شرح كتاب سيبويه - ج ٢

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان

شرح كتاب سيبويه - ج ٢

المؤلف:

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان


المحقق: أحمد حسن مهدلي و علي سيّد علي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5251-0

الصفحات: ٥٠٤

واللام. لأنه لا يكون واحدا معروفا ثم يثنى ، فالتنوين قبل الألف واللام ؛ لأن المعرفة بعد النكرة".

يعني أنك إذا قلت : " هذان الضاربا زيد" جررت ، وجعلت زيدا مكان النون ، والفرق بين التثنية والواحد في الإضافة أن المثنى إذا أضفته أسقطت النون للإضافة ، فجازت الإضافة فيه كما جازت في المثنى الذي ليس فيه ألف ولام ، إذا قلت : " هذان ضاربا زيد" ؛ لأنك تسقط النون للإضافة فيهما جميعا ، وإذا قلت : " هذا الضارب زيد" لم يجز ؛ لأنه ليس في" الضارب" تنوين ولا نون تسقطها بسبب الإضافة.

وقوله : " لأن النون لا تعاقب الألف واللام".

يعني أن النون توجد مع الألف واللام ، فجازت الإضافة بإسقاطها مع الألف واللام ، وكانت مخالفة للتنوين ، إذ كان لا يوجد مع الألف واللام.

وقوله : " لأنه لا يكون واحدا معروفا ثم يثنّى"

يعني أن التثنية لحقت المنكور ، ودخلت عليه ، وكان المنكور منونا ، فجعلت النون في التثنية عوضا من الحركة والتنوين ، ثم دخلت الألف واللام على المثنى الذي قد ثبت فيه النون ، فلم تحذف لقوتها ، وقد ذكرنا هذا مستقصى في أول الكتاب.

وإنما لم يبن الواحد المعروف ، لأن الواحد المعروف إنما يدل على شيء بعينه ، فإذا ضممنا إليه مثله فقد أخرجنا كل واحد منهما أن يدل على شيء بعينه لمشاركة الآخر له ، وإنما أراد أن يبين بهذا أن النون لم تدخل على ما فيه الألف واللام لأن النون عنده عوض من التنوين والحركة ، وما فيه الألف واللام ليس فيه تنوين ، وإنما يثنّى الاسم قبل دخول الألف واللام وكانت النون عوضا من الألف واللام ، ثم ثنّيت بعد دخول الألف واللام ؛ لما ذكرنا.

قال : " فالنون مكفوفة ، والمعنى معنى ثبات النون كما جاز ذلك في الاسم الذي جرى مجرى الفعل المضارع ، وذلك قولك : " هما الضاربا زيد" و" الضاربو عمرو".

يعني أن النون في قولنا : " هما الضاربا زيد" مرادة ولو لا ذلك لم تجز إضافة ما فيه الألف واللام إلى زيد ، لأن الإضافة توجب التعريف ، وما فيه الألف واللام قد تعرف بهما ، كما تعرف" غلاما زيد" بزيد ، ولا يجوز أن تقول : " الغلاما زيد" فلولا أن التقدير : هما الضاربان زيدا ، لم تجز الإضافة ، وهذا نظير اسم الفاعل الذي جرى مجرى الفعل

٤١

المضارع ، في أن الإضافة لا تخرجه عن نية التنوين ، إذا قلت : " مررت برجل ضارب زيد" فهو مضاف في اللفظ ، والنية فيه التنوين.

قال الفرزدق :

أسيّد ذو خرّيطة نهارا

من المتلقّطي قرد القمام (١)

أضاف" المتلقطي" إلى" قرد القمام" ، و" أسيّد" تصغير أسود ، و" قرد القمام" ما تراكب من القمامة ، وقال رجل من بني ضبّة :

الفارجي باب الأمير المبهم

وقال رجل من الأنصار :

الحافظو عورة العشيرة لا

يأتيهم من ورائهم نطف (٢)

ويروى : " وكف" ويروى" الحافظو عورة العشيرة" فمن قال : " الحافظو عورة العشيرة" فعلى ما ذكرنا ، وإذا قال : " الحافظو عورة العشيرة" فلم يرد الإضافة ، وحذف النون اختصارا واستخفافا ، لمّا كانت الألف واللام بمعنى الذي واللذين وهذه الأسماء موصولة ، تكون هي وصلاتها كالاسم الواحد ، فحذفوا منها لطولها ، فقالوا في : " الذي" : " اللّذ" بحذف الياء وكسر الذال قال الشاعر :

واللذ لو شاء لكانت برّا

أو جبلا أصمّ مشمخرّا (٣)

ومنهم من قال : " اللّذ" بحذف الياء وإسكان الذال قال الشاعر :

كاللذ تزبّى زبية فاصطيدا (٤)

وقال في" الّذي" : " الذيّ" ، وليس يدخل فيما قصدناه ، ولكنا لم نحب أن نغفله ؛ ليكون مضافا إلى نظائره من اللغات قال الشاعر :

وليس المال فاعلمه بمال

وإن أنفقت إلّا للّذيّ

ينال به العلاء ويصطفيه

لأقرب أقربيه وللقصيّ (٥)

__________________

(١) ديوان الفرزدق ٨٣٥.

(٢) اختلف في نسبة هذا البيت فقيل قائله : قيس بن الخطيم ديوانه ١٧٢ ، وقيل عمرو بن امرئ القيس الخزرجي الخزانة ٢ / ١٨٩.

(٣) سبق تخريجه.

(٤) هذا عجز بيت صدره في الإنصاف ٣٩٣ (فظلت في شرّ من اللذ كيدا).

(٥) اللسان (زبي) ٢٠ / ١١١.

٤٢

وكذلك" اللذان" يقال فيهما : " اللّذا" تخفيفا واختصارا ؛ لطول الاسم مع الصلة.

قال الأخطل :

أبني كليب إنّ عمّيّ اللّذا

سلبا الملوك وفكّكا الأغلالا (١)

وقال الأشهب ابن رميلة (٢) :

وإن الّذي حانت بفلج دماؤهم

هم القوم كلّ القوم يا أمّ خالد (٣)

أراد" إن الذين" ، والدليل على ذلك قوله : " دماؤهم" ، فجعل العائد جمعا ، فلما جاز في" الذي واللّذين والّذين" من الحذف والتخفيف ما ذكرنا من غير إضافة ، جاز في الألف واللام التي في معناها حذف النون من غير إضافة.

" والنطف والنكف" جميعا الدنس والعار ، وما يعاب به فاعلمه.

قال : وإذا قلت : " هم الضاربوك" و" هما الضارباك" فالوجه فيه الجرّ ؛ لأنك إذا كففت النون من هذه الأسماء في المظهر كان الوجه الجر ، إلا في قول من قال : " الحافظو عورة العشيرة".

قال أبو سعيد اعلم أن سيبويه يعتبر المضمر بالمظهر في هذا الباب فيقول : الكاف في الضاربوك والضارباك في موضع جر ؛ لأنك لو قلت : " الضاربو زيد" جررت ، وهذا هو الاختيار.

ويجوز أن يكون في موضع نصب لأنك تقول : " الضاربو زيدا" على من قال : " الحافظو عورة العشيرة" وإذا قلت : " هم ضاربوك" فالكاف في موضع جر لا غير ؛ لأنك تقول : " هم ضاربو زيد" لا غير.

وكان" الأخفش" يجعل الكاف في موضع نصب على كل حال ، وحجته في ذلك

__________________

(١) ديون الأخطل ٤٤ ـ الخزانة ٢ / ٤٩٩.

(٢) هو الأشهب بن ثور بن أبي حارثة بن عبد المدان النهشلي الدارمي التميمي شاعر نجدي ولد في الجاهلية وأسلم ولم يجتمع بالنبي وعاش إلى العصر الأموي ونسبته إلى أمه رميلة وكانت أمة.

الخزانة ٢ / ٥٠٩ ـ السمط ٣٥ ـ ابن سلام ٢٥.

(٣) قال السيوطي : عزا هذا البيت صاحب الحماسة البصرية والآمدي للأشهب ابن زميلة بضم الزاء المعجمة وقيل الراء وهي أمه وأبوه ثور بن أبي حارثة يكنى أبا ثور الجمعي. الخزانة ٢ / ٥٠٧ ـ المقتضب ٤ / ١٤٦ ـ الدرر ١ / ٢٤.

٤٣

أن اتصال الكناية قد عاقبت النون والتنوين ألا ترى أنك لا تقول : " هو ضاربنك" ولا : " هما ضاربانك" ولا" هم ضاربونك" كما تقول : هو" ضارب زيدا" و" هما ضاربان زيدا" ، فلما امتنع التنوين والنون لاتصال الكناية ، صار بمنزلة ما لا ينصرف من الأسماء ، ويعمل من غير تنوين ، كقولك للنساء : " هؤلاء ضوارب زيدا" ، والذي جمع بينهما أن التنوين حذف من" ضوارب" ؛ لمنع الصرف ، لا للإضافة ، وحذف من" ضاربك" لاتصال الكناية ، لا للإضافة ، وقد حكى بعضهم جواز" ضاربنك" و" ضاربني" في الشعر ، وأنشدوا أبياتا لا تصح منها قوله :

وليس حاملني إلا ابن حمّال (١)

والرواية الصحيحة" وليس يحملني" وأنشد بعضهم ـ وزعم سيبويه أنه مصنوع ـ :

هم القائلون الخير والآمرونه

إذا ما خشوا من محدث الدهر معظما (٢)

وقال الآخر :

ولم يرتفق والناس محتضرونه

جميعا وأيدي المعتفين رواهقه

فوصل الكناية في" آمرونه" و" محتضرونه" بالنون ، والوجه أن يقول : " آمروه" و" محتضروه" ، فزعم سيبويه أن هذا من ضرورة الشعر ، وجعل الهاء كناية.

وقد روي عن بعض القراء : (هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ. فَاطَّلَعَ) ـ ذهب إلى" مطلعونني" ـ فأثبت نون الجمع مع اتصال الكناية ، والكناية هي النون الثانية وياء المتكلم ، وحذف إحدى النونين لاجتماعهما ، وأسقط الياء لدلالة الكسرة عليها.

وأما" الآمرونه" و" محتضرونه" فذكر أبو العباس : أن هذه الهاء هي هاء السكت ، وكان حكمها أن تسقط في الوصل ، فاضطر الشاعر أن يجريها في الوصل مجراها في الوقف ، وحركها ؛ لأنها لما ثبتت في الوصل أشبهت الحروف التي حكمها أن تثبت في

__________________

(١) عجز بيت وصدره" ألا فتى من بني ذبيان يحملني" وقائله أبو محلم السعدي الإنصاف ٨٢ ـ الخزانة ٢ / ١٨٥.

(٢) قال البغدادي في الخزانة : (وهذا البيت أيضا مصنوع) الخزانة ٢ / ١٨٨.

٤٤

الوصل كهاء الكناية إذا قلت" غلامه" وما أشبه ذلك ؛ وأما القراءة في" مطلعون" فهي شاذة رديئة في القياس.

فإن قال قائل : وما السبب الذي أوجب سقوط التنوين والنون مع اتصال الكناية؟ قيل له : سبب ذلك أن علامة المضمر غير منفصلة من الاسم الذي اتصلت به ، ولا ينطق بها وحدها ، وهي زائدة في الاسم ، والتنوين والنون زائدان أيضا ، والكناية تقع في آخر الاسم كالنون والتنوين فتعاقبتا ؛ كراهة أن يجتمع في آخر الاسم هاتان الزيادتان ، فاكتفى بإحداهما عن الأخرى لمّا صارتا كشيئين من جنس واحد.

وهذا الفصل قد اشتمل على تفسير كلام سيبويه الذي لم يذكره من هذا الباب في هذا المعنى.

هذا باب من المصادر جرى مجرى الفعل

المضارع في عمله ومعناه

وذلك قولك : " عجبت من ضرب زيدا بكر ومن ضرب زيد عمرا" إذا كان هو الفاعل.

قال أبو سعيد : قد قدمنا أن المصادر تعمل عمل الأفعال المأخوذة منها ، إذا نوّنت ، أو دخلتها الألف واللام ، بما أغنى عن إعادته.

وتقدير المصدر إذا كان كذلك تقدير" أن" ، وما بعدها من الفعل ، واعلم أن المصدر متى كان عاملا ، فتقديره تقدير (أن) وما بعدها من الفعل ، وإذا كان مؤكّدا لفعله ، أو عاملا فيه الفعل ، الذي أخذ منه على وجه من الوجوه ، لم يجز أن يقدّر بأن ، وذلك قولك : " ضربت زيدا ضربا" و" ضربت زيدا الضرب الشديد" ، لا يقدّر بأن ، لأنك لا تقول : " ضربت زيدا أن أضرب" ، ولو قلت : " أنكرت ضربك زيدا" لكان في معنى" أن" ، لأنك تقول : أنكرت أن تضرب زيدا ، وأنكرت أن ضربت زيدا ، والعامل فيه غير الفعل المأخوذ منه.

أما قولك آمرا : " ضربا زيدا" و" الضرب زيدا" فكثير من النحويين يتسعون فيه فيقولون : العامل في" زيد" المصدر ، والحقيقة في ذلك غير ما قالوه اتساعا ، وإنما العامل في زيد الفعل الذي نصب المصدر ، وتقديره : " اضرب ضربا زيدا" ، فالعامل في" ضرب" وفي" زيد" جميعا الفعل ولكن هذا المصدر صار بدلا من اللفظ بفعل الأمر فاتسعوا أن يقولوا :

٤٥

إنه العامل في الاسم ، لما كان خلفا من العامل.

ويجوز إضافة المصدر إلى الفاعل إن شئت ، وإلى المفعول ؛ لتعلقه بكل واحد منها ؛ فتعلقه بالفاعل وقوعه منه ، وتعلقه بالمفعول وقوعه به ، فإلى أيهما أضفته جررته ، وأجريت ما بعده على حكمه ، إن كان فاعلا فمرفوع وإن كان مفعولا فمنصوب ، كقولك : عجبت من دقّ الثوب القصار" إذا أضفت إلى المفعول ، و" من دقّ القصار الثوب" إن أضفت إلى الفاعل ، وإنما جاز أن تأتي بعد المصدر بالفاعل والمفعول ، ولم يجز أن تأتي بعد اسم الفاعل إلا بالمفعول ؛ من قبل أن المصدر غير الفاعل وغير المفعول. فلا يستغنى بذكره عن ذكرهما ، واسم الفاعل هو الفاعل ، فلا يحتاج إلى ذكر الفاعل بعده ، ولا يجوز إضافته إلى الفاعل ، لأن الشيء لا يضاف إلى نفسه.

ومعنى قول سيبويه : " وإنما خالف هذا الاسم الذي جرى مجرى الفعل المضارع".

يعني : خالف المصدر الاسم الذي جرى مجرى الفعل المضارع وهو اسم الفاعل ؛ من أجل ما ذكرنا وهو أن المصدر ليس بفاعل ولا مفعول.

قال : فمما جاء من هذا قوله عزوجل : (أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ. يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ)(١) فالتقدير فيه : أو أن تطعموا ، فحذف الفاعل ، ولو أظهر لقال أو إطعام أنتم.

ويجوز عندي ألّا يقدر فاعل وينصب بالمصدر نفسه ، كما نصب التمييز في قولك : " عشرون درهما" ، و" ما في السماء موضع راحة سحابا" من غير أن يقدّر فاعل.

فإن قال قائل : فإذا نصبت" يتيما" ولم تقدر فاعلا في" إطعام" وشبّهته" بعشرين" ؛ فقد جعلته تمييزا فلا يجوز أن تنصب إلا نكرة ، ولا يقال" أو إطعام زيدا" ، قيل له : نحن وإن نصبناه من غير أن نقدر فاعلا ، فإنما ننصبه تشبيها بالفعل الذي ينصب المفعول ، فلا يلزم أن يكون مثل الفعل في جميع أحواله ، ألا ترى أنا نقول : " أو إطعام زيد عمرا" فننصب" عمرا" بإطعام ، ونقيم" زيدا" منه مقام التنوين وهو مجرور ، ولا نقدر فاعلا غير" زيد" ، فقد حصل في المصدر بطلان لفظ الفاعل الذي هو مرفوع من الفعل لا محالة ، ولم يكن المصدر في هذه الحال بمنزلة الفعل ، فكذلك ما ذكرناه.

__________________

(١) سورة البلد ، آية : ١٤ ، ١٥.

٤٦

قال الشاعر في إعمال المصدر :

فلولا رجاء النّصر منك ورهبة

عقابك قد صاروا لنا كالموارد (١)

فعدى" رهبة" إلى" عقابك" وقال آخر :

أخذت بسجلهم فنفحت فيه

محافظة لهنّ إخا الذّمام (٢)

فنصب" إخا الذمام" بمحافظة ، وقال :

بضرب بالسيوف رؤوس قوم

أزلنا هامهنّ عن المقيل (٣)

نصب" الرؤوس"" بضرب"

ومما جاء من المصادر غير منوّن قول لبيد :

عهدي بها الحيّ الجميع وفيهم

قبل التّفرّق ميسر وندام (٤)

أضاف عهدي إلى الياء ؛ ونصب" الحيّ" به ، والياء في معنى الفاعل ، و" عهدي" في موضع ابتداء ، والخبر قوله : " وفيهم" ؛ لأن الواو تكون حالا والحال يكون خبرا للمصدر ، كقولك : " قيامك ضاحكا" ، و" قيامك وأبوك يضحك" كما تقول : " مررت بزيد ضاحكا" و" مررت بزيد وأبوه يضحك".

قال : ومنه قولهم : " سمع أذني زيدا يقول ذاك" فأضاف السمع إلى الأذن. و" يقول" حال يسد مسد الخبر ، كأنه قال : سمع أذني زيدا قائلا ذاك.

وهذا كلام على المجاز ، لأن زيدا لا يسمع ؛ إنما يسمع كلامه ، ولكنه أراد سمع أذني كلام زيد ، فحذف المضاف ، وأقام المضاف إليه مقامه ، وقال رؤبة :

ورأي عينيّ الفتى أخاكا

يعطي الجزيل فعليك ذاكا (٥)

" فرأي عينيّ" ابتداء ، و" يعطي" حال يسد مسدّ الخبر.

قال : وتقول عجبت من ضرب زيد وعمرو ، إذا أشركت بينهما ، كما فعلت

__________________

(١) سيبويه ١ / ٩٧ (بولاق) ـ ١ / ١٨٩ (هارون) ابن يعيش ١ / ٦١.

(٢) سيبويه ١ / ٩٧ بولاق ـ ١ / ١٨٩ هارون.

(٣) البيت للمرار بن منقذ التميمي (العيني ٣ / ٤٩٩) ابن يعيش ٦ / ٦١.

(٤) سيبويه ١ / ٩٨ (بولاق) ديوان لبيد ٢٨٨ ، ابن يعيش ٦ / ٦٢ ورواية الديوان" عهدي بها الإنس الجميع".

(٥) سيبويه ١ / ٩٨ بولاق ، الخزانة ٢ / ٤٤١. ملحقات ديوان رؤبة ١٨١.

٤٧

ذلك في الفاعل ، ومن قال : " هذا ضارب زيد وعمرا" قال : " عجبت له من ضرب زيد وعمرا" كأنه أضمر" ويضرب عمرا" أو" وضرب عمرا".

يعني أن قولك : " عجبت من ضرب زيد وعمرو" هو الوجه ، ويجوز" عمرا" ، وهو بمنزلة قولك : " هذا ضارب زيد وعمرو" و" ضارب زيد وعمرا" وصار الجر أجود ؛ لمشاكلة اللفظيين ، واتفاق المعنيين ، وإذا نصبته كان المنصوب مردودا على الأول في معناه ، وليس بمشاكل له في لفظه ، فإذا حصل اتفاق اللفظ والمعنى كان أجود.

وقوله : كأنه أضمر" ويضرب" أو" ضرب"

يعني أنك تردّ" عمرا" على المعنى ، فإذا رددته على المعنى فلا بد من تقدير شيء ينصبه ، إذ ليس في اللفظ ناصب ، قال الراجز :

قد كنت داينت بها حسّانا

مخافة الإفلاس واللّيانا (١)

يحسن بيع الأصل والقيانا

فنصب" القيان" على المعنى ، وأما نصب" الليان" فيجوز أن يكون من هذا الوجه ، كأنه قال : وخاف الليان ، ويجوز أن يكون مخافة الإفلاس ، ومخافة الليان ، فحذف المخافة ، وأقام" الليان" مقامها ، ويجوز أن يكون على" المفعول له" كأنه قال : ولليان فحذف اللام ونصب كما تقول : " جئتك ابتغاء الخير" أي لابتغاء الخير.

قال : وتقول : " عجبت من الضرب زيدا كما تقول : عجبت من الضارب زيدا.

فيكون الألف واللام بمنزلة التنوين ، قال الشاعر :

ضعيف النّكاية أعداءه

يخال الفرار يراخي الأجل (٢)

فنصب" أعداءه" بالنكاية كأنه قال : نكاية أعداءه.

وقال المرّار :

لقد علمت أولى المغيرة أنني

لحقت فلم أنكل عن الضّرب مسمعا (٣)

__________________

(١) ينسب البيت لرؤبة بن العجاج وقيل قائل زياد الغنبري انظر سيبويه ١ / ٩٨ بولاق ـ ١ / ١٩١ هارون وملحقات ديوان رؤبة ١٨٧.

(٢) الخزانة ٣ / ٤٣٩ والعيني ٣ / ٥٠٠ وابن يعيش ٦ / ٦٤ وهو من الأبيات التي لا يعرف قائلها.

(٣) نسبه سيبويه إلى المرار الأسدي ونسبه بعضهم إلى مالك بن زغبة الباهلي من شعراء الجاهلية

٤٨

فنصب" مسمعا" بالضرب ، ويجوز أن يكون منصوبا" بلحقت" كأنه قال : لحقت مسمعا ، فلم أنكل عن الضرب.

وكان بعض البصريين المتأخرين لا ينصب بالمصدر إذا كان فيه الألف واللام ، فإذا ورد شيء منصوب بالمصدر الذي فيه الألف واللام أضمر بعده مصدرا ليس فيه ألف ولام ، فيقدر ضعيف النكاية نكاية أعداءه. وعن الضرب ضرب مسمعا ، وإنما دعاه إلى هذا أن المصدر إنما يعمل بمضارعة الفعل ، والفعل لا يكون إلا منكورا.

قال ومن قال : " هذا الضارب الرجل" لا يقول عجبت من الضرب الرجل ، لأن" الضارب الرجل" مشبه" بالحسن الوجه" لأنه وصف للاسم كما أن" الحسن" وصف ، وليس هو بحد الكلام مع ذلك".

يعني أن قولك : " الضارب الرجل" ليس بحد الكلام وإنما هو مشبه بالحسن الوجه ؛ لاتفاقهما أنهما وصفان.

قال : وتقول : " عجبت من ضرب اليوم زيدا" كما قال : يا سارق الليلة أهل الدّار (١).

يعني أن الوجه إضافة المصدر إلى ما بعده ظرفا كان أو اسما ، على أن يجعل الظرف مفعولا على السعة ، وليس ذلك بمنزلة قوله :

لله درّ اليوم من لامها (٢)

لأن" درّ" ليس بمصدر يعمل الفعل ، ولا تقول : " لله درّ اليوم من لامها" ، كما قلت : " عجبت من ضرب اليوم زيدا" ؛ لأن" درّ" لا ينصب ولا ينوّن ، ولا يجوز أن تقول : " لله درّ زيدا" فإذا احتاج الشاعر إلى مثل : " عجبت من ضرب اليوم زيدا" كان الأجود أن يخفض اليوم وينصب زيدا ، ويجوز نصب" اليوم" وخفض" زيد" على ما تقدم القول فيه ، وإذا احتاج إلى مثل : " لله درّ اليوم زيدا" لم يجز له خفض اليوم ، ونصب زيد.

قال : لأنهم لم يجعلوا" درّ" فعلا ، ولم يجعلوه فعل في اليوم شيئا ، إنما هو

__________________

الخزانة ٣ / ٤٣٩ ـ العيني ٣ / ٥٠١ ـ ابن يعش ٦ / ٦٤.

(١) الخزانة ١ / ٤٨٥ ـ ابن الشجري ٢ / ٢٥٠ / ابن يعش ٢ / ٤٥.

(٢) سبق تخريجه.

٤٩

بمنزلة قولك : لله بلادك ، وتقول : " عجبت له من ضرب أخيه" يكون المصدر مضافا فعل أو لم يفعل ، ويكون منوّنا ، وليس بمنزلة" ضارب".

يعني أن المصدر إذا نونته عمل فيما بعده ، سواء أكان من فعل ماض أم مستقبل ، كقولك : " عجبت من ضرب زيد عمرا أمس".

ولا يجوز إعمال اسم الفاعل إذا كان مأخوذا من فعل ماض ، وقد تقدم القول في الفرق بين هذين.

هذا باب الصفة المشبهة

بالفاعل فيما عملت فيه ، ولم تقو أن تعمل عمل الفاعل ؛ لأنها ليست في معنى الفعل المضارع ، فإنما شبّهت بالفاعل فيما عملت فيه ، وما تعمل فيه معلوم ، إنما تعمل فيما كان من سببها معرّفا بالألف واللام أو نكرة لا تجاوز هذا لأنه ليس بفعل ، ولا اسم هو في معناه.

قال أبو سعيد : ينبغي أن نقدم جملة نوطئ بها شرح هذا الباب ونقربه ؛ حتى نوقف على أصله ، والسبب الذي أجاز تغييره عنه ، وبالله تسديدنا.

اعلم أن العرب قد تصف الشيء بفعل غيره إذا كانت بينهما وصلة في اللفظ بضمير يرجع إلى الموصوف ، فمن ذلك قولك : " مررت برجل قائم أبوه" ، و" مررت برجل ذاهب عمرو إليه" و" رأيت رجلا محبّة له جاريتك" نعت رجلا بقيام أبيه ، وذهاب عمرو ، ومحبة الجارية ، لما كان في الكلام ضمير يعود إليه ولو لم يكن ضمير يعود إليه لم يجز الكلام ، ولا تقول : " مررت برجل قائم عمرو" لأنه لا وصلة بينهما.

فإذا قد تبين ما وصفناه ، وصح أن الشيء يوصف بفعل غيره ؛ للعلاقة اللفظية التي بينهما جاز أيضا أن ترفع الشيء بفعل غيره إذا كان على ما ذكرنا ، من الضمير العائد إلى الأول ، وهو الذي يشتمل عليه ابتداء هذا الباب ، وتلزمه هذه الترجمة ، ويقال له : " الصفة المشبهة" وذلك قولك : " مررت برجل حسن الوجه" و" مررت برجل قائم الأب" ، " وبامرأة حسنة الوجه" وكان الأصل في ذلك : " مررت برجل حسن وجهه" ، و" بامرأة حسن وجهها" ، فإذا قلت ذلك فقد نعتّ الرجل والمرأة بالحسن الذي للوجه ، ورفعت الوجه بفعله ، وكذلك إذا قلت : " مررت برجل قائم الأب" فالأصل فيه : " مررت برجل قائم أبوه" نعتّ رجلا بقيام أبيه ورفعت الأب بفعله ، وجعلت الضمير العائد إلى الرجل

٥٠

متصلا بالأب والوجه ، وأخليت النعت الذي هو" حسن" و" قائم" من ضمير الأول ؛ لأنك رفعت الأب والوجه بفعلهما ، وجعلت الضمير العائد إلى الأول متصلا بهما ، ثم إنك توسعت على مذهب العرب ، فجعلت الأول فاعلا للحسن وللقيام في اللفظ ، وإن كانت حقيقة الحسن للوجه ، والقيام للأب ، فإذا فعلت ذلك جعلت في" حسن" و" قائم" ضميرا للأول مرفوعا بحسن وقائم ، كأنهما فعل ، فإذا فعلت ذلك لم يجز أن ترفع الأب والوجه ، لأنه لا يرتفع فاعلان بفعل واحد ، إلا على سبيل العطف ، ولم يجز أن يبقى الضمير الذي في الأب والوجه ؛ لأنك قد جعلت ذلك الضمير بعينه فاعلا ، وجعلته مستكنا في الفعل ، فبطل أن يكون الوجه مرفوعا لمّا جعلت ضمير الأول فاعلا في" حسن" ولم يكن بد من ذكر الوجه ، لأنك لو لم تذكره لم يعلم أن الحسن في الأصل للأول ، أو منقول إليه عن غيره ، فذكرت الوجه ؛ ليعلم أن الفعل كان له ، ونقل عنه فلما ذكرته للحاجة إليه وكان متعلقا بالفعل وقد ارتفع بالفعل غيره ، وجب أن يكون محله كمحل المفعول لفظا ، والمفعول قد يكون نصبا إذا نوّن اسم الفاعل ، وقد يكون جرا إذا أضيف إليه اسم الفاعل ، فجاز في" الوجه" النصب والجر على ذلك المعنى.

وأنا أعيد ما فسرته ممثلا له بمثال حاضر قريب ، تقول : " مررت برجل حسن وجهه" ، فترفع الوجه بحسن ، وليس في" حسن" ضمير ، والضمير الذي في" وجهه" يعود إلى رجل و" حسن" هو صفة للرجل ، ثم تنزع الضمير الذي في وجهه ، فتجعله في" حسن" فاعلا ، فتقول : " مررت برجل حسن وجها وحسن وجه" فيصير الوجه لفظه لفظ المفعول ، لما جعلت الفاعل غيره ، فيصير بمنزلة قولك : " مررت برجل ضارب زيد وضارب زيدا" ، فالصفة المشبهة" حسن" واسم الفاعل" ضارب" ، فحسن يعمل في الوجه ما يعمل" ضارب" في" زيد" وليس" حسن" كضارب ؛ لأن" ضاربا" يعمل كعمل فعله ، ويجري عليه ، تقول" هذا ضارب زيدا" كما تقول ؛ " هذا يضرب زيدا" ، وتقول : " هذا حسن وجها" ولا تقول : " هذا يحسن وجها" غير أنا شبهنا" حسن" بضارب لما قدمنا ، وبينهما اختلاف في وجوه نذكرها والذي يبين لك أنك إذا قلت : " مررت برجل حسن وجها" أو" حسن الوجه" ولم ترفع الوجه بالحسن ، ورفعت به ضمير الأول ، أنك تثنيه وتجمعه وتؤنثه على حسب الأول ، تقول : " مررت برجلين حسني الوجوه ، وبرجال حسني الوجوه ، وبامرأة حسنة الوجه" ، كما تقول : " مررت برجل قائم ، وبرجلين قائمين ،

٥١

وبامرأة قائمة".

ولو لم تجعل فيه ضميرا ورفعت الوجه بفعله ، لم تثن ولم تجمع ، وقلت : " مررت برجلين حسن أوجههما ، وبرجال حسن أوجههم ، وبامرأة حسن وجهها ، وبنساء حسن أوجههنّ" فإذ قد وصفنا السبب المغيّر للفظ الأصلي في الصفة المشبهة ، فإنا نذكر ضروب اللفظ بذلك ، والاختيار منها.

إذا قلت : " مررت برجل حسن الوجه" ففيه خمسة ألفاظ : أولها : " مررت برجل حسن وجهه" والثاني : " مررت برجل حسن الوجه" وهو أجود الوجوه بعد الأول ، إذا نقلت الفعل ، و" مررت برجل حسن الوجه" ، و" مررت برجل حسن وجه" ، و" مررت برجل حسن وجها".

فأما قولك : " مررت برجل حسن وجهه" فهو الأصل غير مغيّر ، وأما قولك" مررت برجل حسن الوجه" ، فهو الاختيار من وجهين : أحدهما أن الوجه في هذا الباب تختار فيه الإضافة ، وإدخال الألف واللام في المضاف إليه.

فأما الذي أوجب اختيار الإضافة ، فمن قبل أن اسم الفاعل في هذا الباب لم يكن منه فعل مؤثر فيما بعده ، كما كان ذلك في قولك : " زيد ضارب عمرا" ؛ لأن" حسن" لم يعمل بالوجه شيئا ، كما عمل زيد" الضرب بعمرو" فأرادوا الفرق بين ما كان له فعل مؤثر وبين ما لم يكن له فعل مؤثر ، فاختاروا فيما كان له فعل مؤثر إجراؤه على الفعل ونصبه ، وما لم يكن له فعل مؤثر يجري عليه ، جعلوه بمنزلة الاسم إذا اتصل بالاسم ، كقولك : " غلام زيد" ، و" دار عمرو" ؛ لأن الصفة المشبهة غير معتبرة بفعلها ، وإنما حدث لها هذا المعنى حيث صارت اسما.

ووجه ثان يوجب اختيار الجر ، وهو أن الصفة المشبهة غير مستغنية عن الاسم الذي بعدها ؛ لأنك لو حذفت الاسم تغير المعنى ، ألا ترى أنك إذا قلت : " زيد حسن الوجه" فقد أوجبت أن الحسن للوجه ، منقول إلى لفظ زيد ، ولو حذفت فقلت : " زيد حسن" كان الحسن له دون غيره ، وأنت إذا قلت : " زيد ضارب عمرا" ثم حذفت" عمرا" لم يجهل أن الضرب واقع منه بغيره فحذف" عمرو" لا يخل بالمعنى ، فلما كان كذلك ، وكان ذكر الوجه ألزم من ذكر المفعول الصحيح ، وجب أن يكون الجر أولى به ؛ لأن المجرور داخل في الاسم الأول كبعض حروفه.

٥٢

وأما الاختيار للألف واللام فيه ؛ فمن قبل أنه قد كان" الوجه" معرّفا بالإضافة إلى الهاء التي هي ضمير الأول فلما نزعوا ذلك الضمير ، وجعلوه فاعلا مستكنا في الأول جعلوا مكانه ما يتعرف به ، وهو الألف واللام.

وأما الذي قال : " مررت برجل حسن الوجه" فإنه ترك الاختيار حين ترك الإضافة ، وأتى بالتشبيه باسم الفاعل الذي يوجب النصب.

ومن قال : " مررت برجل حسن وجه" فقد أتى بأحد وجهي الاختيار وهو الإضافة ، وحذف الألف واللام ؛ استغناء بعلم المخاطب أنه لا يعني من الوجوه إلا وجهه.

ومن قال : " مررت برجل حسن وجها" ففيه وجهان : أحدهما أنه أعمل" حسن" في الوجه كما يعمل" ضارب" في" زيد" إذا قلت : " هذا ضارب زيدا" ، والوجه الثاني : أن يكون على التمييز كما تقول : " هو أحسن منك وجها" ، و" ما في السماء موضع راحة سحابا".

واعلم أن المضاف في هذا الباب لا يكتسب بالإضافة تعريفا إذ كانت النية فيه التنوين ، فلذلك جاز أن تدخل الألف واللام على المضاف ، فيقال : " مررت بالرجل الحسن الوجه" فيعرّف" الحسن" بالألف واللام لا بالإضافة.

فإن قال قائل : يلزمكم على هذا أن تقولوا : " مررت بالرجل الضارب زيد" لأنكم إذا قلتم : " مررت برجل ضارب زيد" ، وعنيتم المستقبل والحال لم يكن" ضارب" متعرفا بزيد ، فإذا احتجتم إلى تعريفه ، أدخلتم عليه الألف واللام كما أدخلتموها على" الحسن". قيل له : بينهما فرق ، وطريقهما مختلف ، فمن ذلك أن" حسن الوجه" إنما هو مأخوذ من فعل ماض ، وأمر مستقر ، وإذا كان" ضارب" في مذهب" حسن" من المضي وجبت إضافته ، وتعرّف بما يضاف إليه.

ومنها أن الأصل في" حسن" والأولى به الجر ، الذي لا يوجب له تعريفا ، فإذا أدخلنا عليه الألف واللام لتعريفه تركناه على ما هو حقيق به.

والأصل في" ضارب" التنوين ؛ لأنه يجري مجرى الفعل ، وإنما يضاف تخفيفا ، فإذا أدخلنا عليه الألف واللام ، جرى مجرى الفعل المضارع ، وإنما يضاف تخفيفا ؛ فإذا أدخلنا الألف واللام عليه جرى على أصله الذي يوجبه له القياس ؛ لبطلان التخفيف الذي يلتمس بحذف التنوين.

٥٣

قال سيبويه في" الحسن الوجه" :

فالإضافة فيه أحسن وأكثر ؛ لأنه ليس كما جرى مجرى الفعل ، ولا في معناه ، فكان أحسن عندهم أن يتباعد منه في اللفظ ، كما أنه ليس مثله في المعنى ، وفي قوته في الأشياء".

يعني أن قولك : " حسن الوجه" لم يجر مجرى" حسن" كما جرى" ضارب" مجرى" ضرب" ، فكان الأحسن عندهم في" حسن" الإضافة ؛ لبعد الإضافة من الفعل في اللفظ ، كما تباعد" حسن الوجه" من الفعل ، ومما جرى مجراه في المعنى.

قال : " والتنوين عربيّ جيد" لما ذكرناه.

قال : " ومع هذا أنهم لو تركوا التنوين أو نون الجمع لم يكن أبدا إلا نكرة على حاله منوّنا ، فلما كان ترك التنوين والنون فيه ، لا يجاوز به معنى التنوين والنون كان تركهما أخفّ عليهم ، فهذا يقوي الإضافة مع التفسير الأول".

يعني أن الإضافة والتنوين في" حسن الوجه" لا يختلفان في المعنى ، فلأنهما لا يختلفان في المعنى مع طلب التباعد بين" حسن الوجه" و" ضارب زيدا" قويت الإضافة.

والمضاف إلى ما فيه الألف واللام بمنزلة ما فيه الألف واللام في هذا الباب ، كقولك : " هذا أحمر بين العينين" و" هو جيّد وجه الدار" كأنك قلت : هذا أحمر العينين ، وهو جيد الدار ، ولو نونت لكان أيضا عربيّا ، كقولك : " هذا جيّد وجه الدار" كقول زهير :

أهوى لها أسفع الخدين مطّرق

ريش القوادم لم تنصب له الشّرك (١)

أراد مطرق ريش القوادم ، أي متراكب كثير ، يعني بذلك صقرا ، قال العجاج : (٢)

محتبك ضخم شؤون الرأس (٣)

أي شؤون رأسه ، وقال" النابغة" فيما كان على مذهب التنوين :

ونأخذ بعده بذناب عيش

أجبّ الظهر ليس له سنام (٤)

__________________

(١) ديوان زهير ١٧٢.

(٢) ملحقات ديوان العجاج ٧٩ وهذا صدر بيت وعجزه والسّدس أحيانا وفوق السدّس.

(٣) العجاج هو عبد الله بن رؤبة راجز مجيد عاش في الجاهلية ثم أسلم وعاش إلى أيام الوليد بن عبد الملك وهو والد رؤبة الراجز المشهور شواهد المغني ١٨ ، الشعر والشعراء ٢٣٠.

(٤) ديوان النابغة ٧٥ ، الخزانة ٤ / ٩٥ ، العيني ٣ / ٥٧٩ ، ابن يعيش ٦ / ٨٣.

٥٤

أراد : " أجبّ الظهر ليس له سنام" على مذهب" حسن الوجه" إلا أنه لا ينصرف ، ولو جعله على مذهب" حسن الوجه" بالإضافة لقلت : " أجبّ الظهر".

قال : (واعلم أن كينونة الألف واللام في الاسم الآخر أحسن وأكثر من ألّا تكون فيه الألف واللام ؛ لأن الأول في الألف واللام وفي غيرهما هاهنا في حال واحدة ، وليس كالفاعل فكان إدخالهما أحسن ، كما كان ترك التنوين أكثر ، وكان الألف واللام أولى ؛ لأن معناه حسن وجهه ، فكما لا يكون في هذا إلا معرفة اختاروا في ذلك المعرفة).

يعني أن الألف واللام إثباتهما في الوجه أحسن ، لأن المعنى في إثباتهما ونزعهما سواء ، وفي إثباتهما تعريف عوض من التعريف الذي كان في" وجهه" ، حيث كان مضافا إلى الهاء ، وقد بينا هذا.

قال : " والأخرى عربية".

يعني نزع الألف واللام ، قال عمرو بن شأس :

ألكني إلى قومي السّلام رسالة

بآية ما كانوا ضعافا ولا عزلا (١)

ولا سيئي زيّ إذا ما تلبّسوا

إلى حاجة يوما مخيّسة بزلا

فهذا على من قال : " مررت بحسن وجه" ، ومن قال : " مررت بحسن الوجه" قال سيّئي الزيّ ، ومن قال : " بحسن الوجه" قال : سيئي الزيّ ، ومن قال : " حسن وجها" قال : " سيئين زيّا" قال حميد الأرقط :

" لاحق بطن بقرا سمين" (٢)

قال : " ومما جاء منونا قول أبي زبيد :

كأن أثواب نقّاد قدرن له

يعلو بخملتها كهباء هدّابا (٣)

أراد كهباء هدابها ، ولو كان مما يتصرف قلت : متكهّبا هدّابا كقولك : " حسنا

__________________

(١) من شواهد سيبويه انظر العيني ٣ / ٥٩٦ ـ الخصائص ٣ / ٢٧٤ / المقتضب ٤ / ١٦٠ وقائله عمرو بن شأس بن عبيد بن نكلبة بن دومة بن مالك بن الحارث شاعر مخضرم ، الشعر والشعراء ١٦٣ ـ سمط الآلئ ٧٥٠.

(٢) انظر سيبويه ١ / ١٠١ بولاق ـ ١ / ١٩٧ هارون. ابن يعيش ٦ / ٨٣ ، ٨٥.

(٣) خزانة الأدب ٢ / ١٥٥ ـ الشعر والشعراء ٢٦٠ ـ اللسان (نقد) ٤ / ٤٣٧.

٥٥

وجها" ، تنصبه على الحال من ضمير الثياب المتصل بخملتها ، كأنه قال : تعلو الخملة الثياب أكهب هدابا يصف أسدا ، و" النقّاد" : الراعي صاحب النّقد ، وهو ضرب من الغنم صغار ، فشبّه لون الأسد بثوب النقّاد ، والكهباء : الغبراء.

وقال أيضا :

هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة

محطوطة جدلت شنباء أنيابا (١)

كأنه قال : نقية أنيابها ، المحطوطة : البراقة اللون المصقولة.

وقال عدي :

من حبيب أو أخي ثقة

أو عدوّ شاحط دارا (٢)

أراد : شاحط داره.

وقال سيبويه : " وقد جاء في الشعر حسنة وجهها ، شبهوه بحسنة الوجه ، وذلك رديء".

يعني أن من العرب من يقول : " زيد حسن وجهه" و" هند حسنة وجهها" ، فيضيف" حسن" إلى" الوجه" ، وفي الوجه ضمير يعود إلى الأول ، وذلك رديء ؛ من قبل أن في" حسن" ضميرا يرتفع به يعود إلى" زيد" ، فلا حاجة بنا إلى الضمير الذي في" الوجه" ؛ لأن الأصل : " كان زيد حسن وجهه" ، والهاء تعود إلى" زيد" ، فنقلنا هذه الهاء بعينها إلى" حسن" ، فجعلناها في حال رفع ، فاستكنّت فيه ، فلا معنى لإعادتها ، ولكن من أعادها ـ إن كان قد أعادها معيد ـ جعل الضمير مكان الألف واللام ، وبقي الضمير الأول على حاله مرفوعا ، وجعل للاسم الأول ضميرين يعودان إليه ، وصيّره كقولك : " زيد ضارب غلامه" ففي" ضارب" ضمير" يعود إليه مرفوع" وفي الغلام ضمير يعود إليه مجرور.

وأنشد سيبويه قول الشماخ استشهادا لحسنة وجهها :

أمن دمنتين عرّج الركب فيهما

حقل الرّخامي قد عفا طللاهما (٣)

أقامت على ربعيهما جارتا صفا

كميتا الأعالي جونتا مصطلاهما

__________________

(١) قائله أبو زيد بن حرملة بن المنذر الطائي العيني ٣ / ٥٩٣ ـ ابن يعيش ٦ / ٨٣ ، ٨٤.

(٢) قائله عدي بن زيد من دهاة الجاهليين من أهل الحيرة وكان شاعرا فصيحا يحسن العربية والفارسية الخزانة ١ / ١٨٤ ـ الأغاني ٢ / ٩٧ ـ الشعر والشعراء ٦٣.

(٣) ديوان الشماخ ٣٠٨ ـ الخصائص ٢ / ٤٢٠ ـ الخزانة ٢ / ١٩٨ والدرر ٢ / ١٣٢.

٥٦

والشاهد في البيت الثاني في قوله : " جونتا مصطلاهما" فجونتا مثنى ، وهو بمنزلة" حسنتا" وقد أضيفتا إلى" مصطلاهما" ، ومصطلاهما بمنزلة" وجوههما" فكأنه قال : حسنتا وجوههما ، والضمير الذي في مصطلاهما يعود إلى" جارتا صفا".

ومعنى" جارتا صفا" الأثافي و" الصفا" هو الجبل ، وإنما يبنى في أصل الجبل في موضعين ما يوضع عليه القدر ، ويكون الجبل هو الثالث ، فالبناء في الموضعين هما جارتا صفا ، وقوله : " كميتا الأعالي" ، يعني أن الأعالي من موضع الأثافي لم تسود ؛ لأن الدخان لم يصل إليها فهي على لون الجبل ، وجعل ما علا من الجبل أعالي الجارتين ، و" جونتا مصطلاهما" يعني مسودّتا المصطلى ، يعني الجارتين ، مسودّتا" المصطلى" ؛ وهو موضع الوقود.

وقد أنكر ذلك على سيبويه ، وخرّج للبيت ما يخرّج به عن" حسن وجهه" ، و" حسنة وجهها" وذلك أنه لا خلاف بين النحويين أن قولنا : " زيد حسن وجه الأخ جيد بالغ ، وأنه يجوز أن تكني عن الأخ فتقول : " زيد" حسن وجه الأخ وجميل وجهه فالهاء تعود إلى الأخ ، لا إلى زيد ، فكأنا قلنا : زيد حسن وجه الأخ وجميل وجه الأخ ، فعلى هذا قوله :

" كميتا الأعالي جونتا مصطلاهما"

كأنه قال : كميتا الأعالي ، جونتا مصطلى الأعالي ، فالضمير في" المصطلى" يعود إلى" الأعالي" ، لا إلى الجارتين ، فيصير بمنزلة قولك : " الهندان حسنتا الوجوه ، مليحتا خدودهما" فإن أردت بالضمير الذي في خدودهما" الوجوه" كان الكلام مستقيما كأنك قلت : حسنتا الوجوه ، مليحتا خدود الوجوه ، وإن أردت بالضمير فإن أردت بالضمير" الهندين" فالمسألة فاسدة ، فكذلك" جونتا مصطلاهما" إن أردت بالضمير الأعالي ؛ فهو صحيح وإن أردت بالضمير الجارتين فهو رديء ، لأنه مثل قولك : " هند حسنة وجهها".

فإن قال قائل : فإذا كان الضمير الذي في" مصطلاهما" يعود إلى الأعالي فلم ثنّي والأعالي جمع؟ قيل له : الأعالي في معنى الأعليين فرد الضمير إلى الأصل ، ومثله :

متى ما تلقني فردين ترجف

روانف أليتيك وتستطارا (١)

__________________

(١) البيت لعنترة الخزانة ٣ / ٣٥٩ ، الدرر ٢ / ٨٠.

٥٧

فرد" تستطارا" إلى رانفتين ؛ لأن" روانف" في معنى رانفتين ، وعلى هذا يجوز أن تقول : " الهندان حسنتا الوجوه جميلتا خدودهما" لأن الوجوه في معنى الوجهين ، فكأنك قلت : جميلتا خدود الوجهين ، وقد يجوز أن يكون" تستطارا" للمخاطب ، وتنصب" تستطارا" على الجواب بالواو ، كما قال الله عزوجل : (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ)(١) ومما يدخل في هذا النحو قول طرفة :

رحيب قطاب الجيب منها رفيقة

بجسّ الندامى بضّة المتجرّد (٢)

فهذا هو الإنشاد الصحيح بتنوين" رحيب" ، ورديء إضافته بمنزلة" حسنة وجهها" ، وذلك لأن الأصل رحيب قطاب الجيب منها ، فقطاب يرتفع برحيب ، والضمير في" منها" يعود إلى الأول ، فإذا أضفنا" رحيب" فقد جعلنا فيها الضمير العائد فلا معنى لمنها ، على ما بينا في" حسنة الوجه" وكذا لا يحسن أن تقول : " زيد حسن العين منه" على ذلك.

قال سيبويه : " واعلم أنه ليس في العربية مضاف تدخل عليه الألف واللام ، غير المضاف إلى المعرفة في هذا الباب ، وذلك قولك هذا الحسن الوجه" :

فإن قال قائل : لم جاز أن تدخل الألف واللام على الصفة المشبهة إذا كانت مضافة قيل له : من قبل أن الإضافة لا تكسوها تعريفا البتة ، وقد بينا أمرها وأصلها ، وأنها في تقدير المنفصل ، فإذا كانت الإضافة لا تكسوها تعريفا ولا تخصيصا ، لم تمنعها الإضافة دخول الألف واللام ، وحلت محل النكرة ، التي تتعرّف بدخول الألف واللام لمّا احتاجت إلى دخولهما حين احتاجت إلى التعريف الذي لا تكتسبه بالإضافة.

فإن قال قائل : ولم جعله" سيبويه" مضافا ، والمضاف ما كان مقدرا فيه اللام ، أعني لام الإضافة أو" من"؟ فإن الجواب في ذلك أنه أراد أنه مضاف في اللفظ ، والتقدير على ما وصفنا ثم ذكر ما أغنى عنه التفسير المتقدم.

ثم قال : فأما النكرة فلا يكون فيها إلا" الحسن وجها" تكون الألف واللام بدلا من التنوين.

__________________

(١) سورة آل عمران ، آية : ١٤٢.

(٢) ديوان طرفة ٤٨ ، الخزانة ٣ / ٤٨١.

٥٨

يعني أنك إذا أدخلت الألف واللام في الصفة ، ونكّرت ما بعدها لم تجز إضافتها.

فإن قال قائل : فلم لا تجوز إضافة الصفة إلى نكرة في اللفظ ، وليست الإضافة فيه صحيحة ، فيقال : " الحسن وجه"؟ قيل له : ومن قبل أنا إذا أعطيناها لفظ الإضافة ـ وإن لم يكن معناها معنى الإضافة ـ لم يجز أن يكون لفظها خارجا عن لفظ الإضافة الصحيحة. لأنا سميناها بها ، وليس في شيء من الإضافات لفظا وحقيقة ما يكون المضاف معرفة ، والمضاف إليه نكرة فلم يحسن أن تقول : " مررت بزيد الحسن وجه" فيكون" الحسن" معرفة و" الوجه" نكرة ، فيجري على خلاف ألفاظ الإضافة التي سميناها بها.

فإن قال قائل فأنتم تقولون : " مررت بالحسن الوجه" فتضيفون ما فيه الألف واللام ، وليس ذلك في باب المضاف؟ فالجواب عن ذلك ، أنه غير مخالف لباب الإضافة ، وإن كان في المضاف الألف واللام ، وذلك من قبل أن المضاف قد يكون معرفة بالمضاف إليه ، إذا قلت : " غلام زيد" و" دار بكر" فالمضاف معرفة بالمضاف إليه ، والمضاف إليه معرفة بنفسه ، وقد صح أن المضاف قد يكون معرفة إذا كان المضاف إليه معرفة ، فغير مستنكر أن يكون في" الحسن" الألف واللام ، ويكون مضافا ، إذا كان التعريف والإضافة لا يتنافيان في اللفظ ، غير أن قولنا : " الحسن الوجه" ، لما لم يقع له التعريف بالإضافة كما وقع" لغلام زيد" أدخلوا ما يقع به لتعريف من الألف واللام ، مكان ما يقع من التعريف بالإضافة ، و" غلام زيد" وما بعده قد وقع تعريفه بزيد ، فلم يحتج إلى دخول الألف واللام ، " فالحسن الوجه" يشبه" غلام زيد" في هذا المعنى.

ومع هذا فإن الأصل دخول الألف واللام في الوجه ، وطرحهما استخفافا ، والشيء الذي هو الأصل أقوى وألزم ، فلما كان دخول الألف واللام مع الإضافة ، إنما هو ضرورة ، لم يتجاوز بها اللفظ الذي هو الأصل ، فاعرف ذلك إن شاء الله تعالى.

وقال سيبويه : بعد قوله : " تكون الألف واللام بدلا من التنوين".

لأنك لو قلت : " حديث عهد" أو" كريم أب" لم تخلل بالأول في شيء فيحتمل به الألف واللام ؛ لأنه على ما ينبغي أن يكون عليه".

" أما قوله : " فأما النكرة فلا يكون فيها إلا الحسن وجها"

يعني إذا كان الثاني نكرة وهو" وجها" والأول فيه الألف واللام ، لم تجز الإضافة ، ووجب نصب الثاني.

٥٩

وقوله : " تكون الألف واللام بدلا من التنوين" يعني أن الألف واللام في الأول بدل من التنوين فيه فلو كان منوّنا كان مثل قولك : " حسن وجها" لا غير ، فإذا أدخلت فيه الألف واللام كان محلّ إدخال التنوين.

وقوله : " لأنك لو قلت حديث عهد ، أو كريم أب".

فهو بمنزلة قولك : " حديث العهد" أو" كريم الأب" ؛ لأنك وإن نكرته فقد علم أنه ليس تعني من العهود إلا عهده ، ومن الآباء إلا أباه ، فتنكير الثاني لا يخل ولا يزوله عن حاله لو كان معرفا ، وليس بمنزلة سائر الأشياء المضافة تتنكر بتنكير المضاف إليه ، وتتعرف بتعريفه.

قوله : (فيحتمل به الألف واللام) يعني لو كانت إضافة الأول إلى الثاني في التنكير ، تخالف الإضافة في حال التعريف ، لجاز أن تدخل الألف واللام على الأول ، وإن كان مضافا إلى نكرة ، فتقول" الحسن وجه" كما جاز أن تدخل عليه الألف واللام ، وهو مضاف إلى المعرفة ، فلما كان الثاني المضاف إليه ، تنكيره وتعريفه سواء في المعنى ، ثم أردنا إدخال الألف واللام في الأول ، وهو مضاف إلى المعرفة ، أدخلناهما في الثاني ؛ لئلا يخرج عن لفظ الإضافة على ما بيناه قبل هذا.

ولو كان الثاني منكورا على خلاف معناه معروفا ، جاز إدخال الألف واللام في الأول ، وإن كان الثاني نكرة ؛ لأن الألف واللام تعرفه فقط دون غيره ، ولو عرفنا الثاني زال عن معناه منكورا ، فلما لم يكن كذلك آثروا تعريف الثاني ، إذا عرفوا الأول ؛ لاستواء التعريف والتنكير في المعنى ، وصحة لفظ التعريف في مشاكلة الإضافات على ما مر.

ومما يدل على صحة القول بتعريف الأول ، وتنكير الثاني عند الحاجة والضرورة ، أنا لو نادينا رجلا فقلنا : " يا حسن وجه" و" يا ضارب رجل" ، وقصدنا واحدا بعينه دون سائر أمته ، لكان الأول معرفة بالقصد بالنداء ، والثاني منكورا على حاله الأولى.

وقوله : " فيحتمل به الألف واللام" يحتمل أن يكون الضمير في" به" عائدا إلى الأول ، ويحتمل أن يكون إلى الثاني ، فإن كان إلى الأول فالمعنى فيحتمل بالأول الألف واللام لما ذكرناه ، وإن كان إلى الثاني فمعناه فيحتمل بالثاني دخول الألف واللام على الأول.

وقوله : " لأنه على ما ينبغي أن يكون عليه" يعني لو كان تنكير الثاني يخالف

٦٠