ترك القلب مثخنا بجراح

أسهر الليل لست أغفى لصبح

أترى النوم ذاهبا بالصباح

قد بدا يظهر النجوم حليّا

وهو من لبسة الصبا في براح

مسبلا ستره منعّم بال

وجفوني من سهده في كفاح

أيها الليل لا تؤمل خلودا

عن قريب يمحو ظلامك ماح

ويلوح الصباح مشرق نور

فيه للمستهام بدء نجاح

__________________

(١) تزجيه : تسوقه.

(٢) الأرواح : جمع ريح.

(٣) في ب : «الأنشام».

(٤) الجوى : شدة الوجد والاحتراق من عشق أو حزن.

(٥) اللواخي : جمع لاح ، وهو اللائم.

٤٢٧

إن يوم الفراق بدّد شملي

طائرا ليته بغير جناح

حالك اللون شبه لونك فاعرف (١)

عن عياني يا شبه طير النّزاح (٢)

وإذا ما بدا الصباح فما يش

به إلّا لون الخدود الملاح

وقلت بالجزيرة الخضراء : [بحر البسيط]

قد رفعت راية الصباح

تدعو الندامى للاصطباح

فبادروا للصّبوح إني

قد بعت في غيه صلاحي

ولا تميلوا عن رشف ثغر

وسمع شدو وشرب راح

وأنت يا من يروم نصحي

قد يئس القوم من فلاحي

فلست أصغي إلى نصيح

ما نهضت بالكؤوس راحي

قال : وقلت أمدح ملك إفريقية وأهنئه بقتل ثائر من زناتة (٣) يدّعي أنه من نسل يعقوب المنصور : [بحر السريع]

برّح بي (٤) من ليس عنه براح(٥)

ومن رأى قتلي حلالا مباح

من صرّح الدمع بحبّي له

وما لقلبي عن هواه سراح

ظبي عدمت الصبح مذ صدّني

وكيف لا يعدم وهو الصباح

مورد الخدّ شهي اللّمى (٦)

منعم الردف (٧) جديب الوشاح (٨)

تظنه من قلبه جلمدا

ومنه للماء بجفني انسياح

لردفه أضعف من صبه

ولم أزل من لحظه في كفاح

نشوان من ريقته عربدت

أجفانه بالمرهفات الصّفاح

فها أنيني خافت مثل ما

أنا أسير مثخن بالجراح

__________________

(١) في ب : «فاعزب».

(٢) في ب : «انتزاح». أما النزاح فهو : الفراق والبعد.

(٣) زناتة : اسم قبيلة كانت تقطن في شمالي إفريقية.

(٤) برّح بي : أتعبني وآذاني.

(٥) البراح : الابتعاد.

(٦) اللمى : سمرة مستملحة في الشفاه.

(٧) منعّم الردف : ممتلئ الأرداف.

(٨) جديب الوشاح : نحيل الخصر وكلها صفات تستملحها العرب.

٤٢٨

يا قاتلي صدّا أما تستحي

أن تلزم البخل بأرض السماح

من ذا الذي يبخل في تونس

والملح فيها صار عذبا قراح

وأصبحت أرجاؤها جنة

مبيضة الأبراج خضر البطاح

لو لا ندى (١) يحيى وتدبيره

ما برحت تغبر منها النّواح

لكن يداه سحب كلما

حلت بأرض حل فيها النجاح

هذا وقد آمن من حلها

وحفها من غربة وانتزاح

كم شتّتوا من قبل تأميره

وحكمت فيهم عوالي الرماح

يا سائرا يرجو بلوغ المنى

باكر ذرى (٢) يحيى وقل لا رواح

وحيّه بالمدح فهو الذي

يهتز كالهنديّ حين امتداح

بالشرق والغرب غدا ذكره

يحثّ من حمد وشكر جناح

ساعده السعد وأضحت له ال

آمال لا تجري بغير اقتراح

ويسر الله له ملكه

من غير أن يشهر فيه السلاح

وكل من كان على غيره

ذا منعة أمسى به مستباح

وكم جموح عند ما قام بالأم

ر رأى القهر فخلى الجماح

كفّ بكف للنّدى والردى

بها معان وهي خرس فصاح

حتى لقد أحسب من سعده

تجري على ما يرتضيه الرياح

قولوا ليعقوب فماذا جنى

وابن أبي حمزة ما ذا استباح

قد أصبحا من فوق جذعين لا

تؤنسهم (٣) غير هبوب الرياح

واسأل عن الداعي الدعي الذي

حاول أمرا كان عنه انضراح(٤)

أكان من صيره والدا

بزعمه أمل فيه فلاح

شكرا لسعد لم يدع فرقة

قد صير الملك كضرب القداح

راموا بلا جاه ولا محتد (٥)

ما حزت بالحق فكان افتضاح

زنانة يهنيكم فعلكم

عاجلكم ثائركم باجتياح

__________________

(١) ندى : كرم.

(٢) في ب : «ذرا».

(٣) في ب : «يؤنسهم».

(٤) انضراح : ابتعاد.

(٥) المحتد : الأصل.

٤٢٩

كفّر ما قدّمتم آخر

والخير لن يبرح للشر ماح

عهدي به في موكب الملك ما

بينكم نشوان من غير راح

يحسب أن الأرض ملك له

وروحه ملك لسمر الرماح

غدا بعز الملك لكنه

أهون مملوك على الأرض راح

جاؤوا به يمرح في عزه

وهم أزالوا عنه ذاك المراح

توقّعوا في القرب منه الردى

من صحبة الأجرب يخشى الصّحاح

فأسرعوا نحوك يبغون ما

عوّدتهم من عطفة والتماح

فغادروه جانيا غدره

لطائر البين عليه نياح

فالحمد لله على كل ما

سنّى لك السعد برغم اللواح (١)

مثلك لا ينفد ما شاده (٢)

فلست تأتي الدهر إلّا صلاح

لا زلت في عز وفي مكنة

وفي سرور دائم وانفساح

قال : وقلت بنيونش موضع الفرجة بسبتة : [بحر مجزوء الكامل]

اشرب على بنيونش

بين السواني (٣) والبطاح

مع فتية مثل النجو

م لهم إذا مروا جماح

ساقيهم متبذل

لا يمنع الماء القراح

كل يمد يمينه

ما في الذي يأتي جناح (٤)

هبّوا عليه كلما

هبت على الروض الرياح

طوع الأماني كل ما

يأتي به فهو اقتراح

عانقته حتى ترك

ت بخصره أثر الوشاح

وقلت بإشبيلية : [بحر مخلع البسيط]

أوجه صبح أم الصباح

ولحظها أم ظبا (٥) الصفاح

__________________

(١) اللواح : أصلها اللواهي. وهي جمع اللاهية وهي اللائمة ، المبغضة.

(٢) في ج : لا ينفد ما شاءه.

(٣) السواني : جمع سانية ، وهي الساقية ، أو الناعورة.

(٤) جناح : إثم.

(٥) في ب : «ظبى».

٤٣٠

وثغرها أم نظيم در

وريقها أم سلاف راح

وقدّها أم قوام غصن

وعرفها أم شذا البطاح

يا حبذا زورة تأتت

منها على غفلة اللواح

فلم أصدق بها سرورا

وظلت نشوان دون راح

أما منعت السلام دهرا

ولا رسول سوى الرياح

قالت ألا فانس ما تقضّى

فمن يدع ما مضى استراح

يا حبذاها وقد تأتّت

من دون وعد ولا اقتراح

زارت ومن نورها دليل

والليل قد أسبل الجناح

أخفت سراها (١) فباح نشر

لها بعرف فشا وفاح

وافت فأمسى فمي مداما

وساعداي لها وشاح

كأنما بتّ بين روض

والغصن والورد والأفاح(٢)

فبينما الشمل في انتظام

إذ سمعت داعي الفلاح(٣)

فغادرتني فقلت غدرا؟

قالت أما تحذر افتضاح

ولّت وما خلت من صباح

يبدو على إثره صباح

قال : وقلت بتونس : [بحر السريع]

لا مرحبا بالتين (٤) لما بدا

يسحب من ليل عليه الوشاح

ممزق الجلباب يحكي ضحى

هامة زنجي عليها جراح

وإن تصحّفه فلا حبذا

ما قد أتى تصحيفه بانتزاح

وقلت بالجزيرة الخضراء ، وقد كلّفت ذلك : [بحر الطويل]

غرامي بأقوال العدا كيف ينسخ

وعهدي وقد أحكمته كيف يفسخ

كلامكم لا يدخل السمع نصحه

ولكن إذا حرضتم (٥) فهو يرسخ

__________________

(١) السّرى : السير ليلا.

(٢) الأقاح : ضرب من الزهور.

(٣) سمعت داعي الفلاح : أي أذان الصبح.

(٤) تصحيف تين : «بين» وهو الفراق.

(٥) حرض : ذاب من الهم. تعب.

٤٣١

وبي بدر تمّ قد ذللت لحسنه

فمن ذا الذي فيما أتيت يوبخ؟

إذا خاصموني في هواه خصمتهم

ويبغون تنقيصي بذاك فأشمخ

أرى أن لي فضلا على كل عاشق

فقصتنا في الدهر مما يؤرخ

فما بشر مثل له في جماله

ووجدي به في العشق ليس له أخ

وقلت بالإسكندرية ، وقد تعذّر علي الحج عند وصولي إليها سنة تسع وثلاثين وستمائة : [بحر الكامل]

قرب المزار ولا زمان يسعد

كم ذا أقرّب ما أراه يبعد

وا رحمة لمتيّم ذي غربة

ومع التغرّب فاته ما يقصد

قد سار من أقصى المغارب قاصدا

من لذّ فيه مسيره إذ يجهد

فلكم بحار مع فقار جبتها (١)

تلقى بها الصمصام (٢) ذعرا يرعد (٣)

كابدتها عربا وروما ، ليتني

إذ جزت صعب صراطها لا أطرد

يا سائرين ليثرب بلّغتم

قد عاقني عنها الزمان الأنكد

أعلمتم أن طرت دون محلها

سبقا وها أنا إذ تدانى مقعد

يا عاذلي فيما أكابد قلّ في

ما أبتغيه صبابة وتسهد

لم تلق ما لقيته فعذلتني

لا يعذر المشتاق إلا مكمد

لو كنت تعلم ما أروم (٤) دنوّه

ما كنت في هذا الغرام تفنّد (٥)

لا طاب عيشي أو أحل بطيبة

أفق به خير الأنام محمد

صلّى عليه من براه خيرة

من خلقه فهو الجميع المفرد

يا ليتني بلغت لثم ترابه

فيزاد سعدا من بنعمى يسعد

فهناك لو أعطي مناي محلة

من دونها حل السّها والفرقد

عيني شكت رمدا وأنت شفاؤها

من دائها ذاك الثرى لا الإثمد

__________________

(١) جبتها : قطعتها.

(٢) الصمصام : السيف.

(٣) يرعد : يرتجف من شدة الخوف أو المرض.

(٤) أروم : أتمنى ، أرغب.

(٥) فنده : خطّأ رأيه. كذّبه.

٤٣٢

يا خير خلق الله مهما غبت عن

عليا مشاهدها فقلبي يشهد

ما باختيار القلب يترك جسمه

غير الزمان (١) له بذلك تشهد

يا جنة الخلد التي قد جئتها

من دون بابك للجحيم توقد

صرم التواصل ذبّل (٢) وصوارم

ما للجليد (٣) على تقحّمها (٤) يد

فلئن حرمت بلوغ ما أملته

فلديّ ذكرى لا تزال تردد

فلتنعشوا مني الذّماء (٥) بذكره

ما دمت عن تلك المعالم أبعد

لو لاه ما بقيت حياتي ساعة

هو لي إذا مت اشتياقا مولد

ذكر يليه من الثناء سحائب

أبدا على مرّ الزمان يجدّد

من ذا الذي نرجوه لليوم الذي

يقصى الظماء به ويحمى المورد

يا لهف من وافى هناك وما له

من حبه ذخر به يتزود

ما أرتجي عملا ولكن أرتجي

ثقتي به ولحسب من يتزود

ما صحّ إيمان خلا من حبه

أبلا رياش يستعدّ (٦) مهنّد؟!

عن ذكره لا حلت عنه لحظة

ومديحه في كل حفل أسرد

يا ما دحي يبغي ثوابا زائلا

فثواب مدحي في الجنان أخلّد

لو لا رسول الله لم ندر الهدى

وبه غدا نرجو النّجاة ونسعد

يا رحمة للعالمين بعثت والدني

ا بجنح الكفر ليل أربد (٧)

أطلعت صبحا ساطعا فهديت للإيم

ان إلّا من يحيد ويجحد

لم تخش في مولاك لومة لائم

حتى أقر به الكفور (٨) الملحد(٩)

ونصرت دين الله غير محاذر

ودعوت في الأخرى الألى قد أصعدوا

ولقيت من حرب الأعادي شدّة

لو كابدوها ساعة لتبدّدوا

أيّان لا أحد عليهم عاضد

إلا الإله ولم يخن من يعضد

__________________

(١) غير الزمان : نوازله وكوارثه.

(٢) ذبّل : رماح.

(٣) الجليد : ذو الجلد والقوة.

(٤) تقحّم : خاض.

(٥) الذماء : بقية الروح في الجسد.

(٦) في ب : «يستعدّ».

(٧) الليل الأربد : الأسود المظلم.

(٨) الكفور : الشديد الكفر. صيغة مبالغة من اسم الفاعل : كافر.

(٩) الملحد : الكافر.

٤٣٣

فحماك بالغار الذي هو من أدلّ

المعجزات وخاب من يترصّد

ووقاك من سمّ الذراع بلطفه

كيما يغاظ بك العدا والحسّد

والجذع حنّ إليك والماء انهمى

ما بين خمسك والصحابة شهّد

والذئب أنطق للذي أضحى به

يهدي إلى سبل النجاح ويرشد

وبليلة الإسرا حباك وسمي الص

دّيق من أضحى لقولك يسعد

وحباك (١) بالخلق العظيم ومعجز الك

لم الذي يهدي به إذ يورد

وبعثت بالقرآن غير معارض

فيه وأمسى من نحاه يعرّد (٢)

فتوالت الأحقاب وهو مبرّأ

من أن يكون له مثال يوجد (٣)

ولكم بليغ جال فصل خطابه

والسرج في ضوء الغزالة تمهد (٤)

زويت لك الأرض التي لا زال

حتى الحشر ربك في ذراها يعبد (٥)

ونصرت بالرعب الذي لما يزل

يترى كأن ما عين شخصك تفقد (٦)

فمتى تعرّض طاعن أو حاد عن

حرم الهداية فالحسام مجرد

يا من تخيّر من ذؤابة هاشم

نعم الفخار لها ونعم المحتد

لسناك حين بدا بآدم أقبلت

رعيا لأخراه الملائك تسجد

لم أستطع حصرا لما أعطيته

فذكرت بعضا واعتذاري منشد

ما ذا أقول إذا وصفت محمدا

نفد الكلام ووصفه لا ينفد

فعليك يا خير الخلائق كلها

مني التحية والسلام السرمد (٧)

قال : وقلت بإشبيلية : [الرجز]

هل تمنع النهود

ما أبدت الخدود

__________________

(١) حباك : أعطاك.

(٢) نحاه : قصده. يعرّد : يفر ويهرب ويحجم وينكل ويسرع في الهزيمة.

(٣) الأحقاب : جمع حقبة ، وهي الفترة من الزمن.

(٤) الغزالة : الشمس.

(٥) زويت لك الأرض : قبضت وجمعت.

(٦) يترى : يتتابع.

(٧) السلام السرمد : الدائم.

٤٣٤

نعم وكم طعين

بطعنها شهيد

يا ربّة المحيا

حفت به السعود

لم تسكر الحميا

بل ريقك البرود (١)

لله يا عذولي

ما تكتم البرود

ما زلت فيه أفني

والوجد مستزيد

يا هل ترى زمانا

مضى لنا يعود

لدى الغروس سقّت

جنابها العهود

حيث الغصون مالت

كأنها قدود

وزهرها نظيم

كأنه عقود

حمامها تغني

أعطافها تميد

وبالنسيم شقّت

لنهرها برود (٢)

فروعه سيوف

وسوره بنود (٣)

هناك كم دعتني

إلى الورود رود (٤)

فنلت كل سؤل

يفنى به الحسود

قضيت فيه عيشا

ما بعده مزيد

أضحي به وأمسي

مرنحا أميد

كأنني يزيد

كأنني الوليد

يجري الزمان طوعي

بكل ما أريد

الخمر ملّكتني

فالخلق لي عبيد

يحق لي إذا ما

أبصرتها تجود (٥)

فها أنا إذا ما

فقدتها فقيد

__________________

(١) الحميّا : الخمرة.

(٢) البرود : الثياب.

(٣) البنود : جمع بند ، وهو العلم.

(٤) الرّود : بضم الراء ـ الشابة الحديثة السن ذات الدل والخفر.

(٥) في ه : «إذا ما أبصرتها سجود».

٤٣٥

يا من يلوم بغيا

العذل لا يفيد

إذا عدمت كأسي

فليس لي وجود

قال : وقلت بإشبيلية : [بحر الكامل]

أو ما نظرت إلى الحمامة تنشد

والغصن من طرب بها يتأوّد (١)

ونثاره تلقاه (٢) جائزة لها

لما يزل بيد النسيم يبدد

ألقى عليها الطل بردا سابغا (٣)

فثناؤه طول الزمان يردد

أترى الحمامة من محبّ مخلص

أولى بشكر حين تغمره يد

فلأثنين عليك ما أثني بأع

لى الغصن حنّان الهديل (٤) مغرد

كم نعمة لي في جنابك؟ كم أكا

بد جهدها؟ أيان برك يجهد؟

وقال : [بحر الطويل]

أرى العين مني تحسد الأذن كلما

جرت مدحة للعلم والفضل والمجد

أحقق أنباء ولم أر صورة

كتحقيقي الأخبار عن جنة الخلد

فمنّ على عيني بلقياك إنني

أخذت لها أمنا بذاك من السهد

قال : وقلت أمدح ابن عمي وأشكره ، على ما أذكره : [بحر الخفيف]

آه مما تكنّ (٥) فيك الجوانح

ودموعي على نواك سوافح

واشتفاء من العدوّ ببين

كدّر العيش ، أيّ عيش لنازح؟

يا أتم الأنام حسنا أما تحس

ن حتى يتمّ إطراء مادح

يا زمان الوصال عودا فإني

طوّحت (٦) بي لما غدرت الطوائح(٧)

أين عيش العروس إذ يبطح الس (٨)

كر حبيبي ما بين تلك الأباطح (٩)

__________________

(١) يتأود : يتلوى ويتمايل.

(٢) في ب : «ألقاه».

(٣) سابغا : طويلا واسعا.

(٤) حنّان الهديل : أراد الحمام.

(٥) تكنّ : تستر ، تغطي.

(٦) طوّح : ذهب به هنا وهناك وبعّده في الأرض.

(٧) الطوائح : جمع طائحة وهي المهلكة.

(٨) في ب : «السكر».

(٩) الأباطح : جمع بطحاء ، وهي مكان متسع منبسط يسيل فيه الماء فيخلف فيه التراب والحصى والصغار ، وجمعها : بطاح وبطائح وبطحاوات.

٤٣٦

والأماني تترى (١) ولا أحد ين

صح إذ لا يصغى إلى قول ناصح

وزمان السرور سمح مطيع

ورسول الحبيب غاد ورائح

ولكم ليلة أتاني بلا طي

ب ولكن يزري بأذكى الروائح

هو ظبي فليس يحتاج طيبا

قد كفاه عرف من المسك فائح

مثل عليا محمد لم تكن كس

با وما لا يكون في الطبع فاضح

يا كريما أتى من الجود مالا

كان يدري فأوجدته المدائح

وعلا كل ذي علاء وأضحى

نحو ما لا يرومه الناس طامح

قد أتاني إحسانك الغمر (٢) في إث

ر سواه فكنت أكمل مادح

فاض بحر النوال منك ولا سا

حل يبدو ولم أزل فيه سابح

حلل مثل ما كسوتك في المد

ح تميت العدا ومال وسائح (٣)

أورد الورد (٤) منطقي كلّ شكر

حين أضحى طوع البنان مسامح

لون خد الحبيب حين كسوه

حلة الحسن بالعيون اللوامح

شفق سال بين عينيه صبح

حسنه قيّد اللحاظ السوارح

لم أجد فيه من جماح ولكنّ

ثنائي عليك ما زال جامح

لك يا ابن الحسين ذكر جميل

صير الكل نحو بابك جانح

قد هدى نحوك الثناء كما يه

دي إلى الروض باسمات النوافح

فاعذر الناس أن أتوا لك أفوا

جا فكلّ بقصد فضلك رابح

ما هدتهم إليك إلا الأماني

لم تحلهم إلا عليك القرائح

قل لذي المفخر الحديث تأخّر

ليس مهر في شأوه مثل قارح

أي أصل وأي فرع أقاما

شرفا ظلّ للنجوم يناطح

قد حوت مذحج من الفجر لما

كنت منها ما ليس يحويه شارح

أفق مجد قد زانه منك بدر

في ظلام الخطوب ما زال لائح

__________________

(١) تترى :

(٢) الغمر : الغزير.

(٣) في ب : «وسابح» وسائح وسابح صفتان للفرس.

(٤) الورد من الخيل : ما كان لونه بين الكميت والأشقر.

٤٣٧

بدر تم حفت به هالة من

بيت مجد علاؤها الدهر واضح

يا سماكا بمسكه القلم الأع (١)

لى بدا بين أنجم الملك رامح

رفع الله للكتابة قدرا

بعد ما كابدت توالي الفضائح

يا أعزّ الأنام نفسا وأعلا

هم محلّا لا زال أمرك راجح

أين أعداؤك الذين رعى سي

فك فيهم فأشبهوا قوم صالح (٢)

أفسد الدهر حالهم ليرى حا

لك رغما بمن يناويك (٣) صالح(٤)

دمت في عزة وسعد مدى الده

ر ولا زال طائر منك سانح (٥)

وابن عمه المذكور قال في حقه في «المغرب» ما ملخصه : إنه الرئيس الأعلى ، ذو الفضائل الجمة ، أبو عبد الله محمد بن الحسين بن أبي الحسين سعيد بن الحسين بن سعيد بن خلف بن سعيد ، قال : واجتماع نسبنا مع هذا الرئيس في سعيد بن خلف ، وهو الآن قد اشتمل عليه ملك إفريقية اشتمال المقلة على إنسانها ، وقدمه في مهماته تقديم الصّعدة (٦) لسنانها (٧) ، وأقام لنفسه مدينة حذاء حضرة تونس ، واعتزل فيها بعسكر الأندلس الذين صيّرهم الملك المنصور إلى نظره ، وهو كما قال الفتح صاحب القلائد «فقد جاء آخرهم ، فجدد مفاخرهم» ومن نظمه وقد نزل على من قدم له مشروبا أسود اللون غليظا وخروبا وزبيبا [أسود ، وزبيبا] كثير الغصون جاءت به عجوز في طبق ، فقال : [بحر المتقارب]

ويوم نزلنا بعبد العزيز

فلا قدس الله عبد العزيز

سقانا شرابا كلون الهناء (٨)

ونقّلنا بقرون العنوز(٩)

وجاءت عجوز فأهدت لنا

زبيبا كخيلان خدّ العجوز

__________________

(١) في ه : «يا سماكا بملكه القلم الأعلى».

(٢) يقصد أنهم أشبهوا قوم النبي صالح في الهلاك.

(٣) يناويك : يخاصمك ويعاديك.

(٤) في ه : «صائح» وفي ه : «طائح» وكلاهما تحريف.

(٥) الطير السانح والسنيح : الذي يتيمن به.

(٦) الصعدة ـ بالفتح ـ القناة المستوية التي لا تحتاج إلى تثقيف.

(٧) السنان : رأس الرمح العدني.

(٨) الهناء : ـ بالكسر ـ القطران.

(٩) العنوز : جمع عنز.

٤٣٨

ونزل السلطان أبو يحيى في بعض حركاته لموضع فيه نهر ، وعلى شطه نور (١) ، فقال الرئيس أبو عبد الله بن الحسين يصفه أو أمر بذلك : [بحر الطويل]

ونهر يرفّ الزهر في جنباته

ويثني النسيم قضبه ويقنطر (٢)

يسيل كما عنّ الصباح بأفقه

وإلا كما شيم الحسام المجوهر

عليه ليحيى قبة ، هل سمعتم

بقرصه شمس حل فيها غضنفر؟

فإن قلت هذي قبة لعفاتها

فقل ذلك الوادي الذي سال كوثر

وقال أبو عمرو أحمد بن مالك بن سعيد المير اللخمي النشابي (٣) في ذلك : [بحر الطويل]

وأرض من الحصباء بيضاء قد جرت

جداول ماء دونها (٤) تتفجر

كما سبحت تبغي الحياة أراقم

على روضة فيها الأقاح المنوّر

وإلا كما شقّت سبائك فضة

بساطا على حافاته الدر ينثر

وقال أبو علي يونس : [بحر البسيط]

انظر إلى منظر يسبيك منظره

ويزدهيك (٥) بإذن الله مخبره

ومعجب معجب لا شيء يشبهه

خرير ماء نمير ثمّ منهره

كأنما فرشت بالدر صفحته

فالماء ينظمه طورا وينثره

كأن خلجانه قدّت على قدر

بمائها قسم يجري مفجّره

أحلّ سيدنا المأمون (٦) قبته

بحوزه فغدا يزدان جعفره

رجع إلى ما كنا فيه من أخبار الرئيس ابن الحسين ، فنقول :

رأيت بالمغرب آخر كتاب «روح السحر» من نسخة ملوكية كتبت له أبياتا علق بحفظي منها الآن ما نصه : [بحر الرمل]

__________________

(١) النور ـ بفتح النون وسكون الواو ـ الزهر.

(٢) في ب ، ه : «فتأطر».

(٣) في ب ، ه : «أحمد بن مالك بن سيد أمير اللخمي الشابي.

(٤) في ب ، ه : «جداول ماء فوقها تتفجر».

(٥) يزدهيك : يعجبك ويأخذ بحواسك.

(٦) في ب ، ه : «أحلّ سيدنا الميمون قبته».

٤٣٩

تمّ روح السّحر نسحا (١) فأتى

مصحبا باليمن والفخر البعيد

لأبي عبد الإله المرتقى

في ذرا المجد الرئيس ابن سعيد

ولم أحفظ تمام الأبيات :

وقال أبو الحسن علي بن سعيد : كتبت إليه من أبيات بحضرة تونس وقد نقل إليه بعض الحساد ما أوجب تغيره : [بحر الطويل]

ومن بعد هذا قد أتيت بزلّة

أما حسن أن لا تضيق بها صدرا

وعلمك حسبي بالأمور فإنني

عهدتك تدري سر أمري والجهرا

وقد أصلح الله الأمور بسعيكم

ونيتكم صلحا على البشر (٢) والبشرى)(٣)

ولم يبق لي إلا رضاك فإن به

كتبت ولو حرفا أطبت به (٤) العمرا

فبقّيت كهفا للجميع وموئلا

ولا زلت ما دام الزمان لنا سترا

فكتب إلي هذه الأبيات ، وكان متمرضا ، وبعث إلي بما يذكر : [بحر الطويل]

أكفّ الصبا حفت جنى زهر الربا (٥)

سؤالك عن مضنى (٦) يسامي بك الزهرا

بعثت بمثل الزهر في مثل صفحة

لذلك ما قلدتها الشذر (٧) والدرا

معان لها أعنو وأعني بها فكم

وقفت عليها العين والسمع والفكرا

فلو عرضت للبحر لم يلفظ الدرا

ولو عارضت هاروت لم ينفث السحرا

أبا حسن هنئت ما قد منحته

ضروبا من الآداب تحلي بها الدهرا

ودونك بحرا من ودادي تلاطمت

به زاخرات المدّ لا يعرف الجزرا

فإن خطرت في جانب منك هفوة

فلا تحسبن أني أضيق بها صدرا

يزلّ الجواد عند ما يبلغ المدى

ويعثر بالرّمث (٨) النسيم إذا أسرى

__________________

(١) في ب : «نسخا».

(٢) البشر : الابتسام وطلاقة الوجه.

(٣) البشرى : الخبر السعيد.

(٤) في ب ، ه : «أطبت لي العمرا».

(٥) في ب : «الربى».

(٦) في ب ، ه : «سؤالك عن نضو».

(٧) الشذر : قطع من الذهب تلتقط من معدنه ، أو خرز يفصل به بين حبات العقد.

(٨) الرمث : بكسر الراء وسكون الميم : مرعى للإبل من الحمض.

٤٤٠