نفح الطّيب - ج ٢

الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني

نفح الطّيب - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني


المحقق: يوسف الشيخ محمّد البقاعي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

لمّا دنا البعد

لم أدر من بعد

من غيّره

وهيّم العبد

والواحد الفرد

قد خيّره

في البوح والكتمان

والسّرّ والإعلان

في العالمين

أمّا هو الدّيّان (١)

يا عابد الأوثان

أنت الضّنين

دور

كلّ الهوى صعب

على الّذي يشكو

ذلّ الحجاب

يا من له قلب

لو أنّه يذكو

عند الشّباب

قد قرّب الرّبّ (٢)

لكنّه إفك

فانو المتاب

وناد يا رحمن

يا ربّ يا منّان(٣)

إنّي حزين

أضناني الهجران

ولا حبيب دان

ولا معين

دور

فنيت بالله

عمّا تراه العين

من كونه

في موقف الجاه

وصحت أين الأين (٤)

__________________

(١) في ب : أنا هو الديان.

(٢) في ب ، ه : قرّبه الرب.

(٣) في ب ، ه : يا برّ يا منان.

(٤) في ه : وصحت أين البين.

٣٢١

في بينه

فقال : يا ساهي

عاينت قطّ عين

بعينه

أما ترى غيلان (١)

وقيس أو من كان

في الغابرين

قالوا الهوى سلطان

إن حلّ بالإنسان

أفناه دين

دور

كم مرّة قالا

أنا الّذي أهوى

من هو أنا

فلا أرى حالا

ولا أرى شكوى

إلّا الفنا

لست كمن مالا

عن الّذي يهوى

بعد الجنا

ودان بالسّلوان

هذا هو البهتان

للعارفين

سلوهم ما كان

عن حضرة الرّحمن

والآفكين

دور

دخلت في بستان

الأنس والقرب

كمكنسه

فقام لي الرّيحان

يختال بالعجب (٢)

في سندسه

__________________

(١) غيلان : هو الشاعر ذو الرمة.

(٢) في ه : يختال من عجب.

٣٢٢

أنا هو الإنسان

مطيّب الصّبّ

في مجلسه

جنّان يا جنّان (١)

اجن من البستان

الياسمين

وحلّل الرّيحان

بحرمة الرّحمن

للعاشقين

وقال الإمام الصفي بن ظافر الأزدي في رسالته : رأيت بدمشق الشيخ الإمام العارف الوحيد محيي الدين بن عربي ، وكان من أكبر علماء الطريق ، جمع بين سائر العلوم الكسبية وما وقر (٢) له من العلوم الوهبية ، ومنزلته شهيرة ، وتصانيفه كثيرة ، وكان غلب عليه التوحيد علما وخلقا وحالا ، لا يكترث بالوجود مقبلا كان أو معرضا ، وله علماء أتباع أرباب مواجيد وتصانيف ، وكان بينه وبين سيدي الأستاذ الخراز (٣) إخاء ورفقة في السياحات ، رضي الله تعالى عنهما! انتهى.

وذكر الإمام سيدي عبد الله بن سعد اليافعي اليمنى في «الإرشاد» أنه اجتمع مع الشهاب السّهروردي ، فأطرق كل واحد منهما ساعة ، ثم افترقا من غير كلام ، فقيل للشيخ ابن عربي : ما تقول في السهروردي؟ فقال : مملوء سنّة من قرنه إلى قدمه ، وقيل للسهروردي : ما تقول في الشيخ محيي الدين؟ فقال : بحر الحقائق.

ثم قال اليافعي ما ملخصه : إن بعض العارفين كان يقرأ عليه كلام الشيخ ويشرحه ، فلما حضرته الوفاة نهى عن مطالعته ، وقال : إنكم لا تفهمون معاني كلامه ، ثم قال اليافعي :

وسمعت أن العز بن عبد السلام كان يطعن عليه ويقول : هو زنديق ، فقال له بعض أصحابه : أريد أن تريني القطب ، أو قال وليا ، فأشار إلى ابن عربي ، فقال له : فأنت تطعن فيه ، فقال : أصون ظاهر الشرع ، أو كما قال.

وأخبرني بهذه الحكاية غير واحد من ثقات مصر والشام ، ثم قال : وقد مدحه وعظمه طائفة كالنجم الأصبهاني والتاج بن عطاء الله وغيرهما ، وتوقف فيه طائفة ، وطعن فيه آخرون ، وليس الطاعن فيه بأعلم من الخضر عليه السلام ، إذ هو أحد شيوخه ، وله معه اجتماع كثير.

__________________

(١) الجنان : البستاني.

(٢) في ب : وما وفّر.

(٣) في ب : الأستاذ الحرّار.

٣٢٣

ثم قال : وما ينسب إلى المشايخ له محامل : الأول أنه لم تصح نسبته إليهم ، الثاني بعد الصحة يلتمس له تأويل موافق ، فإن لم يوجد له تأويل في الظاهر فله تأويل في الباطن لم نعلمه ، وإنما يعلمه العارفون ، الثالث : أن يكون ذلك صدر منهم في حال السكر والغيبة ، والسكران سكرا مباحا غير مؤاخذ ولا مكلف ، انتهى ملخصا.

وممن ذكر الشيخ محيي الدين الإمام شمس الدين محمد بن مسدي في معجمه البديع المحتوي على ثلاث مجلدات ، وترجمه ترجمة عظيمة مطولة أذكر منها أنه قال : إنه كان ظاهري المذهب في العبادات ، باطني النظر في الاعتقادات ، خاض (١) بحار تلك العبارات ، وتحقق بمحيّا تلك الإشارات ، وتصانيفه تشهد له عند أولي البصر بالتقدم والإقدام ، ومواقف النهايات في مزالق الأقدام ، ولهذا ما ارتبت في أمره ، والله تعالى أعلم بسره ، انتهى.

ونقلت من خط ابن علوان التونسي رحمه الله تعالى ، قال الشيخ محيي الدين : [مخلع البسيط]

بالمال ينقاد كلّ صعب

من عالم الأرض والسّماء

يحسبه عالم حجابا

لم يعرفوا لذّة العطاء

ولو لا الّذي في النّفوس منه

لم يجب الله في الدّعاء

لا تحسب المال ما تراه

من عسجد مشرق الضّياء(٢)

بل هو ما كنت يا بنيّ

به غنيّا عن السّواء

فكن بربّ العلا غنيّا

وعامل الخلق بالوفاء

وقال : [السريع]

نبّه على السّرّ ولا تفشه

فالبوح بالسّرّ له مقت(٣)

على الّذي يبديه فاصبر له

واكتمه حتّى يصل الوقت

وقال :

قد ثاب غلماننا علينا

فمالنا في الوجود قدر

أذنابنا صيّرت رؤوسا

مالي على ما أراه صبر

__________________

(١) في ب ، ه : خاض بحر تلك العبارات.

(٢) في ب ، ه : من عسجد مشرق لراء.

(٣) المقت : أشد البغض.

٣٢٤

هذا هو الدّهر يا خليلي

فمن يقاسيه فهو قهر

ونظم الشيخ محيي الدين هو البحر الذي لا ساحل له.

ولنختم ما أوردنا منه بقوله : [السريع]

يا حبّذا المسجد من مسجد

وحبّذا الرّوضة من مشهد

وحبّذا طيبة من بلدة

فيها ضريح المصطفى أحمد

صلّى عليه الله من سيّد

لو لاه لم نفلح ولم نهتد

قد قرن الله به ذكره

في كلّ يوم فاعتبر ترشد(١)

عشر خفيّات وعشر إذا

أعلن بالتّأذين في المسجد

فهذه عشرون مقرونة

بأفضل الذّكر إلى الموعد

١١٤ ـ ومنهم الصوفي الشهير أبو الحسن علي الشّشتري (٢) ، وهو علي بن عبد الله النميري.

عروس الفقهاء ، وإمام المتجردين (٣) ، وبركة لابسي الخرقة ، وهو من قرية ششتر من عمل وادي آش ، وزقاق الششتري معلوم بها ، وكان مجودا للقرآن ، قائما عليه ، عارفا بمعانيه ، من أهل العلم والعمل ، جال في الآفاق (٤) ، ولقي المشايخ ، وحج حجات ، وآثر التجرد والعبادات.

وذكره القاضي أبو العباس الغبريني في «عنوان الدراية» فقال : الفقيه الصوفي ، من الطلبة المحصلين ، والفقراء المنقطعين ، له علم بالحكمة ، ومعرفة بطريق الصوفية ، وتقدم في النظم والنثر على طريقة التحقيق ، وأشعاره وموشحاته وأزجاله الغاية في الانطباع.

أخذ عن القاضي محيي الدين محمد بن إبراهيم بن الحسن بن سراقة الأنصاري الشاطبي وغيره من أصحاب السّهروردي صاحب «عوارف المعارف» واجتمع بالنجم بن إبراهيم الدمشقي (٥) سنة ٦٥٠ ، وخدم أبا محمد بن سبعين ، وتلمذ له ، وكان ابن سبعين دونه في السن ، لكن اشتهر باتباعه ، وعول على ما لديه ، حتى صار يعبر عن نفسه في منظوماته وغيرها

__________________

(١) يشير إلى الشهادتين : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله.

(٢) هذه الكلمة سقطت من ج ، وهي موجودة في ب ، ه.

(٣) في ب ، ه : وأمير المتجردين.

(٤) في ب ، ه : جال الآفاق.

(٥) في ب ، ه : ابن إسرائيل الدمشقي.

٣٢٥

بعبد ابن سبعين ، وقال له لما لقيه ـ يريد المشايخ ـ : إن كنت تريد الجنة فسر إلى أبي مدين ، وإن كنت تريد رب الجنة فهلم إلى ، ولما مات أبو محمد انفرد بعده بالرياسة (١) والإمامة على الفقراء المتجردين ، فكان يتبعه في أسفاره ما ينيف على أربعمائة فقير فيقتسمهم (٢) الترتيب في وظائف خدمته.

صنف كتبا : منها كتاب «العروة الوثقى ، في بيان السنن وإحصاء العلوم ، وما يجب على المسلم أن يعمله ويعتقده إلى وفاته» وله كتاب «المقاليد الوجودية ، في أسرار الصوفية» و «الرسالة القدسية ، في توحيد العامة والخاصة» و «المراتب الإيمانية والإسلامية والإحسانية» و «الرسالة العلمية» وغير ذلك.

وله ديوان شعر مشهور ، ومن نظمه قوله رحمه الله تعالى : [الطويل]

لقد تهت عجبا بالتّجرّد والفقر

فلم أندرج تحت الزّمان ولا الدّهر

وجاءت لقلبي نفحة قدسيّة

فغبت بها عن عالم الخلق والأمر

طويت بساط الكون والطّيّ نشره

وما القصد إلّا التّرك للطّيّ والنّشر

وغمّضت عين القلب غير مطلّق

فألفيتني ذاك الملقّب بالغير

وصلت لمن لم تنفصل عنه لحظة

ونزّهت من أعني عن الوصل والهجر(٣)

وما الوصف إلّا دونه غير أنّني

أريد به التّشبيب عن بعض ما أدري

وذلك مثل الصّوت أيقظ نائما

فأبصر أمرا جلّ عن ضابط الحصر(٤)

فقلت له الأسماء تبغي بيانه

فكانت له الألفاظ سترا على ستر

وقال : [الكامل]

من لامني لو أنّه قد أبصرا

ما ذقته أضحى به متحيّرا

وغدا يقول لصحبه إن أنتم

أنكرتم ما بي أتيتم منكرا

شذّت أمور القوم عن عاداتهم

فلأجل ذاك يقال سحر مفترى

وقال ، وهي من أشهر ما قال : [الطويل]

__________________

(١) في ب : بالرئاسة.

(٢) في ب ، ه : فيتقسمهم.

(٣) في ه : ونزهت من أغنى عن الوصل والهجر.

(٤) المقصود أنه لا يستطاع تحديد هذا الأمر لكبره.

٣٢٦

أرى طالبا منّا الزّيادة لا الحسنى

بفكر رمى سهما فعدّى به عدنا

وطالبنا مطلوبنا من وجودنا

تغيب به عنّا لدى الصّعق إن عنّا (١)

وهي طويلة مشهورة بالشرق والغرب ، وقد شرحها شيخ شيوخ شيوخنا العارف بالله تعالى سيدي أحمد زرّوق نفعنا الله تعالى ببركاته! وأشار ابن الخطيب في «الإحاطة» إلى أنها لا تخلو (٢) عن شذوذ من جهة اللسان ، وضعف في العربية ، قال : ومع ذلك فهي غريبة المنزع ، أشار فيها إلى مراتب الأعيان (٣) الأعلام من أهل هذه الطريقة ، وكأنها مبنية على كلام شيخه الذي خاطبه به عند لقائه حسبما قدّمناه ، إذ الحسنى : الجنة ، والزيادة : مقام النظر ، وقوله فيها : [الطويل]

وأظهر منها الغافقي لنا جنّى

وكشّف عن أطواره الغيم والدّجنا(٤)

هو شيخه أبو محمد بن سبعين لأنه مرسيّ الأصل غافقيّه.

ولما وصل الششتري من الشام إلى ساحل دمياط وهو مريض مرض موته نزل قرية بساحل البحر الرومي فقال : ما اسم هذه القرية؟ فقيل : الطينة ، فقال : حنت الطينة إلى الطينة ، وأوصى أن يدفن بمقبرة دمياط ، إذ الطينة بمفازة (٥) ، وأقرب المدن إليها دمياط ، فحمله الفقراء على أعناقهم إلى دمياط.

وكانت وفاته يوم الثلاثاء سابع عشر صفر سنة ٦٦٨ ، فدفن بدمياط ، رحمه الله تعالى ، ورضي عنه!.

١١٥ ـ ومنهم سيدي أبو الحسن علي بن أحمد الحرالي الأندلسي (٦).

وحرالة : قرية من أعمال مرسية ، غير أنه ولد بمراكش ، وأخذ بالأندلس عن أبي الحسن بن خروف وغير واحد ، ورحل إلى المشرق فأخذ عن أبي عبد الله القرطبي إمام الحرم وغيره ، ولقي جملة (٧) من المشايخ شرقا وغربا.

__________________

(١) في ب ، الديوان : نغيب به عنا.

(٢) في ه : لم تخل عن شذوذ.

(٣) الأعيان : غير موجودة في ب.

(٤) الدّجن : المطر الكثير.

(٥) المفازة : الصحراء الواسعة التي لا ماء فيها.

(٦) انظر ترجمته في شذرات الذهب ج ٥ ص ١٨٩.

(٧) في ب ، ه : ولقي جلة من المشايخ.

٣٢٧

وهو إمام ، ورع ، صالح ، زاهد ، كان بقية السلف ، وقدوة الخلف ، وقد زهد في الدنيا وتخلى عنها ، وأقام في تفسير الفاتحة نحوا من ستة أشهر يلقي في التعليل قوانين تتنزل في علم التفسير منزلة أصول الفقه من الأحكام ، حتى من الله تعالى ببركات ومواهب لا تحصى ، وعلى أحكام تلك القوانين وضع كتابه «مفتاح اللب المقفل ، على فهم القرآن المنزل» وهو ممن جمع العلم والعمل ، وصنف في كثير من الفنون كالأصول والمنطق والطبيعيات والإلهيات ، وكان يقرئ «النجاة» لابن سينا فينقضه عروة عروة ، وكان من أعلم الناس بمذهب مالك ، ولما ظن فقهاء عصره أنه لا يحسن المذهب لاشتغاله بالمعقولات قرأ «التهذيب» (١) وأبدى فيه الغرائب ، وبين مخالفته للمدونة في بعض المواضع ، ووقع بينه وبين الشيخ عز الدين بن عبد السلام شيء ، وطلب عز الدين أن يقف على تفسيره ، فلما وقف عليه قال. أين قول مجاهد؟ أي قول فلان وفلان؟ وكثر القول في هذا المعنى ، ثم قال : يخرج من بلادنا إلى وطنه ، يعني الشام ، فلما بلغ كلامه الشيخ قال : هو يخرج وأقيم أنا ، فكان كذلك ، وله عدة مؤلفات في الفنون ، وقال رحمه الله تعالى : أقمت ملازما لمجاهدة النفس سبعة أعوام ، حتى استوى عندي من يعطيني دينارا ومن يزدريني ، وأصبح ـ رحمه الله تعالى! ـ ذات يوم ولا شيء لأهله يقيمون به أودهم ، وكانت أم ولده جارية تسمى كريمة ، وكانت سيئة الخلق ، فاشتدّت عليه في الطلب ، وقالت له : إن الأصاغر لا شيء لهم ، فقال لها (٢) ؛ الآن يأتي من قبل الوكيل ما نتقوّت به ، فبينما هم كذلك وإذا بالحمّال يضرب الباب ومعه قمح ، فقال لها : يا كريمة ، ما أعجلك! هذا الوكيل بعث بالقمح ، فقالت : ومن يصنعه؟ فأمر فتصدق به ، ثم قال لها : يأتيك ما هو أحسن منه ، فانتظرت يسيرا ، وبدا لها فتكلمت بما لا يليق ، فبينما هم كذلك ، وإذا بحمال سميذ ، فقال لها : هذا السميذ أيسر وأسهل من القمح ، فلم يقنعها ذلك ، فأمر أيضا بصدقته ، فلما تصدق به زادت في المقال ، وإذا برجل على رأسه طعام ، فقال لها : يا كريمة ، قد كفيت المؤنة ، هذا الوكيل قد لطف بحالك (٣).

ومن كراماته أن بعض طلبته اجتمعوا في نزهة ، وأخذوا حليا من زينة النساء ، فزينوا به بعض أصحابهم ، فلما انقضى ذلك واجتمعوا بمجلس الشيخ صار الذي كان في يده الحلي يتحدث ويشير بيده ، فقال الشيخ : يد يجعل فيها الحلي لا يشار بها في الميعاد.

ومنها أنه أصاب الناس جدب ببجاية ، فأرسل إلى داره من يسوق ماء إلى الفقراء ، فامتنعت كريمة ، ونهرت رسله ، فسمع كلامها ، فقال للرسول : قل لها يا كريمة ، والله لأشربنّ

__________________

(١) في ب ، ه : أقرأ التهذيب.

(٢) لها : غير موجودة في ب.

(٣) في ب ، ه : قد علم بحالك.

٣٢٨

من ماء المطر الساعة ، فرمق السماء بطرفه ، ودعا الله سبحانه وتعالى ، ورفع يده به ، وشرع المؤذن في الأذان ، ولم يختم المؤذن أذانه حتى كان المطر كأفواه القرب.

وتوفي رحمه الله تعالى بحماة من بلاد الشام سنة سبع وثلاثين وستمائة ، انتهى ملخصا من «عنوان الدراية» للغبريني (١).

ووقع للذهبي في حقه كلام على عادته في الحط على هذه الطائفة ، ثم قال : ورأيت شيخنا المجد التونسي يتغالى في تفسيره ، ورأيت غير واحد معظما له وموقرا (٢) وقوما تكلموا في عقيدته ، وكان نازلا عند قاضي حماه البارزي وقال لنا شرف الدين البارزي : تزوج بحماة ، وكانت زوجته تشتمه وتؤذيه ، وهو يتبسم ، وإن رجلا راهن جماعة على أن يحرجه ، فقالوا : لا تقدر ، فأتى وهو يعظ وصاح ، وقال له : أنت أبوك كان يهوديا وأسلم ، فنزل من الكرسي ، فاعتقد الرجل أنه غضب وأنه تم له ما رامه حتى وصل إليه فخلع مرطيه (٣) عليه ، وأعطاه إياهما ، وقال له : بشّرك الله بالخير! لأنك شهدت لأبي أنه كان مسلما ، انتهى.

وظاهر كلام الغبريني أن تفسير الشيخ الحرالي كامل ، وقال بعضهم : إنه لم يكمل ، وهو تفسير حسن ، وعليه نسج البقاعيّ مناسباته ، وذكر أن الذي وقف عليه منه من أول القرآن إلى قوله في سورة آل عمران (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً) [آل عمران : ٣٧].

وكلام الذهبي في الشيخ يرده كلام الغبريني ، إذ هو أعرف به ، والله تعالى أعلم.

وحكى الغبريني أنه أنشد بين يديه الزجل المشهور :

جنّان يا جنّان

اجن من البستان

الياسمين

واترك الرّيحان

بحرمة الرّحمن

للعاشقين

فسأل بعض عن معناه ، فقال بعض الحاضرين : أراد به العذار ، وقال آخر : إنما أشار إلى دوام العهد ، لأن الأزهار كلها ينقضي زمانها إلا الريحان فإنه دائم ، فاستحسن الشيخ هذا أو وافق عليه.

__________________

(١) الغبريني : هو أحمد بن أحمد بن عبد الله الغبريني البجاوي. مؤرخ أديب له : عنوان الدراية فيمن عرف من العلماء في المائة السابعة ببجاية (معجم المؤلفين ج ١ ص ١٥١).

(٢) وموقرا : غير موجودة في ب.

(٣) في ه : «فخلع قرطيه» والمرط : كساء من صوف أو كتان أو حرير يؤتزر به.

٣٢٩

١١٦ ـ ومنهم ولي الله العارف به الشيخ الشهير الكرامات ، الكبير المقامات ، سيدي أبو العباس المرسي ، نفعنا الله تعالى به!.

وهو من أكابر الأولياء ، صحب سيدي الشيخ ـ الفرد القطب الغوث الجامع سيدي أبا الحسن الشاذلي ، أعاد الله تعالى علينا من بركاته! وخلفه بعده ، وكان قدم من الأندلس من مرسية ، وقبره بالإسكندرية مشهور بإجابة الدعوات وقد زرته مرارا كثيرة ، ودعوت الله عنده بما أرجو قبوله.

وقد عرّف به الشيخ العارف بالله ابن عطاء الله (١) في كتابه «لطائف المنن في مناقب الشيخ سيدي أبي العباس وشيخه سيدي أبي الحسن ، رضي الله تعالى عنهما».

وقال الصفدي في الوافي : أحمد بن عمر بن محمد الشيخ الزاهد الكبير العارف أبو العباس ، الأنصاري المرسي ، وارث شيخه الشاذلي تصوفا الأشعري معتقدا ، توفي بالإسكندرية سنة ٦٨٦ ، ولأهل مصر ولأهل الثغر فيه عقيدة كبيرة ، وقد زرته لما كنت بالإسكندرية سنة ٧٣٨ ، قال ابن عرّام سبط الشاذلي : ولو لا قوة اشتهاره وكراماته لذكرت له ترجمة طويلة ، كان من الشهود بالثغر ، انتهى.

وكان سيدي أبو العباس يكرم الناس على نحو رتبهم عند الله تعالى ، حتى إنه ربما دخل عليه مطيع فلا يحتفل به ، وربما دخل عليه عاص فأكرمه ، لأن ذلك الطائع أتى وهو متكثّر بعمله (٢) ، ناظر لفعله ، وذلك العاصي دخل بكسر معصيته وذل مخالفته ، وكان شديد الكراهة للوسواس في الصلاة والطهارة ، ويثقل عليه شهود من كان على صفته ، وذكر عنده يوما شخص بأنه صاحب علم وصلاح ، إلا أنه كثير الوسوسة ، فقال : وأين العلم؟ العلم هو الذي ينطبع في القلب كالبياض في الأبيض والسواد في الأسود.

وله كلام بديع في تفسير القرآن العزيز : فمن ذلك أنه قال : قال الله سبحانه وتعالى (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٢) [الفاتحة : ٢] علم الله عجز خلقه عن حمده ، فحمد نفسه بنفسه في أزله ، فلما خلق الخلق اقتضى منهم أن يحمدوه بحمده ، فقال (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٢) أي : الحمد الذي حمد به نفسه بنفسه هو له ، لا ينبغي أن يكون لغيره ، فعلى هذا تكون الألف واللام للعهد. وقال في قول تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (٥) [الفاتحة : ٥] :

__________________

(١) ابن عطاء الله : هو أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عطاء الله الإسكندري ، الجذامي الشاذلي. صوفي مشارك في أنواع من العلوم. من مؤلفاته : التنوير في إسقاط التدبير في التصوف ، ولطائف المنن في مناقب الشيخ أبي العباس وشيخه أبي الحسن (معجم المؤلفين ج ٢ ص ١٢١).

(٢) في ب : متكثر لعلمه.

٣٣٠

إياك نعبد شريعة ، وإياك نستعين حقيقة ، إياك نعبد إسلام ، وإياك نستعين إحسان ، إياك نعبد عبادة ، وإياك نستعين عبودية ، إياك نعبد فرق ، وإياك نستعين جمع ، وله في هذا المعنى وغيره كلام نفيس يدل على عظيم ما منحه الله سبحانه من العلوم اللدنية. وقال رضي الله تعالى عنه في قوله تعالى (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) [الفاتحة : ٦] بالتثبيت (١) فيما هو حاصل ، والإرشاد لما ليس بحاصل (٢) ، وهذا الجواب ذكره ابن عطية في تفسيره ، وبسطه الشيخ رضي الله تعالى عنه ، فقال : عموم المؤمنين يقولون (٣)(اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) معناه نسألك التثبيت فيما هو حاصل والإرشاد لما ليس بحاصل ، فإنهم (٤) حصل لهم التوحيد ، وفاتهم (٥) درجات الصالحين ، والصالحون يقولون (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) معناه نسألك التثبيت فيما هو حاصل والإرشاد لما ليس بحاصل ، لأنهم حصل لهم الصلاح ، وفاتهم درجات الشهداء ، والشهداء ، يقولون (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) أي بالتثبيت فيما هو حاصل ، والإرشاد لما ليس بحاصل ، فإنهم حصلت لهم درجة الشهادة ، وفاتهم درجة الصديقية ، والصديق كذلك يقول (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) إذ حصلت له درجة الصديقية ، وفاتته درجة القطبانية (٦) ، والقطب كذلك يقول (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) فإنه حصلت له رتبة القطبانية ، وفاته علم إذا شاء الله تعالى أن يطلعه عليه أطلعه. وقال رضي الله تعالى عنه : الفتوّة الإيمان ، قال الله سبحانه وتعالى (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً) [الكهف : ١٣]. وقال رضي الله تعالى عنه في قوله سبحانه وتعالى حاكيا عن الشيطان (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ) [الأعراف : ١٧] ولم يقل من فوقهم ولا من تحتهم لأن فوقهم التوحيد وتحتهم الإسلام. وقال رضي الله تعالى عنه : التقوى في كتاب الله عز وجل على أقسام : تقوى النار قال الله سبحانه وتعالى (وَاتَّقُوا النَّارَ) [آل عمران : ١٣١] وتقوى اليوم ، قال الله تعالى (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) [البقرة : ٢٨١] وتقوى الربوبية ، قال الله تعالى (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ) [الحج الآية: ١ لقمان : ٣٢] وتقوى الألوهية (واتقوا الله) وتقوى الإنية (وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ) [البقرة الآية : ١٩٧] وقال رضي الله تعالى عنه في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنا سيد ولد آدم ولا فخر» أي : لا أفتخر بالسيادة ، وإنما الفخر لي بالعبودية لله ، وكان كثيرا ما ينشد : [السريع]

يا عمرو ناد عبد زهراء

يعرفه السّامع والرّائي

لا تدعني إلّا بيا عبدها

فإنّه أشرف أسمائي

__________________

(١) في نسخة : بالتثبت.

(٢) في ه : «ليس بحامل» محرفا.

(٣) في ب ، ه : والشهيد يقول :

(٤) في ب : فإنه حصلت له.

(٥) في ب ، ه : وفاته درجة.

(٦) في ب ، ه : وفاتته درجة القطب.

٣٣١

وقال رضي الله تعالى عنه في قول سمنون المحب : [مخلع البسيط]

وليس لي في سواك حظّ

فكيفما شئت فاختبرني

الأولى أن يقول : فكيفما شئت فاعف عني ، إذ طلب العفو أولى من طلب الاختبار.

وقال رضي الله تعالى عنه : الزاهد جاء من الدنيا إلى الآخرة ، والعارف جاء من الآخرة إلى الدنيا. وقال رضي الله تعالى : العارف لا دنيا له ، لأن دنياه لآخرته ، وآخرته لربه. وقال : الزاهد غريب في الدنيا ، لأن الآخرة وطنه ، والعارف غريب في الآخرة. قال بعض العارفين : معنى الغربة في كلام الشيخ رضي الله تعالى عنه أن الزاهد يكشف له عن ملك الآخرة فتبقى الآخرة موطن قلبه ومعشّش روحه (١) ، فيكون غريبا في الدنيا ، إذ ليست وطنا لقلبه (٢) ، عاين الآخرة فأخذ قلبه فيما عاين من ثوابها ونوالها ، وفيما شهد من عقوبتها ونكالها ، فتغرب في هذه الدار. وأما العارف فإنه غريب في الآخرة إذ كشف له عن صفات معروفة فأخذ قلبه فيما هناك ، فصار غريبا في الآخرة ، لأن سره مع الله تعالى بلا أين ، فهؤلاء العباد تصير الحضرة معشّش قلوبهم ، إليها يأوون ، وفيها يسكنون ، فإن تنزلوا إلى سماء الحقوق ، أو أرض الخصوص ، فبالإذن والتمكين ، والرسوخ في اليقين ، فلم ينزلوا إلى الخصوص لشهوة ، ولم يصعدوا إلى الحقوق بسوء الأدب والغفلة ، بل كانوا في ذلك كله بآداب الله تعالى وآداب رسله وأنبيائه متأدبين ، وبما اقتضى منهم مولاهم عاملين ، رضي الله تعالى عنهم ، ونفعنا بهم آمين!.

وكلام سيدي الشيخ أبي العباس رضي الله تعالى عنه بحر لا ساحل له ، وكراماته كذلك ، وليراجع كتاب تلميذه ابن عطاء الله ، فإن فيه من ذلك ما يشفي ويكفي ، وما بقي أكثر.

ومن كراماته رضي الله تعالى عنه أنه عزم عليه إنسان وقدم إليه طعاما يختبره به ، فأعرض عنه ولم يأكله ، ثم التفت إلى صاحب الطعام وقال له : إن الحارث (٣) المحاسبي رضي الله تعالى عنه كان في أصبعه عرق إذا مد يده إلى طعام فيه شبهة تحرك عليه ، وأنا في يدي سبعون عرقا تتحرك علي إذا كان مثل ذلك ، فاستغفر صاحب الطعام ، واعتذر إلى الشيخ ، رضي الله تعالى عنه ونفعنا به!.

١١٧ ـ ومنهم أبو إسحاق الساحلي ، المعروف بالطّويجن ـ بضم الطاء المهملة ، وفتح

__________________

(١) معشّش : اسم مكان من الفعل عشّش.

(٢) في ه : إذ ليست بوطن لقلبه.

(٣) الحارث المحاسبي : هو الحارث بن أسد المحاسبي الزاهد المشهور أبو عبد الله البغدادي صاحب التصانيف. مات سنة ثلاث وأربعين. (تقريب التهذيب ج ١ ص ١٣٩).

٣٣٢

الواو ، وسكون الياء التحتية ، وكسر الجيم ، وقيل بفتحها ـ العالم المشهور ، والصالح المشكور ، والشاعر المذكور ، من أهل غرناطة من بيت صلاح وثروة وأمانة ، وكان أبوه أمين العطارين بغرناطة ، وكان مع أمانته من أهل العلم فقيها متقنا (١) متفننا ، وله الباع المديد في الفرائض.

وأبو إسحاق هذا كان في صغره موثّقا (٢) بسماط شهود غرناطة ، وارتحل عن الأندلس إلى المشرق ، فحج ، ثم سار إلى بلاد السودان فاستوطنها ، ونال جاها مكينا من سلطانها ، وبها توفي ، رحمه الله تعالى! انتهى ملخصا من كلام الأمير ابن الأحمر في كتابه «نثير الجمان ، فيمن نظمني وإياه الزمان».

وقال أبو المكارم منديل بن آجرّوم : حدثني من يوثق بقوله أن أبا إسحاق الطويجن كانت وفاته يوم الاثنين ٢٧ جمادى الأخيرة سنة ٧٤٧ بتنبكتو موضع بالصحراء من عمالة مالي (٣) ، رحمه الله تعالى! ثم ضبط الطويجن بكسر الجيم ، قال : وبذلك ضبطه بخط يده رحمه الله تعالى ، قال : ومن نسبه للساحلي فإنه نسبه لجده للأم ، انتهى.

١١٨ ـ ومنهم الشيخ الأديب الفاضل المعمر ضياء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن يوسف بن عفيف ، الخزرجي ، الساعدي.

من أهل غرناطة ، ويشهر بالخزرجي ، مولده ببيغة ، رحل عن الأندلس قديما واستقر أخيرا بالإسكندرية ، وبها لقيه الحافظ ابن رشيد غير مرة ، وقد أطال في رحلته في ترجمته ، إلى أن قال : وذكره صاحبنا أبو حيان ، وهو أحد من أخذ عنه ولقيه ، فقال : تلا القرآن بالأندلس على أبي الوليد هشام بن واقف المقري ، وسمع بها من أبي زيد الفازازي العشرينيات ، وسمع بمكة من شهاب الدين السّهروردي صاحب «عوارف المعارف» وتلا بالإسكندرية على أبي القاسم بن عيسى ، ولا يعرف له نظم في أحد من العالم إلا في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن شعره يعارض الحريري :

أهن لأهل البدع

والهجر والتّصنّع

ودن بترك الطّمع

__________________

(١) متقنا : ساقطة في ب ، ه.

(٢) الموثق الذي يكتب التوثيقات الشرعية.

(٣) مالي : من ممالك السودان المتاخمة لبلاد المغرب.

٣٣٣

ولذ بأهل الورع

وعدّ عن كلّ بذي

لم يكترث بالنبذ

والهج ببرّ جهبذ

وعالم متّضع

واندب زمانا قد سلف

ولم تجد منه خلف

وابعث بأنواع الأسف

رسائل التّضرّع

وهي طويلة فلتراجع ترجمته في «ملء العيبة» لابن رشيد ، رحمه الله تعالى!.

١١٩ ـ ومنهم الفقيه الجليل ، العارف النبيل ، الحاذق الفصيح البارع أبو محمد عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر ، الشهير بابن سبعين ، العكي ، المرسي ، الأندلسي ، ويلقب من الألقاب المشرقية بقطب الدين.

قال الشيخ المؤرخ ابن عبد الملك : درس العربية والآداب بالأندلس ، ثم انتقل إلى سبتة ، وانتحل التصوف ، وعكف برهة على مطالعة كتبه ، والتكلم على معانيها ، فمالت إليه العامة ، ثم رحل إلى المشرق ، وحج حججا ، وشاع ذكره ، وعظم صيته ، وكثر أشياعه ، وصنف أوضاعا كثيرة تلقوها منه ، ونقلوها عنه ، ويرمى بأمور الله تعالى أعلم بها وبحقيقتها ، وكان حسن الأخلاق ، صبورا على الأذى ، آية في الإيثار ، انتهى.

وقال غير واحد : إن أغراض الناس فيه متباينة ، بعيدة عن الاعتدال ، فمنهم المرهق المكفر ، ومنهم المقلد المعظم الموقر ، وحصل بهذين الطرفين من الشهرة والاعتقاد ، والنفرة والانتقاد ، ما لم يقع لغيره ، والله تعالى أعلم بحقيقة أمره ، ولما ذكر الشريف الغرناطي عنه أنه كان يكتب عن نفسه «ابن ه» يعني الدارة التي هي كالصفر ، وهي في بعض طرق المغاربة في حسابهم سبعون ، وشهر لذلك بابن دارة ـ ضمن فيه البيت المشهور : [الطويل]

محا السّيف ما قال ابن دارة أجمعا(١)

حسبما ذكره الشريف في شرح مقصورة حازم ، وقد طال عهدي به فليراجعه من ظفر به.

__________________

(١) البيت للكميت بن معروف الفقعسي وهو :

فلا تكثروا فيه الضجاج فإنه

محا السيف ما قال ابن دارة أجمعا

٣٣٤

وقال صاحب «درة الأسلاك» (١) في سنة ٦٦٩ ، ما صورته (٢) : وفيها توفي الشيخ قطب الدين أبو محمد عبد الحق بن سبعين المرسي ، صوفي متفلسف ، متزهد متقشف ، يتكلم على طريق أصحابه ، ويدخل البيت ولكن من غير أبوابه ، شاع أمره ، واشتهر ذكره ، وله تصانيف وأتباع ، وأقوال يميل إليها بعض القلوب وتملها بعض الأسماع ، وكانت وفاته بمكة المشرفة عن نحو خمسين سنة ، تغمده الله تعالى برحمته! انتهى.

وقال بعض الأعلام في حق ابن سبعين : إنه كان رحمه الله تعالى عزيز النفس ، قليل التصنع ، يتولى خدمة الكثير من الفقراء والسّفارة أصحاب العبادات (٣) والدفافيس (٤) بنفسه ، ويحفون به في السكك ، ولما توفرت دواعي النقد عليه من الفقهاء كثر عليه التأويل ، ووجهت لألفاظه المعاريض ، وفليت موضوعاته ، وتعاورته الوحشة ، وجرت بينه وبين الكثير من أعلام المشرق والمغرب خطوب يطول ذكر.

ووقع في رسالة لبعض تلامذة ابن سبعين المذكور ، وأظن اسمه يحيى بن محمد (٥) بن أحمد بن سليمان ، وسماها «بالوراثة المحمدية ، والفصول الذاتية» ما صورته : فإن قيل : ما الدليل على أن هذا الرجل الذي هو ابن سبعين هو الوارث المشار إليه؟ قلنا : عدم النظير ، واحتياج الوقت إليه ، وظهور الكلمة المشار إليها عليه ، ونصيحته لأهل الملة ، ورحمته المطلقة للعالم المطلق ، ومحبته لأعدائه ، وقصده لراحتهم مع كونهم يقصدون أذاه ، وعفوه عنهم مع قدرته عليهم ، وجذبهم إلى الخير مع كونهم يطلبون هلاكه ، وهذه كلها من علامات الوراثة والتبعية المحضة التي لا يمكن أحدا أن يتصف بها إلا بمجد أزلي وتخصيص إلهي ، وها أنا أصف لك بعض ما خصه الله سبحانه وتعالى به من الأمور التي هي خارقة للعادة ، ونلغي عن الأمور الخفية التى لا نعلمها ، ونقصد الأمور الظاهرة التي نعلمها ، والتي لا يمكن أحدا أن يستريب (٦) فيها إلا من أصمه الله تعالى وأعماه ، ولا يجحدها إلا حسود قد أتعب الله تعالى قلبه وأنساه رشده ، ونعوذ بالله ممن عاند من الله تعالى مساعده ومؤيده ، وهو معه بنصره وعونه ، فما أتعب معانده ، وما أسعد موادده ، وما أكبت مرادده ، فنبدأ بذكر ما وعدنا ، فنقول :

__________________

(١) درة الأسلاك في دولة الأتراك لمحمد بن حبيب الحلبي (انظر كشف الظنون ج ١ ص ٧٣٧).

(٢) في ب : العباءات.

(٣) كثر التصحيف في هذه الكلمة فجاءت تارة الدفافيس ، وتارة الدنافيس ، وتارة الدقاقيس. لعل الدفافيس نوع من الثياب الخشنة ، ولا يمكن الجزم فيها.

(٤) في ب ، ه : يحيى بن أحمد بن سليمان.

(٥) في ه : «يتريب». وما أثبتناه في ب ، ج وهو أدق. ويستريب : يقع في الشك ، أو يرى ما يريبه.

(٦) في ب ، ه : أول ما ذكر في شرفه.

٣٣٥

الأول : في شرفه واستحقاقه لما ذكرنا ، كونه خلقه الله تعالى من أشرف البيوت التي في بلاد المغرب ، وهم بنو سبعين ، قرشيا ، هاشميا ، علويا ، وأبواه وجدوده يشار إليهم ، ويعوّل في الرياسة والحسب والتعين عليهم.

والثاني : كونه من بلاد المغرب ، والنبي عليه السلام قال : «لا يزال طائفة من أهل المغرب ظاهرين على الحق إلى قيام الساعة» (١) وما ظهر من بلاد المغرب رجل أظهر منه ، فهو المشار إليه بالحديث ، ثم نقول : أهل المغرب أهل الحق ، وأحق الناس بالحق وأحق المغرب بالحق علماؤه لكونهم القائمين بالقسط ، وأحق علمائه بالحق محققهم وقطبهم الذي يدور الكل عليه ويعول في مسائلهم ونوازلهم السهلة والعويصة عليه فهو حق المغرب ، والمغرب حق الله تعالى ، والملة حق العالم ، فهو المشار إليه بالوراثة ، ثم نقول : أهل المغرب ظاهرون على الحق ، أي على الدين ، والحق سر الدين ، والمحقق سر الحق ، فالمحقق سر الدين ، فهو المشار إليه بالوراثة. ثم نقول : أهل الله خير العالم ، وأهل الحق هم خير أهل الله ، والمحقق خير أهل الحق ، فالمحقق خير العالم ، فهو المشار إليه ، ثم نقول : انظر في بدايته وحفظ الله سبحانه (٢) له في صغره ، وضبطه له من اللهو واللعب ، وإخراجه من اللذة الطبيعية التي هي في جبلّة البشرية ، وتركه للرياسة العرضية المعول عليها عند العالم ، مع كونه وجدها في آبائه ، وهي الآن في إخوته ، وخروجه عن الأهل والوطن الذي قرنه الحق مع قتل الإنسان نفسه ، وانقطاعه إلى الحق انقطاعا صحيحا تعلم تخصيصه وخرقه للعادة ، ثم انظر في تأيده وفتحه من الصغر ، وتأليف كتاب بدء العارف وهو ابن خمس عشرة سنة ، وفي جلالة هذا الكتاب وكونه يحتوي على جميع الصنائع العلمية والعملية ، وجميع الأمور السّنية والسّنية ، تجده خارقا للعادة ، وفي نشأته في بلاد الأندلس ولم يعلم له كثرة نظر وظهوره فيها بالعلوم التي لم تسمع قط تعلم أنه خارق للعادة ، وفي تواليفه واشتمالها على العلوم كلها ، ثم انفرادها وغرابتها وخصوصيتها بالتحقيق الشاذ عن أفهام الخلق تعلم أنه (٣) مؤيد بروح القدس ، وفي شجاعته وقوة عزمه ونصره (٤) لصنائعه وظهور حجته على خصمائه وإقامة حقه وبرهانه وفصاحة كلامه وبيان سلطانه تعلم أن ذلك بقوة إلهية وعناية ربانية ، وفي امتحان أهل المغرب له ، واجتماعهم

__________________

(١) في ب : «لا يزال أهل المغرب ظاهرين إلى قيام الساعة».

(٢) في ب ، ه : وحفظ القديم له في صغره.

(٣) في ب ، ه : بأنه.

(٤) في ب ، ه : وقوة توكله ونصره لصنائعه.

٣٣٦

عليه في كل بلد معتبر للمناظرة ، ويظهر الله تعالى حجته ، ويقمع خصمه ، ويكبت عدوه (١) ، ويعجز معارضه ، ويفحم معترضه ، وفي غيرة الحق عليه ، وهلاك من تعرض بالأذى إليه ـ يعلم العاقل المخصوص ، أنه عند الله مخصوص ، وفي خلقه وقهره لقواه النزوعية والغضبية وإسلام قرينه وجلالة قوته الحافظة التي لا تنسى شيئا والمفكرة التي تتصور الذوات المجردة والمعلومة سر عين الطيف (٢) ، وكذلك الذاكرة وسرعة ظهوره وانتشار رايته واستجلاب ثنائه في الجهات كلها ، وبالجملة جميع ما ذكرت فيه هو خارق (٣) للعادة البشرية ، ومعجز لمعارضه من كل الجهات ، ولو لا خوف التطويل لكنت أفصّل كل صفة ذكرت فيه بالكلام الصناعي ، ونقيم الأدلة القطعية على تعجيزها ، ولكن أعطيت الأنموذج ، وعرفت أن النبيه يمعن فكره ، ويجد ذلك كله (٤) كما قلته ، وبالجملة جميع جزئياته إذا تؤملت توجد خارقة للعادة ، وتشهد لها ماهية الوجود بالتخصيص ، فصح أنه هو المشار إليه ، والمعول في جملة الأمور عليه ، وإنما أعطيت الأمر المشهور ، وتركت ما يعلم منه من خرق العوائد في ظهور الطعام والشراب والسمن والتمر وأخذ الدراهم من الكون ، وإخباره عن وقائع قبل وقوعها بسنين كثيرة وظهرت كما أخبر ، فصح أنه هو المذكور ، انتهى ما تعلق به الغرض مما في الرسالة في شأن الشيخ ابن سبعين.

وقد ذكر غير واحد من المؤرخين ـ ومنهم لسان الدين بن الخطيب في «الإحاطة» كما سيأتي قريبا ـ أن ابن سبعين عاقه الخوف من أمير المدينة عن القدوم إليها ، فعظم عليه بذلك الحمل ، وقبحت الأحدوثة عنه ، انتهى.

لكن قال شهاب الدين بن أبي حجلة التلمساني الأديب الشهير ، وهو صاحب كتاب السكردان وديوان الصبابة ومنطق الطير والاعتراض على العارف بالله تعالى ابن الفارض ، ما معناه : أخبرني الشيخ الصالح أبو الحسن بن برغوش التلمساني شيخ المجاورين بمكة وكانت له معرفة تامة بهذا الرجل ، أنه صده عن زيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه كان إذا قرب من باب من أبواب مسجد المدينة على ساكنها الصلاة والسلام يهراق منه دم كدم الحيض (٥) ، والله تعالى أعلم بحقيقة أمره ، انتهى.

وقال غيره : نعم زار النبي صلى الله عليه وسلم مستخفيا على طريق المشاة ، حدّث بذلك أصهاره بمكة ، انتهى.

__________________

(١) كبت عدوه : أذله ، أهلكه.

(٢) هكذا في ج ، وفي ب ، ه : «وأسرعين الطيف» وهو غير مفهوم ولعله محرّف عن «أسرع من الطيف».

(٣) في ب ، ه : جميع ما ذكرت هو فيه خارق للعادة البشرية.

(٤) كله : غير موجودة في ب.

(٥) يهراق ، ويراق : يصب ، يسفك ، يسيل.

٣٣٧

وقال لسان الدين : أما شهرته ومحله من الإدراك والآراء والأوضاع والأسماء والوقوف على الأقوال والتعمق في الفلسفة والقيام على مذاهب المتكلمين فما يقضي منه بالعجب.

وقال الشيخ أبو البركات بن (١) الحاج البلفيقي رحمه الله تعالى : حدثني بعض أشياخنا من أهل المشرق أن الأمير أبا عبد الله بن هود سالم طاغية النصارى ، فنكث به ، ولم يف بشرطه ، فاضطره ذلك إلى مخاطبة القس الأعظم برومية ، فوكل أبا طالب بن سبعين أخا أبي محمد عبد الحق بن سبعين في التكلم عنه ، والاستظهار بين يديه ، قال : فلما بلغ ذلك الشخص رومية ، وهو بلد لا يصل إليه المسلمون ، ونظر إلى ما بيده ، وسئل عن نفسه ، فأخبر بما ينبغي ، كلّم ذلك القس من دنا منه بكلام معجم ترجم لأبي طالب بما معناه : اعلموا أن أخا هذا ليس للمسلمين اليوم أعلم بالله منه ، انتهى.

وقال غير واحد : إنه ظهر منه (٢) واشتهرت عنه أشياء كثيرة الله تعالى أعلم باستحقاقه رتبة ما ادعاه منها : فمنها قوله ـ فيما زعموا ـ وقد جرى ذكر الشيخ ولي الله سيدي أبي مدين نفعنا الله تعالى ببركاته : «شعيب عبد عمل ، ونحن عبيد حضرة» وممن حكى هذا لسان الدين في الإحاطة (٣).

وقد ذكر ابن خلدون في تاريخه الكبير في ترجمة السلطان المستنصر بالله تعالى أبي عبد الله محمد ابن السلطان زكريا بن عبد الواحد بن أبي حفص ملك إفريقية وما إليها : أن أهل مكة بايعوه ، وخطبوا له بعرفة ، وأرسلوا له بيعتهم ، وهي من إنشاء ابن سبعين ، وسردها ابن خلدون بجملتها ، وهي طويلة ، وفيها من البلاغة والتلاعب بأطراف الكلام ما لا مطمح وراءه ، غير أنه يشير فيها إلى أن المستنصر هو المهدي المبشر به في الأحاديث الذي يحثو المال ولا يعدّه (٤) ، وحمل حديث مسلم وغيره عليه ، وذلك ما لا يخفى ما فيه ، فليراجع كلام ابن خلدون في محله.

ولابن سبعين من رسالة : سلام عليك ورحمة الله ، سلام عليك ثم سلام مناجاتك ، سلام الله ورحمة الله الممتدة على عوالمك كلها ، السلام عليك يا أيها النبي ورحمة الله تعالى وبركاته ، وصلى الله عليك كصلاة إبراهيم من حيث شريعتك ، وكصلاة أعز ملائكتك من حيث حقيقتك ، وكصلاته من حيث حقه ورحمانيته السلام عليك يا حبيب الله ، السلام عليك يا قياس الكمال ، ومقدمة العلم ، ونتيجة الحمد ، وبرهان المحمود ، ومن إذا نظر الذهن إليه

__________________

(١) في ب : أبو البركات بن الحاج ..

(٢) ظهر منه و : سقط من ب.

(٣) انظر الإحاطة ص ٣١٩.

(٤) يحثو المال : يصبه.

٣٣٨

قرأ (نِعْمَ الْعَبْدُ) [ص : ٣٠] ، السلام عليك يا من هو الشرط في كمال الأولياء ، وأسرار مشروطات الأذكياء الأتقياء ، السلام عليك يا من جاوز في السماوات مقام الرسل والأنبياء ، وزادك رفعة واستعلاء على ذوات الملأ الأعلى ، وذكر قوله تعالى : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) (١) [الأعلى : ١] وقال بعضهم عند إيراده جملة من رسائله التي منها هذه : إنها تشتمل على ما يشهد له بتعظيم النبوة وإيثار الورع ، انتهى.

وقال بعض العلماء الأكابر ، عند تعرضه لترجمة الشيخ ابن سبعين المترجم به ، ما نصه ببعض اختصار : هو أحد المشايخ المشهورين بسعة العلم ، وتعدد المعارف ، وكثرة التصانيف ، ولد سنة ٦١٤ ، ودرس العربية والأدب بالأندلس ، ونظر في العلوم العقلية ، وأخذ عن أبي إسحاق بن دهاق ، وبرع في طريقه ، وجال في البلاد ، وقدم القاهرة ، ثم حج واستوطن مكة ، وطار صيته ، وعظم أمره ، وكثر أتباعه ، حتى إنه تلمذ له أمير مكة ، فبلغ من التعظيم الغاية ، وله كتاب «الدرج» وكتاب «السفر» وكتاب «الأبوبة اليمنية» وكتاب «الكد» وكتاب «الإحاطة» ورسائل كثيرة في الأذكار وترتيب السلوك والوصايا والمواعظ والغنائم.

ومن شعره : [البسيط]

كم ذا تموّه بالشّعبين والعلم

والأمر أوضح من نار على علم (١)

وكم تعبّر عن سلع وكاظمة

وعن زرود وجيران بذي سلم

ظللت تسأل عن نجد وأنت بها

وعن تهامة ، هذا فعل متّهم

في الحيّ حيّ سوى ليلى فتسأله

عنها؟ سؤالك وهم جرّ للعدم

ونشأ رحمه الله تعالى ترفا مبجلا في ظل جاه ونعمة (٢) ، لم تفارق معها نفسه البأو (٣) ، وكان وسيما ، جميلا ، ملوكي البزة ، عزيز النفس ، قليل التصنع ، وكان آية من الآيات في الإيثار والجود بما في يده ، رحمه الله تعالى!.

وقال في الإحاطة : للناس في أمره اختلاف بين الولاية وضدها (٤) ، ولما وجه إلى كلامه

__________________

(١) العلم : الجبل.

(٢) الترف : ذو الترف. والترف : التنعم وسعة العيش ، ومبجلا : معظما.

(٣) البأو : عزة النفس.

(٤) في الإحاطة : «وأغراض الناس في هذا الرجل متباينة بعيدة عن الاعتدال».

٣٣٩

سهام الناقدين (١) قصر أكثرهم عن مداه في الإدراك ، والخوض في تلك البحار والاطلاع ، وساءت منهم في الممازجة له السيرة ، فانصرفوا عنه مكلومين (٢) ، يبذرون عنه في الآفاق من سوء القالة ما لا شيء فوقه ، وجرت بينه وبين أعلام المشرق خطوب ثم نزل مكة (٣) ، وعاقه الخوف من أمير المدينة النبوية (٤) عن الدخول إليها إلى أن توفي فعظم بذلك الحمل عليه ، وقبحت الأحدوثة عنه ، ولما وردت على سبتة المسائل الصقلية ـ وكانت جملة من المسائل الحكمية وجهها علماء الروم تبكيتا للمسلمين ـ انتدب للجواب المقنع عنها ، على فتاء من سنه (٥) ، وبديهة من فكرته ، رحمه الله تعالى! انتهى.

وقال بعض من عرف به : إنه من أهل مرسية ، وله علم وحكمة ومعرفة ونباهة وبراعة وفصاحة وبلاغة.

وقال في «عنوان الدراية» (٦) : رحل إلى العدوة ، وسكن ببجاية مدة ، ولقي من أصحابنا ناسا ، وأخذوا عنه ، وانتفعوا به في فنون خاصة ، له مشاركة في معقول العلوم ومنقولها ، وله فصاحة لسان ، وطلاقة قلم ، وفهم جنان (٧) ، وهو أحد العلماء (٨) الفضلاء ، وله أتباع كثيرة من الفقراء ومن عامة الناس ، وله موضوعات كثيرة هي موجودة بأيدي أصحابه ، وله فيها ألغاز وإشارات بحروف أبجد ، وله تسميات مخصوصة في كتبه هي نوع من الرموز ، وله تسميات ظاهرة هي كالأسامي المعهودة ، وله شعر في التحقيق ، وفي مراقي أهل الطريق ، وكتابته مستحسنة في طريق الأدباء ، وله من الفضل والمزية ملازمته لبيت الله الحرام ، والتزامه الاعتمار على الدوام ، وحجه مع الحجاج في كل عام ، وهذه مزية لا يعرف قدرها ولا يرام ، ولقد مشى به للمغاربة في الحرم الشريف حظ لم يكن لهم في غير مدّته ، وكان أهل مكة يعتمدون على أقواله ، ويهتدون بأفعاله.

توفي رحمه الله تعالى يوم الخميس تاسع شوّال سنة ٦٦٩ ، انتهى ببعض اختصار.

وذكر رحمه الله تعالى في ترجمة تلميذه الشيخ أبي الحسن الششتري السابق الذكر أن

__________________

(١) في الإحاطة : «ولما توفرت دواعي النقد عليه».

(٢) في ه ، وفي الإحاطة : مكظومين.

(٣) ثم نزل مكة : زيادة من الإحاطة.

(٤) النبوية : زيادة من الإحاطة.

(٥) الفتاء في السن : الحداثة في السن.

(٦) في عنوان الدراية ص ١٣٩ ـ ١٤٠ وهو أيضا في الإحاطة ص ٢١٨.

(٧) الجنان : القلب ، الروح.

(٨) العلماء : ساقطة من ب.

٣٤٠