نفح الطّيب - ج ١

الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني

نفح الطّيب - ج ١

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني


المحقق: يوسف الشيخ محمّد البقاعي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٥٤

الأعلى ، فأقفله مع نفسه ومضيا جميعا ومعهما من الناس من اختار القفول. وأقام من آثر السّكنى في مواضعهم التي كانوا قد اختطّوها واستوطنوها ، وقفل معهم الرسولان مغيث وأبو نصر حتى احتلّوا بإشبيلية ، فاستخلف موسى ابنه عبد العزيز على إمارة الأندلس ، وأقرّه بمدينة إشبيلية لاتّصالها بالبحر نظرا لقربه من مكاره (١) المجاز ، وركب موسى البحر إلى المشرق بذي الحجة سنة خمس وتسعين وطارق معه ، وكان مقام طارق بالأندلس قبل دخول موسى سنة وبعد دخوله سنتين وأربعة أشهر ، وحمل موسى الغنائم والسّبي ، وهو ثلاثون ألف رأس والمائدة منوّها بها ومعها من الذخائر والجواهر ونفيس الأمتعة ما لا يقدر قدره ، وهو مع ذلك متلهّف على الجهاد الذي فاته ، أسف (٢) على ما لحقه من الإزعاج ، وكان يؤمل أن يخترق ما بقي عليه من بلاد إفرنجة ، ويقتحم الأرض الكبيرة حتى يتصل بالناس إلى الشام مؤملا أن يتخذ مخترقه بتلك الأرض طريقا مهيعا (٣) يسلكه أهل الأندلس في مسيرهم ومجيئهم من المشرق وإليه على البرّ لا يركبون بحرا ، وقيل : إنه أوغل في أرض الفرنجة حتى انتهى إلى مفازة كبيرة وأرض سهلة ذات آثار ، فأصاب فيها صنما عظيما قائما كالسارية مكتوبا فيه بالنقر كتابة عريبة قرئت ، فإذا هي : يا بني إسماعيل ، انتهيتم فارجعوا ، فهاله ذلك ، وقال : ما كتب هذا إلّا لمعنى كبير ، فشاور أصحابه في الإعراض عنه وجوازه إلى ما وراءه ، فاختلفوا عليه ، فأخذ برأي جمهورهم وانصرف بالناس ، وقد أشرفوا على قطع البلاد وتقصّي الغاية.

وحكى الرازي : أن موسى خرج من إفريقية إلى الأندلس في رجب سنة ثلاث وتسعين ، واستخلف على إفريقية أسنّ ولده عبد الله بن موسى ، وكان موسى في عشرة آلاف ، قال : وكان عبد الملك بن مروان هو الذي أغزى موسى المغرب في خلافته ، ففتح له في أهله البرابرة فتوح كبار ، حتى لقد بعث إلى عبد الملك في الخمس بعشرين ألف سبيّة ، ثم أردفها بعشرين ألفا أخرى ، كل ذلك من البربر ، فعجب عبد الملك يومئذ من كثرة ذلك.

وزعم ابن حبيب : أنه دخل الأندلس رجل واحد من أصاغر الصحابة ، وهو المنيذر ، قال : ودخلها من التابعين ثلاثة : موسى الأمير ، وعلي بن رباح اللخمي ، وحيوة بن رجاء التميمي ، وقيل : إن ثالثهم إنما هو حنش بن عبد الله الصنعاني ، صنعاء الشام ، وإنهم قفلوا عنها بقفول موسى ، وأهل سرقسطة يزعمون أنّ حنشا مات عندهم ولم يقفل للمشرق ، وقبره لديهم مشهور يتبرّكون به ولا يختلفون فيه ، فالله أعلم.

__________________

(١) في ب : مكان.

(٢) في ب : أسيف.

(٣) طريق مهيع : واسع بيّن واضح.

٢٢١

وقيل : إن التابعين أربعة بأبي عبد الرحمن الحبليّ (١) الأنصاري ، واسمه عبد الله بن يزيد ، والله أعلم ، وخمّسهم بعضهم بحبّان بن أبي جبلة مولى بني عبد الدار وكان في ديوان مصر ، فبعث به عمر بن عبد العزيز إلى إفريقية في جماعة من الفقهاء ليفقّهوا أهلها ، وكان روى عن عمرو بن العاص وابن عباس وابن عمر ، وحدّث عنه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم وغيره ، وغزا مع موسى حين افتتح الأندلس ، وانتهى معه إلى حصن من حصون العدو يقال له قرقشونة ، وقيل : بل قفل إلى إفريقية فتوفي بها بعد العشرين ومائة.

وقال بعضهم : إن بين قرقشونة هذه وبين برشلونة مسافة خمسة وعشرين يوما ، وفيها الكنيسة المعظّمة عند الفرنج المسمّاة شنت مرية ، وقد حكى ابن حيّان أن فيها سبع سوار من فضّة خالصة لم ير الراءون مثلها لا يحيط الإنسان بذراعيه على واحدة منها مع طول مفرط.

وحنش الصنعاني المذكور تابعي جليل ، كان مع علي ، رضي الله عنه ، بالكوفة ، وقدم مصر بعد قتله ، فصار عداده في المصريين ، وكان فيمن قام مع ابن الزبير على عبد الملك بن مروان فعفا عنه ، وكفى الأندلس شرفا دخوله لها.

وعلي بن رباح بصري تابعي ، يكنّى أبا عبد الله ، وهو لخمي ، ولد عام اليرموك سنة خمس عشرة ، قال ابن معين : أهل مصر يقولونه بفتح العين ، وأهل العراق يقولونه بضمّها ، وروى الليث عن ابنه موسى بن علي ، وكانت لعليّ بن رباح عند عبد العزيز بن مروان مكانة ، وهو الذي زفّ ابنته أمّ البنين لزوجها الوليد ، ثم عتب عليه عبد العزيز فأغزاه إفريقية.

وأما المنيذر الصحابي فلم ينسبه ابن حبيب ، وذكره ابن عبد البرّ في الصحابة وقال : إنه المنيذر الإفريقي ، وروى عنه أبو عبد الرحمن الحبلي ، قال : حدّثنا المنيذر الإفريقي ، وكان سكن إفريقية ، وكان صحب رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم ، أنه سمعه ، صلّى الله عليه وسلّم ، يقول : «من قال : رضيت بالله ربّا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد ، صلّى الله عليه وسلّم ، نبيّا ، فأنا الزعيم له ، فلآخذنّ بيده ، فلأدخلنّه الجنة» ورواه عنه ابن عبد البرّ بسنده إليه ، وسيأتي إن شاء الله تعالى في حق المنيذر مزيد بيان.

ولما قفل موسى بن نصير إلى المشرق وأصحابه سأل مغيثا أن يسلم إليه العلج صاحب قرطبة الذي كان في إساره ، فامتنع عليه ، وقال : لا يؤدّيه للخليفة سواي ، وكان يدلّ بولائه من

__________________

(١) أبو عبد الرحمن الحبلي ، هو أبو عبد الله بن يزيد (تقريب التهذيب ٢ : ٤٤٦).

وقال الخزرجي : أبو عبد الرحمن المصري عن أبي ذر وأبي أيوب وأبي سعيد ، وعنه حميد بن هانىء وزهرة بن معبد وعقبة بن مسلم. وثّقه ابن معين. توفي بإفريقية سنة مائة.

٢٢٢

الوليد ، فهجم عليه موسى فانتزعه منه ، فقيل له : إن سرت به حيّا معك ادّعاه مغيث ، والعلج لا ينكر قوله ، ولكن اضرب عنقه ، ففعل ، فاضطغنها (١) عليه مغيث ، وصار ألبا (٢) مع طارق الساعي عليه ، واستخلف موسى على طنجة وما يليها من المغرب ابنه الآخر عبد الملك ، وقد كان ـ كما مرّ ـ استخلف بإفريقية أكبر أولاده عبد الله ، فصار جميع الأندلس والمغرب بيد أولاده ، وابنه عبد الله الذي خلفه بإفريقية هو الفاتح لجزيرة ميورقة. وسار موسى فورد الشام ، واختلف الناس : هل كان وروده قبل موت الوليد أو بعده؟ فمن يقول بالثاني قال : قدم على سليمان حين استخلف ، وكان منحرفا عليه (٣) ، فسبق إليه طارق ومغيث بالشكيّة منه ، ورمياه بالخيانة ، وأخبراه بما صنع بهما من خبر المائدة والعلج صاحب قرطبة ، وقالا له : إنه قد غلّ (٤) جوهرا عظيم القدر أصابه ولم تحو الملوك من بعد فتح فارس مثله ، فلما وافى سليمان وجده ضغينا عليه ، فأغلظ له ، واستقبله بالتأنيب والتوبيخ ، فاعتذر له ببعض العذر ، وسأله عن المائدة ، فأحضرها ، فقال له : زعم طارق أنه الذي أصابها دونك ، قال : لا ، وما رآها قطّ إلّا عندي ، فقال طارق : فليسأله أمير المؤمنين عن الرّجل التي تنقصها ، فسأله ، فقال : هكذا أصبتها ، وعوّضتها رجلا صنعتها لها ، فحوّل طارق يده إلى قبائه فأخرج الرّجل ، فعلم سليمان صدقه وكذب موسى ، فحقّق جميع ما رمي به عنده ، وعزله عن جميع أعماله ، وأقصاه ، وحبسه ، وأمر بتقصّي حسابه (٥) ، فأغرمه غرما عظيما كشفه فيه ، حتى اضطر (٦) إلى أن سأل العرب معونته ، فيقال : إنّ لخما حملت عنه في أعطيتها تسعين ألفا ذهبا ، وقيل : حمله سليمان غرم مائتي ألف ، فأدّى مائة ألف ، وعجز ، فاستجار بيزيد بن المهلب أسير (٧) سليمان ، فاستوهبه من سليمان ، فوهبه إيّاه ، إلّا أنه عزل ابنه عبد الله عن إفريقية.

وقال الرازي : إن الذي أزعج موسى عن الأندلس أبو نصر رسول الوليد ، فقبض على عنانه وثناه قافلا ، وقفل معه من أحبّ المشرق ، وكان أكثر الناس قطنوا ببلاد الأندلس لطيبها ، فأقاموا فيها.

وذهب جماعة من أهل التاريخ إلى أن موسى إنما قدم على الوليد ، وأن سليمان وليّ

__________________

(١) اضطغن عليه : حقد عليه.

(٢) وصار ألبا مع طارق عليه : أي اجتمعت عداوته مع عداوة طارق عليه.

(٣) في ب : عنه.

(٤) غلّ غلولا : خان في المغنم.

(٥) تقصى المسألة : بلغ الغاية في البحث فيها أو عنها ، وتقصى حسابه : تتبعه بدقة ليعرف حقيقته.

(٦) في ب : اضطره.

(٧) في ب : أثير.

٢٢٣

العهد لمّا سمع بقرب موسى بن نصير من دمشق ـ وكان الوليد مريضا ـ كتب ـ أي سليمان ـ إلى موسى يأمره بالتربّص (١) ، رجاء أن يموت الوليد قبل قدوم موسى فيقدم موسى على سليمان في أول خلافته بتلك الغنائم الكثيرة التي ما رئي ولا سمع مثلها ، فيعظم بذلك مقام سليمان عند الناس ، فأبى موسى من ذلك ، ومنعه دينه منه ، وجدّ في السير حتى قدم والوليد حيّ ، فسلّم له الأخماس والمغانم والتحف والذخائر ، فلم يمكث الوليد إلّا يسيرا بعد قدوم موسى ، وتوفي ، واستخلف سليمان ، فحقد عليه ، وأهانه ، وأمر بإقامته في الشمس حتى كاد يهلك ، وأغرمه أموالا عظيمة ، ودسّ إلى أهل الأندلس بقتل ابنه الذي استخلفه على الأندلس ، وهو عبد العزيز بن موسى ، وكان تولّى الأندلس بعد قفول أبيه عنها باستخلافه إيّاه كما سبق ، فضبط سلطانها ، وضمّ نشرها (٢) ، وسدّ ثغورها ، وافتتح في ولايته مدائن كثيرة ممّا كان قد بقي على أبيه موسى منها ، وكان من خير الولاة ، إلّا أن مدته لم تطل لوثوب الجند به وقتلهم إيّاه عقب سنة خمس وتسعين في خلافة سليمان الموقع بأبيه موسى لأشياء نقموها عليه : منها زعموا تزوّجه لزوجة لذريق المكنّاة أمّ عاصم وكانت قد صالحت على نفسها وأموالها وقت الفتح ، وباءت بالجزية ، وأقامت على دينها في ظل نعمتها إلى أن نكحها الأمير عبد العزيز ، فحظيت عنده ، ويقال : إنه سكن بها في كنيسة بإشبيلية ، وإنها قالت له : لم لا يسجد لك أهل مملكتك كما كان يسجد للذريق ـ زوجها الأول ـ أهل مملكته؟ فقال لها : إن هذا حرام في ديننا ، فلم تقنع منه بذلك ، وفهم لكثرة شغفه بها أن عدم ذلك مما يزري بقدره عندها ، فاتّخذ بابا صغيرا قبالة مجلسه يدخل عليه الناس منه ، فينحنون ، وأفهمها أن ذلك الفعل منهم تحية له ، فرضيت بذلك ، فنمي الخبر إلى الجند ، مع ما انضمّ إلى ذلك من دسيسة سليمان لهم في قتله ، فقتلوه ، سامحه الله تعالى!.

وذكر بعض المؤرّخين أنهم وجدوا في الحجر بعد ما تقدّم من الكتابة التي هي «ارجعوا يا بني إسماعيل إلخ» ما معناه : وإن سألتم لم ترجعون فاعلموا أنكم ترجعون ليضرب بعضكم رقاب بعض ، انتهى.

قال ابن حيّان : وليحيى بن حكم الشاعر المعروف بالغزال في فتح الأندلس ، أرجوزة

__________________

(١) التربص : الانتظار.

(٢) ضمّ نشرها : أي جمع ما تفرق من أمرها واضطرب.

٢٢٤

حسنة مطوّلة ذكر فيها السبب في غزوها نظما ، وتفصيل الوقائع بين المسلمين وأهلها ، وعداد الأمراء عليها وأسماءهم ، فأجاد وتقصّى ، وهي بأيدي الناس موجودة انتهى.

وقد عرفت بما سبق تفصيل ما أجمله ابن خلدون ، والروايات في فتح الأندلس مختلفة ، وقد ذكرنا نحن بحسب ما اقتضاه الوقت ما فيه كفاية ، وأشرنا إلى بعض الاختلاف في ذلك ، ولو بسطنا العبارة في الفتح لكان وحده في مجلد أو أكثر.

وعلم مما ألمعنا به من كلام ابن خلدون السابق ذكر الولاة للأندلس من لدن الفتح ، وهم من قبل بني مروان بالمشرق المنفردين بإمامة المسلمين أجمعين قبل تفرّقهم ، إلى أن انقرضت دولتهم العظيمة التي هي ألف شهر ، فاقتطع الأندلس عن بني العباس الدائلين (١) على بني مروان الناسخين لهم فلّ المروانيين (٢) عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان ، واقتعدها دار مملكة مستقلّة لنفسه ولأعقابه (٣) ، وجمع بها شمل بني أميّة ومواليهم ، وأورثها بنيه حقبة من الدهر ، بعد أن قاسى في ذلك خطوبا ، واجتمع عليه ثم على ذرّيّته من بعده أهل الأندلس أجمعون رضا بهم دون بني العباس ، بعد أن حاول بنو العباس ملكها بأن ولّوا بعض رؤساء العرب ، وأمروهم بالقيام على عبد الرحمن والدعاء للعباسيين القاطعين جرثومة (٤) دولة بني مروان ، فلم يتيسّر ذلك ، وظفر عبد الرحمن بمن نصب له الحرب في ذلك ، وقتل منهم آلافا ، وذلك في مدة المنصور كما سيأتي إن شاء الله تعالى عند ذكر عبد الرحمن الداخل في موضع آخر ، وسنذكر قريبا ولاة الأندلس من حين الفتح إلى إمارة الداخل ، وإن سبق في كلام ابن خلدون.

وقال بعضهم : كانت ولادة موسى بن نصير في خلافة عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، سنة تسع عشرة من الهجرة النبوية ، على صاحبها أفضل الصلاة وأجلّ السلام ، وعلى آله وصحبه أجمعين! انتهى.

وقال الحجاري في «المسهب» : يحكى أنّ موسى بن نصير ألقى بنفسه على يزيد بن المهلب لمكانه من أمير المؤمنين سليمان بن عبد الملك ، وطلب منه أن يكلّمه في أن يخفّف عنه ؛ فقال له يزيد : أريد أن أسألك فأصغ إليّ ؛ قال : سل عمّا بدا لك ، فقال له : لم أزل أسمع عنك أنك من أعقل الناس ، وأعرفهم بمكايد الحروب ومداراة الدنيا ، فقل لي : كيف

__________________

(١) دالت له الدولة : صارت له ، ودال الدهر : انقلب من حال إلى حال والدائلون على بني أمية : أي الذين كانت لهم الدولة والغلبة عليهم.

(٢) فلّ المروانيين : أي المنهزم منهم. يقال : رجل فلّ وجماعة فلّ.

(٣) أعقابه : ذريته.

(٤) جرثومة الشيء : أصله.

٢٢٥

حصلت في يد هذا الرجل بعدما ملكت الأندلس ، وألقيت بينك وبين هؤلاء القوم البحر الزّخّار (١) ، وتيقّنت بعد المرام واستصعابه ، واستخلصت بلادا أنت افترعتها (٢) ، واستملكت رجالا لا يعرفون غير خيرك وشرّك ، وحصل في يدك من الذخائر والأموال والمعاقل والرجال ما لو أظهرت به الامتناع ما ألقيت عنقك في يد من لا يرحمك ، ثم إنك علمت أن سليمان وليّ عهد ، وأنه المولّى بعد أخيه ، وقد أشرف (٣) على الهلاك لا محالة ، وبعد ذلك خالفته ، وألقيت بيدك إلى التهلكة ، وأحقدت مالكك ومملوكك ، قال : يعني سليمان وطارقا ، وما رضا هذا الرجل عنك إلّا بعيد ، ولكن لا آلو جهدا ، فقال موسى : يا ابن الكرام ، ليس هذا وقت تعديد ، أما سمعت «إذا جاء الحين ، غطّى على (٤) العين» فقال : ما قصدت بما قلت لك تعديدا ولا تبكيتا ، وإنما قصدت تلقيح العقل ، وتنبيه الرأي ، وأن أرى ما عندك؟ فقال موسى : أما رأيت الهدهد يرى الماء تحت الأرض عن بعد ، ويقع في الفخ وهو بمرأى عينه؟ ثم كلّم فيه سليمان ، فكان من جوابه «إنه قد اشتمل رأسه بما تمكّن له من الظهور ، وانقياد الجمهور ، والتحكّم في الأموال والأبشار ، على ما لا يمحوه إلّا السيف ، ولكن قد وهبت لك دمه ، وأنا بعد ذلك غير رافع عنه العذاب حتى يردّ ما غلّ من مال الله». قال : وآلت حاله إلى أن كان يطاف به ليسأل من أحياء العرب ما يفتكّ به نفسه ، وفي تلك الحال مات ، وهو من أفقر الناس وأذلّهم ، بوادي القرى ، سائلا من كان نازلا به.

وقال أحد غلمانه ممّن وفى له في حال الفقر والخمول : لقد رأيتنا نطوف مع الأمير موسى بن نصير على أحياء العرب ، فواحد يجيبنا ، وآخر يحتجب عنّا ، ولربما دفع إلينا على جهة الرحمة الدرهم والدرهمين ، فيفرح بذلك الأمير ليدفعه إلى الموكلين به ، فيخفّفون عنه من العذاب ، ولقد رأيتنا أيام الفتوح العظام بالأندلس نأخذ السّلوب (٥) من قصور النصارى ، فنفصل منها ما يكون من الذهب وغير ذلك ونرمي به ، ولا نأخذ إلّا الدّرّ الفاخر ، فسبحان الذي بيده العزّ والذلّ والغنى والفقر.

قال : وكان له مولى قد وفى له وصبر عليه إلى أن ضاق ذرعه (٦) بامتداد الحال ، فعزم على أن يسلمه (٧) وهو بوادي القرى في أسوإ حال ، وشعر بذلك موسى ، فخضع للمولى

__________________

(١) البحر الزخار : زخار صيغة مبالغة لاسم الفاعل زاخر. والبحر الزاخر والزخار : الممتلىء الطامي المتلاطم الأمواج.

(٢) في أ: اخترعتها.

(٣) في ب : أشرف أخوه.

(٤) على : سقطت في ب.

(٥) في ب : السلوك.

(٦) ضاق ذرعه : لم يعد يقدر على الصبر.

(٧) يسلمه : يخذله.

٢٢٦

المذكور ، وقال له : يا فلان ، أتسلّمني في هذه الحالة؟ فقال له المولى ، من شدّة ما كان فيه من الضجر : قد أسلمك خالقك ومالكك الذي هو أرحم الراحمين ، فدمعت عيناه ، وجعل يرفعهما إلى السماء خاضعا مهينما (١) بشفتيه ، فما سفرت تلك الليلة إلّا عن قبض روحه ، رحمة الله عليه! فقد كان له من الأثر ما يوجب أن يترحّم عليه ، وإنّ فعل سليمان به وبولده وكونه طرح رأس ابنه عبد العزيز الذي تركه نائبا عنه بالأندلس وقد جيء به من أقصى المغرب بين يديه من وصماته (٢) التي تعدّ عليه طول الدهر ، لا جرم أنّ الله تعالى لم يمتّعه بعده بملكه وشبابه.

وذكر ابن حيّان أن موسى كان عربيّا فصيحا ، وقد سبق من مراجعة يزيد بن المهلّب ما يدلّ على بلاغته ، ويكفي منها ما ذكره ابن حيّان أنه كتب إلى الوليد بن عبد الملك فيما هاله من فتوح الأندلس وغنائمها «إنها ليست الفتوح ، ولكنها الحشر».

وقال الحجاري : إن منازعة جرت بينه وبين عبد الله بن يزيد بن أسيد بمحضر عبد الملك بن مروان ألجأته إلى أن قال شعرا منه : [البسيط]

جاريت غير سؤوم في مطاولة

لو نازع الحقل لم ينزع إلى حصر

وتقدّم ما ذكره غير واحد كابن حيّان أن موسى مولى عبد العزيز بن مروان ، وكذا ذكره الحجاري ، ثم (٣) تجهّز مع أمّ البنين بنت عبد العزيز حين ابتنى بها الوليد بن عبد الملك ، فكانت تنمي مكانته عند الوليد إلى أن بلغ ما بلغ. وأشهر من كان في صحبة موسى بن نصير من مواليه طارق المشهور بالفتوح العظيمة ، وطريف ، وقد جرى ذكرهما في كتابنا هذا بما اقتضاه الاختصار.

وقال ابن سعيد ، بعد ذكره الخلاف في أن (٤) موسى هل هو لخمي صريح أو بالولاء ، أو بربري ، أو مولى لعبد العزيز بن مروان ، ما صورته : وكان في عقبه نباهة في السلطة ، ولّي ابنه عبد العزيز سلطنة الأندلس ، وعبد الملك سلطنة المغرب الأقصى ، وعبد الله سلطنة إفريقية. وذكر الحجاري أن أصله من وادي القرى بالحجاز ، وأنه خدم بني مروان بدمشق ، وتنبّه شأنه ، فصرّفوه في ممالكهم إلى أن ولي إفريقية وما وراءها من المغرب في زمن الوليد بن عبد الملك ، فدوّخ أقاصي المغرب ، ودخل الأندلس من جبل موسى المنسوب إليه المجاور لسبتة ، ودوّخ بلاد الأندلس ، ثم أوفده الوليد إلى الشام ، فوافق مرضه ، ثم موته وخلافة أخيه

__________________

(١) هينم : تكلم بصوت خفي لا يسمع.

(٢) وصمات : جمع وصمة ، وهي العيب والعار.

(٣) في ب : أنه تجهّز.

(٤) أن : ساقطة في ب.

٢٢٧

سليمان فعذّبه واستصفى أمواله (١) ، وآل أمره إلى أن وجّهه إلى قومه بوادي القرى لعلّهم يعطفون عليه ويؤدّون عنه ، فمات بها ، وقد نصّ ابن بشكوال على أنه مات بوادي القرى.

أما معارفه السلطانية فيكفيه ولاية ما خلف مصر إلى البحر المحيط بين بريّ البربر والأندلس.

وأما الأدبية فقد جاءت عنه بلاغة في النثر والنظم تدخله ـ مع نزارتها ـ في أصحاب درّ الكلام. وذكر ابن بشكوال أنه من التابعين الذين رووا الحديث ، وأن روايته عن تميم الداريّ ، وذكره في كتب الأئمة من المصنّفين أنبه وأوعب من أن يخصّص بذكره واحد منهم ، وهو غرّة التواريخ الأندلسية ، وذكره إلى الآن جديد في ألسن الخاصّة والعامّة من أهلها.

ومن مسهب الحجاري : كان قد جمع ـ رحمه الله! ـ من خلال الخير ما أعانه الله سبحانه به على ما بنى له من المجد المشيّد ، والذكر الشهير المخلّد ، الذي لا يبليه الليل والنهار ، ولا يعفّي جديده بلى الأعصار ، إلّا أنه كان يغلب عليه ما لا يكاد رئيس يسلم منه ، وهو الحقد والحسد ، والمنافسة لا تخلو من ذلك ، وأنشد بعض الرؤساء : [الطويل]

وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا

فقلبه الرئيس وقال : «من يترك الحقدا» ، ثم قال : إن السيد إذا ترك إضمار الخير والشّرّ والمجازاة عليهما اجترئ عليه ، ونسب للضعف والغفلة ، وهل رأيت صفقة أخسر من غفلة رئيس أحقده غيره فنسي ذلك أو تناساه ، وعدوّه لا يغفل عنه ، وحاسده لا ينفعه عنده إلّا الراحة منه ، وهو في واد آخر عنه ، ولله درّ القائل (٢) : [الطويل]

ووضع النّدى في موضع السّيف بالعلا

مضرّ ، كوضع السيف في موضع النّدى

ولكن الأصوب أن يكون الرأي ميزانا : لا يزن الوافي لناقص ، ولا يزن الناقص لواف ، ويدبّر أمره على ما يقتضيه الزمان ، ويقدر فيه حسن العاقبة.

ونصّ ابن بشكوال على أن موسى بن نصير مات بوادي القرى سنة سبع وتسعين ، وغزا (٣) الأندلس سنة إحدى وتسعين ، ودخلها سنة ثلاث وتسعين ، وقفل عنها إلى الوليد بن

__________________

(١) استصفى أمواله : صادرها.

(٢) البيت لأبي الطيب المتنبي وقبله :

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته

وإن أنت أكرمت اللئيم تمرّدا

(٣) في ب : وأغزى.

٢٢٨

عبد الملك بالغنائم سنة أربع وتسعين ، وذكر أن ولايته على الأندلس بالمباشرة ـ مذ دخلها إلى حين خروجه منها ـ سنة واحدة ، ومكث فيها مولاه طارق سنة ، انتهى.

وقد تقدّم شيء من ذلك.

وذكر ابن بشكوال أيضا أن ابن حبيب قال عن ربيعة : غلّ الناس كلّهم يوم فتح الأندلس ، إلّا أربعة نفر فقط كانوا من التابعين : حنش الصنعاني ، وأبو عبد الرحمن الحبليّ ، وابن شماسة ، وعياض بن عقبة ، انتهى.

قال ابن سعيد : وممّن دخل الأندلس من غير هؤلاء الأربعة من التابعين علي بن رباح اللخمي ، وموسى بن نصير فاتح الأندلس ، وحبّان بن أبي جبلة القرشي (١) مولاهم ، وعبد الرحمن بن عبد الله الغافقي (٢) صاحب الأندلس المذكور في سلاطينها ، ومحمد بن أوس بن ثابت الأنصاري ، وزيد بن قاصد السكسكي ، والمغيرة بن أبي بردة الكناني ، وعبد الله بن المغيرة الكناني ، وحيوة بن رجاء التّميمي ، وعبد الجبار بن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، ومنصور بن خزامة ، وعلي بن عثمان بن خطاب.

وذكر ابن حبيب أن عدة من دخل الأندلس من التابعين سوى من لا يعرف نحو عشرين رجلا. وفي كتاب ابن بشكوال أنه دخل الأندلس من التابعين ثمانية وعشرون رجلا ، وهم أسّسوا قبلة المسجد الجامع بقرطبة ، وسمّى الحجاري في المسهب هؤلاء المتقدمين.

وذكر ابن سعيد أنه لم يتحقّق المواضع التي تختصّ بهؤلاء التابعين من بلاد الأندلس ، مع جزمه بأنهم دخلوا الأندلس وسكنوا (٣) بها ، وسيأتي ذكر التابعين الداخلين الأندلس بما هو أشمل من هذا ، وقد تقدّم غلول من عدا التابعين من الغنائم.

وقال الليث بن سعد ، بعد ذكره أن طارقا أصاب بالأندلس مغانم كثيرة من الذهب والفضة : إن كانت الطّنفسة لتوجد منسوجة بقضبان الذهب ، وتنظم السلسلة من الذهب باللؤلؤ والياقوت والزّبرجد ، وكان البربر ربما وجدوها فلا يستطيعون حملها حتى يأتوا بالفأس فيضربون (٤) به وسطها فيأخذ أحدهم نصفها والآخر النصف الآخر لنفسه ، ويسير معهم جماعة والناس مشتغلون بغير ذلك.

__________________

(١) حبان بن أبي جبلة المصري ، مولى قريش ، ثقة من الثالثة. مات سنة اثنتين وقيل خمس وعشرين ومائة. (تقريب التهذيب ١ : ١٤٧).

(٢) عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي ، أمير الأندلس ، مقبول من الثالثة ، استشهد سنة ١١٥ ه‍. (التقريب ١:٤٨٨).

(٣) في ب : وكانوا.

(٤) في ب : فيضربوا.

٢٢٩

وعن يحيى بن سعيد : لمّا افتتحت الأندلس أصاب الناس فيها غنائم ، فغلّوا منها غلولا كثيرا حملوه في المراكب وركبوا البحر ، فسمعوا مناديا يقول : الله مغرّق بهم ، وتقلّدوا المصاحف ، فما نشبوا (١) أن أصابتهم ريح عاصف ، وضربت المراكب بعضها بعضا حتى تكسّرت ، وغرق بهم. وأهل مصر ينكرون ذلك ، ويقولون : أهل الأندلس ليس هم الذين غرقوا ، وإنما هم أهل سردانية (٢) ، فالله أعلم بحقيقة الحال.

ورأيت في بعض كتب التاريخ أنه وجد في طليطلة حين فتحت من الذخائر والأموال ما لا يحصى ، فمن ذلك مائة وسبعون تاجا من الذهب الأحمر مرصّعة بالدّرّ وأصناف الحجارة الثمينة ، ووجد فيها ألف سيف ملوكي ، ووجد فيها من الدّرّ والياقوت أكيال ، ومن أواني الذهب والفضة ما لا يحيط به وصف ، ومائدة سليمان ، وكانت ـ فيما يذكر ـ من زمرّدة خضراء ، وزعم بعض العجم أنها لم تكن لسليمان ، وإنّما أصلها أن العجم أيام ملكهم كان أهل الحسنة في دينهم إذا مات أحد منهم أوصى بمال للكنائس ، فإذا اجتمع عندهم مال له قدر صاغوا منه الآلة من الموائد العجيبة ، والكراسيّ من الذهب والفضة ، تحمل الشمامسة والقسوس فوقها الأناجيل في أيام المناسك ، ويضعونها في الأعياد للمباهاة ، فكانت تلك المائدة بطليطلة ممّا صنع في هذا السبيل ، وتأنّق الملوك في تحسينها ، يزيد الآخر منهم فيها على الأول ، حتى برزت على جميع ما اتّخذ من تلك الآلات ، وطار الذكر بها كلّ مطار ، وكانت مصوغة من الذهب الخالص مرصّعة بفاخر الدّرّ والياقوت والزّبرجد ، وقيل : إنها من زبرجدة خضراء حافاتها وأرجلها منها ، وكان لها ثلاثمائة وخمس وستّون رجلا ، وكانت توضع في كنيسة طليطلة ، فأصابها طارق ، انتهى.

وقد ذكرنا فيما مرّ عن ابن حيّان ما فيه نظير هذا ، وذكرنا فيما مضى من أمر المائدة وغيرها ما فيه بعض تخالف ، وما ذلك إلّا لأنّا ننقل كلام المؤرّخين ، وإن خالف بعضهم بعضا ، ومرادنا تكثير الفائدة ، وبالجملة فالمائدة جليلة المقدار ، وإن حصل الخلاف في صفتها وجنسها وعدد أرجلها ، وهي من أجلّ ما غنم بالأندلس ، على كثرة ما حصل فيها من الغنائم المتنوعة الأجناس التي ذكرها إلى الآن شائع بين الناس.

فاعلم (٣) أنه لمّا استقرّ قدم أهل الإسلام بالأندلس وتتامّ فتحها صرف أهل الشام وغيرهم

__________________

(١) ما نشب : ما لبث.

(٢) سردانية : جزيرة في البحر المتوسط مقابل المغرب ، دخلها المسلمون سنة ٩٢ ه‍.

(٣) في ب : واعلم.

٢٣٠

من العرب هممهم إلى الحلول بها ، فنزل بها من جراثيم العرب وساداتهم جماعة أورثوها أعقابهم إلى أن كان من أمرهم ما كان. فأما العدنانيون فمنهم خندف (١) ، ومنهم قريش ، وأما بنو هاشم من قريش فقال ابن غالب في «فرحة الأنفس» : بالأندلس منهم جماعة كلهم من ولد إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسين (٢) بن علي بن أبي طالب ، ومن هؤلاء بنو حمّود (٣) ملوك الأندلس بعد انتثار سلك بني أميّة ، وأما بنو أميّة فمنهم خلفاء الأندلس ، قال ابن سعيد: ويعرفون هنالك إلى الآن بالقرشيين ، وإنما عمّوا (٤) نسبهم إلى أميّة في الآخر لمّا انحرف الناس عنهم ، وذكروا أفعالهم في الحسين رضي الله عنه ، وأما بنو زهرة فمنهم بإشبيلية أعيان متميزون ، وأما المخزوميون فمنهم أبو بكر المخزومي الأعمى الشاعر المشهور من أهل حصن المدوّر ، ومنهم الوزير الفاضل في النظم والنثر وأبو بكر بن زيدون ووالده الذي هو أعظم منه أبو الوليد بن زيدون وزير معتضد بني عباد.

وقال ابن غالب : وفي الأندلس من ينسب إلى جمح ، وإلى بني عبد الدار ، وكثير من قريش المعروفون بالفهريين من بني محارب بن فهر ، وهم من قريش الظواهر ، ومنهم عبد الملك بن قطن سلطان الأندلس ، ومن ولده بنو القاسم الأمراء الفضلاء ، وبنو الجدّ الأعيان العلماء ، ومن بني الحارث بن فهر يوسف بن عبد الرحمن الفهري سلطان الأندلس الذي غلبه عليها عبد الرحمن الأموي الداخل ، وجدّ يوسف عقبة بن نافع الفهري صاحب الفتوح بإفريقية ، قال ابن حزم : ولهم بالأندلس عدد وثروة. وأما المنتسبون إلى عموم كنانة فكثير ، وجلّهم في طليطلة وأعمالها ، ولهم ينسب الوقّشيّون (٥) الكنانيون الأعيان الفضلاء الذين منهم القاضي أبو الوليد والوزير أبو جعفر ، ومنهم أبو الحسين بن جبير العالم صاحب الرحلة ، وقد ذكرناه في محله. وأما هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر ، فذكر ابن غالب أن منزلهم بجهة أريولة من كورة تدمير. وأما تميم بن مرّ بن أدّ بن طابخة بن إلياس بن مضر ، فذكر ابن

__________________

(١) خندف : قبيلة عربية عدنانية نسبة إلى ليلى بنت حلوان بن الحاف بن قضاعة وهي زوجة الياس بن مضر ودعيت خندف لأنها كانت قالت لزوجها وأولادها «ما زلت أخندف أثركم» تريد : ما زلت أسير.

(٢) في ب : الحسن.

(٣) عمّوا نسبهم : أخفوه وستروه.

(٤) في ب : فهم.

(٥) الوقّشيون : نسبة إلى وقّش ، قرية بثغر الأندلس ، ينسب إليها أبو الوليد هشام بن أحمد بن هشام بن خالد الكناني الوقّشي من أهل طليطلة ، ولي قضاء طلبيرة ، وعني بالهندسة والمنطق ، مليح النادرة ذكر أنه اختصم إليه رجلان فقال أحدهما : يا فقيه اشتريت من هذا اثني عشر تيسا حاشاك. فقال له : قل أحد عشر. توفي بدانية سنة ٤٨٩ ه‍. (صفة جزيرة الأندلس ص ١٩٦).

٢٣١

غالب أيضا أنهم خلق كثير بالأندلس ، ومنهم أبو الطاهر صاحب المقامات اللزومية. وأما ضبّة بن أدّ بن طابخة ، فذكر أنهم قليلون بالأندلس ، فهؤلاء خندف من العدنانية.

وأما قيس عيلان بن إلياس بن مضر من العدنانية ، ففي الأندلس كثير منهم ينتسبون إلى العموم ، ومنهم من ينتسب إلى سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس ، كعبد الملك بن حبيب السّلمي الفقيه صاحب الإمام مالك رضي الله عنه ، وكالقاضي أبي حفص بن عمر قاضي قرطبة. ومن قيس من ينتسب إلى هوازن بن منصور بن عكرمة ، قال ابن غالب : وهم بإشبيلية خلق كثير ، ومنهم من ينتسب إلى بكر بن هوازن ، قال ابن غالب : ولهم منزل بجوفيّ بلنسية على ثلاثة أميال منها ، وبإشبيلية وغيرها منهم خلق كثير ، ومنهم بنو حزم ، وهم بيت غير البيت الذي منه أبو محمد بن حزم الحافظ الظاهري ، وهو فارسي الأصل. ومنهم من ينتسب إلى سعد بن بكر بن هوازن ، وذكر ابن غالب أن منهم بغرناطة كثيرا ، كبني جوديّ ، وقد رأس بعض بني جودي. ومنهم من ينتسب إلى سلول امرأة نسب إليها بنوها ، وأبوهم مرّة بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن. ومنهم من ينتسب إلى كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن. ومنهم من ينتسب إلى نمير بن عامر بن صعصعة ، قال ابن غالب : وهم بغرناطة كثير. ومنهم من ينتسب إلى قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ، ومنهم بلج بن بشر صاحب الأندلس وآله ، وبنو رشيق. ومنهم من ينتسب إلى فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان. ومنهم من ينتسب إلى أشجع بن ريث بن غطفان ، ومن هؤلاء محمد بن عبد الله الأشجعي سلطان الأندلس. وفي ثقيف اختلاف ؛ فمنهم من قال : إنها قيسية ، وإن ثقيفا هو قسيّ (١) بن منبّه بن بكر بن هوازن ، ومنهم بالأندلس جماعة ، وإليهم ينتسب الحرّ بن عبد الرحمن الثقفي صاحب الأندلس ، وقيل : إنها من بقايا ثمود ، انتهى قيس بن عيلان وجميع مضر.

وأما ربيعة بن نزار ، فمنهم من ينتسب إلى أسد بن ربيعة بن نزار ، قال في «فرحة الأنفس» : إن إقليم هؤلاء مشهور باسمهم بجوفيّ مدينة وادي آش ، انتهى ، والأشهر بالنسبة إلى أسد أبدا بنو أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر. ومنهم من ينتسب إلى محارب بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة ، قال ابن غالب في «فرحة الأنفس» : ومنهم بنو عطية أعيان غرناطة. ومنهم من ينتسب إلى النّمر بن قاسط بن

__________________

(١) ثقيف : حي من قيس ، وقيل أبو حيّ من هوازن ، واسمه قسيّ ، قال : قد يكون ثقيف اسما للقبيلة ، والأول أكثر ، قال سيبويه النسب إلى ثقيف ثقفي (لسان العرب مادة ثقف).

٢٣٢

هنب بن أقصى بن دعمي بن جديلة بن أسد ، كبني عبد البر الذين منهم الحافظ أبو عمر بن عبد البرّ. ومنهم من ينتسب إلى تغلب بن وائل بن قاسط بن هنب ، كبني حمديس (١) أعيان قرطبة ، ومنهم من ينتسب إلى بكر بن وائل ، كالبكريين أصحاب أونبة وشلطيش الذين منهم أبو عبيد البكري صاحب التصانيف ؛ انتهت ربيعة.

وأما إياد بن نزار ، وقد يقال : إنه ابن معدّ ، والصحيح الأول ، فينتسب إليهم بنو زهر المشهورون بإشبيلية ؛ انتهت العدنانية ، وهم الصريح من ولد إسماعيل عليه السلام.

واختلف في القحطانية : هل هم من ولد إسماعيل أو من ولد هود ، على ما هو معروف ، وظاهر صنيع البخاري الأول ، والأكثر على خلافه ، والقحطانية هم المعروفون باليمانية ، وكثيرا ما يقع بينهم وبين المضرية وسائر العدنانية الحروب بالأندلس ، كما كان يقع بالمشرق ، وهم بالأكثر بالأندلس ، والملك فيهم أرسخ ، إلّا ما كان من خلفاء بني أميّة ، فإن القرشية قدّمتهم على الفرقتين ، واسم الخلافة لهم بالمشرق ، وكان عرب الأندلس يتميّزون بالعمائر والقبائل (٢) والبطون والأفخاذ ، إلى أن قطع ذلك المنصور بن أبي عامر الداهية الذي ملك سلطنة الأندلس ، وقصد بذلك تشتيتهم وقطع التحامهم وتعصّبهم في الاعتزاء ، وقدّم القوّاد على الأجناد ، فيكون في جند القائد الواحد فرق من كل قبيل ، فانحسمت مادة الفتن والاعتزاء بالأندلس ، إلّا ما جاءت على غير هذه الجهة.

قال ابن حزم : جماع أنساب اليمن من جذمين : كهلان وحمير ابني سبأ (٣) بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن عابر بن شالخ (٤) بن أرفخشذ بن سام بن نوح ، وقيل : قحطان بن الهميسع بن تيهان بن نابت (٥) بن إسماعيل ، وقيل : قحطان بن هود بن عبد الله بن رباح بن حارف بن عاد بن عوص بن إرم بن سام ، والخلف في ذلك مشهور. فمنهم كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ، ومنهم الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان ، وإليهم ينتسب محمد بن هانىء الشاعر المشهور الإلبيري ، وهو من بني المهلّب ، ومن الأزد من ينتسب إلى غسّان ، وهم بنو مازن بن الأزد ، وغسان : ماء شربوا منه ،

__________________

(١) في ب : حمدين.

(٢) في ب : بالقبائل والعمائر.

(٣) في ب : من جذمين : كهلان وحمير ابني سبأ.

(٤) في ب : شالح.

(٥) في ب : نبت.

٢٣٣

وذكر ابن غالب أن منهم بني القليعي (١) من أعيان غرناطة ، وكثير منهم بصالحة ، قرية على طريق مالقة ، ومن الأزد من ينتسب إلى الأنصار على العموم ، وهم الجمّ الغفير بالأندلس.

قال ابن سعيد : والعجب أنك تعدم هذا النسب بالمدينة وتجد منه بالأندلس في أكثر بلدانها ما يشذّ عن العدد كثرة ، ولقد أخبرني من سأل عن هذا النسب بالمدينة فلم يجد إلّا شيخا من الخزرج وعجوزا من الأوس.

قال ابن غالب : وكان جزء الأنصار بناحية طليطلة ، وهم أكثر القبائل بالأندلس في شرقها ومغربها ، انتهى.

ومن الخزرج بالأندلس أبو بكر عبادة بن عبد الله بن ماء السماء من ولد سعد بن عبادة صاحب رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم ، وهو المشهور بالموشّحات ، وإلى قيس بن سعد بن عبادة ينتسب بنو الأحمر سلاطين غرناطة الذين كان لسان الدين بن الخطيب أحد وزرائهم ، وعليهم انقرض ملك الأندلس من المسلمين ، واستولى العدوّ على الجزيرة جميعا كما يذكر.

ومن أهل الأندلس من ينتسب إلى الأوس أخي الخزرج ، ومنهم من ينتسب إلى غافق بن عكّ بن عدثان بن أزان (٢) بن الأزد ، وقد يقال عكّ بن عدنان ـ بالنون ـ فيكون أخا معدّ بن عدنان ، وليس بصحيح ؛ قال ابن غالب : من غافق أبو عبد الله بن أبي الخصال الكاتب ، وأكثر جهات شقورة ينتسبون إلى غافق. ومن كهلان من ينتسب إلى همدان ، وهو أوسلة بن مالك بن زيد بن أوسلة بن الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان ، ومنزل همدان مشهور على ستّة أميال من غرناطة ، ومنهم أصحاب غرناطة بنو أضحى. ومن كهلان من ينتسب إلى مذحج ، ومذحج : اسم أكمة حمراء باليمن ، وقيل : اسم أمّ مالك وطيئ بن (٣) أدد بن زيد بن كهلان ، قال ابن غالب : بنو سراج الأعيان من أهل قرطبة ينتسبون إلى مذحج. ومنزل طيىء بقبلي مرسية. ومنهم من ينتسب إلى مراد بن مالك بن أدد ، وحصن مراد بين إشبيلية وقرطبة مشهور ، قال ابن غالب : وأعرف بمراد منهم خلقا كثيرا. ومنهم من ينتسب إلى عنس بن مالك بن أدد ، ومنهم بنو سعيد مصنفو كتاب «المغرب» وقلعة بني سعيد مشهورة في مملكة غرناطة. ومن مذحج من ينتسب إلى زبيد ، قال ابن غالب : وهو منبّه بن سعد العشيرة بن

__________________

(١) القليعي : نسبة إلى القليعة ، وهي قرية من قرى المغرب حصينة واقعة في سفح جبل وبها آبار ونخيل.

(٢) في ب : هزّان.

(٣) في ب : ابني.

٢٣٤

مالك بن أدد. ومن كهلان من ينتسب إلى مرّة بن أدد بن زيد بن كهلان ، قال ابن غالب : منهم بنو المنتصر العلماء من أهل غرناطة. ومنهم من ينتسب إلى عاملة ، وهي امرأة من قضاعة ولدت للحارث بن عدي بن الحارث بن مرّة بن أدد ، فنسب ولدها منه إليها ، قال ابن غالب: منهم بنو سماك القضاة من أهل غرناطة ، وقوم زعموا أن عاملة هو ابن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ، وقيل : هم من قضاعة. ومن كهلان خولان بن عمرو بن الحارث بن مرة ، وقلعة خولان مشهورة بين الجزيرة الخضراء وإشبيلية ، ومنهم بنو عبد السلام أعيان غرناطة. ومنهم من ينتسب إلى المعافر بن يعفر بن مالك بن الحارث بن مرّة ، ومنهم المنصور بن أبي عامر صاحب الأندلس. ومنهم من ينتسب إلى لخم بن عدي بن الحارث بن مرّة ، و (١) منهم بنو عبّاد أصحاب إشبيلية وغيرها ، وهم من ولد النعمان بن المنذر صاحب الحيرة ، ومنهم بنو الباجي أعيان إشبيلية ، وبنو وافد الأعيان. ومنهم من ينتسب إلى جذام مثل ثوابة بن سلامة صاحب الأندلس ، وبني هود ملوك شرقيّ الأندلس ، ومنهم المتوكّل بن هود الذي صحّت له سلطنة الأندلس بعد الموحّدين ، ومنهم بنو مردنيش أصحاب شرقي الأندلس ، قال ابن غالب : وكان لجذام جزء من قلعة رباح (٢) ، واسم جذام عامر ، واسم لخم مالك ، وهما ابنا عديّ. ومن كهلان من ينتسب إلى كندة ، وهو ثور بن عفير بن عدي بن الحارث بن مرّة بن أدد ، ومنهم يوسف بن هارون الرمادي الشاعر. ومنهم من ينتسب إلى تجيب وهي امرأة أشرس بن السّكون بن أشرس بن كندة. ومن كهلان من ينتسب إلى خثعم بن أنمار بن أراش بن عمرو بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان ، ومنهم عثمان بن أبي نسعة سلطان الأندلس ، وقد قيل : أنمار بن نزار بن معدّ بن عدنان ، انتهت كهلان.

وأمّا حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ، فمنهم من ينتسب إلى ذي رعين ، قال ابن غالب : وذو رعين هم ولد عمرو بن حمير في بعض الأقوال ، وقيل : هو من ولد سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن قطن بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير ، قال : ومنهم أبو عبد الله الحنّاط الأعمى الشاعر ، قال الحازمي في «كتاب النسب» : واسم ذي رعين عريم (٣) بن زيد بن سهل ، ووصل

__________________

(١) الواو : ساقطة في ب.

(٢) قلعة رباح : من عمل جيان ، بين قرطبة وطليطلة ، وهي مدينة حسنة ، ولها حصون حصينة على نهر ، وهي مدينة محدثة في أيام بني أمية ، وإنما عمرت قلعة رباح بخراب أوريط ، وبقرب قلعة رباح حامض إذا مخض في سقاء حلا (صفة جزيرة الأندلس ١٦٣).

(٣) في ب : يريم.

٢٣٥

النسب ، ومنهم من ينتسب إلى ذي أصبح ، قال ابن حزم : هو ذو أصبح بن مالك بن زيد من ولد سبأ الأصغر بن زيد بن سهل بن عمرو بن قيس ، ووصل النّسب. وذكر الحازمي أنّ ذا أصبح من كهلان ، وأخبر أنّ منهم مالك بن أنس الإمام ، والمشهور أنهم من حمير ، والأصبحيون من أعيان قرطبة ، ومنهم من ينتسب إلى يحصب. قال ابن حزم : إنه أخو ذي أصبح ، وهم كثير بقلعة بني سعيد ، وقد تعرف من أجلهم في التواريخ الأندلسية بقلعة يحصب ، ومنهم من ينتسب إلى هوازن (١) بن عوف بن عبد شمس بن وائل بن الغوث ، قال ابن غالب : ومنزلهم بشرقيّ إشبيلية ، والهوازنيون (٢) من أعيان إشبيلية. ومنهم من ينتسب إلى قضاعة بن مالك بن حمير ، وقد قيل : إنه قضاعة بن معدّ بن عدنان ، وليس بمرضيّ ، ومن قضاعة من ينتسب إلى مهرة كالوزير أبي بكر بن عمّار الذي وثب على ملك مرسية ، وهو مهرة بن حيدان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة ، ومنهم من ينتسب إلى خشين بن نمر بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة ، ومنهم من ينتسب إلى تنوخ ، قال ابن غالب : وهو ابن مالك بن فهم بن نمر بن وبرة بن تغلب ، قال الحازمي : تنوخ هو مالك بن فهر (٣) بن فهم بن تيم الله بن أسد بن وبرة. ومنهم من ينتسب إلى بليّ بن عمرو بن الحاف بن قضاعة ، ومنهم البلويّون بإشبيلية. ومنهم من ينتسب إلى جهينة بن أسود بن أسلم بن عمرو بن الحاف بن قضاعة ، قال ابن غالب : وبقرطبة منهم جماعة. ومنهم من ينتسب إلى كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان كبني أبي عبدة الذين منهم بنو جهور ملوك قرطبة ووزراؤها. ومنهم من ينتسب إلى عذرة بن سعد هذيم بن زيد بن أسود بن عمرو بن الحاف بن قضاعة ، ومنهم أعيان الجزيرة الخضراء بنو عذرة.

ومن أهل الأندلس من ينتسب إلى حضرموت ، منهم الحضرميون بمرسية وغرناطة وإشبيلية وبطليوس وقرطبة ؛ قال ابن غالب : وهم كثير بالأندلس ، وفيه خلاف ، قيل : إن حضرموت هو ابن قحطان ، وقيل : هو حضرموت بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن جيدان ـ بالجيم ـ بن قطن بن العريب بن الغرز بن نبت بن أيمن بن الهميسع بن حمير ، كذا نسق النّسب الحازميّ.

ومن أهل الأندلس من ينتسب إلى سلامان ، ومنهم الوزير لسان الدين بن الخطيب حسبما ذكر في محلّه.

__________________

(١) في ب : هوزن.

(٢) في ب : والهوزنيون.

(٣) تنوخ ، قال ابن غالب : وهو ابن مالك بن فهم بن ساقطة في ب.

٢٣٦

وقد رأيت أن أسرد هنا أسماء ملوك الأندلس من لدن الفتح إلى آخر ملوك بني أميّة ، وإن تقدّم ويأتي ذكر جملة منهم بما هو أتمّ ممّا هنا : فنقول : طارق بن زياد مولى موسى بن نصير ، ثم الأمير موسى بن نصير ، وكلاهما لم يتخذ سريرا للسلطنة. ثم عبد العزيز بن موسى بن نصير ، وسريره إشبيلية. ثم أيوب بن حبيب اللخمي ، وسريره قرطبة ، وكلّ من يأتي بعده فسريره قرطبة والزهراء والزاهرة بجانبيها إلى أن انقضت دولة بني مروان على ما ينبّه عليه. ثم الحرّ بن عبد الرحمن الثقفي. ثم السّمح بن مالك الخولاني. ثم عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي. ثم عنبسة بن سحيم الكلبي. ثم عذرة بن عبد الله الفهري. ثم يحيى بن سلمة الكلبي. ثم عثمان بن أبي نسعة الخثعمي. ثم حذيفة بن الأحوص القيسي. ثم الهيثم بن عبيد (١) الكلابي. ثم محمد بن عبد الله الأشجعي. ثم عبد الملك بن قطن الفهري. ثم بلج بن بشر بن عياض القشيري (٢). ثم ثعلبة بن سلامة العاملي. ثم أبو الخطار حسام بن ضرار الكلبي. ثم ثوابة بن سلامة الجذامي. ثم يوسف بن عبد الرحمن الفهري. وههنا انتهى الولاة الذين ملكوا الأندلس من غير موارثة ، أفرادا ، عددهم عشرون فيما ذكر ابن سعيد ، ولم يتعدّوا في السّمة لفظ الأمير.

قال ابن حيّان : مدّتهم منذ تاريخ الفتح من لذريق سلطان الأندلس النصراني ـ وهو يوم الأحد لخمس خلون من شوال سنة اثنتين وتسعين ـ إلى يوم الهزيمة على يوسف بن عبد الرحمن الفهري ، وتغلّب عبد الرحمن بن معاوية المرواني على سرير الملك قرطبة ـ وهو يوم الأضحى لعشر خلون من ذي الحجة سنة ثمان وثلاثين ومائة ـ ست وأربعون سنة وخمسة أيام ، انتهى.

ثم كانت دولة بني أمية ، أولهم عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك. ثم ابنه هشام الرضي. ثم ابنه الحكم بن هشام. ثم ابنه عبد الرحمن الأوسط. ثم ابنه محمد بن عبد الرحمن. ثم ابنه المنذر بن محمد. ثم أخوه عبد الله بن محمد. ثم ابن ابنه عبد الرحمن الناصر بن محمد بن عبد الله. ثم ابنه الحكم المستنصر ، وكرسيهما الزهراء. ثم هشام بن الحكم ، وفي أيامه بنى حاجبه المنصور بن أبي عامر الزاهرة. ثم المهدي محمد بن هشام بن عبد الجبار بن الناصر ، وهو أول خلفاء الفتنة ، وهدمت في أيامه الزهراء والزاهرة ، وعاد

__________________

(١) في ب : عديّ.

(٢) بلج بن بشر بن عياض القشيري المتوفى سنة ١٢٤ ه‍ ، قائد شجاع ، دمشقي ، من ذوي الحزم ، سيّره هشام بن عبد الملك على مقدمة جيش كثيف مع عمه كلثوم بن عياض إلى إفريقية لما ثار أهلها بأميرهم ابن الحبحاب. (الأعلام ٢ : ٥٠).

٢٣٧

السرير إلى قرطبة. ثم المستعين سليمان بن الحكم بن سليمان بن الناصر.

ثم تخلّلت دولة بني حمّود العلويين ، وأولهم الناصر علي بن حمّود العلوي (١) الإدريسي. ثم أخوه المأمون القاسم بن حمّود (٢).

ثم كانت دولة بني أمية الثانية ، وأولها المستظهر عبد الرحمن بن هشام بن عبد الجبار بن الناصر. ثم المستكفي محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله (٣). ثم المعتمد (٤) هشام بن محمد بن عبد الملك بن الناصر ، وهو آخر خلفاء الجماعة بالأندلس ، وحين خلع أسقط ملوك الأندلس الدعوة للخلافة المروانية.

واستبدّت ملوك الطوائف كابن جهور في قرطبة ، وابن عباد بإشبيلية ، وغيرهما ، ولم يعد نظام الأندلس إلى شخص واحد ، إلى أن ملكها يوسف بن تاشفين الملثّم من برّ العدوة ، وفتك في ملوك الطوائف ، وبعد ذلك ما خلصت له ولا لولده علي بن يوسف ؛ لأن بني هود نازعوه في شرقها بالثغر ، إلى أن جاءت دولة عبد المؤمن وبنيه ، فما صفت لعبد المؤمن بمحمد بن مردنيش الذي كان ينازعه في شرق الأندلس ، ثم صفت ليوسف بن عبد المؤمن بموت ابن مردنيش ، ثم لمن بعده من بنيه ، وحضرتهم مرّاكش ، وكانت ولايتهم تتردّد على الأندلس وممالكها ، ولم يولّوا على جميعها شخصا واحدا لعظم ممالكها ، إلى أن انقرضت منها دولتهم بالمتوكل محمد بن هود من بني هود ملوك سرقسطة وجهاتها ، فملك معظم الأندلس بحيث يطلق عليه اسم السلطان ، ولم ينازعه فيها إلّا زيّاد (٥) بن مردنيش في بلنسية من شرق الأندلس ، وابن هلالة في طبيرة (٦) من غرب الأندلس ، ثم كثرت عليه الخوارج قريب موته ، ولمّا قتله وزيره ابن الرّميمي بالمريّة زاد الأمر إلى أن ملك بنو الأحمر. وكانت غرب أهل الأندلس في المائة السابعة يخطبون لصاحب إفريقية السلطان أبي زكرياء يحيى بن أبي محمد

__________________

(١) في ب : الحسني الإدريسي.

(٢) في ب : ثم المعتلي يحيى بن الناصر علي بن حمود.

(٣) في ب : المعتدّ.

(٤) في ب : محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله بن الناصر.

(٥) في ب : زيّان.

(٦) قال في الروض : لا أدري أهي طلبيرة بزيادة لام أو غيرها فإن كانت هي فهي مذكورة بعد (صفة جزيرة الأندلس صفحة ١٢٣).

أما ياقوت فقال : طبيرة ـ بالفتح ثم الكسر ثم ياء مثناة من تحت وراء ـ بلدة بالأندلس نسب إليها قوم من الأئمة منهم : صديقنا أبو محمد عبد العزيز بن الحسين بن هلالة الأندلسي الطبيري (معجم البلدان ٤ : ٢١).

٢٣٨

عبد الواحد بن أبي حفص ، ثم تقلّصت تلك الظلال ، ودخل الجزيرة الانحلال ، إلى أن استولى عليها حزب الضلال ، والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.

وقد ذكرت في هذا الكتاب جملة من أخبار ملوك الأندلس ممّا يصلح للمذاكرة ، وربما سرّحت طرف القلم في بعضهم.

وبنو جهور المشار إليهم قريبا كانوا وزراء الأمويين ، ثم إنه لمّا انتثر سلك الخلافة استبدّ بقرطبة الوزير أبو الحزم بن جهور من غير أن يتعدّى اسم الوزارة.

قال في «المطمح» : الوزير الأجلّ جهور بن محمد بن جهور (١) ، أهل بيت وزارة ، اشتهروا كاشتهار ابن هبيرة (٢) في فزارة ، وأبو الحزم أمجدهم في المكرمات ، وأنجدهم في الملمّات ، ركب متون الفنون (٣) فراضها ، ووقع في بحور المحن فخاضها ، منبسط غير منكمش ، لا طائش اللسان ولا رعش ، وقد كان وزر في الدولة العامرية فشرفت بجلاله ، واعترفت باستقلاله ، فلمّا انقرضت وعافت (٤) الفتن واعترضت ، تحيّز عن التدبير مدّتها ، وخلّى لخلافه أعباء الخلافة وشدّتها ، وجعل يقبل مع أولئك الوزراء ويدبر ، ويدير (٥) الأمر معهم ويدبّر ، غير مظهر للانفراد ، ولا متصرّف في ميدان ذلك الطّراد ، إلى أن بلغت الفتنة مداها ، وسوّغت ما شاءت رداها ، ذهب من كان يخد في الرياسة ويخبّ ، ويسعى في الفتنة ويدبّ ، ولمّا ارتفع الوبال ، وأدبر ذلك الإقبال ، راسل أهل التقوى مستمدّا بهم ، ومعتمدا على بعضهم تخيّلا منه وتمويها ، وتداهيا ، على أهل الخلافة وذويها ، وعرض عليهم تقديم المعتمد (٦) هشام ، وأومض منه لأهل قرطبة برق خلّب يشام ، بعد سرعة التياثها ، وتعجيل انتكاثها ، فأنابوا إلى الإجابة ، وأجابوا إلى استرعائه الوزارة والحجابة ، وتوجّهوا مع ذلك الإمام ، وألمّوا بقرطبة أحسن إلمام ، فدخلوها بعد فتن كثيرة ، واضطرابات مستثيرة ، والبلد مقفر ، والجلد مسفر ، فلم يبق غير يسير حتى جبذ واضطرب أمره فخلع ، واختطف من الملك وانتزع ، وانقرضت (٧) الدولة الأموية ، وارتفعت الدولة العلوية ، واستولى على قرطبة عند ذلك أبو الحزم ، ودبّر

__________________

(١) في ب : [وبنو جهور].

(٢) ابن هبيرة : هو يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري والي العراقين زمن بني أمية.

(٣) في ب : الفتون.

(٤) في ب : وعاقت.

(٥) في ب : وينهل.

(٦) في ب : المعتدّ.

(٧) في ب : وانقضت.

٢٣٩

أمرها (١) بالجدّ والعزم ، وضبطها ضبطا أمّن خائفها ، ورفع طارق تلك الفتنة وطائفها ، وخلا له الجو فطار ، وقضى اللّبانات والأوطار ، فعادت له قرطبة إلى أكمل حالتها ، وانجلى به نور جلالتها ، ولم تزل به مشرقة ، وغصون الآمال فيها مورقة ، إلى أن توفي سنة ٤٣٥ فانتقل الأمر إلى ابنه أبي الوليد ، واشتمل منه على طارف وتليد. وكان لأبي الحزم أدب ووقار وحلم سارت به الأمثال ، وعدم فيها المثال ، وقد أثبتّ من شعره ما هو لائق ، وفي سماء الحسن رائق ، وذلك قوله في تفضيل الورد (٢) : [الكامل]

الورد أحسن ما رأت عيني وأز

كى ما سقى ماء السّحاب الجائد (٣)

خضعت نواوير الرّياض لحسنه

فتذلّلت تنقاد وهي شوارد (٤)

وإذا تبدّى الورد في أغصانه

يزهو ، فذا ميت وهذا حاسد

وإذا أتى وفد الرّبيع مبشّرا

بطلوع وفدته فنعم الوافد

ليس المبشّر كالمبشّر باسمه

خبر عليه من النّبوّة شاهد

وإذا تعرّى الورد من أوراقه

بقيت عوارفه فهنّ خوالد

انتهى المقصود منه.

وكأنه عارض بهذه الأبيات في تفضيل الورد قول ابن الرومي في تفضيل النرجس عليه من قصيدة : [الكامل]

للنرجس الفضل المبين وإن أبى

آب وحاد عن الحقيقة حائد

وهي مشهورة.

وردّ على ابن الرومي بعضهم بقوله : [الكامل]

يا من يشبّه نرجسا بنواظر

دعج تنبّه إنّ فهمك فاسد

إلخ ، وهي أيضا مشهورة.

رجع إلى ما كنّا فيه : وكانت لأهل الأندلس بين زمان الفتح وما بعده وقائع في الكفّار

__________________

(١) في ب : ودبّرها.

(٢) في نسبة هذه الأبيات إلى ابن حزم نظر وقد أوردها ابن الأبار لأبي النصر الفتح بن عبيد الله الإشبيلي (راجع الحلة السيراء لابن الأبار ص ٣٠٣).

(٣) الجائد : اسم فاعل من جاد المطر إذا غزر وهمى.

(٤) نواوير : جمع نوارة ، وهي الزهرة البيضاء ، أو الزهرة مطلقا.

٢٤٠