تراثنا ـ العددان [ 30 و 31 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 30 و 31 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٩

١

الفهرس

*كلمة التحرير :

*على أعتاب الذكرى الالفية لوفاة الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه.

................................................................. هيئة التحرير ٧

*الشيخ المفيد وعطاؤه الفكريّ الخالد.

.................................................... السيّد عبدالعزيز الطباطبائي ١٠

*الكلام عند الإماميّة : نشأته ، تطوّره ، وموقع الشيخ المفيد منه.

.................................................. الشيخ محمّدرضا الجعفري ١٤٤

*بنات النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، أم ربائبه؟!

................................................. السيّد جعفر مرتضى العاملي ٣٠٠

٢

*حكم المناظرة من كتاب الله وحديث العترة الطاهرة

.................................................. السيّد محمدجواد الشبيري ٣٤٧

*من الأحاديث الموضوعة (١٠) :

*تزويج اُمّ كلثوم بنت عليّ عليه السلام من عمر بن الخطّاب.

................................................. السيّد علي الحسيني الميلاني ٣٧٨

* نظرية القضاء عند الشيخ المفيد

........................................................ محمّدجواد الطريحي ٤٣٤

*من ذخائر التراث :

*النكت في مقدّمات الاصول ـ للشيخ المفيد.

...................................... تحقيق : السيّد محمّدرضا الحسيني الجلالي ٤٤٥

__________________

*صورة الغلاف : نموذج من مخطوطة «التواريخ الشرعية» للشيخ المفيد ، كتبت في ربيع الآخر سنة ٣٩١ هـ ، اُنظر التعريف بالكتاب وبقية المؤلّفات في مقال «الشيخ المفيد وعطاؤه الفكريّ الخالد» المنشور في هذا العدد ، ص ١٠ ـ ١٤٣.

٣
٤

٥
٦

كلمة التحرير :

على أَعتاب الذكرى الألفيّة

لوفاة الشيخ المفيد

رضوان الله تعالى عليه

بسـم الله الرحمن الرحـيم

لعله من البديهي القول بأن الفكر العقائدي الإِمامي ـ والذي يمثل بحق لا تشوبه أدنى شائبة الصورة الصادقة للفكر الاسلامي المحمدي الاصيل ـ مدان بصدق ـ يرتجي الوفاء ـ لجملة خَيِّرة من رجالات هذهِ الطائفة وعظماء مفكريها ، من الذين أوقفوا حياتهم ، وأجهدوا أنفسهم في تعهد شجرة الاسلام المباركة ـ التي أودع بذرتها الاولى رسول الله محمّد صلّى الله عليه وآله في أرض الجزيرة القاحلة ـ بالرعاية والاهتمام ، والسقي والتشذيب ، طوال سني عمرهم الشريف ، وجعلوا من صدورهم المائجة بعلوم العترة المحمدية متاريس تكسرت عليها نصال اولئك الذين ما كانوا ليرعوون أمام كلمة الحق ، ونور الهداية.

وهكذا فان المستقرىء المتبصر للسجل الحضاري ـ الحافل بزخم الاحداث والتطورات ـ لهذهِ الطائفة الحق يستجلي بوضوح أسماء اولئك الرجالِ الأفذاذ وآثارهم الخالدة ، وبصماتهم الطاهرة في شتى العلوم المختلفة ، والتي أذعن لها ، وأقر بفضلها القاصي والداني ، والمؤالف

٧

والمخالف ، وجعلت من أسمائهم نجوماً زاهرة لا يعسر حتى على كليل البصرادراكها والاسترشاد بهدى نورها.

بلى إنَّ لكل عَلَم من اولئك فضل لا يُنكر ، ومكانة لا تُدانى ، وشرف لا يُسابق ، لا يوفيهم ديونهم الاّ مَنْ أفنوا نفوسهم في طاعته ، ودفاعاً عن دينه ، ولعل شيخنا المفيد رحمه الله تعالى واسكنه في فسيح جنانه يقف بلا منازع في مقدمة تلك القمم السامقة والوجودات الرفيعة ، من الذين ارتضعوا من ثدي الولاء المحمدي لبناً صافياً لا يشوبه شيء ، حيث ينبعث من ذلك البيت الطاهر الذي اذهب الله عنه الرجس وطهَّره تطهيره ، ففاق الجميع ، وتباركوا به.

ولا غرو في ذلك ، فان التأمل في حياة هذا الرجل وتدارس آثاره ـ التي قد تربوعلى المائتين مصنف ـ وفي شتى العلوم ، تفصح عن قليل من كثير في فضله ومنزلته الكبيرة.

كما ان استقراء الحقبة الزمنية التي عاشها الشيخ المفيد رحمه الله وما تبوأه ـ حينذاك ـ من مركز حساس هو قبلة للناظرين ـ حيث انتهت اليه رئاسة متكلمي الشيعة الامامية ـ تكشف بوضوح عن علوِّ منزلته العلمية ، وقدرته الكلامية الفائقة التي وضَّفها في الدفاع عن حوزة هذهِ الطائفة أمام سيل المنازلات الكلامية التي شهدتها بغداد المزدحمة آنذاك بالكثير من النظّاروالمتكلمين ، والذين تعقد لهم في احيان كثيرة مجالس مهيبة يشرف عليها اقطاب الدولة ورجالاتها ، ولا غلو ان صرّحنا بتصاغر الجميع ـ وتلك حقيقة لا يعسر على متشكك ادراكها ـ أمام الشيخ المفيد واقرارهم بمذهبه ، مؤمنين كانوا أو صاغرين.

بلى ، لقد كان الشيخ المفيد رحمه الله في علمه بحر لا ينزف ، وقمة لا تدانى ، امضى حياته الشريفة الطاهرة في العلم والعمل ، والجد والاجتهاد ، والزهد والتعبُّد ، فكان مصداقاً حقيقاً لورثة علوم العترة الطاهرة عليها السلام ، ورمزاً كريماً للدعاة إلى دين الله الحنيف ، فكان لا بد لهذهِ الامة المدينة له

٨

بالفضل الجسيم مِن ان ترد ولو جزءاً بسيطاً من هذا الفضل من خلال احياء آثاره ، ودراسة حياته ، وتعريف باقي الامم به ، والمؤتمر الذي ينعقد هذهِ الايام في الذكرى الالفية لوفاته على ارض ايران الاسلامية يعد بحق خطوة رائدة ، وجهداً رصيناً يستحق الاجلال والاكرام.

ومؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث لم تتردد في وضع كل امكانياتها وامكانيات محققيها في خدمة انجاح هذا المؤتمر ، وهي تفرد لهذهِ الذكرى الالفية عدداً خاصاً من نشرتها الفصلية «تراثنا».

وفق الله الجميع لاحياء علوم آل محمد صلى الله عليه وعليهم ، والتذكير بحملة علومهم ، والدعاة الى التمسك بولائهم ، انه الموفق لكل خير.

هيئة التحرير

٩

الشيخ المفيد

وعطاؤه الفكري الخالد

السيّد عبد العزيز الطباطبائي

سطور عن حياة

الشيخ المفيد

هو الشيخ المفيد ، معلِّم الاُْمّة ، أبو عبدالله محمد بن محمد بن النعمان الحارثي العكبري البغدادي (٣٣٦ ـ ٤١٣ هـ).

ترجم له تلميذاه النجاشي والشيخ الطوسي في فهرسيهما ، وأطراه معاصراه ابن النديم وأبو حيّان التوحيدي.

أمّا النجاشي فقال في ص ٣٩٩ رقم ١٠٦٧ :

محمد بن محمد بن النعمان بن عبد السلام بن جابر بن النعمان بن سعيدبن خُبير بن وهيب بن هلال بن أوس بن سعيد بن سنان بن (عبدالدارابن الريّان بن قطر) (١) بن زياد بن الحارث بن مالك بن ربيعة بن كعب بن الحارث ابن كعب [بن عمرو] بن علة بن خالد بن مالك بن أدد ابن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ...

__________________

(١) كذا ، والصحيح : عبدالمدان بن الديان بن قطن.

١٠

شيخنا وأُستاذنا ، رضي الله عنه ، فضله أشهر من أن يوصف ، في الفقه ، والكلام ، والرواية ، والثقة ، والعلم.

وأمّا الشيخ الطوسي فقد قال في الفهرست (٢) : من جلّة متكلّمي الإِمامية ، انتهت رئاسة الإِمامية في وقته إليه ، وكان مقدَّماً في العلم وصناعة الكلام ، وكان فقهياً ، متقدّماً فيه ، حسن الخاطر ، دقيق الفطنة ، حاضر الجواب ...

وأمّا النديم فقد ترجم له في الفهرست (٣) مرّتين ، فقال في ص ٢٢٦ : في عصرنا انتهت رئاسة متكلّمي الشيعة إليه ، مقدّم في صناعة الكلام على مذاهب أصحابه ، دقيق الفطنة ، ماضي الخاطر ، شاهدته ، فرأيته بارعاً ، وله من الكتب.

وترجم له في ص ٢٤٧ وقال : في زماننا إليه انتهت رئاسة أصحابه من الشيعة الإِمامية في الفقه والكلام والآثار ، ومولده سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة ، وله من الكتب.

وأمّا أبو حيان التوحيدي فقد أطراه في الإِمتاع والمؤانسة (٤) حيث قال عنه : «كان حسن اللسان والجدل ، صبوراً على الخصم ، كثير الحلم ، ظنين السر ، جميل العلانية ...».

وقد ترجم له الكثير مع الإِطراء الكثير ، وأحسنهم إطلاقاً ابن أبي طي الحلبي (٥) ، فقد ترجم له ترجمة حسنة ومطولة ، قد وزعت في المصادر الناقلة عنه ، فلم ينقلها احد كاملة ولم يصلنا كتابه. ونحن نجمع من أشلائها ما تيسر ،

__________________

(٢) ص ١٨٦ من طبعة النجف الثانية، وبرقم ٧١٠.

(٣) وقد الف الفهرست سنة ٣٧٧ ونحن اعتمدنا طبعة ايران تحقيق رضا تجدد.

(٤) ج ١ ص ١٤١.

(٥) يحيى بن حميدة الطائي الحلبي المشتهر بابن أبي طي ٥٧٥ ـ ٦٣٠ له مصنفات كثيرة منها كتابه هذا تاريخ الشيعة راجع ترجمته في فوات الوفيات لابن شاكر ٤/٢٦٩ وأعلام القرن السابع من طبقات أعلام الشيعة ص ٢٠٥.

١١

فمنها ما حكاه عنه الذهبي في تاريخ الإِسلام (٦) قال : وقد ذكره ابن أبي طي في تاريخ الشيعة فقال :

هو شيخ مشايخ الطائفة ، ولسان الإِمامية ، ورئيس الكلام والفقه والجدل (٧) ، كان أوحد في جميع فنون العلوم ، الاُصولين ، والفقه ، والاَْخبار ، ومعرفة الرجال ، والقرآن ، والتفسير ، والنحو والشعر [ساد] في ذلك كله.

وكان يناظر اهل كل عقيدة مع الجلالة والعظمة في الدولة البويهية ، والرتبة الجسمية عند خلفاء العباسية.

وكان قوي النفس ، كثير المعروف والصدقة ، عظيم الخشوع ، كثير الصلاةوالصوم ، يلبس الخشن من الثياب وكان بارعاً في العلم وتعليمه ، مديماًللمطالعة والفكر ، وكان من احفظ الناس.

حدثني شيخي ابن شهرآشوب المازندراني ، حدثني جماعة ممن لقيت أن الشيخ المفيد ما ترك كتاباً للمخالفين الا وحفظه وباحث فيه ، وبهذا قدرعلى حل شبه القوم ، وكان يقول لتلامذته : لا تضجروا من العلم فانه ما تعسرالا وهان ، ولا تأبّى الا ولان ، [ما] قصد الشيخ من الحشوية والجبرية والمعتزلة فاذل له [كذا] حتى أخذ منه المسألة أو سمع منه.

وقال آخر : كان المفيد من أحرص الناس على التعليم ، وإن كان ليدور على المكاتب ، وحوانيت الحاكة فيلمح الصبي الفطن ، فيذهب إلى أبيه أو

__________________

(٦) في ترجمة الشيخ المفيد، في وفيات سنة ٤١٣ في الطبعة الثانية والاربعين ص ٣٣٢ من المطبوع والمجلد الثالث عشر من نسخة اياصوفيا رقم ٣٠٠٩ بخط المؤلف، ونقلت من مصورته في مكتبة السيد المرعشي، في قم رقم ٦٢٤ وصفت في فهرس مصوراتها للعلامة الشيخ محمد علي الحائري ج ٢ ص ١٠٨ وقد ترجم فيه للشيخ المفيد مفتتحاً بقوله:

محمد بن محمد بن النعمان البغدادي، صاحب التصانيف، كان رأس الرافضة وعالمهم، صنف كتباً في ضلالات الرافضة، وفي الطعن على السلف، وهلك به خلق! حتى أهلكه الله في رمضان وأراح المسلمين! وقد ذكره ابن أبي طي ...

(٧) ومن هنا أورده في سير أعلام النبلاء في ترجمة الشيخ المفيد ١٧/٣٤٤ بأوجز ممّا هناوباختلاف

١٢

امه ، حتى يستأجره ثم يعلمه ، وبذلك كثر تلامذته.

وقال غيره ، كان الشيخ المفيد ذا منزلة عظيمة من السلطان ، ربما زاره عضد الدولة ، وكان يقضي حوائجه ، ويقول له : إشفع ، تشفّع ، وكان يقوم لتلامذته بكل ما يحتاجون اليه.

وكان الشيخ المفيد ربعة نحيفاً اسمر. وما استغلق عليه جواب معاند الا فزع الى الصلاة ثم يسأل الله ، فييسر له الجواب ، عاش ستاً وسبعين سنة ، وصنف اكثر من مائتي مصنف وشيعه ثمانون الفاً وكانت جنازته مشهورة (٨).

وترجم له ص ٢٤٧ وقال : في زماننا اليه انتهت رياسة اصحابه من الشيعة الإِمامية في الفقه والكلام والاثار ، ومولده سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة ، وله من الكتب.

وترجم له في العبر ٣ / ١٤ وقال : عالم الشيعة ، وإمام الرافضة ، وصاحب التصانيف الكثيرة قال ابن أبي طي في ـ تاريخه تاريخ الإِمامية ـ : هو شيخ مشايخ الطائفة ... (٩).

وترجم له ابن شاكر الكتبي في عيون التواريخ (١٠) ، في وفيات سنة ٤١٣ قال : «وفيها توفي الشيخ أبو عبدالله محمد بن محمد بن النعمان ... عالم الشيعةوإمام الرافضة صاحب التاصنيف الكثيرة ، قال ابن طي في تاريخ

__________________

يسير وابتدأ الترجمة بقوله: عالم الرافضة، صاحب التصانيف ... كان صاحب فنون وبحوث وكلام واعتزال وأدب، ذكره ابن أبي طي في تاريخ الإِمامية، فأطنبوأسهب وقال: كان أوحد ...

وقال في نهايته: وقيل بلغت تواليفه مائتين، لم أقف على شيء منهأ ، ولله الحمد!

وهذا جهل وإفراط في التعصُّب، فلا يحمد الله على الجهل إلاّ جاهل.

(٨) إلى هنا انتهت ترجمة الشيخ المفيد من تاريخ الاسلام نقلتها حرفياً بطلولها.

(٩) فحكى كلامه بأوجز مما تقدم، وكذا ابن شاكر.

(١٠) مصورة مكتبة المرعشي برقم ٥٤٦.

١٣

الإِمامية : هو شيخ مشايخ الطائفة ...»

وقال في الورقة قبلها في ترجمة محمد بن الهيصم شيخ الكرامية : وكان في زمانه رأس طائفته ، كما كان القاضي عبد الجبار رأس المعتزلة ... والشيخ المفيد رأس الرافضة.

وترجم له ابن حجر في لسان الميزان ٥ / ٣٦٨ وقال : وكان كثير التقشف والتخشع ، والإِكباب على العلم ، تخرج به جماعة ، وبرع في المقالة الإِمامية ، حتى كان يقال : له على كل إمام (١١) منّة ... وقال الشريف أبو يعلى الجعفري ـ وكان تزوج بنت المفيد ـ ما كان المفيد ينام من الليل إلا هجعة ، ثم يقوم يصلي أو يطالع ، أو يدرّس ، أو يتلو القرآن.

وترجم له ابن كثير في البداية والنهاية ١٢ / ١٥ وقال : شيخ الإِمامية الروافض ، والمصنف لهم والمحامي عن حوزتهم ، كانت له وجاهة عند ملوك الأطراف لميل كثير من أهل ذلك الزمان الى التشيع ، وكان مجلسه يحضره خلق كثير من العلماء من سائر الطوائف ...

وترجم له اليافعي في مرآة الجنان ٣ / ٢٨ وقال : عالم الشيعة وإمام الرافضة ، صاحب التصانيف الكثيرة شيخهم المعروف بالمفيد ، وبابن المعلم ايضاً ، البارع في الكلام والجدل والفقه ، كان يناظر اهل كل عقيدة مع الجلالة والعظمى في الدولة البويهية ، قال ابن أبي طي ... (١٢).

وترجم له العلاّمة الحلّي قدّس الله نفسه في خلاصة الأقوال : ١٤٧ وقال : «من أجل مشايخ الشيعة ، ورئيسهم واستاذهم ، وكل من تأخر عنه استفاد منه ، وفضله اشهر من أن يوصف ، في الفقه ، والكلام ، والرواية ، أوثق أهل زمانه ، وأعلمهم ، انتهت رياسة الإِمامية اليه في وقته ، وكان حسن الخاطر ، دقيق الفطنة ،

__________________

([١]) كذا في المصدر والظاهر أنّه خطأ وصوابه إماميّ، وهذا النصّ أيضاً أظنّه من كلام ابن أبي طي وان لم ينص ابن حجر عليه.

(٢) نقل شطراً مما تقدم عن ابن أبي طي.

١٤

حاضر الجواب ...»

وترجم له السيد مهدي بحر العلوم في رجاله ٣ / ٣١١ وقال : «شيخ المشايخ الجلة ، ورئيس رؤساء الملة ، فاتح أبواب التحقيق بنصب الأدلّة ، والكاسر بشقائق بيانه الرشيق حجج الفرق المضلة ، اجتمعت فيه خلال الفضل ، وانتهت اليه رياسة الكل ، واتفق الجميع على علمه وفضله ، وفقهه وعدالته وثقته وجلالته. وكان ـ رضي الله عنه ـ كثير المحاسن ، جم المناقب ، حديد الخاطر ، دقيق الفطنة ، حاضر الجواب ، واسع الرواية ، خبيراً بالرجال والاخبار والأشعار وكان أوثق أهل زمانهه في الحديث واعرفهم بالفقه والكلام ، وكل من تأخر عنه استفاد منه».

١٥

مصنّفات الشيخ المفيد

الذي يبدو من كتب التاريخ والتراجم أنّ الشيخ المفيد كانت له كتب معروفة في الأوساط ، مشتهرة عند العلماء ، منتشرة بين الناس ، فتراهم يعرّفونه بها لاشتهارها وتداولها فقالوا عنه : «محمد بن محمد بن النعمان البغدادي صاحب التصانيف ...» (١٣) ، وقالوا عنه : صاحب التصانيف الكثيرة (١٤) ، وقالوا : كان كثير التصانيف (١٥) ، وقالوا : إنّ له قريباً من مائتي مصنَّف كباروصغار (١٦) ، وقالوا : هي مائتا مصنَّف (١٧) ، بل قالوا : له أكثر من مائتي مصنَّف (١٨).

ولكثرتها وانشاوها ورغبة الناس فيها وإقبالهم عليها عُمل لها فهرس ، وقالوا عنه : إنّ فهرس كتبه معروف (١٩).

ويبدو أنّ النجاشي عندما ترجم في فهرسته للشيخ المفيد برقم ١٠٦٧ ، اعتمد هذا الفهرس في سرد مؤلفاته ، وبواسطته وصلت إلينا قائم شبه كاملة من

__________________

([١]) تاريخ الإِسلام، وفيات سنة ٤١٣ ص ٣٣٢.

(٢) العبر ٣/١١٤، دول الإِسلام ١/٢١٦، عيون التواريخ وفيات سنة ٤١٣، مرآة الجنان ٣/٢٨.

(٣) تاريخ بغداد ٣/٢٣١، ميزان الاعتدال ٤/٢٦، هدية العارفين ٢/٦٢، تاريخ التراث العربي لسزكين ١/٥٥٠ من الأصل الالماني و ٣/٣١٠ من تعريبه.

(٤) فهرست الطوسي: ١٨٦، خلاصة الأقوال: ١٤٧، رجال ابن داود: ١٨٣، تاريخ التراث العربي ١/٥٥٠ من الأصل الالماني و ٣/٣١٠ من تعريبه.

(٥) سير أعلام النبلاء ١٧/٣٤٥، ميزان الاعتدال ٤/٣٠، لسان الميزان ٥/٣٦٨.

(٦) سير أعلام النبلاء ١٧/٣٤٥، العبر ٣/١١٤، مرآة الجنان ٣/٢٨، غربال الزمان: ٣٤٦، شذرات الذهب ٣/٢٠٠، مجمع الرجال ٦/٣٣.

(٧) فهرس الطوسي: ١٨٦.

١٦

مصنّفات الشيخ المفيد ، ولولا ذلك لجهلنا حتى أسماء الكثير منها فإنّ الشيخ الطوسي لم يذكر في فهرسته منها إلاّ ما قرأه هو عليه ، أو سمعه عليه بقراءة غيره ، ولذلك لم يستوعب كلّ مصنفاته ، ومجموع ما سجله هو والنجاشي ، وابن شهرآشوب في معالم العلماء ، والسيد ابن طاووس في كتبه ، من مصنفات الشيخ المفيد يبلغ نحواً لمائتي كتاب ، والطابع العام لمصنفات المفيد إنّما هو الطابع الكلامي.

فإنّا نجد ثلاثة من كتبه في الحديث : الأمالي ومناسك المزار ، والمزار الصغير ، وله أربعة كتب في التاريخ : الإِرشاد ، والجمل ، والتواريخ الشرعية ، والمعراج وخمسة كتب في اُصول الفقه ، واثني عشر كتاباً في علوم القرآن ، ومنها ٤١ كتاباً في الفقه.

وأمّا مصنفاته الكلامية فقد جاوز عددها التسعين كتاباً ، وهي تشكل نسبة الخمسين في المائة ، فنصف مصنفاته في البحوث الكلاميّة وتثبيت العقائد الشيعية والتدليل عليها والردود على المخالفين ، ونصفها الآخر في شتى الأغراض ومختلف المواضيع.

ثمّ نجد في كتبه الكلامية ٣٣ منها في الإِمامة خاصة ، وهي نسبة الثلث في الكلاميات ، وإذا أضفنا إليها عشرة كتب له حول الإِمام المهديّ وغيبته عليه السلام تصبح النسبة إلى مجموع المصنّفات الكلامية قريبة من النصف.

ثمّ هناك نحواً من أربعين كتاباً من مصنفاته المفقودة مجهولة الموضوع ، كالتمهيد ، والانتصار ، والافتخار ، والرسالة العلوية ، وكشف الإِلباس ، وكشف السرائر ، وما شاكلها لا نعرف عنها شيئاً.

فإذا قسناها بما تقدّم من كتبه المعروفة فلا بدّ وأن يكون نحو النصف منها كلامية إنْ لم يكن أكثرها ، وبذلك ترتقي نسبة الكلامية منها إلى الستين بالمائة.

وحتى بعض مصنفاته الفقهية إنّما ألّف فيها وتحدّث عنها من وجهة نظر

١٧

كلامية ، فله أربع رسائل في المتعة ، ورسالة في نكاح الكتابيات ، وتحريم ذبائح أهل الكتاب ، وتحريم الفقاع ، والمسح على الرجلين ، ونحوها كلها تتّسم بطابع كلامي لأنّها خلافية بين الشيعة والسنة.

وكذلك في أُصول الفقه ، فله كتاب في الإِجماع ، وكتاب في اجتهاد الرأي ، وكتابان في القياس وإبطاله ، وكلّ ذلك من المختلف فيه فيما بيننا وبينهم ، وتحمل طابعاً كلامياً.

وبذلك ترتقي نسبة الكلاميات في مصنّفاته إلى ٧٥ بالمائة فقد كرّس رحمه الله حياته المبارك فيها في المحاججات والمناظرات ومقارعة الباطل ومكافحة الضلال ، ودعم العقيدة الشيعية والتدليل عليها وإثبات الحق وتزييف الباطل والردود على المخالفين وإفحام الخصوم ، وبذلك هدى إلى سبيل الحق خلائق لا يحصون وأنقذهم من الضلال (١) وأرشدهم إلى الصواب.

فقد قالوا عنه : إنّه كان له مجلس نظر بداره بدرب رياح يحضره كافة العلماء (٢) ، وقالوا : وكان مجلسه يحضره خلق كثير من العلماء من سائر الطوائف (٣) ، وقالوا عنه : البارع في الكلام والجدل والفقه وكان يناظر أهل كل عقيدة مع الجلالة والعظمى في الدولة البويهية (٤) ، وقالوا : وكان يناظر أهل العقائد كلّهم (٥).

وبذلك أدى خدمات جلّى للإِسلام والمسلمين ، ونصح لله ولرسوله ولأئمة المسلمين ولعامتهم.

وقد كان ينبغي أن يكتب عن حياته عشرات الكتب.

__________________

([١]) راجع تاريخ بغداد ٣/٢٣١، المنتظم ٨/١١، سير أعلام النبلاء ١٧/٣٤٤.

(٢) المنتظم ٨/١١.

(٣) البداية والنهاية ١٢/١٥.

(٤) مرآة الجنان ٣/٢٨، عيون التواريخ.

(٥) غربال الزمان: ٣٤٦.

١٨

والناجز منها قد تجاوز العشرة كتب في ما نعلم ، وهي :

١ ـ التمهيد في ترجمة الشيخ المفيد ، للسيد حسون البراقي النجفي المتوفى سنة ١٣٣٢ ، الذريعة ٣ / ١٦٦ و ٤٣٣.

٢ ـ التمهيد ، في خلاصة ما ذكره العلماء في ترجمة الشيخ المفيد ، للسيد هبة الدين الشهرستاني المتوفى سنة ١٣٨٦ ، الذريعة ٤ / ٤٣٣.

٣ ـ نظريات علم الكلام عند الشيخ المفيد ، باللغة الإِنجليزية لمارتن مكدرموت ، طبع في الولايات المتّحدة سنة ١٩٧٠.

٤ ـ ترجمته إلى الفارسية لأحمد آرام ، باسم : آراء كلامي شيخ مفيد ، طبع في طهران.

٥ ـ تعريبه لعلي هاشم ، باسم : نظريات علم الكلام عند الشيخ المفيد ، طبعه مجمع البحوث الإِسلامية في مشهد سنة ١٤١٣.

٦ ـ تعريبه أيضاً لرضوان السيد ، عرّبه في بيروت بإشراف مولفه باسم : الآراء الكلامية عند الشيخ المفيد.

٧ ـ الشيخ المفيد ، الرجل الذي أحببناه منذ ألف سنة ، للخطيب الشهير الشيخ عبد الحميد المهاجر النجفي المعاصر.

٨ ـ آراء الشيخ المفيد في الإِمامة ، بالفرنسية.

٩ ـ وجه تسمية المفيد بالمفيد ، للمولى إسماعيل الخواجوئي المازندراني نزيل اصفهان المتوفى سنة ١١٧٣ حقّقه العلاّمة السيد أحمد الروضاتي الاصفهاني دام فضله ونشره في طهران سنة ١٤١٣ بمناسبة مرور ألف عام على وفاة الشيخ المفيد.

١٠ ـ الشيخ المفيد مؤرِّخاً ، لعبد الحسين الرحيم ، الطالب العراقي ، من أهل الديوانية بالعراق ، وهو رسالة الماجيستر من قسم التاريخ في كليّة الآداب في بغداد.

١١ ـ أثر الشيخ المفيد في علوم الشريعة ، للشيخ صاحب نصّار

١٩

النجفي ، وهو رسالة ماجيستر بكليّة الفقه في النجف الأشرف ، نوقشت عام ١٩٨٨ ـ ١٩٨٩.

واستيعاب الجوانب العديدة من حياة هذا البطل العملاق والدراسة الشاملة لحياته الخصب يستدعي مجلدات ، فدراسة كلّ جانب من جوانب حياته يأتي كتاباً حافلاً ، وقد كُلِّفت بالكتابة عن مصنفاته وتراثه الفكري الرائع ، وتتم في أقسام ثلاثة :

١ ـ الكتب الموجودة الواصلة إلينا ، وقد طبعت كلها ، والحمد لله.

٢ ـ الكتب المفقودة التي لم تصلنا ولم نظفر بها حتى الآن ، ولربما يكشف لنا المستقبل عن بعض ما يعدّ الآن مفقوداً ، والله غالب على أمره وهو يهدي السبيل.

٣ ـ الكتب المنحولة والمشكوك في نسبتها إليه.

ولا يسعني في هذا المجال إلاّ أن أرفع شكري وتقديري إلى الإِخوة الأفاضل الّذين كتبوا دراسات قيّمة عن الشيخ المفيد ، ووضعوها تحت تصرفي بسخاء قبل نشرها مشكورين ، فأخذت منها.

وأخصُّ بالذكر والشكر منهم زميلنا البحّاثة المحقّق محمد رضا الجعفري ، والعلاّمة المحقّق السيد محمد رضا الحسيني الجلالي ، والفاضل العلاّمة السيد محمد جواد الشبيري الزنجاني ، والمهذب الفاضل الشيخ مهدي الصباحي ، والباحث المنقّب الشيخ رضا المختاري ، والفاضل المهذب علي أكبر زماني ، والفاضل البحّاثة الشيخ محمود درياب ، كان الله في عونهم وأخذ بناصرهم ، وزاد من أمثالهم.

ولا بد لي هنا من الايعاز الى ان هناك مكتبات في العراق كان فيها نسخ من مصنفات الشيخ المفيد ، تركناها عامرة قبل العهد الصدامي المشؤوم وحكمه الطائفي الغاشم ، أبادها أو صادرها هذا الطاغية ، كما دمّر الكثير من المعالم والآثار وقتل وشرّد ، أزاله الله وأراح منه العباد والبلاد.

٢٠