الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني
المحقق: يوسف الشيخ محمّد البقاعي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨
فأردت قطعها ، وترك المراجعة عنها ، فقالت لي نفسي : قد عرفت مكانها ، بالله لا قطعتها إلا يده ، فأثبت على ظهرها ما يكون سببا إلى صوتها ، فقلت : [المتقارب]
نعقت ولم تدر كيف الجواب |
|
وأخطأت حتّى أتاك الصّواب |
وأجريت وحدك في حلبة |
|
نأت عنك فيها الجياد العراب |
وبتّ من الجهل مستصحبا |
|
لغير قرى فأتتك الذّئاب(١) |
فكيف تبيّنت عقبى الظّلوم |
|
إذا ما انقضت بالخميس العقاب |
لعمري ما لي طباع تذمّ |
|
ولا شيمة يوم مجد تعاب(٢) |
أنيل المنى والظبا سخّط |
|
وأعطي الرّضا والعوالي غضاب(٣) |
وأقول : [الطويل]
وغاصب حقّ أوبقته المقادر |
|
يذكّرني حاميم والرّمح شاجر(٤) |
غدا يستعير الفخر من خيم خصمه |
|
ويجهل أنّ الحقّ أبلج ظاهر |
ألم تتعلّم يا أخا الظّلم أنّني |
|
برغمك ناه منذ عشر وآمر |
تذلّ لي الأملاك حرّ نفوسها |
|
وأركب ظهر النّسر والنّسر طائر |
وأبعث في أهل الزّمان شواردا |
|
تلينهم وهي الصّعاب النّوافر(٥) |
فإن أثو في أرض فإنّي سائر |
|
وإن أنا عن قوم فإنّي حاضر(٦) |
وحسبك أنّ الأرض عندك خاتم |
|
وأنّك في سطح السّلامة عاثر |
ولا لوم عندي في استراحتك الّتي |
|
تنفّست عنها والخطوب فواقر |
فإنّي للحلف الّذي مرّ حافظ |
|
وللنّزعة الأولى بحاميم ذاكر |
هنيئا لكلّ ما لديه فإنّنا |
|
عطية من تبلى لديه السّرائر |
__________________
(١) في ب : الجهل مستنبحا.
(٢) في ب ، ه : لعمرك ما لي ..
(٣) الظبا : جمع ظبة : حد السيف. والعوالي : الرماح.
(٤) أوبق : أهلك. والشطر الثاني من البيت مأخوذ من قول الشاعر
يذكرني حاميم والرمح شاجر |
|
فهلا تلا حاميم قبل التقدم |
(٥) النوافر : ذات نفار ، والنفار : الإعراض والصدّ.
(٦) ثوى بالمكان : استقر فيه.
ومن شعر أبي محمد بن حزم يخاطب قاضي الجماعة بقرطبة عبد الرحمن بن بشير (١) : [الطويل]
أنا الشّمس في جوّ العلوم منيرة |
|
ولكنّ عيبي أن مطلعي الغرب |
ولو أنّني من جانب الشّرق طالع |
|
لجدّ على ما ضاع من ذكري النّهب |
ولي نحو آفاق العراق صبابة |
|
ولا غرو أن يستوحش الكلف الصّبّ |
فإن ينزل الرّحمن رحلي بينهم |
|
فحينئذ يبدو التّأسّف والكرب |
فكم قائل أغفلته وهو حاضر |
|
وأطلب ما عنه تجيء به الكتب |
هنالك يدري أنّ للعبد قصّة |
|
وأنّ كساد العلم آفته القرب |
فيا عجبا من غاب عنهم تشوّقوا |
|
له ، ودنوّ المرء من دارهم ذنب |
وإنّ مكانا ضاق عنّي لضيّق |
|
على أنّه فيح مهامهه سهب(٢) |
وإنّ رجالا ضيّعوني لضيّع |
|
وإنّ زمانا لم أنل خصبه جدب |
ومنها في الاعتذار عن مدحه لنفسه :
ولكنّ لي في يوسف خير أسوة |
|
وليس على من بالنّبيّ ائتسى ذنب(٣) |
يقول مقال الصّدق والحقّ إنّني |
|
حفيظ عليم ، ما على صادق عتب |
وقوله : [البسيط]
لا يشمتن حاسدي إن نكبة عرضت |
|
فالدّهر ليس على حال بمتّرك |
ذو الفضل كالتّبر يلقى تحت متربة |
|
طورا ، وطورا يرى تاجا على ملك |
وقوله لما أحرق المعتضد بن عباد كتبه بإشبيلية : [الطويل]
دعوني من إحراق رقّ وكاغد |
|
وقولوا بعلم كي يرى النّاس من يدري |
فإن تحرقوا القرطاس لم تحرقوا الّذي |
|
تضمّنه القرطاس ، بل هو في صدري |
يسير معي حيث استقلّت ركائبي |
|
وينزل إن أنزل ويدفن في قبري |
وقوله : [الوافر]
__________________
(١) في ب : بشر.
(٢) فيح : جمع فيحاء : الواسعة. والمهامه : جمع مهمه : الصحراء.
(٣) ائتسى : اقتدى. والأسوة : القدوة.
لئن أصبحت مرتحلا بشخصي |
|
فقلبي عندكم أبدا مقيم |
ولكن للعيان لطيف معنى |
|
لذا سأل المعاينة الكليم(١) |
وقوله : [الطويل]
وذي عذل فيمن سباني حسنه |
|
يطيل ملامي في الهوى ويقول |
أمن أجل وجه لاح لم تر غيره |
|
ولم تدر كيف الجسم أنت عليل(٢) |
فقلت له أسرفت في اللّوم فاتّئد |
|
فعندي ردّ لو أشاء طويل |
ألم تر أني ظاهريّ ، وأنّني |
|
على ما أرى حتّى يقوم دليل |
وهو أبو محمد علي بن أبي عمر أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن مزيد ، القرطبي.
قال ابنه أبو رافع الفضل : اجتمع عندي بخط أبي من تواليفه نحو أربعمائة مجلد تشتمل على قريب من نحو ثمانين ألف ورقة ، انتهى.
وأبوه الوزير أبو عمر المذكور كان من وزراء المنصور بن أبي عامر ، وتوفي ـ كما قال ابن حيان ـ بذي القعدة سنة اثنتين وأربعمائة ، وكان منشؤه ومولده بقرية تعرف بالزاوية.
وحكي أن الحافظ أبا محمد بن حزم قصد أبا عامر بن شهيد في يوم غزير المطر والوحل شديد الريح ، فلقيه أبو عامر ، وأعظم قصده على تلك الحال ، وقال له : يا سيدي ، مثلك يقصدني في مثل هذا اليوم ، فأنشده أبو محمد بن حزم بديها : [الطويل]
فلو كانت الدّنيا دوينك لجّة |
|
وفي الجوّ صعق دائم وحريق (٣) |
لسهّل ودّي فيك نحوك مسلكا |
|
ولم يتعذّر لي إليك طريق |
قال الحافظ ابن حزم : أنشدني الوزير أبي في بعض وصاياه لي : [الطويل]
إذا شئت أن تحيا سعيدا فلا تكن |
|
على حالة إلّا رضيت بدونها(٤) |
وهذا كاف في فضل الفرع والأصل ، رحم الله الجميع (٥).
قال ابن حزم في «طوق الحمامة» : إنه مر يوما هو وأبو عمر بن عبد البر صاحب «الاستيعاب» بسكة الحطابين من مدينة إشبيلية ، فلقيهما شاب حسن الوجه ، فقال أبو محمد :
__________________
(١) الكليم : هو النبي موسى بن عمران عليه السلام.
(٢) في ه : أمن حسن وجه.
(٣) اللجة : معظم الماء.
(٤) في ب ، ه : إذا شئت أن تحيا غنيا ..
(٥) في ب ، ه : سامح الله الجميع.
هذه صورة حسنة ، فقال له أبو عمر : لم نر إلا الوجه ، فلعل ما سترته الثياب ليس كذلك ، فقال ابن حزم ارتجالا وذي عذل فيمن سباني حسنه الأبيات المتقدمة (١). ولابن حزم أيضا قوله : [الخفيف]
ولأبي بكر بن مفوّز جزء يردّ فيه على أبي محمد بن حزم ، وفيه قال معرضا : [البسيط]
وقيل : إنه خاطب بهما بعض أصحاب ابن حزم. رجع إلى القاضي أبي الوليد الباجي ـ ومن نظمه قوله من مرثية : [الطويل]
ومن جيد نظمه قوله : [الطويل]
وقال الباجي أبو الوليد رحمه الله تعالى : [الوافر]
__________________ (١) المتقدمة : غير موجودة في ب. (٢) النخال : ما بقي من الشيء بعد نخله. (٣) نمت عليهم : وشت بهم وأظهرتهم. والشمائل : جمع شميلة ، وهي الطبع. (٤) المحاجر : جمع محجر ، وهو ما أحاط بالعين وأراد العين نفسها. (٥) سفاه : حمله وزاده. |
وزال النّطق حتّى لست تلقى |
|
فتى يسخو بردّ للسّلام |
وزاد الأمر حتّى ليس إلّا |
|
سخيّ بالأذى أو بالملام |
٤٦ ـ ومنهم الفقيه العالم الشهير أبو بكر محمد بن الوليد بن محمد بن خلف بن سليمان ابن أيوب الفهري الطرطوشي صاحب «سراج الملوك» ، ويعرف بابن أبي رندقة ـ بالراء المهملة المفتوحة ، وسكون النون ـ وكفى بسراج الملوك دليلا على فضله.
ذكره ابن بشكوال في الصلة ، وتوفي بالإسكندرية في شعبان ، وقيل : جمادى الأولى سنة عشرين وخمسمائة ، وزرت قبره بالإسكندرية ، وممن أخذ عنه الحافظ القاضي أبو بكر بن العربي وغيره.
ومن نظم الطرطوشي قوله من رسالة : [الطويل]
أقلّب طرفي في السّماء تردّدا |
|
لعلّي أرى النّجم الّذي أنت تنظر |
وأستعرض الرّكبان من كلّ وجهة |
|
لعلّي بمن قد شمّ عرفك أظفر(١) |
وأستقبل الأرواح عند هبوبها |
|
لعلّ نسيم الرّيح عنك يخبّر(٢) |
وأمشي وما لى في الطّريق مآرب |
|
عسى نغمة باسم الحبيب ستذكر |
وألمح من ألقاه من غير حاجة |
|
عسى لمحة من نور وجهك تسفر |
ومن نظمه أيضا قوله : [المتقارب]
يقولون ثكلى ومن لم يذق |
|
فراق الأحبّة لم يثكل |
لقد جرّعتني ليالي الفراق |
|
كؤوسا أمرّ من الحنظل |
ومما ينسب إليه وكان كثيرا ما ينشده (٣) : [المتقارب]
إذا كنت في حاجة مرسلا |
|
وأنت بإنجازها مغرم |
فأرسل بأكمه جلّابة |
|
به صمم أغطش أبكم(٤) |
__________________
(١) العرف ، بفتح العين وسكون الراء : الرائحة الطيبة.
(٢) الأرواح : جمع ريح.
(٣) وكان كثيرا ما ينشده : غير موجودة في ب.
(٤) الأكمه : الأعمى. والأغطش : من كان بعينيه ضعف.
ودع عنك كلّ رسول سوى |
|
رسول يقال له الدّرهم |
وكان كثيرا ما ينشد (١) : [الرمل]
إنّ لله عبادا فطنا |
|
طلّقوا الدّنيا وخافوا الفتنا |
فكّروا فيها فلمّا علموا |
|
أنّها ليست لحيّ وطنا |
جعلوها لجّة واتّخذوا |
|
صالح الأعمال فيها سفنا |
وقال رحمه الله تعالى : كنت ليلة نائما بالبيت المقدس إذ سمعت في الليل صوتا حزينا ينشد : [الطويل]
أخوف ونوم ، إنّ ذا لعجيب |
|
ثكلتك من قلب فأنت كذوب |
أما وجلال الله لو كنت صادقا |
|
لما كان للإغماض فيك نصيب |
قال : فأيقظ النوّام ، وأبكى العيون.
وكان رحمه الله تعالى زاهدا ، عابدا (٢) ، متورعا ، متقللا من الدنيا ، قوّالا للحق.
وكان يقول : إذا عرض لك أمران (٣) أمر دنيا وأخرى ، فبادر بأمر الأخرى يحصل لك أمر الدنيا والأخرى ، وله طريقة في الخلاف.
ودخل مرة على الأفضل بن أمير الجيوش فوعظه ، وقال له : إن الأمر الذي أصبحت فيه من الملك إنما صار إليك بموت من كان قبلك ، وهو خارج عن يدك بمثل ما صار إليك ، فاتق الله فيما خوّلك من هذه الأمة ، فإن الله عز وجل سائلك عن النقير والقطمير والفتيل ، واعلم أن الله عز وجل آتى سليمان بن داود ملك الدنيا بحذافيرها فسخر له الإنس والجن والشياطين والطير والوحوش (٤) والبهائم ، وسخر له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب ، ورفع عنه حساب ذلك أجمع ، فقال عز من قائل : (هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ) (٣٩) [ص : ٣٩] فما عدّ ذلك نعمة كما عددتموها ، ولا حسبها كرامة كما حسبتموها ، بل خاف أن يكون استدراجا من الله عز وجل ، فقال : (هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ) [النمل : ٤٠] فافتح الباب ، وسهل الحجاب ، وانصر المظلوم.
__________________
(١) جاء في الصلة أن هذه الأبيات له ، وقد وردت في ديوان الشافعي.
(٢) عابدا : غير موجودة في ب.
(٣) أمران : غير موجودة في ب.
(٤) في ب : والوحش.
يا ذا الّذي طاعته قربة |
|
وحقّه مفترض واجب |
إنّ الّذي شرفت من أجله |
|
يزعم هذا أنّه كاذب |
وأشار إلى النصراني ، فأقامه الأفضل من مكانه :
والطرطوشي ـ بضم الطاءين ـ نسبة إلى طرطوشة من بلاد الأندلس (١) ، وقد تفتح الطاء الأولى.
وعبر عنه ابن الحاجب في مختصره الفقهي في باب العتق بالأستاذ.
وكان رحمه الله تعالى صحب القاضي أبا الوليد الباجي رحمه الله تعالى بسرقسطة ، وأخذ عنه مسائل الخلاف ، وسمع منه ، وأجازه ، وقرأ الفرائض والحساب بوطنه ، وقرأ الأدب على أبي محمد بن حزم بمدينة إشبيلية ، ثم رحل إلى المشرق سنة ست وسبعين وأربعمائة ، ودخل بغداد والبصرة فتفقه هناك (٢) عند أبي بكر الشاشي وأبي محمد الجرجاني ، وسمع بالبصرة من أبي علي التّستري ، وسكن الشام مدّة ، ودرس بها ، وكان راضيا باليسير.
وقال الصفدي في ترجمة الطرطوشي : إن الأفضل بن أمير (٣) الجيوش أنزله في مسجد شقيق الملك بالقرب من الرصد ، وكان يكرهه ، فلما طال مقامه به ضجر ، وقال لخادمه : إلى متى نصبر؟ اجمع لي المباح ، فجمعه ، وأكله ثلاثة أيام ، فلما كان عند صلاة المغرب قال لخادمه : رميته الساعة ، فلما كان من الغد ركب الأفضل فقتل ، وولي بعده المأمون بن البطائحي فأكرم الشيخ إكراما كثيرا ، وله ألف الشيخ «سراج الملوك» انتهى.
ومقامه ـ أعني الطرطوشي ـ مشهور ، وهذه الحكاية تكفي في ولايته.
ومن تآليفه مختصر تفسير الثعالبي ، والكتاب الكبير في مسائل الخلاف ، وكتاب في تحريم جبن الروم ، وكتاب «بدع الأمور ومحدثاتها» وكتاب «شرح رسالة الشيخ ابن أبي زيد».
وولد سنة إحدى وخمسين وأربعمائة تقريبا ، ولما توفي صلى عليه ولده محمد ، ودفن
__________________
(١) طرطوشة : مدينة بينها وبين بلنسية مائة ميل ، مسيرة أربعة أيام وهي في سفح جبل ، ولها سور حصين ، وبها أسواق وعمارات ، وبجبالها خشب الصنوبر ، ومنه تتخذ السفن (صفة جزيرة الأندلس ص ١٢٤).
(٢) هناك : غير موجودة في ب.
(٣) في ب ـ الأفضل ابن أمير.
النّاس يهدون على قدرهم |
|
لكنّني أهدي على قدري |
يهدون ما يفنى وأهدي الّذي |
|
يبقى على الأيّام والدّهر |
وحكي أنه لما (٢) سمع رضي الله تعالى عنه منشدا ينشد للوأواء الدمشقي (٣) : [مجزوء الكامل]
قمر أتى من غير وعد |
|
في ليلة طرقت بسعد |
بات الصّباح إلى الصّبا |
|
ح معانقي خدّا بخدّ |
يمتار فيّ وناظري |
|
ما شئت من خمر وشهد |
(٤) فقال : أو يظن هذا الدمشقي أن أحدا لا يحسن ينظم الكذب غيره؟ لو شئنا لكذبنا مثل هذا ، ثم أنشد لنفسه يعارضه : [مجزوء الكامل]
قمر أتى من غير وعد |
|
حفّت شمائله بسعد(٥) |
قبّلته ورشفت ما |
|
في فيه من خمر وشهد |
فمزجت مزن السّلسبي |
|
ل بزنجبيل مستعدّ(٦) |
ولثمت فاه من الغرو |
|
ب إلى الصّباح المستجدّ |
وسكرت من رشفي العقي |
|
ق على أقاح تحت رند |
فنزعت عن فمه فمي |
|
ووضعت خدّا فوق خدّ(٧) |
__________________
(١) فيه : غير موجودة في ب.
(٢) لما : غير موجودة في ب.
(٣) الدمشقي : غير موجودة في ب ، ه.
(٤) في ب : يمتاز في ..
(٥) في ب ، ه : قمر بدا من غير وعد.
(٦) في ب ، ه : فرشفت مزن السلسبيل.
(٧) العقيق : خرز أحمر. والرند : شجر طيب الرائحة ، وأزهاره بيضاء صغار.
وشممت عرف نسيمه ال |
|
جاري على مسك وندّ |
وصحوت من ريّا القرن |
|
فل بين ريحان وورد |
وألذّ من وصلي به |
|
شكواه وجدا مثل وجدي |
ومن نظم الطرطوشي قوله أيضا : [المتقارب]
كأن لساني والمشكلات |
|
سنى الصّبح ينحر ليلا بهيما(١) |
وغيري إن رام ما رمته |
|
خصيّ يحاول فرجا عقيما |
وقوله أيضا : [المتدارك]
اعمل لمعادك يا رجل |
|
فالنّاس لدنياهم عملوا(٢) |
||
واذخر لمسيرك زاد تقى |
|
فالقوم بلا زاد رحلوا(٣) |
||
٤٧ ـ ومنهم محمد بن عبد الجبار الطرطوشي (٤) ـ وفد إلى المشرق ، وذكره العماد في «الخريدة» وله في الآمدي العلي (٥) بمصر ، وكان يخضب بسواد الرمّان قوله (٦) : [الخفيف]
اخلط العفص فيه يا أحوج النّا |
|
س إلى العفص حين يعكس عفص |
٤٨ ـ ومنهم القاضي الشهير الشهيد أبو علي الصيرفي (٧) ، وهو حسين بن محمد بن فيّره بن حيّون ، ويعرف بابن شكّرة (٨) ، وهو من أهل سرقسطة ، سكن مرسية. وروى بسرقسطة عن الباجي وأبي محمد عبد الله بن محمد بن إسماعيل وغيرهما ، وسمع ببلنسية من أبي العباس العذري ، وسمع بالمريّة من أبي عبد الله محمد بن سعدون القروي وأبي عبد الله بن المرابط وغيرهما ، ورحل إلى المشرق أول المحرم من سنة إحدى وثمانين وأربعمائة ، وحج من عامه ، ولقي بمكة أبا عبد الله الحسن بن علي الطبري وأبا بكر الطرطوشي وغيرهما ، ثم سار إلى البصرة فلقي بها أبا يعلى المالكي وأبا العباس الجرجاني وأبا القاسم بن شعبة وغيرهم ، وخرج إلى بغداد فسمع بواسط من أبي المعالي محمد بن عبد السلام الأصبهاني وغيره ، ودخل بغداد سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة ، فأطال الإقامة بها خمس سنين كاملة ، وسمع بها من أبي الفضل بن خيرون مسند بغداد ، ومن أبي الحسين المبارك بن عبد الجبار
__________________
(١) الليل البهيم : الشديد الظلمة.
(٢) في ب : فاعمل لمعادك ... فالقوم لدنياهم ..
(٣) في ب : لمسيرك من زاد ..
(٤) في بعض النسخ : الطرسوسي.
(٥) في ج : الأمد العجلي.
(٦) في ب : الرمان يخضب بأقبح سواد خضب به.
(٧) في ب : الصدفي.
(٨) في ب : بابن سكرة.
أحنّ إلى الخضراء في كلّ موطن |
|
حنين مشوق للعناق وللضّمّ |
وما ذاك إلّا أنّ جسمي رضيعها |
|
ولا بدّ من شوق الرّضيع إلى الأمّ |
٥٠ ـ ومنهم العالم أبو حفص عمر بن حسن الهوزني ، الحسيب العالم المحدّث ـ ذكره ابن بسام في «الذخيرة» والحجاري في «المسهب» وسبب رحلته للمشرق أنه لما تولى المعتضد بن عبّاد خاف منه ، فاستأذنه في الحج سنة ٤٤٤ ، ورحل إلى مصر ، ثم إلى مكة ، وسمع في طريقه كتاب صحيح البخاري ، وعنه أخذه أهل الأندلس ، ورجع ، وسكن إشبيلية وخدم المعتضد ، فقتله ومن (٣) من شيء سلط عليه ، وكان قتله يوم الجمعة لإحدى عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة ستين وأربعمائة.
ومن شعره يحرّضه على الجهاد : [الطويل]
أعبّاد جلّ الرّزء والقوم هجّع |
|
على حالة من مثلها يتوقّع(٤) |
فلقّ كتابي من فراغك ساعة |
|
وإن طال فالموصوف للطّول موضع |
إذا لم أبثّ الدّاء ربّ شكاية |
|
أضعت ، وأهل للملام المضيّع |
ووصله بنثر ، وهو : وما أخطأ السبيل من أتى البيوت من أبوابها ، ولا أرجأ الدليل من ناط الأمور بأربابها ، ولرب أمل بين أثناء المحاذير مدمج ، ومحبوب في طي المكاره مدرج ، فانتهز فرصتها فقد بان لك (٥) من غيرك العجز ، وطبّق مضاربها (٦) فقد أمكنك الحزّ ، ولا غرو أن يستمطر الغمام في الجدب ، ويستصحب الحسام في الحرب.
__________________
(١) في ب ، ه : وبطول مقامه.
(٢) وهو من أبناء الستين : زيادة من الذخيرة.
(٣) في ب : ومن خاف من ..
(٤) الرزء : المصيبة.
(٥) لك : غير موجودة في ب.
(٦) في ب : وطبق مفاصلها.
صرّح الشّرّ فلا يستقلّ |
|
إن نهلتم جاءكم بعد علّ |
بدء صعق الأرض رشّ وطلّ |
|
ورياح ثمّ غيم أبلّ |
خفّضوا فالدّاء رزء أجلّ |
|
واغمدوا سيفا عليكم يسلّ |
وابنه أبو القاسم هو الذي كان سبب فساد دولة المعتمد بن عباد بسبب قتل المعتضد والده كما مرّ (١).
٥١ ـ ومنهم أبو عمرو عثمان بن الحسين، أخو الحافظ أبي الخطاب بن دحية الآتي ذكره كان أسنّ من أخيه أبي الخطاب ، وكان حافظا للغة العرب ، قيما بها ، وعزل الملك الكامل أبا الخطاب عن دار الحديث الكاملية التي أنشأها بين القصرين ورتب مكانه أخاه أبا عمرو المذكور ، ولم يزل بها إلى أن توفي سنة ٦٣٤ ، بالقاهرة ، ودفن بسفح المقطم كأخيه ، وكان موت أبي عمرو بعد أبي الخطاب بسنة ، رحمهما الله تعالى!.
٥٢ ـ ومنهم الكاتب أبو بكر محمد بن القاسم ـ من أهل وادي الحجارة ، ويعرف باشكنهادة (٢) ، وارتحل إلى المشرق لما نبت به حضرة قرطبة عند تقلب دولها ، وتحول ملوكها وخولها ، فجال في الفراق ، وقاسى ألم الفراق ، واجتاز بحلب ، وأقام بها مقام غريب لم يصف له حلب ، وقال : [الرمل]
أين أقصى الغرب من أرض حلب |
|
أمل في الغرب موصول التّعب |
حنّ من شوق إلى أوطانه |
|
من جفاه صبره لمّا اغترب |
جال في الأرض لجاجا حائرا |
|
بين شوق وعناء ونصب |
كلّ من يلقاه لا يعرفه |
|
مستغيثا بين عجم وعرب |
لهف نفسي أين هاتيك العلا |
|
وا ضياعاه ويا غبن الحسب |
والّذي قد كان ذخرا وبه |
|
أرتجي المال وإدراك الرّتب |
__________________
(١) وضع بين قوسين في ه مكان هذا الكلام ، ما يلي «وسبب قتل بني عباد لأبي حفص الهوزني المذكور تسبب ابنه أبو القاسم في فساد دولة المعتمد بن عباد ، وحرض عليه أمير المسلمين يوسف بن تاشفين صاحب المغرب حتى أزال ملكه ، ونثر سلكه ، سبب حلكه ، كما ذكرناه بالأندلس بيت كبير مشهور ، ومنهم عدة علماء وكبراء ، رحم الله الجميع».
(٢) في المغرب : اشكهباط.
صار لي أبخس ما أعددته |
|
بين قوم ما دروا طعم الأدب |
يا أحبّاي اسمعوا بعض الّذي |
|
يتلقّاه الطّريد المغترب |
وليكن زجرا لكم عن غربة |
|
يرجع الرّأس لديها كالذّنب |
واحملوا طعنا وضربا دائما |
|
فهو عندي بين قومي كالضّرب(١) |
ولئن قاسيت ما قاسيته |
|
فبما أبصر لحظي من عجب |
ولقد أخبركم أن ألتقي |
|
بكم حتّى تقولوا قد كذب |
واجتاز بدمشق فقال من أبيات رحمه الله تعالى : [الوافر]
دمشق جنّة الدّنيا حقيقا |
|
ولكن ليس تصلح للغريب |
بها قوم لهم عدد ومجد |
|
وصحبتهم تؤول إلى حروب |
ثم إنه ودع الشرق بلا سلام ، وحل بحضرة دانية لدى ملكها مجاهد العامري في بحبوحة عزّ لا يخشى فيه الملام ، واستقبل الأندلس بخاطر جديد ، ونال بها بعد من بلوغ الآمال ما ليس له عليه مزيد ، وقال : [الطويل]
وكم قد لقيت الجهد قبل مجاهد |
|
وكم أبصرت عيني وكم سمعت أذني |
ولاقيت من دهري وصرف خطوبه |
|
كما جرت النّكباء في معطف الغصن |
فلا تسألوني عن فراق جهنّم |
|
ولكن سلوني عن دخولي إلى عدن |
وله من كتاب : وحامل كتابي ـ سلمه الله تعالى وأعانه! ـ ممن أخنى عليه الزمان ، وأدار عليه وما صحا إلى الآن كؤوس الهوان ، وقد قصد على بعد جنابك الرحيب الخصيب ، قصد الحسن محلّ الخصيب (٢) ويمم جناب ابن طاهر حبيب (٣) ، وإني لأرجو أن يرجع منك رجوع نصيب عن سليمان (٤) ، ويستعين في شكرك بكل لسان ، وأنت عليم بأن الثناء هو الخلف ، وقد قال الأول : [مجزوء الخفيف]
أرى النّاس أحدوثة |
|
فكوني حديثا حسن |
وأنا القائل : [الطويل]
__________________
(١) الضرب ، بفتح الضاد والراء : العسل الأبيض.
(٢) الحسن : أراد الحسن بن هانىء أبا نواس. والخصيب : ممدوحه.
(٣) هو عبد الله بن طاهر بن الحسين والي خراسان. وحبيب : هو حبيب بن أوس الطائي ، أبو تمام.
(٤) نصيب : شاعر أموي اشتهر بمدح الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك.
فلا تزهدن في الخير قد مات حاتم |
|
وأخباره حتّى القيامة تذكر |
ومع هذا فهو عليه بقدر ما يحتمل من التكليف هذا الأوان ، عارف وجوه الأعذار غير ذي عجل في العتب قبل البيان ، وعند سيدي من التهدي للإيفاء (١) ، ما يحقق فيه جميل الرجاء (٢) ، دامت أرجاؤه مؤملة ، ولا برحت نعمه سابغة مكملة.
٥٣ ـ ومنهم الكاتب أبو عبد الله محمد بن عبد ربه المالقي ـ وقال بعضهم : إنه من الجزيرة الخضراء ، له رحلة إلى الديار المصرية ، صنع فيها مقامه يقول فيها : [الطويل]
وفي جنبات الرّوض نهر ودوحة |
|
يروقك منها سندس ونضار |
تقول وضوء البدر فيه مغربا |
|
ذراع فتاة دار فيه سوار(٣) |
ومن شعره : [السريع]
ما كلّ إنسان أخ منصف |
|
ولا اللّيالي أبدا تسعف |
فلا تضع إن أمكنت فرصة |
|
واصحب من الإخوان من ينصف |
وانتف من الدّهر ولو ريشة |
|
فإنّما حظّك ما تنتف |
وقوله يرثي السيد أبا عمران ابن أمير المؤمنين يوسف ابن أمير المؤمنين عبد المؤمن بن علي ملك المغرب والأندلس : [الطويل]
بجيد المعالي أيّ عقد تبدّدا |
|
وصدر العوالي أيّ رمح تقصّدا |
ولمّا دهت خيل الشّقيّ فجاءة |
|
وسال العدا بحرا من الموت مزبدا |
شهدت بوجه كالغزالة مشرقا |
|
وإن كان وجه الشّمس بالنّقع مربدا(٤) |
عزائم صدق ليس تصرف هكذا |
|
إلى الموت تسعى أو على الموت يعتدى |
وكان السيد أبو عمران المرثي قتله الميورقي صاحب فتنة إفريقية في الهزيمة المشهورة على تاهرت (٥) ، وجمع ابن عبد ربه المذكور شعر السيد أبي الربيع بن عبد الله بن أمير
__________________
(١) في ب ، ه : للإيصاء.
(٢) في ب ، ه : ما يحقق فيه جميع الرجاء.
(٣) في ب : فيه مغرب.
(٤) الغزالة : الشمس.
(٥) الميورقي : هو يحيى بن غانية ، وكان السيد أبو عمران موسى واليا على تلمسان فهاجمه الميورقي وقضى عليه واقتحم مدينة تاهرت ونهبها وخربها (ابن خلدون ج ٦ ص ٢٤٩ ـ ٢٧٨).
حاكت يمين الرّياح محكمة |
|
في نهر واضح الأسارير |
فكلّما ضعّفت به حلقا |
|
قام لها القطر بالمسامير |
أنشد لنفسه : [البسيط]
بين الرّياض وبين الجو معترك |
|
بيض من البرق أو سمر من السّمر |
إن أوترت قوسها كفّ السّماء رمت |
|
نبلا من الماء في زغف من الغدر(١) |
لأجل ذاك إذا هبّت طلائعها |
|
تدرّع النّهر واهتزّت قنا الشّجر |
واجتمع ابن عبد ربه المذكور في رحلته بالسعيد بن سناء الملك ، وأخذ عنه شيئا من شعره ، ورواه بالمغرب.
٥٤ ـ ومنهم الشاعر الأديب أبو محمد عبد المنعم بن عمر بن حسان ، المالقيّ.
ومن نظمه في السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب من قصيدة رحمه الله تعالى : [الطويل]
وفي صهوات المقربات وفي القنا |
|
حصون حمى لا في هضاب المعاقل |
ومنها : [الطويل]
ولا ملك يأتي كيوسف آخرا |
|
كما لم يجيء مثل له في الأوائل |
٥٥ ـ ومنهم الحافظ أبو الخطاب بن دحية ، وهو مجد الدين عمر بن الحسن بن علي بن محمد (٢) بن فرح بن خلف ، الظاهري المذهب ، الأندلسي.
كان من كبار المحدثين ، ومن الحفاظ الثّقات الأثبات المحصلين ، استوطن بجاية في مدة أبي عبد الله بن يومور (٣) ، وروى بها ، وأسمع ، وكان من أحفظ أهل زمانه باللغة ، حتى صار حوشيّ اللغة (٤) عنده مستعملا غالبا ، ولا يحفظ الإنسان من اللغة حوشيّها إلا وذلك أضعاف
__________________
(١) الزّغف : السحاب الذي صب ماءه وهو يغطي السماء.
(٢) في ب : محمد بن الجميل بن فرج ..
(٣) في ج : تومور.
(٤) حوشي اللغة : الغريب ، الغامض.
ما لي أسائل برق بارق عنكم |
|
من بعد ما بعدت دياري منكم |
فمحلّكم قلبي وأنتم بالحشا |
|
لا بالعقيق ولا برامة أنتم |
وأنا المقيم على الوفاء بعهدكم |
|
يا مالكين ، وفيتم أو خنتم |
وهي طويلة ، ومنها :
رفعت له الأملاك منه سجيّة |
|
ملك السّماك الرّمح وهو محرّم |
ومنها أيضا :
لذوي النّهى والفهم سرّ حكومة |
|
قد حار فيها كاهن ومنجّم |
فاقصد مرادك حيث سرت مظفّرا |
|
والله يكلأ والكواكب نوّم |
وليهنك الشّهر السّعيد تصومه |
|
وتفوز فيه بالثّواب وتغنم |
فلأنت في الدّنيا كليلة قدره |
|
قدرا ، فقدرك في الملوك معظّم |
فأجابه السلطان مكافأة بنثر ونظم ، فمن النظم : [الطويل]
وهيّجن شوقي للأجارع باللّوى |
|
وأين اللّوى منّي وأين الأجارع |
مرابع لو أنّ المرابع أنجم |
|
لكان نجوم الأرض تلك المرابع |
رعى الله أيّاما بها ولو أنّها |
|
إليّ وقد ولّى الشّباب رواجع(١) |
ليالي لا ليلى إذا رمت وصلها |
|
يلوح لها من صبح شيبي مواقع |
في جملة أبيات.
ومن النثر : الحمد لله ولي الحمد ، وقف ولده على الأبيات التي حسن شعرها ، وصفا درّها ، وليس من البديع أن يقذف البحر درا ، أو ينظم الخليل (٢) شعرا ، وقد أخذت الورقة لأتنزه في معانيها ، وأستفيد بما أودعه فيها ، فالله تعالى لا يخلينا من فوائد فكرته ، وصالح أدعيته ، والسلام.
فأجابه الحافظ أبو الخطاب عن الأبيات بقوله من قصيدة : [الطويل]
شجتني شواج في الغصون سواجع |
|
ففاضت هوام للجفون هوامع(٣) |
وأكثر فيها من التغزل ، إلى أن قال : [الطويل]
ولا حاكم أرضاه بيني وبينها |
|
سوى حاكم دهري له اليوم طائع |
يدافع عنّي الضّيم قائم سيفه |
|
إذا عزّ من للضّيم عنّي يدافع |
هو الكامل الأوصاف والملك الّذي |
|
تشير إليه بالكمال الأصابع |
وبيض أياديه الكريمة في الورى |
|
قلائد في الأعناق وهي الصّنائع |
ويوماه يوماه اللذان هما هما |
|
إذا جمعت غلب الملوك المجامع |
ومنها :
فما روضة غنّا بها مرّت الصّبا |
|
ونشر شذاها الطّيّب النّشر ذائع(٤) |
له من شذيّ الزّهر برد مفوّف |
|
أتيح له من أرض صنعاء صانع(٥) |
فراقك منها أخضر الثّوب ناضر |
|
وشاقك منها أصفر اللّون فاقع |
__________________
(١) في ب ، ه : رعى الله أياما لها ..
(٢) الخليل : هو الخليل بن أحمد الفراهيدي واضع العروض.
(٣) همعت العين همعا وهموعا : دمعت.
(٤) غنّا : أصلها : غناء ، حذفت الهمزة لإقامة الوزن ، وهو جائز. والروضة الغناء : التي كثرت أطيارها المغردة ، والصبا : ريح الشمال. والشذى : طيب الرائحة وأريجها. والنشر : الرائحة الطيبة. وذائع : منتشر.
(٥) مفوّف : مخطط.
وأحمر قان للخدود مورّد |
|
وأبيض كالثّغر المفلّج ناصع(١) |
بأحسن من توشيع مدحي الّذي له |
|
بدائع من وشي البديع وشائع(٢) |
وما ضائع من نشر شكري الّذي به |
|
تأرّجت الأرجاء عندك ضائع |
ولو لم يقيّدني نداك لكان لي |
|
مجال فسيح في البسيطة واسع |
فأنت الّذي لي والأعادي كثيرة |
|
فويق مكان النّجم في الأفق دافع |
ومنها :
بقيت لعبد جدّه دحية الذي |
|
يشابه جبريل له ويضارع |
وجدّته الزّهراء بنت محمّد |
|
عليه السّلام الدّائم المتتابع |
ولا عدمت منك الممالك مالكا |
|
يقرّب للآمال ما هو شاسع |
ومنك عيون للمهمّات يقظ |
|
وعنك عيون الحادثات هواجع |
وقال المقريزي في ترجمة الملك الكامل : إنه كان مشغوفا بسماع الحديث النبوي ، وتقدم عنده أبو الخطاب بن دحية ، وبنى له دار الحديث الكاملية بين القصرين بالقاهرة ، انتهى.
وقال أبو الخطاب بن دحية : أنشدني أبو القاسم السّهيلي لنفسه ، وذكر أنه ما سأل الله تعالى بها شيئا (٣) إلا أعطاه : [الكامل]
يا من يرى ما في الضّمير ويسمع |
|
أنت المعدّ لكلّ ما يتوقّع |
يا من يرجّى للشّدائد كلها |
|
يا من إليه المشتكى والمفزع |
يا من خزائن رزقه في قول كن |
|
امنن فإنّ الخير عندك أجمع |
ما لي سوى فقري إليك وسيلة |
|
فبالافتقار إليك فقري أدفع(٤) |
ما لي سوى قرعي لبابك حيلة |
|
فلئن رددت فأيّ باب أقرع |
ومن الّذي أدعو وأهتف باسمه |
|
إن كان فضلك عن فقيرك يمنع |
__________________
(١) مفلّج الثغر : منفرج الأسنان ، وكان العرب يستحسنون ذلك للمرأة.
(٢) توشيع مدحي : زخرفته.
(٣) شيئا : غير موجودة في ب.
(٤) في ه : وبالافتقار إليك فقري أدفع.
حاشا لجودك أن يقنّط عاصيا |
|
الفضل أجزل والمواهب أوسع |
ومن نظم السّهيلي رضي الله تعالى عنه : [الطويل]
أسائل عن جيرانه من لقيته |
|
وأعرض عن ذكراه والحال تنطق (١) |
وما لي إلى جيرانه من صبابة |
|
ولكنّ نفسي عن صبوح ترقّق(٢) |
وله : [الكامل]
لمّا أجاب بلا طمعت بوصله |
|
إذ حرف لا حرفان معتنقان |
وكذا نعم بنعيم وصل آذنت |
|
فنعم ولا في اللّفظ متفقان |
ولد أبو الخطاب بن دحية في ذي القعدة سنة سبع ـ أو ثمان ـ وأربعين وخمسمائة (٣) وتوفي في انفجار الفجر ليلة الثلاثاء رابع عشر ربيع الأول سنة ثلاث وثلاثين وستمائة بالقاهرة ، ودفن بسفح المقطم.
وتكلم فيه جماعة فيما ذكره ابن النجار ، وقدره أجل مما ذكروه ، وقد روى رحمه الله تعالى بالمغرب ومصر والشام والعراق وخراسان وعراق العجم ، وكل ذلك في طلب الحديث ، وسمع بالأندلس من ابن بشكوال وابن زرقون في جمع كثير (٤) ، وببغداد من أبي الفرج بن الجوزي ، وبأصبهان من أبي جعفر الصيدلاني معجم الطبراني ومن غيره ، وبنيسابور من أبي سعيد بن الصفار ومنصور بن الفراوي والمؤيد الطوسي ، وحصل الكتب والأصول ، وحدث ، وأفاد ، وكان من أعيان العلماء ، ومشاهير الفضلاء ، متقنا لعلم الحديث وما يتعلق به ، عارفا بالنحو واللغة وأيام العرب وأشعارها.
وصنف كتبا كثيرة مفيدة جدا ، منها كتاب «التنوير ، في مولد السراج المنير» صنفه عند قدومه إلى إربل سنة أربعة وستمائة ، وهو متوجه إلى خراسان لما رأى ملك إربل (٥) مظفر الدين كوكبري (٦) معتنيا بعمل المولد النبوي في شهر ربيع الأول كل عام ، مهتما به غاية الاهتمام ،
__________________
(١) في ه : والحال ينطق.
(٢) في ب : وما بي إلى جيرانه ..
(٣) اختلف في سنة ولادته فبينما هي هنا سنة ٥٤٧ أو ٥٤٨ ، هي في وفيات الأعيان سنة ٥٤٤ ه.
(٤) في ب : في جمع كبير.
(٥) إربل : انظر معجم البلدان لياقوت الحموي ج ١ ص ١٣٧ ـ ١٤٠.
(٦) مظفر الدين كوكبري بن زين الدين كوجك علي باني إربل وأميرها ، وبعهده ازدهرت. (معجم البلدان ج ١ ص ١٣٨).