شرح كتاب سيبويه - ج ٢

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان

شرح كتاب سيبويه - ج ٢

المؤلف:

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان


المحقق: أحمد حسن مهدلي و علي سيّد علي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5251-0

الصفحات: ٥٠٤

وأمّ عجلان : طائر أسود أبيض ، أصل الذنب من تحته ، وربّما كان أحمر ، واسمه : الفتاح.

ومن أسماء البنين : ابن دأية للغراب ، وابن جلا : الرجل المنكشف الأمر ، ومثله : ابن أجلى ، كما قال العجاج :

به ابن أجلى وافق الإصحارا (١).

ويقال : ابن مقرض لدويبّة أكحل اللون له خطيم طويل ، وهو أصغر من الفأرة.

ويقال للحمار الأهليّ ابن سنّه ، وابن طاب عذق المدينة ، ويقال أيضا : عذق ابن حبيق ، وابن حمير ، الليلة التي لا قمر فيها ، وابن سمير الليلة ذات القمر.

ومن أسماء البنات : ابنة الجبل (٢) الصدى ، ونبت الأرض الحصاة ، ويقال أيضا لنبت يشبه القلّاع : بنت الأرض ، ويقال ما كلمته ببنت شفة ، أي : بكلمة ، وبنات أسفع (٣) المعزى ، وكذلك بنات بعرة ، ويقال للضأن : بنات خورة (٤) يا هذا.

قال أبو سعيد : الأسماء التي ذكرها سيبويه معارف أعلام للأجناس التي ذكرها ، كزيد ، وعمرو ، وهند ، ودعد.

إلّا أن اسم زيد ، وهند يختصّ شخصا بعينه دون غيره من الأشخاص ، وأسماء الأجناس يختصّ كل اسم منها جنسا ، كل شخص من الجنس يقع عليه الاسم الواقع على الجنس.

مثال ذلك : أنّ زيدا أو طلحة في أسماء الناس لا توقعه على كلّ واحد من الناس ، وإنّما توقعه على الشخص الذي يسمى بعينه لا يتجاوزه ؛ وأسامة يقع على كلّ ما خبّرت عنه من الأسد ، وكذلك ثعالة ، وسمسم ، وأبو الحصين ، يقع على كلّ ما خبرت عنه من الثعالب. والفرق بينهما أن الناس تقع أسماؤهم على الشخوص ، لكل واحد منهم اسم يختصّ به شخصه دون سائر الأشخاص ؛ لأنّ لكل واحد منهم حالا مع الناس ينفرد بها في

__________________

(١) في ديوان العجاج :

لاقوا به الحجاج والإصحارا

به ابن أجلى وافقا الإسفارا

(٢) الحية لملازمتها له وتقال للداهية أيضا.

(٣) الأسفع اسم الغنم.

(٤) الخورة من الإبل خيرتها.

٤٢١

معاملته وأسبابه وما له وعليه ، وليست لغيره ، فاحتاج إلى اسم يختص شخصه. وكذلك ما يتخذه الناس ويستعملونه فيألفونه من الخيل والكلاب والغنم ، وربّما خصّوها بأسماء تعرف بكل اسم منها شخص بعينه لما يخصّونه به من الاستعمال والاستحسان ، نحو أسماء خيل العرب : كأعوج ، والوجيه ، ولاحق ، وقيد ، وجلّاب ، والكلاب نحو : ضمران ، وكسّاب ، وغير ذلك مما يخصّونه بالألقاب.

وما لا يألفه الناس لا يخصّون كلّ واحد منها بشيء دون غيره يحتاجون من أجله إلى تسميته ، فصارت التسمية للجنس بأسره ، فيصير الجنس في حكم اللفظ كالشخص ، فيجري أسامة وسائر ما ذكره من الأسماء المفردة مجرى زيد ، وعمرو وطلحة ، ويجري ما كان مضافا نحو ، أبي الحصين ، وأبي الحارث ، وابن عرس ، وابن بريح ، كعبد الله ، وأبي جعفر ، وما أشبه ذلك ، وما كان منه له اسم وكنية نحو : أسامة ، وأبي الحارث ، وثعلة ، وأبى الحصين ، ودألان ، وأبي جعدة ، كرجل له اسم وكنية وهو إنسان اسمه طلحة وكنيته أبو محمد ، واسمه زيد وكنيته أبو سعيد. وإن كانت مؤنثة لها اسم وكنية ، فهي كامرأة لها اسم وكنية ، وذلك نحو الضبع اسمها حضاجر ، وجعار ، وجيأل ، وقتام وكنيتها : أمّ عامر ، وأم خنّور ، وأم زعم ، وأم رمال ، وهي كامرأة اسمها هند وكنيتها أم أحمد ، وقد يكون في هذه الأجناس ما يعرف له اسم مفرد ولا يعرف له كنية ، ومنه ما تعرف كنيته ، ولا يعرف له اسم علم. ومنه ما يكون اسمه علما مضافا ، ولا يعرف له غير ذلك. فأمّا ما يعرف له اسم مفرد علم ولا تعرف له كنية فنحو : قثم : ذكر الضبع ، ولا كنية له.

وأما ما له كنية ، ولا اسم له علم ، فنحو : أبي براقش ، وأما المضاف فنحو : ابن عرس ، وابن مقرض. وفي هذه الأشياء ما له اسم جنس واسم علم ، كأسد ، وليث ، وثعلب ، وذئب.

هذه أسماء أجناسها ؛ كرجل ، وفرس ، ولها أعلام نحو : أسامة ، وثعالة ، وسمسم ، ودألان ، وهي كزيد وعمرو وطلحة في أسماء الناس ، ومنها ما لا يعرف له اسم غير العلم نحو : ابن مقرض ، وحمار قبّان ، وأبي براقش ، وإن كان لشيء منها اسم فليس بالمعروف الكثير ، وإنما ذكرت هذه الأشياء ليعلم اتساع العرب في تسمية ذلك ، وعلى مقدار ملابستهم لجنس من هذه الأجناس ، وكثرة إخبارهم عنه ، يكثر تصرفهم في تسميته وافتنانهم فيها ، كالأسد ، والذئب ، والثعلب ، والضبع ، فإن لها عندهم آثارا يكثر بها

٤٢٢

إخبارهم عنها ، فيتفننون في أسمائها وكناها وأسماء أجناسها ، ولأن إقامتهم في البوادي وكونهم في البراري ، قد تقع أعينهم على طائر غريب ووحشي ظريف ، يرون من دوابّ الأرض وهوامها وأجناسها ما لا اسم له عندهم ، فيكنونه بأسماء يشتقونها من خلقته ، أو من فعله ، أو من بعض ما يشبهه أو غير ذلك ؛ ويضيفونه إلى شيء على ذلك المنهاج ، أو يلقبونه ، كفعلهم بمن يلقب من الناس. فيجري ذلك مجرى الأسماء الأعلام والألقاب في الإخبار عنه ، ويكون ذلك لجنسه لا لواحد بعينه ، ولو لا أن ذلك من غير ما قصدنا إليه لمثلت منه ما يكون كالعيان. وفى الفراش وغيره من الحيوان مما لم يسمعوه كثير ، وفى هذه الخلق من العجائب ما لا يحاط به. ولقد حدثنا أبو محمد السكري عن خفيف السمرقندي حاجب المعتضد بالله ، أنه كثر الفراش على الشمع المسرج بحضرة المعتضد في بعض الليالي ، فأمر بجمعه وتمييزه ، فجمع فكان مكّوكا (١) ؛ وميّز فكان اثنتين وسبعين لونا.

وكذلك صارما يكنى بالآباء والأمهات معارف ؛ لأنهم ذهبوا به مذهب كنى الرجال والنساء ، وكذلك ما يضاف إلى شيء غير معروف باستحباب تلك الإضافة واستحقاقها ، كنحو ابن عرس ، وابن أوبر ، وابن قترة (٢) ، وابن آوى ، وحمار قبّان ؛ لأن المضاف إليه من ذلك لا يعرف باستحقاق إضافة ما أضيف إليه ، فجرى مجرى ألقاب الناس المضافة ، نحو ثابت قطنة ، وقيس قفّة.

وأما ما نعرف باستحقاق إضافة ما أضيف إليه ، فنحو ابن لبون ، وابن مخاض ، وبنت لبون ، وبنت مخاض ، وابن ماء ، وذلك أن الناقة إذا ولدت ولدا ثم حمل عليها بعد ولادتها فليست تصير مخاضا إلّا بعد سنة أو نحو ذلك ، والمخاض الحامل المقرب ، فولدها الأول إن كان ذكرا هو ابن مخاض ، وإن كانت أنثى فهي بنت مخاض ، وإن ولدت وصار لها لبن صارت لبونا ، فأضيف الولد إليها بإضافة معروفة الاستحقاق والاستحباب ، وإن نكّرت مخاض ولبون ، فما أضيف إليها نكرة نحو : ابن مخاض ، وابن لبون ، وإن عرّفتهما بإدخال الألف واللام ، فما أضيف إليهما معرفة نحو : ابن اللبون ، وابن المخاض. وكذلك

__________________

(١) المكوك : كأس يشرب به وهو مكيال يساوي نصف رطل أو صاعا ونصف أو عشرين مدّا بمد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٢) حية خبيثة تميل إلى الصغر ، وابن قترة إبليس لعنه الله.

٤٢٣

ابن ماء : طائر ، نسب إلى الماء بلزومه له. فإن نكّرت الماء تنكّر فقلت : ابن ماء ، وإن عرّفته تعرّف فقلت : ابن الماء. وأنا أسوق شواهد بعض ذلك في كلام سيبويه إن شاء الله.

وإنما علم أن العرب ذهبت في هذه الأسماء مذاهب الأعلام والألقاب المعارف ، أنّا رأينا ما كان منها فيها ما يمنع من صرف المعرفة لا يصرف ، كأسامة وثعالة ؛ لأن فيهما التأنيث والتعريف. وكذلك جعار وجيأل ، وكذلك دألان ، لأن فيه الألف والنون الزائدتين والتعريف. وكذلك قثم لا ينصرف لأنه معدول عن قاثم وهو معرفة مثل : عمر. وما لم يكن فيه ما يمنع الصرف ، فإنه لا تدخله الألف واللام ، كابن عرس وابن بريح ، لا يقال : ابن العرس ، ولا ابن البريح ، كما لا تدخل الألف واللام على زيد وعمرو ومكّة وبغداد.

قال : " وإنما منع الأسد وما أشبهه أن يكون له اسم معناه معنى زيد ، أن الأسد وما أشبهها ليست بأشياء ثابتة مقيمة مع الناس ، فيحتاجوا إلى أسماء يعرفون بها بعضها مع بعض ، ولا تحفظ جلاها كحفظ ما يثبت مع الناس ويقتنونه ويتّخذونه. ألا تراهم قد اختصّوا الخيل والإبل والغنم والكلاب وما يثبت معهم واتخذوه بأسماء كزيد وعمرو".

قال : " ومنه ـ يعنى من المعارف ـ أبو جنادب (١) وهو شيء يشبه الجندب غير أنه أعظم منه ، وهو ضرب من الجنادب ، كما أنّ بنات أوبر ضرب من الكمأة ، وهو معرفة. ومن ذلك ابن قترة ، وهو ضرب من الحيّات ، فكأنهم إذا قالوا : هذا ابن قترة ، فقد قالوا : هذه الحيّة ، التي من أمرها كذا وكذا ، وإذا قالوا : بنات أوبر فكأنهم قالوا : هذا الضرب الذي من أمره كذا وكذا من الكمأة ، وإذا قالوا : هذا أبو جنادب فكأنهم قالوا : هذا الضرب الذي سمعت به أو رأيته".

قال أبو سعيد : كأنّ تلقيب هذه الأشياء وتسميتها بهذه الأسماء المعارف في مذهب سيبويه ، دلالة على الاسم وبعض صفاته وخواصه ، ألا تراه قال : فكأنهم إذا قالوا : هذا ابن قترة فقد قالوا : هذا الحية الذي من أمره كذا وكذا ، وكذلك هذا الضرب الذي من أمره كذا وكذا من الكمأة ، وهذا مذهب حسن.

__________________

(١) الضخم الغليظ.

٤٢٤

وكان أبو العباس محمد بن يزيد (١) يذهب إلى أن ابن أوبر نكرة ، ويستدل على ذلك بإدخال الألف واللام عليه في بيت قاله بعض الشعراء وهو :

ولقد جنيتكم أكمؤا وعساقلا

ولقد نهيتك عن بنات الأوبر (٢)

والقول عندي ما قاله سيبويه ، وهذا البيت اضطرّ شاعره إلى إدخال الألف واللام كما أدخل أبو النجم في قوله :

باعد أمّ العمر من أسيرها (٣)

وكقول الآخر :

رأيت الوليد بن اليزيد مباركا

شديدا بأعباء الخلافة كاهله (٤)

وقد قال الأصمعي : أدخلوا الألف واللام مضطرين ؛ لأنه قد عرف من كلامهم أنّهم لا يدخلون عليه الألف واللام ، وقد قال الشاعر :

ومن جنى الأرض ما يأتي الرّعاء به

من ابن أوبر والمغرود والفقعة (٥)

فابن أوبر بمنزلة المغرود والفقعة في التعريف ، ولو كان نكرة لكان الأحسن أن يجعله عديل المغرود والفقعة ، ويقول من ابن الأوبر بتليين الهمزة. وقد تقدم من قولنا : إن الباب في مثل هذا يكون معرفة إلّا ما استثناه منه.

قال أبو سعيد : وقد تقدم في أقسام هذه الأسماء المعارف أن منها ما يختص باسم معرفة لا يتجاوز إلى غيره ، ولا يكون له نكرة تقع على كل واحد من نوعه ، وتعرّف بالألف واللام ، كرجل وفرس وأسد ، فذكر سيبويه من هذا النحو : ابن آوى ، وابن عرس ، وأم حبين ، وأمّ أبرص ، وبعض العرب يقول : أبو بريص وحمار قبّان. قال : كأنهم قالوا في

__________________

(١) هو أبو العباس محمد بن يزيد بن عبد الأكبر المعروف بالمبرد كان إمام العربية في بغداد ، كان يخالف سيبويه في بعض آرائه ، كان على رأس نحاة البصرة في زمانه ، قدم إلى بغداد في شيخوخته وتوفي بها سنة ٢٨٥ ه‍ ، تاريخ بغداد ٣ / ٣٨٠ ، أخبار النحويين البصريين ص ٩٦.

(٢) البيت بلا نسبة في سر صناعة الإعراب ٣٦٦ ، أوضح المسالك ٨١ ، اللسان (وبر).

(٣) البيت في اللسان (وبر).

(٤) البيت لابن ميادة في ديوانه ١٩٢ ، واللسان (وسع).

(٥) بدون نسبة في اللسان (فقع).

٤٢٥

كل واحد من هذه الأشياء هذا الضرب الذي يعرف بصورة كذا ، فاختصت العرب لكل ضرب من هذه الضّروب اسما على معنى الذي تعرفها به لا تدخله النكرة ، وتركوا في هذه الأشياء الاسم الذي تدخله المعاني المعرّفة والمنكرة ، ويدخله التعجب ، وتوصف به الأسماء المبهمة ؛ يعني لم يجعلوا لهذه الأشياء اسما ينكّر ، كرجل وأسد ، وتدخله الألف واللام كالرجل ، والأسد ، ويدخله التعجب كقولك : هذا الرجل ، وهذا الأسد ، إذا كنت ترفع من شأنه ، ووصف الأسماء المبهمة نحو قولك : هذا الرجل قائم.

قال : (فكأنّ هذا اسم جامع لمعان) يعنى : رجل وأسد ؛ لأنه يتصرف في ضروب من المعاني ، وابن عرس يراد به معنى واحد ، كما أريد بأبي الحارث ويزيد معنى واحد واستغني به ، وفيما ذكر من هذه الأسماء المعارف ابن مطر ، وهو معرفة ، وهو دويبة حمراء تظهر غبّ (١) المطر ، وجمعه بنات مطر ، وأما ابن ماء : فطائر طويل العنق يتنكّر إذا نكّرت الماء ، ويتعرّف إذا عرّفته ، قال ذو الرمة في تنكيره :

وردت اعتسافا والثريّا كأنّها

على قمة الرأس ابن ماء محلّق

محلّق نكرة وهو نعت ابن ماء ، وقال أبو الهندي :

مقدّمة قزّا كأنّ رقابها

رقاب بنات الماء أفزعها الرّعد (٢)

يصف أباريق خمر يشبّه رقابها برقاب هذه الطير ، وعرّفها بإدخال الألف واللام على الماء ، وقد تقدم القول بأنّ ابن لبون وابن مخاض نكرتان ، وأنهما يتعرفان بإدخال الألف واللام. قال جرير :

وابن اللّبون إذا ما لزّ في قرن

لم يستطع صولة البزل القناعيس (٣)

وقال الفرزدق :

وجدنا نهشلا فضلت فقيما

كفضل ابن المخاض على الفصيل (٤)

قال : (وقد زعموا أن بعض العرب يقول : هذا ابن عرس مقبل ، فرفعه على وجهين ، فوجه مثل : هذا زيد مقبل ، ووجه على أنه جعل ما بعده نكرة فصار مضافا

__________________

(١) الغب بالكسر : عاقبة الشيء.

(٢) البيت في شرح ابن يعيش ١ / ٣٥.

(٣) البيت في شرح ابن يعيش ١ / ٣٥ ، وفي اللسان (لبن).

(٤) ديوانه : ٦٥٢ ، وشرح ابن يعيش ١ / ٣٥.

٤٢٦

إلى نكرة ، بمنزلة قولك : هذا ابن رجل منطلق. ونظير ذلك هذا قيس قفّة آخر منطلق ، وقيس قفّة لقب ، والألقاب والكنى بمنزلة الأسماء ، نحو زيد وعمرو ، ولكنه أراد في قيس قفة ما أراد في قوله : هذا عنمان آخر ، فلم يكن له بد من أن يجعل ما بعده نكرة ؛ لأنه لا يكون الاسم نكرة وهو مضاف إلى معرفة ، وعلى هذا الحدّ تقول : هذا زيد منطلق ، كأنك قلت : هذا رجل منطلق ، فإنما أدلت النكرة على هذا العلم الذي إنما وضع للمعرفة ، ولها جيء به : فالمعرفة هنا الأولى)

يريد أنّ ابن عرس ـ وإن كان موضوعا للتعريف في الأصل ـ فقد يجوز أن ينكّر كما ينكّر زيد وعمرو ، وإن كان موضوعهما معرفة. فإذا قلنا : هذا ابن عرس مقبل ، فيكون على وجهين : أحدهما ، أن يكون ابن عرس على تعريفه ، وترفع مقبل على ما ترفعه عليه لو قلت : هذا عبد الله مقبل ، وقد مضت وجوه الرفع فيه. والوجه الآخر ، أن تجعل ابن عرس نكرة ، ومقبل نعت له.

قال سيبويه : بعد ذكره ابن لبون ، وابن مخاض ، وابن ماء ، وأنّهنّ نكرات قال : (وكذلك ابن أفعل إذا كان ليس باسم لشيء) يعنى أن ابن أفعل ـ وإن كان لا ينصرف ـ فهو نكرة إذا لم يجعل علما لشيء كابن أحقب ، وهو الحمار وهو نكرة. وتدخل عليه الألف واللام فيصير معرفة كقولك : مررت بابن الأحقب ، وحكى عن ناس قالوا : كل ابن أفعل معرفة لأنه لا ينصرف. فقال سيبويه : " هذا خطأ لأن أفعل لا ينصرف وهو نكرة ، ألا ترى أنك تقول : هذا أحمر قمدّ (١) ، فترفعه إذا جعلته صفة للأحمر ، ولو كان معرفة كان نصبا ، فالمضاف إليه بمنزلته) يريد أن منع الصرف في أفعل لا يوجب له التعريف كما لم يوجب ذلك في أحمر وأنشد لذي الرمّة :

كأنّا على أولاد أحقب لاحها

ورمي السّفا أنفاسها بسهام

جنوب ذوت عنها التّناهي وأنزلت

بها يوم ذبّاب السّبيب صيام (٢)

الشاهد من البيتين : أن صيام الذي في آخر البيت الثاني صفة لأولاد ، فأولاد أحقب نكرة ، فعلم أن أحقب نكرة ؛ لأن المضاف إليه نكرة.

__________________

(١) القمد هو الشديد الغليظ.

(٢) البيت في ديوانه ٢ / ١٠٧٢ ، اللسان (سهم).

٤٢٧

ومعنى البيت : كأنا على حمير قد لاحها أي : عطّشها. جنوب ذوت عنها التناهي : حفّت عن الجنوب ، والتناهي : غدران الماء والمستنقعات ، وأنزلت الجنوب بهذه الحمير يوم ذبّاب السبيب : يوم حرّ احتاجت فيه إلى تحريك أذنابها. والسبيب في هذا الموضع : أذنابها. وصيام : قيام. ورمي السفا عطف على جنوب ، كأنه قال : لاحها جنوب ورمي السفا ، كقولك : قام وزيد عمرو ، ومعنى أنفاسها : أنوفها لأنها مواضع الأنفاس. والسفي : شوك البهمي ، وصار ما يصيب أنوفها من ذلك بمنزلة السهام ، وإنما يريد أنّ هذه الحمير أسرع ما تكون في هذه الحال ، كأنا عليها من السّرعة والانزعاج.

هذا باب ما يكون فيه الشيء غالبا عليه اسم يكون لكلّ من كان من

أمّته أو كان في صفته

من الأسماء التي تدخلها الألف واللام ، وتكون نكرته الجامعة لما ذكرت من المعاني.

" وذلك قولك : فلان ابن الصّعق ، والصّعق صفة تقع على كلّ من أصابه الصّعق ، ولكنّه غلب عليه حتى صار علما بمنزلة زيد وعمرو ، وقولهم النجم ، صار علما للّثريّا ، وكابن الصعق قولهم : ابن ألان ، وابن كراع ، صار علما لإنسان واحد ، وليس كلّ من كان ابنا لألان وابنا لكراع غلب عليه هذا الاسم ، فإن أخرجت الألف واللام من النجم والصّعق لم يصر معرفة ، من قبل أنك إنما صيّرته معرفة بالألف واللام ، كما صار ابن ألان معرفة بألان ، وليس هذا بمنزلة عمرو وزيد وسالم ، لأنها أعلام جمعت ما ذكرنا من التطويل وحذفوا ، وزعم الخليل : إنه إنّما منعهم أن يدخلوا في هذه الأسماء الألف واللام ، أنّهم لم يجعلوا الرجل الذي سمّي بزيد من أمة كلّ واحد منهم يلزمه هذا الاسم ، ولكنّهم جعلوه سمّي به خاصّا ، وزعم الخليل أن الذين قالوا الحرث والحسن والعبّاس ، إنّما أرادوا أن يجعلوه سمّي به ، ولكنهم جعلوه كأنه وصف له غلب عليه ، ومن قال : حارث ، وعباس ، فهو يجريه مجرى زيد.

وأمّا ما ألزمته الألف واللام فلم تسقط فإنما جعلت الشيء الذي يلزمه ما لزم كلّ واحد من أمته ، وأمّا الدّبران والسّماك والعيّوق وهذا النحو ، فإنّما تلزمه الألف واللام من قبل أنه عندهم الشيء بعينه".

٤٢٨

قال أبو سعيد : اعلم أنّ الاسم العلم إنما وضع لإبانة شخص من سائر الأشخاص ، وليس فيه دلالة على وجود معنى ذلك الاسم في الشخص الذي سمي به ، كرجل يسمى بزيد ، أو عمرو ، أو جعفر ، أو طلحة ، أو حمزة ، أو ما أشبه ذلك ، ومعنى زيد : الزيادة ، ومعنى عمرو : العمر ، وجعفر : هو النهر ، وطلحة : اسم لشجرة ، وحمزة : اسم بقلة. وقد علم أن المسمى بشيء من هذا من الناس لا يراد به أنه نهر ولا أنه شجرة ، ولا أنه بقلة ، فإذا سموا بشيء من هذه الأسماء أو غيرها لإبانة الشخص ، فإنه يصير معرفة بالتسمية ، والذي يوجب التعريف اختصاص المسمى به شخصيا بعينه ليميزه من سائر الأشخاص ، وهذا تعريف الاسم العلم الذي لا يحتاج إلى الألف واللام والإضافة ، وهذه الأسماء إذا اشترك فيها المسمّون ، لم يكن بينهم اتفاق يجب به اشتراكهم في الاسم ؛ لأن جماعة أسماؤهم زيد لا يختصون بمعنى جمعهم على تسمية زيد يتباينون به ممن اسمه عمرو ، وقد ذكر في أقسام المعارف : (أن الاسم يكون معرفة بدخول الألف واللام عليه كالرجل والفرس وما أشبه ذلك ، وبالإضافة له إلى معرفة نحو ابن زيد وغلام زيد وما أشبهه) ، وهذه الأسماء تجب للمسمين بها لمعان فيهم يختصون بها ، وتوجب مثل تسميتهم لكل من شاركهم في المعنى ، كالرجل يسمى به خلقته كخلقته ، وكذلك الفرس ، والدار ، والبستان ، والبزار (١) ، والعطار ، والظريف ، والجميل ، والشجاع ؛ لأن كل من شارك البزار في صفته فهو بزار ، وكذلك العطار ، وكل من فيه ظرف أو جمال أو شجاعة قيل له : الظريف ، والجميل ، والشجاع ، لا يختص أحد منهم باسم دون سائر من فيه ذلك المعنى. ثم غلب على بعض المسمّين بذلك الاسم الذي يشارك فيه غيره حتى يصير له كالعلم الذي يعرف به إذا ذكر مطلقا ، ولا يعرف به غيره إلا بعهد يتقدّم ، فمن ذلك الصّعق : وهو رجل من بني كلاب وهو خويلد بن نقيل بن عمرو بن كلاب ، ذكروا أنه كان يطعم الناس بتهامة ، فهبت ريح فسفت في جفانه التراب ، فشتمها ، فرمي بصاعقة فقتلته ، فقال فيه بعض بنى كلاب :

إن خويلدا فابكي عليه

قتيل الريح في البلد التهامي

فعرف خويلد بالصّعق ، وغلب عليه ، وشهر به حتى إذا ذكر الصعق لم يذهب

__________________

(١) البزار : بياع بزر الكتان.

٤٢٩

الوهم إلى غيره ، فمن أصابته صاعقة ، ثم عرف بعض أولاده بابن الصعق حتى إذا ذكر ابن الصعق لم يذهب الوهم إلى غيره إلّا ببيان. وكان أشهر ولده وأكثرهم علما ، وأغزرهم شعرا ، وأشجعهم للعدو ، وألزمهم للحروب ، وأسرعهم إلى الوقائع ، يزيد بن عمرو بن الصعق (١) ، وكان قد أسر وبرة بن رومانس الكلبي (٢) أخا النعمان بن المنذر لأمّه ، فأرسل إليه النعمان أن يطلقه فأبى حتى يحكّم ، فأرسل إليه النعمان فحكّمه ، فاحتكم مائة فرس ، ومائة بعير ، ومائة شاة ، ومائة سيف ، ومائة رمح ، وألف قوس ، وألف درع ، فأرسل إليه بذلك فخلّى سبيله. ومن شعره :

فما كان مالي من تراث ورثته

ولا صدقات من نساء ولا سرق

ولكن عناق الدارعين وطعنهم

وفودي بأرسان المسوّمة العتق

وصبري إذا نفس الجبان تطلعت

وأعصم من وقع الأسنة كالبرق (٣)

وليس كل من كان ابنا للصعق عرف بابن الصعق كمعرفة زيد. ومثله في الإسلام أنّه كان لكل واحد من عمر بن الخطاب ، والزبير بن العوام ، والعباس بن عبد المطلب ، رضوان الله عليهم ، أولاد جماعة ، فغلب على عبد الله بن عمر أن يعرف بابن عمر وإن لم يسمّ ، فيعلم أنه عبد الله دون غيره من ولد عمر ، وكذلك ابن الزبير عبد الله ، وكذلك عبد الله بن عباس ، فإذا ذكر ابن عمر وابن الزبير وابن عباس لا يذهب الوهم إلى غير هؤلاء من ولد هؤلاء الثلاثة ، وذلك إذا قيل : ابن رألان ، علم أنّه جابر بن رألان الطائي السنبسي ، ولا يذهب الوهم إلى ابن آخر لرألان ، وكذلك سويد بن كراع العكليّ ، ومن ذلك قولهم للثريا : النجم ، وذلك أنّ النجم واحد النجوم نكرة ، ثم تدخل عليه الألف واللام فيقال النجم ، لنجم عرفه المتكلم والمخاطب وعهداه ، أي نجم كان ، ثم غلب على الثريا اسم النجم حتى يقول القائل : طلع النجم ، فيعلم المخاطب أنه يعني به الثريا من غير عهد بينهما. قال أبو ذؤيب :

__________________

(١) هو يزيد بن عمرو ابن الصعق فارس جاهلي من الشعراء ، خزانة الأدب ١ / ٢٠٦.

(٢) ابن رومانس الكلبي هو المنذر بن وبرة الكلبي ، شاعر جاهلي أدرك الإسلام ، اشتهر بنسبته إلى أمه (رومانس) ، وهو أخو النعمان بن المنذر اللخمي. التاج ٤ / ١٦٤.

(٣) خزانة الأدب ١ / ٢٠٦.

٤٣٠

فوردن والعيّوق مقعد رابئ

ضرباء خلف النجم لا يتتلّع (١)

يريد بالنجم : الثريا ، والثريا أيضا تجري هذا المجرى ؛ لأن الأصل فيها ثروى ، ومعناها كثير من الثروة ، وتروى كثيرة الكواكب ؛ لأن كواكبها سبعة أو نحوها ، فصغرت فصارت ثريّا ، ودخلت الألف واللام عليها وغلب اللفظ على هذه الكواكب بعينها دون سائر ما يوصف بالثروة والكثرة ، ولو أخرجت الألف واللام من الصعق أو النجم أو الثريا لم تصر معرفة ؛ لأن تعريفها بالألف واللام لا بالتسمية ، كما لو ألقيت رألان من ابن ، بطل التعريف ؛ لأن تعريف ذلك ليس كتعريف زيد وعمرو وسلام ؛ لأنها أعلام جمعت ما ذكرنا من التطويل وحذفوا.

يريد أن العلم جمع معرفة الرجل وأحواله فأغنى عن تطويل ذكره. وقد مضى الكلام في نحو هذا. وقد مضى الكلام في منع زيد ونظائره الألف واللام ، فأمّا الحارث والحسن والعباس فمذهب العرب في هذه الأسماء وما جرى مجراها ، أن يجعلوها لأولادهم وسائر من يسمون بها تفاؤلا وترجيا أن يصير فيهم تلك الأشياء ، فيعزونهم لما تراد له تلك الأسماء نحو الحارث ، ومعناه : الكاسب الذي يحرث لدنياه ويكسب ، والعباس : المجرّب الذي يعيش في الحرب ، فسموا بما أعدّوا له كما يقال : الأضحية والذبيحة لما أعدّ لذلك ، وربما اعتقدوا لهم معنى أو رأوه فيهم فوصفوهم به ، وغلب فشهروا به ، وأغنى عن اسم سواه من الأعلام ، كتسميتهم بالحسن الأغرّ وما أشبه ذلك ، وبعضهم ينزع الألف واللام ويجرى مجرى زيد ونظائره ، ويقول حارث وعباس وحسن ، وقد يشبهون الشيء بالشيء فيوقعون عليه اسمه ، يعرّفونه بالألف واللام فيغلب عليه اسمه كقولهم : النّسران للكوكبين تشبيها لهما بالطائرين ، والفرقدان تشبيها لهما بفرقدي بقرة وحشية ، وقد يشبهون بقر الوحش بالكواكب لبياضها ، وقد يشتقون لبعضها اسما من معان فيها غير مطردة أسماؤه فيما شاركه من المعاني ، وغير خارجة عن نظائرها في كلامهم لم تطّرد ، كالدبران والعيّوق والسّماك ، فأما الدبران فمشتق من دبر يدبر ، وهم يذكرون أنه يتبع الثريا ويطلبها خاطبا لها ، وليس كل شيء دبر شيئا ، فهو دبران ، إلّا أن في كلامهم فعلانا في موضع الفاعل ، كقولهم : العدوان للعادي من العدو ، والغدوان للغادي وهو السائل ، وكذلك

__________________

(١) شرح أشعار الهذليين ١ / ١٩ ، خزانة الأدب ١ / ٤١٨ ، اللسان (ضرب).

٤٣١

صلتان وهو النشيط الشديد ، مأخوذ من السيف الصّلت أو نحوه. قال امرؤ القيس :

وغيث من الوسمّي حوّ تلاعه

تبطّنته بشيظم صلتان

مكرّ مفرّ مقبل مدبر معا

كتيس ظباء الحلّب الغذوان (١)

ويروى : الغذوان من التغذية بالبول ، والعدوان من العدو.

وأما العيّوق فمشتق من عاق ، وكأنه عاق كواكب وراءه من المجاورة. وهذا على التمثيل والتخيّل بالنظر إليه وإلى ما وراءه ، ويجوز أن يكون سمّوه بذلك لأنهم يقولون إن الدبران يطلب الثريا ويخطبها ، وقد ساق مهرها كواكب صغارا معه ، والعيوق بينهما في العرض إلى ناحية الشمال ، وكأنه يعوقه عنها. والعيوق على وزن الفيعول ، ومثله ما اشتق للفاعل قيّوم ، وهو فيعول من قام يقوم ، وصخد صخود من صخد يصخد.

وأما السمّاك فهو الارتفاع. قال الفرزدق :

إنّ الذي سمك السّماء بنى لنا

بيتا دعائمه أعزّ وأطول (٢)

أي رفع ، ويقال : سمك بمعنى ارتفع ، فالسماء مسموكة وسامكة ، ومن سامكة يقال النجوم السوامك ، ومثل سماك في معنى سامك ، رجل نقاب ينقب عن غوامض العلم ويفطن لها بمعنى ناقب. وقد قال أوس :

نجح مليح أخو مأقط

نقاب يحدّث بالغائب (٣)

قال : " فإن قال قائل : يقال لكل شيء صار خلف شيء دبران ، ولكل شيء عاق عن شيء عيوق ، ولكل شيء ارتفع سماك؟ فإنك قائل له : لا ولكن هذا بمنزلة العدل والعديل والعديل ما عادلك من الناس ، والعدل لا يكون إلّا للمتاع والمعنى واللفظ واحد ، ولكنّهم فرقوا بين البناءين ليفصلوا حصان ومثل ذلك بناء حصين ، وامرأة ، أن يخبروا أن البناء محرز لمن لجأ إليه ، والمرأة محرزة لفرجها ، ومثل ذلك الرّزين من الحجارة والحديد ، والمرأة رزان ، فرقوا بين ما يحمل وبين ما نقل في مجلسه فلم يخف.

__________________

(١) خزانة الأدب ١ / ١٦٠ ، الشعر والشعراء ٣١.

(٢) البيت في ديوانه ص ٧١٤.

(٣) البيت في اللسان (نجح).

٤٣٢

وهذا أكثر من أن أصفه لك في كلام العرب".

قال أبو سعيد : وإنما أراد سيبويه أن يبين أن الدبران والعيوق والسماك من دبر وعاق وسمك ، ولا يلزم أن يستوي لفظ الفاعل وبناؤه في كل شيئين اشتقا من لفظ واحد في معنى واحد ؛ لأن البناء الحصين مشتق من لفظ الحاء والصاد والنون ، ومعنى الحرز ، وكذلك امرأة حصان ، وفصل بين بنائهما لاختلاف موضوعيهما ، فجعل أحدهما على فعيل ، والآخر على فعال ، وكذلك الرزين والرّزان ، والدابر ، وإن كانا مأخوذين من لفظ (دبر) ، ومعنى التأخر ، لفظ الكواكب خلاف غيره ، وعلى أنه قد قيل : دبران الحمى ، وحكم العيوق والعائق والسماك والسامك يجرى على ذلك.

قال سيبويه : " وكل شيء جاء قد لزمه الألف واللام فهو بهذه المنزلة ، فإن كان عربيّا نعرفه ولا نعرف الذي اشتق منه ، فإن ذلك لأنا جهلنا ما علم غيرنا ، أو يكون الآخر لم يصل إليه علم وصل إلى الأول المسمّي" يريد أن المعنى الذي اشتق منه إمّا أن يكون نحن لا نعرفه ويعرفه غيرنا من أهل عصرنا ، وإما أن يكون علم ذلك قد درس ، ولم يقع إلى أهل عصرنا. ومما يجري مجرى الأول الثلاثاء والأربعاء فهما مشتقان من الثالث والرابع ، واختص بهذا الاشتقاق اليومان فقط ، كما اختص بالعيوق الكوكب ، وهي كلها معارف.

قال : " فإن قلت : هذان زيدان منطلقان ، وهذان عمران منطلقان ، لم يكن الكلام إلا نكرة ، وإنما تنكّر التثنية ؛ لأن الاسم العلم زيد ، فلما تثنيه بطل لفظ العلم الذي وضع لتعريف أدخلت الألف واللام فقلت : الزيدان والعمران ، وقد يجوز أن تقع التسمية بلفظ التثنية والجمع فتكون معرفة بغير الألف واللام ، وذلك لا يكون إلّا في الأماكن التي لا يفارق بعضها بعضا نحو أبانين وعرفات ، وإنما فرقوا بين أبانين وعرفات وبين زيدين وزيدين ، من قبل أنهم لم يجعلوا التثنية والجمع علما لرجلين ولا لرجال بأعيانهم ، وجعلوا الاسم الواحد علما لشيء بعينه ، كأنهم قالوا : إذا قلنا ائت : تريد هات هذا الشخص الذي تشير إليه ، ولم يقولوا : إذا قلنا : جاء زيدان فإنما نعني شخصين بأعيانهما قد عرفا قبل ذلك وأثبتا ، ولكنهم قالوا إذا قلنا : جاء زيد ابن فلان ، وزيد ابن فلان فإنما يعني هذين الجبلين بأعيانهما ، فهكذا تقول إذا أردت أن تخبر عن معرفتين.

٤٣٣

كأنهم قالوا إذا قلنا ائت أبانين ، فإنما يعني هذين الجبلين بأعيانهما اللذين نشير لك إليهما. ألا ترى أنهم لم يقولوا : أمرر بأبان كذا وأبان كذا ، ولم يفرقوا بينهما ؛ لأنهم جعلوا أبانين اسما لهما يعرفان به بأعيانهما.

وليس كذلك هذا في الأناسي ولا في الدواب ، إنما يكون هذا في الأماكن والجبال وما أشبه ذلك ، من قبل أن الأماكن لا تزول ، فيصير كل واحد من الجبلين داخلا عندهم في مثل ما دخل فيه صاحبه من الحال في الثّبات والخصب والقحط ، ولا يشار إلى واحد منهما بتعريف دون الآخر ، فصارا كالواحد الذي لا يزايله منه شيء حيث كان في الأناسي والدواب ، والإنسانان والدّابتان لا يثنيان أبدا يزولان ويتصرفان ، ويشار إلى أحدهما والآخر غائب ، ولا يقولون أبان الأيمن ولا أبان الأيسر ، ولا الشرقي ولا الغربي ، ويقولون : هذه عرفات ، وهؤلاء عرفات ، وهذه عرفة".

قال أبو الحسن : وقد يجوز في الشعر أن يتكلم بأبان واحد وبعينهما.

قال أبو سعيد : هذا يجوز في كل اثنين يصطحبان ولا يفارق أحدهما صاحبه ، وذلك في الشعر وغيره ، فأما أبان فقد قال لبيد :

درس المنا بمتالع فأبان

فتقادمت بالحبس فالسّوبان (١)

قال أبو ذؤيب :

والعين بعدهم كأنّ حداقها

سملت بشوك فهي عور تدمع (٢)

ويقول القائل في كلامه : لبس زيد خفّ ، ولبس زيد نعله يريد النعلين.

قال : " وأما قولهم : أعطيكم سنّة العمرين ، فإنما أدخلوا الألف واللام على عمرين ؛ لأن عمرين نكرة على ما تقدم من القول في زيدين ، وتعرّفهما بالألف واللام ، وأكثر الناس على أن سنّة العمرين ؛ سنّة : أبي بكر وعمر ، واختاروا التثنية على لفظ عمر لأنّه مفرد ، وهو أخف في اللفظ من المضاف ، ومنهم من يقول اختير لفظ عمر لطول أيامه وكثرة فتوحه وشهرة آثاره. ويروى أنه قيل لعثمان رضي‌الله‌عنه : نسألك سنّة العمرين.

__________________

(١) أشعار الهذليين ١ / ٩.

(٢) البيت في اللسان (عور).

٤٣٤

وقال الفرّاء : وأخبرني معاذ الهراء : لقد قيل سنّة العمرين قبل عمر بن عبد العزيز وزعم الأصمعي عن أبي هلال الراسبي عن قتادة : أنه سئل عن عتق أمهات الأولاد فقال : أعتق العمران فيما بينهما من الخلفاء أمهات الأولاد ، ففي قول قتادة أنهما عمر بن الخطاب ، وعمر بن عبد العزيز ؛ لأنه لم يكن بين أبي بكر وعمر خليفة".

قال أبو سعيد :

والذي عندي أنه ليس فيما روي عن قتادة مخالفة لقول من قال : إنه يراد بسنّة العمرين سنّة أبي بكر وعمر ؛ لأن قتادة إنما ذكر اتفاق عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز في عتق أمهات الأولاد ، كما يثنيان لو أخبر عن اتفاقهما في مسألة من الفقه والفرائض ، وإنما الكلام في سنة العمرين التي يطلبها طالب السيرة العادلة على معنى المثل السائر فيه ، وأما قول الفرزدق :

فحلّ بسيرة العمرين فينا

شفاء للقلوب من السقام (١)

فليس فيه بيان ؛ لأنّ الفرزدق يمدح بهذا هشام بن عبد الملك ، وهو بعد عمر بن عبد العزيز.

وهذان الاسمان وإن كان أحدهما قد اتّبع صاحبه في اللفظ وليس باسمه في الأصل ، فقد صار في حكم اسمين ؛ كلّ واحد منهما من أمة ، كل واحد منهما عمر ، وذلك على مذهب يستعمله العرب وطلبا للتخفيف كقوله :

لنا قمراها والنجوم الطوالع (٢)

فإنما أراد الشمس والقمر.

وقال قراد بن حنش الصادي :

إذا اجتمع العمران عمرو بن جبار

وبدر بن عمرو خلت ذبيان تبعا

والزّهدمان فيما ذكر أبو عبيدة ؛ زهدم وكردم ابنا قيس. وقال غيره : زهدم وقيس العبسيان من بني عوير بن رواحة ، والأبوان الأب والأم ، وفيما ذكر سيبويه من المثنى :

__________________

(١) ديوانه ٨٣٩. وفيه :

فجاء بسنة العمرين فينا

شفاء للصدور من السقام

(٢) ديوانه ٤١٩ وهو عجز بيت صدره :

أخذنا بأطراف السماء عليكم

٤٣٥

الغريّان (١) المشهوران بالكوفة ؛ بمنزلة النسرين إذا كنت تريد النجمين ، وللغريّين حديث ليس القصد في هذا الموضع لذكر مثله والله أعلم.

هذا باب ما يكون الاسم فيه بمنزلة الذي في المعرفة

إذا بني على ما قبله ، وبمنزلته في الاحتياج إلى الحشو ، ويكون نكرة بمنزلة رجل.

قال أبو سعيد في هذا الباب إلى آخره : في (من) ، و (ما) ، في الخبر ، ويكونان معرفتين ونكرتين ، فإن كانا معرفتين ، فكل واحد منهما بمنزلة (الذي) يحتاج من الصلة إلى ما يحتاج إليه (الذي).

وسيبويه يسمي الصلة الحشو ، فأمّا المعرفة فنحو قولك : هذا من أعرف منطلقا ، وهذا من لا أعرف منطلقا ، أي هذا الذي قد علمت أني لا أعرفه منطلقا ، وهذا ما عندي مهينا ، وأعرف ولا أعرف عندي ؛ حشو لهما يتمّان به ، فيصيران اسما كما كان الذي لا يتمّ إلّا بحشوه ، وإن كانت نكرتين فهو ما قاله الخليل قال : (إن شئت جعلت من بمنزلة إنسان ، وجعلت ما بمنزلة شيء ، نكرتين وتلزمهما للصفة ، والفرق بين الصلة والصفة أن الصلة جملة لا تتعلق بإعراب الموصول أو في تقدير جملة ، والصفة اسم مفرد أو ما تقديره تقدير اسم متعلق إعرابه بالموصوف ، تقول في الموصول : مررت بمن أبوه قائم ، وبما طعمه طيب ، ورأيت بمن أبوه قائم ، وما لونه حسن.

وأما الصفة فنحو قولك : مررت بمن منطلق ، ورأيت من منطلقا ، ومررت بماء طيب ، وقال الأنصاري (٢) :

وكفى بنا فضلا على من غيرنا

حب النبيّ محمد إيّانا (٣)

فوصف من بغير ، وجرّه على موضع من ، وقال الفرزدق في مثله :

__________________

(١) أم عامر : الضبع.

(٢) كعب بن مالك بن عمرو الخزرجي الأنصاري ، صحابي من أكابر الشعراء من أهل المدينة ، اشتهر في الجاهلية ، وكان في الإسلام من شعراء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وشهد أكثر الوقائع. الإصابة (ت ٧٤٣٣) ، خزانة الأدب ١ : ٢٠٠.

(٣) ديوان كعب بن مالك : ٨٩ ، شرح ابن يعيش ٤ : ١٢ ، خزانة الأدب ٦ : ١٢٠ ، ١٢٣ ، ١٢٨.

٤٣٦

إنّى وإيّاك إذ حلّت بأرحلنا

كمن بواديه بعد المحل ممطور (١)

جرّ ممطور لأنه صفة من ، كأنه قال : كإنسان ممطور. قال : وأما (هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ)(٢) فرفعه على وجهين : على شيء لديّ عتيد ، يجعل ما بمنزلة شيء ، كأنه قال : هذا شيء لديّ عتيد.

وقد أدخلوا في قول من قال نكرة فقالوا : هل رأيتم شيئا يكون موصوفا لا يسكت عليه؟ فقالوا : نعم يا أيها الرجل. الرجل وصف لقوله يا أيها ، ولا يجوز أن يسكت على يا أيّها ، فربّ اسم لا يحسن عليه عندهم السكوت حتى يصفوه وحتى يصير وصفه عندهم كأنه به يتم الاسم ؛ لأنهم إنما جاءوا بأيّها ليصلوا إلى نداء الذي فيه الألف واللام ، فلذلك جيء به. كذلك (من) و (ما) إنما يذكران لحشوهما ولوصفهما ، ولم يرد بهما خلوين شيء ، ولزمهما الوصف كما لزمهما الحشو ، وليس لهما بغير حشو ولا وصف معنى ، فمن ثم كان الوصف والحشو واحدا ، فالوصف قولك : مررت بمن صالح ، فصالح وصف. وإن أردت الحشو قلت : بمن صالح ، فيصير صالح خبرا لشيء مضمر ، كأنك قلت : مررت بمن هو صالح ، والحشو لا يكون أبدا ل (من) و (ما) إلّا وهما معرفة ؛ وذلك من قبل أن الحشو إذا صار فيهما أشبهتا الذي ، فكما أنّ الذي لا يكون إلا معرفة لا تكون من وما إذا كان الذي بعدهما حشوا وهو الصلة إلّا معرفة وتقول : هذا من أعرف منطلق ، فتجعل أعرف صفة. يصير كأنك قلت : هذا من معروف منطلق ، بمنزلة رجل معروف.

وتقول هذا من أعرف منطلقا ، تجعل أعرف صلة. وقد يجوز منطلق على قولك : هذا عبد الله منطلق ومثل ذلك : الجمّاء الغفير ، فالغفير وصف لازم ، وهو توكيد ؛ لأنّ الجمّاء الغفير مثل ، فلزم الغفير كما لزم ما في قولك : إنك ما وخبزا ، والخبز في هذا ونحوه عند أصحابنا محذوف ، وتقديره إنك وخبزا مقرونان ، وما زائدة ، وهي لازمة عوضا عن المحذوف ، ومثل هذا : كل رجل وقرينه ، وكل إنسان وصنعته ، عند أصحابنا البصريين الخبر محذوف ، وتقديره : كلّ رجل وقرينه مقرونان ، وكذلك كل إنسان وصنعته ، وعند الكوفيين

__________________

(١) ديوان الفرزدق ، ص : ٢٦٣ ، وروايته :

إني وإيّاك إن بلّغن أرحلنا

كمن بواديه بعد المحل ممطور.

(٢) سورة ق ، الآية : ٢٣.

٤٣٧

الواو بمعنى مع وهي الخبر.

قال : " واعلم أنّ كفى بنا فضلا على من غيرنا أجود ، وفيه ضعف إلّا أن يكون مرفوعا بهو وهو نحو مررت بأيّهم أفضل ، وكما قرأ بعضهم هذه الآية (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ)(١) ".

يريد أن قوله : على من غيرنا بالرفع أجود من الجر ؛ لأن الجر بالصفة ، والصلة في (من) و (ما) أجود من الصفة وأكثر في الكلام ، وإذا وصلت لم يحسن حذف العائد المقدر بعد من ، والتقدير : من هو غيرنا ، ولذلك قال : وفيه ضعف أي في حذف" هو" ضعيف ، وهو جائز مع ضعفه لما ذكره بعد.

قال : " اعلم أنه قبيح أن تقول : هذا من منطلق إن جعلت المنطلق حشوا أو وصفا ، فإن أطلت الكلام فقلت : من خير منك ، حسن في الوصف والحشو.

وزعم الخليل أنه سمع من العرب رجلا يقول : ما أنا بالذي قائل لك سوءا ، وما أنا بالذي قائل قبحا ، فالوصف بمنزلة الحشو ؛ لأنه إنما يحسن بما بعده ، كما أن الحشو إنما يتم بما بعده. ويقوّي أن (من) نكرة قول عمرو بن قميئة :

يا ربّ من يبغض أذوادنا

رحن على بغضائه واغتدين (٢)

وربّ لا يكون ما بعدها إلا نكرة.

قال أمية بن أبي الصلت

ربّ ما تكره النّفوس من الأمر

له فرجة كحلّ العقال (٣)

وما اسم وليست بكافة لربّ ؛ لأن الهاء في له تعود إليه.

وقال آخر :

ألا ربّ من تغتشّه لّك ناصح

ومؤتمن بالغيب غير أمين (٤)

قال أبو سعيد : هذا آخر كلام سيبويه ، وهو مفهوم.

__________________

(١) سورة الأنعام ، الآية ١٥٤.

(٢) ديوان عمرو بن قميئة ١٩٢ ، ابن يعيش ٤ / ١١.

(٣) البيت في ابن يعيش ٤ / ٣٥٢ ، واللسان (فرج).

(٤) بدون نسبة في اللسان (خشش).

٤٣٨

وأما قول أبي دؤاد

سالكات سبيل قفرة بدا

ربّما ظاعن بها ومقيم (١)

ف (ما) في ربّما نكرة ؛ لأن ربّ لا تدخل على المعارف ، ولا هي كافة ؛ لأنّ الوجه في الكافّة أن يليها الفعل ، فإذا كانت نكرة جاز أن تنعت بالجمل ، وتقدير (ما) هاهنا تقدير إنسان ، كما قد جاءت (ما) في موضع (من) في أماكن. منه ما حكى أبو زيد : سبحان ما سخركنّ لنا. وسبحان ما سبّح الرعد بحمده. وأشباه لذلك. وتقديره :

ربّ إنسان هو ظاعن بقلبه ـ إلى أحبّته الذين ظعنوا عن هذه البلدة ـ بها مقيم بجسمه فيها ، وأما قول أبي دؤاد أيضا :

ربما الجامل المؤيد فيهم

وعناجيح بينهن المهار (٢)

هذا باب ما لا يكون الاسم فيه إلا نكرة

" وذلك قولك : هذا أوّل فارس مقبل ، وهذا كلّ متاع عندي موضوع ، وهذا خير منك مقبل ، ومما يدلك على أنهنّ نكرة أنهن مضافات إلى نكرة وتوصف بهن النكرة ، وذلك أنك تقول فيما كان وصفا : هذا رجل منك ، وهذا فارس أوّل فارس ، وهذا مال كلّ مال عندك.

وتستدل على أنهن مضافات إلى نكرة أنك تصف ما بعدهن بما توصف به النكرة ولا تصفه بما توصف به المعرفة ، وذلك قولك : هذا أوّل فارس شجاع مقبل. وحدثنا الخليل أنه سمع من يوثق بعربيته ينشد هذا البيت ، وهو قول الشماخ :

وكلّ خليل غير هاضم نفسه

لوصل خليل صارم أو معارز (٣)

فجعله صفة لكل.

وحدثني أبو الخطاب أنه سمع من يوثق بعربيته من العرب ينشد هذا البيت :

كأنّا يوم قرّى إن

نما نقتل إيّانا

__________________

(١) بدون نسبة في خزانة الأدب ٩ / ٥٨٧.

(٢) البيت لأبي دؤاد ، ديوانه ٣١٦ ، ابن يعيش ٨ / ٢٩.

(٣) ديوان الشماخ ١٧٣.

٤٣٩

قتلنا منهم كلّ

فتى بيض حسّانا (١)

فجعله وصفا لكل".

قال أبو سعيد : قصد سيبويه في هذا الباب إلى آخره ذكر أسماء لا تدخل عليها الألف واللام ، وأنها مع امتناع دخول الألف واللام عليها منكورة بدلائل النكرة عليها ، وجعل دلائل التنكر فيها أنها توصف بالأسماء النكرات ، وتوصف بها الأسماء النكرات.

فمن تلك الأسماء : خير منك ، وأول فارس ، وكلّ مال عندك ، وقد وصف بهنّ نكرات ووصفن بنكرات في قوله : أول فارس شجاع مقبل.

ويكشف ما قاله سيبويه بأن يراد فيه أنهن يوصفن بنكرات يمكن دخول الألف واللام عليها ، فلا تدخل نحو : أول فارس شجاع ، ولا يقال الشجاع ، وامتناع دخول الألف واللام عليها أن مواضعهن أوجبت لها التنكير ، فمنها أن أفعل إنما يضاف إلى جمع أو واحد منكور في معنى الجمع ؛ كقولنا : أفضل رجل ، وخير رجل ، بمعنى أفضل الرجال ، وخير الرجال على التخفيف ، والاقتصار على أخف لفظ ، ويدل على ذلك الواحد ، وهو الواحد المنكور من الجنس ، وكذلك : أفضل منك ، وخير منك ، وجميع باب أفعل منك لا يكون إلّا نكرة ، لما قد ذكرت في موضعه مما أوجبت التنكير.

فإن قال قائل : فأنتم قد تصفون المعارف بالنكرات في قولك : إنّي لأمرّ بالصادق غير الكاذب ، وإنّي لأمرّ بالرجل مثلك. قيل له : إنما جاز وصفه بذلك لأنه لا يمكن دخول الألف واللام على غيرك ومثلك ، ولو جئنا بشيء يمكن دخول الألف واللام عليه من المنكرات ما جاز الوصف به إلّا بدخول الألف واللام ، وعليه لو قلت : إني لأمرّ بالرجل الغريب أو بالصادق المحق ، ما جاز أن تقول إنّي لأمرّ بالرجل غريب ، ولا بالصادق محق ، ومن دلائله : عشرون درهما ، وثلاثون يوما ، وما أشبه ذلك ؛ لأن المميز واحد منكور ؛ لأنه أخفّ لفظ يدلّ على النوع ، ولا تدخل عليها الألف واللام ، ثم واصل الاحتجاج لذلك والاستشهاد بالنظائر بما يكشف لأفهام المتكلمين بكلام بيّن إلى آخر الباب.

قال : " ومثل ذلك : هذا أيّما رجل منطلق ، وهذا حسبك من رجل منطلق.

__________________

(١) البيتان لذي الإصبع العدواني في شرح ابن يعيش ٣ / ١٠١ ، وخزانة الأدب ٢ / ٤٠٦.

٤٤٠