شرح كتاب سيبويه - ج ٢

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان

شرح كتاب سيبويه - ج ٢

المؤلف:

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان


المحقق: أحمد حسن مهدلي و علي سيّد علي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5251-0

الصفحات: ٥٠٤

وإن حق الكلام أن يجعل الأخص هو الذي يبدأ به ، فإن اكتفى به المخاطب لم يحتج إلى أن يأتي بنعت وإلّا زدت من المعرفة ما يزداد به المخاطب معرفة ، ومن مذهبه : أنهما إذا كانا مستويين في الاختصاص وطريق التعريف ، جاز أن يكون أحدهما نعتا للآخر كنعت ما فيه الألف واللام ، مثله ما فيه الألف واللام ولم يجز سيبويه نعته بما فيه الألف واللام ، لأنه يراه أخص منه ، فيرى أن أخاك أخص من الرجل ، ومن الطويل والنبيل ونحوه ، والحجة له أن ما فيه الألف واللام أبهم المعارف وأقربها من النكرات ، لأن منها ما ينعت بالنكرات كقولك : إني لأمر بالرجل عندك فيكرمني ، ويقوم لي.

وإني لأمر بالرجل مثلك فيعينني ، إذا لم تقصد قصد الرجل بعينه ، وعلى هذا حمل قوله تعالى : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ)(١) جعل (غير) نعت الذين ، وهي في مذهب الألف واللام الذي لم يقصد به قصد شيء بعينه ، ويدل على ذلك أن من المعرفة بالألف واللام ما يستوي في معناه الألف واللام وتركها ، وذلك نحو قولك : شربت ماء ، وشربت الماء ، وأكلت خبزا وأكلت الخبز ، وامتنع أن ينعت ما فيه الألف واللام بالمبهم من أجل أن المبهم لما جعل وصلة مقدمة إلى ذكر ما فيه الألف واللام علم أنه لو كان يقع بعد الألف واللام ما يريدونه من البيان ما احتاجوا إلى التوصل إلى الألف واللام بهما ، وقد بيّن سيبويه بأن المبهم أخص بمعرفة العين ، يعني : المشاهدة ومعرفة القلب له ، وما اجتمع له.

هذان أخص والأخص لا يكون نعتا للأعم ، فإن قال قائل : فقد جعل سيبويه المبهم نعتا للعلم وللمضاف ، كقولك : مررت بزيد هذا ، وبعمرو ذاك ، ومررت بصاحبك هذا ، وقد اجتمع فيه معرفة العين ومعرفة القلب ، ولم تجتمع هاتان المعرفتان في : زيد وصاحبك.

فالجواب إن ذكر هذا وذلك بعد زيد وبعد صاحبك ، يذهب به مذهب الحاضر أو المشاهد أو القريب ، وبذاك مذهب البعيد أو المنتحي ، ولهذا قال سيبويه :

(وإنما صار المبهم بمنزلة المضاف ، لأنك تقرب به شيئا أو تباعده وتشير إليه).

__________________

(١) سورة الفاتحة ، الآية : ٧.

٣٤١

فإذا قيل : مررت بزيد هذا ، وبصاحبك هذا.

فكأنه قال : مررت بزيد الحاضر ، ولم يغير هذا تعريف زيد ولا تعريف صاحبك باقترانه معهما.

لأنه لا يتغير زيد عن تعريف العلم ، ولا صاحبك عن تعريف الإضافة باقترانهما بهذا.

ووجه آخر في نعت زيد والاسم العلم بهذا على ترتيب سيبويه ، أنّا نقول : إن وضع الاسم العلم في أحواله لشيء بيّن به من سائر الأشخاص كوضع هذا في الإشارة لشيء بعينه ، فاجتمعا في معنى ما وصفنا والمعرفة في أول أحوالهما ، وصار كالمشار إليه في وضع الاسم عليه وحده كوضع الإشارة على المشار إليه ، وفصله العلم مكان الاسم له بذكر حال ورودك الاسم على المشار إليه في الغيبة.

وذكر المبرد فيما رد على سيبويه أن ما ذكره سيبويه في الصفات : أن الأخص يوصف بالأعم ، وما كان معرفة بالألف واللام ، فهو أخص مما أضيف إليه الألف واللام ، فلا ينبغي على هذا القياس : رأيت غلام الرجل الظريف ، ذلك على البدل. وما ذكره المبرد لا يلزم ، لأن سيبويه يقول : إن غلام الرجل أعمّ من الرجل ، بل عنده أنّ المضاف إلى ما فيه الألف واللام مثل ما فيه الألف واللام ، ولما نعتت العرب بذلك وكثر في كلامهم ، علمنا أنه لا فرق بينهما عنده.

قال سيبويه : (وتقول : مررت بأخويك مسلما وكافرا ، هذا على من جر وجعلهما صفة).

قال أبو سعيد : في هذه المسألة ثلاثة أوجه : أحدهما : مررت بأخويك مسلما وكافرا.

والثاني : مررت بأخويك مسلم وكافر.

والثالث : مررت بأخويك مسلم وكافر.

أما من نصب فهو الذي كان يقول : مررت برجلين مسلم وكافر ، على الصفة. فصارت الصفة حالا لتعريف الموصفين ، وأمّا من جر فهو الذي كان يقول : مررت برجلين مسلم وكافر على البدل. فلما عرف الأول لم يتغير البدل لأن النكرة تبدل من

٣٤٢

المعرفة ، كما قال تعالى : (لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ* ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ)(١) وكما قال الشاعر :

فإلى ابن أمّ أناس أرحل ناقتي

عمرو فتبلغ حاجتي أو تزحف

ملك إذا نزل الوفود ببابه

عرفوا موارد مزبد لا تنزف (٢)

أبدل ملكا وهو نكرة من عمرو وهو معرفة.

وأمّا الذي يرفع فهو الذي يقول :

مررت برجلين مسلم وكافر ، على ما فسرنا قبل.

وكما قال الفرزدق :

فأصبح في حيث التقينا شريدهم

طليق ومكتوف اليدين ومزعف (٣)

فشريدهم جماعة منهزمون وطليق ، وما بعده على الابتداء المعنى منهم طليق ، وما بعده على الابتداء ، وبمعنى منهم طليق ، ومنهم مكتوف اليدين ، ومنهم مزعف بكسر العين على ما رواه حملة الكتاب.

وغيرهم يقول : مزعف بفتح العين ، يقال : أزعفه الموت ، إذا قاربه ، وهو مأخوذ من قولهم : موت زعاف وذعاف ، أي : معجل ، وكما قال الآخر :

فلا تجعلي ضيفيّ ضيف مقرّب

وآخر معزول عن البيت جانب (٤)

على تقدير : منهما ضيف مقرب ، ومنهما آخر معدول ، ولو لم يرد ذلك لنصب فقال : ضيفا مقربا ، كما قال :

وكانت قشير شامتا بصديقها

وآخر مزريا عليه وزاريا (٥)

وكما قال :

ترى خلقها نصف قناة قويمة

ونصف نقا يرتج أو يتمرمر (٦)

وبعضهم ينصبه على البدل ، وإن شئت كان بمنزلة : رأيته قائما ، كأنه صار خبرا ،

__________________

(١) سورة العلق ، الآيتان : ١٥ ، ١٦.

(٢) البيتان ل (معقر بن حمار) : الخزانة ١ / ٧٢ ، الدرر اللوامع ٢ / ١٦٥.

(٣) ديوان الفرزدق / ٥٦٢ ، الخزانة ٢ / ٢٩٩.

(٤) قائل البيت العجير السلولي الخزانة ٢ / ٢٩٨.

(٥) قائل البيت النابغة الجعدي ديوانه ١٧٨ ، الخزانة ٢ / ٢٩٨.

(٦) قائل البيت ذو الرمة ديوانه ٢٢٦ ، الخصائص لابن جني ١ / ٣٠١.

٣٤٣

يعني حالا على حد من جعله صفة للنكرة.

ورد أبو العباس نصب نصفا على الحال فقال :

هو خطأ ، وذلك أن نصفا ينبغي أن يكون معرفة.

والعلة التي ادعى بها التعريف في بعض ، وكلّ من الإضافة وهي في (نصف) لأن معنى قوله في نصف نصفه كما أنه إذا قال : مررت ببعض قائما أو بكل جالسا قائما ، فإنما يريد : بعضهم وكلهم.

والذي قاله خطأ. والقول ما قال سيبويه لأن النصف بمنزلة الثلث وسائر الأجزاء إلى العشرة ، ويثنى ويجمع كما يفعل بالثلث وما بعده ، تقول : المال نصفان ، وهذه القوارير إلى أنصافها ، وليس هذا في كل ولا في بعض. ومن أوضح ما يبطل قوله ، قوله تعالى : (فَلَهَا النِّصْفُ)(١) ثم قال سيبويه : (واعلم أن المضمر لا يكون موصوفا). وذكر الفصل.

قال أبو سعيد : إنما لم يوصف المضمر لأنك إنما تضمر ما ترى أن المخاطب يعرفه ، وإنما الصفة تحلية يفرق بها بين أسماء لوازم مشتركة اللفظ.

وقوله : (ولكن لها أسماء تعطف عليها تعمّ وتؤكّد) فإن معنى قوله : تعطف عليها ، أي : يبين بها عمومها وتؤكد ، وليس بعطف النسق الذي هو بحروف العطف ، ولكن هو على مذهب عطف البيان جاريا مجرى النعت لما قبله ، لأن النعت تبيين كما أن العموم تبيين ، ولأجل هذا سمى النحويون العموم والتوكيد صفة للمضمر.

وقوله : (وذلك مررت بهم كلهم ، أي : لم أدع منهم أحدا ، ويجيء توكيدا كقولك : لم يبق منهم مخبّر ، وقد بقي منهم).

فإنه يريد أنك إذا قلت : مررت بهم كلهم وأردت : لم أدع منهم أحدا فهو عموم وإن كان قد بقي منهم من لم تمر به ويكون قوله : (كلهم على جهة التنكير لما مرّ به) ، فهو توكيد جعل من مرّ به منهم كأنهم الجماعة ، (ومنه ـ أيضا ـ مررت بهم أجمعين أكتعين ، ومررت بهنّ جمع كتع ، ومررت به أجمع أكتع ، ومررت بهم جميعهم ، فهكذا هذا وما أشبهه ، ومنه : مررت به نفسه ، ومعناه : مررت به بعينه) ، فهذه أشياء ذكرها

__________________

(١) سورة النساء ، الآية : ١١.

٣٤٤

سيبويه مما تجرى على المضمر من العموم والتوكيد. وقد ذكر.

قال سيبويه : (واعلم أن العلم الخاص من الأسماء لا يكون صفة لأنه ليس بتحلية ولكنه يكون معطوفا على الاسم كعطف أجمعين ، وهذا قول الخليل ، وزعم أنه لذلك ، قال : يا أيها الرجل زيد أقبل ، قال : لو لم يكن على الرجل كان غير منون ، فإنه يعني : أن الاسم العلم لم يسم بمعنى في المسمى استحق له أن يسمى بذلك الاسم دون غيره ، كزيد وعمرو ونحوه لأن زيدا لم يسم به لمعنى فيه مخالف به من سمي ب (عمرو) ، وللمبهم مفارق للعلم لأن في المبهم لفظا يوجب التقريب كهذا وهذه وهذان وهاتان ، ولفظا يوجب التبعيد كذلك وتلك وأولئك ونحوه).

قال سيبويه : (ومن الصفة أنت الرجل كالرجل). وذكر الفصل.

قال أبو سعيد : يريد أن الصفة قد تأتي على غير وجه البيان لما قبلها ، ولكن على المدح وتعريف المخاطب من أمر الموصوف ما لم يعرفه ، ويأتي ذلك في صفة الله تعالى على وجه التقرب إليه والثناء عليه ، وذكر صفاته كقول القائل :

قد أحسن الله الكريم الرحيم المنعم إليّ ، ويأتي في صلاة الآدميين على المدح لهم لمن لعله لا يعرفه بذلك ، ولمن يعرفهم به على وجه الإخبار عن نفسه بمعرفة ذلك والتقرب إلى الممدوح كما يقول القائل لأهل بلد :

قد رأيت قاضيكم الفقيه المنصف العفيف ، وكنت عند أميركم الشجاع الذاب عن الحريم.

وقد يستعمل في صفات المدح والذم ألفاظ يراد بها المبالغة فيما تضمنه لفظ الموصوف كقولك : أنت الرجل كل الرجل ، ومررت بالعالم حق العالم ، وبالشجاع جدّ الشجاع ، يراد به المبالغة في معنى المنعوت ، فإذا قال : يا رجل كل الرجل ، فمعناه : الكامل في الرجال ، فإذا قال : حق العالم ، فمعناه : الكامل في العلم ، فكذلك جد الشجاع ، وهكذا لو قال : يا للئيم كل اللئيم ، أو حق اللئيم ، كان مبالغة في صفة اللؤم ، قال الشاعر :

هو الفتى كلّ الفتى فاعلموا

لا يفسد اللحم لديه الصلول (١)

فأمّا إن قلت : هذا عبد الله كل الرجل ، فإنه لا يحسن كحسن ما فيه الألف واللام ،

__________________

(١) قائل البيت الحطيئة ديوانه / ٨٤.

٣٤٥

إذ ليس في لفظ عبد الله معنى يكون الرجل مبالغا فيه ، وكما هو جائز مع هذا لأنه لو قال : هذا كل الرجل ، لجاز ودل على معنى المبالغة والكمال ، والنكرة في المدح كالمعرفة يدل على ذلك أنك تقول :

مررت برجل كل رجل ، وجدّ رجل ، وهذا عالم حق عالم ، فلما فرق بينهما في المدح واللفظ الذي يوجب المدح ، كما لا فرق بين قولك : مررت بالعالم الكامل في علمه ، وبين قولك :

مررت برجل كامل في علمه.

قال سيبويه : (ومن الصفة قولك : ما يحسن بالرجل مثلك أن يفعل ذلك).

وذكر الفصل.

قال أبو سعيد : يعني أن الرجل معرفة ، ومثلك وخير منك نكرة ، وقد وصف بهما المعرفة لتقارب معناهما ، وذلك أن الرجل في قولك : ما يحسن بالرجل مثلك ، وبالرجل خير منك ، غير مقصود به إلى رجل بعينه ، وإن كان لفظه لفظ المعرفة لأنه أريد به الجنس ، ومثلك وخير منك نكرتان غير مقصود بهما إلى شيئين بأعيانهما فاجتمعا في أنهما غير مقصود إليهما بأعيانهما ، فحسن نعت أحدهما بالآخر ، وكان من حق اللفظ والمساواة أن يكون لفظ النعت معرفة كلفظ المنعوت فامتنع دخول الألف واللام في التعيين ، فاحتمل ذلك للضرورة ، ولو قال : إني لأمرّ بالرجل نائم فأنبهه ، وبالرجل صادق فأسمع منه ، على النعت لم يجز لأنه يمكن أن يقول : بالرجل النائم ، وبالرجل الصادق.

وما ذكر سيبويه عن الخليل أنه جر على نية الألف واللام في : مثلك وخير منك ، إن كان يوجب التعريف لهما ويصير حكمهما حكم ما فيه الألف واللام ، فينبغي أن تصف بهما الأسماء الأعلام كما تصف الأعلام بما فيه الألف واللام. وقد منع سيبويه من هذا وقال :

(لا يحسن بعبد الله مثلك ، على هذا الحد) ، وإن كان نية الألف واللام لا توجب التعريف فلا فائدة في ذكره.

والذي عندي في معنى قول الخليل من نية الألف واللام ، أن هذين الاسمين في موضع ما فيه الألف واللام ، كأنّا قلنا في موضع مثلك : المماثل لك ، وفي موضع خير منك : الفاضل لك ، والراجح عليك ، ولم يجز أن يوصف العلم بمثلك وخير منك

٣٤٦

لاختلاف الأول والثاني ، لأن الأول مقصود إليه ، والثاني غير مقصود إليه.

قال : (وزعم الخليل أنه إنما جر على نية الألف واللام) ، يعني : مثلك ، وخير منك ، (ولكنه موضع لا تدخله الألف واللام ، كما أن (الجماء الغفير) منصوب على نية إلغاء الألف واللام نحو طرا وقاطبة).

فإن نية إلغاء الألف واللام في (الجماء الغفير) أنها في موضع الحال والاسم الذي هي في موضعه لا ألف ولا لام فيه كنحو : طرا وقاطبة.

ومن النحويين من قال : إن الألف واللام فيها وفي (الأوبر) في قول الشاعر :

 ...

ولقد نهيتك عن بنات الأوبر (١)

زائدة ، وهذا غلط لأنهما لو كانتا لا تأثير لدخولهما وكانتا في نية الطرح لكان الاسم الذي يدخلان عليه باقيا على لفظه من التنوين ومع الصرف.

فيقال : القوم فيهما الجماء الغفير ، كما تنون لو لم يكن فيه ألف ولام ، ولجاز أن تقول : ولقد نهيتك عن بنات الأوبر ، لأن (أوبر) بغير ألف ولام لا ينصرف ، وإنما دخول الألف واللام على أوبر وسائر المعارف التي ليس فيها ألف ولام عند الضرورة ، لأنها تنكّر ثم تعرّف بالألف واللام ، وقد مضى الكلام في مثل هذا ، وقد تقدم شرح ما بقي من الباب وفيه قوله :

(ولم يرد في قوله : ما يحسن بالرجل خير منك أن يثبت له شيئا بعينه ثم يعرفه به إذا خاف التباسا).

وقوله : يثبت له يعني المخاطب.

وقوله : تعرّفه الهاء للشيء.

وقوله : به الهاء لخير منك.

__________________

(١) الخصائص لابن جني / ٣ / ٨٥ ، مجالس ثعلب / ٦٢٤.

وهو عجز بيت صدره :

ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا

 ...

٣٤٧

هذا باب بدل المعرفة من النكرة والمعرفة من المعرفة

(وقطع المعرفة مبتدأة)

وذكر الفصل إلى قول الفرزدق :

 ...

 ... كومها وشبوبها (١)

قال أبو سعيد : هذا البيت لم يذكر قائله في كتاب سيبويه وفي أكثر النسخ شنونها بنونين وشين ، وفي كتاب مبرمان وشيويها بيائين وشين وتحته السيوف السراع منها.

والذي رأيته في شعره في قصيدة يمدح فيها هشام بن عبد الملك أولها :

رأيت بني مروان يرفع ملكهم

ملوك شباب كالأسود وشيبها (٢)

وفيها يخاطب هشاما بعد ما ذكّره بآبائه :

ورثت أبي أخلاقه عاجل القرى

وضرب عراقيب المباني شبوبها (٣)

والشبوب : السيف ، يشب فيها ضوءه إذا التهب.

وما ذكره سيبويه في أول هذا الباب مفهوم المعنى ، يشتمل عليه شرح ما مضى.

قال سيبويه : (وتقول : مررت برجل الأسد شدة) ، فالأسد على ما يوجبه كلامه في معنى : وليس في تقدير مثل الأسد ولو كان مثل الأسد كان نكرة ، وكان نعتا وقد تقول : زيد رجل من الرجال ، تريد نفاذة ومضاء في الأمور ولا تقدر مثل رجل لأنه في خلقته رجل وشدة ينتصب على المصدر أو على الحال ، كأنه قال :

الشديد شدة ، والماضي أسدا ، وقوله :

(ولا يجوز أيضا أن يكون نعتا) لأنه ليس باسم جار على الفعل والأقوى في مثل هذا الرفع ، إمّا على التبعيض فيما أمكن التبعيض فيه وما لا تبعيض له فالابتداء ، وجميعا فالرفع فيه على الابتداء ، ولكن عبّر عما لا تبعيض فيه بالابتداء كقوله :

ولقد خبطن بيوت يشكر خبطة

أخوالنا وهم بنو الأعمام (٤)

__________________

(١) البيت :

ورثت أبي أخلاقه عاجل القرى

وعبط المهاري كومها وشبوبها

ديوانه / ٦٦.

(٢) ديوان الفرزدق / ٦٦.

(٣) المصدر السابق.

(٤) البيت لمهلهل بن ربيعة ، سيبويه ١ / ٢٢٥ ، ٢٤٨.

٣٤٨

فأخوالنا لا تبعيض فيه ، وقد رفعه ، وكذلك لو قال :

مررت برجل الأسد شدة ، أو بأسد شدة ، وذلك كله على إضمار هو من غير تبعيض ، ولو قال :

مررت برجلين أسد وحمار ، كان تبعيضا ، وقوله :

(وهذا عربيّ جيد). إشارة إلى الابتداء الذي لا تبعيض فيه ، وقوله : (وقد جاء في النكرة في صفتها) ، يعني : وقد جاء الابتداء.

وقوله : (فهو) يعني الابتداء في المعرفة أقوى ، ومعنى سقبان : طويلان ، ممشوقان : ملتفان (١).

هذا باب ما يجري عليه وصفة ما كان من سببه

(وصفة ما التبس به أو بشيء من سببه كمجرى صفته التي خلصت له).

قال أبو سعيد : (صفة ما كان من سببه) ، يعني : ما كان الفعل من فاعله اسما مضافا إلى ضميره أو يكون ضميره متصلا بجملة الكلام ، وهو هاهنا اسم الفاعل ، فإذا كان منها من فعل الموصوف به فقد جرى على من هو له كقوله : (مررت برجل ضارب زيدا ، وملازم عمرا).

فضارب وملازم صفة لرجل وفعل له ، فهي صفة قد خلصت له لأنه موصوف بها ، وهي مشتقة من فعل له ، وأمّا صفة ما كان من سببه فقولك :

مررت برجل ضارب أبوه رجلا ، وملازم أبوه رجلا ، فضارب صفة ، وهي اسم فاعل ، وفعله الضرب ، وفاعله أبوه ، وهو سبب الأول ، وهكذا قولك :

مررت برجل ملازم أبوه رجلا.

وأما صفة ما التبس به فقولك :

مررت برجل مخالطه داء.

فالصفة مخالطه ، وهو فعل لداء ، وقد وقع بضمير الرجل ، فقد التبس به ، وأمّا الذي التبس بشيء من سببه ، فقولك : مررت برجل ملازم أباه رجل ، ومررت برجل مخالط

__________________

(١) هذه الكلمات من بيت شعر أورده سيبويه ٢ / ١٧ وهو :

وساقيين مثل زيد وجعل

سقبان ممشوقان مكنوزا العضل

٣٤٩

أباه داء.

فالصفة ملازم ومخالط ، وفاعله رجل وداء قد التبس بالأب ووقع على ضميره ، فهذا ما التبس بشيء من سببه.

قال أبو سعيد : في هذا الباب أشياء أجمع النحويون عليها واختلفوا في غيرها فجعل سيبويه ما أجمعوا عليه أصلا قدره ورد إليه ما اختلف فيه بشبه صحيح لا يقع على من تأمله لبس.

والذي أجمعوا عليه أن الصفة إذا كانت فعلا للأول أو لسببه أو لها التباس به وكانت منونة ، فإنها تجري على الأول وتنجر بجره ، ويوصف الأول بها كقولك : مررت بزيد ضارب زيد ، وضارب أبوه زيدا ، وملازم أباه زيد.

ثم اختلفوا إذا كانت الصفة مضافة.

فأمّا سيبويه فأجرى جميعها على الأول ك (هي) لو كانت منونة ، وأجرى غيره بعضها على الأول ومنع إجراء بعض فألزمه سيبويه إجراء الجميع على الأول أو المناقضة ، فقال : وإن زعم زاعم أنه يقول : مررت برجل مخالط بدنه داء ففرق بينه وبين المنون ، قيل له :

أليس قد علمت أن الصفة إذا كانت للأول فالتنوين وغير التنوين سواء متى أردت بترك التنوين؟

ومعنى التنوين نحو : مررت برجل ملازم أبيك ، وملازمك ، فإنه لا يجد بدّا من أن يقول : نعم ، وإلا خالف جميع العرب ، فإذا قال : نعم ، قيل له :

أفلست تجعل هذا العمل إذا كان منونا ، وكان لشيء من سبب الأول أو التبس به ، بمنزلة إذا كان للأول؟ كأنك قلت : مررت برجل ملازم ، فإنه قائل : نعم ، فيقال له : فما بال التنوين وغيره استويا حيث كان للأول.

وهذا من أثبت الحجاج لأنه قدر الخصم بأن غير المنون حكمه كحكم المنون فيما كان فعلا للأول ، وقدره بأن فعل الأول ، وفعل سببه ، وما التبس به إذا كان منونا يجري مجرى واحدا وألزمه بعد ذلك أن غير المنون من فعل الأول وفعل سببه ، وفعل ما التبس به يجري مجرى واحدا ، ثم لزمه أن ينصب المعرفة المضافة فيقول :

مررت بعبد الله الملازمه أبوه ، لأنه حين قال :

٣٥٠

مررت برجل مخالط بدنه إذا لم يكن سبب نصبه وترك إجرائه على الأول إلا الإضافة.

وفي بعض نسخ كتاب سيبويه : وذلك أن قوما ينصبون كل ما كان من ذا مضافا على كل حال ، فإن كان هذا من كلام سيبويه فهو أقوى في إلزامهم من القياس بكلام العرب ثم احتج لما ذهب إليه بعد تقويته بالقياس الذي ذكرناه بكلام العرب ، فقال :

(ولو أن هذا القياس لم تكن العرب الموثوق بعربيتها ، تقوله لم يلتفت إليه ولكنّا سمعناها تنشد هذا البيت جرا :

وارتشن حين أردن أن يرميننا

نبلا مقذذة بغير قداح

ونظرن من خلل الستور بأعين

مرضى مخالطها السقام صحاح (١)

وأنشد غير من العرب بيتا فأجروه هذا المجرى :

حمين العراقيب العصا وتركنه

به نفس عال مخالطه بهر) (٢)

فالشاهد من البيت الأول : خفض مخالطها ، ومن الثاني : رفع مخالطه أجروه على نفس عال ، وهذا من حجة من ينصب إذا كان مضافا.

ولمن خالف سيبويه في الصفة المضافة التي ليست للأول ، ولما التبس به في هذا الباب مذهبان :

أحدهما : مذهب عيسى بن عمر ، وهو أنه جعل ما في هذا الباب عملين.

أحدهما ـ عمل ثابت ليس فيه علاج يرونه نحو الآخذ واللازم والمخالط وما أشبهه.

والآخر ـ عمل فيه علاج نحو الضارب والكاسر ، وفتح اللفظ به فيه على ثلاثة أقسام ، فجعل ما كان من باب الصفات من باب الضارب والكاسر إذا لم يكن الاسم الأول الموصوف رفعا على كل حال ، كقولك : مررت برجل ضاربه عمرو ، ورأيت رجلا ضارب أبيه عمرو.

__________________

(١) البيتان لابن ميادة المري في ديوانه ص ١٠٠ ، الخزانة ٥ / ٢٤ ، الأغاني ٢ / ٢٨٤.

(٢) البيت للأخطل ديوانه / ١٩٨ ، الخزانة ٢ / ٢٩٤.

٣٥١

والثاني ، أنه جعل اللازم نصبا إذا كان واقعا كقولك :

مررت برجل ملازمه زيد ، وبماء مخالطه عسل ، وأتيت بلبن ممازجه ماء إذا كانت الملازمة والمخالطة والممازجة قد وقعت ووجدت ، كأنه قال :

ملازمه الساعة ، ومخالطه الساعة ، وممازجه الساعة.

والثالث ، أنه جعل الفعل والملازم إذا كان غير واقع جاريا على الأول ، وذلك قولك :

مررت برجل مفارقه الروح ، وبرجل متلفه السير ، إذا لم يقع المتلف ومفارقه الروح.

كأنه قال : متلفه غدا السير.

والمذهب الآخر مذهب يونس ، وهو :

أنه يجعل ما كان واقعا من ذلك نصبا كمذهب عيسى في الفعل اللازم الذي لا علاج فيه ، ويجعل ما كان غير واقع رفعا على كل حال ، بمعنى في الفعل اللازم وفيما كان علاجا نحو الضرب والكسر.

قال سيبويه : (فإذا جعلته اسما لم يكن فيه إلا الرفع على كل حال ، تقول : مررت برجل ملازمه رجل ، أي : مررت برجل صاحب ملازمته رجل ، وهو كقولك : مررت برجل أخوه رجل) ، يعني أن ملازمه يجعل بمنزلة ما لم يؤخذ من الفعل ، لأن حقيقته اسم كقولك : غلامه وأخوه ، وإن جمع على هذا الحد ، قلت :

مررت برجل ملازموه بنو فلان ، لأنه لم يذهب به مذهب الفعل ، فيوحد لتقدمه ، فصار كقولك :

مررت برجل غلمانه بنو فلان ، وإخوته وأصحابه ، فإن جعلته عملا جاريا مجرى الفعل ، قلت :

مررت برجل ملازمه قومه ، كأنك قلت : ملازم أباه قومه أي قد لزم أباه قومه فوحدته لما أجريته مجرى الفعل لتقدمه ، وأما قول سيبويه :

(فإن زعموا أن ناسا من العرب ينصبون هذا فهم ينصبون : به داء مخالطه ، وهو صفة للأول. وتقول : هذا غلام لك ذاهبا. ولو قال : مررت برجل قائما. لجاز ، فالنصب على هذا). وذكر الفصل.

٣٥٢

قال المفسر فإنه ذكر حجاج من نصب :

مررت برجل مخالطه دم ، وأنّ من العرب من ينصبه على الحال ، فنصب مخالطه على الحال ، وإن كان يرفع على أنه صفة لداء ، وهذا غلام لك ذاهبا على الحال.

وإن قيل:ذاهب على الصفة ،ومررت برجل قائما وإن كان يقال:قائم على الصفة.

هذا باب ما جرى من الصفات غير العمل على

الاسم الأول

(إذا كان الشيء من سببه). وذكره.

قال أبو سعيد : ما احتج به بيّن ، وهذه الصفات هي الأسماء المتقدمة في التحصيل ، لأن قائلا لو قال :

ضربت قائما أبوه لكان الضرب واصلا إلى غير الأب فصار قائما الذي نصبه الضرب غير الأب ، ولو قيل : لعن الله قائما أبوه لوقع اللعن على قائم والأب لم يدخل في اللعن ، فجعل قائما على الموصوف الذي قام مقامه ، كأنه قال :

ضربت رجلا قائما هو الرجل المحذوف.

وكذلك كان زيد قائما أخوه ، فقائما أخوه هو زيد لأن الخبر هو المخبر عنه.

هذا باب الرفع فيه وجه الكلام وهو قول العامة

(وذلك : مررت بسرج خزّ صفّته). وذكر الباب.

قال أبو سعيد : أما قولك : مررت بسرج خز صفته ، وبصحيفة طين خاتمها ، وبرجل فضة حلية سيفه ، وبدار ساج بابها فإنك إذا أردت حقيقة هذه الأشياء ، لم يجز غير الرفع ، ويصير بمنزلة : مررت بدابة أسد أبوه ، وأنت تريد بالأسد السّبع ، لأن هذه جواهر ، ولا يجوز النعت بها ، وإن أردت المماثلة والحمل على المعنى أخبر فيها ما حكي عن العرب ، فقد سمع منهم :

هذا خاتم طين ، تحمل طين على طين ، كما قال الشاعر :

 ...

كدكّان الدّرابنة المطين (١)

__________________

(١) البيت :

فأبقى باطلي والجد منها

كدكّان الدّرابنة المطين

٣٥٣

وإذا سمع منهم : صفّته خزّ ، تحمل على : ليّنة.

وقد يقال للشيء اللين : أنه خز ، يريد : لينة ، كأنهم قالوا : هو ليّن ، أي : مثل خزّ.

وقد سمع منهم : مررت بقاع عرفج كله ، ومررت بعرب أجمعون ، ومعناه : مررت بقاع ثابت كله أو مسد كله ، لأن العرفج : شوك ، وبقوم منعوتين أو مفسرين أجمعون.

وجملة الأمر أنه إذا جعل شيء من هذا صفة ورفع بها ما بعدها ، فمن النحويين من يذهب إلى أنه بتقدير مثل وحذفه ، فإذا قال : مررت بدار ساج بابها ، وسرج خز صفته ، وهذا مذهب المبرد في مثل هذا ، ومنهم من يجعل اسم الجوهر في مثل هذا فاعلا ، ويرفع به ، فإذا قيل : مررت بدار ساج بابها ، وجعل الساج في تقدير : وثيق وصلب ، ونحوه ، فكأنه قال : مررت بدار وثيق بابها أو صلب ، ويتأوّل في خزّ : لين صفته ، وفي كل شيء منه ما يليق بمعناه.

أنشد بعض النحويين في جواز نحو هذا :

وليل يقول الناس من ظلماته

سواء صحيحات العيون وعورها (١)

كأن لنا منه بيوتا حصينة

مسوحا أعاليها وساجا ستورها (٢)

وذهب بالمسوح إلى سود.

وساج إلى كثيف.

والأجود رفع مسوح وساج.

هذا باب ما جرى من الأسماء التي تكون صفة مجرى الأسماء

التي لا تكون صفة

(وذلك أفعل منه) ، وذكر الفصل.

قال أبو سعيد : اعلم أن ما يقع بعد الاسم من الأسماء المفردة والمضافة أو الموصولة على ضربين :

أحدهما : يكون صفة للأول.

__________________

ـ قائله المثقب العبدي.

(١) البيت لمضرس بن ربعي الخزانة ٢ / ٢٩١.

(٢) البيت للأعشى ديوانه / ٤٢٣ ، خزانة الأدب ٥ / ١٨.

٣٥٤

والآخر : لا يكون صفة له.

فأما الذي يكون صفة فما كان تحلية أو جرى مجرى التحلية وذلك قولك : مررت برجل قائم ، وكاتب وضاحك ونحوه ، ومنه : مررت برجل خير منك ، ومثلك وحسبك من رجل ، وبدرهم سواء ، وبرجل أبي عشرة.

وما لا يكون صفة ، فنحو : بستان ودار وحصير ودفتر ونحوه ، لا تقول : مررت بملكك البستان ، ولا بملكك ثوب ، إلا على البدل ، ولا بملكك بستانك ، ولا بمالك دفترك إلا على البدل أيضا ، فإن اتصل بشيء مما لا يكون صفة : له إنما يكون معه جملة مبتدأ وخبر ، نحو : مررت برجل دفتر له عندك ، وبرجل ثوبه فاخر ، ونحو ذلك جاز وتكون الجملة نعت الأول ، وأما الصفة إذا اتصل بها اسم فعلى ضربين :

أحدهما : يختار أن يجرى مجرى الاسم الذي يكون صفة ، فيرفع بالابتداء والخبر ، وهو قولك : مررت برجل خير منه أبوه ، وبرجل سواء عليه الخير والشر ، وبرجل أب للصاحبة ، وبرجل حسبك به من رجل ، فهذا الضرب من الصفة يرفع كما يرفع ما لا يكون صفة ، ويكون ما بعده خبرا له ، وهذا يعني ترجمة الباب ، لأن" خير منه" وسواء ، وحسبك ، وأيما رجل ، وأبو عشرة ، إذا انفردت كانت صفة ، وإذا كانت بعدها أسماء لم تكن صفة بمنزلة أسماء الجواهر وتحقيق لفظ الباب أن يقال : هذا باب ما جرى من الأسماء التي تكون صفة إذا انفردت مجرى ما لا يكون صفة إذا لم ينفرد.

والضرب الآخر من الصفة ما يجرى على ما قبله في إعرابه ويرتفع به ما بعده كارتفاع الفاعل بفعله ، وهو قولك : مررت برجل شديد عليه الحر والبرد ، من قبل أن شديدا اسم فاعل منه ، والحر والبرد مرفوعات به ، وهكذا مررت برجل مستو عليه الخير والشر ، جررت لأنه صار عملا بمنزلة قولك : مررت برجل مفضض سيفه ، ومررت برجل مسموم شرابه ، وجملة ما يكون صفة جاريا على الأول ، ويرتفع به ما بعده ما كان من أسماء الفاعلين والمفعولين والصفات المشبهة بأسماء الفاعلين ، وقد مضى شرحها.

وأما ما يكون صفة في الانفراد ولا يكون صفة في غير الانفراد ، فما ذكره في هذا الباب من قوله : (خير منه أبوه ، والأسماء التي ذكرت ومعه).

وذكر سيبويه فصولا بين البابين يبعد بها من مذهب الفعل خير منه أبوه فيه ، فيرتفع ما بعده ويفصل ما بينها وبين أسماء الفاعلين بالصفات المشبهة منها ، لأن أسماء الفاعلين

٣٥٥

تفرد وتؤنث بالهاء ، وقد ذكرناه ، وتثنى وتجمع وتدخل عليها الألف واللام وتضاف إلى ما فيه الألف واللام ، وهذا كله يجري على الصفة المشبهة نحو حسن وكريم وطويل ، فتقول : الحسن الوجه ، كما تقول : الملازم الرجل ، وليس ذلك في باب (خير منه) لأنه لا تدخل فيه الألف واللام ، ولا يفرد وما يفرد أقرب إلى الفعل ، لأن الفعل ينفرد ، تقول : مررت برجل يضحك ويتكلم ، ويدخله التأنيث فتقول : مررت بامرأة تضحك وضحكت ، ويتصل به تثنية الضمير وجمعه ، تقول : مررت برجلين يضحكان ، وبرجال يضحكون.

والألف واللام تدخل على اسم الفاعل الذي منزلته وحكمه حكم الفعل ، وقدمنا من الاحتجاج الفصل بينهما في باب الصفة ما يوجب ألّا يرفع ما بعد (خير منه) بما يغني عن إعادته.

فإذا قلت : مررت برجل سواء في الخير والشر جررت ، لأن سواء صفة للأول وليس بعده ما يرتفع به فإن قلت : برجل سواء أبوه وأمه ، رفعت سواء على أبوه وأمه ، سواء بالابتداء ، فإن قلت : برجل سواء درهمه ، كما تقول : مررت برجل تمام درهمه ، ولو خفضت سواء لرفعت ما بعده بالفاعل ، وقد ذكرنا أن ذلك لا يحسن ، وتقول : مررت برجل سم شرابه ، وفضة سيفه على الابتداء والخبر ، وليس ذلك ك (مسموم ومفضض) لأنه مسموم ومفضض اسم مفعول جار على الفعل ، قال سيبويه :

(وزعم يونس : أن ناسا يجرون هذا كما يجرون مررت برجل خز صفته).

قال أبو سعيد : كأنهم يتأولون في ذلك تأويل اسم الفاعل فيتأوّل (خير منه أبوه) تأويل (فاضل عليه أبوه) ، و (راجح عليه أبوه) ، ونحو هذا.

ويتأولون في : سواء أبوه وأمه ، مستو أبوه وأمه ، كما يتأولون في خزّ صفّته ، ليّن صفّته.

ثم ذكر سيبويه تقويه الرفع بأنك لا تقول : مررت بخير منه أبوه ، ولا سواء عليه الخير والشرّ ، كما تقول : بحسن أبوه ، ثم قال سيبويه :

(وتقول : مررت برجل كل ماله درهمان ، لا يكون فيه إلا الرفع ، لأن" كل" مبتدأ ، والدرهمان مبنيان عليه فإن أردت به ما أردت بقولك : ما مررت برجل أبي عشرة أبوه ، جاز لأنه قد يوصف به).

قال أبو سعيد : يريد أن الاختيار رفع" كل" و" أبو عشرة" ، ويجوز : مررت برجل

٣٥٦

أبي عشرة أبوه ، وليس بالاختيار ، فإذا أجريته على الأول ورفعت أبوه صار التأويل : مررت برجل والد عشرة أبوه ، وإذا أضفته قلت : مررت برجل أبي عشرة أبوه كما تقول : بضارب زيد أبوه ، وعلى هذا تقول : مررت برجل كل ماله درهمان ، كأنه قال : مجتمع له درهمان ، أو جامع مع ملكه درهمان ، وليس ذلك بأبعد من : مررت برجل خزّ صفّته ، لأنك قد تصف ب (أبي عشرة) ، وكل مال مفردين ، فتقول : مررت برجل أبي عشرة ، ومررت بمال كل مال ، ولا تقول : مررت بثوب خز على النعت.

قال سيبويه : (ومن جواز الرفع في هذا الباب أني سمعت رجلين من العرب يقولان : كان عبد الله حسبك به رجلا) ، وذكر الباب.

قال أبو سعيد : عبد الله : اسم كان ، وحسبك : مبتدأ ، وبه خبره ، وهو في موضع رفع ، ورجلا : نصب على التمييز ، ولو أجراه على الأول ، لقال : كان عبد الله حسبك به ، تنصب حسبك بخبر كان ، وبه في موضع الفاعل ، تقول : كفى بالله ، والمعنى : كفى الله ، وإجراء حسبك على الأول أقوى من إجرائه على الثاني ونحوه إذ كان حسبك مفردا يوصف به لأنه مأخوذ من أحسبني الشيء ، أي : كفاني.

هذا باب ما يكون من الأسماء صفة لمفرد وليس بفاعل ولا صفة

تشبه الفاعل

(كالحسن وأشباهه ، وذلك قولك : مررت بجبة ذراع طولها). وذكر الفصل.

قال أبو سعيد : ما كان من المقادير نعتا لما قبله إذا انفرد بما يتضمن لفظه من الطول والقصر والقلة والكثرة ، ناب عن طويل وقصير وقليل وكثير.

فإذا قال : مررت بحبل ذراع ، فكأنه قال : قصير ، فإذا قال : بحبل سبع أذرع ، فكأنه قال : بحبل طويل ، وإذا قال : بإبل مائة ، فكأنه قال : بإبل كثيرة ، وإذا قال : بإبل خمسين ، فكأنه قال : بإبل قليلة.

فإن قال قائل : فهلا نعتّم ب (قفيز) ونحوه ، وأجريتموه مجرى قليل وكثير كما فعلتم بذراع ، تقول : مررت بحنطة قفيز على الصفة بتأويل حنطة قليلة كما قلت : بحبل ذراع ، بتأويل قصير ، قيل كذلك تفعل وهذا واجب في جميع الأعداد من أي صنف كان ، ألا ترى أنك تقول : مررت بنسوة أربع ، ورجال خمسة ، وسائر الأعداد ، وجاز الوصف بذراع ، وشبر ، وباع ، ونحوه من سائر المقادير ، كما جاز في الأعداد.

٣٥٧

وإنما منع سيبويه من الصفة ب (قفيز) في قوله : (مررت ببر قفيز بدرهم) على الصفة ، لأنك لم ترد أنّ فعل البرّ الذي مررت به كله قفيزا واحدا ، كما أردت بقولك :

مررت ببرّ بدرهم ، وإن كان قفزانا كثيرة ، وإذا جئت بعد المقدار باسم ، جعلت المقدار له ، رفعت على الابتداء والخبر ، تقول : مررت بجبة ذراع طولها ، وبثوب سبع طوله ، وبرجل مائة إبله ، وببر قفيز كله ، وبنسوة أربع عددهن ، وناس خمسة أولهم.

وإنما اختير فيه الرفع لأن ما هو أقرب إلى الفعل منه يختار فيه الرفع ، كقولك : مررت برجل خير منه أبوه ، وأفضل منه زيد ، ولم يكن مثل باب حسن الوجه ، لأنك تقول : مررت بجبة ذراع الطول ، إذا نونت ولا ذراع الطول إذا لم تنون ، كما تقول : حسن الوجه إذا نونت ، وحسن الوجه إذا لم تنون ، وبعض العرب يجر ، كما يخبر الجر حين يقول : مررت بسرج خز صفته فتقول : مررت بجبة ذراع طولها ، كأنك قلت : قصير طولها ، ومررت برجل مائة إبله ، كأنك قلت : كثيرا إبله ، وفي سياق كلام سيبويه ، (ومنهم من يجره) بعد قوله ، (وبعض العرب يجره) لأنه :

أراد : تشبيهه برجل أسد أبوه ، وما بعد هذا من كلامه ، فقد مضى تفسيره.

قال سيبويه : (وزعم يونس أنه لم يسمع من أحد) ، يعني : مررت برجل مائة إبله ، (ولكنهم يقولون : هو نار جمرة ، لأنهم قد يبنون الأسماء على المبتدإ). وذكر الفصل.

قال أبو سعيد : من قال : هو نار جمرة ، جعل النار في تأويل فعل ، كأنه قال : مجمر جمرة ، فجعل في : أسد أبوه من تأويل شديد ، وفي مائة إبله من تأويل كثير ، مثل : ما في نار من تأويل : مجمر ، وأحوج إلى هذا ، أن جمرة لا بد من نصبها في شيء يجري مجرى الفعل.

وقال الزجاج : باب الأخبار أن تكون أفعالا ، لأنك تخبر بحدث ، وقولك : هو نار جمرة ، ليس الضمير لنار ، إنما هو لرجل ، أو جوهر ، وإنما المعنى هو مثل : نار جمرة ، وقال أخبر : مررت برجل نار جمرة ، أريد مثل نار ، كما أردت حيث كان خبر ابتداء كأنك قلت : مررت برجل مثل نار ، أو شبه نار جمرة.

قال : وكلام سيبويه يدل على أن نارا تقع خبرا ولا تقع صفة.

فقال أبو سعيد : أظنه تأول من كلام سيبويه قوله : ولكنهم يقولون : هو نار جمرة ، لأنهم قد بنوا الأسماء على المبتدإ ولا يصفون بها ، وليس الأمر كذلك عندي ، ومما يجري مجرى ما تقدم من اختيار الرفع فيه وجواز الجر قولك في الرفع : مررت برجل رجل أبوه ،

٣٥٨

إذا أردت معنى : أنه كامل ، والجر والإجراء على الأول فيما كان صفة محضة أحسن من الابتداء والخبر ، كقولك : مررت برجل حسن أبوه ، وفي هذا بعد لأنّ (حسن) يجري مجرى الفعل ، والأولى أن يرفع به الأب إن كان من سبب الأول كما يرفع ضميره في قولك : مررت برجل حسن ظريف أبوه ، فالرفع فيه الوجه ، والجر فيه قبيح. وذكر الفصل.

قال أبو سعيد : إذا قلت : مررت برجل حسن ظريف ، لم يحسن جر (حسن) ، و (ظريف) إذا أردت أن ترفع الأب ب (حسن) وظريف : نعت لحسن ، لأن باب الإجراء والصفة والعمل فيه بعد ، إنما هو للأسماء الجارية على الأفعال التي تؤنث وتذكّر ، فإذا أضفت اسم الفاعل خرج من الأفعال وقوى في الاسمية ، فصار الباب الرفع فيه ، فيكون أبوه مبتدأ ، وحسن ظريف خبره مقدم ، ويجوز أن يكون (حسن ظريف) خبر مقدم ، ويجوز أن يكون حسن ظريف هو المبتدأ على ضعف ، ولو قلت : مررت برجل حسن ظريف أبوه ، فرفعت الأب ب (ظريف) كان جائزا حسنا ، ولو قلت : مررت بضارب ظريف زيدا ، وهذا ضارب عاقلا أباه ، كان قبيحا لأنه وصفه فجعله كالاسم الذي يبتدأ به ثم يوصف.

قال سيبويه : (فإن قلت : مررت برجل شديد رجل أبوه ، فهو رفع لأن هذا وإن كان صفة فقد جعلته في هذا الموضع اسما بمنزلة : أبي عشرة ، يفتح فيه ما يفتح فيه ، ومن قال :

(مررت برجل أبي عشرة أبوه) ، قال : مررت برجل شديد رجل أبوه).

قال أبو سعيد : إذا قلت : مررت برجل شديد رجل أبوه ، ف (رجل) الذي بعد شديد بدل من شديد ، فبطل أن يعمل شديد في (أبوه) وقد أبدل منه رجل لأن الفعل لا يبدل منه الاسم ، فإن وجدناه ورفعنا أبوه برجل ، جرى مجرى : أبي عشرة لأن حكمهما واحد في اختيار الرفع فيهما ، وليس قولك : مررت برجل أبي عشرة أبوه ، كقولك : مررت برجل حسن الوجه أبوه ، لأن حسن الوجه أبوه ، كقولك : حسن الوجه ، فصار بدخول التنوين يشبه ضاربا ، إذا قلت : مررت برجل ضاربا وأبو عشرة ، لا يدخله التنوين ، فلا تقول : مررت برجل أب عشرة ، كما تقول : حسن الوجه ، وقد مضى الفصل بينهما ، وقد

٣٥٩

أعاد سيبويه ما يؤكد به الفصل بينهما ، وقد شرحناه. قيل : قال سيبويه : (وأما قوله : مررت برجل سواء والعدم) فلا بد من أن تجعل سواء نعتا لرجل لأنه ليس مع سواء اسم ، فيكون معه مبتدأ وخبرا ، فصار بمنزلة قولك : مررت بقوم سواء ، وإذا أجريت سواء على الرجل ففيه ضمير لأنه في معنى مستو ، فإذا عطفت على ذلك الضمير أكدت ، كما يجب في ضمير المرفوع إذا عطفت عليه ، والضمير الذي في سواء مثل الضمير الذي في : عرب أجمعون ، لأن عربا محمول على متعربين ، كما أن سواء في معنى مستو ، وأجمعون توكيد للضمير في عرب.

فأما قول سيبويه : (وهي معطوفة) فإنه يعني : أجمعين ، ويعني بالعطف : عطف البيان.

وقوله : (على المضمر). يعني : المضمر في عرب كما تقدم ، وقوله : (وليست كأبي عشرة) ، يعني : وليست أجمعون في ارتفاعه بمنزلة ارتفاع أبي عشرة أبوه.

وقوله : (فإن تكلمت به على قبحه رفعت) ، يعني : إن قلت : سواء والعدم من غير توكيد رفعت سواء ، يعني : إن جئت ب (هو) في : سواء هو والعدم ، ولم يجعل هو توكيدا للمضمر وجعلته مبتدأ وعطفت عليه العدم رفعت ، سواء خبر المبتدأ كأنك قلت : مررت برجل هو والعدم سواء ، فيصير كقولك : مررت برجل سواء درهمه.

قال سيبويه : (وتقول : ما رأيت رجلا أبغض إليه الشر منه إليه). وذكر الفصل.

قال أبو سعيد : إذا قلت : ما رأيت رجلا أبغض إليه الشر منه إليه ، فأبغض نعت لرجل وإليه : في صلته ، والهاء في إليه : ضمير لرجل. كأنه قال : منه إلى زيد ، وكذلك وأحسن في عينيه الكحل منه أحسن نعت رجلا والهاء في عينيه تعود إلى الكحل ، وفي عينه الآخر العود إلى شيء قد ذكر كأنه قال : في عين زيد ، فإن قيل : فقد مرّ من احتجاج سيبويه في (مررت برجل خير منه أبوه) ما يوجب أن يكون هذا مثله لأنه احتج في رفعه بأنك لا تستطيع أن تفرد شيئا من هذه الأشياء لو قلت : هذا رجل خير ، وهذا رجل أفضل. لم يستقم وكذلك لا تفرد أبغض وأحسن في قولك : ما رأيت رجلا أبغض وأحسن في قولك : ما رأيت رجلا أبغض أو أحسن ، وذكر أيضا أن الذي يجرى على الأول اسم الفاعل والصفة المشبهة ، وقوله : ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل ليس باسم فاعل ولا صفة مشبهة ، وقد اجتمعا في علة منع الإجراء على الأول فلم أجريت

٣٦٠